• علي فهمي خشيم - سيرة ذاتية

    سيرة ذاتية
    علي فهمي خشيم
    "هذا ما حدث" سيرة ذاتية لشخصية لامعة الذكاء منذ مرحلة التعليم الابتدائي إلي المرحلة الجامعية ثم الدراسات العليا، وقد جمع صاحب هذه السيرة بين علوم الفلسفة والتاريخ واللغات وآدابها وخاصة اللغة العربية وأثرها في اللغات الأخرى.
    و"هذا ما حدث" لم يكن سردا لما حدث له فقط، ولكنه صفحات من الإبداع النثري الذي يشد القارئ من أول فقرة إلي آخر جملة فيه وفي سطوره من الملح والطرائف والمواقف ما يضحك، وفيه أيضا من التجارب والإحداث والابتلاءات ما يبكي.
    تلك هي ذكريات الدكتور علي فهمي خشيم المثقف الليبي الموسوعي الذي ملأ حياته وعلاقاته مع الآخرين بكثير من الإبداع كما ملأها بكثير من الجدل والمعارك الكلامية، وخاصة تلك المعارك التي دارت وما تزال تدور رحاها حول ما قال في التاريخ وفي اللغة العربية وعمقها وانتشارها في نسيج اللغات الأخري، وخاصة ما كتبه عن علاقة اللغة العربية أو العروبية بالأمازيغية (لسان العرب الأمازيغ) و(سفر العرب الأمازيغ). إنها مسيرة وسيرة ثرية تضع صاحبها الدكتورعلي خشيم في عداد الصفوة الليبية والعربية ثقافة وإنتاجا وريادة رغم كل ما دار ويدور حول أعماله وإنتاجه من اختلافات وآراء معارضة أو مشككة او متفاعلة...
    عرفت علي فهمي خشيم عندما كنا في الجامعة في أوائل الستينات طالبا ذكيا، وكانت معرفة عن بعد، ولم تنشأ بيننا أية علاقة شخصية، ثم عرفته في ميدان الصحافة بطرابلس، وقرأت أول كتاب له وهو (الحركة والسكون) وقرأ لي في تلك المرحلة كتاب (أقباس على طريق الشباب).. وبعد انقطاع طويل طويل قرأت كتابه "هذا ما حدث" الذي سجل فيه أغلب ذكرياته، وفي الكتاب أشياء كثيرة جميلة منها الأسلوب الذي صاغ به ذكرياته وما يزخر به من قيم جمالية وفنية تجعل القارئ لا يشعر بالملل، بل يشعر برغبة في الانتقال من صفحة الي صفحة، ومن حدث إلى حدث..
    ومن تلك الأشياء الجميلة قدرته علي تطويع الكلمات والجمل لتصبح من السهل المحبب، فرغم انه أستاذ فلسفة، والفلسفة هي مادة الجمل والأفكار والقضايا الصعبة المركبة المتشعبة، لكن خشيم حينما كتب سيرته هذه جاءت علي نحو ما يكتب الأديب الخبير بأساليب الإبداع النثري، فكانت كلماته وجمله عربية فصيحة سهلة، تشد القارئ شدا مريحا جذابا...
    والكتاب يعبر بالقارئ إلى مساحات جغرافية شاسعة حيث حل صاحب السيرة طالبا في دارهم البريطانية أو زائرا لليابان والصين وبلدان أخري باحثا ودارسا أو محاضرا في ندوة من الندوات الفكرية، ويدخل أحيانا في تفاصيل الحياة الاجتماعية والثقافية وخاصة عندما يكتب عن مدينة طرابلس وعن المدينة القديمة بالذات، وعن زنقة شلاكة التي احتلت حيزا معتبرا في الكتاب، وفيها بدأت قصة حبه لابنة خاله، التي تزوجها وسعد معها، ثم داهمها السرطان فكانت الفاجعة المؤلمة له، وقد جسد معاناته معها أثناء المرض بأسلوب تراجيدي مؤثر..
    وفي صفحات الكتاب نقرأ تصويرا دقيقا للحراك الثقافي في ليبيا خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وباعتباره مثقفا متميزا فقد أبدع أيما إبداع فيما كتبه عن ذلك الحراك الثقافي في تلك السنوات، وهو حراك شمل الصحافة والمسرح والسينما والمنتديات الثقافية والجامعة وأشياء أخري...
    تحدث خشيم كثيرا عن الثقافة والفكر، وتحدث قليلا عن السياسة، وبدا واضحا أنه لا يجيد الصراع السياسي، أو أنه لا يقبل بما تجره السياسة من خيبات .. ولعل السطور التالية توضح ما وصل إليه من قناعة بشأن السياسة والسياسيين، وما فعلوه في العالم العربي (الوطن الكبير الذي حلمنا به موحدا قويا عصفت به الأعاصير، وطيرته أشلاء ومزقا...).
    وفي صفحات الكتاب التي تجاوزت خمسمئة صفحة الكثير من المعلومات والأسماء والتغيرات الاجتماعية والثقافية التي عرفتها ليبيا وعاشها جيل علي خشيم، وهو من مواليد 1936 في مصراته...
    يقول في إحدي الصفحات الأخيرة من كتابه: (حياتي ليست خاصة بي، فهي حياة جيل بكامله كان نبتة في رمال الصحراء القاحلة تتلهف إلي قطرة ندي تحييها وترنو إلى سحابة عابرة علها تنزل عليها قطرات تدفع بها إلى النماء.
    هذا الجيل نحت طريقه بالأهداب في جبال الصوان السوداء، وجعل من عيونه جسرا تعبر عليه الأجيال القادمة إلي مستقبل أفضل وأفق أرحب واحلي وأجمل. جيلي عاش بالأمل وتغذى على الحلم، وسار ببصيص من نور الرجاء .. ولا يزال.
    وإذا كنت قد تعثرت كثيرا فالعذر إن الطريق لم تكن أمامي ممهدة مبسوطة، وإذا كنت قد أخطأت كثيرا، فما ذاك إلا لقلة الخبرة وانعدام الهادي في أغلب الأحيان).
    أخيرا هل قال علي خشيم كل ما حدث؟ وهل لخصت أنا في هذه العجالة كل ما في الكتاب؟ لا هذه ولا تلك... إنما هي إضافات لعلها تفتح آفاقا للتواصل بين عشاق القراءة والكتابة في عالم صغرته وقربته صناديق الحاسوب.
    محمود الناكوع
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.