• القسام إذن يتقن فن المقاومة

    القسام إذن يتقن فن المقاومة


    وائل المصري


    لم يكن التصعيد الصهيوني في غزة في الآونة الأخيرة مع انشغال العالم بتطورات الأحداث في العالم العربي أمرا روتينيا أو تصعيدا يمكن النظر إليه على أنه اعتيادي مقارنة بما يفعل الاحتلال بصورة شبه يومية في غزة من قصف وتخريب.


    فقد حاولت دولة الاحتلال كسب معركة مع المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام وذلك عبر تركيز قصفها في المدة الأخيرة على أهداف تخص حماس والحكومة بغزة، وهو الأمر الذي تجنبه جيش الاحتلال طوال أوقات سابقة في محاولة منه لعدم تصعيد الأمور مع حماس، إلا أن ملاحظة طريقة التصعيد الصهيوني في غزة في الفترة الأخيرة تؤكد أن الاحتلال لا يسعى للحفاظ على ما أسماه "قوة الردع" الواهية أصلا وحسب، بل كان يحاول _ مستغلا حالة ضبط النفس التي تحلت بها حماس سابقا_ لأن يستبيح أهدافا جديدة لم تكن ضمن قائمة الأهداف سابقا، حيث كان يرمي إلى تطوير عملياته العسكرية بغزة ليستهدف فصائل المقاومة بمؤسساتها وعناصرها بعد أن كان يقوم سابقا بقصف لمناطق "محروقة" كالأنفاق أو مناطق فارغة، وهو الأمر الذي لو صمتت عنه حماس فإن تداعياته ستكون خطيرة حيث ستتجرأ دولة الاحتلال على اغتيال قيادات ميدانية في القسام وقادة المقاومة.


    وفي سبيل ذلك حاولت دولة الاحتلال جس نبض حماس عبر إقدامها على قصف مواقع تخص الحركة استشهد في إثرها قساميون، لترى بعد ذلك ماهية ردة فعل حماس وتقرر بناء عليها الولوج في توسيع دائرة الاستهداف لحماس والمقاومة بغزة أم لا.


    تلقفت حماس ومن خلفها كتائب القسام هذه النية الصهيونية الخطيرة، لتبدأ بعدها بالرد وكأنها تسير في حقل ألغام، فلا بد من الرد، غير أنه يجب الانتباه في طريقة التعامل وكذا طريقة الرد حتى لا يستغلها الاحتلال إعلاميا ودوليا للترويج لحرب قادمة على غزة محملا حماس سبب القيام بها، فكانت الرسائل القسامية المتتابعة التي أعجزت الاحتلال عن تحقيق أهدافه سواء في تصعيد العمل العسكري ضد المقاومة في غزة أو استغلال ردة فعل المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام إعلاميا ودوليا لشن هجوم شامل على القطاع.


    الملاحظ في تكتيك كتائب القسام في الفترة الأخيرة هو إرساله رسائل لدولة الاحتلال تفهمها الأخيرة دون أن تعلن عنها الأولى على الملأ أو تتبناها صراحة، وهذا ما بات ملاحظا في أسلوب كتائب القسام الذكي والفريد في تاريخ المقاومة الفلسطينية.


    ومن هذا الأساس وبالنظر إلى ما يعلن عنه الاحتلال وما تلمح به كتائب القسام بين الفينة والأخرى وبالربط بين هذه وتلك نجد أن كتائب القسام قد أوصلت رسائلها لدولة الاحتلال التي لا بد أنها فهمتها جيدا، حتى خرج وزير الحرب الصهيوني بعد تلك الرسائل القسامية بتصريح مفاده أن دولة الاحتلال لا تريد تصعيد الأوضاع في غزة ولا تأمل بأن يحصل ذلك.


    ومع ذلك كله فلا يخفى على كل متابع مدى التخبط الذي بات يعاني منه جيش الاحتلال حيث بات يرد على المقاومة دون أن يضع أهدافا محددة كما في السابق، وهو الأمر الذي كلف أهل غزة شهداء من المدنيين لم تجف دماؤهم بعد حتى كان رد المقاومة على استشهادهم حاضرا.


    رسائل القسام _وأن لم يعلن عن اغلبها صراحة ألا أن كل متابع يعرف جيدا أنها رسائل قسامية بامتياز من حيث أسلوبها ونوعيتها وأهدافها_ كانت حسب المتابعة تتمثل في عدد من العمليات التي لا تشاكل واحدة منها الأخرى في أهدافها وطريقة تنفيذها حيث كانت الرسالة الأولى هي إعلان الاحتلال عن إطلاق صاروخ (فوغيت) الروسي الصنع لأول مرة في تاريخ المقاومة بغزة على دبابة صهيونية، والرسالة واضحة في مضمونها بأن غزة لن تكون كما السابق وأن دبابات الاحتلال ستدمر على مشارف القطاع فيما لو فكر بالتصعيد وأن المقاومة اليوم أقوى مما كانت عليه أيام الحرب السابقة، مع ملاحظة إطلاق صاروخ (كورنيت) قبل عدة شهور على دبابة أخرى للاحتلال وإصابة من كان فيها رغم عدم حملها رأسا متفجرا.


    أما الرسالة الثانية فكانت بإطلاق عشرات من قذائف الهاون على مواقع مختلفة لجيش الاحتلال وإصابة عدد من الجنود الصهاينة جراء تلك القذائف، وقد أعلنت كتائب القسام مسؤوليتها عنها واعتبرتها رسالة من ضمن الرسائل لدولة الاحتلال، ورسالة القسام هنا تتضح أيضا حيث تقول للاحتلال أن ضبط النفس لن يستمر طويلا وأن القسام يستطيع إصابة أهداف صهيونية بدقة وانه من الآن فصاعدا فإن العين بالعين والسن بالسن وعلى الباغي تدور الدوائر.


    أما الرسالة الثالثة فتمثلت بما أفاد به شهود العيان والمواطنون في غزة ورفض جيش الاحتلال التعقيب عليه من استهداف مقاومين لطائرة مروحية صهيونية عبر صاروخ (أرض جو) لكنه لم يصب الطائرة التي فرت من الأجواء الغزية فورا، ومع نفي سرايا القدس مسؤوليتها وعدم تعليق القسام على العملية فإنه يبدو من الواضح أنها المسئولة عنه، وتضح الرسالة هنا بأن سماء غزة لن تكون فسيحة ولا رحبة المجال أمام الطيران الصهيوني في أي مواجهة قادمة، وان التفوق الذي يحققه سلاح الجو الصهيوني لجيش الاحتلال على الأرض بات مهددا من قبل القسام والمقاومة في غزة.


    الرسالة الرابعة التي انتهى بها المشهد لكنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة تتمثل في عملية القدس الفدائية، حيث نفت حركة الجهاد مسؤوليتها أيضا عنها، فيما اتهمت دولة الاحتلال ووسائل إعلامه حماس بالضلوع فيها وعدم نفي أو تأكيد القسام مسؤوليته عنها في خطوة فائقة الذكاء فلن يعطي القسام للاحتلال ذريعة بشن عمليات موسعة ضد غزة أو الحركة مهما كانت الظروف، والرسالة هنا واضحة في مغزاها حيث تقول أن المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام قادرة على ضرب الاحتلال في أماكن لم يكن يتصور أن يؤتى من قبلها، وان الخيارات ستكون كلها متاحة عند القسام للرد على الاحتلال فيما لو أقدم على حماقة في غزة كما كان يسعى، وان العمل الاستشهادي لم يتوقف نتيجة ضعف أو عجز بل كان لتكتيك عسكري وسياسي يخصان المقاومة فقط ولا احد غير المقاومة، وان دولة الاحتلال اعجز من أن تحمي مواطنيها في حال احتدام المواجهة.


    رسائل بخط القسام قد طارت إلى بريد الساسة الصهاينة ليفهموا قواعد اللعبة التي ستفرضها كتائب القسام والمقاومة في حال غامر قادة الاحتلال بجيشهم وشنوا حربا جديدة على غزة.


    بدا واضحا كيف أتقنت حماس فن المقاومة، فن لا تبرع به إلا المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام، فرحم الله القسام ورحم الله القساميين على درب شيخ الانتفاضتين وكل الذين مضوا في هذا الطريق.
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.