• الخيار الصفري - د فوزي الشعيبي

    أي تصوّر عن خيار صفري بين القوى العظمى لا معنى له في السياسة ومصيرهُ الحرب وهو غير مقبول في عالم السياسة وميراثها؛ إلاّ إذا تصرف أحد العملاقين بما يتجاوز سياسة حافة الهاوية وصولاً إلى الخيار الصفري. وهو ما يُذكرني بما اُدرّسه لطلابي عن معضلة السجينين، نوردها على النحو التالي:

    معضلة السجينين (Prisoners Dilemma):
    استخدم هذا المفهوم في نظرية المباريات للتعبير عن أحد نماذج المباريات اللاصفرية. وهو يطبق في مجال الصراع الدولي. وتقوم فكرة هذا النموذج على أن هناك مأمور أحد السجون لديه سجينان لا يمكنه إعدامهما إلا في حالة اعتراف أحدهما على الأقل. وفي أحد الأيام استدعى مأمور السجن أحد السجينين وعرض عليه إطلاق سراحه وإعطائه مبلغاً من المال إذا اعترف قبل يوم واحد على الأقل من اعتراف زميله. وأخبره المأمور بأنه في حالة اعتراف زميله قبل يوم واحد من اعترافه هو فإن هذا الزميل سيطلق سراحه ويعطى المبلغ. وهنا سأله السجين الأول: وما الذي سيحدث إذا اعترفنا نحن الاثنان في اليوم نفسه؟ فأجابه المأمور: في هذه الحالة لن يتم إعدامكما ولكنكما ستقضيان عشر سنوات في السجن. ثم سأله السجين: وما الذي سيحدث إذا لم يعترف أحد منا؟ فأجابه: في هذه الحالة سيطلق سراحكما دون أي مكافأة، ولكن هل ستقامر بحياتك إذا سارع زميلك هذا المحتال بالاعتراف والحصول على المكافأة؟ والآن عد إلى الزنزانة الانفرادية وفكر في إجابتك حتى الغد. واستدعى المأمور السجين الثاني ودار بينهما الحديث نفسه، ثم قضى كل من السجينين الليل يفكر في هذا المأزق.
    في ظل هذا الوضع، لدى كل من السجينين استراتيجيتان للاختيار بينهما: إما أن يتعاون مع زميله على الصمت أو أن يرتد عنه بالاعتراف. وفي رأي نظرية المباريات التقليدية توجد إجابة واضحة هي ضرورة الارتداد ما دام لا يستطيع الاعتماد على زميله. وبالنظر إلى أن كلاً منهما يسعى لمصلحته الشخصية فإنهما سيختاران الارتداد مع ما يستتبعه من مكافآت أكثر وعقوبات أقل. وبالتالي، فإن مباراة واحدة في لعبة السجينين ليس لها حل متعقل مقنع إلا ذلك الحل الذي حاول فيه كلا اللاعبين اختيار الارتداد المزدوج فيزجان بنفسيهما في السجن عشر سنوات. وتعد أفضل إستراتيجية لسلسلة المباريات المتكررة أن يكون لدى السجينين إحدى هذه الوسائل لأنهما يوصلان شيئاً ما لبعضهما. ولعل أحد التفسيرات الممكنة تتلخص في كيفية أن يتعلما في النهاية كيفية الوصول إلى مستوى أعلى من التنسيق والمحافظة على هذا المستوى دون هذا المستوى الذي بدأ الاثنان منه أصلاً. ومن ثم يتضح أن شخصية كل من اللاعبين ليس لها دخل كبير في سلسلة نتائج اللعبة، ولكن المهم نتائج المباراة التي تولد أثراً قوياً يحول دون تقدم اللعبة.
    هذه النتائج تساعد في فهم طبيعة الصراع الدولي وتسييره، فهي تقود إلى عدم توقع الكثير من نيات الحكومات الأجنبية أو ما يعتقد أنه من السمات الجوهرية لهذه الحكومات، وأن نهتم بدرجة أكبر بأنماط التفاعل المتبادل بين الحكومات.
    وهذا يعني أن على الطرفين الروسي والأمريكي التعاون وإلا لخالفا قاعدة غاية في الأهمية للتعاملات الدولية ... وهذا يعني اللاعقلانية وهي حالات عرفها التاريخ.
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.