• الإسلام في الدراسات الغربية المنصفة

    الإسلام في الدراسات الغربية المنصفة
    بقلم الأستاذ: حفيظ اسليماني

    مقدمة
    بعد اليهودية والمسيحية جاء الدين الإسلامي خاتم الديانات دين اعترف باليهودية والمسيحية واتفق معها في مسألة واحدة هي عبادة الله وحده، لكن في المقابل نسخ القرآن هذه الأديان وشهد بأنها تعرضت للتحريف، وهذا ما كشفته المخطوطات المكتشفة والدراسات النقدية المتخصصة في الأديان، أما الدين الإسلامي فقد جاء ليكون شاملا لشتى المجالات في كل زمان ومكان، كل هذا وغيره دفع بكثير من الدراسات الغربية المنصفة إلى اعتبار الإسلام أشمل الأديان وأصحها نظرا لموافقته لكثير مما توصل إليه العلم الحديث، وقد حاولت من خلال هذا المقال تنبيه وتوجيه المتلقي المسلم إلى ما صدر في حق الإسلام من قِبل الكَّتاب الغربيين ليزداد تشبثاً بدينه خصوصاً في هذه الظرفية التي يتعرض فيها العالم الإسلامي لهجمة تنصيرية شرسة.

    سير توماس آرنولد:
    توماس آرنولد اعتبر أن مزية الإسلام هي التي جعلت سكان المدينة يرحبون بقدوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. يقول في هذا الصدد: «.. نرى من أسباب الترحيب الحار الذي لقيه محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة أن الدخول في الإسلام، قد بدا للطبقة المستنيرة من أهالي المدينة علاجاً لهذه الفوضى التي كان المجتمع يقاسيها، ذلك لما وجدوه في الإسلام من تنظيم محكم للحياة ، وإخضاع أهواء الناس الجامحة لقوانين منظمة قد شرعتها سلطة تسمو على الأهواء الفردية»([1]).
    يضيف متحدثا عن الانقلاب الذي أحدثه الإسلام قائلا: «.. لا يغرب عن البال كيف ظهر جليًا أن الإسلام حركة حديثة العهد في بلاد العرب الوثنية، وكيف كانت تتعارض المثل العليا في هذين المجتمعين تعارضًا تامًا. ذلك أن دخول الإسلام في المجتمع العربي لم يدل على مجرد القضاء على قليل من عادات بربرية وحشية فحسب، وإنما كان انقلابًا كاملاً لمثل الحياة التي كانت من قبل.. وأصبح النبي [صلى الله عليه وسلم] بذلك رمزًا لأسلوب جديد..»([2]).
    وعن الصلاة وتأثيرها يقول: «كذلك نجد أداء الصلوات الخمس كل يوم على جانب عظيم من التأثير سواء في جذب الناس، أو الاحتفاظ بالمسلمين منهم. وقد أحسن منتسكيو في قوله: [في كتابه المعروف: روح القوانين]: (أن المرء الأشد ارتباطًا بالدين الحافل بكثير من الشعائر، منه بأي دين آخر أقل منه احتفالاً بالشعائر، وذلك لأن المرء شديد التعلق بالأمور التي تسيطر دائمًا على تفكيره). إن دين المسلم يتمثل دائمًا في مخيلته، وفي الصلوات اليومية، يتجلى هذا الدين في طريقة نسكية خاشعة مؤثرة لا تستطيع أن تترك العابد والمشاهد كليهما غير متأثرين.. فإذا استطاع رينان أن يقول: (ما دخلت مسجدًا قط، دون أن تهزني عاطفة حادة، أو بعبارة أخرى، دون أن يصيبني أسف محقق على أنني لم أكن مسلمًا)، كان من اليسير أن ندرك كيف أن منظر التاجر المسلم في صلاته، وسجداته الكثيرة، وعبادته للإله الذي لا يراه، في سكينة واستغراق، قد يؤثر في الأفريقي الوثني الذي وهب إدراكًا قويًا للقوى الخفية.. وقد يحفز حب الاستطلاع على البحث بطبيعة الحال..»([3]).

    آرنولد توينبي:
    يقول توينبي منبها إلى نقطة أكثر من مهمة وهي كما جاءت على لسانه: «ما هو سر قوة الإسلام على البقاء، بقاؤه بعد وفاة رسوله، ثم زوال بناة إمبراطوريته من العرب، وانهيار من حلوا محلهم من الإيرانيين وانهزام الخلافة العباسية، وتداعي الدول التي قامت فترة على أنقاض الخلافة العباسية، يكمن التفسير في التجربة الروحية التي مرّ بها المهتدون إلى الإسلام من رعايا الخلافة الأموية من غير العرب لقد تأصلت جذور الإسلام في قلوبهم فأولوه أهمية تفوق نظرة العرب إليه. وإن كان منهم من أقبل على اعتناقه في بداية الأمر، تحقيقًا لمنافع عاجلة. ولا جرم أن عقيدة دينية توفق التوفيق كله تحت تأثير فضائلها الذاتية في الفوز بولاء الناس لها، عقيدة لا يستند بناؤها (أو زوالها) على أهواء تلك النظم السياسية التي تنشد استغلال العقيدة لتحقيق غايات تجافي مبادئها، ليعتبر انتصارها الروحاني، أعجب مثال يبين أنه وإن حلّت الكوارث بالأديان العالمية الأخرى التي سمت إلى تحقيق غايات سياسية، إلا أن الإسلام – عكسها – لم يؤثر فيه هذا الاتجاه، وهذا ما يبديه استقراء اتجاهه السياسي منذ عهد الرسول [صلى الله عليه وسلم] نفسه ثم في عهد خلفائه [رضي الله عنهم] من بعده. فإن هجرة النبي العربي [صلى الله عليه وسلم] من مكـة إلى المدينـة، قـد جعلت منه سياسيًا ناجحًا لامعًا، عوضًا عـن بقائه بمكة.. قليل الحـظ مـن الأتباع والأنصار»([4]).
    «.. إن الإسلام قد أعاد توكيد وحدانية الله، في مقابل الضعف البادي في تمسك المسيحية بهذه الحقيقة الجوهرية..»([5])، صحيح فالتوحيد هو عقيدة الإسلام بخلاف عقيدة التثليث المسيحية التي أدت إلى انقسام الطوائف المسيحية.

    ول ديورانت:
    يقول صاحب قصة الحضارة عن ديننا الحنيف من الناحية الأخلاقية: «الذين يجهلون الإسلام هم وحدهم الذين يظنون أنه دين سهل من الوجهة الأخلاقية.. وليس في التاريخ دين غير دين الإسلام يدعو أتباعه على الدوام إلى أن يكونوا أقوياء، ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر بقدر ما أفلح فيها الإسلام..»([6]).
    كما اعتبر ول ديورانت أن الإسلام أبسط الأديان كلها وأوضحها: «.. كانت مبادئ [المسلمين] الأخلاقية، وشريعتهم، وحكومتهم، قائمة كلها على أساس الدين. والإسلام أبسط الأديان كلها وأوضحها، وأساسه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله..»([7]). ويا ليت تصل هذه الشهادة لبعض بني جلدتنا خصوصا الأقلام المأجورة والتي تطعن في الإسلام.

    مكسيم رودنسون:
    شهادة مكسيم رودنسون عن الإسلام شهادة ذات موضوعية وذلك باعتباره أن الإسلام بعيد كل البعد عن العقائد المسيحية المخالفة للعقل يقول بخصوص هذه النقطة: «أصبح الناس ـ في الوقت الذي نتكلم عنه ـ يستطيعون رؤية الدين الذي كان ينافس المسيحية، بنظرة محايدة بل بشيء من التعاطف، ولعلهم كانوا يبحثون فيه بصورة لا شعورية (ويجدون فيه بالطبع) نفس قيم الاتجاه العقلاني الجديد الذي كان مخالفًا للمسيحية. ففي القرن السابع عشر انبرى كثير من الكتاب للدفاع عن الإسلام ضد الإجحاف الذي ناله في العصور الوسطى وضد مجادلات المنتقصين من قدره، وأثبتوا قيمة وإخلاص التقوى الإسلامية.. وانتقل الجيل التالي من الموضوعية إلى مرحلة الإعجاب.. فكـان ينظر إلى الإسـلام كدين عقلاني بعيد كل البعد عن العقائد المسيحية المخالفة للعقل..»([8]). وهذا كـلام منطقـي، فمـن خـلال دراستـي للمسيحية اكتشفت كثيراً من الأمور التي تخالف العقل وذلك بشهادة كتَّاب مسيحيين.
    وأضاف أيضاً قائلاً: «.. ظهر الإسلام لبعض أولئك [اليساريين الأوربيين] على أنه في جوهره عامل (تقدمي) بطبيعته، بل اعتنق بعضهم ذلك الدين الإسلامي..»([9]).

    فرانز روزنثال:
    يقول فرانز روزنثال وهو يدلي بشهادة في حق الدين الإسلامي: «عندما ظهر الرسول [صلى الله عليه وسلم] كانت اليهودية والنصرانية منتشرتين في الجزيرة ولهما آراء متشابهة في التفسير التاريخي للحياة الإنسانية غير أن الدين الإسلامي الذي بشر به الرسول [صلى الله عليه وسلم] كان يتميز بالوضوح والقدرة على تفهم أسس هذا الوجود بصورة واضحة جدًا ومن غير تعسّف. والواقع أن مفاهيم الإسلام أوضح وأقل جمودًا من ناحية العقيدة، ومن مفاهيم اليهود والنصارى الدينية»([10]).

    جاك ريسلر:
    يقول جاك ريسلر عن الزكاة منوها بها وبمن شرعها: «كانت الزكاة بادئ الأمر صدقة حرة وطوعية تعد من الخصال الكبرى. وكان النبي وهو ينظم جماعة المدينة يعتبر عمل الصدقة هذا شرعية وإلزامية مقدارها عشر المداخل وتوزع على الفقراء والمحتاجين...فإن مبدأ الزكاة سيضل بفضل القرآن، فضيلة يمارسها المسلمون فطريا كواجب ديني، ولا بد من الثناء على محمد لأنه كان أول من أسس ضريبة شرعية تؤخذ من الأغنياء لصالح الفقراء»([11]).
    وعلى الرغم من تنوع الأجناس والشعوب التي تشكّل الإسلام يقول جاك ريسلر: «.. على الرغم من تنوع الأجناس والشعوب التي تشكل الإسلام، كان المسلمون يبينون سلفًا عن خصائص متشابهة، وعلى الرغم من كل ما يمكن أن يفرّق بين حضر وبدو، أغنياء وفقراء، كانوا يسلكون تقريبًا مسلكاً واحدًا. ذلك أن أية عقيدة تقوم على أسس ثابتة تحدث ردود فعل مماثلة عند أقوام متفاوتة. وقد وضع روح القرآن قواعد التصرفات اليومية للناس، وخلق الجو المعنوي للحياة، حتى تغلغل شيئًا فشيئًا في الأفكار فانتهى بتشكيل متناسق للعقليات والأخلاق. كما كان تأثير الدين عظيمًا بسبب انتشار اللغة، وبسبب نتائج السياسة الخارجية المشتركة، وكذلك بسبب نتائج نظام اجتماعي معمّم»([12]).
    «.. إن اسم الإسلام يمكن أن يؤخذ على ثلاثة معان مختلفة: المعنى الأول دين، والثاني دولة، والثالث ثقافة، وبالاختصار حضارة فريدة»(([13]. نعم إنها حضارة فريدة وتزداد هذه الحضارة كلما تمسك المسلمون بالقرآن والسنة بعيدا عن التعصب للمذاهب والفرق.

    خاتمة
    هكذا يكون الدين الاسلامي نال اعتراف غير المسلمين به، اعتراف فرضته مضامين رسالته الشاملة والسهلة والمنطقية، بخلاف التوراة والإنجيل وما فيهما من أمور تخالف العقل ونتائج العلم الحديث. وما أحوجنا اليوم إلى ايصال مثل هذه الشهادات السالف ذكرها سواء كانت في حق القرآن الكريم أو في حق رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أو في حق رسالة الديانة الإسلامية ككل. فالعالم اليوم أصبح مجرد قرية صغيرة نظرا لتطور وسائل التواصل وبالتالي فإنه من الواجب علينا استثمار ذلك قصد ايصال رسالة الإسلام إلى الآخر المختلف عنا عقدياً وفي الوقت نفسه أيضاً تحصين الشباب المسلم من كل ما يمكن أن يزعزع عقديته.

    * هوامش البحث *

    ([1]) سير توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام: بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية، ترجمه للعربية وعلق عليه: الدكتور حسن ابراهيم حسن- الدكتور عبد المجيد عابدين- اسماعيل النجراوي ، الناشر مكتبة النهضة المصرية، ط1970، ص: 43.
    ([2]) نفسه، ص: 61.
    ([3]) نفسه، ص: 458-460.
    ([4]) آرنولد توينبي، مختصر دراسة التاريخ، ترجمة: فؤاد محمد شبل، مراجعة: محمد شفيق غربال- أحمد عزت عبد الكريم، تقديم: عبادة كحيلة، المركز القومي للترجمة القاهرة، 2011، ج3، ص: 54-55.
    ([5]) نفسه، ص: 164 .
    ([6]) ول ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران، الناشر دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، ج13، ص: 67-68.
    ([7]) نفسه، ص: 116.
    ([8]) مكسيم رودنس، تراث الإسلام، تصنيف: جوزيف شاخت- كليفورد بوزورث، ترجمة محمد رهير السمهوري – حسم مؤنس، إحسان صدقي العمد، تعليق وتحقيق: شاكر مصطفى، مراجعة فؤاد زكريا، عالم المعرفة، العدد 233، ج1، ص: 54-55.
    ([9]) نفسه، ص: 75.
    ([10]) فرانز روزنثال، علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة صالح أحمد العلي، مؤسسة الرسالة، ط2، 1983، ص: 39.
    ([11]) جاك. س. ريسلر، الحضارة العربية، تعريب خليل أحمد خليل، تعريب: خليل أحمد خليل، منشورات عويدات بيروت- باريس، ص: 41.
    ([12]) نفسه، ص: 57.
    ([13]) نفسه، ص: 73.
    المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية
    هذه المقالة نشرت أصلا في موضوع المنتدى : الإسلام في الدراسات الغربية المنصفة كتبت بواسطة طارق شفيق حقي مشاهدة المشاركة الأصلية
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.