• أحلام البيادق، إهداء إلى رئيس الوزراء المنشق رياض الحجاب

    أحلام البيادق


    البيدق إذ ملًّ موج البحر تأكله الفيلة أو تدوسه أحصنة البراري

    في آخر النهار بحثت عنه وقد هرب من رقعة الشطرنج، فوجدته يتأمل مشهد غياب الشمس وقد التمع رأسه فغلب عليه اللون البرتقالي، وقد تطاول ظله على شكل إنسان هزيل.

    كذبت عيني إذ رأيته يهتز، وكلما غاب قرص الشمس وراء الأرض العتيقة، زادت حركته حتى سمعته يتنهد وقد لاحظت حبات دمع تتطاير مع الريح.
    اقتربت منه لا يد له يمسح دموعه ، شاهدني لا يد له يحضنني ، فحضنته فانهار باكياً يجهش بالبكاء.

    البيدق الصامت ما عاد يحتمل إثم الحلم، وقد أجهزت على قلبه جراح العشق، فقلت له ما بك... هيا قلّ لي.

    قال: في اللعبة الماضية ماتت الملكة ، كم كنت أحلم أن أكون وزيرها، كنت أحلم أن أتزوجها وأدافع عنها وأموت فداءً لها، لكن الوزير الخائن باع المملكة.

    كنت أقف في مكاني زماناً طويلاً، أحياناً أخترع لنفسي لعبة أحكي معها، أحياناً أتخيل أن لي شعراً أمشطه إلى الجهة اليمنى فتعجب بي الملكة ، وأضحك من مظهري إذ رضيت بالصلع شعراً لي.
    ربما كنت أفضل مخترع في عالم البيادق، وأجمل ما اخترعته بعد حب الملكة هو النشيد الوطني للبيادق، وصارت البيادق تردده خلفي ، لكن ما فائدة النشيد الوطني وقد باعت الوزراء المملكة.
    فقلت للبيدق : هون عليك ، ما رأيك أن أضع الوزير في مكانك في الجهة الأمامية، وأَضعك بجانب الملكة فقال: الوزراء وكبار المسؤولين دائماً يحبون الصفوف الأمامية لكن في المعركة يحبون الصفوف الخلفية.

    إن الوزير أضعف أن يكون في الصف الأول تنال منه أول هجمة من العدو، يكفني أن أموت شهيداً في سبيل الملكة ، وأنا من أنا حتى أفكر بالملكة ، لن أكون بطول وجمال الملكة ، يكفني أن أحبها من بعيد حتى وإن لم تحسّ بيّ وعاد للبكاء ، فحضنته أكثر لصدري.
    لكني سمعت أصواتاً من حولي وإذ البيادق كلها قد تجمعت حولي وقد أجهشت بالبكاء.

    ثم كفكفت دموعه وأخذته إلى رقعة الشطرنج ، وبدأت لعبة جديدة.
    الملكة تزج بالأحصنة في تحركات الهجوم، والبيادق تشن هجوماً عنيفاً تفسح المجال للبيدق حتى يتقدم.

    الفيلة والأحصنة تحاور وتأكل قطع العدو، والبيادق تتساقط واحدة تلو الآخر، يسقط أحدها فيتقدم آخر وبيدقنا يتقدم للأمام أكثر في حركة ذكية جريئة، وعلى الجناح الأيمن كانت هناك معركة ضروس وسقطت البيادق على أرض المعركة، وصهلت الأحصنة وتقدمت القلاع، والعرق يتصبب من البيدق وفي لحظة حاسمة خان الوزير مرة أخرى وباع المملكة بحفنة نقود ، وأصبحت الملكة في خطر داهم، فما كان من البيادق إلا أن أعلنت لحظة اللاعودة ، واندفعت تتساقط واحدة واحدة أمام وزير العدو، وفجأة أخذ البيدق الخطوة الحاسمة ودخل عقر دار العدو وتحول وزيراً حاصر ملكة العدو وأنهى اللعبة بهذا الاستبسال البطولي، الأحجار المتبقية تصفق لهذه اللحظة التاريخية، والبيادق التي استشهدت تبكي والدماء تقطر منها، والأحصنة تصهل والفيلة تموج ، ثم أفسحت الطريق أمام البيدق الوزير ليستقر بجانب الملكة معلنا عهداً جديداً لمملكة العشق.







    طارق شفيق حقي

    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.