• الناقد الأدبي د. هايل محمد الطالب: الانحياز للمنهج اللساني انحياز للانطلاق من داخل النص

    الناقد الأدبي د. هايل محمد الطالب: الانحياز للمنهج اللساني انحياز للانطلاق من داخل النص

    يواصل الناقد د.هايل محمد الطالب التعبير عن شواغله النقدية في إصدارته التي بدأت مع كتابه «قراءة النص الشعري لغة وتشكيلاً- نزار قباني أنموذجاً تطبيقياً»

    الذي كان في الأصل أطروحته للدكتوراه، فتتنوع وتمضي نحو تأليف كتب عن تجارب شعرية ليست ذات حضور واسع بالمعنى التقليدي للكلمة، إذ إن التجارب الشعرية التي كانت تحوز اهتمام الجماهير والنقاد قد ولّت لأسباب كثيرة، وتالياً يُحسَب للناقد مع غيره، اهتمامه النقدي بتجارب شعراء ما بعد جيل الرواد لقصيدة الحداثة.
    توقفت «تشرين» معه في الحوار الآتي عند طروحاته في بعض من مؤلفاته النقدية (قصيدة الومضة «مع د.أديب حسن محمد» 2008، جماليات الغواية الشعرية: دراسة في تجربة صقر عليشي 2010، تحولات الدلالة في النص الشعري 2012، حارس الحبق: دراسة في تجربة توفيق أحمد 2014، في المتخيل الأدبي 2014، علم الدلالة والمفردات 2014):

    المبتكر والمختلف

    • في ضوء آخر كتاب صدر لك «في المتخيّل الأدبي» هل تعتقد أن الآراء التي تتهم معظم الشعراء الذين يكتبون قصيدة النثر بأنهم ما زالوا يكررون إنجازات الشعراء الروّاد كأنسي الحاج والماغوط، من دون أن يدعموا رأيهم بدراسات تطبيقية على عينة محددة، يمكن تسميتها نقداً؟ وكيف تنظر إليها؟
    •• أنت تعرف أن من بين من يطلق تلك الآراء شعراء، ولذلك ليس مطلوباً منهم أن يدعموا رأيهم بدراسات تطبيقية، ربما هذا مطلوب من النقاد أكثر، ثم ليست المسألة مسألة اتهام، وليست ضمن دائرة التعميم، هي مقاربة لنماذج كثيرة، لذلك لا يزعم أي رأي نقدي أنه أجرى إحصاء كاملاً للمنتج الشعري، إنما هو تصور بنيته بناء على نماذج مدروسة، لكن أي نظرة عامة على المنتج الشعري يمكن أن توحي بذلك التأثير القوي والحضور الباذخ لقصيدة الماغوط وأنسي الحاج في كثير من التجارب الشعرية الجديدة، ربما شروط الإبداع الفني لم تتوافر لهذه القصيدة، وأعني بها الرؤية الجديدة للعالم والفن، أو قل الرؤية الخاصة للشاعر التي تولّد الجديد والمبتكر والمختلف، وفي كل الأحوال في مجال الإنسانيات تبقى الأمور خاضعة للنقاش، والأخذ والرد والدحض فلا أحد يزعم أنه امتلك الحقيقة المطلقة، هي حوارات مع النصوص قابلة للتجدد والتطوير.
    • في ضوء دراستك لقصيدة «الومضة» بشكل تطبيقي مع الشاعر د. أديب حسن محمد، لا نلمح إشارة إلى كتابة الماغوط لهذه القصيدة.
    •• أعتقد أننا كنا ميّالين في كتاب الومضة إلى النظر إلى المنجز الجديد، أو ذاك الذي لم يحظ بالدراسة النقدية التي يستحق، من هنا كان إغفالنا لنتاجات كثيرة باتت مكرسة في الدراسات النقدية، فذلك لم يفتنا وإنما كان عن عمد، ولكن ذلك لا يعفينا من الاعتراف بأن دراسات نقدية كثيرة قد تناولت هذا الكتاب سجلت عليه مآخذ كثيرة كانت محقة في جوانب كثيرة، والحقيقة استفدت منها شخصياً، ولذلك أزعم أن كثيراً منها يشكل إضافة واستكمالاً لما جاء فيه، ومن هنا لو قيض لي العودة للكتاب ربما غيرت كثيراً في مفاصله، وهذه طبيعة الحياة لا عمل يقدم ناجزاً، فالزمن كفيل بتطوير الآراء وتغيير التوجهات، والماغوط من التجارب المكرسة نقدياً، وتجاوزنا تالياً لهذه التجربة لا ينفي ريادتها لمثل هذا النمط، وإنما يندرج في سياق عدم إعادة كلام نقدي سبقنا إليه كثيرون.

    تشبيهات الماغوط مبتكرة

    • في رأيك لماذا كانت كاف التشبيه كتقنية شبه وحيدة لدى الماغوط على الرغم من براعته في استخدامه كما ذكرت، هل ثمة تعليل؟
    •• أعتقد أن شعر الماغوط الحداثوي دليل على حيوية الصورة الفنية القائمة على تقنية التشبيه بالكاف، بخلاف ما ذهب إلى كثيرون من أنها تقنية وحيدة أفقرت النص، ومنهم صديقي الشاعر أديب حسن محمد، فليست العلاقة التشبيهية المجردة هي ما يمنح الصورة قيمتها، وإنما هو نسج العلاقات اللغوية الجديدة عبر هذه التقنية فعندما يقول: «الجوع كالجنين»، فالجِدّة كامنة في أطراف الصورة، أي توليد مشابهة جديدة قائمة فعلى أطراف جديدة تحقق الدهشة، وهذه الشعرية والدهشة لن تتحقق في قولك «فتاة كالقمر» على الرغم من اعتماد التقنية نفسها، لكنها هنا قائمة على المألوف غير المدهش، فقدرة الماغوط على ارتياد تشبيهات مبتكرة هي ما يضفي حيوية على صوره الشعرية حتى ولو قامت على بنية أساسية في تشكيلها هي بنية التشبيه المعتمد على الكاف.
    • لماذا جمعت في كتابك دراسات نقدية عن الشعر والرواية.. فلو أن الرواية مازالت كإنتاجها في السبعينيات والثمانينيات لكان مسوّغاً لك هذا الجمع؟
    •• لست من أنصار الفصل العنصري بين الرواية والشعر، مع أنه قد يُقَّدم كثير من الاعتبارات الأكاديمية لهذا الفصل، قامت فكرة الكتاب على المتخيل الأدبي، وهو جامع للفن القوليّ سواء أكان رواية أم شعراً، أزعم أن هناك رابطاً لا يخفى على القارئ هو هاجس الروايات الأساسية المدروسة بالمكان، وتحديداً «قسنطينة» عند أحلام مستغانمي والطاهر وطّار، ولكن كلٌّ بتقنياته ووسائله التعبيرية، فكان فكرة طريفة تقديم المتخيل للفكرة المتقاربة في عملين روائيين، وربما تناول شعرية النص المشكل للخيال هو ما يدفع للمقارنة بين القول الشعري والقول الروائي مع اختلاف أدوات التعبير، عموماً كان الهاجس التطبيقي والبعد عن التنظير هو ما أبغيه من هذا الكتاب، وربما هذا ما نفتقده الآن في نقدنا، فما أكثر القول، وما أقل الفعل، وهو جهد قد يكون مصيباً في جوانب وقد يكون مخطئاً فأنا لا أبرئه، لذلك ربما يكفيني أجر الاجتهاد.
    • في كتابك «حارس الحبق» الذي خصصت به تجربة الشاعر توفيق أحمد، درست «جماليات المكان المعشوق».. هل فكرت بكتاب عن حمص في الشعر وتجلياتها الاجتماعية والجغرافية والثقافية جمالياً؟ وربما أضمر خبثاً في أنك تناولت تجربة شاعرين من خارج حمص ولم تدرس شاعراً حمصياً وتجارب شعرائها الأَوْلى بالدّرس بحكم أنك أكثر متابعة لها، وإن كنت قد اهتممتَ بتجربتي «عبد القادر الحصني، وتمام التلّاوي» في كتابك «في المتخيل الأدبي»؟
    •• ربما أكون من أكثر من تناول الشعراء في حمص في مقالات نقدية، وهناك أسماء أخرى قدمت فيها أبحاثاً مطولة مثل طالب هماش، ولكن هذا لا يعفيني من القول: هناك تقصير في تناول أسماء مهمة في هذه المدينة الشعرية، وحالياً أعمل على تلافي قصوري فربما سيكون كتابي القادم في هذا الاتجاه.

    بعيداً عن التلفيق

    • وجدتَ في «حارس الحبق» أن الحب أو العشق أو التصوف والتوحد بالذات المعشوقة، استراتيجية فنية عند الشاعر توفيق أحمد وإن تنوعت أغراضه واختلفت أهدافه من وراء قول القصيدة، لكن ألا ينطبق هذا الكلام على قصائد شعراء آخرين، بخصوص ما درسته في هذا الفصل مثلاً؟
    •• ربما، ولكنني دوماً أركز على الانطلاق من داخل النص، بمعنى لا أقوّل النص ما لا يحتمل، وربما هنا سأعيد تشكيل السؤال: هل كانت الأدلة النصية على المقولات النقدية أو الفرضية المطروحة في الكتاب مفبركة، أم معبرة عن روح النص ومستمدة منه بطريقة بعيدة عن التلفيق النقدي؟ وهنا تكمن أهمية ما طرحه الكتاب.
    • ذكرت في مقدمة كتابك «جماليات الغواية الشعرية» الذي درست فيه تجربة الشاعر صقر عليشي، أنك اعتمدت النقد اللساني التطبيقي إيماناً منك بأنه وحده القادر على الإجابة عن السؤال «كيف صار النص شعراً؟»، وذكرت في كتاب «تحولات الدلالة في النص الشعري» أنك فضلاً عن اعتمادك المنهج اللساني التطبيقي، لم تغفل استفادتك من المناهج الحديثة التي تغني التجربة النقدية وتوسّع آفاقها، هل هذا يعني أنك تراجعت عن قولك السابق وأن الاستعانة بمنهج واحد غالباً لا تفي بالغرض؟
    •• أنا أرفض الميكانيكية في النقد، بمعنى وضع المعيار (المسْطرة) ثم إخضاع النصوص لذاك المعيار، ففي ذلك قتل لروح الناقد والشاعر، الإبداع هو الأسّ المشترك بين الناقد والمبدع، والانحياز للمنهج اللساني هو انحياز للانطلاق من داخل النص، من اللغة المشكِّلة للنص، ولكن من دون أن تكون العملية متخلية عن جانبها الإبداعي الذي ترفده معرفة وثقافة تدعم النقد الأدبي، ومن هنا لن يتخلى الناقد عن الاعتماد على أسس علمية في نقده مع كل ما يرفدها، ولكنها ليست متعارضة مع تحول النقد إلى إبداع في الرؤية وإبداع في التحليل وتفحص النص من دون أن أزعم أنني قد تحليت بكل هذه الصفات، فدوماً نحن في حالة بحث عن الأجمل والأكمل.

    تقريض جميل

    • أزعم أنك تمشي في كتاباتك وإصداراتك على خطا الناقد الراحل محيي الدين صبحي، ففي منجزه النقدي دراسة في كتابين؛ خصّ بالأول نزار قباني وبالثاني جوزف حرب، فعلت مثله ودرست في كتاب شعر صقر عليشي، وفي الثاني توفيق أحمد، كشعراء من جيل لاحق، فهل تستضيء به؟
    •• ربما يكون التشابه في دراسة نزار قباني هو الجامع بيننا أكثر، وأزعم أن كل كتاب قد اتجه في مسار مختلف عن الآخر، ولكن يبقى المرحوم محيي الدين صبحي من أهم النقاد العرب لذلك يشرفني أن تضع اسمي الصغير أمام اسمه العلم، وربما أرى في ذلك تقريضاً جميلاً منك لي قد لا أستحقه.

    تشرين
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.