• من خطب الإمام علي عليه السلام

    من خطب الإمام علي عليه السلام


    الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق وعواقب الأمر، نحمده على عظيم إحسانه، ونير برهانه، ونوامي فضله وامتنانه، حمدا يكون لحقه قضاء، ولشكره أداء، وإلى ثوابه مقربا، ولحسن مزيده موجبا، ونستعين يه استعانة راج لفضله، مؤمل لنفعه، واثق بدفعه، معترف له بالطول، مذعن له بالعمل والقول، ونؤمن به إيمان من رجاه موقنا، وأناب إليه مؤمنا، وخضع له مذعنا، وأخلص له موحدا، وعظمه ممجدا، ولاذ به راغبا مجتهدا، لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا، ولم يلد فيكون موروثا هالكا، ولم يتقدمه وقت ولا زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم، فمن شواهد خلقه خلق السموات والأرض موطدات بلا عمد، وقائمات بلاسند، دعاهن فأجبن طائعات مذعنات.
    ومنها: أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش، وأسبغ عليكم المعاش، فلو أن أحدا يجد إلى البقاء سلما أو لدفع الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود، عليهما السلام، الذي سخر له ملك الجن والإنس مع النبوة وعظيم الزلفة، فلما استوفى طعمته، واستكمل مدته، رمته قسي الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطلة، ورثها قوم آخرون.
    وإن لكم في القرون السالفة لعبرة: أين العمالقة وأبناء العمالقة؟ أين الفراعنة وأبناء الفراعنة؟ أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين، وأطفأوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين؟ أين الذين ساروا بالجيوش، وهزموا الألوف، وعسكروا العساكر، ومدنوا المدائن.
    ومن خطبة له عليه السلام: أحمده شكرا لإنعامه، وأستعينه على وظائف حقوقه، عزيز الجند عظيم المجد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، دعا إلى طاعته وقهر أعداءه جهادا عن دينه، لا يثنيه عن ذلك اجتماع على تكذيبه، والتماس لإطفاء نوره.
    فاعتصموا بتقوى الله، فإن لها حبل وثيقا عروته، ومعقلا منيعا ذروته، وبادروا الموت وغمراته، أمهدوا له قبل حلوله، وأعدوا له قبل نزوله، فإن الغاية القيامة، وكفى بذلك واعظا لمن عقل، ومعتبرا لمن جهل.
    وقبل بلوغ الغاية ما تعملون من ضيق الأرماس، وشدة الإبلاس، وهو المطلع، وروعات الفزع، واختلاف الأضلاع، واستكاك الأسماع، وظلمة اللحد، وخيفة الوعد، وغم الضريح، وردم الصفيح، فالله الله عباد الله، فإن الدنيا ماضية بك سنن، وأنتم والساعة في قرن، وكأنها قد جاءت بأشراطها، وأزفت بأفراطها، ووقفتكم على صراطها؛ وكأنها قد أشرفت بزلازلها، وأناخت بكلاكلها وانصرمت الدنيا بأهلها، وأخرجتهم من حضنها، وكانت كيوم مضى وشهر انقضى، وصار جديدها رثا، وسمينها غثا، في موقف ضنك المقام، وأمور مشتبهة عظام، ونار شديد كلبها، عال لجبها، ساطع لهبها،مغيظ زفيرها، متأجج سعيرها، بعيد خمودها، ذاك وقودها، مخوف وعيدها، عميق قرارها، مظلمة أقطارها، حامية قدورها، فظيعة أمورها وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا قد أمن العذاب، وانقطع العتاب وزحزحوا عن النار واطمأنت بهم الدار، ورضوا المثوى والقرار، الذين كانت أعمالهم في الدنيا زاكية، وأعينهم باكية، وكان ليلهم في دنياهم نهارا تخشعا واستغفارا، وكان نهارهم ليلا توحشا وانقطاعا؛ جعل الله لهم الجنة ثوابا، وكانوا أحق بها وأهلها في ملك دائم ونعيم قائم، فارعوا عباد الله ما برعايته يفوز فائزكم، وبإضاعته يخسر مبطلكم، وبادروا آجالكم بأعمالكم، فإنكم مرتهنون بما أسفلتم، ومدينون بما قدمتم، وكأن قد نزل بكم المخوف فلا رجعة تنالون، ولا عثرة تقالون، استعملنا الله وإياكم بطاعته وطاعة رسوله، وعفا عنا وعنكم بفضل رحمته.
    الزمر الأرض واصبروا عن البلاء، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم، فإنه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بيته مات شهيدا، ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما يؤتى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته لسيفه، فإن لكل شيء مدة وأجلا.



    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.