التجربة عند البراغماتيين بقلم: الأخضـر ﭭريسي
by
, 20/12/2010 at 07:53 PM (5928 Views)
[RIGHT][SIZE=5][B][FONT=Arabic Transparent]التجربة عند البراغماتيين بقلم: الأخضـر ﭭريسي[/FONT][/B][/SIZE][/RIGHT]
[FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]من طبيعة اللغة تعدد مدلولات الدال الواحد، وهذه صعوبة لا نتجاوزها بانتقالنا إلى الفلسفة، على الرغم من أن الفلسفة ضبط مصطلحات. بل إن انتقالنا إلى المصطلحات الفلسفية يضاعف الصعوبة، بإثراء التعدد والتنوع، وتوسيع الإختلاف والتناقض. والمنبع الأول لهذا الإختلاف هو المذاهب الفلسفية. ولنأخذ مصطلحا من أكثر المصطلحات تداولا بين العلماء والفلاسفة هو مصطلح ((التجربة))، فإلى أي مدى يتقارب ويتباعد تصوره عند المذهب الوضعي وعند المذهب البراغماتي؟ [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]إننا لو تأملنا تصور المذهبين الوضعي والبراغماتي للتجربة،لا ننكر وجود تقاطعات كثيرة يلتقي فيها البراغملتيون والوضعيون، غير أننا في المقابل نعثر على فروق حوهرية كثيرة ينفرد لا ينفصل بها البراغماتيون عن الوضغيين فحسبن بل ينفردةن بها عن كل المذاهب الأخرى، واقعية كانت أو مثالية.[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]إن الوضعية ( كما هي ممثلة عند أوغست كونت واتباعه) والبراغماتية (عند مؤسس المذهب تشارلز بيرس واتباعه) تتفقان في مواقف عدة، منها: اتجاههما الواقعي التجريبي، ونبذهما المذاهب المثالية والفلسفات التأملية. والأخذ بالتجربة كمصدر وحيد للمعرفة، وإقصاء كل ما هو قبلي أو فطري. وجعل التجربة هي المعيار الوحيد للحقيقة، فهي الحد الفاصل بين الحقيقة المبررة المشروعة والرأي والوهم. كما تتفقان في اعتبار التجربة الوسيلة وحيدة لكشف المزاعم التأملية الزائفة، وحل المشكلات الفلسفية العالقة من أقدم العصور..[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]فالمذهبان الوضعي والبراغماتي يلتقيان في هذه الجوانب، غير أن البراغماتية تخط مسارا خاصا بها تتميز به في تصورها للتجربة، ومن أهم ما يميزها مقارنة بالوضعية: [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]إن التجربة في التصور الوضعي ((علمية)) خالصة، ولا مجال لتصور آخر غير التجربة العلمية، أما عند البراغماتية فتصور التجربة مفتوح، فالمعنى واسع وشامل، جامع وغير مانع، فالتجربة الدينية والروحية مثلا مشروعة عند البراغماتيين بينما هي خارج حدود العلم التجريبي، فهي منبوذة وغير مشروعة عند الوضعيين. [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]والتجربة مشروطة بالوقائع (الظواهر الطبيعية أو الإنسانية) عند الوضعيين، فالتجربة تكرار الظاهرة مصطنعة، في شروط أملتها الفرضية التي نريد التحقق منها، وهذه الفرضية ذاتها أوحت بها ملاحظة الوقائع، أما التجربة عند البراغماتية فمتعددة المصدر ومتعددة المجال، ولا تحصر في الطبيعة مصدرا ولا تتقيد بها تحققا، وقد تكون معتقدا دينيا، أو فكرة شائعة في جماعة، أو رأيا مقتبسا من شخص ما.[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]ومن هنا تختلف نتيجة التجربة عند المذهبين. فعند الوضعيين تنتهي التجربة إلى قانون علمي بتصديق التجربة للفرضية المقترحة، أو تستبدل الفرضية بتكذيب الفرضية. أما عند البراغماتيين فنتائج التجربة قد تكون هذا القانون إذا كان الشخص عالما أو تكون تصديقا لمعتقد ما ناخذ به للنجاح في المشروع العملي لأن تجربتنا أثبتت نفعه. [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]ثم إن التجربة لا تكون تجربة علمية ذات قيمة عند الوضعين إلا إذا كانت موضوعية، في شروطها وعناصرها ونتائجها، بحيث إذا طبقها أشخاص متعددو الذوات والميول والمعتقدات يصلون إلى النتائج نفسها. أما التجربة حسب البراغمتيين فلا تشترط لها أية موضوعية، لا في شروطها وعناصرها ونتائجها، ولا في ممارسيها، فالأهم أن تنفع التجربة صاحبها، فالحقيقة ذاتية لا موضوعية في التصور البراغماتي، ولكل فرد حقيقته الذاتية الشخصية، ما دام لكل فرد تجربته الذاتية والشخصية. [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]ويجر هذا الإختلاف إلى اختلافات أخرى، منها أن التجربة التي يتحدثون عنها هي تجربة شاملة لكل الناس، الصفوة والعامة، ولا يخصون بها العلماء والباحثين دون غيرهم من عامة الناس. فتجربة العامي التي تنفعه ليست أقل قيمة من التجربة التي مارستها الصفوة المؤهلة في مخابرها المجهزة المعقدة. إن قيمة التجربة تقاس بما تجره من نفع، لا بمصدرها. [/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]وتنفصل البراغماتية عن الوضعية والتجريبين عموما بتصور وظيفة التجربة. فوظيفة التجربة بالتصور التجريبي والوضعي تحقق لكي نعلم، ونعرف ونفسر الطبيعة والظواهر، فالتجربة والمعرفة إجمالا تصوير وتفسير. أما البراغماتيون فينطلقون من مبدأ مخالف، هو المبدأ العملي النفعي، الذي يتصور [/SIZE][/FONT][FONT=Arabic Transparent][SIZE=5](([/SIZE][/FONT][FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]كل فكرة مشروع عمل[/SIZE][/FONT][FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]))[/SIZE][/FONT][FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]، وبالتالي فالتجربة وكل معرفة أو فكرة هي لهدايتنا للعمل الناجح، إنها تخدم الحياة والنمو، وكل قيمتها ومشروعيتها في خدمتها لصراعنا من أجل البقاء والتطور، والبراغماتية أصلا نشأت كنقيض لهذا الفصل بين ما نعلم وما نعمل، إننا نعرف لا لنصور العالم ونفسره، بل لنغيره ونسخره.[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]كذلك تنفرد البراغماتية عن الوضعية في تصورها للتجربة في كونها معيارا موحدا شاملا، معرفيا وأخلاقيا في آن واحد. وهذا ينفرد به البراغماتيون والنفعيون عموما عن باقي المذاهب كلها. فإذا كنا نميز بين قيمة الحق وقيمة الخير، ونأخذ بتقسيم كانط للعقل النظري الذي يتكفل بالإجابة عن أسئلة المعرفة، في ظواهر الطبيعة، بينما يتكفل العقل العملي بالإجابة عما ينبغي فعله أخلاقيا، فإن هذا الفصل هو ماجاءت البراغماتية أصلا لمحاربته، فالحق والخير مترادفان ومعيارهما واحد هو المنفعة والنجاح أيا كان المجال، والباطل والشر مترادفان ومعيارهما الفشل مهما كان المجال، علميا أو فلسفيا، دينيا أو فنيا، فرديا أو اجتماعيا..[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]وتنفصل التجربة في تصور البراغماتيين عن الوضعيين في التعامل الإيجابي مقابل السلبية النافية التي يتعامل بها الوضعيون مع المشكلات والقضايا غير العلمية. ففي التصور البراغماتي لا شيء مقصى قبليا أو مبدئيا كما يفعل الوضعيون. فالقضايا الميتافيزيقية والمعتقدات الدينية مثلا مطروحة جانبا عند الوضعيين ما دامت التجربة عندهم محدودة يالظواهر وحدها، أما عند البراغماتيين فالتجربة مفتوحة على كل شيء، فالنسق الميتافيزيقي الفلسفي، أو المعتقد الديني الغيبي، كلاهما حق وخير إذا نفعا.[/SIZE][/FONT][SIZE=5]
[/SIZE] [FONT=Arabic Transparent][SIZE=5]ومع تقديرنا لهذا الربط بين النظر والعمل، وبتوظيف المعرفة من أجل لصراع البقاء والنمو والتطور، إلا أن البراغماتية فلسفة الذاتية المطلقة، والنفعية الجامحة، تتساوى فيها الخرافة والحقيقة، والجريمة والفضيلة إذا تساوى نفعهما، فهي في مجملها سفسطائية جديدة، وتكرار للمبدأ الميكيافيلي بصيغة جديدة: المنفعة تبرر كل وسيلة. لهذا: هي كما لخصها الفيلسوف الأنجليزي المعاصر برتراند راسل: البراغماتية خاطئة نظريا وكارثية عمليا. والسياسة الأمريكية تجسد هذه الفلسفة الأمريكية الأصل.[/SIZE][/FONT]