• العقل والنقل 2

    العقل والنقل 2
    طارق شفيق حقي

    - تعريف بالحوار بين الغزالي وابن سينا
    4- قدم العالم.
    5- رأي العلم الحديث في قضية قدم العالم.
    6- خاتمة.
    7- المصادر والمراجع
    بعد استعراضنا العام لبعض الأدوات العقلية في القرآن الكريم كالجدل والظن والاستدلال والتأويل ، وكان القصد تأسيس أرضية علمية عامة حول النقل وهو القرآن الكريم لنفهم أنه كتابٌ معجزٌ مختص في مخاطبة أولي الألباب، وسر عظمة القرآن الكريم أنه خاطب العقل في الإنسان ، فكانت معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم معجزة بيانية عقلية أثرها ينعكس في قلب الإنسان وعقله، بينما كانت المعجزات المادية أهم ما امتاز به الأنبياء والرسل قبل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فكان إنكار المعجزات المادية يستوجب العقوبة الإلهية بشكل مباشر، فحق لنا أن نقول بأن الإسلام كرم الإنسان وخاطب عقله لأن الحضارة البشرية وصلت لمرحلة حُق لها هذا التكريم فكانت اللبنة الأخيرة فيها.
    السؤال الفلسفي هل يستطيع العقل أين يجزم في الغيبيات ؟
    أم أن علينا أن نؤمن بعد أن يتوصل عقلنا إلى الحقيقة عبر المنهج التجريبي ؟
    يرى الغزالي أن العقل قاصر في معرفة الغيبيات ومجال عمله في الأمور القابلة للقياس والتجريب كالطب والهندسة وقد قال بهذا الرأي إمانويل كنت .
    قام العقل المسلم ( الغزالي) بإعادة إنتاج الفلسفة اليونانية وهذا صلب ما نحتاجه اليوم، ففصل الغزالي أساسيات الفلسفة عن تصورات الفلاسفة في الميتافيزيقيا.
    إن رائد التفكيك في الفكر الإنساني وإعادة إنتاج الأفكار كان بلا منازع عظيم علماء المسلمين والحضارة الإنسانية أبي حامد الغزالي رحمه الله.
    لماذا سلم ابن سينا بكل الفلسفة اليونانية ؟

    • ربما انساق بعض الأدباء والفلاسفة والمفكرين العرب للفلسفة الميتافيزيقيا اليونانية لأنها وافقت أهواء نفوسهم، لكن علماء كبار كابن سينا والفارابي لا يمكن القول أن الأهواء تمكنت منهم فابن سينا هو شيخ الأطباء وعالم كبير القدر والمكانة، ربما هي مشكلة البدايات فكل علم جديد له مشاكل زمانية خاصة، فالفكر الإنساني كان دائماً محكوماً بعوامل اجتماعية ونفسية وتاريخية، والعقل عبر تطوره البشري لم يكن يعرف تفكيك الأفكار وفصل العلمي والثابت منها عن الفلسفي العابر.
    • هذا بالضبط ما يواجه المثقفين اليوم ، المنكبين على علوم الغرب دون الاستعانة بقدرات التفكيك وفصل العلمي المثبت من الفلسفي الذاتي الذي لا اثبات عليه، وربما تم اثبات عكسه ، كقضية الأكوان المتوازية وفلسفات الفيزياء النظرية غير المثبتة والإشكالية والتي تمزج مع النظريات العلمية فلا يعرف غير المختص المثبت منها من الخيال الفلسفي فيها.
    • لنضرب مثالاً على ذلك فأينشتاين حين كتب نظريته النسبية توصل إلى أن الكون في اتساع مستمر كما أثبتت له ذلك معادلاته الرياضية، لكن باعتبار أنه يؤمن بفلسفات ما كانت تقول بأن الكون منذ الأزل، قام بصنع ثابت يوازن معادلاته وأسماه الثابت الكوني ، والعجيب أنك ستقتنع بذلك الثابت بمجرد أن تسمع أن من أوجده هو عالم كبير كأينشتاين.
    • لكن ذات العالم أينشتاين وبعد اطلاعه على تجربة العالم هابل اكتشف بالفعل عبر تجربة الانزياح نحو الأحمر بأن الكون بالفعل يتسع وأقر بأن فكرة الثابت الكوني كانت خاطئة.
    • قد تمر بعض الأفكار دون توضيح، آينشتاين يهودي الأصل وكان يؤمن بإله الفيلسوف إسبنوزا و هذا الأخير هو يهودي كذلك لم يكن ملتزماً بالدين اليهودي وكان يؤمن بأفكار الكاباله التي تقول بالحلولية، وهناك كثير من العلماء يؤمن بالأفكار الفلسفية أكثر من الأديان فصارت هذه الفلسفات بمثابة دين لهم، فالله لديهم هو الطبيعة ، وما القدرات التي اكتشفها العلماء في الكون كخواص المادة والعلاقات العلمية الدقيقة والمعادلات الكيميائية والفيزيائية والرياضية إلا هي الله ولذلك يشكل على بعض المثقفين لغة الفلاسفة ويغرر بهم، فحين يذكر الفيسلوف المادي في فلسفته الله فهو يقصد الطبيعة أي المادة ولا يقصد الله في الأديان ولن ندخل في " الله " الخاص بالأدبيات فهو عبارة عن خيالات ورغبات سميت بالله .
    • إن تشبيه الله بخلقه هو قصور عقلي عظيم، زينه العقل وأعلى من شأنه ولقد وقع البعض في مغالطة مماثلة فجعلوا من الفلاسفة أنبياء فتدحرجت كرة الثلج .

    هناك مغالطة مزدوجة هنا : هناك من نسب عبقرية الفلاسفة للسماء وقال بأنها وحي إلهي وأنهم أنبياء، وهناك فريق عد الوحي المنزل على الأنبياء ذكاء وعبقرية بشرية محضة فالأول خلط بين الأدوات العقلية وحاكم المنتج البشري بأدوات دينية، والثاني حاكم الديني بأدوات عقلية ونسبه للبشر.


    • لا بد لنا أن نقول بأن أفكار ابن رشد وترجمته للفلسفة اليونانية قد وصلت إلى إسبنوزا وقد تأثر إسبنوزا بابن ميمون وغيره من الفلاسفة اليهود بحكم التعايش الإنساني في الأندلس فكان لليهود دور كبير في نقل فلسفة ابن رشد إلى الغرب إثر هجرتهم من إسبانيا عقب محاكم التفتيش الكاثوليكية واستقرارهم في بلدان أوربية ظهر فيها التسامح والتعايش كهولندا.



    • إذن أينشتاين قد تأثر بفلسفة إسبنوزا والفلسفة اليونانية التي كانت تقول بقدم العالم وأزليته ، رغم أن الأديان السماوية متفقة على خلق الكون وأنه محدث.
    • هنا يُغلب عقل العالم العقلَ على النقل ،فهو يؤمن بالعقل أكثر من النقل، وربما لا يمكننا محاكمته بكل هذه البساطة فالكتب السماوية حُرفت وتغيرت كثيراً ، واليهودية والمسيحية افترقت على أديان كثيرة متناقضة فكان العقل هو الملجأ.
    • لكن هذا الهروب بغض النظر عن الدوافع لا يعفينا من نقد صحته ، فالعلم المثبت أثبتَ لأينشتاين بأن معادلاته صحيحة وفلسفته خاطئة فتراجع عن فلسفته وإن كان له فلسفات أخرى تتعقل بمكانيك الكم حين قال :" هل الله يلعب بالنرد"
    • هنا يمكننا أن نقول بأن العلم المثبت انتصر للغزالي على حساب الفلسفات العقلية التي كانت تقول بأن العالم قديم.
    • وهذا يدل دلالة قاطعة بأن العلم متفق تماماً مع النقل، كيف لا والقرآن كلام الله الذين أنزله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنزل الله علمه في صدور العلماء، فالنقل والعلم من الله .
    • ربما نلحظ قبول كثير من المفكرين والعقلاء الملاحدة ربما وغير المؤمنين بالإسلام، قبولهم وتمجيدهم لما أتى به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويمكننا أن نلحظ أنه يسمون ذلك بالعبقرية والذكاء فينسبون هذا الإنجاز الحضاري لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ذلك أنهم لا يؤمنون بأنه من الله ولدى عقولهم تسليم بأن ما جاء به نافع للإنسانية فكتبوا فيه الكتب ومدحوه ومجدوه.
    • في قضية الغيبيات لا ينفع فيها العقل فقط ، بل لا بد من التسليم القلبي ونحن نهمل دور القلب في دراستنا المعاصرة لأن جلها يعتمد على العلوم المادية .
    • مهما اجتهد العقل وأقر بصحة ما جاء به الأنبياء فإنه لن يؤمن ويسلم بغير الإيمان القلبي ، ولذلك كانت المجادلات في الدين يجب أن تبدأ من الأصول لكي لا تغرق في الفروع .
    • الغزالي دافع عن النقل بالعلم ونازل الفلاسفة بسلاحهم وهزمهم فلم تقم للفلسفة الإلهية قائمة بعدها لفترة طويلة، روعة عمل الغزالي كان في تبنيه منهجاً عقلياً جديداً لم يعرف إلا في زماننا هذا وهو التفكيك، فما وقع فيه فلاسفة لهم اجتهادهم كابن سينا والفارابي هو في تقبلهم الفلسفة كاملة دون نقدها وتفكيكها.
    • أما الغزالي فقام بعملية فصل بين ما يخص العلوم العقلية والتجريبية وما يتعلق بالإلهيات، حتى تكفير الغزالي لم يكن عاماً شاملاً مطلقاً على الأشخاص، بل اعترف الغزالي بأن هؤلاء الفلاسفة من أهل القبلة والشريعة ، لكنه كفر ثلاث أفكار لديهم وهذا الخلق والسلوك لهو سلوك علمي يحتذى.
    • وهنا التكفير يدخل في إطاره العلمي لا كما يسوقه الجهلة، فالقول الخاطئ في الشريعة الإسلامية وخاصة في موضوع دقيق العقيدة يعد كفراً لأنه يختلف مع النقل المنزل بالوحي، ليس الكفر هنا كفراً مجانياً أو اتهاماً ، بل هو عمل علمي دقيق، لأنه لا بد لعالم عظيم كالغزالي أن يبدي رأيه العلمي في ما ذهب إليه ابن سينا والفارابي ، لا شك أن ابن سينا اجتهد في مذهبه العقلي ولم يكن يظن بأنه يخالف النقل لأنه لو أقر بأنه يخالف النقل لكفر على الاطلاق، لكنه ظن وفق علمه بأن ذلك متطابق مع النقل .
    • هنا وقبل البت في الحقيقة، فإما أن يكون كلام الغزالي صحيحاً وكلام ابن سينا كفراً وإما العكس كذلك ، فالقضية لا تحتمل رأياً ثالثاً.
    • إن كان الغزالي قد استطاع أن يثبت خطأ ما ذهب إليه ابن سينا، فالعلم المادي التجريبي المثبت حديثاً أثبت بأن الغزالي كان محقاً وأن الكون من حولنا محدث كما أخبرنا بذلك الله عز وجل، ويقال بأن ابن سينا في آخر أيامه تاب إلى الله عن هذه الأفكار.




    الفلسفة المشائية في الإسلام

    • "الفلسفة المشائية انتقلت الى العالم الاسلامي في بغداد مقبلة من حران وأنطاكيا بعد أن جفت منابعها في مدرسة الإسكندرية ورحلت عنها أيام الفتح الاسلامي ، وقدر لها أن تلقى قبولاً من بعض المفكرين الإسلامين مثل الكندي والفارابي وابن سينا واتخذوها مادة خصبة لما أطلق عليه فيما بعد الفلسفة المشائية في الإسلام ، خاصة وأنهم كانوا ينظرون إلى هذا التراث على أنه نتاج العبقريتين الخالدتين العبقرية الأفلاطونية ، والعبقرية الأرسطية"
    • غير أن تاريخ الفكر الفلسفي يظهر أيضاً أن هذه الفلسفة التي وجدها العرب لم تكن خالصة النسب إلى أفلاطون وأرسطو ، وإنما كانت تضم أيضاً عناصر الفلسفة اليونانية ، ونزعات صوفية ، واتجاهات دينية من يهودية إلى مسيحية ، خاصة أن إغراء الفلسفة اليونانية عند فلاسفة الإسلام كان بالغاً مداه إلى الحد الذي اعتقدوا معه بالعصمة المطلقة لهذه الفلسفة ، وكانت نظرتهم إليها كوسيلة نافعة في إثبات حقائق الدين ."

    اقرار الغزالي بإيمان ابن سينا والفارابي

    • يقر الغزالي بأن الفلاسفة براء مما قذفوا به من جحد الشرائع، وأنهم مؤمنون بالله ومصدقون برسله" وأن كل ما يؤخذ عليهم هو أنهم " اختبطوا في تفاصيل بعض هذه الأصول "
    • وهو يرد على الفلاسفة العرب كابن سينا والفارابي وتلامذتهم وقد أخذوا من فلاسفة اليونان كأرسطو واكتفى الغزالي بالرد على مسائل دينية خاض فيها الفلاسفة منها القول بحدوث العالم وصفات الصانع وبيان حشر الأجساد والأبدان" وسنقف عند مسألة حدوث العالم.
    • يعد كتاب " تهافت الفلاسفة " من أهم مؤلفات العرب في الفكر الفلسفي فالغزالي وإن كان أشعرياً لكن لم يرد عليه من مقولات الأشاعرة بل استخدم ذات السلاح العقلي الفلسفي ودحض حجج ابن سينا والفارابي ورغم أن هناك من سبقه للرد عليهم لكن لم يكن مقنعاً كما كان الغزالي فلم تقم قائمة للفلاسفة في المشرق بعد كتاب تهافت الفلاسفة( المقصود الفلسفة الإلهية).



    • تأثير كتاب تهافت الفلاسفة : "ليس أهمية الكتاب في تكفير الفلاسفة، بل إن غاية الكتاب هو إسقاط قيمة الفلسفة العلمية، والحطُّ من مكانتها، وإثبات إنها مجموع أفكار وتَخيلات، وقياسات وتخمينات، وبذلك خدم الغزالي الدين خدمة باهرة، وخلَّف الفلسفة التي كانت وَتحُلُّ من نفوسهم محلَّ القدسية والإجلال، خلفَّها الغزالي بضرباته الموجعة وهجماته العنيفة إلى الوراء، أو وقفها على الأقل وشغلها بنفسها والدفاع عن نفسها ولم تستطع الأوساط الفلسفية أن تُقدم كتاباً قوياً جديراً بالذكر يرد على " تهافت الفلاسفة رجال الفكر والدعوة".



    • يقول علماء الإفرنج : إن الغزالي طعن الفلسفة في الشرق العربي طعنة قاضية، وكاد يكون نصيبها في الغرب كذلك، لو لم تَلق في ابن رشد حامياً لها أحياها قرناً من الزمان رجال الفكر والدعوة.



    • حاربها دفاعاً عن الإسلام وخدمة لدينه، وقد كانت الفلسفة حرباً على الدين.

    لم يحارب الفلسفة كلها، إنما حدد معركته مع الفلسفة الإلهية الإغريقية.
    أبعد عن الفلسفة العلوم الأخرى التي كانت منضوية تحت لوائها، فجعلها وحيدة بعيدة عن جنودها الذين كانت تستخدمهم كسياج في الدفاع عنها، وقد أصبحت هذه العلوم فيما بعد مستقلة قائمة بذاتها مثل : الرياضيات، والطبيعة الفيزياء والمنطق، وعلم الأخلاق، والسياسة.
    رفع الحصانة عنها، وأزال تلك الهالة التي كانت تضفي عليها التقديس والاحترام وأثبت أنها مجموعة أفكار، وتخيلات وقياسات وتخمينات. وهكذا لم ير الغزالي، فيها بعد تعريتها ما يصلح أن يكون " علماً " ولذلك عندما تحدث في كتابه " الإحياء " عن العلوم لم يعَّد الفلسفة علماً وأوضح ذلك بقوله " وأما الفلسفة فليست علماً برأسها بل هي أربعة أجزاء :
    أحدها : الهندسة والحساب.
    الثاني : المنطق : وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه.
    الثالث : الإلهيات .. وكما أن الاعتزال ليس علماً برأسه بل أصحابه طائفة من المتكلمين .. فكذلك الفلاسفة.
    الرابع : الطبيعيات ،وبعضها مخالف للشرع. وبعضها بحث عن صفات الأجسام الإمام الغزالي للشامي ص 87 إحياء علوم الدين (1/22). ويعطينا خلاصة رأيه في كتابه المنقذ من الضلال فيقول : ثم إني لما فرغت من علم الفلسفة، وتحصيله، وتفهيمه وتزييف ما يزيف منه، علمت أن ذلك أيضاً غير واف بكمال الغرض، وأن العقل ليس مستقلاً بالإحاطة بجميع المطالب، ولا كاشفاً للغطاء عن جميع المعضلات المنقذ من الضلال ص 130. .
    موقف الغزالي بين العقل والنقل : يؤكد الغزالي هنا مبدأ مهماً وهو أن العقل والشرع لا يتعارضان تعارضاً حقيقياً من الناحية النظرية لأن كليهما نور من عند الله، فلا ينقض أحدهما الآخر، ولا من الناحية العملية، فلم يثبت أن اصطدمت حقيقة دينية بحقيقة عقلية، بل يرى الغزالي أن أحدهما يؤيد الآخر ويصدقه الغزالي بين مادحيه وناقديه ص 43 ، 44. ، بل نراه في (المستصفى) وهو من أواخر ما صنف، يعتبر العقل قاضياً، والشرع شاهداً، حيث يقول بعد الديباجة : أما بعد فقد تناطق قاضي العقل، وهو الحاكم الذي لا يعزل ولا يبدل، وشاهد الشرع، وهو الشاهد المزكى المعدل بأن الدنيا دار غرور لا دار سرور .. ومحل تجارة، لا مسكن عمارة، ومتجر بضاعتها الطاعة، والطاعة طاعتان؛ عمل وعلم، والعلم أنجحها وأربحها فإنه أيضاً من العمل، ولكنه عمل القلب الذي هو أعز الأعضاء، وسعي العقل الذي هو أشرف الأشياء لأنه مركب الديانة، وحامل الأمانة، إذ عرضت على الأرض والجبال والسماء، فأشفقن من حملها وأبين أن يحملنها غاية الإباء المستصفى (1/3). ، وها هو في الأحياء نراه يدعو إلى المزج بين العلوم العقلية والعلوم الدينية يبين الحاجة إلى كل منهما، ويقرر أن لا غنى بالعقل عن السمع، ولا غنى بالسمع عن العقل : فالداعي إلى محض التقليد مع عزل العقل بالكلية جاهل والمكتفي بمجرد العقل عن أنوار القرآن والسنة مغرور، فإياك أن تكون من أحد الفريقين، وكن جامعاً بين الأصلين، فإن العلوم العقلية كالأغذية والعلوم الشرعية كالأدوية، والشخص المريض يستفر بالغذاء متى فاته الدواء، فكذلك أمراض القلوب، ولا يمكن علاجها إلا بالأدوية المستفادة من الشريعة الإحياء (3/17). . ثم يحمل الغزالي بقوة على من يظن أن ثمت تناقضاً بين العقليات والشرعيات فيقول : وظن من يظن أن العلوم العقلية

    متناقضة للعلوم الشرعية وأن الجمع بينهما غير ممكن، هو ظن صادر عن عمى في عين البصيرة نعوذ بالله منه، بل هذا القائل ربما يناقض عنده بعض العلوم الشرعية لبعض فيعز عن الجمع بينهما، فيظن أنه تناقض في الدين، فيتحير به، فينسل من الدين، انسلال الشعرة من العجين، دائماً ذلك، لأنه عجزه في نفسه خيل إليه نقصاً في الدين وهيهات الإحياء (3/179 الإمام الغزالي بين مادحيه وناقديه ص 46. .
    ثم أن جاء كتاب ابن رشد (1126-1198) " تهافت التهافت "
    ابن رشد وقف موقفاً وسطاً وقال العالم ليس بقديم وليس محدث لكنه أكد قدم العالم
    هذا الموقف من قدم العالم أحاله لمشكلة أخرى وهي إشكالية وجود قديمين وإشكالية اتصال الإله بالعالم وإشكالية صدور الكثرة عنه
    فكان الحل بوحدة الوجود ولننظر ما هي خطورة الانحرافات التي يمكن أن تصيب العقيدة فتنقل من فساد إلى فساد.
    تبنى ابن رشد نظرية أرسطو في الموجود الذي لا هو داخل العالم ولا هو خارجه كما في كتابه تهافت التهافت
    ولقد قال بذلك الباروخ إسبنوزا فيقول لا يوجد جوهران بل جوهر واحد لكنه خارج العالم وهو مفارق للمادة
    وكان للفيسلوف كانط (1724-1804) وقفة عند قدم العالم في كتابه " نقض العقل الخالص " لكنه عالج الإشكالية بطريقة مبسطة للغاية على أنها مجرد تناقض بين القدم المطلق والحدوث المطلق، وهي طريقة سهلت عليه الامتناع عن الفصل في المسألة بحجة أنها تتجاوز قدرة العقل البشري تمثل توسيعاً لتصورات ملكة الفهم البشري إلى ما يتجاوز كل خبرة تجريبية وانتهى كانط إلى عدم قدرة العقل البشري على ترجيح أحد المتناقضين.

    قدم العالم
    قال فلاسفة اليونان بأن العالم قديم وصدروه عن الموجود الأول ضرورة ، فتأثر فلاسفة الإسلام بهم ومنهم ابن سينا والفارابي .
    هذا القول يناقض العقيدة الإسلامية لما فيه من نفي لإرادة الله -
    يقول أرسطو "" ولا فائدة في إحداث الأمور من الظلمة ومما هو غير موجود له""
    أَرِسْطُو وعنه أخذ الفلاسفة فكرة قدم العالم( 384 ق.م - 322 ق.م )

    كذلك أستاذه أفلاطون يقول بقدمه لكنه بشكل مختلف ومنهم من ينسب هذا الكلام لسقراط
    إن للعالم صانعاً محدثاً مبدعاً أزلياً واجباً بذاته عالماً بجميع المعلومات
    قال الدكتور يوسف كرم في تاريخ الفلسفة اليونانية:" والحق أن فكرتي حدوث العالم والإبداع من لا شيء لم تكونا معروفتين عند اليونان"
    " أن ((الفلاسفة)) الدوريين (الدهرية) يقولون بقدم العالم وهم سابقون لأرسطو " .
    كانوا يعيشون في الجزء الشمالي الغربي من الوطن الإغريقي القديم قبل سنة 1200 ق.م

    قام فردريك الثاني و طلب إلى بعض علماء المسلمين أن يفسروا ما بين آراء أرسطو والإسكندر الأفروديسي من تناقض في خلود العالم.


    يتبع

    المصادر والمراجع

    1. القرآن الكريم
    2. المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة.
    3. تهافت الفلاسفة لأبي حامد الغزالي.
    4. تهافت التهافت لابن رشد.
    5. معيار العلم في فن المنطق لأبي حامد الغزالي.
    6. الاستهلال في القصة – طارق شفيق حقي.
    7. إسبنوزا للدكتور فؤاد زكريا.
    8. معجم المصطلحات العربي – مجدي وهبه.
    هذه المقالة نشرت أصلا في موضوع المنتدى : العقل والنقل 2 كتبت بواسطة طارق شفيق حقي مشاهدة المشاركة الأصلية
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.