• مفهوم الإيمان في علم الكلام الإسلامي-توشيهيكو إيزوتسو

    مفهوم الإيمان في علم الكلام الإسلامي
    عيسى علي العاكوب

    صورة للمؤلف توشيهيكو إيزوتسو

    صورة للمترجم الدكتور عيسى العاكوب

    صورة لغلاف الكتاب

    صدرت عن دار الملتقى بحلب الترجمة العربية لكتاب مفهوم الإيمان في علم الكلام الإسلامي (تحليل دلالي للإيمان والإسلام)، والذي يمثل كما يرى مؤلفه إسهاماً في دراسة البِنية الأساسيّة للإسلام نفسِه من حيث هو واحدةٌ من الثقافات الدّينيّة الأكثر أصالةً وأهميّة في العالَم، وننشر فيما يلي مقدمة المترجم وفهرس الكتاب..

    العنوان: مفهوم الإيمان في علم الكلام الإسلامي (تحليل دلالي للإيمان والإسلام)

    ألفه بالإنكليزية: توشيهيكو إيزوتسو

    ترجمه إلى العربية وقدم له: أ.د. عيسى علي العاكوب
    دار الملتقى – حلب
    الطبعة العربية الأولى: 2010م – 1431هـ
    عدد الصفحات:342، قياس: 17×25


    مقدّمة المترجم إلى العربيّة

    الحمدُ لله الحمدَ الذي يستحقّه سبحانه، فهو تعالى "الذي خلقَ السماواتِ والأرضَ وجعَلَ الظّلماتِ والنّورَ ثمّ الذين كفروا بربّهم يعدلون" (الأنعام/الآية 1). وهو تعالى الذي خلَقَنا من ضعفٍ ثمّ منّ علينا من بعد الضعف بقوّةٍ تجعلنا قادرين على أن نعيش في هذه الدّنيا ونختار ما فيه رضاه سبحانه، أو ما فيه سخطه. هكذا لتُقام علىنا الحجّةُ التي تقام على العقلاء الأحرار، فنكون على هدًى أو في ضلالٍ مبين.
    والصّلاةُ والسّلام الأتمّانِ الأكملانِ على حضرة من اصطفاه ربّي وأرسله رحمةً للعالمين، نبيّنا محمّدٍ أبي القاسم الذي أوضحَ لنا مُرادَ ربِّنا منّا، وفتح لنا أبوابَ الهداية المفضية إلى ما فيه سعادتُنا في الدّارين. فهو، صلّى الله عليه وسلّم، عنوانُ السّعادة والسّيادة والرّيادة.
    وكذا الصّلاةُ والسّلام، الموصوفانِ بالتمام والكمال، على إخوانه في ركب الأنبياء والمرسلين الدّاعين إلى سبيل ربّ العالمين، وعلى آل بيته الطيّبين الطّاهرين، وعلى صحابته المحبّين المخلصين الذين أيّدوا دعوته ونشروا رسالتَه.
    أمّا بعدُ، فليعلمِ القارئُ الكريم أنّني مغتبطٌ بأن أُعِدّ ههنا مقدّمةَ الترجمة العربيّة للكتاب الثالث من سلسلة مؤلّفات المحقّق اليابانيّ الكبير الأستاذ توشيهيكو إيزوتسو الإسلاميّة. إذ كنتُ فيما مضى قدّمتُ للقارئ العربيّ الكريم ترجمةً عربيّةً لكتابَيْه الرّائعين: "اللهُ والإنسانُ في القرآن ـ دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم"، و"المفهومات الأخلاقيّة ـ الدّينيّة في القرآن"، وقد صدرت الترجمتان عن دار الملتقى في حلب.
    ويحمل الكتابُ الحالي العنوانَ الآتي في اللّغة الإنكليزية:

    The Concept of Belief in Islamic Theology
    A Semantic Analysis of Iman and Islam

    وكان قد نشره أوّلًا في عام 1965م معهدُ كيو للدّراسات الثقافيّة واللغويّة، في جامعة كيو، اليابانيّة.

    ولِيعلم القارئُ الكريم أيضًا أنّ دافعي إلى هذه الترجمات هو إحساسي بضرورة أن يطّلع طُلّاب العِلْم في أمّتنا الغالية، بلغتهم العربيّة، على كنوز إبداع العبقريّات الغربيّة والشّرقيّة التي عالجت قضايا فكريّة وثقافيّة عربيّة إسلاميّة.
    أقول هذا وأنا مطمئنٌّ تمامًا إلى أنّ الشخصيّة التي أقدّم الآنَ للترجمة العربيّة لكتابها الثالث، هي حقًّا عبقريّة من العبقريّات القليلة النّظير في التّاريخ الثقافيّ البشريّ. وُلِد توشيهيكو إيزوتسو في العاصمة اليابانيّة طوكيو عام 1914 م، وتخرّج في جامعة كيو Keio University في طوكيو، ثمّ درّس فيها (1954 ـ 1966 م)، وفي معهد الدّراسات الإسلاميّة في جامعة مكَل McGill University (مونتريال، كندا)، ثمّ في المعهد الملكيّ لدراسة الفلسفة (في إيران). ومن مآثره في شأن دَرْس الإسلام أنّه ترجم القرآنَ الكريم إلى اللّغة اليابانيّة.

    وللأستاذ إيزوتسو فضلٌ كبير في تقديم فِكْر الإسلام وثقافته إلى الأمّة اليابانيّة، وإلى الأمم الأخرى. وابتغاءَ تعريف هذه الشخصيّة للقارئ الكريم، أجد نفسي مدعوًّا إلى ذِكْر أنّني شَرُفتُ بالمشاركة متحدّثًا رئيسًا في المؤتمر الدّوليّ الذي عُقِد في الجامعة الإسلاميّة العالميّة في ماليزيا (كوالا لامبور) في الفترة من 5 ـ 7 آب عام 2008 م، برعاية مشتركة بين هذه الجامعة والمؤسّسة اليابانيّة JAPAN FOUNDATION ، وحمل المؤتمرُ العنوان:
    "المؤتمرُ الدّوليّ حولَ الدّرس المعاصر للإسلام ـ الإسهام اليابانيّ في الدّراسات الإسلاميّة: تراث توشيهيكو إيزوتسو".
    وقد شارك في هذا المؤتمر عدد كبير من الباحثين المهتمّين بفكر الأستاذ إيزوتسو على المستوى العالميّ، وعالجت الأوراقُ البحثيّة المقدّمة جميعًا قضايا متّصلةً بدَرْس الأستاذ إيزوتسو القرآنَ الكريم.

    وفي سياق بيان المنزلة السَّنيّة التي احتلّها الأستاذُ إيزوتسو في تقديم فِكْر الإسلام وثقافته إلى العالم، آذنُ لنفسي بأن أقدّم للقارئ الكريم ترجمةً لمقطع من رسالة الأستاذ الدكتور سيِّد عربيّ عيديد، رئيس الجامعة الإسلاميّة العالميّة في ماليزيا، إلى هذا المؤتمر، وفيه يقول:

    "هذا المؤتمرُ آتٍ في وقته المناسب نظرًا إلى الاهتمام العالميّ المعاصر بالمسائل الحضاريّة، ذلك لأنّ هذا المؤتمر سيكون حقًّا قادرًا على أن يستخلص ويشرح ويكشف كيف كان توشيهيكو إيزوتسو قادرًا على أن يشرحَ الإسلامَ في سياقاته الدّينيّة ـ الرّوحيّة والحضاريّة معًا لبقية العالَم على نحو علميّ (أكاديميّ) كامل، محافظًا في الوقت نفسه على كلّ حساسيّات نَظْرة الإسلام إلى العالم وسلامتها. والحقّ أنّه في عالَمٍ يمضي قُدُمًا باتّجاه العالميّة، يغدو الفهمُ الصحيح لأية حضارة أساسيًّا إذا ما كان للاحترام والتعاون أن يُستعملا ويُرسَّخا ويوسَّعا. وفي هذا الشأن، يكون إسهامُ إيزوتسو في توطيد العلاقة اليابانية الإسلاميّة أكبرَ من أن يُقدَّر التقدير الحقيقيّ. ولا حاجةَ بنا إلى القول إنّ المسلمين يُشرَّفون بأن يقدَّموا ويُعرَّفوا، على غرار ما فعل هو، للأمّة اليابانيّة خاصّةً ولبقيّة العالَم على جهة العموم. ونؤمّلُ بإخلاصٍ أنّ القواعد التي أرساها لا تُلهم فقط إسهاماتٍ أُخَر عظيمةً كإسهامه في المستقبل، بل تعزّزُ الصّداقةَ اليابانيّة الإسلاميّة التي تعني الكثيرَ عندنا".

    هذا شيءٌ من حديث بعض أهل العِلْم عن الأستاذ إيزوتسو، وبعضُ بيانٍ للخدمة التي أسداها للثقافة الإسلاميّة.

    أمّا كتابُه الذي نُعِدّ الآنَ المقدّمةَ لترجمته العربيّة، فعلى قدر كبير من الأهمّيّة للقارئ العربيّ. وحين يوضع إلى جانب سالفَيْهِ المشار إلىهما قبْلُ تؤلّف الثلاثُة، فيما نرى، أرضيّةً معرفيّةً جيّدة لقراءة القرآن الكريم والثقافة التي أشاعها قراءةً واعيةً عميقةً على قدر من المنهجيّة العلميّة.

    ويُوضِح المؤلّفُ مرادَه من هذا الكتاب بالقول: "العملُ الحاضرُ دراسةٌ تحليليّةٌ لمفهوم "الإيمان" في علم الكلام الإسلاميّ. وهو يسعى إلى تحقيق هدفٍ مزدوج. ذلك لأنّه يقصد من جهةٍ إلى تقديم وَصْفٍ مفصَّل للعمليّة التاريخيّة التي من خلالها وُلِد مفهومُ الإيمان، ونما، وطُوِّر نظريًّا بين جمهرة المسلمين. ومن جهة أخرى، يهدف إلى إعداد تحليل دلاليّ واعٍ لـ "الإيمان" ولمفهوماتٍ مفتاحيّة أُخَر مرتبطة به، مع الشّبكات المفهوميّة التي نسجتها هذه الأخيرةُ فيما بينها" (مفهوم الإيمان، ص 17من هذه الترجمة).

    وينطلقُ الأستاذُ إيزوتسو في اختيار موضوع دراسته من كَوْن "الإيمان" تاريخيًّا المفهومَ الأوّلَ والأهمَّ بين المفهومات الكلاميّة جميعًا في الإسلام، ومن كونه قد أثار في القرون القليلة الأولى من عمر الثقافة الإسلاميّة كثيرًا من المسائل والنقاشات الحادّة المهمّة. ويجيء عملهُ تحليلًا منهجيًّا لهذه المسائل والنقاشات وللمفهومات الرّئيسة التي عبّرت عنها ولخّصت أُطُرَ التفكير فيها. ويبدو المؤلّفُ شديدَ الإلحاح على إعلام قارئ كتابه بأنّ صنيعَه في الكتاب لا يعدو أن يكون دراسةً لمفهوم الإيمان كما طوّره نظريًّا علماءُ الكلام المسلمون، وأنّ علم الكلام الإسلاميّ ليس في وسعه أن يعالج معالجةً شاملةً مسائلَ الإيمان التي عمرت قلوبَ المسلمين على امتداد العصور. ويعني هذا، عنده، أنّ المعالجة الكَلاميّة [نسبةً إلى علم الكلام] المدرسيّة لمفهوم الإيمان أقربُ إلى مُلامسة الجانب الخارجيّ الشّكْليّ للمسألة؛ ذلك لأنها معالجةٌ عقليّة لمسألةٍ وِجْدانيّة ضاربة الجذور في أعماق النّفس. لكنّ هذا الخارجيّ الذهنيّ، فيما يرى، تجلٍّ ذاتيّ لـ "الدّاخليّ". ويلخّص القضيةَ على هذا النحو: "الإيمانُ من وجهة كونه مفهومًا كلاميًّا يعكس ويكشف، وإن يكن ذلك على نحو خاصّ جدًّا، الطبيعةَ الحقيقيّةَ لـ "الإيمان" بوصفه حدثًا وجوديًّا an existential event ، أي شيئًا عاشه فعليًّا في مسيرة التاريخ المؤمنون المسلمون وعَمَرَ قلوبهم" (نفسه، ص 18).

    ولأنّ ذهنَ الأستاذ إيزوتسو في شُغُل في مسألة بلورة فلسفة شرقيّة مضاهية لفلسفات الغرب، كان يطمح إلى أن تكون هذه الدّراسةُ "إسهامًا متواضعًا لكنّه حقيقيّ في دراسة البِنْية الأساسيّة للإسلام نفسه من حيث هو واحدةٌ من الثقافات الدّينيّة الأكثر أصالةً وأهمّيّةً في العالَم" (نفسه، ص 18).
    في شأن منهجيّة المؤلّف في تنظيم مادّة الكتاب، يبيّن في خاتمة كتابه أنّه في هذا العمل، خلافًا لعملَيْه السّابقَيْنِ المتّصلَيْن بالقرآن، اللّذين ترجمناهما إلى العربيّة، أبقى المبادئ المنهجيّة للتحليل الدّلاليّ في الخَلْفيّة، ولم يقدِّم في مَتْن الكتاب إلّا نتائجَ العمليّة التحليليّة، وأنّ هدفَه على امتداد الكتاب تمثَّل في أن يُعِدّ عملًا متماسكًا منظَّمًا في التحليل الدّلاليّ. ويمكن تلخيصُ المبادئ المنهجيّة التي حكمتْ عملَه وهيّأت له استنباطَ النتائج المستفادة على هذا النحو:

    1ـ يعني الدّرسُ الدّلاليّ للألفاظ semantics عند السيّد إيزوتسو دراسةً تحليليّةً لجزءٍ أو أجزاءٍ من نظرةٍ كلّيّة إلى العالَم a whole world- view مُجراةً بتحليل الكلمات المفتاحيّة المعبِّرة لغويًّا عن الجزء أو الأجزاء المعنيّة من هذه النظرة. ويرى أنّه في فرع دراسيّ كعِلْم الكلام والفلسفة، تماثلُ "الكلمةُ المفتاحيّة" التعبيرَ الاصطلاحيّ
    a technical term.

    2 ـ يرى إيزوتسو أنّ تاريخ الفكر الكلاميّ، الذي كان مجالَ اهتمامه في هذا الكتاب، ليس هو من وجهة نظر الدّرس الدّلاليّ للألفاظ سوى تاريخ التعابير الاصطلاحيّة، الذي يعني عمليًّا عمليّةَ التشكُّل الممتدّة لقرون التي تخضعُ لها الكلماتُ المفتاحيّة التي تمثِّل نقاطًا رئيسة في عملية تبلور التفكير الكلاميّ. وقد تمثّل صنيعُ إيزوتسو في هذا الكتاب في تتبّع الكلمة المفتاحيّة "إيمان" على امتداد عمليّة التشكّل المتدرّج المشار إليها.

    3 ـ يذهب إيزوتسو إلى القول إنّ كلَّ كلمة مفتاحيّة تصحبها كلماتٌ أُخَر وتشكِّل معًا شبكةً معقّدة من الكلمات المفتاحيّة التي تُسمّى في الدَّرْس الدّلاليّ للألفاظ "حقلًا دلاليًّا". والحقلُ الدّلاليّ في مفهومه "شبكةٌ معقّدةٌ من الكلمات المفتاحيّة ترسم وتصوّرُ لغويًّا منظومةً من المفهومات المفتاحيّة a system of key-concepts. وعنده أنّ كلمةَ "إيمان" في عِلْم الكلام الإسلاميّ أثبتت تاريخيًّا أنّها إحدى الكلمات المفتاحيّة المهمّة جدًّا.

    4 ـ في تضاعيف دَرْس المؤلّف مفهومَ " الإيمان" في عِلْم الكلام الإسلاميّ على امتداد الكتاب، نجده يدير حديثَه حول عدد من الحقول الدّلاليّة لـ "الإيمان"، وهو يبيِّن لنا في الخاتمة ثلاثَ طرق رئيسة تترابط فيها كلمتان مفتاحيّتان، أو أكثر، ترابطًا محكمًا ويؤول بها الأمرُ إلى أن تؤلّف شبكةً دلاليّةً مُحكمة النّسج تسمّى "الحَقْل الدّلاليّ". وطرقُ الترابط، أو الارتباط، التي يشير إلىها هي: 1 ـ الارتباطُ الترادفيّ؛ 2 ـ الارتباطُ التضادّيّ؛ 3 ـ انشطارُ مفهوم مفتاحيّ واحد إلى عدد من العناصر الأساسيّة التي يعبَّر عن كلّ واحد منها بكلمة مفتاحيّة.
    وقدّم لنا الأستاذُ إيزوتسو في خاتمة الكتاب ملخّصًا لأهمّ الحقائق الملموسة المقدَّمة في تضاعيف الكتاب، التي استخلصها معتمدًا واحدةً أو أكثر من هذه الطّرق الثلاث.

    والملاحَظُ، على الحقيقة، أنّ العقل التنظيريّ البارع عند مؤلّف الكتاب يتمتّع بقدرة ممتازة على وضْع الأطر النظريّة التي حكمت سيرورةَ الفِكَر والمفهومات التي يعالجها بأدواته الدّلاليّة. وبرغم النتائج المثيرة التي انتهى إلىها بتحليله الدّلاليّ، يبيِّن أنّه بما قام به في هذا الكتاب أدّى الجزءَ الأصغر من دراسةٍ عميقة لمفهوم "الإيمان"، ويظلّ ثمّة جزءٌ كبير قمينٌ جدًّا بالتحليل والتأمّل، وذلكم هو الجزء الشخصيّ الوجوديّ من "الإيمان". ويلخّص المؤلّف ما أنجزه هو في تحليله الدّلاليّ في هذا العمل، وما بقي على الدّارسين الآخرين أن يقوموا به من أجل أن تكتمل صورةُ الإيمان الإسلاميّ، على هذا النحو:

    "على امتداد هذا الكتاب كنّا نتتبّع عمليّةَ عَقْلنة الإيمان the intellectualization of Iman، تلك العمليّة التي، بتعبير آخر، واصل بها المسلمون الظّفرَ بتبصّرٍ تحليليّ وعقلانيّ متّقد دائمًا في ماهيّة الإيمان، كما انعكس في وعيهم. وبهذا الصّنيع نجحوا في كشف البنية المفهوميّة للإيمان، لكنّ شيئًا شخصيًّا جدًّا، شيئًا حيويًّا حقًّا، أفلتَ من الشبكة الدّقيقة لتحليلهم" (نفسه، ص 319).

    ويحسّ المتأمّل إحساسًا قويًّا بأنّ السيّد إيزوتسو كان مدركًا تمامًا مستلزماتِ الحصول على تصوّر شامل للإيمان الإسلاميّ؛ وذلك بالجَمْع بين نتائج تحليله الدّلاليّ في هذا الكتاب ونتائج تحليلٍ دلاليّ آخر مُنتظَر لماهيّة التقوى وتطوّرها ومفهوماتٍ مفتاحيّة أُخَر في التصوّف. ذلك أنّ الاهتمام بالتجربة الإيمانيّة الفرديّة العميقة لم يكن من شأن علماء الكلام المدرسيّين النّظريّين،بل من شأن الصّوفيّة. ونجده يوضح للباحثين الدّلاليّين الآفاق التي ينبغي أن تُرتاد ابتغاءَ الظّفر بتصوّر شامل للإيمان والإسلام، ليس في عِلْم الكلام الإسلاميّ فحسب ، بل في جملة التفكير الإسلاميّ، على هذا النحو:

    "فإذا شاء أحدٌ الظّفرَ بفهمٍ شاملٍ حقًّا للإيمان في الفكر الإسلاميّ، فسيكون علىه أن يُعِدّ عملًا تحليليًّا مشابهًا للعمل الذي بين أيدينا في شأن ماهيّة التقوى وتطوّرها ومفهومات مفتاحيّة أُخَر في التصوّف. وإنّه فقط عندما تُجمع النتائجُ المحصولُ علىها في العملَيْن التحليليّين كليهما، الكلاميّ والصّوفيّ، وينسَّق فيما بينها، نستطيع أن نأملَ الحصولَ على صورةٍ كاملة للإيمان على غرار ما فُهِم في الإسلام" (نفسه، ص 320).

    وقد هيّأت له المنهجيّةُ التحليليّة التي اعتمدها في معالجة مادّة بحثه اكتشافَ عدد من الحقول الدلاليّة الثانويّة داخلَ الدّائرة الكبيرة لحقل "الإيمان". ويخال المتأمّل أنّ الفصولَ الأحد عشر للكتاب غطّت المادّةَ البحثيّة الكلاميّة المنتمية إلى هذا الحقل. وقد جمعت المنهجيّةُ التحليليّة للسيّد إيزوتسو بين النظرة الكلّية أو الإطار العامّ الذي تتخلّق فيه المسائل وتنبثق، وبين المعالجة الدّقيقة لجزئيات المسائل وتفاصيل الاجتهادات.

    وقد اعتمدنا في الترجمة أنْ نورد الأصلَ العربيّ للمادّة المقتبسة، في الأعمّ الأغلب من الحالات، وأن نورد التعليقات الخاصّة للمؤلّف حين تكون موجودة. وفي اجتهادنا أنّ هذا المسْلَك يحقّق قدرًا أكبر من المصداقيّة العلمية. وراعينا من وجهة أخرى اعتمادَ المصطلحات الكلاميّة العربيّة نفسِها، غاضّين الطّرف عن المقابِلات العربيّة لترجماتها الإنكليزيّة.
    وممّا تجدر الإشارةُ إلىه أيضًا أنّنا أثبتنا أرقامَ الأصل الإنكليزيّ داخلَ المَتْن العربيّ المترجَم؛ لكي يسهّل ذلك على القارئ الكريم المقارنةَ بين الترجمة والأصل، إن هو شاء ذلك.
    وتستلزم الحكمةُ في الشأن الذي نحن إزاءه هنا، أن أذكر بتقديرٍ كبير الصَّنيعَ الطيّب الذي أسداه إلى هذه الترجمة الأخَوانِ الرّائعانِ حقًّا: محمد رشيد ومنتصر معمار، اللذان تولّيا طباعةَ الترجمة وإخراجَها على هذا النحو الذي تمثُل فيه بين يدي القارئ. فأسألُ المولى، سبحانه، أن يُجزل لهما المثوبة.

    بقي أن أشير إلى أمرٍ أجدني في حاجة إلى الإشارة إلىه وأنا أسطِّر الكلماتِ الأخيرة من هذه المقدّمة؛ ذلكم هو ما هيّأ لي المولى سبحانه من قدرةٍ على صياغة هذه الترجمة العربيّة بلُغةٍ إخالُ أنّه توافر لها قدرٌ من الطّلاوة والإشراق والبيان. ولستُ هنا في مقام الثناء على النفس، الذي تخجلُ منه النفسُ الكريمة، بل في مقام إحساسِ العَبْد المنعَمِ علىه بفَضْل المنعِم. فلكَ الحمدُ يا ربّ، والحمدُ لك أنتَ كما أثنيتَ على نفسِك.لا ربَّ غيرُكَ، ولا خيرَ إلّا خيرُكَ، بيدِكَ مقاليدُ الأمور، لكَ الخَلْقَ والأمرُ وإليكَ النُّشور.

    حلب المحفوظة بالعناية

    الخميس، الثالث من رجب 1430 هـ
    الخامس والعشرين من حزيران 2009 م
    و"إنّي عبدُ الله"
    عيسى بن علي بن عيسى العاكوب








    أحمد طلحة
    المدير التنفيذي
    دار الملتقى للطباعة والنشر والتوزيع

    Ahmad Talha

    Executive Manager

    Dar Almultaka
    Syria - Aleppo

    Tel:00963212214967

    Fax:00963212289341

    Mob:00963966778801

    E-mail:dmoltaqa@hotmail.com



    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.