• واشنطن ـ موسكو: حيث تلتقيان في سوريا

    واشنطن ـ موسكو: حيث تلتقيان في سوريا
    عبد الله بوحبيب
    رغم أن الحرب الدولية على سوريا هي بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، إلا أن الذي يجمعهما هو أكثر مما يفرقهما في هذه الحرب.
    الأميركيون والروس في سوريا منذ انطلاق الحرب على النظام في مطلع العقد الحالي. الأميركيون يساعدون المعارضة «المعتدلة»، والروس يدعمون النظام.
    امتنع الرئيس باراك أوباما عن التجاوب مع الضغوط الأوروبية والخليجية والتركية لضرب النظام السوري وإضعافه، وإيجاد منطقة عازلة في شمال سوريا على الحدود مع تركيا، خاصة بعد اتهامه باستعمال السلاح الكيميائي. اتفقت واشنطن مع موسكو على تجريد سوريا من كل سلاحها البيولوجي والكيميائي.
    عاد الأميركيون الى العراق بعد اجتياح «داعش» شماله ووصوله الى مشارف بغداد وإقليم كردستان في حزيران 2014. تدفقت المساعدات الأميركية مع الوقت، سلاحاً وذخيرة وتقنيات، الى الحكومة المركزية وحكومة الأكراد المحلية، وأنشأت واشنطن تحالفاً لمحاربة التنظيم من دول أوروبية وعربية. شدد الرئيس الأميركي منذ البداية على أن العمليات ضد «داعش» ستستمر سنوات ثلاثاً وأكثر، لان الجيش العراقي غير مؤهل لاستعادة ما خسره لدى الدولة الإسلامية بمساعدة أميركية جوية. الرئيس أوباما مصر على أن لا يستعمل المارينز ومشاة الجيش الأميركي في الحرب على «داعش» من دون استراتيجية خروج ناجحة ومؤكدة.
    الدول العربية الحليفة توقفت عن استعمال طائراتها مباشرة بعد سقوط طائرة أردنية (أشيع وقتذاك أن سقوطها كان من نيران صديقة) وحرق «داعش» قائدها في شباط 2015. فرنسا وبريطانيا بدأتا لاحقاً استعمال طيرانهما لأهداف محددة وغير مستمرة.
    أما الدخول الروسي المباشر في الحرب السورية، فكان في آخر أيلول الماضي، بعدما كانت موسكو تزود النظام السوري الذخيرة وسلاحاً غير متطور لأربع سنوات ونيف. يتزامن استقدام روسيا طيرانها الحربي الى سوريا وتزويد جيش النظام السلاح المتطور، مع قيام الجيش السوري وحلفائه ايران و «حزب الله» وميليشيات شيعية اخرى بمهاجمة مواقع المعارضة واحتلالها بعد إنهاكها بالقصف الروسي المكثف.
    الغارات الجوية الأميركية على «داعش» و «النصرة» في سوريا والعراق لا تتجاوز نصف عدد الغارات الجوية الروسية في سوريا. لكن، بينما استطاعت واشنطن بالقصف الجوي مساعدة العراق على استعادة بعض مدنه من «داعش»، كالرمادي وتكريت وغيرهما، استرجع الجيش السوري وحلفاؤه، بمساعدة الطيران الروسي، مساحات شاسعة من المعارضة المعتدلة والإسلامية المتطرفة، وأصبحت معظم أراضي «سورية المفيدة» ومدنها في قبضة النظام.
    يبدو أن واشنطن التي تفاجأت بدخول روسيا الحرب بحزم واستراتيجيا عسكرية منظمة، لا تعتبر ما تقوم به موسكو سلبيا بامتياز، خاصة أنها لا تريد مواجهة عسكرية معها. يبدو كذلك ان الخلاف الرئيسي بين البلدين ينحصر باستمرار الرئيس بشار الأسد وعائلته في حكم سوريا. فبينما تشدد واشنطن على إنهاء دور الأسد بعد الفترة الانتقالية، تصر موسكو على حقه في الاحتكام الى الشعب السوري في هذه المسألة.
    تتهم واشنطن موسكو بأن طيرانها يركز على قصف المعارضة المعتدلة وأن الأبرياء يُقتلون من جراء القصف العشوائي، بالإضافة الى التسبب بنزوح مئات الآلاف من السوريين من المدن والقرى التي يقصفها الطيران الروسي وتدخلها القوات السورية وحلفاؤها.
    لكن نقاطاً عدة في الحرب السورية تتفق عليها العاصمتان:
    ● أولاها، روسيا والولايات المتحدة تدعمان أكراد سوريا في حربهم على «داعش» و «النصرة»، وقد أصبحت معظم حدود سوريا مع تركيا في قبضة الأكراد.
    ● ثانيتها، تعتبر واشنطن وموسكو أن لا نظام الأسد منفرداً، ولا أياً من نظم المعارضة منفردة أو مجتمعة، يمكنها أن تحكم سوريا بعد أكثر من خمس سنوات في حرب دموية ومدمرة، وان لا حل عسكريا للحرب السورية، بل المفاوضات هي الطريق الوحيدة إلى السلام.
    ● ثالثتها، ان التخلص من الإرهابيين من دون تمييز هو هدف العاصمتين.
    ● رابعتها، ان الدولتين تتفقان على ان يبقى الجيش السوري العمود الفقري للأمن والسلام في النظام السوري الجديد الذي قد يولد من المفاوضات التي يصر الطرفان على إجرائها.
    بكلام آخر، فإن نقاط الوفاق بين موسكو وواشنطن تفوق نقاط الخلاف، ولذلك استطاعتا، بعد جهد طويل، الاتفاق على خطة أو برنامج لوقف إطلاق النار وفرضها على كل الأطراف. هذه الخطة قد لا تكون مكتملة، لكن مصالح الدولتين، وربما الإنهاك العسكري والمالي الذي يحل بالأطراف السوريين والإقليميين خاصة، قد تُساعد على الوصول الى الاتفاق على نظام جديد ينهي الحرب، من دون أن يأتي بالضرورة بالوفاق الكامل بين السوريين، كما حصل في لبنان بعد عام 1990.

    السفير

    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.