• الحملة الصليبية التاسعة على بلاد الشام مقارنة مع سابقاتها "1"

    الحملة الصليبية التاسعة على بلاد الشام مقارنة مع سابقاتها "1"

    شكل استهداف العلامة شهيد المحراب الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وهو يعطي درساً من دروس تفسير القرآن في مسجد الإيمان بدمشق ، شكل علامة فارقة في عمر الحملة الصليبية التاسعة على بلاد الشام كما وصفها الشهيد قبل استشهاده على أرض الشام الشريفة الطاهرة، ولا غرابة أن بلاد الشام كانت أرض المعترك للقوى المتحكمة بالعالم ، فالبابليون والحيثيون والمصريون ، والآشوريون والفرس والاغريق والرومان كان قد استولى كل منهم على بعض سوريا أو كلها فأرض سوريا هي التي شهدت الصراع بين كسرى وهرقل والعرب والبيزنطيين وبين العرب والتركمان والتركمان والصليبيين والفرنسيين والإنكليز واليوم بين أمريكا وروسيا
    لقد كانت سوريا عبر التاريخ باعثة الحياة الروحية التي انبعثت من أراضي فلطسين مما جعل أفئدة شعوب الغرب تتجه بكل تقوى نحوها
    وهي اليوم قلب العروبة كما وصفها المجاهد جمال عبد الناصر و ينظر كثير من العرب لانتصارها على الحملة الصليبية التاسعة أنه الكفيل بقلب الوضع العربي والإسلامي عموماً، فتاريخ سورية يعد زبدة التاريخ العربي والإسلامي بل ربما زبدة لتاريخ العالم عبر صراعاته على هذه الأرض المقدسة، لقد كانت أرض الشام وما تزال هي أرض الحضارة الأولى في التاريخ ، وشعبها صاحب رسالة متميزة هي رسالة العروبة عبر العصور.
    قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أهل الشام سوط الله في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم ولا يموتون إلا هماً وغماً)، أي: المنافقون لا يموتون إلا هماً وغماً، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن ذلك كله إنما يكون في أرض الشام.

    وإن كان كثير من الناس يعلم أن مهندس الثورات العربية هو مفكر الشر اليهودي الفرنسي برنارد ليفي المدافع والناشر لكتاب آيات شيطانية والمدافع عن الرسوم المتطاولة على النبي الكريم والمدافع عن وائل غنيم الشاب المصري حتى أوصله للجائزة وقال عن مصر إنها باب التطبيع مع إسرائيل كيف ولا ونحن نعلم أنه كان رجل الموساد في أوربا وماضيه كصحفي أيام انقسام بنغلادش عن باكستان وقد زار ليبيا وعقد صفقات تجارية مع ضباط وقضاة منشقين قبل وبعد الثورة في ليبيا، إن الناس الذي عرفوا هذا المهندس اليهودي، فإنهم لا يعرفون أن محرك الحملات الصليبية السابقة هو العنصر اليهودي أيضاً
    فلقد تمكنت أسرة يهودية في القرن الحادي عشر اسمها " البيرليوني " من السيطرة على العرش البابوي أكر من مرة وكان آخر من قدمتهم هذه الأسرة البابا أوربان الثاني الذي بشر بالدعوة إلى الحروب الصليبية.
    لقد كان البابا البيرليوني غرغوري السابع هو من خطط لحملة صليبية تتوجه إلى القدس لكنه صراعه مع الامبراطور شغله عن التنفيذ ، لقد كان التحريض على الحملة الصليبية من قبل أوربان الثاني له أبعاد سياسية جلها في ربح المعركة مع الامبراطورية حيث سادت الفوضى والتشويش في أوربا ، لقد خطط أوربان لمغامرة مثيرة ثبت فيه عرش الامبراطورية وجنى ثروات لا تعد ولا تحصى ، وبالمقابل أرسل أعداد غفيرة إلى الموت والعذاب والهزيمة أخيراً.

    خطب البابا أوربان الثاني في مجمع كليرمونت في فرنسا يوم 27 تشرين الثاني 1095 ففي ذلك اليوم غصت كاتدرائية المدينة على رحبها بالحضور المنقطع للأساقفة والنبلاء والمؤمنين لقد فجر هذا الخطاب قيام ما يعرف بالحروب الصليبية ، والحروب الصليبية هي ملحمة عسكرية وصراع سياسي وعقائدي واقتصادي لم يشهد التاريخ مثيلاً لها أبداً :
    إنه في ظل الظروف الملحة ، قدمت أنا أوربان ، المتوج بمشيئة الرب بتاج التثليث، الحبر الأعظم للعالم أجمع، إليكم يا عباد الرب ، بمثابة رسول لأنبئكم بالأوامر الربانية.... عليكم وبكل سرعة أن تأخذوا المساعدات إلى إخوانكم في المشرق ، التي طالما وعدتموهم بها أنهام بحاجة ملحة إليها ...
    لهذا السبب أتوجه إليكم بالرجاء والتحريض وإنه ليس أنا الذي أتوجه إليكم ويحرضكم ، بل الرب على لساني أنا نائب المسيح – أتوجه إلى الفقير منكم والغني وأسألكم أن تتسارعوا نحو طرد أبناء الشر هؤلاء من المناطق المقطونة من قبل إخواننا ، وأن تقدموا المساعدة في وقتها المناسب إلى عباد المسيح ، إنني أخاطب جميع هؤلاء الحضور ، وأعلن نفس الشيء إلى جميع الغياب ، لكن اعلموا أن المسيح هو الذي يخاطبكم ويصدر الأوامر
    إن جميع الذين يذهبون إلى هناك ويفقدون حياتهم في البر أو البحر أثناء الرحلة أو خلال المعركة ضد الكفار ، سيتم غفران ذنوبهم بالحال ، وإنني أمنح هذا من خلال السلطة المضفاة عليّ من قبل الرب.
    لقد خطب البابا اليهودي أوربان باسم الرب وباسم المسيح وحرك الناس كالشطرنج فتحركت ، لقد ادعى أنه يريد تحرير المسيحيين في المشرق لكن قواته قتلت المسيحيين قبل المسلمين في المشرق وسرقت كنوز الكنائس واقتلعت الذهب والبرونز من جدرانها وأحرقتها وهدمتها، لقد كان وصف المحارب الصليبي الدموي مشيناً فقد قيل أن أغلبهم من اللاتين فلقد كان المحارب يشد ترساً إلى يساره ، ويمك رمحاً بيمينه ويتقرب إلى جسد الآلهة المقدسة ويحدق بالدم ويسفكه حتى يصبح هو نفسه رجلاً دموياً
    لقد كانوا يقطعون أطراف الأطفال ، ويعذبون الشيخ ويمثلون بالجثث ويقطعون الرؤوس لقد ارتبكوا كل جريمة صغيرة وكبيرة واستخدموا كل الوسائل القذرة للوصول لمبتغاهم لكنهم فشلوا وقتلوا ونكل بهم في النهاية.
    إن الخبث اليهودي الذي استخدم هؤلاء البرابرة اللاتين ، فإنه استخدم خوارج العصر في حملته الصليبية التاسعة على بلاد الشام وما أشبه اليوم بالبارحة إذ كانت الوسائل الدموية هي ذاتها، لقد نادت الحملة الصليبية الأولى بأقدس الشعارات وأجملها لقد نادت لتحرير المسيحيين في المشرق ، وحين خرج مسيحيو المشرق يحملون صلبانهم وأناجيلهم أمام النورمانديين ظناً أنهم لن يقتلوهم، فأبادوهم أجمعين بلا رحمة ولا شفقة وهذا حال المسلمين في بلاد الشام.
    وكما قتل النورمانديين الأساقفة وخربوا الكنائس
    فإن نورماند الحملة الصليبية التاسعة قتلوا العلامة المسلم البوطي ودمروا مساجد الله وقتلوا طلاب العلم .
    وكل ذلك كان مغلفاً بشعارات لا تكاد تختلف عن شعارات البابا اليهودي أوربان الثاني ، الذي استغل عواطف المسيحيين المحبة لتحرر المشرق، ولقد استغل أوربان المعاصر عواطف المسلمين الطامحة لقوة الإسلام ونصره ، فضربهم بإخوتهم وأحرق البلاد الإسلامية.
    لقد كان لليهود دور هام في الثورة الفرنسية لمن لا يعلم ، فالثورة الفرنسية قامت لتصحيح الدين لكن حين دخل اليهود في الأمر لم يدعوا الفرصة لتصحيح الدين، وإنما استغلوها فرصة سانحة لتحطيم الدين، وهذا هو الدور الحقيقي الذي لعبوه في الثورة الفرنسية.

    والحقيقة إن المحافل الماسونية المنتشرة في فرنسا في ذلك الوقت ساهمت في التحضير للثورة، وهي التي رفعت شعاراتها الخاصة -الحرية والإخاء والمساواة- شعارات للثورة الفرنسية، على غير وعي من (الأمميين) الذين قاموا بها، واشترك بعض الخطباء من اليهود في إلهاب حماسة الجماهير وتفجير الغضب المكبوت.

    أما عن أسباب دخول اليهود في الثورة فقد كان لتحقيق هدفين كبيرين من أهدافهم الخاصة، أحدهما كانت الثورة تتجه إليه من تلقاء ذاتها، والثاني كانت وجهة الثورة فيه تيسِّر لهم الوصول إلى هدفهم الخاص إذا استغلوا الأحداث.
    كما كان اليهود خلف الثورة الفرنسية وخلف قيام الحرب العالمية الثانية فإنهم كانوا خلف الحملات الصليبية بمكرهم وخبثهم، ولقد قيض الله لهم رجالاً أبطالاً كنور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس.

    لقد حارب صلاح الدين الصليبيين واستقر به المقام بجانب الجامع الأموي واليوم يدفن شهيد المحراب العلامة البوطي الكاشف للحملة الصليبية المقنعة التاسعة، يدفن بجانب قبر صلاح الدين الأيوبي خلق الجامع الأموي
    مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا. تَبْدِيلاً }الأحزاب23
    لقد كنت أتعجب حين أقرأ شدة إعجاب القساوسة المسيحيين بصلاح الدين الأيوبي وهو الذي كان رحيماً بهم وأطلقهم وتركهم يعودون لبلادهم وقد تمكن من رقابهم
    لقد أعجب حين أقرأ صفحات الإعجاب من أبناء أوربا بصلاح الدين
    واليوم رأيت لحى قساوسة بلاد الشام تتشرب بالدموع حزناً على فقد شهيد المحراب العلامة البوطي
    كيف ولا وقد قدم لهم الإسلام الحق الإسلام الصحيح الإسلام الرحيم ، وقد أفجعهم ونفرهم أدعياء الدعوة عبر منابر الشيطان في قطر والسعودية وتركيا
    كان كثير من المسلمين ينتظرون خطبة الجمعة ليطل عليهم العلامة بكلامهم البسيط فالحق بسيط، ومنطقه الصحيح فالإسلام كذلك، وفكره النير كيف وهو يستقيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكني لم أعرف أن كثيراً من النصارى ينتظرونه بفارغ الصبر فقد كان لهم الملاذ في زمن ساد البطش وسفك الدماء بفتوى وبدون فتوى.
    في يوم الجمعة المصادف 22/3/2013 انتظره المصلون في جامع بني أمية الكبير لعل محيى البوطي يظهر ويصعد منبر رسول الله مكذبين خبر موته أو يكادون ، حتى اللحظة التي صعد خطيب آخر المنبر الذي بكى البوطي فقيداً.
    لكن هاتفاً قد هتف بكلام الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد واساهم: من كان يعبد محمد بن عبد الله فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله لا يموت "
    إن فقد العالم يعادل فقد الأمة لقد كان العلامة شهيد المحراب البوطي أمة بعلمه وخلقه وسداد رأيه ، لقد حقن دماء المسلمين ولولاه لدخل كثير من طلابه ومتابعيه ومسلمو بلاد الشام في الفتنة الشريرة .
    لقد كان مظلة أولياء بلاد الشام
    لم يكن رجلاً عادياً لقد كان استثنائياً لظروف استثنائية تمر بالأمة الإسلامية ، وإننا إذ نفقده نفتقد مصباحاً وهاجاً عرف مقادير الفتنة منذ اليوم الأول وحض الناس على الرحمة والتسامح، لقد خاطب المعارضين له في الخطبة الأخيرة فقال : اشهد لكم أنكم اجتهدتم و كل مجتهد مثاب وأسأل الله أن يثيبكم ، ولكن بعد أن ظهر الحق فعودوا عن اجتهادكم وألقوا السلاح.
    وما أقرب هذا الكلام بكلام الإمام علي بن أبي طالب شهيد المحراب وقد سألوه عن معارضيه: أهم كفار؟؟
    فقال : بل هم من الكفر هربوا.
    لكنهم إخواننا بغوا علينا
    استشهد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه باب العلم في المحراب
    واليوم استشهد العلامة السائر على نهج الصحابة بين المحراب والمنبر فسمي شهيد المحراب
    رحم الله شهداء هذه الأمة ورحم الله فقيدنا شهيد المحراب محمد سعيد رمضان البوطي
    وإنا لله وإنا إليه راجعون
    والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    22/3/2013
    طارق شفيق حقي


    المراجع
    الحروب الصليبية د سهيل زكار
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.