• المناهل التاريخية للتقارب والتفاهم المتبادل بني العرب وروسيا - محمد خير الوادي

    المناهل التاريخية للتقارب والتفاهم المتبادل بني العرب وروسيا - محمد خير الوادي :

    طلبت الي اكاديمية العلوم الروسية في سانت بطرسبورغ –التي انتخبتني عضواً اصيلاً فيها منذ عام2014 ، أن أعد دراسة لنشرها في مجلاتها العلمية . وبعد جهد شاق انهيت بحثا اكاديميا باللغة الروسية بعنوان :" المناهل التاريخية للتقارب والتفاهم المتبادل بني العرب وروسيا " ، قلت فيه ان العلاقات الأولى بين العرب والروس تعود لألف سنة مضت

    ، وان هذه الصلات بدأت على يد الرحالة العرب (ابن فضلان وابن بطوطة والمقدسي والمسعودي وغيرهم ) ، والروس (ايغومين دانيلا،وافاناسيف وغيرهما) الذين نفذوا رحلات استكشافية متبادلة ، ودونوا انطباعاتهم ومشاهداتهم في كتب تحدثوا فيها عن انماط الحياة والعمران وعادات السكان، من مأكل ومشرب وملبس وطبيعة الحكم . ولا تزال هذه الرسائل والكتب تقرأ وتنشر حتى اليوم ،وتعتبر مراجع تاريخية مهمة . واشرت في البحث الى ان ترجمة كنوز الادب العربي والقرآن الكريم الى اللغة الروسية على يد المستعربين الروس وبعض العرب في القرنين الثامن عشروالتاسع عشر ، قد تركت تأثيرا كبيرا على كبار كتاب وشعراء روسيا ، مثل بوشكين الذي كتب تسع قصائد من وحي القران ، وتولتستوي الذي نشر نحو اربعين بحثا عن الاسلام والنبي محمد اهمها " النبي" و"أحاديث محمد" ، وغوغل الذي اعتبر العرب "زينة شعوب الشرق "، والشاعر ايفان بونين الذي تغنى في قصيدته " احفاد النبي " بدمشق المقدسة وبحدائقها الغناء ،وليرمنتوف الذي انشد شعرا: (آيةٌ مقدّسة .. مخطوطةٌ بالذّهب ). وفعليا لم يبق كاتب أو شاعر كبير في روسيا آنذاك لم يتأثر بالادب العربي وبالقرآن الكريم . واشرت في البحث ثلاثة أمور : اولها : ان كلا من الاسلام والارثوذكسية الروسية قد لعبا دورا كبيرا في توفير الظروف المناسبة لقيام علاقات متكافئة مبنية على الاحترام بين الروس والعرب .فوجود التماثل في القيم بين الديانتين وانعدام الصراع والتناقض بينهما ، شجع الروس على السفروالحج الى الاماكن المقدسة والتعرف على المناطق العربية في كل من سورية وفلسطين ، كما حفزالعرب ،حكاما وموا طنين ، على ارسال البعثات الدبلوماسية من أجل استكشاف سبل التعاون والتجارة مع المقاطعات الروسية .ولم يتعامل الروس مع الاسلام – كما فعلت وتفعل اوساط غربية كثيرة – كعدو خطر ينبغي التصدي له ، بل اعتبرته دينا عالميا صديقا . والثاني : بخلاف العلاقات الاوربية العربية التي عانت من الحروب والاطماع الاستعمارية والمؤامرات الغربية لاضعاف العرب وتفتيتهم ، فقد تميزت العلاقات بين العرب وروسيا بالرغبة الثنائية في التعاون ومعرفة الآخر. فلم تشهد الصلات العربية الروسية اية حروب ،او صدامات دامية بل حهود سلمية مشتركة للتطوير وتحقيق المنفعة المتبادلة .حتى الصراع التركي الروسي الذي استمر سنوات طويلة ، لم يكتسب السمة الاسلامية والعربية الشاملة ،بل بقي محدودا في اطار الخلافات بين الدولتين آنذاك . والثالثة ،ان الهم الاساسي للمستعربين والرحالة الروس كان معرفة احوال العرب ، وبحث سبل التعاون والتقرب معهم ، بعكس الرحالة والمستعربين الاوربيين ، الذي عملوا أدلاء وطلائع للقوى الاستعمارية الطامعة في تفتيت العرب وغزو اراضيهم ونهب خيراتهم . واشرت في البحث كذلك ، الى ان انتشار الادب الروسي في المنطقة العربية على يد المترجمين العرب في القرن العشرين ، قد ترك بصمات كبيرة على الكتاب والادباء العرب ، حيث عزز الواقعية والسمة الانسانية لدى عدد كبير منهم ، واسهم في نشر الواقعية الاشتراكية بينهم .وتطرقت الى ان انهيار الاتحاد السوفياتي قد اوقف عملية التبادل الثقافي بين روسيا والدول العربية ، وان محاولات جادة تبذل الآن لانعاش التعاون الثقافي والديني بين روسيا والعرب ، هذا التعاون الذي كان على مر التاريخ جسرا متينا للتفاهم والتاثير المتبادل بين الجانبين .
    ..
    .
    بعد ان سلمت البحث بعدة ساعات ، اتصل بي رئيس اكاديمية العلوم ،واشاد بالقيمه العلمية الرفيعة للبحث ، واعلمني انه قد نشره - رغم حجمه الكبير -كمادة اولى على الموقع الرسمي للاكاديمية ، وان سينشره لاحقا في المجلات الدورية التي تصدرها الاكاديمية .
    ..
    وقال :" بعد التشاور مع مجلس امناء الاكاديمية قررنا منحك اعلى وسام في الاكاديمية هو وسام بطرس الاكبر تقديرا لجهودك في انجازه هذا البحث ، الذي ينير الطريق امام اجيال كثيرة في روسيا تجهل عمق العلاقات التاريخية بين العرب والروس . تأثرت كثيرا بكلمات المسؤول الروسي وتقديره العالي ، وسعدت جدا لانه وجد من يقدر جهدا ،ويكافؤ "العامل على انجازعمله قبل ان يجف عرق جبينه ".
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.