• هل مضى زمن الملاحم - يسري عبد الغني عبد الله


    هل مضى زمن الملاحم .. ؟

    ( رؤية أدبية مقارنة )


    بقلم

    يسري عبد الغني عبد الله

    باحث ومحاضر في الدراسات العربية

    والإسلامية والمقارنية




    محاولة للتعريف :-

    تعتبر الملحمة من أهم الأنواع الشعرية ، وهي تعتمد على سرد قصة بطولية تقوم على الحكاية ، وتصدر من أبطالها أفعالاً عجيبة ، وحوادث خارقة للعادة ، وتشتمل على الوصف والحوار وتصوير الشخصيات والخطط ، وتجنح أحياناً إلى الاستطراد وعوارض الأحداث .

    وفي تعريف آخر للشعر القصصي أو الملحمي : هو شعر موضوع يعبر فيه الشاعر عن موضوع قصصي مستمد من حياة الأبطال ، والبطولات ، والمعارك التاريخية ، مع مزج ذلك كله بهالة أسطورية ، مثيرة للمشاعر .

    وهذا النوع المسمى بالملاحم الشعرية والمعتمد على الخيال والحكاية والتاريخ ، ينشأ عند الشعوب الفطرية إذ يسهل لديهم الاعتقاد في الأرواح والجن والأشباح والسحر ، وتدخل الملائكة والشياطين في شئون الناس .

    وللملحمة في أبطالها وحوادثها أصول تاريخية ، ولكنها تختلط بالأساطير والخرافات مناسبة بذلك البيئة التي لا تفرق بين الحقائق والخيال .

    وأبطال الملحمة أشخاص أسطوريين من الوطنيين أو من المصطفين من أبطال العقائد الدينية .

    وهي تمثل العهود الإقطاعية ، وتتحدث عن الفرد لا عن المجتمع ، فتمثل بعضهم بمظهر البطل الفذ ، وتنسى أو تتناسى الشعب الذي لا يكون له أي اعتبار في هذه الملاحم الشعرية ، وكما قلنا فإن ذلك يتضح جلياً في الملاحم الأولى الفطرية .

    أما الملاحم المسيحية فيبدو الشعب في صورته الطبيعية ، ولكن على أنه تابع يقوم برسالته الخاصة بعقيدته ، أو تجاه الأبطال من سادته .

    هذا ، ومن المعروف لنا أن هذا النوع الأدبي بدأ ظهوره عند اليونان ، ثم انتقل منهم إلى الأدب اللاتيني في مرحلة التقليد أو المحاكاة في أوربا لكل ما هو يوناني أو روماني .

    بين الإلياذة والأوديسا :-

    ففي اليونان القديمة ظهرت (الأوديسا) و (الإلياذة) ، لشاعر اليوناني / هوميروس ، وقد قلده بعد ذلك الشاعر اللاتيني / فرجيل ، الذي عاش في الفترة من سنة 89 إلى 19 قبل الميلاد ، وذلك في ملحمته (الإنياذة) .

    وهذه الملاحم تدور حول أحداث جرت بعد حرب طروادة ، صورها هوميروس اليوناني ، وسار على نهجه فرجيل اللاتيني .

    نجد هوميروس في الأوديسا يتكلم عن عودة أودسيوس من هذه الحرب بعد نهايتها بعشر سنين ، وعن الحوادث التي نجمت عن غيابه من تنافس أمراء إحدى الجزر على الحظوة لدى زوجته ، وتدخل الآلهة إلى خيمته ، ثم يتم الإفراج عنه ، ويعود إلى زوجته ، متغلباً على خصومه .

    وتقوم حوادث الإلياذة اليونانية على ذكر حصار طروادة ، وانقسام الآلهة بين مؤيد لليونانيين ، ومؤيد للطرواديين ، ففي بداية حوادثها يأسر (إجاممنون) بنت كاهن الإله (أبوللو) ، وبعد ذلك يتفشى وباء الطاعون في الجيش اليوناني ، وتتوالى هزائمه .

    وفي الملحمة صورة وافية لحياة الطرواديين في الحصار ، وما يسود المحاربين من روح الفروسية ، ومن المناظر الرائعة فيها ، منظر (كنور) وهو يودع زوجته (أندروماك) ، ويداعب طفله قبيل ذهابه إلى الحرب ذهاباً لا رجعة منه .

    كذلك صورة (هيلين) اليونانية وهي نادمة أشد الندم على هروبها مع (باريس) الطروادي ، وما جره ذلك على قومها من ويلات ، إلى آخر الأحداث العديدة التي ترويها تلك الملحمة .

    فرجيل يكتب الإنياذة :-

    أما حوادث ملحمة (الإنياذة) التي كتبها (فرجيل) اللاتيني فتبدأ من نجاة (إبنياس) الطروادي من طروادة ، ومعه بعض أتباعه ، وذلك عقب تدميرها على يد اليونانيين ، وفيها أيضاً تتدخل الآلهة بعد سفر ومغامرات في البحار استغرقت ست سنوات ، في صورة حلم رآه (إبنياس) ، لتتشكل بذلك قصة خيالية تحكيها هذه الملحمة ، كما أنها تتحدث عن العالمالآخر ، وتحتوي على ذكر الأرواح التي ستهبط لدار الدنيا ، ومنهم العظماء اليونانيين ، كما أنها تحتوي على تفصيلات خيالية مثيرة .

    والإنياذة في مجملها تتكلم عن أسفار البطل (إبنياس) حتى وصوله إلى إيطاليا ، وهي محاكاة فنية دقيقة لأوديسا هوميروس اليونانية ، هذا في القسم الأول منها ، أما في القسم الثاني نجده يتحدث عن حروب (إبنياس) وتغلبه على مناوئيه في منطقة (لاسيوم) وتأسيسه لإمبراطورية الرومان ، وهي على الإجمال محاكاة للإلياذة .

    وإذا كان الأديب العربي / سليم البستاني قد ترجم الإلياذة لهوميروس اليوناني ، سنة 1904 م ، فإنه في سنة 2004 م ، قام الدكتور / أحمد عتمان بالاشتراك مع مجموعة من المترجمين ، بترجمة الإلياذة مرة أخرى ، وصدرت عن لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة لوزارة الثقافة المصرية .

    وبالنسبة للإنياذة للشاعر الروماني / فيرجيل أو فيرجيلوس ، فقد ترجمها الدكاترة / عبد المعطي شعراوي ، ومحمد حمدي إبراهيم ، وأحمد فؤاد السمان ، وصدر الجزء الأول منها أوائل سنة 1971 م ، والجزء الثاني سنة 1977 م ، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة ، أي بعد ست سنوات من إصدار الجزء الأول .

    ولكن جاء في مقدمة ترجمة الجزء الثاني ، أن هذا الجزء صدر بعد مضي أربع سنوات ، أي في سنة 1975 م . !!

    وقد حاز الجزء الأول على جائزة الدولة التشجيعية في الترجمة إلى العربية لعام 1973 م ، تلك الجائزة التي يمنحها المجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب (المجلس الأعلى للثقافة حالياً) لأحسن ترجمة صدرت على مستوى جمهورية مصر العربية .

    ولعل ذلك يجعلنا نؤكد حاجة المكتبة العربية إلى مزيد من تلك الترجمات الدقيقة التي تضع الأعمال الإبداعية العالمية الخالدة بين يدي القارئ العربي ، وتأخذ مكانها في المكتبة العربية ، كما أننا في حاجة ماسة إلى تشجيع الباحثين والمتخصصين من أجل مضاعفة الجهد في العمل من أجل القيام بالترجمات الأدبية والعلمية الجادة التي تعود بالنفع والفائدة على جمهور القراء العرب .

    كوميديا دانتي :-

    أما الملحمة الدينية فخير ممثل لها (الكوميديا الإلهية) التي كتبها الشاعر الإيطالي / دانتي إليجيري ، الذي عاش من سنة 1265 م إلى سنة 1331 م ، وهي تتسم بسمة دينية ، وتتناول الحديث عن الرحلة إلى العالم الآخر ، وهي بالطبع تختلف عن ملحمتي (الإلياذة) و (الأوديسا) .

    وهذا الموضوع الذي تناوله دانتي رمز به إلى الإنسان بما فيه من فضائل ورذائل بوصفه خاضعاً للعدل الإلهي ، المسبب ، المعاقب ، ولكن دانتي إقتفى أثر فرجيل في الإنياذة وذلك عندما تحدث عن الصلة بالعالم الآخر ومع ذلك فإن لدانتي أصالته في الصور الفنية ، وفي وصفه لعصره ، وفي الرمزية التي لجأ إليها .

    تأثر دانتي بقصة الإسراء :-

    ويؤكد بعض الباحثين من الغربيين تأثر دانتي الإيطالي في ملحمته الكوميديا الإلهية بحادثة الإسراء والمعراج التي وقعت للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) في التراث الإسلامي ، وذلك عن طريق اطلاع دانتي على مخطوطة أصلها عربي وموضوعها أو عنوانها (معراج الرسول) ، وقد ترجمت هذه المخطوطة إلى اللغة الأسبانية ، ثم إلى اللغة الفرنسية ، وبعد ذلك إلى اللغة اللاتينية .

    وتوجد نسخة من هذه المخطوطة ضمن محفوظات المكتبة الأهلية بالعاصمة الفرنسية باريس ، وهي المخطوطة اللاتينية ، ولعل هذا يفيدنا في مسألة تأكيد تأثر دانتي الإيطالي بالأدب الإسلامي ، تأثراً لا مجال لأدنى شك فيه .

    ففي ملحمة دانتي ما يشبه الحديث عن الملائكة الذين كانوا يشرحون للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم ) في رحلته السماوية ما يراه ، ويريد تفسيراً له .

    وكذلك فإن دانتي يذكر في ملحمته الدينية حديثاً عن رؤية الله سبحانه وتعالى ، وأنها حدثت في السماء الثامنة حيث يوجد العرش ، ويصف دانتي ما بهر به من الألوان والأنوار والجوانب الروحية ، مما يعد أخذاً مباشراً من قصة المعراج في التراث الإسلامي .

    ويذهب عدد من الباحثين إلى أن دانتي قد تأثر في ملحمته برسالة الغفران لأبي العلاء المعري الشاعر العباسي ، ورغم أن هؤلاء الباحثين لم يقدموا أدلة ثبوتية قاطعة في هذا المجال ، إلا أننا نؤكد على تأثر دانتي بالأصل ألا وهو قصة المعراج التي اطلع عليها ، والمعري نفسه تأثر بهذه القصة ، وعليه فالأصل كما يقولون يجب الفرع .

    وهنا لابد أن نشير إلى الترجمة القيمة التي قام بها الدكتور / حسن عثمان لكوميديا دانتي الإلهية ، حيث بذل فيها جهداً كبيراً استغرق حياته كلها ، فعليه رحمة الله .

    ومما سلف يتضح لنا أن الملاحم الشعرية ، كانت ونوعين : أحدهما ، الملاحم الوطنية أو التاريخية ، كما رأينا عند هوميروس اليوناني ، وفرجيل الروماني .

    والنوع الثاني ، الملاحم الدينية والتي تمثلها ملحمة الكوميديا الإلهية لدانتي الإيطالي .. ولا تخرج أشهر الملاحم العالمية عن هذين النوعين .

    وقد ظهرت بعض ملامح الشعر الملحمي في الشعر العربي القديم وذلك في قصائد الحماسة ، وأشعار المعارك الحربية .

    الملحمة في الأدب العربي الحديث :-

    وبعد أن قوي اتصال العرب بتيار الثقافة الغربية ، وتم ترجمة الإلياذة والأوديسا إلى اللغة العربية ، حيث قام بترجمة الإلياذة إلى العربية ولأول مرة سليمان البستاني ، في المرة الأولى ترجمها شعراً ، وفي الثانية ترجمها نثراً .

    كذلك تم ترجمة الشاهنامة للشاعر الفارسي / الفردوسي إلى العربية ، عند ذلك ظهرت الملحمة أو شبه الملحمة في الشعر العربي الحديث ، وذلك بمعناها الفني المتعارف عليه .

    وبدأ شعراء العرب يكتبون الشعر الملحمي مثل قصة (فتاة الجبل الأسود) لخليل مطران ، والتي لا يختلف النقاد في أنها من الشعر الملحمي ، ولمطران قصيدة أخرى عنوانها (نيرون) التي اختلف النقاد حول اعتبارها من الشعر الملحمي .

    ونذكر كذلك قصيدة (على بساط الريح ) للشاعر المهجري / فوزي المعلوف ، ومن المحاولات التي ظهرت في نظم الملاحم الشعرية ملحمة (شاطئ الاعتراف ) للهمشري .

    ونرى هنا أن نشير إلى الشعر القصصي أو الملحمي عند شعراء المهاجر ، فقد اتخذ شعراء المهاجر العرب من القصة الشعرية وسيلة إلى التحليل النفسي للعواطف والمشاعر ، وتجسيد الدلالات والمواقف والمعاني ، وتقابل الآراء والأفكار وتصارعها .

    ومن ذلك ما كتبه جبران خليل جبران متأثراً بخليل مطران ، الذي كتب بعض نماذج من الشعر القصصي منذ سنة 1894 م .

    ومن ذلك ما كتبه إيليا أبو ماضي مثل قصائده : (الشاعر والأمة) الذي رمز فيها لأهمية أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ، و (الشاعر والملك الحائر) ، و (حكاية حال) .

    على أن قصص جبران تنوعت بين النثر والشعر ، ففي النثر نجد قصته (ورد الهانئ) في مجموعة (الأرواح المتمردة) ، وكذلك قصته (البنفسجه الطموح) ، وقصته (الشيطان) .. وإن كانت هذه القصص النثرية تميل إلى الشاعرية ، ويمكن أن نسميها شعر منثور ، أو نثر مشعور .

    وتتنوع هذه القصص بين الواقعية والرمزية والأسطورية ، وعلى سبيل المثال نذكر قصيدة إيليا أبو ماضي القصصية (الغدير الطموح) ، وقصيدته (التينة الحمقاء) .

    كما وجدنا نماذج للحوار القصصي في أشعارهم وبخاصة المطولات الشعرية ، ومن أمثلتها في شعر المهاجر (على طريق إرم) لنسيبة عريضه ، وفيها نجد تعبيراً عن الصراع بين العقل والقلب على قيادة النفس الإنسانية .

    وكذلك مطولة إيليا أبو ماضي (الطلاسم أو لست أدري) ، ونجد فيها البحث عن الحقيقة في علاقة الإنسان بالطبيعة ، ونذكر مطولته (الأسطورة) ، ومطولة جبران خليل جبران (المواكب أو أعطني الناي وغني) ، ومطولة (أحلام الراعي) لإلياس فرحات ، ومطولة (على بساط الريح) ومطولة (شعلة العذاب) وهما لفوزي معلوف ، ومطولة (الأحلام) ومطولة(عبقر) وهما لشفيق معلوف .

    ونشير إلى (الإلياذة الإسلامية ) أو ديوان مجد الإسلام ، للشاعر / أحمد محرم ، وهي تدور حول غزوات الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) ، ويؤخذ على الإلياذة الإسلامية بعدها عن الجو الأسطوري للملاحم ، والاتجاه إلى الناحية الغنائية الذاتية ، وبعض التفكك ، وعدم الترابط .

    ونذكر الشاعر / كامل أمين ، الذي تخصص تقريباً في شعر الملاحم ، لذلك كان يحلو له أن نطلق عليه (شاعر الملاحم) ، ومن أشهر ملاحمه الشعرية (القادسية) و (عين جالوت) ، وإن أخذ عليه الميل إلى الغنائية ، والبعد عن الجو الأسطوري المتعارف عليه في الملاحم .

    أقدم ملحمة صينية :-

    وتحت عنوان (اكتمال أقدم ملحمة صينية) نقلت وكالات الأنباء العالمية يوم 31 ديسمبر 2004 م : أن الصين أعلنت عن اكتمال أطول وأقدم ملحمة شعرية على مستوى العالم ، والمعروفة باسم (ملحمة الملك قصار) إثر العثور على أجزائها الناقصة ، وهي عبارة عن ألف كلمة منقوشة على الأحجار والتماثيل الكائنة بمعبد السمكة الذهبية جنوب الصين ، وتعتبر هذه الملحمة أطول ملحمة شعبية ثقافية عرفها العالم حيث تقع في 36 مجلداً ، وتضم قرابة مليوني بيت شعر ، وتضاهي في قيمتها الأدبية أشهر الملاحم الغربية ، حتى أنه يطلق عليها (الإلياذة الشرقية) ، وهذه الملحمة تدرس في حوالي 40 معهداً وكليةً في أنحاء العالم .

    هل إنتهى عصر الملاحم ؟

    وغني عن البيان أن أهم ما يتميز به الشعر الملحمي عدم إظهار شخصية الشاعر ولا ذاتيته الخاصة ، وإنما تهتم الملحمة بإظهار حياة الجماعة ، وحركة التاريخ ، فالملاحم في التحليل الأخير شعر موضوعي ، يصور البطولات والمعارك الحربية الممتزجة بالأساطير المثيرة للمشاعر .

    وقصائد الملاحم تطول حتى تصل إلى آلاف الأبيات الشعرية ، التي تتجه بأسلوبها إلى العرض القصصي الأسطوري ، مراعية السير في مستوى واحد ، لأنها أسلوب المؤلف الذي يرويه بطريقة الحكاية .

    على كل حال فقد قضي على هذه النوعية من الملاحم الشعرية في عصرنا الراهن ، لأن المدنية والتقدم العلمي وتقدم الفكر الإنساني بوجه عام ، وظهور النظم الديمقراطية الحديثة ، كل ذلك كفيل بأن يقضي على ظهور هذه الملاحم التي تنبني على الأساطير والخيال ، وتعود بنا إلى عهود الفطرة الإنسانية الأولى ، حيث لا مجال لها الآن .

    على أننا نجد هذه الملاحم مازالت تشكل نبعاً ثرياً ينهل منه بعض صانعي المسلسلات التليفزيونية ، والأفلام السينمائية ، ويعجب بها الكثير من المشاهدين على كافة المستويات .

    الملاحم عند العرب :-

    ويكتب بعض الباحثين زاعماً أن الملاحم الشعرية لم توجد عند العرب بالمرة ، والواقع أن لهذا الشعر نواة في التراث العربي القديم نجدها ـ كما ذكرنا من قبل ـ في الشعر الحماسي الذي يصف المعارك ن ويصور اقتحام الأبطال في ميادين القتال ، وهو قديم في الشعر الجاهلي ، وقد ازدهر وراج في المعارك الكبرى بين الوثنية والتوحيد إثر ظهور الإسلام ، ثم في المعارك التي جرت بين العرب والفرس ، أو بين العرب والروم ، وكذلك في الحروب الصليبية .

    على أن هذا الشعر الملحمي التي ظهرت نواته في بعض أشعار الحروب العربية ، ظل في نطاق العقيدة الحماسية ، ولم يتجاوزها إلى القصة الملحمية بمعناها الفني المتكامل .

    وعندما اتصل الشعراء العرب في العصر الحديث بالملاحم الغربية ، سواء أكان ذلك في اللغات الأوربية ، أو عن طريق ما تم ترجمته إلى العربية ، هنا يمكن لنا القول أن أدباء العرب تجاوزوا مرحلة الشعر الحماسي القديم، إلى مرحلة صنع ملحمة شعرية بالمعنى الفني .

    الملاحم في المأثور الشعبي :-

    ولا يصح للباحث أن يتجاهل الملاحم الشعبية باللغة العامية ، التي تتناول بعض سير وأخبار العرب في القديم ، وتتحدث عن بعض أبطالهم ، وهذه الملاحم بلغتها العامية أو المازجة في بعض الأحيان بين العامية والفصحى عرفت وظهرت منذ العصور الوسيطة ،ومن ذلك ملحمة (الزير سالم ) وهي مأخوذة عن قصة مهلهل بن ربيعة في حرب البسوس، وملحمة (أبي زيد الهلالي) ، و ملحمة (الأميرة ذات الهمة) ، وملحمة (عنترة بن شداد العبسي ) ، وملحمة (الظاهر بيبرس) ، وغيرها من الملاحم الشعبية التي لها قيمة اجتماعية وتاريخية وشعبية ، ويقوم بدراستها الأدب الشعبي بمناهجه العلمية المقننة ، والتي تطورت بشكل كبير.

    والقارئ لملحمة الفارس العربي / عنترة بن شداد يلمس منذ البداية تشابهاً أو تطابقاً بين حلقات هذه السيرة ، وبين ملحمة السيد الأسبانية ، وأغنية أو ملحمة الرولان الفرنسية .

    كما أننا لا نستطيع أن نغفل إعجاب ناقد أدبي كبير مثل (هيبوليت تن) بهذه السيرة العربية ، ووضعها بين الروائع الملحمية العالمية ، مثل : سيكفريد ، ورولان ، والسيد ، و رستم ، أوديسيوس ، وإخيل .

    كما أن الشاعر الفرنسي / لامارتين ، كانت تأخذه النشوة ، ويستبد به الطرب ، كلما ذكر هذا البطل العربي عنترة بن شداد ، أو اطلع على جانب من ملحمته الرائعة .
    Email: ayusri_a@hotmail.com

    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.