• انقلب السحر على الساحر... عرابو الثورات يخشونها

    انقلب السحر على الساحر... عرابو الثورات يخشونها





    ما إن انتهت انتخابات المجلس التأسيسي التونسي حتى تداعت المجموعات والمسؤولون المهتمون بشؤون الشرق الأوسط لاجتماعات يتم فيها تحليل ما حدث في تونس وما سيحدث في مصر وليبيا وبعدها اليمن وسوريا. طرحت اسئلة مهمة ولا تزال الأجوبة معلقة. يحاول الباحث عبد العزيز الخميس البحث عن الاسئلة وما يطرح على موائد البحث من اجوبة.

    لم يكن بيرنار-هنري ليفي المتسائل الأول عن: هل دعم الغرب لثوار بنغازي سيعود عليهم بتطبيق الشريعة بشكلها الضيق؟ فقد سبقه الكثير من المحللين واساتذة العلوم السياسية في اوروبا والولايات المتحدة.

    وعلى الرغم من ان ليفي يركز كثيرا على الحالة الليبية مفتخرا بأنه من صنع الاستقطاب الدولي للوقوف بجوارها حين اقنع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتأييدها الا ان ليفي يعتبر اول المتخوفين على الثمرات التي منّى هو ومن وقف معه انفسهم بقطف ثمارها قريبا.

    يقول برنار-هنري ليفي في كتابه الجديد ومقالاته الاخيرة حول ما حدث ويحدث في ليبيا: ان البداية بكلمة ومجرد كلمة تصنع الفرق هذه الكلمة قالها رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل الذي يعتبر أبا الثورة الليبية لكن لا يحق له في نظر ليفي ان يصبح المشرع ومحدد مصير الثورة. ويقصد ليفي بالكلمة "الشريعة" واعتبارها مصدراً للدستور والتشريعات في ليبيا المستقبل.

    ويشير ليفي الى ان الكلمة ليست فقط أمنية بل هي ثمن يدفعه عبد الجليل للثوار المقاتلين الذين هم من حقق النصر على القذافي.

    ويذكر ليفي ان جملة عبد الجليل عن تطبيق الشريعة تعني القفز على فترة اعدادية مستحقة ستستغرق ثمانية اشهر تتضمن تأسيس المجلس التشريعي ثم الدعوة لانتخابات تأتي بحكومة.

    وحين يحدد عبد الجليل شكل الحكومة المقبلة يعني هذا تدخل صريح وعدم حياد مع ما يفترض انه رغبة الليبيين حتى لو كانت الشريعة حلمهم. فالعملية الديموقراطية يجب ان تأتي بما يريدون. ولا يحق للمجلس الانتقالي تحديد ذلك ولا لرئيسه التعبير عن رغبته حيث يجب ان يكون في الحياد الى ان يقرر الشعب الليبي ما يريد.



    ديمقراطية عبدالجليل: أنا أريد الشريعة!


    الامر الاخر الذي يشير اليه ليفي هو ان حديث عبد الجليل عن الشريعة غير دقيق او محدد فهناك انواع كثيرة من الشريعة. والشريعة ليست كلمة غير جيدة لكن تفسير الشريعة مهم للجهاد مثلا واختلاف تفسيراته واستعمالاته. الفتوى وطريقة استعمالها وماهيتها ونوعياتها وكيف سيكون لها دور في الحياة والقانون الليبي.

    حتى القذافي بكل جنونه استعمل الشريعة وعدها احد مصادر التشريع في عام 1993. ويتسائل ليفي هل ستستعمل الشريعة في ليبيا كما في ايران او السعودية او حتى مصر.

    والتساؤل المهم كيف ستختار ليبيا واي طرق الشريعة ستجدها سهلة. يعتقد ليفي وغيره ان ليبيا امام تحد قوي قد يصبح معركة يومية بين اطراف ترى الشريعة عبر وجهها المتعصب واخرين يرونها متكاملة مع الديموقراطية ومتوافقة مع التطور الطبيعي للتاريخ.

    ينطلق ليفي ليجد في هذه المعركة لذته خاصة وانه يعشق الحروب التي لا يحبها، كما يقول عنوان كتابه الجديد "الحروب التي لا نحب".

    يعترف ليفي انه واصدقاء ليبيا الجديدة سيخوضون هذه المعركة لئلا تقع ليبيا مرة اخرى في يد الديكتاتورية. بهذا التصريح في مقاله في مجلة لوبون يعلنها ليفي الذي حشد التأييد لثوار بنغازي وليقود من وراء ساركوزي هذه الحملة ضد القذافي، يعلن عن استعداد الاصدقاء لهذا الحرب.

    لكن ما يتضح لنا هنا ان ليفي يجد في تصريح عبد الجليل خرقا للخط الانتقالي في ليبيا وان امر الشريعة يجب ان يترك لليبيين بعد ان يمروا في مراحل تأسيس نظام ديموقراطي.

    الامر الخطير في مقال ليفي وكتابه هو من سمح له بالتدخل بهذا الشكل في ارادة الليبيين وشكل نظامهم واختياراتهم.

    وكيف سيرى الليبيون تهديده لهم بأن الغرب الذي غير نظام ليبيا سيكون حاضرا في اختيارات ليبيا المستقبلية.

    انه الاستعمار الجديد القديم

    انه الاستعمار الذي اتى لليبيا سابقا وافريقيا حاملا "مشعل الحضارة" ومقاتلا ضد "البربرية".

    هل سيعدم اصدقاء ليبيا ومنقذوها مجموعات ليبية ترفض الشريعة بنموذجها ايا اختاره الليبيين. مما سيبرر تدخلهم مستقبلا كما يهدد ليفي. بل ان ليفي يذهب بعيدا ليقول ان الانتصار الذي تحقق في ليبيا سيكون فقط لاصدقاء الحرية في اشارة واضحة ان اصحاب الشريعة المتعصبة، وهو يقصد السلفيين والاسلاميين الاخرين ممن لديهم فهم للشريعة، لا يتوافق مع هوى ليفي واصدقاؤه لا يحق لهم الحديث عن انتصارهم، على الرغم من اننا نعلم جيدا انهم هم من قاتلوا على الأرض.

    في هذا اشارة خطيرة إلى ان ليبيا لم تخرج بعد من المعركة ولم يكن ذلك الاحتفال الذي نظم والقى فيه عبد الجليل كلمته المؤثرة فرحا بالانتصار لم يكن على ارض الواقع اعلانا لنهاية الحرب بل هو انتقال للمعركة الثانية.

    ليبيا تدخل حربها الثانية وهذه المرة بين ان يكون نظامها الشريعي صديق للعالم المتحضر كما يراه ليفي والغرب او ان يكون عدوا لمن يصفون انفسهم "اصدقاء الحرية".

    هل يثير كتاب برنار هنري ليفي عقول بعضنا لتتسائل حقيقة لماذا احتجنا لليفي واصدقاءه لنغير مجتمعاتنا ونطيح بديكتاتوريينا.

    وليس وحده ليفي من يخرج ليعبر عن اجندته فللنصر الف أب وللهزيمة أب واحد، هذا هو عبد الرحمن شلقم مندوب ليبيا السابق في الأمم المتحدة ووزير خارجيتها في الماضي يعبر عن امتعاضه من الدور القطري المتعاظم في بلده خلال لقاء له مع التلفزيون الالماني حيث طلب من القطريين رفع ايديهم عن بلاده وخياراتها ومستقبلها.



    للنصر ألف أب وللهزيمة أب واحد


    المنتصرون بدأوا في الصراعات قبل ان تجف دماء القذافي والمقربين له. وان كان ليفي وشلقم قد عبرا علانية وامام وسائل الاعلام عن شروطهما وملاحظاتهما وان كان الاول ضد نوع ما من الشريعة والاخر يبحث عن مكان تحت شمس السياسة الليبية ويكافح ضد القطريين، فهناك اخرين ينظرون وبترقب الى ان تجهز الفريسة.

    يعتقدون ان ليبيا ستخوض صراعا لا يعرفون جيدا مآله

    هل تستطيع قطر ان تنهي المهمة مع الليبين وتعدهم جيدا كي يتخذوا نموذجها: نظام تتعايش فيه القاعدة الاميركية مع المنبر الاخواني المناضل.

    تقوم الخارجية القطرية بجهود حثيثة لتقريب وجهات النظر بين اطراف اللعبة السياسية الليبية. الطائرات تنقل رؤساء القبائل والفعاليات الاسلامية الى الدوحة كما تعرج الى تونس لنقل المنتصرين الجدد في فعاليات حزب النهضة لتقديم مراسيم العرفان والشكر للدوحة على جهودها ودعمها.

    بعيدا عن ذلك يقبع العديد من المحللين الغربيين امام صورة جديدة يطلب منهم زعماؤهم السياسيون فك رموزها. السؤال هو ماذا بعد هذه الثورات.

    تم التخلص من الديكتاتوريين لكن هل سيواجه الغرب ديكتاتورية جديدة ليست مثل سابقاتها تتعلق بشخص بل هي الان ديكتاتورية دينية جديدة ام سينجح العرب في صنع انظمة منفتحة تعددية.

    معظم المراكز البحثية الرسمية منها والخاصة وجدت نفسها امام معضلة مهمة فالاسئلة الموجهة من مراكز صنع القرار لها تتحدث عن المستقبل وما سيحدث فيه. لكن وحسب قول احد الباحثين المعروفين لا توجد اجوبة تقارب الواقع، لا يمكن التكهن. نحن امام معضلة تتمحور حول كيفية تداخل المعتقد مع المصلحة السياسية والقوى المجتمعية، وتوزيع مراكز القوى.

    مجتمعات عاشت على نمط معين من القوى هل يمكنها ان تنفض عن نفسها غبار القديم والهياكل الابوية السابقة.

    كيف يمكن ان ينقلب المقاوم الى ممثل ويساعد في رسم هوية. هل نجد انفسنا اما حالة تماثل الثورة الايرانية بكل خطاياها، وهل ساند الجميع الثورات ليجدوا انفسهم امام بلدان ستحتاج الى ثورات خضراء.

    الكثير ينظم قصائد المديح في الثورات العربية ومن حقه ذلك، لكن بعد كم من الاعوام سيرى الصورة الحقيقية وهي انه من السهل الاطاحة بديكتاتور لكن من الصعب منع صناعة أخر.

    الديكتاتور الذي اتى ليفي واصدقاؤه لمنعه هو صناعة وطنية قبل ان يعيش على المحسنات الخارجية

    أمام ثورات ليبيا ومصر وتونس وسوريا تحد كبير، فالنقمة على الحاكم حق طبيعي وابعاده عن الحكم أمر صحي لكن اللعبة اكبر من شخص نراه عظيما وسط نياشينه وثيابه الطويلة ثم يتم سحله ووضع الانابيب في مؤخرته.

    في مصر الان عملية معقدة تبدو الحرية شعار لها والصراع ضد الجيش وسلطته. لكن لا يمكننا انكار ان قسما ملحوظا يرى في الجيش لاعبا مهما ولا يحق للثائرين وانصار الحرية ان يبعدوه بتجمع محدد.

    حينما كان العدو مبارك وسلطته البائسة وجد المصريون انفسهم يخرجون زرافات ووحدانا في مسيرات ظللها الشعور الوطني الجارف بازالة الديكتاتور وصنع مستقبل جديد. لكن بعد ذلك فشلت كل المحاولات لميليونيات اخرى لازالة سلطة الجيش. والسبب عدم توفر ارادة جامعة لارتباط وجدان مصر بجيشها.



    من السهل الاطاحة بديكتاتور لكن من الصعب منع صناعة أخر


    وفي المستقبل هل يصبح النظام السياسي المصري على المحك حينما يختار بين تجربتين التركية او الجزائرية، بين شعب يختار نظامه ليكون هو عبر ممثله الحاكم الفعلي فيحجم الجيش. او بين تجربة يحكم فيها الجيش من وراء الستار عبر رؤساء يقومون بمهام التنفيس للشعب واطلاق الشعارات الديموقراطية الفارغة من معناها.

    في تونس، الجيش التونسي ووعيه وتدخله في الوقت المناسب منع حدوث ليبيا اخرى. والشعب التونسي تدخل بقوة ومن عمقه الريفي ليزحف على العاصمة بسلمية رائعة وليقنع الجيش ان وقت زين العابدين بن علي انتهى. لكن هل حصل هذا العمق الريفي على حقه، وهل انتهت معركة الحقوق ام بدأت. والمعركة الان ليست ضد شخص بل ضد مجاميع وتعصبات ومنظومات.

    يبدو ان في عالمنا العربي من توقع ان ازالة ديكتاتور هو نهاية الاحزان ونسي اننا مقبلون على معركة قوية ومتعددة وصراع لن تواجه فيه مجتمعاتنا الزعماء وتعلق على شماعتهم اخفاقاتها بل ستواجه نفسها وتتعامل مع اخطائها وتصحح نفسها او تقع في الفخ مرة اخرى، ونجد رجلا مثل ليفي الذي يمثل بهويته اليهودية المارشال الذي يأتي بالتعاون مع الاصدقاء ليصحح اخطاء مجتمعاتنا.

    نحن بديكتاتوريينا وشعوبنا وثقافتنا ومعتقداتنا من جعلنا ليفي مارشال الثورات العربية.
    ميدل ايست أونلاين
    تعليقات كتابة تعليق

    اضغط هنا للدخول

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.