مشكلة هيوم بقلم: الأخضر ﭭـريسي
by
, 20/12/2010 at 08:00 PM (7792 Views)
[RIGHT][SIZE=5][B][FONT=Arial]مشكلة[/FONT][/B][B][FONT=Arial] هيوم بقلم: الأخضر [/FONT][/B][B][FONT=Arabic Transparent]ﭭ[/FONT][/B][B][FONT=Arial]ـريسي [/FONT][/B][/SIZE][/RIGHT]
[FONT=Arial][SIZE=5]مشكلة الإستقراء من أبرز المشكلات في تاريخ الفلسفة الحديثة والمعاصرة، فقد شغلت ووجهت فلاسفة كثيرين كبارا من أمثال الفيلسوف إيمانويل كانط، الذي يقر لنا أن شكية هيوم أيقظته من سباته الدوغماتي، وحركته نحو فلسفته النقدية. وهي مشكلة لا تزال إلى اليوم تثير الجدل دون حسم، رغم كثرة ونوعية المتصدين لها. [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arial][SIZE=5]ومشكلة الإستقراء عرفت عند بعض الفلاسفة بمشكلة هيوم، فالفيلسوف النمساوي المعاصر كارل بوبر يسميها مشكلة هيوم، باعتبار أن الفيلسوف الأنجليزي دافيد هيوم أول من انشغل بها وصاغها صياغة محددة واضحة. [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arial][SIZE=5]إن مصطلح الإستقراء في التداول المنطقي يعني: الحكم على الكليات بما ثبت في جزئياتها. ومثاله أن يختبر الفيزيائي عينات من المعادن، فيعرضها للحرارة فيجد أن كل أفرادها يتمدد بالحرارة، وهنا ينقل الحكم من الأجزاء إلى الكل، بقاعدة عامة: كل المعادن تتمدد بالحرارة، فمنهجه استقرائي. [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arial][SIZE=5]ويعتبر الفيلسوف الأنجليزي الحديث فرانسيس بيكون واضع أساس العلم الحديث الإستقرائي التجريبي، نابذا المنهج الإستنباطي الصوري، كما جسده القياس الأرسطي، ولهذا صاغ بيكون[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5](([/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]المنطق الجديد[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]))[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]، وجعل الإستقراء التجريبي بديلا للقياس والإستنتاج. [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arial][SIZE=5]غير أن شكية هيوم أتت على الإستقراء بدوره. فقد وجد هيوم الإستقراء المعتمد كمنهج للعلم، وما يتمتع به من ثقة، ليس له ما يبرره، لا من الوجهة المنطقية ولا من الجهة التجريبية.[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arial][SIZE=5]فمن جهة العقل: إننا نحكم على المستقبل بحكم الماضي، معتقدين تماثل الماضي والمستقبل، لكن هذا الإعتقاد لا تبرره أية ضرورة منطقية، فلا مانع عقلا أن يخالف المستقبل الماضي، فإشراق الشمس اليوم كما أشرقت بالأمس وقبله ومن آلاف السنين لا يستند إلى ضرورة عقلية تحتم إشراقها غدا أو بعده.[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arial][SIZE=5]ومن جانب التجربة، لا يمكن أيضا تبرير الإستقراء. لأننا بكل بساطة سنقع في مغالطة المصادرة على المطلوب. وهكذا لا يرتكز الإستقراء إلا على هذه العادة، التي ولدها فينا تكرار الحوادث مطردة، فنعتقدها قانونا شاملا ثابتا يتجاوز الزمان والمكان. [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arial][SIZE=5]لقد تحرك كانط الفيلسوف النقدي العقلاني محاولا إعادة بناء المعرفة على أسس صلبة، تصمد لعواصف الشكية، كشكية هيوم، فأقر بهشاشة الأسس الدوغماتية التقليدية، ولكنه لم يستسلم لدعاوى الشكاك، التي تنتهي إلى هدم كل معرفة بدءا من أساس العلم. وانتهت نقديته إلى أن العقل البشري مؤهل لمعرفة [/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5](([/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]ظواهر الطبيعة[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]))[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5] وحدها، فهو مزود بمقولات قبلية سابقة عن كل تجربة، وهي إطارات المعرفة، لكن العقل لا تطال قدرته المحدودة [/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5](([/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]الأشياء في ذاتها[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]))[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]. غير أن بعض النقاد لا يقتنعون بالحل الكانطي، فاللجوء إلى ما هو قبلي لا يقبل به إلا من لديه استعداد عقلاني مثالي قبلي، أما التجريبيون والشكاك فلا يجدون له جدوى.[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arial][SIZE=5]ومن نزعة معاكسة انشغل أيضا الفيلسوف الإنجليزي التجريبي جون ستيوارت مل بالمشكلة، واقترح لها معالجة من زاويته الحسية المغالية. فإذا كان دافيد هيوم نفسه يفصل الرياضيات عن العلوم التجريبية ويضعها مع المنطق ليشكلا صنف العلوم الصورية التحليلية التي تصدق بـ[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5](([/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]الإتساق[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]))[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]، فإننا نجد جون ستيوارت مل بحسيته المغالية يجعلهما صنفا واحدا، ويفسر صدقهما تفسيرا واحدا هو صدق [/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5](([/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]المطابقة[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]))[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5].[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arial][SIZE=5]ففي تبرير الإستقراء وصدق القضايا والقوانين العلمية يردنا مل إلى الوقائع الحسية. فأي قانون علمي هو صادق مبرر، ويتمتع بالثقة واليقين، لأننا أخذناه من الوقائع التجريبية، ولأننا كلما راجعناه على التجربة صدقته، ولم نجد أية واقعة تنقضه. والتأمل النقدي البسيط يكشف لنا هشاشة مبرر مل التجريبي، ففيه تبرير الإستقراء بالإستقراء، و وجود حشد من الشواهد الإيجابية لا ينفي إمكانية وجود شواهد سلبية تنقض القانون.[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arial][SIZE=5]وبدورهم، يدلي البراغماتيون بدلوهم في المشكلة، من زاويتهم النفعية التي تبرر الصدق وتمنح المشروعية وفق معيار [/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5](([/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]النجاح العملي[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5])) [/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]وحده. فلا يبرر الإستقراءَ القبليَُ الفطريُ كما يرى العقليون، ولا يبرر الإستقراء بالإستقراء كما وقع فيه التجريبيون، بل إن الإستقراء مبرر ومشروع لأنه حقق لنا [/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5](([/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]النجاح العملي[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]))[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]، فبه نشأ العلم الحقيقي وتطور، وحقق التحكم والسيطرة، والتغيير والتسخير الذي يتمتع به الإنسان، وهذا النجاح كاف لمنحه المشروعية والثقة التي يحظى بها، بغض النظر عن الجدل النظري العقيم الدائر بين المذاهب، فإذا وجدنا مستقبلا منهجا آخر أنجح منه عمليا طرحناه، وجردناه من المشروعية والثقة اللذين سنمنحهما للجديد الأنجح.[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [RIGHT][FONT=Arial][SIZE=5]وإذا راجعنا المبرر البراغماتي لم نجده بدوره أكثر وجاهة من سابقيه، إذ يكفي لنقضه أن نقول: إن الخطأ قد ينتج النجاح، مثلما أن غير المشروع قد يجر النفع، لكن نجاحه العملي لا يمنحه الصدق ولا يهبه المشروعية. [/SIZE][/FONT][/RIGHT]
[FONT=Arial][SIZE=5] وهكذا ندرك وجاهة مشكلة الإستقراء التي تتحدى جهود الفلاسفة إلى اليوم، كما ندرك قيمة الشك الفلسفي[/SIZE][/FONT][FONT=Arial][SIZE=5]ودور الأسئلة الفلسفية في تحريك الفكر الإنساني نحو الإبداع.[/SIZE][/FONT]