• شعراء النصاري يمدحون النبي صلي الله عليه وسلم

    شعراء النصاري يمدحون النبي صلي الله عليه وسلم

    إعداد الشيخ عبد السلام البسيوني

    (الجزء الأول)


    ورقة بن نوفل أول نصراني محب:



    علي كل حال.. لتكن وقفتنا مع الشعر والشعراء المعجبين بسيد الخلق محمد صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم، والذي بدأ مع أول نصراني ساند الإسلام علي الإطلاق، وهو سيدنا ورقة بن نوفل رضي الله عنه، أول نصراني أسلم، والذي وعد أن يدافع جهده عن رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم، حين اصطحبت أمنا العظيمة خديجة رضي الله عنها.
    وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته العظيمة أم المؤمنين خديجة بما أخبرها به رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه رأي وسمع، فقال ورقة بن نوفل: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتيِي يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسي، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت.
    وجعل ورقة يستبطيء الأمر، ويتحرق شوقًا لمزيد من دلائل النبوة، وفيوض الوحي، ويقول حتى متى وكان مما قال في ذلك:
    لججتُ وكنت في الذكري لجوجا

    لهمٍّ طالما بعث النشيجا

    ببطن المكتين علي رجائي

    حديثك أن أري منه خروجا

    بما خبَّرتِنا من قول قس

    من الرهبان أكره أن يعوجا

    بأن محمدًا سيسود فينا

    ويخصِم من يكون له حجيجا

    ويظهر في البلاد ضياءَ نورٍ

    يقيم به البريةَ أن تموجا

    فيلقي من يحاربه خسارًا

    ويلقي من يسالمه فُلوجا

    فيا ليتي إذا ما كان ذاكم

    شهدتُ فكنت أوَّلهم ولوجا

    ولوجا في الذي كرهت قريش

    ولو عجت بمكتها عجيجا

    وصفي قرنفلي

    ولتكن بدايتي بالشاعر السوري وصفي قرنفلي -1911/1978 الذي لم تتح له متابعة الدراسة، واكتفي بثقافة شخصية واسعة، وكان في طليعة رابطة الكتاب السوريين، وصدر له ديوان وحيد بعنوان: وراء السراب.. خاف قرنفلي أن يوصف بمجاملة المسلمين، أو مداهنتهم لحاجات في نفسه، فبدأ بالدفاع عن نفسه، وتبرير مدحه رسول الله صلي الله عليه وسلم، فيعلن أن طائف الحب طاف به، فأترع كؤوس الهوي، والإعجاب بالنبي اليعربي - والعروبة عندهم وشيجة مهمة - فقال:

    قد يقولون: شاعرٌ نصراني

    يرسل الحب في كِذابِ البيانِ

    يتغني هوي الرسولِ.. ويهذي

    بانبثاق الهدي من القرآنِ

    ينتحي الجبهة القويةَ يحدوها رياءً والشعر (لا وجداني)

    كذبوا - والرسولِ - لم يجرِ يومًا

    بخلاف الذي أكن لساني

    ما تراءيتُ بالهوي بل سقاني

    طائفٌ من الحب والهوي ما سقاني

    أوَعارٌ علي فتي يعربي

    أن تغني بالسيد العدناني!

    أوليس الرسول منقذَ هذا الشرق

    من ظلمة الهوي والهوانِ

    أفكُنا لولا الرسول سوي العبدان

    بئست معيشة العبدان!

    أو ليس الوفاء أن تخلِص المنقذ

    حبًّا إن كنت ذا وجدان!

    فالتحيات والسلام أبا القاسم

    تُهدي إليك في كل آن!

    جورج صيدح

    وكتب الشاعر الدمشقي المهجري جورج صيدح قصيدة رائعة في مدح النبي باسم: حراء يثرب، يستنهض فيه الأمة، مذكرًا إياها بما بعث النبي صلي الله عليه وسلم من الحمية، والهمة، والأنفة، مشيرًا إلي تدنيس القدس الشريف، حتي إنه ليقتبس آية من القرآن - من سورة الرحمن تبارك وتعالي - يضمنها القصيدة، وقد وُلد صيدح في دمشق عام ،1893 و في عام 1911 سافر إلي القاهرة للتجارة، ثم ترك القاهرة إلي باريس سنة 1925 فمكث فيها حتي سنة،1927 وتزوج هناك بباريسية، وفي أواخر عام 1927 غادر باريس مع زوجته إلي فنزويلا.
    في عام 1947 غادر فنزويلا إلي الأرجنتين حيث ألقي عصي الترحال، ليريح نفسه من عبء العمل التجاري، وليفرغ للأدب والشعر، ويصدر مجلة بالإسبانية وثلاثية دواوين شعرية.
    يقول جورج صيدح:

    يا من سريتَ علي البراق

    وجُزت أشواط العَنان

    آن الأوان لأن تجدّد

    ليلة المعراج.. آن

    عرّج علي القدس الشريف

    ففيه أقداسٌ تهان

    ماذا دهاهم هل عصوْك

    فأصبح الغازي جبان

    أنت الذي علمتهم

    دفع المهانة بالسنان

    ونذرت للشهداء جنات وخيرات حسان

    يا صاحبيّ: بأي آلاء النبي تكذبان!

    جورج سلستي

    ومن الشعراء المجيدين، شاعر - في ظني - غير مشهور كثيرًا، لكنه محب، منصف، متفهم، هو الشاعر المهجري جورج سلستي الذي كان مما كتبه قصيدة: بعنوان (نجوي الرسول الأعظم) تموج بالعاطفة والحب، كأنما كتبت بقلم شاعر مسلم:

    أقبلتَ كالحق وضّاحَ الأسارير

    يفيض وجهُك بالنعماء والنور

    علي جبينك فجرُ الحق منبلجٌ

    وفي يديك جرت مقاليدُ الأمورِ

    فرحتَ فينا، وليل الكفر معتكر

    تفري بهديك أسداف الدياجير

    وتمطر البيد آلاءً وتُمرِعها

    يمنًا يدوم إلي دهر الدهاريرِ

    أبيتَ إلا سموّ الحق حين أبي

    سواك إلا سموَّ البُطل والزور!

    ومما جاء في هذه القصيدة أيضًا - وهو ما لا يصرح به الشعراء غير المسلمين عادة - إقراره بنبوة سيدنا المصطفي صلي الله عليه وسلم، إذ قال يصف الصحراء العربية التي أطلعت شمس المصطفي عليه الصلاة والسلام:

    ما أنتِ بالمصطفي يا بيدُ مجدبةً

    كلا ولا أنتِ يا صحراءُ بالبورِ

    أطلعتِ من تاهت الدنيا بطلعته

    ونافستْ فيه حتي موئلَ الحورِ

    بوركتِ أرضًا تبث الطهرَ تربتُها

    كالطيبِ.. بثته أفواه القواريرِ

    الدين ما زال يزكو في مرابعها

    والنبل ما انفك فيها جدَّ موفورِ

    والفضل والحلم والأخلاق ما فتئت

    تحظي هناك بإجلال وتوقيرِ

    ويعتذر سلستي عن تقصيره في الوفاء بشعره وكلماته القاصرة - من وجهة نظره - في حق النبي صلي الله عليه وسلم، إذ هو عليه الصلاة والسلام، صاحب البيان الفذ، ومالك ناصية جوامع الكلم، وأفصح من نطق الضاد، فيقول:

    يا سيدي يا رسول الله معذرةً

    إذا كبا فيك تبياني وتعبيري

    ماذا أوفيك من حق وتكرمةٍ

    وأنت تعلو علي ظني وتقديري !

    وأنت ربُّ الأداء الفذ في لغةٍ

    تشأو اللُّغي حسنَ تنميقٍ وتصويرِ

    علي لسانك ما جن البيان به

    فذلك الشعر يرنو شبهَ مسحور!

    آي من الله.. ما ينفك مُعجزُها

    يعيي علي الدهرِ أعلام التحاريرِ

    تلوتَها فسرت كالنور مؤتلقًا يطوي

    الدنا بين مأهولٍ ومهجورِ!

    محبوب الخوري الشرتوني

    ومن شعراء المهجر الشمالي، الذين كتبوا في رسول الله صلي الله عليه وسلم - رافعًا إياه إلي مستوي النموذج البشري الأتم، أو مثال البطولة الأوحد - الشاعر محبوب الخوري الشرتوني الذي كتب قصيدة بعنوان: قالوا تحب العرب يقول فيها:

    قالوا تحب العُرْب قلت: أحبهم

    يقضي الجوارُ عليّ والأرحامُ

    قالوا: لقد بخلوا عليك، أجبتهم

    أهلي وإن بخلوا عليّ كرام

    قالوا الديانة قلت: جيل زائل

    وتزول معْه حزازةٌ وخصامُ

    ومحمد.. بطل البرية كلها

    هو للأعارب أجمعين إمام

    الشاعر القروي

    ومن أشهر شعراء المهجر الجنوبي يبرز لنا اسم رشيد سليم الخوري الذي اشتهر بالشاعر القروي، وقد صاغ قصيدة بعنوان عيد البرية يستحث فيها المسلمين لاستعادة مجدهم القديم منها، ويقرئ رسول الله صلي الله عليه وسلم سلاماته وحبه، داعيًا إلي التحاب والتآخي بين المسلمين والنصاري، خدمة لأوطانهم والشرق كله، فيهتف:

    يا فاتح الأرض ميداناً لدولته

    صارت بلادُك ميداناً لكل قوي

    يا قومُ هذا مسيحيٌّ يذكّركم

    لا يُنهِض الشرقَ إلا حبُّنا الأخوي

    فإن ذكرتم رسول الله تكرمة

    فبلّغوه سلام الشاعر القروي

    ويتمني الشاعر القروي أن يعود عهد المجد في بغداد والأندلس فيقول:

    ياحبذا عهد بغداد وأندلسٍ

    عهد بروحي أفدِّي عَودَهُ وذوي

    من كان في ريبةٍ من ضَخْم دولته

    فليتلُ مافي تواريخ الشعوب رُوي

    وهو نفسه الذي طلب من كل قائد للأمة - وإن كان كلامه موجهًا آنذاك للزعيم الدرزي سلطان الأطرش حين أشعل ثورته علي الفرنسيين سنة 1925 - أن يقاتلوا أعداء الأمة بسيف محمد، لا أن يديروا لها خد المسيح - رغم أنه نصراني مؤمن بدينه - فهذا هو ما تُحمي به الأوطان، ويُدفع به العار، فيقول:

    فتي الهيجاء لا تعتب علينا

    وأحسِن عذرَنا تحسنْ صنيعا

    تمرستم بها أيام كنا

    نمارسُ في سلاسلنا الخضوعا

    فأوقدتم لها جثثًا وهامًا

    وأوقدنا المباخر والشموعا

    إذا حاولتَ رفعَ الضيم فاضرب

    بسيف محمدٍ واهجر يسوعا!

    أحبوا بعضكم بعضًا وُعظنا

    بها ذئبًا فما نجَّت قطيعا

    ألا أنزلتَ إنجيلاً جديدًا

    يعلِّمنا إباءً لا خنوعا !

    أجِرنا من عذاب النير لا من

    عذاب النار إن تك مستطيعا

    ويا لبنان مات بَنوك موتاً

    وكنت أظنَّهم هجعوا هجوعا

    ألم ترهم ونار الحرب تُصلي

    كأنَّ دماءهم جمدت صقيعا

    بدت لك فرصةٌ لتعيش حرًّا

    فحاذرْ أن تكون لها مُضيعا

    وما لك بعد هذا اليوم يومٌ

    فإن لم تستطعْ لن تستطيعا

    وفي إشارة إلي اهتمامه بالوطن - مع تقديره لللإسلام والنصرانية جميعًا - يقول الخوري:

    أرضيتُ أحمدَ والمسيحَ بثورتي

    وحماستي، وتسامحي وحناني

    يا مسلمون ويا نصاري دينكم

    دينُ العروبةِ واحدٌ لا اثنانِ

    بيروتكم كدمشقكم ودمشقكم

    كرياضكم ورياضُكم كعُمانِ

    ستجدِّدون المُلك من يمنٍ إلي

    مصرٍ إلي شامٍ إلي بغدان
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.