• عقـدة ليليـت "الجانـب المظلـم مـن الأنوثـة"

    عقـدة ليليـت "الجانـب المظلـم مـن الأنوثـة"
    هانس يوأخيم ماس
    ترجمة د. سامر جميل رضوان
    بتصرّف

    ترمز الصورة الأسطورية لليليت التي تعتز باستقلاليتها، وترفض الأمومة. ليليت هي كل امرأة، ولكن ليس كل امرأة تجرؤ، على خبرة هذا الجانب. الأمر الذي يقود إلى عواقب وخيمة كما يظهر ذلك المحلل النفسي، هانس يوأخيم ماس. هذه العقدة ترمز إلى المرأة التي ليست كحواء ناقصة بل هي مساوية للرجل حتى أنها ترفض الأمومة. وهذه العقدة كما يرسمها هانس مستوحاة من التوراة حيث تعني ليليت في اللغة العبرية "العتمة". ومنذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة تطلق عليها في الأساطير تسمية جنية الليل المجنحة. واعتبرها السومريون و البابليون والآشوريون والكنعانيون والفرس والعبريين والعرب والتويتونيون آلهة وغاوية وقاتلة للأطفال. ووفق التفسيرات العبرية المتأخرة كانت ليليت وفق سفر التكوين الزوجة الأولى لآدم. فحسب الروايات اليهودية خلق الله سبحانه وتعالى ليليت، الزوجة الأولى لآدم بالطريقة نفسها التي خلق بها آدم. غير أن آدم وليليت لم يتفقا مع بعضهما أبداً. فلم تكن ليليت مستعدة للخضوع لآدم. وقد بررت مطالبتها بالمساواة مع آدم بأنها قد خلقت من التراب نفسه الذي خُلق منه آدم.
    ووفقاً للنص التوراتي فعندما اشتكى آدم ربه بعد هروب ليليت من الجنة بأنه قد مل البقاء وحيداً، حلت رحمة الله عليه، فخلق له حواء. ولكنه لم يخلقها من التراب كما فعل بليليت، وإنما من أحد أضلاعه هذه المرة. ومن ثم فقد خلق الله حواء لتكون خاضعة وليس مساوية لآدم.وتقدس البطريركية صورة حواء و تلعن صورة ليليت وتحرمها.
    إننا نتعرف في كل من حواء وليليت على وجهين من الوجود الأنثوي، منفصلان عن بعضهما ومتنافران على الأغلب، ويمتلكان مشاعر عدائية تجاه بعضهما. يمثلان نمطين مختلفين من النساء.
    تحتوي عقدة ليليت على ثلاثة مظاهر مقموعة أو منكرة أو منقسمة أو مهملة أو محرمة من الأنوثة:
    1- 1- المرأة المساوية للرجل، والتي لا هي أدنى ولا أعلى منه، وإنما مساوية له، الناشئة من الأصل نفسه ومجهزة من ثم بالحقوق نفسها.
    2- 2- المرأة الفاعلة المستقلة برغباتها.
    3- 3- المرأة الكارهة للأطفال التي ترفض الأمومة، كي لا تكون مربوطة ومأسورة وملزمة ومتعلقة.
    تنشأ عقدة ليليت في الباثولوجيا المبكرة للعلاقة بين الأم وطفلها. فعندما تنجب امرأة تعاني من مشاعر النقص وتتسم بالخوف وعدم الثقة بأمومتها، فإن حيوية الطفل العارمة و حاجاته الملحاحة سوف ترعبها، لأنه قد تم تنشيط قَدَرَها الذاتي المبكر بشكل حتمي من خلال الطفل، الأمر الذي يجعلها تنقل عدم استقرارها الذاتي الناجم عن أزمتها المتذبذبة إلى طفلها. وسوف تنقل إلى طفلها الرفض والصد بشكل لاشعوري، طالما ظلت تتهرب من حقيقتها الذاتية المبكرة، ولم تتمثلها انفعالياً، بعكس كل القناعات والرغبات الشعورية المتمثلة في رغبتها في أنها ستقوم بالأمر بشكل أفضل من أمها، وهنا يتحول إنكار العدوانية تجاه الطفولة إلى مأساة.
    فالطفل، غير المرغوب من أمه وغير المرحب به والمرفوض وغير المقبول في حيويته وفردانيته لا شعورياً، يدرك الرفض وانعدام قيمته منذ البداية، وهذا ما يجعل الطفل يشكك في حقه في الحياة وفي قيمته الذاتية. أما المأساة الحقيقية فتتمثل في أن مثل هذا الرفض يمكن أن يتم توصيله للطفل من الأم بصورة لا شعورية كلية- بالضبط كتعبير عن عقدة ليليت.

    غير إن القصور في الأمومة الطيبة والأصيلة بشكل خاص يجعل الطفل يعيش حالة نقص الأم (الفقدان النفسي للأم (Mother Deficit، الأمر الذي يجعله في المستقبل، كرجل أو امرأة، يبحث في شريكه الزوجي عن بديل، وهو ما لا يتم أبداً بصورة مرضية على الإطلاق.
    والرجل في عقدة ليليت يظل غير مخلص وغير واثق من رجولته. ويحاول إخفاء ضعف تماهيه من خلال النقود والسلطة والوجاهة. إنه ينفخ نفسه ويسعى للحفاظ على علاقاته مسيطراً وسائداً من خلال التباعدDistance . و يظل الاندماج المشحون بالحب والثقة مهدداً ويتم تلافيه.
    لقد أسهمت عقدة ليليت في نشوء حركة تحرير المرأة. إنهن يناضلن بالدرجة الأولى ضد السيطرة غير المحقة للرجال، المستندين في تسلطهم إلى السلطة الأبوية. غير أن الحركة النسائية قد جعلت من أسطورة ليليت أسطورتها هي وغالباً ما استخدمت اسم ليليت، غير أن عقدة ليليت الكلية عادة ما لايتم إدراكها، لأن صراع الجنسين يظل هو النقطة المركزية. فالرجل يعد هدفاً منافساً، وغالباً ما تظل إشكالية الأمومة محجوبة. وفي صراع المرأة نحو الحصول على العمل والشهرة الاجتماعية الموازية للرجل يتم إنكار الأمومة وتبخيسها.
    أما أهم جزء من عقدة ليليت، الذي اعتبره شخصياً مدمراً للحضارة ومصدراً أساسياً للعنف والحروب –الصغيرة منها والكبيرة- فهو المظهر المعادي للأطفال. إنه الطراز البدئي للأم المرعبة والموحشة والمستنزفة والملتهمة، التي تسرق الأطفال المولودين حديثاً وتقتلهم، التي تمتص دماء الطفل وتشفط حتى لب العظم. ولهذا فإن اليهود الأرثودوكسيين ما زالوا حتى اليوم يلبسن النساء اللواتي يلدن حجباً. وفي ثقافات و ميثولوجيا كثير من الشعوب تظهر المخلوقات الخاطفة للأطفال والماصة للدماء على هيئة امرأة غاوية، وهذا يدل على نموذج بدئي عام.
    والمظهر المعادي للأطفال للأم ليس هو المشكلة المرهقة والمهددة بحد ذاته، وإنما إنكاره وكبته في عقدة ليليت. فأسطورة ليليت تظهر لنا جانباً طبيعياً وحتمياً من شخصية الأنثى، يتيح لنا فهم رفض الأم، لأنه من خلال الولادة تتم إعاقة الاستقلالية والمساواة المهنية والاجتماعية،وغالبية الأمهات يرفضن هذه الحقيقة من خلال من خلال الأمومة نفسها أو من خلال الالتزام بحركة تحرير مع صراع إيدويولوجي من أجل حقوق المرأة، لا يحتل فيه الأطفال أي مكان.
    لا يوجد رجل يستطيع أن يكون رجلاً مع "حواء" ، ولا توجد امرأة تمتلك فرصة أن تنضج مع "آدم" إلى امرأة. فآدم وحواء يعيدان إنتاج حياة لا تطاق نتيجة عقدة ليليت، يسممان حياتهما المشتركة من خلال خيباتهما المتنامية ويزيدان بهذا معاناة أطفالهما التي يمكن تجنبها. فقط من خلال دمج "ليليت" في ذاتهما يمكنهما أن يصبحا مثالاً لأولادهما في الحب والحياة السعيدة ولتمثل وتقبل المعاناة التي لا يمكن تجنبها في حياة زوجية مسؤولة. غير أن كلاهما أرادا بكل السبل الهروب من "ليليت". وهنا يتحول "آدم" بالنتيجة إلى "محارب" و "حواء" إلى "شيطان رجيم".
    في عقدة ليليت رمز إلى عدم نضج الرجل والمرأة بشكل خاص، الذي نمى عن حاجة مبكرة غير مذللة (للأم). فـ "آدم" و" حواء" يورثان عدم نضجهما إلى أولادهما، بحيث أنهما يتوقعان بالنسبة لحاجاتهما من الأطفال أكثر مما يكونان قادران على إدراك حاجات طفلهما وإشباعها بقدر ما يستطيعون. وعن عقدة ليليت عند الوالدين تنشأ "الاضطرابات المبكرة" عند الأطفال، والتي يرغبان بشفائها من خلال التورط "الأوديبي".
    عقدة ليليت تجعل من الأمهات أمهات كاذبات، يخدعن أطفالهن بوعود الحب الزائفة، أكثر مما يستطعن منحه لهم في الواقع. ويردن في النهاية وبشكل لاشعوري أن يكافئهن أولادهن على مساعيهن الشديدة، لأنهن هن أنفسهن غير ممتلئات بحب الأم بالأصل، حيث يقمن عندئذ باستغلال حب أطفالهن، الأمر الذي يبرر "تسمم الأم "Poisoning –Mother . أما الرجال فيظلون في عقدة ليليت صبيان طفليون متعلقون بالأم، ويتحولون إلى آباء محبطين أو هاربين، حيث لا يكونوا موجودين كثالث محرر و موازن، لأنهم يستجيبون بغيرة مرضية على اهتمام زوجاتهم بأطفالهم، حتى وإن كانت هذه الأمومة تعاش ناقصة ومتشنجة.
    وهكذا يتم إهداء عقدة ليليت غير المتغلب عليها عند الأمهات والآباء في كل الأحوال إلى الطفل على شكل نقص الأم وتسممها وفشل الأب وسوء استخدام الأب و إرهاب الأب.
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.