المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مع الناقد الأديب الدكتور حلمي محمد القاعود



د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:18 PM
د. حلمي محمد القاعود
...................................

ولد في قرية المجد ـ محافظة البحيرة في جمهورية مصر العربية عام 1946م.
*حصل على شهادة الدكتوراه في البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن من كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة عام 1985.‏
*عضو هيئة التدريس في كلية الآداب بجامعة طنطا (قسم اللغة العربية).‏
*عَمِلَ أستاذاً مشاركاً بكلية المعلمين بالرياض (1989 ـ 1990م).
*حاز على جائزة المجمّع اللغوي بالقاهرة 1968 وجائزة المجلس الأعلى للثقافة 1974م.
*عمل رئيساً لقسم اللغة العربية بكلية الآداب ـ جامعة طنطا (2000-2004م).
*له العديد من المؤلفات المطبوعة في الإسلاميات والأدب والعلوم، منها:
**في الإسلاميات:
1-مسلمون لا نخجل.
2-حراس العقيدة.
3-الحرب الصليبية العاشرة.
4-العودة إلى الينابيع.
5-الصلح الأسود: رؤية إسلامية لمبادرة السادات والطريق إلى القدس.
6-ثورة المساجد .. حجارة من سجيل.
7-هتلر الشرق.
8-جاهلية صدام وزلزال الخليج.
9-أهل الفن وتجارة الغرائز.
10-النظام العسكري في الجزائر.
11-.. واسلمي يا مصر.
12-حفنة سطور.
13-التنوير: رؤية إسلامية.
14-دفاعاً عن الإسلام والحرية
في الإعلام:
1-الصحافة المُهاجرة.
في الأدب والنقد:
1-الغروب المستحيل (سيرة الروائي محمد عبد الحليم عبد الله).
2-رائحة الحبيب (مجموعة قصصية).
3-الحب يأتي مُصادفة (رواية).
4-مدرسة البيان في النثر الحديث.
5-موسم البحث عن هوية (دراسات في القصة والرواية)
6-محمد (ص) في الشعر العربي الحديث.
7-القصائد الإسلامية الطوال في الشعر الحديث.
8-الرواية التاريخية في أدبنا الحديث: دراسة تطبيقية.
9-الحداثة تعود.
10-الورد والهالوك: شعراء السبعينيات في مصر.
11-لويس عوض: الأسطورة والحقيقة.
12-الواقعية الإسلامية في روايات نجيب الكيلاني.
13-الرواية الإسلامية المعاصرة: دراسة تطبيقية.
14-حوار حول الرواية في مصر وسورية.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:19 PM
مدخل إلى البلاغة القرآنية

المدخل إلى البلاغة القرآنية –
تأليف الدكتور حلمي محمد القاعود
الناشر : دار النشر الدولي بالرياض – 2007م
عدد الصفحات :320 صفحة .
يدور هذا الكتاب حول القرآن الكريم وبلاغته من خلال ستة فصول تسبقها مقدمة ( خطبة الكتاب ) يتحدث فيها المؤلف عن رحلته مع القرآن التي تجاوزت الستين عاما مذ نذرته أمه للقرآن حين ولد ، إن أبقاه الله حيا ؛ حيث عاش ضعيف البنية ، يعاني من متاعب صحية شتى ، وكان حلمه أن يتم آخر كلمة في هذا الكتاب ، وقد حقق الله له هذا الحلم ، وظهر الكتاب إلى الناس يحمل خبرة طويلة في قراءة القرآن الكريم عبر ستة فصول يتحدث أولها عن الجوانب التاريخية للقرآن الكريم من حيث أسباب النزول ، وعملية التدوين ، واللغة التي نزل بها الذكر الحكيم , وفي الباب الثاني يتناول الكتاب الجانب الأسلوبي من حيث اللفظ والآية والفاصلة والسورة ، ويطبق على ذلك في الفصل الثالث عارضا للقيم العامة من خلال الأسلوب القرآني ثم الصور البلاغية والمشاهد الحية .
ويتوقف الكتاب عند الإعجاز القرآني في الفصل الرابع فيتحدث عن معجزة القرآن وآراء العلماء فيها قديما ، والرؤى المعاصرة التي تناولت الإعجاز القرآني علميا أو إعلاميا أو عدديا أو دعويا أو تربويا أوغير ذلك .
في الفصل الخامس وقفة مطولة مع فضل القرآن الكريم على العرب واللغة العربية والعلوم التي صنعت حضارة العرب والمسلمين .الفصل الأخير يخصصه الكتاب للقصة القرآنية من حيث طبيعتها وصفاتها والبناء القصصي مع دراسة نماذج تطبيقية من القصص القرآني مثل قصة يوسف و قصة موسى عليهما السلام .
في الخاتمة يؤكد المؤلف أن القرآن الكريم هو صمام الأمان لأمتنا المظلومة ، وهو الذي سيحررها بإذن الله تعالى ، حين تصغي إلى آياته وتحولها إلى سلوك عملي وتطبيقي بعد أن تدرسها وتفقهها فقها صحيحا ، وتعتمدها منهجا وطريقا إلى غد يقوم على الإخلاص والجهد والإتقان والمعرفة والتفوق في كل مجالات الدين والدنيا .

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:20 PM
«واحد من سبعة»
قصص للأطفال، الدكتور حلمي محمد القاعود
.................................................. .................

من يعرف الكاتب وكتاباته الجادة الصارمة ، لا يتصور أنه هو الذي يكتب للأطفال في هذا الكتاب الذي صدر بمناسبة موسم القراءة للجميع . ولكن من يعلم أن الكاتب بدأ حياته بكتابة القصة القصيرة والرواية قبل أن تشغله القضايا العامة فضلا عن الواجبات العلمية والنقدية لا يستغرب هذه المفاجأة اللطيفة .
إن الكتاب يضم ست قصص من التاريخ الإسلامي يقدمها المؤلف للصبيان والبنات في إيجاز وبساطة ولغة مختارة بعناية ، بل إن الكبار أعجبوا بها لأنها تقدم لهم صفحات ناصعة من تاريخنا الإسلامي منذ صدر الدعوة الإسلامية حتى فتح القسطنطينية ( استانبول الآن )..
تحكي القصة الأولي ما قام به الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري وقد بلغ الثمانين من عمره ؛ عندما أصر على المشاركة في أول جيش إسلامي توجه بقيادة يزيد بن معاوية لفتح القسطنطينية ، ولم يستجب لرجاء يزيد بالبقاء بل أصر على الخروج مع الجيش وأوصى أن يدفن على أسوارها إن لم تفتح .. وكان له ما أراد ! حتى جاء محمد الفاتح القائد العثماني بعد مئات السنين وفتح المدينة ، فأعاد دفنه في داخلها ، فقد عده الفاتح الحقيقي.
القصة الثانية تحكى قصة عكرمة بن أبى جهل وإسلامه وجهاده من خلال قصة مؤثرة يظهر فيها إيثار الصحابة وتضحياتهم .
القصة الثالثة تحكى قصة صحابي آخر هو زيد الخير كما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن كان اسمه زيد الخيل .
القصة الرابعة التي صارت عنوانا للمجموعة تحكي قصة بلال بن رباح وقصة تمسكه بالعقيدة وجهاده في سبيل الله حتى توفي عام 20 للهجرة.
وتحكي القصة الخامسة قصة عمر بن الخطاب وعدله في الرعية ، حيث حقق الأمن والقوة للبلاد والعباد.
القصة السادسة عن أم سلمة رضي الله عنها ، وقصة هجرتها من مكة إلى المدينة المنورة برفقة عثمان بن طلحة ، ليجتمع شمل عائلتها حيث استشهد أبوسلمة وكافأها الله بالزواج من النبي – صلى الله عليه وسلم – لتكون أما للمؤمنين جميعا .
أعد رسوم الكتاب الفنان عصام طه، وهي رسوم جميلة ومعبرة ، وتعبر عن شموخ أبطال القصص التي وردت في الكتاب .
الناشر: كتاب قطر الندى، العدد (164)، القاهرة.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:21 PM
معركة الحجاب والصراع الحضاري
تأليف الدكتور حلمي محمد القاعود
الناشر مركز الإعلام العربي بالقاهرة 2008م
- يقع في 136 صفحة من القطع المتوسط.
يقول الناشر عن هذا الكتاب إنه جهاد بالقلم انتصارا للحجاب في معركة الغرب ضده ، وكشف لأغوار هذه المعركة ودلالاتها وأهدافها . وتتبع تاريخي لجذور العداء الغربي للحجاب الذي بلغ ذروته في فرنسا – دولة الحرية والإخاء والمساواة – بقرار الحكومة الفرنسية منع الطالبات المحجبات من دخول مدارسهن ، لتقف العلمانية الغربية في مفترق طرق ، وتقدم بنفسها دليل إدانتها ، وعدم مصداقيتها .
والكتاب تعرية للنخب المثقفة العربية المسلمة التي تضافرت مع الغرب في حربه ضد الحجاب ، ولم تتورع عن الافتراء على النصوص القرآنية الصريحة ، ولي عنقها لتقدم مبررات مغلوطة لموقفها العدائي من الحجاب .
ثم إن الكتاب كشف لنوايا الغرب الحقيقية في موقفه من الحجاب الذي انتقلت إليه الحملة العدائية ضده من فرنسا إلى دول أخرى مثل ألمانيا ، وهولندة ، وبلجيكا ، متسترة تحت زعم " تحييد المؤسسات العامة وتجنيبها مخاطر الصراعات العقدية ، واحترام القواعد الأساسية للحياة المشتركة" – كما ورد في تصريحات الرئيس الفرنسي السابق " شيراك" أثناء أزمة الحجاب في فرنسا عام 2003م ، فالهدف الحقيقي غير المعلن هو تحييد الإسلام وإبعاده بمحوريه الديني والحضاري معا .
الكتاب بعد ذلك محاولة لإنعاش الذاكرة التاريخية للنخب المثقفة التي تناصر الغرب في موقفه المتعسف من الحجاب لتربط بين هذا الموقف وغيره من المواقف على مدى حقب التاريخ ، ومراحل العلاقة بين الإسلام والغرب ، وتدرك أن معركة الحجاب حلقة في سلسلة متصلة .
وإجمالا – يقول الناشر – نقدم هذا الكتاب توعية للقارئ العربي بهذه المعركة كإحدى آليات الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب .
إنه جهد تأصيلي قام به مشكورا الدكتور حلمي محمد القاعود في إطار دفاعه عن القيم الحضارية الإسلامية ، ووقوفه الصارم – بقلمه – في وجه محاولات الغرب لطمس وتشويه هذه القيم ، بل واستعداء بعض أهلها عليها .

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:21 PM
إنسانية الأدب الإسلامي
تأليف الدكتور حلمي محمد القاعود
الناشر : بستان المعرفة ، كفر الدوار بحيرة ( مصر)، 2008م
عدد الصفحات : 74 صفحة من القطع الكبير .
هذا الكتاب لقطات حول طبيعة الأدب الإسلامي ومنهجه وأبعاده كتبها المؤلف على مراحل ، قبل أن يكتب مؤلفة الموسع ( الأدب الإسلامي : الفكرة والتطبيق – دار النشر الدولي بالرياض 1427هجرية = 2007ميلادية ) ، ورأى أن هذه اللقطات تكمل جوانب جديدة تضاف إلى الدراسة الموسعة .
ويؤكد الكاتب على أن الأدب الإسلامي حركة تجديد للأدب العربي الحديث والمعاصر وآداب الشعوب الإسلامية الأخرى ، حيث يستعيد هذا الأدب للأمة هويتها الضائعة وخصائصها المطموسة بفعل تأثيرات صاخبة وعواصف عاتية ، هبت من هنا وهناك لتنال من تماسك المجتمع العربي والإسلامي وتستبدل قيما بأخرى .
وتهدف هذه الرسالة القصيرة إلى تشجيع أدبائنا على مراجعة كثير من المواقف والتصورات التي تجعل من أدبنا عنصرا بناء لمستقبلنا ، وعامل استعادة لدورنا الحضاري الذي فقدناه بفعل أعاصير وانتكاسات وهزائم يعرفها جميع المثقفين في الأمة .
كما يؤكد الكاتب على أن الأدب الإسلامي أدب نصوص قبل أن يكون أدب شخوص ، فالنص الأدبي النابع من تصور إسلامي أو رؤية إسلامية هو أدب إسلامي بامتياز مهما كانت شخصية قائله .
وينفى الكتاب تهمة الطائفية التي يرمي بها البعض الأدب الإسلامي ، فالإسلام يسع الإنسانية كلها ، والعالم بأسره ، لأنه دين الرحمة والتعاطف والمودة والتعارف والتآلف والسلام الذي يرفرف على المجتمعات كلها ، في ظل الحرية والعدل والاحترام المتبادل .. وقد ظل هذا الأدب سائدا على مدي ثلاثة عشر قرنا حتى هبت العواصف والأعاصير ..ثم إن ربط الدين بالحياة في الإسلام قضية عقدية ، ومن ثم فهي أساسية حيث يفترض أن يكون سلوك المسلم ترجمة لعقيدته ، وإيمانه ، وإلا فإن إسلامه يكون مجرد إسلام لفظي لا قيمة له ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ، وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ) الحجرات : 14
الإسلام هو مظهر الإيمان ، وهو ترجمة لهذا الإيمان إذا تطابق السلوك مع الفكر ، والعمل مع القول ، والممارسة مع التصور ، بدون ذلك يدخل المسلم دائرة أخرى يسميها القرآن الكريم " النفاق " !
لقد غير الإسلام تصور الجاهليين فكتبوا أدبا إسلاميا بلغتهم وأساليبهم وفنونهم الأدبية التي يعرفونها ، والتي عرفوها فيما بعد .
يشيد الكتاب ببعض الوسائط التي أسهمت في التعريف بالأدب الإسلامي ، وناقشت قضاياه ، وأكدت على وجوده.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:22 PM
العصا الغليظة ( ثلاثية الاستبداد – القهر – التخلف ).
تأليف الدكتور : حلمي محمد القاعود
الناشر : دار المختار القاهرة - 2008م
عدد الصفحات : 224 قطع متوسط
يقول المؤلف:
هذه الكلمات كانت صدى لأحداث جرت في الفترة القريبة الماضية ، وتمثل نتائج لواقع مؤسف تعيشه أمتنا عامة ، وشعبنا المصري خاصة ، منذ مطالع القرن العشرين ، ومازال مستمرا حتى اليوم ، ويزداد سوءا كلما مر بنا الوقت ، مما يعطي انطباعا بالتشاؤم والإحباط وفقدان الأمل في المستقبل !! ويمنح هذه الكلمات مشروعية القراءة والتأمل حتى تتغير الأحوال !
شعوب العالم كلها حتى تلك التي لم يكن لها اسم على الخريطة الدولية ، عرفت كيف تتعايش وتتوافق وتؤسس لبناء حضاري في الصناعة والزراعة والتجارة والاقتصاد ، وقبل ذلك العلم والمعرفة وتجديد الدماء السياسية والفكرية والثقافية ، ولكننا نخطو إلى الأمام خطوة ، ونعود إلى الوراء خطوات .. وسبب ذلك واضح لا يخفى على أحد ، وهو " العصا الغليظة " التي تستخدمها السلطة ضد شعبها ، ترفعها مؤقتا في بعض الأحيان ، ولكنها تعود وتستخدمها بشراسة أشد ووحشية أكبر ، مما جعل "المصري " بلا قيمة ولا ثمن ، داخل وطنه وخارجه على السواء ، مهما علت مكانته وارتفع مكانه ...
إن ثلاثية الاستبداد والقهر والتخلف تمسك بخناق الشعب ، والأمة ، مما أعطى لأعدائنا وخصومنا فرصة العمل " الآمن " ! داخل أوطاننا ، وصرنا "معرّة الأمم" ، لولا ومضات تبرق هنا وهناك تبشر بالأمل والعمل والمقاومة والتضحيات ، وهو ما يضع على عاتق شعوبنا مهمة صعبة وشاقة في مقاومة الاستبداد والقهر والتخلف جميعا ..
لقد شهدنا على مدى عامي 2004، 2005م ، حراكا سياسيا ملحوظا ، ولكنه كان قاصرا على نخبة محدودة، دفعت ثمنا باهظا لمواقفها ، في ظل قسوة بوليسية مفرطة ، وتهالك إداري واضح ، وفساد غير محدود ، وكذب مفضوح تقوم به أبواق مأجورة من مثقفي السلطة وكتابها ، ومع توالي الكوارث والمصائب التي تصيب المصريين مثل غرق العبارات ، وتصادم القطارات ، والإصابة بأوبئة الطيور والحيوانات .... فإن الأمور في حاجة إلى استنهاض الهمم واستثارة العزائم لمعالجة أوضاعنا المتردية والانهيار الاجتماعي الاقتصادي الثقافي التعليمي التربوي .. والعلاج يبدأ بوصفة بسيطة جدا وسهلة للغاية أسمها : " الحرية " .. وبالحرية يمكن أن نبني وطنا حقيقيا ، وأمة واعدة ..

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:23 PM
حصيرة الريف الواسعة : مواقف نقدية وقضايا ثقافية
تأليف الدكتور : حلمي محمد القاعود
الناشر : بستان المعرفة ، كفر الدوار ( بحيرة ) – 2007م
عدد الصفحات : 188 صفحة .
هذه فصول قصار كتبت في سنوات قريبة مضت ، تناولت بالنقد والتحليل نصوصا أدبية ونقدية ودرامية جديدة ، وفيها أيضا حديث عن بعض الأعلام المعاصرين في مناسبات مختلفة ، فضلا عن بعض القضايا التي تتصل اتصالا وثيقا بالحياة الأدبية والفكرية الراهنة مازال معظمها يراوح مكانه ويشكل حالة سلبية في الواقع الثقافي .
وقد سميت هذه الفصول " حصيرة الريف الواسعة " انطلاقا من المقولة الشائعة في الريف " حصيرة الريف واسعة " ؛ فالقرية بالنسبة للمؤلف حيث يقيم ويعيش هي المبتدأ والخبر ، وكثير من مادة هذا الكتاب تنتسب إلى الريف وأهله ومشكلاته .. ، ثم إن تنوع مادة الكتاب وتشعبها تجعل القارئ يجد في حصيرة الريف ؛ مجالا ملائما للمشابهة في الرحابة والاتساع .
معظم النصوص التي يعالجها الكتاب تنتسب إلى جيل الشباب أو أدباء النضج الذين أهملهم النقد ، ولم يلتفت إلى إنتاجهم أو كتاباتهم ، ويحسب لهذا الكتاب أنه قدمهم إلى الجمهور القارئ أملا أن يكون ذلك بداية لمتابعتهم وتحليل إبداعهم ونصوصهم .
أما الأعلام الذين تناولهم الكتاب وهم من المعاصرين وبعضهم من الذين رحلوا دون أن تتوقف عندهم أجهزة الإعلام الأدبي كما ينبغي ، أو تشير إلى بعضهم مجرد إشارة اعتمادا على نظرة أحادية تسود الحقل الأدبي ، وتجعل صاحب المبادرة بالعلاقات العامة هو الأكثر حضورا وبروزا واهتماما ، علما أن هؤلاء الأعلام أصحاب إنتاج له قيمة لا تبلى ، وجهد لا ينكر ، مما يجعل الالتفات إليهم ضرورة سواء في الجامعات أو الدوريات المتخصصة .
صفحات هذا الكتاب تدعو إلى تحرير الأدب والثقافة في بلادنا ومناقشة الوسائل الفعالة والأساليب الناجحة من أجل تحقيق هذا التحرير ، وهي دعوة تستحق من المخلصين من أدباء هذا البلد ومثقفيه – وليس كتاب السلطة – أن يدرسوا نواحي القصور في ثقافتنا حتى تكون الثقافة قاطرة للتحول والدخول إلى عالم أفضل وأكرم .

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:23 PM
الشخصية الإسلامية في أدبنا الحديث

بقلم: أ.د.حلمي محمد القاعود
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعرضت الشخصية الإسلامية في أدبنا الحديث إلى السخرية والزراية بطريقة غير مسبوقة في أدبنا العربي على امتداد تاريخه الطويل، وقد تفنن المعادون للتصور الإسلامي والموالون للتصورات المادية والاستعمارية في تصوير الشخصية الإسلامية تصويراً بشعاً وقبيحاً وفصامياً، يقوم على التناقض بين القول والفعل، والكلام والعمل، لدرجة أن المرء - من أي ملة كان - يعتقد من خلال هذا التصوير أن الشخصية الإسلامية لا تتفق وطبيعة الحياة، وأن الإسلام - وهذا هو الأهم - لا يصلح ليكون منهجاً وطريقة سلوك، فعلماء الدين ورموزه الذين تصوّرهم الأعمال الأدبية منافقون وكذابون وزناة ومرتشون ومصالحهم تسبق معتقداتهم! بل إن هذه الأعمال أسرفت في تصوير المسلم بصفة عامة، حين جعلته "يطبع" علاقاته مع الانحرافات السلوكية التي تتناقض مع العقيدة والشريعة، لدرجة أننا نرى البيت المسلم مثلاً، لا يخلو من "بار" لتقديم الخمور، أو قاعة للرقص الغربي أو الشرقي، أو أن هذا البيت لا يعرف أفراده الوضوء ولا يقيمون الصلاة، ولا تسمع منهم تحية الإسلام، ولا ذكر الله، ولا تعبيراً يدل على انتمائهم للعقيدة والشريعة.
وإذا كان الشعر العربي الحديث، قد حفل بمضامين غير إسلامية تدعو إلى أيديولوجيات غربية وأفكار فلسفية بعيدة عن الإسلام، أو حاول أن يشوه بعض الرموز والقيم الإسلامية، فإن الفنون الأدبية الدرامية، وبخاصة المسرح والقصة والرواية، ويتصل بها المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية المأخوذة عنها، قد أحرزت تأثيرات أكثر خطورة في تشويه الإسلام بعامة، ورموزه وقيمه بصفة خاصة؛ وذلك لقدرتها على غزو الوجدان والمشاعر لدى المتلقين بطريقة سهلة وبسيطة وغير مباشرة، بحكم أن الإنسان بطبيعته يستلذ عملية القص والحكي، ويستريح إليها فيما يشبه الحذر اللذيذ؛ لأنه يتابع أحداثاً وشخوصاً وعلاقات تتسلسل أمامه، وهو مسترخ، فيتقبلها غالباً دون عناء أو تفكير أو إعمال عقل بطريقة يقظة.. ويمكن القول بأن الأعمال الدرامية، قد جعلت صورة المتدين مرفوضة لدى قطاعات كثيرة من الناس، وجعلته رمزاً للزيف والانتهازية والسلوك الرخيص.
وفي السنوات الأخيرة، استطاعت بعض الحكومات المستبدة في العالم العربي (الإسلامي) أن تستغل الدراما مكتوبة ومصورة ومشخّصة، في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، من خلال استغلال بعض الحوادث والخلافات التي وقعت بين هذه الحكومات، وبعض الجماعات الإسلامية، فأشاعت الأعمال الدرامية التي أنتجتها حكومات الاستبداد أو ساعدت عليها أن ترسم صورة مقزّزة للإسلام ولكل من ينتمي إليه، بل إن هناك أعمالاً أغرقت في عدوانيتها وبجاحتها ضد الإسلام، فلجأت إلى التاريخ وزورته، وزيفت حياة بعض الشخصيات التاريخية وصورتها في حالة من الانحلال والمجون والزندقة، لتقول بعدئذ إن هذا هو الإسلام المطلوب، الذي يتوافق مع "الاستنارة" و"التقدم".
خطأ كبير
ومن المؤسف أن بعض المثاليين الذين يقاومون الفساد والانحراف والظلم، قد وقعوا في خطأ كبير، عندما انبهروا ببعض الأعمال الدرامية التي تصوّر علماء الدين في صورة فصامية متناقضة، وتحوُّل بعض الشخصيات من الاستقامة والطهارة إلى الانحراف والدعارة، وعدّوا ذلك فضحاً للفساد ومقاومة للظلم ونضالاً ضد الاستبداد والطغيان! والحق أن تعرية الفاسدين والظالمين والمستبدين والطغاة أمر محمود بل ومطلوب، بل وفرض على كل قادر ومستطيع، ولكن هل يأتي ذلك على حساب تشويه صورة الإسلام والمسلمين.. وإيهام الناس أن الإسلام منبع الظلم وأن علماءه والمنتمين إليه ليس فيهم رجل رشيد؟
هناك شيء في الأعمال الأدبية والفنية يسمى بالمعادل، والمعادل يعني أن نضع النماذج الخيّرة في مواجهة النماذج الشريرة، قد يكون المعادل حدثاً أو فكرة أو شخصية أو غير ذلك، وهمة هذا المعادل نسف الفكرة التي يرفضها الكاتب أو الفنان وترسيخ الفكرة التي يدعو إليها وينشغل بها، فإذا خلت الأعمال الأدبية والفنية من المعادل، فمعنى هذا أن صاحب العمل يؤكد الفكرة المطروحة ويؤمن بها، وإلا ماذا يقصد الكاتب وهو يجعلنا نتعاطف مع عاهرة كانت من قبل امرأة شريفة ومستقيمة ومتدينة؟ لا ريب أنه أمر مقصود، وخصوصاً إذا كانت قيمة الشخصيات من عمل الكاتب معوجة ولا تعرف الطهارة فضلاً عن الله!
دعك من حكاية الظاهر والباطن التي يسوّغ بها البعض قصور كاتب معين وعدم تقديمه للمعادل المسلم الصالح، فالعمل - حتى لو كان رمزياً- لا يستطيع أن يغفل هذا المعادل أو يتجاهله.
ويصبح الأمر مثيراً للتساؤل والدهشة والغرابة، عندما تنظر حولك فلا تجد شخصية إسلامية سويّة، لا على مستوى الأفراد العاديّين، ولا على مستوى الصفوة التي يمثلها علماء الدين في تخصصاتهم المختلفة، تتضمنها رواية أو مسرحية أو عمل تلفزيوني أو فيلم سينمائي، إن الأعمال التي تضمنت شخصيات إسلامية قليلة بل نادرة، ولعل هذا كان من أسباب الدعوة إلى أدب إسلامي ينصف الإسلام من معظم الكتاب الذين أغرقوا في كراهية الدين الإسلامي، أو ابتعدوا عنه، أو فهموه فهماً قاصراً!
واقع الحياة
إن واقع الحياة يحفل بالشخصيات السوية والمنحرفة، والطيبة والشريرة، ومن غير الإنصاف، أن نزيّف الواقع، فلا نرى فيه إلا الشر والقبح والدمامة، وأن نصوّر الشخصيات الإسلامية تصويراً يتسم بالمغالاة والبعد عن الواقع، فلا نرى المسلم إلا صاحب وجهين ومنافقاً وانتهازياً وأفاقاً، وإذا كان بعض المعادين للإسلام يتسقون مع أنفسهم في هذا الاتجاه، فإن المسلمين الذين يسايرونهم يضعون أنفسهم في موقف الريبة والشك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
عن (موقع لها أون لاين ـ 15/4/2002م).

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:24 PM
الناقد الدكتور حلمي القاعود: الواقع الثقافي غريب عن فطرة الأمة

حاوره : أ. د. حسين علي محمد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"حلمي محمد القاعود" اسم يعرفه العاملون على الساحة الإسلامية، كما يعرفه خصوم الإسلام من المثقفين العرب أيضا، هو حاضر في أذهان الجميع بما يكتبه من آراء جريئة، وأفكار قوية، ومقالات حادة لاتعرف المراوغة أو المداورة.
في المجال الأدبي، هو ناقد أصيل وكبير. منذ بداياته، وصفه الأديب الكبير" وديع فلسطين" في مجلة الثقافة التي كانت تصدر في السبعينيات من القرن الماضي بأنه أفضل النقاد الشبان، وفي عام 1968م فاز في مسابقة مجمع اللغة العربية، التي كان يتنافس عليها كبار الأدباء والكتاب. وكان عمره آنذاك لايزيد عن الثانية والعشرين، وفي عام 1974م فاز في مسابقة يوم الأرض الخاص بالشعب الفلسطيني ببحث عن شعراء المقاومة الفلسطينية، وهي المسابقة التي كان يقيمها المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية (المجلس الأعلى للثقافة الآن).
ومع أنه يقف من هذه المؤسسة الثقافية موقفاً مخالفاً؛ فقد رأت أنه لا بد من تكريمه بوصفه أبرز أدباء محافظة البحيرة وذلك في مؤتمر أدباء مصر الذي انعقد بمدينة دمنهور عام 1998م، وأهدته درع التفوق.
في حياته الجامعية، يمثل صورة للأستاذ الجامعي الجاد، الصارم من غير قسوة، الحازم في غير شدة، وخاصة في مجال الدراسات العليا، يأخذ طلابه بالعمل الدؤوب، والبحث المستمر، والاهتمام بالجزئيات مثل الاهتمام بالكليات، وهو كذلك أيضا في مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه، فتكون مناقشاته- كما شهد زملاؤه وطلابه-درساً تطبيقياً وعملياً، يعلم الطالب كيف يصل ببحثه إلى التفرد والإضافة.
"القاعود" صدر له مؤخراً كتاب مهم يعد مرجعا في بابه، هو (الرواية التاريخية في أدبنا الحديث) عن "هيئة قصور الثقافة" في أكثر من ستمئة صفحة، وصدر عنه كتاب في سلسلة "أصوات معاصرة "بعنوان: "نحو أدب إسلامي: قراءة في رواية " البحث يأتي مصادفة" من تأليف "ثروت مكايد عبد الموجود"، كما صدر له كتاب ثالث بعنوان: "الإسلام في مواجهة الاستئصال".
وكانت هذه الإصدارات، بعد فترة انقطعت فيها إصداراته الأدبية والفكرية، مدخلنا إلى لقائه وسؤاله عن أثر صدور هذه الكتب بالنسبة له فقال:
الناشرون وسوق الكتاب
- في الحقيقة، إنني- مع ظروفي الصحية المضطربة كما تعلم- لم أتوقف أبداً عن القراءة والكتابة، إلا لضرورة قاهرة، وطوال السنوات الست الماضية، صدرت لي بعض الكتب القليلة، منها كتاب "دفاعاً عن الإسلام والحرية" عن دار الاعتصام، وكتاب "حوار بين الرواية في مصر وسورية"، وقبلهما صدر كتاب" الرواية الإسلامية المعاصرة"، كما صدر كتاب" الأقصى في مواجهة أفيال أبرهة" عن الانتفاضة الثانية، ولدي بعض المخطوطات لكتب أخرى، ولكن تصفية دار النشر، التي كانت تنشر لي باستمرار، لأسباب مالية، فضلاً عن تراجع سوق الكتاب، وعزوف الناشرين عن الكتب الأدبية، أو الكتب التي لا تدر ربحاً كبيراً، أو الكتب التي لا تعبر عن وجهة نظرهم، جعلني أسترخي في البحث عن ناشر يعوض ناشري الأول، وكما تعلم فالمؤسسة الثقافية الرسمية لاتنشر لأمثالي؛ لأنها تريد كتابا بمواصفات خاصة، لا تتعلق بالكتابة أو الموضوع، وهي مواصفات لاتتحقق في شخصي.
بالطبع نشر الكتب السابقة في أواخر العام الفائت أسعدني للغاية؛ لأن ما كتبته يصل إلى الناس وقد يؤثر في بعضهم، أو يثير لديه الرغبة في مناقشة قضايا أدبية أو ثقافية أو فكرية بصفة عامة، ولا أخفي أن الكتاب الذي ظهر عن روايتي "الحب يأتي مصادفة" أدهشني، فقد أعادني إلى ما يقرب من أربعين عاما، كنت أكتب القصة القصيرة والمسرحية والرواية بمفهوم إسلامي قبل أن تظهر الدعوة إلى الأدب الإسلامي من خلال رابطته العالمية.
الأكثر إدهاشاً أن الكاتب ثروت مكايد الذي قرأ روايتي وكتب مؤلفه حولها، أعاد إلى نفسي الثقة في كتابة الراوية مرة أخرى، فقد قرأها بحب شديد، ووجه إليها بعض الانتقادات السلبية ولكنه أبرز جوهرها وإيجابياتها بطريقة رائعة، ومن المفارقات، أن اليساريين شنوا حملة ضارية على هذه الرواية إبان ظهورها في مجلتهم التي كانت تسمى "الطليعة"، لأن أحد شخوصها-أي الرواية- كان يسارياً فاشلاً ومتهافتاً.. ومع ذلك فقد أشادت صحف عديدة في مقدمتها "الأهرام" بالرواية، واحتفت بها حفاوة شديدة ولكن كتاب (ثروت) أذاقني طعم السعادة بطريقة أفضل.
ومن خلال هذه الإجابة، وبمناسبة إشارة الدكتور "القاعود" إلى المؤسسة الثقافية، سألناه:
الواقع الثقافي
*ولكن، ما هو تقويمك للواقع الثقافي الآن، والواقع الأدبي بصفه خاصة؟
- لعلي فيما سبق من كلامي أشرت إلى رأيي بصفة عامة في الواقع الثقافي والأدبي، إنه باختصار واقع فاسد؛ لأنه يحارب الثقافة الوطنية والقومية والإسلامية، ويدعو إلى الثقافة الاستعمارية وخاصة في جوانبها السلبية: تسليع المرأة، تفتيت الأسرة، رفض التشريع الإسلامي في الأحوال الشخصية، الدعوة إلى الإباحية، رفض وجود ثوابت في الإسلام، محاربة الحجاب، الدعوة إلى التبعية للغرب الرأسمالي، تصفية القضية الفلسطينية لحساب العدو النازي اليهودي، التقليل من قيمة القدس العتيقة، التشهير بالجهاد والحركات الإسلامية المقاومة في فلسطين، الدعوة إلى إخراج التصور الإسلامي عن مجال القضية الفلسطينية.. وهكذا..
وفي المجال الأدبي، يتم الإلحاح على قضيتين أو مسألتين: الأولى الترويج للإباحية في الأعمال الإنسانية، والأخرى: التشجيع على الطعن في المقدسات الإسلامية بحجة كسر (التابوهات)، ونلاحظ أنهم لم يقتربوا من "تابو" السياسة أبداً؛ لأنهم يعرفون المصير الذي ينتظرهم! لذا لم نر أدباً تنشره المؤسسة الرسمية ذا قيمة في الأغلب الأعم.
حتى مكتبة الأسرة فرغوها من مضمونها، ونشروا كتباً معظمها تافه أو محدود القيمة، لتحقيق أغراض شخصية، أما الكتب الجيدة والمهمة فقد كانت قليلة، ولجؤوا أحياناً إلى تشويه بعضها، بالحذف، كما جرى لكتاب "وحي القلم" لمصطفى صادق الرافعي.
ولا تنس أنهم في مجال النقد الأدبي ألحوا على مذاهب الحداثة وما بعدها مثل البنيوية والتفكيكية والشكلانية والنسوية والنقد الثقافي، وهي بنت بيئتها التي لا تتلاءم مع أدبنا وظروفنا، وتغتال المعنى اغتيالاً تاماً في معظمها لحساب ثقافة وحشية مدمرة، ولعلك قرأت كتاب "الخروج من التيه- دراسة في سلطة النص" لعبد العزيز حمودة، الذي صدر قبل شهور في سلسلة "عالم المعرفة"، إنه يفضح هذه النظريات ويكشف تهافتها وتهافت من يروجون لها في واقعنا الثقافي، الذي صار فاسداً في مجمله، غريباً عن فطرة الشعب والأمة جميعاً.
ما بعد الحداثة انتهى!
*كنتم ممن هاجم "الحداثة" وأصدرتم كتيباً حولها، فما رأيكم الآن فيما صارت إليه الحداثة التي يتنافس حول ترويجها الآن بعض الكتاب والنقاد؟
- لقد انتهت الحداثة منذ زمان يا دكتور، وانتهى ما بعد الحداثة، وها هي العولمة تدق الأبواب من جديد لتعيد سيرة الاستعمار الصليبي العسكري الذي توارى مع منتصف القرن الماضي، ففيم يتنافسون الآن؟ اسمع: هناك بعض الناس حتى الآن لا يعرفون معنى الحداثة، ويفهمونها على أنها تعني التجديد، والتجديد مطلوب في كل زمان ومكان، لأنه التطور الطبيعي للأشياء وفق سنن الله التي فطر الناس عليها، ولكن الحداثة التي يريدون استنباتها في بلادنا العربية المسلمة تعني الانقطاع، أي ترك الدين والتاريخ والعادات والتقاليد. الخ، وبناء عالم جديد يقوم على التجربة والواقع، وعلى الحداثي أن يخط طريقاً جديداً بعيداً عن الوحي والمواريث مهما كانت مقدسة! أي لا مكان للإله ولا للعقيدة الدينية، وقد نشأت نظريات ما بعد الحداثة لتجعل الفرد هو سيد نفسه في كل شيء وخاصة إذا كان أوربياً أو أمريكياً، وها هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م تؤكد على نظريات جديدة تنسف ما سبق، وتعلن جهاراً نهاراً أن العالم قرية واضحة، يجب أن يخضع كل من فيها لهيمنة القوة التي تملك المال والسلاح ووسائل الاتصال، كما يجب أن تفتح أبواب الدول والعواصم لمنتجات هذه القوة دون رسوم أو جمارك أو حوائل، وإلا فالعصا الغليظة كفيلة بتأديب من يقف في مواجهتها، والذرائع ملقاة في الطريق: أسلحة الدمار الشامل، الديمقراطية، حقوق الإنسان، الاقتصاد الحر، معاداة السامية، دعم الإرهاب.. والعراق وأفغانستان من أوضح الأمثلة والنماذج التي ترفع أمام كل من تسول له نفسه أن يتجاوز حدوده.
الذين يتنافسون حول الحداثة الآن إما غير فاهمين لمعناها الحقيقي، أو بسطاء يتعاركون حول السراب! وقد انتهت الحداثة، وما بعد الحداثة، ودخلنا في عصر جديد! لن يبقى فيه إلا من يحافظون على هويتهم ويفتدونها بالدم والدموع والعمل والإيمان.
(يتبع)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:33 PM
أزمة النقد حقيقية
*سؤال آخر.. يرتبط بهذا الموضوع، وهو النقد السائد في الساحة الأدبية، هناك من يقول بأزمة خانقة في النقد تسيطر على الساحة بأسرها، فهل ترى حقاً أن هناك أزمة نقدية؟
- إذا أدركنا الخلل الذي يحكم الحياة الأدبية بصفة عامة، استطعنا أن نقول إن هناك أزمة نقدية حقيقية، فالفساد الذي يخيم على الواقع الأدبي، من خلال المؤسسة الرسمية، حوّل الأدباء إلى جماعات وثلل متنافسة، ليس على الإبداع أو خدمة الثقافة، وإنما على المغانم والمكاسب التي يمكن جنيها من هذه الجهة أو تلك، ومن ثم فقد روجت كل "ثلة" لأعضائها، ووجدت النقاد الخاصين بها، وهم عادة نقاد يكتبون بلغة غير مفهومة، ولكنها دائما تكرس أعمال الشلة، وترفعها إلى أعلى عليين... من ليست له ثلة أو جماعة فلن يذكره أحد، فضلاً عن أن ينقده، وبعض الأدباء تحول إلى رجل علاقات عامة ليسوق أعماله أو كتاباته لدى الصحف وأجهزة الدعاية من تلفزة وإذاعة وندوات ومحاضرات وغيرها، ويستكتب النقادَ- خاصة في الصحافة- الذين يملكون مساحات أو نوافذ دائمة.. الأغلبية التي لا تملك القدرة على العلاقات العامة، ماتت كمداً وحسرة، خاصة إذا كانت ذات توجه إسلامي واضح.
وقد رأيت ما جرى بالنسبة لجيلكم، فقد سيطر "الهالوك" على مرافق النشر والنقد والدعاية، ولكن النتيجة كما توقعت أنهم ذهبوا، ولم يبق من آثارهم شيء، وبقي "الورد" هو الأقدر على التعبير، والأقدر على الإنشاد، مع أنه كان ضعيف الصلة بالمؤسسة الرسمية والجماعة أو الجماعات المهيمنة عليها.
الورد والهالوك
*أعدتنا الى "الورد والهالوك" كتابك الذي أحدث ضجة كبيرة عند صدوره، وتناولت فيه فريقين من شعراء السبعينيات، أحدهما سميته فريق الأصالة، والآخر فريق الهالوك أو المتسلقين.. ترى ما هو تقويمك الآن لما وصلت إليه في هذا الكتاب؟ وهل يمكن أن تقدم كتاباً يثير قضية مماثلة؟
- كتاب " الورد والهالوك" من الكتب التي كتبتها بدمي إن صح التعبير، فكل جملة، بل كل كلمة، بل كل حرف، كان وراءه فكري وأعصابي ودمي، وقد واجهت تياراً هادراً يملك كل شيء، الصحافة والإذاعة والتلفزة والمؤسسة الثقافية بكتبها ومجلاتها وصحفها، وندواتها ومحاضراتها وجوائزها، ونقادها ومؤتمراتها، وكان الترويج لأفراد هذا التيار لا يتم داخل الحدود وحسب، ولكنه كان يتجاوزها إلى أرجاء العالم العربي والصحف والمجلات ودور النشر في لندن وباريس وقبرص، وتاهت الحقائق، وضاع الفن، وسط الضجيج الصاخب الذي يروج لشعر يخلو من مقومات الشعر شكلاً وموضوعاً، بل تعدى إلى إهدار كل قيمة مضيئة فنياً وإنسانياً، في الوقت الذي تقوم فيه كوكبة من الشعراء على امتداد قرى مصر ومدنها الصغيرة بدور صامت في التعبير عن هموم الأمة من خلال فن جميل أصيل متجدد، دون أن يلتفت إليها أحد، أو يقدرها أحد.. وهنا كان دوري لأواجه التيار وأسبح ضده، وأنشر الحقيقة، وقلت رأيي واضحاً وصريحاً وجريئاً بفضل الله، وصح كل ما توقعته. واليوم لم يبق إلا شعراء الأصالة.. أما الهالوك فقد جف وأصبح هشيماً تذروه الرياح.
تسألني: هل أستطيع أن أقدم اليوم كتاباً آخر مثل "الورد والهالوك"، أقول لك: بعون الله أستطيع، بل إني أقدم بالفعل، ولكن في مجال الرواية ذات المنظور الإسلامي، فأنا أكتب عن كتّابها المهمَّشين وأقدمهم إلى الناس ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولعلك تذكر كتابي "الرواية الإسلامية المعاصرة" الذي قدمت فيه شباباً ممتازين يكتبون الرواية الإسلامية باقتدار، من المغرب وفلسطين وغيرهما، وهناك كتاب جديد، أسأل الله أن يظهر قريباً، قدمت فيه أصواتاً روائية إسلامية جديدة أيضاً. ثم إني أواجه "الرواية المضادة" التي تعادي التصور الإسلامي وتدعو إلى ثقافة بديلة عن الثقافة الإسلامية، ولعل ذلك يظهر مستقبلاً- إن شاء الله- في كتاب.
إني أحاول دائماً أن أضع يدي على الحقيقة، ولا أعبأ بالضريبة التي أدفعها.. المهم أن يكون هناك رأي فني مخلص، ولتكن النتائج ما تكون.
الأدب الإسلامي موجود.. ولكن!
*لعل هذا يقودنا إلى سؤال عن الأدب الإسلامي، هل أنت راض عما يقدم من نماذج أدبية للأدباء الإسلاميين، وعن مستوى الأدب بصفة عامة؟
- هذا السؤال جيد للغاية، فهناك من يشنع على الأدب الإسلامي، بل هناك من ينفي وجوده أصلاً، ولعل أكثر المقولات رواجاً في هذا السياق، أن الأدباء الإسلاميين لم يكتبوا أدباً، وإنما كتبوا كلاماً وعظيّاً يصلح للمنابر فقط! ولكن الحقيقة غير ذلك. الإسلامي شعراً ونثراً موجود، وله نماذجه الجيدة والجميلة، وهي تفوق من وجهة نظري كثيراً من النصوص التي يكتبها الآخرون، ولكن المشكلة أن هذه النماذج قليلة نسبياً في الشعر، وقليلة إلى حد الندرة في الفنون السردية، القصة القصيرة والرواية والمسرحية، مع أن هذه الفنون هي الأكثر رواجاً الآن، ويتقبلها الناس بصورة ملحوظة.
قبل سنوات، كانت الفنون السردية الإسلامية شبه غائبة، ولكن مسابقات رابطة الأدب الإسلامية العالمية أحدثت تطوراً جيداً في هذا المجال، فقد أفصحت المسابقات عن كتابٍ مستواهم جيد في كتابة الرواية الإسلامية، وقصص الأطفال. ويبقى أن تعلن الرابطة عن مسابقات في المسرح الإسلامي، وتكرر مسابقاتها في مجالات الرواية وقصص الأطفال القصيرة؛ لأن المسابقات تكشف المواهب المخبوءة وتشجع المواهب الراسخة، وتساعد بصفة عامة على زيادة الإنتاج الأدبي، وخاصة في المجال السردي.
الأمور تتطور بشكل عام، والأدباء الإسلاميون يجوّدون أدواتهم، ويسعون إلى الأفضل، وأتوقع في السنوات العشر القادمة- إن شاء الله- أن يكون لدينا وفرة في الإنتاج الأدبي الإسلامي شعراً ونثراً.
حدث مهم
*بالمناسبة، ما تقويمك لدور رابطة الأدب
الإسلامي العالمية؟
- الرابطة حدث مهم، جاء مع مطلع القرن الخامس الهجري ونهايات القرن الرابع عشر، ودورها مهم في تجديد الأدب العربي بصفة عامة فهي تعيد إلى طبيعته التي ظلّ عليها إلى مطلع العهد الاستعماري في القرن الثامن عشر الميلادي تغيرت طبيعة الأدب العربي القائمة على التصور الإسلامي، إلى احتضان تصورات غربية مادية بعيدة عن روح الإسلام ومقاصده. وإذا عرفنا أن المسلمين في عصرنا يعيشون الاضطهاد في أسوأ أنواعه على الصعيدين الخارجي والداخلي، فإن وجود مثل هذه الرابطة يعد مهماً، لأنها تمثل حائط صد يدافع بقدر طاقته عن هوية الأمة، ويسعى، ولو بخطوات محدودة، إلى نشر صور التسامح الإسلامي من خلال النماذج الأدبية الإسلامية.
إن البعض يطلب من الرابطة ما يطلبه من مؤسسة حكومية ذات إمكانات كبيرة، وهذا أمر فوق الطاقة؛ لأنها تملك إمكانات محدودة للغاية، ومع ذلك تنشر مجلة فصلية، وتقيم الندوات والمؤتمرات في إطار قدراتها، وتستفيد من المقترحات والرؤى التي يطرحها المخلصون في الساحة الأدبية، والأيام كفيلة- إن شاء الله- بدفعها إلى الأمام خطوات أسرع وأفضل.
دور الصحافة في الأدب
*خطر لي أن أسألك عن دور الصحافة الإسلامية في العمل الإسلامي، والأدب الإسلامي، فقد كنت تشارك في تحرير "الاعتصام" و "الدعوة" و "النور" و"لواء الإسلام" وغيرها من الصحف التي أغلقت أو التي تصدر الآن؟
- لاشك أن هذه المجلات، وخاصة "الاعتصام"، كانت تلعب دوراً مهماً في إيقاظ الوعي الإسلامي والدفاع عن الإسلام وقضايا الممسلمين في شتى أرجاء الأرض. كان موقف هذه المجلات بصفة عامة، ولما يزل، موقفاً دفاعياً بالدرجة الأولى، وإن كانت لاتهمل الموقف البنائي الذي يعرِّف بأصول الدين وقيمه وتشريعاته، وعندما وقعت مصر اتفاقية الصلح مع العدو النازي اليهودي عام 1979م، كان مطلب الغزاة وسادتهم الأمريكان، هو إغلاق هذه المجلات. وبالفعل أغلق كثير منها بالتتابع، وفقاً لقانون الصحافة الذي صدر عقب توقيع الاتفاقية، ولم يتمكن أي من هذه المجلات من معاودة الصدور بناء على القانون الجديد، المقصود به الصحافة الإسلامية تحديداً؛ لأنها تقود المقاومة الفكرية ضد الهيمنة الاستعمارية والغزو النازي اليهودي لفلسطين وما حولها.
ومن المؤكد أن الصحافة الإسلامية تقوم بدور مهم للغاية في التعريف بموقف الإسلام من القضايا المطروحة، وتدافع عما يراد بالإسلام والمسلمين، وفقاً لإمكاناتها المادية والتحريرية.
وبالنسبة لمجلة (الأدب الإسلامي)، فقد كانت تنشر بين حين وآخر، بعض القصائد أو القصص، وقد أسست في "لواء الإسلام" المحتجبة باب "أدبيات" للعناية بالأدب الإسلامي وقضاياه، وكان في أول الأمر صفحتين ثم امتد إلى أربع صفحات، وظل حتى احتجبت المجلة بفعل ظروف قاهرة، وهناك الآن في معظم المجلات الإسلامية التي تصدر في العالم العربي صفحات مخصصة للأدب الإسلامي، وإن كان المأمول أن تزداد هذه الصفحات عدداً، وترقى إعداداً، وتعظم مادة.
الجامعات والمجتمع
*لنتوقف عند الجامعة.. كيف تراها بصفتك أستاذاً جامعياً ورئيس قسم اللغة العربية سابقاً، وعازفاً عن أي منصب جامعي كما أعلم؟
- الجامعة مثلها مثل المجتمع، أصابها ما أصابه من ضعف وخلخلة وأمراض، تراجعت التقاليد الجامعية، وصارت القوانين والقرارات تحاصرها وتحاصر هيئة التدريس بقصد إبعادها عن أداء دورها تجاه المجتمع والأمة، وأعداد الطلاب الكبيرة تفوق طاقتها وقدراتها. هناك أكثر من مليون طالب جامعي في المرحلة الجامعية، بعض الكليات لا تتسع لنصف عدد طلابها، بل لربع عددهم، وهيئة التدريس أقل من العدد المطلوب بكثير، وعضو هيئة التدريس اليوم- في الغالب- لا يملك مقومات التدريس وتقاليده وقيمه، وبسبب التدخل من خارج الجامعة، ازداد الصراع بين الأساتذة على المناصب الإدارية، وسقط البعض في فخ العمل لحسابات أخرى قبل العمل لحساب العلم، وأشياء أخرى كثيرة تثير الكثير من المواجع، قد أكتب عنها في يوم ما، وأمر الدراسات العليا سيئ وأكبر من أن نعالجه هنا، ولكن شيئاً واحداً يجب أن نذكره، وهو أن الجامعة صارت مطية لأصحاب الهوى الذين لهم أذرع غليظة وقبضات حديدية وقلوب حجرية!
أخبار أدبية
*اسمح لي أن أوجه آخر سؤال حول أخبارك الأدبية الجديدة؟
- ياسيدي أنا لست رجلاً مهماً يُسأل عن أخباره، فأخباري التي يجب أن تسألني عنها تتعلق بالأمل في الله أن يرحم المسلمين من الهزائم والآلام المتلاحقة، وأن يوفقهم ولو إلى عمل واحد من أعمال الخير التي تهمهم جميعاً وتقرب فيما بينهم.
أخباري - إن صح أن يكون لي أخبار- تتمثل في رغبتي أن أنشر بعض الكتب الخاصة بالثقافة الإسلامية، والنقد الأدبي في الرواية والشعر، ولدي مشروعات كثيرة، لا أدري هل سأكتبها أم لا؟ أسأل الله أن يعينني على تنفيذها، أو تنفيذ بعضها.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:34 PM
عصام الغزالي.. هارب من الأضواء!

بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود
...................................

هذا شاعر من طراز خاص، درس الهندسة، وتخرج في جامعة القاهرة، 1972م، ثم درس علوم الدين والشريعة الإسلامية، وتخرج في كلية أصول الدين بالرياض عام 1398هـ 1978م، فهو يمزج في ثقافته بين العلم والدين، وبين التجربة والوحي، ويملك بهذا أفقاً عريضاً ومتسعاً للرؤية والتصور، وإذا أضيف إلى ذلك حس فني مرهف وموهبة شعرية ساطعة، أدركنا لماذا هو شاعر من طراز خاص.
وأحمد عصام الدين الغزالي خليل، أو عصام الغزالي، كما يعرف بين الأدباء والشعراء، من شعراء السبعينيات في مصر، وينتمي إلى الشعراء الذين سميتهم "بالورد" في مقابل من سميتهم "بالهالوك"، وكان بودي أن أخصص له فصلاً في كتابي "الورد والهالوك" ـ صدرت منه طبعتان: 1993م، 1994م ـ لولا ظروف حالت دون أن تكون دواوينه تحت يديَّ.
وقد أنتج عصام الغزالي شعراً كثيراً ضمته خمس مجموعات طبعها جميعاً على نفقته الخاصة وهو من المميزات التي تجعله طرازاً خاصاً مع أن هناك من دور النشر فيما أعلم من يرحب بنشر إنتاجه، ولكنه آثر أن يوزع شعره من خلال دار الوفاء في المنصورة، وهي المدينة التي ولد فيها عام 1945م، ويعيش فيها حتى الآن.
ومجموعاته الخمس هي "الإنسان والحرمان" 1970م، "لو نقرأ أحداق الناس" 1978م، "أهددكم بالسكوت" 1994م، "دمع في رمال" 1995 (إصدار ثان) ثم "هوى الخمسين" 1999م.
وعصام الغزالي يأخذ موقفاً من الحركة الأدبية، أو تأخذ منه الحركة الأدبية موقفاً، فهو يعيش مثلي بعيداً عن أضواء القاهرة وصحافتها ونقادها، ويستشعر تبعاً لذلك أنه مظلوم، ومعه حق، مع أن كاتباً صحفياً كبيراً كتب عنه في عموده اليومي، ولكنه يحتاج مع ذلك إلى ناقد متخصص يغازل شعره أو يطارحه الدرس والنقد، ثم إن رؤيته الإسلامية التي تتضح في شعره تجعل الحركة الأدبية
ومعظمها مشدود إلى تصورات مغايرة تتجاهله ولا تحتفي بموهبته، وفي داخل هذه الحركة من لا يلتفت إلى التصورات أو القيمة الفنية أساساً، بل يعتمد على ما يمكن تسميته بالعلاقات العامة وخاصة في مجال النشر والتعريف، وعصام الغزالي من النوع الذي ينفر من هذه العلاقات... فهو يعتز بذاته اعتزازاً كبيراً، يجعله يترفع عن استجداء الاهتمام بشعره وطلب التعريف به.. هذا وغيره من الأسباب جعل شعر عصام الغزالي بعيداً عن قطاعات عديدة من الجمهور، وإن كانت القطاعات التي قرأته وعرفته قد تمسكت به شاعراً مرموقاً له خصائصه الشعرية، وسماته الفنية.
وبصفة عامة، فإن شعر عصام الغزالي يدور حول محاور عديدة، منها ما هو تقليدي مثل الغزل والرثاء والإخوانيات والتوبة والاستغاثة والهجاء والغربة، ومنها ما هو مستجد ومستحدث مثل المواجهات الثائرة الغاضبة الحالمة ضد عناصر القهر والاستبداد والطغيان ثم مطالبته بالعدالة الاجتماعية، ورفض العنصرية، ولا ريب أن الشاعر يعالج محاوره معالجات متفاوتة، منها ما هو أقرب إلى الرصد والتسجيل، ومنها ما يتجاوز ذلك إلى طرح الحلول والإجابات، ولكن الرؤية بشكل عام محكومة بالتصور الإسلامي، الذي يصل بالشاعر أحياناً إلى حد الزهادة في الحياة. ويصوغ الشاعر تصوره أحياناً في إطار يذكرنا بشعراء الزهد في العصر العباسي، خاصة شعر أبي العتاهية، في قصيدته "قالت لي الريح" يقول:
لا شيء تحميه البيوت
الكل: من يحيا يموت
المد يتبعه انحسار والبريق له خفوت
الحال ظل، يستحيل له دوام أو ثبوت
في آخر اللحن المغرد سكتة.. قبر صموت
الرزق في بحر تصارع فيه ملاح وحوت
وكلاهما في البحر مبتلع وللأمواج قوت
والرؤية الإسلامية في شعر عصام الغزالي تستوجب دائماً الاستعانة بالحق سبحانه وتعالى، والتوبة والرجوع إليه، وما أكثر القصائد التي يبتهل فيها الشاعر إلى البارئ سبحانه أن يعينه ويلطف به، وأن يحميه من الفتنة، وأن يساعده على العفة، وأن يتمم له ومن معه النور:
غريبان طوبى لنا يا أبي
وفي عالم الظفر والمخلب
تعبنا وجئنا نريح الخطى
ونستاف عطراً بأرض النبي
فيا رب أتمم لنا نورنا
بأيماننا ساطع الكوكب..
وفي قصيدته "في نور التوبة" يقف أمام ملك الملوك، ويهرول ملبياً ويقول:
ملك الملوك أتيته ومهرولاً لبيته
من سار في طلب الهدى فالله هذا بيته
ألقٌ توضأ بالجلال من المهابة سمته
إنا يبشرنا كتابك، والكتاب تلوته
ودنوت للحجر الذي لولاك ما قبلته
وغمرت صدري من تدفق زمزم وعمرته
فاقبله سعياً في سبيلك دون ذنبي سقته
وانفحه نوراً ملء قبر موحد.. لك موته
واجعله عوناً للضعيف على صراطك فوته
ولا يعني ذلك أن الشاعر يعتزل الناس أو المجتمع، فزهده والتزامه باب الله، لا يمنعانه أن يغوص في أعماق الواقع غضباً وسخطاً وتمرداً وثورة، ولعل مجموعته "لو نقرأ أحداق الناس" تعطينا دليلاً على هذا الغوص، فقد كانت قصائد المجموعة قبل حرب رمضان 1393ه، تضج بالرفض للهزيمة العسكرية في جبهات القتال، والهزيمة الداخلية في الوطن، فضلاً عن هجاء المهزومين وتعرية سلبيتهم، وفضح تخاذلهم، ولنقرأ على سبيل المثال قصيدته: "برقية إلى ربان سفينة تغرق" التي كتبها ضمن منشورات اتحاد طلاب هندسة القاهرة عام 1972م يقول فيها:
زميلك وسَّع شرخ القنوط
و"مات" وعقّد كل الخيوط
وخلَّى الحمولة وشك السقوط!
إذا كان يمكن فتح الخطوط
توجّه سريعاً لأدنى الشطوط
تماسك.. تحرك قبيل الهبوط
أخاف عليك من "الأخطبوط"
وبالطبع، فإن الشاعر يعيش مثل جيله، غربة زمانية حادة، قسوتها تفوق قسوة الغربة المكانية، ويزيدها قسوة غربة الشعر أيضاً في "زمان غريب" فالشاعر يمزج بينه وبين الشعر حتى يصيرا كياناً واحداً:
أنا الشعر، أرخوا عليَّ الستارا
فإن الزمان الجميل استدارا
غريب أنا، في زمان غريب
كطفل رأى وجهه المستعارا
فبيني وبين المرايا قناع
وبيني وبين العيون الحيارى
فهذا زمان "الجناة الضحايا"
وهذا زمان "البغايا العذارى"!!
ولعل في النماذج السابقة، ما يكفي لبيان رؤية الشاعر وتصوره للعالم والكون من حوله، حيث يقدم لنا الشاعر القابض على الجمر الذي يدفع ثمن قبضة حريقاً وألماً، ولكنه لا يتراجع، في الوقت الذي نجد فيه من ينكرون شيئاً اسمه الوطن أو القيم، تفتح لهم أبواب النشر والمؤتمرات الخارجية والداخلية، ويحظون أيضاً بالدعاية الإعلامية!.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:35 PM
نجيب الكيلاني أول روائي إسلامي

بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
.........................................

يُعدُّ نجيب الكيلاني (1931-1995م) الروائي الإسلامي الأوَّل في اللغة العربية، حيث قدَّم للمكتبة العربية عدداً كبيراً من الروايات والقصص القصيرة، وهي غالباً محمومة بالتصوُّر الإسلامي وصادرة عنه، ومن خلال هذا الإنتاج القصصي الغزير استطاع أن يقدِّم النموذج الإسلامي في الرواية والقصة.
وقد مرّ إنتاجه الأدبي الروائي بمراحل ومستويات عدة، يمكن أن نضعها في أربعة إطارات:
ويمثِّل الرّواية الرومانسية، ويضم العديد من رواياته، وقد عبّر من خلالها عن هموم النَّاس والعلل الاجتماعية المتفشية بينهم، مثل الفقر والجهل والأمراض المتوطنة والسلبية والتخلف، ومزج ذلك بالعواطف المشبوبة والخيالات الحالمة والآمال المجنِّحة، ويمكن أن نرى أمثلة على ذلك من رواياته: الطريق الطويل، الربيع العاصف، الذين يحترقون، في الظلام، عذراء القرية، حمامة سلام، طلائع الفجر، ابتسامة في قلب الشيطان، ليل العبيد، حكاية جاد الله..
ويمثِّل الرواية التاريخية، التي تستلهم السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي بصفة عامة، وقد استدعى التاريخ واستلهمه ليقدِّم النماذج الإنسانية المشرفة من حضارتنا، ويرصد جهاد الآباء في شتى جوانب الحياة، دفاعاً عن الدّين وسعياً لتأسيس مجد غير مسبوق، وفي بعض الأحيان كان يستدعي التاريخ ليعالج من خلاله قضايا راهنة أصابت الأمَّة بالإحباط واليأس، ويوقظ به الأمل في نفوس الأجيال الجديدة عن طريق إحياء الهمَّة وبعث العزيمة والإصرار، وفي كل الأحوال فإنَّ استلهام التاريخ في الرّواية عند "نجيب الكيلاني"، كان إبرازاً لمعطيات الإسلام العظمية، وإمكاناته الهائلة في تحويل الإنسان المسلم إلى صانع حضارة وباني مجدٍ وجندي ظافر في معاركه ضد الشرّ والتوحُّش، ويمكن أن نجد عدداً كبيراً من رواياته التي عبَّرت عن ذلك، مثل: نور الله، قاتل حمزة، أرض الأنبياء، دم لفطير صهيون، مواكب الأحرار (أو نابليون في الأزهر)، اليوم الموعود، النداء الخالد، أرض الأشواق، رأس الشيطان، عمر يظهر في القدس.
ويمثِّل الرواية التي يمكن أن نسميها بالرواية الاستشرافية التي عبَّر فيها عن هموم المسلمين خارج حدود العالم العربي (دول آسيا الوسطى التي كانت أو ما زالت تحت الستار الحديدي الشيوعي من الاتحاد السوفييتي والصين-إثيوبيا- إندونيسيا-نيجيريا)، واستطاع أن يكشف للعالم مأساة داميةً أصابت ملايين المسلمين المنسيين الذين لا يتحدَّث عنهم أحد إلاَّ نادراً، ولا يعرف عنهم المسلمون في العالم العربي إلاَّ القليل، وفي الوقت ذاته توقَّع انتصارهم وتحرّرهم، وهو ما حدث بالفعل في أكثر من مكان وبخاصة في الدول الإسلامية التي استقلَّت أو تحاول الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وتعدّ رواياته: ليالي تركستان، الظل الأسود، عذراء جاكرتا، عمالقة الشمال، من أشهر رواياته في هذا الإطار.
ويمثِّل الرواية عند نجيب الكيلاني في المرحلة الراهنة، وهي التي نُطلق عليها الواقعية الإسلامية، ويعبِّر فيها عن القضايا الاجتماعية التي تهمّ جموع المستضعفين في الوطن، ويبرز فيها ما يلقاه النَّاس من ظلمٍ وقهرٍ واضطهاد، ويتخذ من تفاصيل الحياة اليومية والاجتماعية عناصر أساسية يرتكز عليها في بناء هذه الروايات، وأيضاً فإنَّه يطرح عبر سطورها رؤية الجيل الجديد للأحداث، وموقفه من قضايا الحرية والعدل والأمن والرخاء والمستقبل، وتُعدُّ روايات الأربع أو رباعيته التي أنتجها على مدى عامين تقريباً، ونشرت على مدى شهورٍ متقاربة ـ وهي: اعترافات عبدالمتجلي، امرأة عبدالمتجلي، قضية أبو الفتوح الشرقاوي، ملكة العنب ـ من أفضل النماذج وأبرزها في الدلالة على هذا الإطار، وهي موضوع دراستنا.
والواقعية الإسلامية تختلف بالضرورة عن الواقعية الأوروبية (الانتقادية والطبيعية)، والواقعية الاشتراكية (الماركسية)، وإن كانت هنالك أسس موضوعية وفنية قد تجمع بينها جميعاً..
فالواقعية الأوروبية واقعية نقدية تعنى بوصف التجربة كما هي، حتى لو كانت تدعو إلى تشاؤم عميق لا أمل فيه، في حين تحتّم الواقعية الإسلامية أن يثبت الكاتب في تصويره للشرّ دواعي الأمل في التخلُّص منه فتحاً لمنافذ التفاؤل حتى في أحلك المواقف، ولو أدَّى إلى تحريف الموقف بعض الشيء.
أمَّا الواقعية الإسلامية، فإنَّها ـ مع انتقادها للواقع ـ تنطلق في انتقادها من التصوُّر الإسلامي الذي يكون دائماً منصفاً، فلا يبالغ ولا يهوّل، أيضاً لا يتحامل بسبب المغايرة في الانتماء، ولا يحبِّذ الصراع بين الطبقات كما يبتغي الواقعيون الاشتراكيون، فضلاً عن أنَّ الأمل في الواقعية الإسلامية، هو أمل إيماني يقوم على أساس نُصرة الحقِّ في كل الأحوال، حياة وموتاً. إنَّها باختصار ترفض التشاؤم كما ترفض التفاؤل الذي يقوم على الخداع أو التزييف، ثم إنَّها تستقي مادتها من الحياة الاجتماعية، ومشكلات العصر على إطلاقها، وتختار شخوصها من عامة المجتمع وجميع طبقاته؛ لأنَّها تعتقد بأنَّ الخيرَ والشرَّ ليسا قاصرين على طبقة بعينها، ولكنَّهما موجودان في النفس البشرية، ايّاً كانت طبقتها أو انتماؤها الطبقي، وأنَّ الإنسان يمكن أن يكون خيِّراً أو شرّيراً ِوفقاً لاختياره، وعوامل أخرى مؤثِّرة في هذا الاختيار من قبيل التربية والتوجيه والقدوة والظروف المحيطة...إلخ، لذا؛ فإنَّ الطبقة ليست هي العنصر الحاسم في الصراع بين الخير والشرِّ، وإنَّما الإرادة الفردية ومكوناتها.. وهو ما يتسق مع التصوُّر الإسلامي:}فَألهمها فُجُورها وتقواها*قد أفلحَ مَنْ زَكَّاها*وقد خَاْبَ مَنْ دَسّاهَا{[سورة الشمس: 9،8].
وإذا كانت الواقعية الانتقادية والواقعية الاشتراكية توجهان سهام نقدهما للطبقة الوسطى (البرجوازية) لأنَّها ظلمت الطبقة الدُّنيا، وأنزلت بها أسوأ أنواع القهر والغبن، عندما وصلت إلى السلطة، فإنَّ الواقعية الإسلامية، ومن خلال روايات نجيب الكيلاني، تنتقد الفئة الظالمة والأفراد الظالمين أيّاً كان انتماؤهم، إلى الطبقة العليا أو الطبقة الوسطى أو الطبقة الدُّنيا، على السواء، فهناك من يوجّه إليهم الانتقاد ممَّن يُعدّون في الطبقة العليا أو الطبقة الوسطى (الحكام-الضباط-رجال الأعمال)، وهناك من يوجِّه إليهم الانتقاد من الطبقة الدُّنيا (العمال، الفلاحين، صغار التجار)، وهكذا فالشرُّ موجود في كل الطبقات، والخير أيضاً.
والواقعية الإسلامية من هذا المنطلق تمثل الصياغة الفكرية والتطبيقية لمفهوم الأدب الإسلامي، في صورته المقبولة والمؤثِّرة في مجال الرواية والقصة على وجه الخصوص، حيث تحقِّق الغاية الخلقية والفنية لعملية الإبداع الأدبي، وإذا كانت بعض التيارات الأدبية تعارض أن يكون للأدب غاية خلقية، فإنَّ الواقعية الإسلامية لا يمكنها أن تتخلّى عن هذه الغاية التي ألحّ عليها كثيرون في الماضي والحاضر. لقد أكدّ "أوسكار وايلد" على الرسالة الخلقية للفنِّ بالمعنى الواسع، وتعني هذه الرسالة لديه: مساعدتنا على فهم الحياة، وقد آمن بهذه الرسالة أفلاطون وأرسطو من قبل، ثم مونتاني وموليير من الفرنسيين، وبن جونسون ودكتور جونسون من الإنجليز.
إنَّ التعبير عن هموم المظلومين والمقهورين والمستضعفين من عامة النَّاس يمثِّل لبّ الرسالة الخلقية للواقعية الإسلامية، وهو ما ألحَّ عليه كثيراً أدب نجيب الكيلاني بعامة، ورواياته بخاصة، فالطبقة الدُّنيا المظلومة المقهورة المستضعفة، حاضرة في رواياته حضوراً مستمراً دائماً، ونماذج المظلومين والمقهورين والمستضعفين تملأ صفحات كثيرة في أدبه، إلى جانب الاهتمام أيضاً بالنماذج العادلة والقوية والظافرة وفق المفهوم الإسلامي. وهذا الاهتمام بقضايا المجتمع من خلال هذه النماذج أو تلك يأتي استجابة لتوجيه إسلامي كي نهتم بأمور المسلمين اليومية والاجتماعية.
ولعل اهتمام نجيب الكيلاني بحياة الفلاحين في القرية المصرية وما يجري لهم، وأيضاً تعبيره عن بسطاء المدينة وما يعانونه، يُمثِّل ملامح استجابته للتوجيه الإسلامي بالاهتمام بأمور المسلمين الذي يترجم عنه في واقعيته الإسلامية ذات الرسالة الخلقية، وإذا أضفنا إلى ذلك تصدِّيه بالانتقاد للفئة المتحكِّمة وفساد رجالها والمحيطين بها، وأيضاً انتقاده لانحراف الأفراد من العامة مع بيان سبب هذا الانحراف، فإن الصورة تكتمل في أذهاننا لأسلوب الأدب الإسلامي ومنهجه في معالجة هموم المجتمع وقضايا الأمَّة ومشكلاتها.
ومن الجدير بالذكر أنَّ نجيب الكيلاني بذل جهداً تنظيريَّاً مهماً في هذا السياق، للتعريف بمفهوم الأدب الإسلامي وأبعاده، في عديد من الكتب والبحوث المنشورة، أهمها كتابان، أوَّلُهما "الإسلامية والمذاهب الأدبية"، وثانيهما "مدخل إلى الأدب الإسلامي"، وفيهما يوضِّح علاقة الأدب بالدين، ومفهوم الالتزام الإسلامي في الأدب، ويقارن بين المذاهب الأدبية السائدة، ويعرض لمناقشة بعض القضايا التي تتعلَّق بالأدب الإسلامي وتثير العديد من التساؤلات، سواءً من المؤيِّدين للأدب الإسلامي أو المعارضين، مع إشارة لبعض الأدباء الإسلاميين في العصر الحديث أمثال: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، ومصطفى صادق الرافعي، وأحمد محرَّم، وتقديم نماذج معقولة للأدب الإسلامي. كما ركَّز على الدعوة إلى الاهتمام باللغة العربية الفصحى في الكتابة والتعبير بوصفها البيان الأدبي الأرقى للأسلوب.
إنَّ كفاح نجيب الكيلاني لتقديم الرواية أو القصة الإسلامية، يمثِّل انعطافة كبيرة في مسيرة الأدب الإسلامي، ليس في مواجهة أعدائه فحسب، بل في مواجهة بعض ضيقي الأفق الذين يرون في الأدب عموماً ترفاً يجب أن يترفَّع عنه المسلمون، وما علموا أنَّ العلاقة بين الأدب والدين علاقة حميمة، أو كما صوَّرها (هنري برجسون) بأنَّها علاقة نسب، عندما قال: إنَّ الفنَّ ابن الدين. ونسوا أو تناسوا أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان يستجيد الشعر ويستنشده، وكان يحثُّ حسّاناً على استخدام شعره في معركته ضد المشركين، وأنَّ عمر بن الخطَّاب رضى الله عنه يُعدّ أوَّل ذواقةٍ للشعر وناقدٍ له من الخلفاء الراشدين.
ومهما يكن من أمر، فإنَّ دخول نجيب الكيلاني إلى مجال الواقعية الإسلامية في الرواية، يعد نقلة أكثر تطوراً وعمقاً؛ لأنَّه يواجه المجتمع بمشكلاته المزمنة والمؤرِّقة مواجهة جادة ملتزمة، مع ما قد تجرُّه عليه هذه المواجهة من متاعب شخصية واجتماعية تعوّدها منذ مطلع شبابه.
ثمة ملمحٌ أخيرٌ تختلف فيه الواقعية الإسلامية عن الواقعية الانتقادية والواقعية الاشتراكية، وهو الناحية الأسلوبية، فالواقعيون - بعامة- لا يحبون المبالغة في العناية بالأسلوب؛ لأنه وسيلة لا غاية، والأهمية كلها للمنطق، وللطريقة التي تسود بترتيب الأحداث والتعبير عنها.
والواقعية الإسلامية ـ فيما أتصوَّرـ تحرص على الأسلوب وتعنى به؛ لأنَّه يمثل ـ بطريقة ما ـ عناية باللغة وارتقاء بها وسموّاً ببيانها، وهو ما يعني في حقيقة الأمر الحرص على قيمة جمالية كبرى من قيم البيان العربي، ولعلَّ التفوُّق الأسلوبي لدى بعض المشاهير، كان سبب شهرتهم في المجال الروائي، سواءً كانوا مخلصين للواقعية الانتقادية أو الواقعية الاشتراكية أو الرومانسية أو غيرها، بدءاً من مصطفى لطفي المنفلوطي حتى نجيب محفوظ، مروراً بآخرين من أمثال علي الجارم، محمد فريد أبو حديد، محمد سعيد العريان، محمد عبدالحليم عبدالله، عبدالحميد جودة السحَّار، فتحي غانم...
وقد اهتم نجيب الكيلاني بأسلوبه الروائي، الذي تحدَّثنا عنه في موضع آخر، اهتماماً كبيراً، ولعلَّ ذلك يرجع إلى كونه شاعراً أيضاً، يملك القدرة على الأداء اللغوي الجيِّد، كما يملك معجماً غزيراً يتيح له فرصة للتعبير الدقيق والمتسامي عن مختلف المشاعر والأحاسيس، والصور والمشاهد.
يبقى بعدئذ، أن نشير إلى أنَّ الواقعية الإسلامية عند نجيب الكيلاني، تظلُّ وفيّة للقضايا الإنسانية الكبرى التي تعني الإنسان المسلم في حاضره ومستقبله، وتترفع في الوقت ذاته عن القضايا المبتذلة والرخيصة التي تتسافل به أو تهبط به إلى درك الحيوانية حيث تبحث عن الإشباع الغريزي وحسب.
..........................................
*عن موقع: لها أون لاين.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:36 PM
الأدب الإسلامي:
كتاب جديد للناقد الكبير د.حلمي محمد القاعود
.................................................. ..................

أحدث مؤلفات الناقد الكبير د.حلمي محمد القاعود في قضية الأدب الإسلامي الذي عرض له القاعود في كتب سابقة. موضحاً منهجه وأبعاده وخصائصه. والفوارق بينه وبين ما يطالعنا من ألوان أدبية أخري. يشير القاعود إلي أنه انشغل علي مدي ثلاثين عاماً بقضية الأدب الإسلامي. وحاول أن يسهم في تقديمه بصورة علمية وعملية من خلال النقد التطبيقي الذي يقدم نصوصاً جيدة تقول للناس : ها هو الأدب الإسلامي الذي تبحثون عنه. وينكره البعض بغضاً أو تعصباً أو جهلاً أو سوء فهم. ويري الكاتب أن الدعوة إلي الأدب الإسلامي تجدد الأدب العربي الحديث وآداب الشعوب الإسلامية المعاصرة. بما يشكل ضرورة علمية لدعم الصحوة الإسلامية في مجملها. وبناء الإنسان المسلم بناء صحياً. بعيداً عن الأفكار المنحرفة. والدعوات المشبوهة. الناشر : دار النشر الدولي بالرياض.
....................
*المساء الأسبوعية ـ في 31/3/2007م ـ صفحة: قضايا أدبية.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:37 PM
قراءة في كتاب «لويس عوض: الأسطورة والحقيقة»
للدكتور حلمي محمد القاعود

بقلم: أ.د. حسين علي محمد
...........................................

«كان قدري أن أسبح ضد التيار في معظم ما أكتب إن لم يكن فيه كله، مع ما في هذه السباحة من متاعب ومصاعب، وأن أدخل إلى مناطق ملغومة، مليئة بالأشواك التي تُدمي وتجرح. وكان هدفي في النهاية هو كشف الحقيقة وتقديمها للناس دون من ولا أذى محتسباً ما ألقى عند الله».
بهذه الفقرة يقدم الدكتور حلمي محمد القاعود كتابه الجديد: "لويس عوض: الأسطورة والحقيقة" للقارئ في ثلاثمائة وثماني عشرة صفحة من القطع المتوسط، والذي صدر مؤخرا عن دار الاعتصام بالقاهرة.
إن الاقتراب من عالم لويس عوض مغامرة محفوفة بالمخاطر والمحاذير، فالرجل رغم رحيله منذ خمسة أعوام مازال يُمارس سيطرته القاهرة؛ فتلامذته وأتباعه من العلمانيين والمراكسة يُسيطرون على وسائل الإعلام، ويمثلون مركز قوة خطيراً، كما كان الراحل يمثل منذ ثلاثين عاما، حينما كان المستشار الثقافي لأكبر جريدة في الشرف الأوسط، ألا وهي جريدة "الأهرام".
لكن الدكتور حلمي محمد القاعود توكّل على الله، واقتحم وكر الأفاعي، وأمسك رأس الأفعى! فهل يتركونه؟!
ليس بعيداً عن الذاكرة ما جرى للعلامة محمود محمد شاكر حينما أراد أن يتصدّى لجهالات لويس عوض التي كان ينشرها في الناس، فكتب أكثر من عشر مقالات في "الرسالة" (الإصدار الثاني في عامي 1964و1965م)، جمعها شاكر بعد ذلك في كتابه القيم "أباطيل وأسمار".
لقد أراد شاكر التصدِّي لجهالات لويس عوض، فكتب مقالات بدأها بعنوان "ليس حسناً"، وفي الأسابيع التالية "بل قبيحا"، "بل شنيعا"، فكان جزاؤه السجن وإغلاق مجلتي "الرسالة" و"الثقافة" (1965م).
يقع الكتاب في ثلاثة أبواب:
الباب الأول بعنوان "السير والسلوك"، ويقع في ثلاثة فصول، في الفصل الأول يتناول المؤلف نشأة لويس عوض، ومفتاح شخصيته، وعلاقته بالآخر، وفي الفصل الثاني "المكونات والمرجعية، والفصل الثالث الحضور الثقافي والأدبي (ص ص21-97).
والباب الثاني بعنوان "الوصف والإنشاء"، ويتناول المؤلف فيه مؤلفات لويس عوض من خلال فصلين: الفصل الأول بعنوان "الوصف" ويتناول فيه جهود لويس عوض في النقد، والأدب المقارن، واللغة، والترجمة. والفصل الثاني بعنوان "الإنشاء"، ويدرس فيه رواية "العنقاء" وديوان "بلوتولاند" ومسرحية "الراهب" (ص ص99-188).
والباب الأخير (الثالث) بعنوان "الرؤية والفكر"، وفيه ثلاثة فصول، هي: السلطة والسياسة، والتشويه والتجميل، والإسلام والعروبة ( ص193-182).
ثم تأتي الملاحق وفيها خطاب من رمسيس عوض ضد غالي شكري، وملخص أخطاء لويس عوض (صفحة من كتاب العلامة محمود محمد شاكر "أباطيل وأسمار")، ومقالة لعبده بدوي، وأخرى لمحمد جلال كشك، ويتلو ذلك ثبت الأعلام، فالمصادر والمراجع، فالفهرس التفصيلي.
إن هذا الكتاب يكشف القناع عن ناقد ذاع صيته، بينما إمكاناته متواضعة، جد متواضعة، ويكفي ما قاله عنه العلامة محمود محمد شاكر: "إن إحساس لويس عوض باللغة ضعيف جدا، وأجنبي جدا، ومع ذلك فهو يعمد إلى النصوص الأدبية في لغة العرب، فيدرسها بمخرقة شنيعة، وبلا حياء".
لقد كان لويس عوض أكذوبة كبرى في حياتنا انطلت على الكثير، مما جعل ناقداً معروفاً مثل الدكتور جابر عصفور يقول عنه: "إن حياة لويس عوض كانت كلها جهداً متصلا وكفاحاً دائماً لتغيير الواقع الذي ظل يرفض ما فيه من تقاليد جامدة، وظلم اجتماعي، وغياب للحرية" (الأهرام 13/9/1990م).
ولقد ظلّت هذه الأكذوبة تستشري في حياتنا حتى جاء هذا البحث للدكتور حلمي محمد القاعود ليضع لويس عوض ـ بالدليل والبُرهان ـ في حجمه الحقيقي، بعد أن يتناول جوانب الهالة الأسطورية التي أحاطته، بأسلوب علمي أكاديمي موضوعي، يعتمد على مقولات لويس عوض وكتاباته بالدرجة الأولى، وما كتبه من كتب نقدية وإبداعية، فيُظهر أن كتابات الرجل متهالكة علمية، ويسرق كتابات الآخرين (كما فعل في كتابه عن جمال الدين الأفغاني)، وكتاباته الفنية متواضعة، ولا تصنع منه مبدعاً كبيراً.
أما كيف أخذ الرجل هذه الهالة، وكيف صار نجماً ذا سطوة على مُخالفيه في الرأي والعقيدة، فهذه تحتاج إلى شرح وإبانة يقوم بها الكتاب خير قيام.
تحية إلى الدكتور حلمي محمد القاعود وهو يسلك الطريق الصعب، ويقتحم وكر الأفاعي لينشر الحقيقة، ويدحر الأكاذيب.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:39 PM
مثقفو الحظيرة.. وفوبيا الإسلام!!

بقلم: د. حلمي محمد القاعود
...........................................

استقبلت العوالم والغوازي معالي الوزير الفنان في مهرجان السينما بالزغاريد والهتافات من قبيل "الله عليك يا كبير" و"يا كايدهم يا روقة" و"احنا معاك على طول"، ولم يبقَ لهنَّ إلا أن يتحزَّمن ويرقصن ابتهاجًا بانتصار معاليه على الظلاميين والظلاميات "المعاقات ذهنيًّا"، المؤمناتِ بالفكر الصحراوي الظلامي!
موقف العوالم والغوازي اللائي ظهرن بملابس كاشفة أكثر منها ساترة، أو بتعبيرٍ عادل إمام "لابسات من غير هدوم" لم يُزعجني، فهذا أكل عيشهن، اضطررن إليه في ظل الحاجةِ التي تتطور إلى خضوعٍ لتجارِ الأفلامِ والمسلسلات، وبريق الشهرة الذي يجعلهن أو يجعل معظمهن يُضحين بأشياء كثيرة، في مقدمتها البيت والأسرة والإنجاب والاستقرار.. وقد كان منظرهن في استقبال الوزير معادلاً لموقف الشعب المصري الذي وقف إلى جانبِ دينه وفريضة الحجاب بالمعنى الشائع (كشف الوجه واليدين).
لم أحزن لموقف العوالم والغوازي- ومعذرةً للمصطلح فهنَّ لا علاقةَ لهنَّ بالفنِّ الحقيقي- ولكن الذي أحزنني هو موقف مَن أطلقوا على أنفسهم اسم المثقفين واستنكروا موقف الشعب المصري في بيانٍ أصدروه ونشروه وانضموا إلى جانبِ الوزير، واحتكروا لأنفسهم صفة "الطليعة"، ولا ندري مَن الذي أعطاهم الحقَّ أن يكونوا طليعةَ الشعب المصري أو طليعة القوى المناصرة للحرية، بينما هم في الواقع المرئي والملموس ألد أعداء الحرية وخصومها، وخاصةً فيما يتعلق بالإسلام وحرية المسلمين في التعبير عن أنفسهم وعن عقيدتهم، فهم لا يُريدون أن يكون للإسلام بمعناه الوارد في القرآن الكريم والسنة وإجماع الأمة على مدى أربعة عشر قرنًا وجودٌ في الواقع الاجتماعي.. إنهم يُريدون "إسلامًا" أمريكيًّا أو صهيونيًّا أو ماركسيًّا حسب رغبة القوى الخارجية التي يدينون لها بالولاء والفكر.
وإذا قيل لهم إنهم يُطالبون بحرية التعبير وحق الناس في التعبير عن أفكارهم وعقائدهم، ومن حق المسلمين أن يُعبِّروا عن ذاتهم ودينهم، وصفوا ذلك بأنه وصاية على الناس، واحتكار للحقيقة المطلقة، وردّة إلى الوراء، ورجعية وتخلف وظلامية.. إلى غير ذلك من النعوت القبيحة التي يُطلقونها على الإسلام والمسلمين.. فهم يرون أنفسهم الذين يملكون العقل والاستنارة والتقدم، أما الإسلام فهو بمفهومهم الإظلام، والمسلمون هم الظلاميون، وما هجاؤهم الدائم والمستمر للجماعاتِ الإسلامية وعلماء الدين الإسلامي والظواهر الإسلامية المختلفة إلا ترجمة حقيقية عن عدائهم المطلق لكل ما هو إسلامي، ومع ذلك يتبجحون ويتهمون الناس أنهم يكفرونهم، وأنَّ كل مسلم صار "مكفراتيًّا"، وأنَّ الثقافةَ الإسلامية لا تملك غير التكفير والتحريض على القتل.
وفي المقابل فهم لا يرون في حصار الإسلام وملاحقة المسلمين، وإلقاء ثلاثين ألفًا في المعتقلات الوحشية طوال ربع قرن وحرمان المُتدينين من الوظائف الأساسية في الجيش والشرطة والجامعة والتعليم العام والثقافة والنوادي الرياضية والنقابات المهنية والصحافة والبنوك و...
لا يرون في ذلك مصادرة لحق من حقوقِ المواطنة أو حقوق الإنسان، ولا يجدون غضاضةً في تجديد حبس المعتقلين الإسلاميين وتقديمهم لمحاكمات استثنائية، مع أنهم لم يسرقوا ولم يقتلوا ولم يختلسوا أموال البنوك، ولم يحتكروا الحديد والأسمنت والخشب، ولا ينزعجون لقوانين الطوارئ والأحكام العرفية.. هذا كله وغيره لا يعني "الطليعة" التي فاخر الوزير الفنان بأنه أدخلها "الحظيرة" ولا أدري بم يقصد معاليه بالحظيرة- أقصد أي نوعٍ من الحظائر التي يعرفها الناس؟؟
إنَّ علماءَ الإسلام ليسوا أوصياء على الإسلام يا مُثقفي الحظيرة، ولكن من واجبهم أن يُبينوه للناس ويشرحوه كما تعلموه من القرآن الكريم والسنة وإجماع الأمة.. مثلهم في ذلك مثل غيرهم من أصحاب المهن الأخرى.. وإذا كان الإسلام علاقة وثيقة بين العبد وربه كما يقول بيانكم "الحظائري" فمن واجب علماء الدين أن ينهضوا بواجبهم، وخاصةً إذا تطوَّع السادة اليساريون المتأمركون وأشباههم من مثقفي الحظيرة بتفسير الإسلام تفسيرًا خاطئًا أو مغرضًا.
لقد قلتُ فيما مضى من مقالاتٍ حول تصريحات الوزير التي وصفت الحجاب بأنه ردَّة إلى الوراء، إنَّ المسألةَ ليست الوزير، وليست تصريحاته، ولكنها بالونة "اختبار" لتمرير قوانين وأشياء معادية للشعب البائس المسكين من جانب النظام البوليسي الفاشي الذي يؤيده مثقفو الحظيرة، ويستمتعون بخيراته وغنائمه وأنفاله.
وبالفعل فقد ارتفعت الأسعار في ظل أزمة الحجاب ارتفاعًا فاحشًا؛ حتى وصلت الخضروات إلى أسعارٍ غير مسبوقة: الطماطم 6 جنيهات، البصل 5 جنيهات، الثوم 7 جنيهات، البطاطس 3 جنيهات، الخيار 5 جنيهات، الأرز 3 جنيهات.. وانخفض سعر القطن أكثر من 400 جنيه بالنسبة للفلاحين الفقراء، ورفع تجار الحديد من أركان السلطة سعر الطن في المقابل 500 جنيه زيادة على سعره الأصلي حتى وصل إلى 3200جنيه، كما وصل سعر الخشب إلى 1900جنيه، وقس على ذلك أصنافًا كثيرة، فضلاً عمَّا يُحاك في المجال التشريعي للمزيدِ من تقييدِ حرية الشعب وقهره وإذلاله وإخضاعه للحكم المُطلق من خلال واجهة ديكورية مزيفة، تقول للسذج إنها ديمقراطية.. أو أزهى أنواع الديمقراطية.
ولكن المرعب حقًّا في موقف المثقفين الحظائريين، هو تخويف الناس من الإسلامِ مثلما كانوا يُخيفونهم من قبل بالرأسمالية، أو الإمبريالية ويرون فيها قهرًا للعمال والكادحين وزيادة في تسلُّط الأغنياء والموسرين، واستنزافًا لموارد الشعوب والمستعمرات.. اليوم يرون الإسلام معاديًّا للحرية والبهجة والفرح والنور.. أما الدولة البوليسية الفاشية، فهي رمز كل خير، ومصدر كل عطاء، ومنبع كل ثروة؛ ولذا يخدمونها بكل ما ملكت أيديهم، ويُهدّدون الخطر الذي يُهدّدها- من وجهةِ نظرها- وهو الإسلام، الذي يُرسي قيم العدل والمساواة والشورى، ويقطع أيدي اللصوص الكبار!
مثقفو الحظيرة- مع أن معظمهم من الموظفين في "تكية الوزير" التي تُسمَّى وزارة الثقافة- يؤيدون الوزير ويصمون الإسلام بالإظلام، ويستمتعون بخيرات التكية، ولو كان بعضهم لا علاقةَ له بمفهوم الثقافة ومضمونها، ولأن الوزير وجد 112 مثقفاً- كما يسمونهم- يصدرون بيانًا يؤيده ضد "فوبيا الإسلام"، فقد أصدر 270 مثقفًا حقيقيًّا معظمهم أساتذة جامعيون بيانًا آخر يطلبون إقالة الوزير لأنه تجاوز حدوده، ومع ذلك لم نجد صدًى لهذا البيان في أجهزةِ الثقافة والإعلام، والسبب بسيط جدًّا، وهو أنَّ المثقفين خارج الحظيرة لا يحق لهم أن يكون لهم وجود في هذه الأجهزة . فالحظيرة هي جواز المرور إلى سماع صوتك إذا أردت أن يسمعك الناس، وإلا فإنك في هذه الحال ستعاني ما يُعرف بـ"الإقصاء" و"الحرمان" من كلِّ شيء: النشر، المشاركة، التفرغ، المهارج، المحاضرات، الندوات، المعارض، الأكاديمية، الجماهيرية.. الحظيرة... ويا لها من حظيرة!

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:40 PM
المومس العمياء .. وخيانة الشيوعيين !

بقلم: أ.د. حلمى محمد القاعود
................................

الشاعر العراقى الراحل " بدر شاكر السياب " ( 1924-1964م ) ، من رواد الشعر الحرّ فى العصر الحديث ، ومن أصحاب التجارب العميقة والتحولات المثيرة ، ومع أنه عاش عمراً قصيراً نسبيّاً ، ( أربعين عاما ) ، فقد ترك تراثا ضخما من الشعر والنثر ، وقد جمع شعره فى مجلد ضخم يتجاوز سبعمائة صفحة من القطع الصغير ، وله مجموعة من الكتب ، أخطرها ما نُشر مؤخراً عن دار الجمل فى ألمانيا بعنوان " كنت شيوعيا " يتضمن مقالاته التى كتبها عام 1959م ، فى جريدة الحرية البغدادية ، ووصلت إلى أربعين مقالاً يرصد من خلالها تجربته مع الحزب الشيوعى العراقى ؛ التى انتهى فيها صدامه مع الشيوعيين إلى الانفصال عنهم ، وكشف فضائحهم وخيانتهم للأوطان والدين .
لقد اشتعل الصدام عندما كتب السيّاب قصيدته الشهيرة " المومس العمياء " ، وفيها يرصد تجربة قطاع من النساء تستباح أجسادهن نظير لقمة العيش المغموسة بالذل والعار، ويربط تلك الاستباحة باستباحة الأوطان والأمة العربية ، والقصيدة ذات نفس طويل ، يحتشد بالرموز والأساطير والإشارات .. وقد جاءت إشارته إلى العروبة فى القصيدة لتكون قشة تقصم ظهر البعير الشيوعى ، وتجعل السيّاب يترك البعير وأصحابه ، وينتقل إلى عالم آخر عالم الجذور العربية الإسلامية التى تجلت فيما بعد فى قصيدته الأشهر : سفر أيوب .
كانت إشارته فى " المومس العمياء " تقول :
" كالقمح لونك ياابنة العرب / كالفجر بين عرائش العنب : /أو كالفرات على ملامحه / دعة الثرى وضراوة الذهب / لا تتركونى .. فالضحى نسبى : / من فاتح ، ومجاهد ، ونبى ! / عربية أنا أمتى دمها / خير الدماء .. كما يقول أبى "
ولم يكتف السيّاب بهذه الإشارة، بل علّق عليها فى هامش القصيدة بقوله : " ضاع مفهوم القومية عندنا بين الشعوبيين والشوفينيين يجب أن تكون القومية شعبية ، والشعبية قومية . يجب جعل أحفاد محمد وعمر وعلى وأبى ذر والخوارج والشيعة الأوائل والمعتزلة يعيشون عيشة تليق بهم كبشر وكورثة لأمجاد الأمة العربية "
كانت تلك الإشارة وهذا التعليق ، بداية الانفصال بين الشيوعيين العراقيين والسيّاب ، مما جعله يفيق من وهم الدعاية الشيوعية السوداء ، فيكشف معاناته ومشاهداته فى خضم التجربة الشيوعية ، أو الحداثية كما يُسميها بعضهم ، وفى عام 1959م أخذ يكتب سلسلة مقالاته الأربعين التى ضمها كتابه الذى صدر مؤخراً ، وأعده وليد خالد أحمد حسن .
وهناك تشابه بين تجربة الحزب الشيوعى فى مصر ، ونظيره فى العراق ، فالقادة والمؤسسون هنا وهناك من اليهود . فى مصر كان " هنرى كورييل " اليهودى الغامض وآخرون يمثّلون الآباء الروحيين للشيوعيين المصريين . وفى العراق كان رؤساء الحزب الشيوعى من اليهود أيضاًُ ، أبرزهم : يهودا صديق ، ساسون دلال ، إبراهيم يوسف زلخة ، ناجى شميل .. وقد وصمهم السيّاب بالخونة الذين دفعوه مع أقاربه لتوزيع منشورات تخدم الحركة الصهيونية ، من خلال شعار يقول فى أثناء حرب فلسطين ونكبتها " نحن إخوان اليهود " وقد اتفق الشيوعيون العرب فى البلاد العربية ، وخاصة مصر والعراق على الوقوف إلى جانب الصهاينة ، مهاجمين القوات العربية التى شاركت فى معارك 1948 دعما للفلسطينيين الذين هجّرهم اليهود بالقوة . وقد وصف الشيوعيون هذه المشاركة بالقذرة لأن المعسكر الشيوعى آنذاك بقيادة موسكو كان يؤيد قيام دولة العدو .
لقد كانت صحوة السيّاب بعد ثمانى سنوات قضاها مخلصا للحزب الشيوعى العراقى ، وعيا جديداً بالإسلام والعروبة ، وهو ما جعله يرى الإسلام أفضل الأديان ، ومحمداً – عليه الصلاة والسلام – أفضل الأنبياء ، مؤكداً أنه يُدافع عن الدين والقومية والتقاليد والتراث ..
لقد تجلت هذه الصحوة فى الروح الإيمانية التى تخللت قصيدته " سفر أيوب " ، وهى تفيض تسليماً بالقضاء ، والقدر ، وترى فى تجربة المرض العضال التى أقعدته وآلمته " هدية " من هدايا الخالق المحبوب :
" ولكن أيوب إن صاح صاح : لك الحمد إن الرزايا ندى / وإن الجراح هدايا الحبيب " / أضم إلى الصدر باقاتها ، هداياك فى خافقى لا تغيب ، / هداياك مقبولةٌ ، هاتها ! "
كما تجلت هذه الصحوة فى كشفه للطبيعة الشيوعية الخسيسة ، فالشيوعيون العراقيون لصوص وقتلة ( مجازر كركوك ) ومنحلون خلقيا وخاصة النساء ، ولا يتورعون عن الاغتصاب كما فعل أحد القياديين مع الرفيقة اليهودية " مادلين مير " ، وهم كذبة ومخادعون .. ويعترف أنه شاركهم فى خداع الفلاحين ، حيث أوهمهم أنهم سيمتلكون الأراضى ، ويعيشون فى رفاهية إذا انضموا إلى الحزب الشيوعى ، وقضوا على حكم نورى السعيد !
إنه يُشبّه الشيوعيين بالقرامطة ، وهو ما يذكرنا برواية الأديب العبقرى الراحل " على أحمد باكثير " المسماة " الثائر الأحمر " التى عبّر فيها عن ثورة حمدان قرمط ، وتنبأ فيها بسقوط الشيوعية وقد تحققت نبوءته بسقوط الاتحاد السيوفياتى أوائل التسعينيات !
لقد وصف السيّاب " كارل ماركس " فيلسوف الشيوعية باليهودى التائه ، أو اليهودى القذر قاسى القلب الذى ألف " رأس المال " بدافع الحقد والحسد والتعصب اليهودى ، وتأثير التوراة .
كما هاجم لينين أيضا ، وحزب " تودة " الشيوعى الإيرانى الذى تآمر على أعضائه عام 1952 مما أدى إلى إعدام 732ضابطاً شيوعياً فى إيران .. ولم يكتف السيّاب بالهجوم على زعماء الشيوعية وأحزابها ، بل امتد هجومه إلى الشعراء الشيوعيين الأجانب والعرب ، مثل ناظم حكمت ، حيث يراه شاعراً تافها ، وكونستانتين سيمونوف ، وبابلونيرودا ، وعبدالوهاب البياتى ، فهؤلاء وأمثالهم أصحاب شعر سخيف .
لقد كان هجومه الصاعق على الشيوعيين العراقيين دافعاً لوصفهم بالجبن والقسوة والإجرام والسرقة وخداع الجماهير. .(وهل أغلبية نظرائهم في مصر والبلاد العربية غير ذلك؟) ..!
لقد كان السيّاب كما قال فى قصيدته" حفار القبور " :
" .. فى ساعة الشفق الملون كان إنسان يثورْ / بين الجنادل والقبورْ ، / نفس معذبة تثورْ / بين الجنادل والقبور :
" أأظل أحلم بالنعوش ، وأنفض الدرب البعيدْ
بالنظرة الشزراء ، واليأس المظلل بالرجاءْ
يطفو ويرسب ، والسماء كأنها صنمٌ بليدْ
لا مأملٌ فى مقلتيه .. ولا شواظ .. ولا رثاءْ؟ .... "
تمزّق السيّاب فى أحضان الشيوعية ، ولكنه تدارك نفسه ، وأدركته رحمة الله ، فاستيقظ من غفوته ، ليكشف الأكاذيب التى ما زال يدمنها الشيوعيون المعاصرون ، ومازالوا يُصرّون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة ، والنقاء الكامل ، والاستنارة الحقيقة ..
وللأسف الشديد ، فإن ما نراه فى أيامنا ، من تصرفاتهم وأدبياتهم ، يؤكد ما قاله السيّاب فى كتابه الجديد / القديم .. حيث يرون أن اليهود إخوانهم ، وأن وجودهم فى أرض فلسطين مسألة منتهية ، وأن عودة الفلسطينيين إلى فلسطين وهم كبير يجب أن يطرده العرب والمسلمون من أذهانهم . وأن اعتماد اليهود على التوراة والتلمود مسألة لا غضاضة فيها ، بينما يُقيم الشيوعيون الدنيا ، ولا يقعدونها إذا تلفظ أحد باسم " الإسلام " فهو ظلامى أو إظلامى ، وهو إرهابى ومتطرف ومتحجر ومتخلف وسلفى .. إلى غير ذلك من أوصاف ونعوت تُهين الإسلام والمسلمين جميعاً .
لقد وصل بهم الأمر فى أيامنا إلى وصف الإسلام بأنه أخطر على المجتمعات العربية من الغزو النازى اليهودى ، واختلقوا معارك مفتعلة مع " الدولة الدينية " المتوهمة التى سيُقيمها المسلمون ، وراحوا يُسقطون الدولة الكنسية الأوروبية على الدولة الإسلامية ، وأغرقوا فى أكاذيبهم حول الحضارة العربية لدرجة أن جعلوا الإسلام عدوّاً للمساواة والمواطنة وغير المسلمين .. وقد رأينا مؤخراً حملتهم الضارية على جعل الإسلام ديناً رسمياً للدولة ومصدراً رئيسياً للتشريع بحجة أن هناك أقليات غير إسلامية تعيش مع المسلمين ...
لقد جاء كتاب السيّاب " كنت شيوعياً " فى أوانه ، ليفضح أكذوبة كبرى اسمها الشيوعية ، أو الحداثة كما يتجمل بعضهم فى تسميتها .

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:40 PM
مقال كاشف

بقلم: أ.د. حسين علي محمد
................................

(تعليقاً على المقال السابق)
ليت السياب كان موجوداً الآن ليكتب عن الشيوعيين السابقين ـ في مصر والعراق ـ الذين هم خدم لأمريكا الآن؛ لقد انقلبوا من النقيض إلى النقيض لأنهم لا تحركهم إلا مطامعهم الرخيصة، وحبهم لكل ما هو ضد الأمة وثوابتها، وشكراً للدكتور حلمي على مقاله الكاشف، الجميل.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:41 PM
أمّنا الغولة .. وتزغيط البط !

بقلم: أ. د. حلمى محمد القاعود
...........................................


أمّنا الغولة ، ليست هذه العجوز الشمطاء ، المنكوشة الشعر ، التى تصادم المجتمع بكلامها وأفكارها وسلوكها ، مع قبح الهيئة وبشاعة المنظر !
أمنا الغولة كيان هلامى يتكون من أشتات فكرية وأخلاط ثقافية ، تشيع فى حياتنا الراهنة ، وتملؤها زيفاً وتدليساً وتضليلاً ، وتصنع مفارقات غريبة ، تصبّ فى حالة الفساد التى تضرب بجذورها فى أعماق المجتمع المقهور البائس ، الذى تكالبت عليه الأكلة ، بعد أن تحول إلى قصعة مستباحة ، يردها كل وارد وشارد !
هزيمة الوطن الداخلية فى شتى المجالات بدءاً من السياسة حتى كرة القدم ، مروراً بقضايا التعليم والتصنيع والزراعة والإدارة وغيرها ، أتاحت الفرصة للطابور الخامس ، كى يلعب أدواره غير المقدسة فى استباحة الأمة وثقافتها وفكرها وعقيدتها ، فى سياق ملفوف بالتدليس والتضليل والصلافة وانتفاخ الذات ، وتمثيل دور الشهداء والأبطال !
عندما تسمع عن وصف الصحابى الجليل أبى هريرة – رضى الله عنه – براوى الأكاذيب ، فماذا تقول عن دين الأمة ؟ هل صار الإسلام قائماً على الأكاذيب والخيالات والاختراعات ؟ وكم يبقى منه ؟
عندما تنشر مجلة تصدرها الدولة بأموال المسلمين فى العقيدة أو الثقافة ، نصوصاً تطعن فى دين المسلمين ونبى المسلمين – صلى الله عليه وسلم – لليهودى الصهيونى " مكسيم رودنسون " ، ويُقال لك إن هذه حرية فكر ، بينما لا تستطيع بحكم القانون الدولى أن تناقش عدد ضحايا ما يُسمى المحرقة الصهيوينة فى ألمانيا النازية ، فماذا معنى هذا ؟
عندما تسمع عن عرض شعرى موسيقى فى دولة خليجية ، ينال من الإسلام وتشريعاته ، ثم يُقال لك إن " المتطرفين " – الاسم الكودى للمسلمين – احتجوا على هذا العرض الرخيص ، وصادروا حرية الإبداع والتفكير .. فماذا تقول رداً على ذلك ؟
عندما تقرأ فى مجلة ، تصدرها السلطة المصرية كلاماً يسميه صاحبه شعراً ، يصور فيه الخالق عز وجل بعبد المأمور ، هو والأنبياء عليهم السلام ، ويستدعيهم المذكور بأسلوب يخلو من الأدب والذوق ، كما يصف الذات الإلهية بعسكرى المرور الذى ينظم السير فى شارع زكريا أحمد ، أو يشبهها بالقروى الذى يزغط البط فى الريف .. ماذا يكون رد فعلك ؟ وماذا تقول لمن يدافعون عن ذلك " الانحطاط " و " الإسفاف " ، ويتهمون الآخرين فى وقاحة ملحوظة بأنهم لا يفهمون قراءة الشعر ، ولا يعرفون اللغة المجازية التى يعتمد عليها الشعراء ؟
ثم ماذا يكون شعورك عندما تقرأ فى جريدة حكومية أسبوعية ينفق عليها فقراء هذا الوطن لمن سمّى نفسه ناقداً سينمائياً عربيا ، ويتحدث عن رحلاته إلى مصر وعمّان وبغداد ، فيُيشير دون حياء إلى ممارسة اللذة مع المثقفات اللاتى يحضرن المؤتمرات ، ولا يعنيه أمر " الأهرامات " المصرية ولا آثار المصريين ، ولكن الذى يعنيه " كاس التكيلا " فى أحد بارات دمشق والقاهرة ، خاصة بار " الباذنجانة " ، ثم ممارسة الحب مع فتاة سمراء نحيلة تشبه الإغريقيات ، وتعجبه ممثلة لبنانية سمراء تشبه الشيكولا ويضعها تحت مجهره ولكنه يكتشف أنها صديقة مخرج العرض ، فيضطر إلى استعادة موقعه لدى صحافية بدينة كانت ترافقه ، ثم يفكر بكتابة رواية عن الحب فى فنادق المهرجانات ، والوسائل التى يستخدمها المثقفون العرب للإطاحة بالنساء ، ويخبرنا أن كاتبة عربية تعرضت لمحاولات إغواء كثيرة فى المهرجانات ، وكان أغرب عرض تلقته من مثقف كبير هو عبارة مبتكرة على هيئة سؤال يعبر عن رغبة يقول فيه : ما رأيك بقيلولة ؟
ماذا تقول لهؤلاء الذين يحرصون على الإساءة إلى أم المؤمنين عائشة والصحابة رضوان الله عليهم من حين لآخر ، ويعدّون ذلك حرية تفكير ، وحرية تعبير ، وحرية إبداع ؟
ماذا يعنى أن تجد فريقاً من الطابور الخامس متخصصاً فى تشويه الإسلام والمسلمين والإفتاء بغير علم ، وبعضهم لم يقرأ القرآن الكريم ، ولا يحسن قراءة حديث شريف ، ولم يطلع على كتاب فقه أو تفسير ؟
هل لذلك علاقة برغبات الدولة الصليبية الاستعمارية الأم فى واشنطن ، بما يُسمى تغيير الخطاب الدينى ، وتعديل المناهج التعليمية ، وعدّ التمسك بالإسلام تطرفاً وتشدّداً وظلامية ؟
لاشك أن " الطابور الخامس " = الذى يضم مثقفى الحظيرة والماسون وكتاب لاظوغلى واليسار المتأمرك والمرتزقة الذين يبحثون عن الرزق الحرام = يقوم بدور مهم مستغّلا الهزيمة الوطنية الداخلية ، وقهر السلطة البوليسية الفاشية للشعب ؛ فى استباحة الإسلام والإغارة عليه ، ومحاولة تغييبه أو استئصاله ، وهو أمر يلقى قبولاً لدى خصوم الإسلام وأعدائه على السواء .
والعدوان على الإسلام من جانب الطابور الخامس أو " أمنا الغولة " – إذا شئنا تعبيراً أدق – يتم تحت مظلة من التدليس والتضليل يتقن صنعها الواقفون فى هذا الطابور . فهم لا يكفون عن الزعيق والصياح بحرية التفكير والتعبير والإبداع ، وهم أول من يصادر هذه الحرية إذا حاول غيرهم أن يمارسها .. لقد هيمنوا على وسائل الإعلام والصحافة ووسائط التعبير الأخرى ، وحرموا على غير أتباعهم والمنتمين إليهم مجرد الاقتراب من هذه الوسائط وتلك الوسائل ، بل وصلت الخسة ببعضهم إلى حدّ حذف الأسماء التى لا تعجبهم من الأخبار الأدبية والثقافية والاجتماعية ، حتى لو جاء ذلك على حساب الأداء المهنى !
وقد راودنى سؤال بسيط للغاية ، ملخصه : هل يستطيع أى دعىّ من هؤلاء الذين يزعمون أنهم مبدعون أن يصف رئيس الجمهورية مثلاً بأنه شرطى ينظم المرور ، أو قروى يزغط البط فى الريف ، أو عبدالمأمور ، أو شخص ... ؟
بلاش رئيس الجمهورية ، هل يمكن وصف وزير الثقافة بالأوصاف السابقة التى وصفت بها الذات الإلهية أو الأنبياء أو الصحابة ؟
بلاش وزير الثقافة ، هل يمكن وصف ماركس أو لينين أو خالد محى الدين أو اللواء مدير هيئة النشر الرسمية أو رئيس تحرير جريدة " طشة الملوخية " بهذه الأوصاف ؟
لقد تطاول " الطابور الخامس " مذ أتاحت لهم السلطة البوليسية الفاشية فرصة الهيمنة على الحياة الفكرية والأدبية ، واستخدمتهم لمحاربة الإسلام تحت راية محاربة الإرهاب ، فتمادوا إلى الدرجة التى طالبوا فيها بتجريد الدولة من إسلامها ، وحذف المادة الثانية من دستورها ، وصفقوا لبوليسية الدولة ، وقمعها المتزايد يوماً بعد يوم ، وكانوا فى كل الأحوال أدوات قمع وقهر فى يد السلطة الفاشية !
ومن المفارقات أن بعض الجهات والمنظمات التى تدعى الدفاع عن حقوق الإنسان ، تملأ الدنيا ضجيجاً ودفاعاً عن الطابور الخامس ، ولا تهتم ، بل تتجاهل القبض على الأبرياء وتحويلهم إلى محاكم عسكرية ، وتعتّم على الممارسات الفاشية ومصادرة الأموال واعتقال الأفراد فى جوف الليل ، لأنهم لا ينتمون إلى مكونات الطابور الخامس : أعنى مثقفى السلطة والماسون واليسار المتأمرك وكتاب لاظوغلى والمرتزقة الذين يأكلون حراماً !
من المؤكد أن مصر المسلمة بالعقيدة أو الثقافة ستهزم الطابور الخامس فى يوم ما ، وإذا كان عمال مطبعة بسطاء يكتشفون إجرام بعض الأدعياء فى حق الذات الإلهية والأنبياء ، فهو دليل على أن مصر المسلمة ما زالت حية ولن تبيع إسلامها ، وعقيدتها .. لأنها عقل الإسلام ومستقبله العظيم المنتظر ؛ إن شاء الله ، ولن تُخيفها أمنا الغولة مهما تورّمت وتجبرت وتوحشت وتشعّبت !
....................................
*المصريون ـ في 17 - 4 - 2007م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:42 PM
طبعة مزيدة ومنقحة من كتاب « محمد صلى الله عليه وسلم » للقاعود
.................................................. .................................

صدرت الطبعة الثانية من كتاب « محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الشعر العربي الحديث » ، للأستاذ الدكتور حلمي محمد القاعود في مجلد في 646 صفحة عن دار النشر الدولي بالرياض، وكانت الطبعة الأولى قد صدرت منذ فترة طويلة عن دار الوفاء بالمنصورة.
هذه الطبعة مزيدة ومنقحة، والكتاب في الأصل رسالة دكتوراه حصل عليها المؤلف من قسم النقد والبلاغة والأدب المقارن من كلية دار العلوم.
والمؤلف ناقد معروف، وأستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة طنطا.
وقد عمل فترة من حياته الوظيفية في كلية المعلمين بالرياض، وكلية التربية للبنات بحفر الباطن.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:44 PM
الوعي والغيبوبة.. كتاب حول الرواية المعاصرة
.................................................. ..................

صدر مؤخرا في السعودية كتاب تحت عنوان الوعي والغيبوبة.. دراسات في الرواية المعاصرة للدكتور حلمي محمد القاعود .يؤكدالدكتور القاعود في المقدمة علي انطلاقه في الكتاب من الأهمية التي باتت منعقدة علي فن الرواية الذي صار بامتياز ديوانا آخر للعرب إلي جانب ديوان الشعر، ويشير إلي سلسلة الكتب التي أصدرها في هذا السياق مثل الرواية التاريخية في أدبنا الحديث، الواقعية الإسلامية في روايات نجيب الكيلاني، الرواية الإسلامية المعاصرة، الرؤية الإسلامية في الرواية، وحوار مع الرواية في مصر وسورية .ويشير القاعود الي أن ما شجعه علي إصدار هذه السلسلة من الكتب حول الرواية، هو أن هذا الفن بات يرصد الحياة بصورة بانورامية، ويعرض لصراع الأفكار والمعتقدات والتصورات، وذلك من منطلق أن الرواية مجال خصب وفسيح ـ حسب الكاتب ـ بحكم قرابتها من مخاطبة الوجدان، ومناغاة النظرة، وإشباع الرغبة والتشويق إلي معرفة المصائر والنهايات، ولذا وجدت اهتماما نقديا ودراسيا عظيما في المجال الثقافي والأكاديمي.ويؤكد المؤلف أن فكرة الكتاب جاءت امتدادا للكتب التي سبق أن أصدرها في تقديم الرواية الإسلامية ، والرواية المضادة لها، كي يري الأدباء الإسلاميون تأثير الرواية الإسلامية ونقيضها علي القارئ، وفي الوقت ذاته ـ علي حد تعبير المؤلف ـ ينهضون للاهتمام بهذا الفن والاستفادة منه في خدمة التصور الإسلامي وقضايا الأمة الإسلامية.
في الفصل الأول يناقش القاعود رواية ثريا في غيبوبة للكاتب إسماعيل فصيح، وهي رواية ترصد صورة المجتمع الإيراني عقب انهيار نظام السافاك في إيران. يعرض المؤلف لفكرة الرواية ثم يناقش دور مجموعة المثقفين الهاربين في باريس كأبطال متعددين، ثم وصف لحال ثريا المضطربة حسب وصفه ووصف الرواية ثم المكان متعدد الدلالة، ويري القاعود أن جزءا أساسيا من أهمية تلك يكمن في الفترة الزمنية التي تناولتها، حيث تعتبر مرصدا للواقع الإيراني عقب انهيار نظام الشاه حيث تبدأ أحداثها عام 1979 حين انطلقت الجمهورية الإسلامية ونشبت الحرب العراقية الإيرانية.ثم ينتقل القاعود إلي رواية للكاتب علي أبو المكارم هي أشجان العاشق وهي ـ كما يقول ـ جزء من ثلاثية في العشق كتبها مؤلفها علي مدي خمس عشرة سنة، حيث كان الجزء الأول قد صدر تحت عنوان الموت عشقا ، والثاني العاشق ينتظر ، والثالث هو موضوع الدراسة، ويشير المؤلف إلي تناوله للجزء الثاني بالذات لأنه يتعرض للفساد الثقافي الذي يعيشه المجتمع بينما كان الجزء الأول قد تناول الفساد السياسي ومقاومة المجتمع له، أما الجزء الثالث فقد تناول ما أسماه تجليات الاستبداد علي قطاعات الشعب المختلفة، مع إضافة عنصر الهيمنة الأمريكية وتجلياتها العنصرية الاستعلائية علي حد تعبير المؤلف.
وفي فصل تحت عنوان محنة الاستلاب وتشويه الإسلام يتناول المؤلف رواية ليلة القدر للروائي المغربي الطاهر بن جلون وهي الرواية الفائزة بجائزة الجونكور وهي المرة الأولي ـ حسب المؤلف ـ التي تمنح فيها الجائزة لرواية غير فرنسية الأصل، مع أن الكاتب بن جلون يكتب بالفرنسية، وقد قام بترجمة الراوي الناقد فتحي العشري وصدرت في العام 1988.
ويعترض القاعود علي مقدمة المترجم فيما يتعلق بحديثه حول الرواية العربية التي حققت العالمية، حسبما يراها.
ويشير القاعود الي أن اعتراضه مؤسس علي أن العالمية تحكمها مواصفات غير دقيقة أو غير مؤسسة علي قواعد ثابتة، ويضيف: ان كل كاتب شريف أو مثقف حقيقي يرفض محاكم التفتيش التي دخلت إلي ضمائر المسلمين وغيرهم وحاسبتهم علي ما عدته نوايا ومعتقدات تخالف أفكار الصليبيين الغزاة المنتصرين في الأندلس، ويضيف المؤلف ـ فيما يشبه المانيفستو ـ كما نري نؤمن برفض الوصاية والمصادرة والكتابة الجنسية، لأنها ضد الحرية والأخلاق، وفي المقابل نطلب التسامح والحوار والعقلانية مع التصور الإسلامي ومعطياته، خاصة أن السادة المهيمنين علي الساحة الثقافية في العالم العربي والإسلامي، يصادرونه ويفرضون عليه الوصاية، ويتعاملون معه غالبا بعدوانية مقيتة لا يملكها إلا خصومه من مثقفي الدول الاستعمارية المتوحشة.ثم يستعرض المؤلف بعد ذلك جانبا من سيرة مؤلف الرواية (الطاهر بن جلون)، يستعرض الرواية وتكوينها وفصولها ثم يستعرض المكان الروائي الذي أتي غير محدود رغم أن الإشارة عنت بعضه، ثم ما أسماه لعبة الزمان التي ترتبط عنده بصورة المكان، ثم يستعرض ما أسماه بالشخصيات المجهولة حيث يقول عنها: إنها شخصيات لا أسماء لها ولا هوية مميزة أو محددة علي امتداد الصفحات التي ضمت أحداث الرواية وشخصياتها.
أما من حيث الموضوع الروائي فيشن المؤلف هجوما لاذعا علي بن جلون ويراه نجح في تقديم أبشع الصور للإسلام من خلال عملية الختان وفضح مرجعيتها وطقوسها، ولم يغفر للكاتب محاولته نفي تلك البشاعة التي تخلفها مثل هذه الصورة، ويأتي تحفظ القاعود علي القضية من زاوية أن الغرب يروج لها وكأنها القضية الاستراتيجية الأولي لهم، ويري كذلك أن شخصية البطلة تقدم صورة متناقضة مع الغايات التي يطمح إليها الكاتب، ويرصد العديد من أوصافها القاسية التي يراها تناقض فطرة المرأة، حيث تبدو صورة التمرد والرفض لكل الأعراف والتقاليد قائمة في سلوك البطلة بشكل دائم، ويشير الي ذلك قائلا: لا تكف البطلة في رحلتها الدامية عن هجاء المجتمع المسلم ورجاله، ويربط بين رواية بن جلون ورواية السوري خيري الذهبي حسيبة للتماثل بين البطلتين حيث تتحول البطلة في هذه الرواية أيضا إلي رجل.
وفي النهاية يري القاعود أن المؤلف الطاهر بن جلون حول شخصياته إلي أبواق دعائية تتكلم باسمه أكثر مما تتكلم بمنطق الفن الروائي، ويضيف قائلا: لقد حول مقولاتهم وأفكارهم الي منشورات سياسية تشارك الفكر الاستعماري والتصور الاستشراقي الحملة المزمنة والظالمة ضد الإسلام وقيمه.ثم يتناول القاعود رواية احترس من الدولار للكاتب محمد نور الدين التي تعالج فكرة السفر الي الخارج والرغبة في جمع المال لمواجهة الظروف المادية القاسية، وما يتخلف عن ذلك من مشكلات مادية، ثم يتناول بعد ذلك، من خلال وقائع الرواية، ما أسماه زمن التحولات الذي يأتي مكثفا جدا في الرواية ولا يستغرق أكثر من يومين ثم يستعرض المكان وتغيراته، وفكرة المباشرة في السرد ويري الرواية نكهة جديدة في الكتابة الروائية. ثم ينتقل الكاتب الي رواية جديدة للكاتب نهاد رضا تحت عنوان منافسة في باريس في فصل تحت عنوان صراع الهوية وفساد الطوية ثم ينسي، بعد أن يأخذه الاستطراد التاريخي، أن يذكر اسم المؤلف.وتحت عنوان وحشية الرغبات وإخفاق الطموحات يتناول المؤلف حياة الكاتب محمد صدقي وأعماله .

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:44 PM
المرأة المسلمة والأعاصير الغربية

بقلم: د.حلمى محمد القاعود
............................................

تمثل المرأة في التفكير الغربي الاستعماري الحديث محورًا مهمًّا من محاور الصراع ضد الإسلام والمسلمين ، الذي غايته - أو محصلته - هيمنة الغرب الصليبي على مقدرات الأمة الإسلامية ، والسيطرة على إرادتها ، واستنزاف مواردها ، وإدخالها دائرة التبعية المطلقة من منظور السيّد الخادم .
ولا يكفّ الغرب الصليبي عن إثارة موضوع المرأة المسلمة في شتى المناسبات الممكنة ، وبوساطة الأقلام المحلية والأجنبية ، ليكون بديلاً
عن القضايا الأساسية التي تعنى الأمّة وتشغلها وتؤرقها مثل : الحريّة والشورى والتعليم والثقافة والإدارة والبحث العلمي والقوة الاقتصادية والقوة العسكرية ، وما إلى ذلك من قضايا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بواقع المسلمين ومستقبلهم .
إن الإلحاح على قضية المرأة وإثارتها في الأدبيات المطروحة يثير من الرّيبة أكثر مما يثير من اليقين ، وخاصّة أن الأمر تجاوز المؤسسات الغربية الصليبية إلى المؤسسات العالمية أو الدولية التي يفترض أنها تمثل أمم الأرض جميعًا ، وأعني بها مؤسسات الأمم المتحدة .
إن معظم بلاد المسلمين الآن تغصّ بالمدارس التي تعلّم البنات ، والكليات المخصّصة للبنات ، فضلاً عن المؤسسات التعليمية المشتركة للبنين والبنات ، فضلاً عن امتلاء الشوارع ومؤسسات العلم والإنتاج والمستشفيات والمصالح الحكومية والجمعيات الخاصة والعامة ، والمجالس الشعبية والنيابية بالنساء من مختلف الأعمار والتخصّصات ، مما يعني أن المرأة المسلمة لا مشكلة جوهرية لديها .. صحيح أن هناك مشكلات محددة تصنعها التقاليد الظالمة والعادات السخيفة ، ولكن من قال إن هذه العادات أو تلك التقاليد تمثّل حالة عامة في المجتمات الإسلامية تحتاج إلى عملية تحرير ؟ وتحرير ممن ؟
إن الإسلام يحقق للمرأة ما لا تحققه لها المجتمعات الغربية الصليبية و لقد أعزّ الإسلام المرأة ، وحقق لها إنسانيتها، وراعى ظروفها الطبيعية والبيولوجية فألزم المجتمع - ممثلاً في الأب أو الزوج أو الأقارب - بحمايتها وصيانتها ورعايتها ، وفضلاً عن ذلك فقد جعل الإسلام للمرأة ذمّتها المالية الخاصة ، وحقوقها المادية التي لا يجوز لأحد أن ينال منها أو يستبيحها .. في الوقت الذي تحوّلت فيه المرأة الغربية الصليبية إلى مجرد سلعة يتداولها رجال الأعمال ، ومنتجو السينما والتلفزيون ، ومنظمو حفلات ملكات الجمال المحلية والعالمية ، وغيرهم من رجال المافيا والدعاية وشبكات الدعارة وما شابه .. ولعل هذا يفسّر سرّ زيادة عدد النساء الأوروبيات الداخلات في الإسلام أكثر من الرجال .
إن المرأة المسلمة تؤدي دورها الإنساني بكفاءة وتفوّق وسعادة ، فهي مدبّرة منزلها ومربّية أولادها .... وحافظة أسرتها دون ادّعاء عريض ، أو صراخ بغيض ، وهي على مستوى الجمهور الكبير في البلاد الإسلامية - تواجه مع الرجل - صعوبات الحياة وقسوتها بما يشبه البطولة ، وتسعى - مع الرجل - إلى توفير أساسيات الحياة في صبر وجهاد عظيم ، ثم إنها تذهب إلى المدرسة وتتعلم وتتفوّق وتنافس الرجال ، دون أن تكون هناك قيود أو سدود ؛ اللهم إلا ما يفرضه الخلق الإسلامي والقيم الكريمة التي يتحلى بها الرجال والنساء معاً .
بيد أن العالم الصليبي يصر على تصدير انحلاله ، أو انحلال بعض النماذج النسائية عنده إلى أمتنا . ويتخذ من بعض المقولات العامة طريقًا عامًا لعملية التصدير والإقناع بها .. إنه يطرح قضيّة المساواة المطلقة بين الرجال والنساء في كل شيء ، دون مراعاة لخصائص كل من الرجل والمرأة ، بوصفها حقًّا من حقوق الإنسان ، ويطمح من وراء ذلك أن يكون عدد النساء مثلاً مساويًا لعدد الرجال في الحكومات والمجالس النيابية والإدارات المحلية ومواقع السلطة في كل مكان .
نقل عن السيد "كوفي عنان" أمين عام الأمم المتحدة قوله : "لا أستطيع أن أفكر في أي قضيّة ترتبط بمنظمة الأمم المتحدة إلا وكانت تتعرض لقضية المرأة وتتداخل فيها . فالمرأة أصبح لها دور مساوٍ للرجل في تحقيق السلام ، والأمن وحقوق الإنسان ، لذلك فإن من الحق ، بل من الضروري ، أن تكون المرأة ممثلة في مواقع السلطة واتخاذ القرار لتحقيق هذه الأهداف . وأن تكون نسبة تمثيلها في هذه المراكز مساوية لعدد الرجال لأنها تملك القدرة نفسها والأداء المتميز لخروج خططها إلى حيّز التنفيذ (الأهرام : 7/ 16 / 2000 ) .
وهذا القول ، مع ما فيه من مبالغة ، لا يخلو من خيال واسع ، يبتعد عن أرض الواقع ، وحقائق التكوين الإنساني البيولوجي للرجل والمرأة . كما وأنه غير محقق في أي دولة على مستوى العالم مهما كانت دعواها في تحرير المرأة.
إن قدرات المرأة - مهما تفوقت في المجالات الإنسانية والإدارية والعلمية - تظل مرتبطة بالمجال الأساسي والرئيس للمرأة ، وهو الإنجاب وتربية الأبناء ، وتكوين الأسرة ، وهذه مهمة من أشرف المهام وأنبلها .
وإذا كانت بعض المجتمعات الغربية الصليبية قد أهملت شأن الأسرة ، ولم تعد تعدّ بها ، فإن الأسرة - وفقاً للفطرة الإنسانية - كيان ضروري ، لا تستطيع المجتمعات الطبيعية التفريط فيه ، أو النظر إليه بعدم مبالاة .
إن " كوفي عنان " يطمح إلى أن تكون نسبة المرأة بين موظفي الأمم المتحدة 50% ، حيث وصلت الآن إلى ما يقرب من 38.9 % ، وهدف خطة "عنان" من ذلك أن يقدم نموذجًا عالمياً لأمم الأرض كي تحذو حذوه ، وتصنع مثله ، وتجعل المرأة مساوية للرجل في الوظائف القيادية والإدارية ، واتخاذ القرار ، مما سيعطي المرأة فرصة الاهتمام بقضاياها وهمومها التي تلح عليها دول الغرب الصليبي . ومن هذه القضايا : التطرف الديني والأيديولوجي وتأثيره السلبي في المساواة بين الرجل ، وعدم الاعتراف بالأم المراهقة والأم العزباء ( خارج نطاق الزوجية ) ، وتنفيذ خطة بكين على الصعيدين الدولي والإقليمي ، والحدّ من الممارسات الضارة ( من وجهة نظر هذه الدول ) مثل ختان الإناث والزواج المبكر والزواج بالإكراه وتعدد الزوجات .
وكما نرى فإن هذه القضايا التي تطرح في المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة ، وآخرها "مؤتمر نيويورك 2000" أو الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ( المرأة 2000 ) ، تصدر عن تصوّر غربي يركّز بالدرجة الأولى على المفاهيم الإسلامية الأساسية حول المرأة ؛ لنسفها ، وإحلال السوك الغربي الإباحي محلّها !
فالتطرّف الديني - مثلاً - مفهوم غير واضح وغير محدد ، ولكن المفهوم من الكتابات الغربية والكتابات المحلية المشايعة له : أنه السلوك المعادي للحرية والإنسانية وللمرأة أيضًا ، وفكرنا الإسلامي يرفض هذا السلوك ويدينه ، ولكن القوم يقصدون من وراء طرح مفهوم التطرّف الديني نبذ الإسلام ، وعدم تحكيمه في قضايا المجتمعات الإسلامية بصفة عامة ، والمرأة بصفة خاصة ، وبالطبع فإن القوم يرون ارتداء الحجاب تطرّفًا ، وأداء الصلوات تطرّفًا ، والزواج الإسلامي تطرّفًا .. وهكذا .
أما موضوع الأم المراهقة والأم العزباء ، فهو إصرار من جانب الدول الغربية الصليبية - ومن خلال الأمم المتحدة - على إلزام الدول الإسلامية بتقنين الإباحية ، وفرضها على المجتمع الإسلامي بوصفها حقًّا من حقوق الإنسان .. أي يصبح من حق أي فتاة أن تمارس الزنا مع من تريد ، وتحمل منه ، وعلى المجتمع الإسلامي أن يقرّ هذا السلوك ، بوصفه أمراً واقعًا يترتب لصاحبته حقوق الاعتراف والمشروعية وطلب المساعدة المادية والمعنوية!
ولنا أن نتصوّر كيف يكون الواقع الاجتماعي حين نسمح لبناتنا بممارسة الزنا والولادة غير الشرعية ، ثم يتوجب علينا بعدئذٍ أن نقرّ هذا الوضع ونتماهى فيه ؟
لا ريب أن تصدير الإباحية والانحلال إلى مجتمعاتنا عدوان سافر على قيمنا وأخلاقنا وحقوقنا الإنسانية المشروعة في الاعتقاد والتصّور والتفكير والحرية .
وقس على ذلك ما يتعلق بمسائل الختان والزواج المبكر وتعّدذ الزوجات ، وغيرها من أمور لها طبيعتها في المنظور الإسلامي الذي يختلف اختلافًا جذريًّا مع التصور الدولي الصليبي وغاياته . وإذا كانت المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي تتصدى لهذا القهر الدولي الصليبي بما تستطيع ، فإنه من المؤسف ، أن تتولى مجموعة من النساء العاملات في المجال النسائي والجمعيات النسائية على الأرض الإسلامية الترويج لهذه المفاهيم والدعوة لها ، والدفاع عنها ، في الوقت الذي تتناسى فيه حقوق الأمة كلها في الحرية والشورى والأمل .
....................................
*الشبكة الإسلامية ـ في 8/3/2004م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:45 PM
مدينة أكادير تحتضن الملتقى الدولي الثالث للأدب الإسلامي

بقلم: د.حلمى محمد القاعود
...........................................

عقد الملتقى الدولي للأدب الإسلامي دورته الثالثة بعنوان "دورة محمد المختار السوسي" في مدينة أكادير بالمغرب الأقصى، بتنسيق بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة ابن زهر، و المكتب الإقليمي لدول المغرب العربي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، و مجلة "المشكاة" المغربية.
كان ذلك أيام 21، 22، 23، شوال 1421هـ، الموافق 16، 17، 18، يناير 2001مو كان موضوع الدورة هو، "النقد التطبيقي بين النص و المنهج".و قد افتتح الملتقى أشغاله بحضور والي ولاية أكادير، و رئيس المجلس البلدي، وبكلمات كل من قيدوم كلية الآداب، و رئيس الرابطة و نائبه، و رئيس مكتب البلاد العربية، و رئيس المكتب الإقليمي لدول المغرب العربي. تلا ها قراءة قصيدتين للشاعرين: جابر قميحة من مصر، و الراضي اليزيد من المغرب.و بعدها توجه المشاركون إلى المعرض الذي نظم على هامش الملتقى، ثم إلى حفل شاي بالمناسبة.
ثم انطلقت جلسات العروض و البحوث المقدمة للدورة يتقدمها عرض الدكتور عماد الدين خليل، بعنوان: " إشكالية النقد التطبيقي لدى الأدباء الإسلاميين".ثم توالت العروض في خمس جلسات موزعة على أيام الملتقى، اشتملت كل جلسة على ستة عروض.
و في ما يلي بيان لأسماء الأساتذة المشاركين في الملتقى، و عناوين عروضهم و بحوثهم المقدمة فيه:الجلسة الأولى: في محور: النقد التطبيقي إشكالات و مفاهيم. 1. الأستاذ عباس ارحيلة، من المغرب: "النقد بين الغلو في التنظير و القصور في التطبيق".
2. الأستاذ إبراهيم وليد قصاب، من الإمارات العربية: "الاتجاه الديني و الخلقي في النقد التطبيقي عند العرب".
3. الأستاذ عبد الرحيم الرحموني، من المغرب: "مزالق النقد التطبيقي: قراءة نقدية في كتاب (مقالات في النقد الإسلامي تأصيل و تجريب، للأستاذ سعيد الغزاوي)".
4. الأستاذ صالح أوزكاي: "شروط النقد التطبيقي و ضوابطه".
5. الأستاذ مصطفى رمضاني، من المغرب: "النقد المسرحي بين النص والعرض".
6. الأستاذ عمر بوقرورة، من الجزائر: "النص بين التألق و الاضطراب". الجلسة الثانية: في محور: النقد التطبيقي و الشعر.
1. الأستاذ العربي المنزيل، من المغرب: "النقد التطبيقي و القصيدة الإسلامية المعاصرة".
2. الأستاذ بوجمعة جمي، من المغرب: "الفطرة السوية و الخصائص العقدية في إبداعات شعرية عربية، تحليل و نقد".
3. الأستاذ محمد ناجي، من المغرب: "المرجعية الدينية عند ابن قتيبة في نقده التطبيقي".
4. الأستاذ عبد الجليل هنوش، من المغرب: "التذوق و أسرار النص، قراءة في المنهج النقدي عند محمود محمد شاكر". 5. الأستاذ عبد الرحمن حوطش، من المغرب: "الملامح الفنية في ديوان نجاوى محمدية للشاعر عمر بهاء الدين الأميري، رحمه الله".
6. الأستاذ محمد الأمين، من المغرب: "قراءة نقدية في ديوان (القادمون الخضر)، للشاعر سليم عبد القادر". الجلسة الثالثة:
1. الأستاذ محمد الواسطي، من المغرب: "تجليات الأدب الإسلامي عند أبي تمام في قصيدته فتح عمورية".
2. الأستاذ جابر قميحة، من مصر: "شرائح النثر في شعر بهاء الدين الأميري".
3. الأستاذ محمد الحسناوي، من سوريا: "خماسية الأميري: هدية الأدب الإسلامي للأدب العالمي".
4. الأستاذ محمد خضر عريف، من السعودية: "الإسلام و العروبة في شعر محمد حسن فقي".
5. الأستاذة خديجة الفيلالي، من المغرب: "حضور القرآن في شعر أحمد مطر".
6. الأستاذ محمد بلاجي، من المغرب: "تجليات القدس في الشعر العربي الحديث".الجلسة الرابعة: في محور: النقد التطبيقي و السرد. 1. الأستاذ محمد بسام ساعي: "الفن القصصي في الأدب الإسلامي و نقده". 2. الأستاذ سعد أبو الرضا، من مصر: "الصراع بين القيم و المذاهب الأدبية في الرواية الإسلامية".
3. الأستاذ حلمي محمد القاعود، من مصر: "مملكة البعلوطي و نموذج القرية الأسلامية".
4. الأستاذ عبد السلام أقلمون، من المغرب: "تحليل و دراسة آخر أعمال أحمد التوفيق الروائية:غريبة الحسين، أو موسم الهجرة إلى الجنوب".
5. الأستاذ عيسى باطاهر، من الإمارات: "النقد و الالتزام عند الشيخ أبي الحسن الندوي، مع قراءة في كتابه: مسيرة حياة".
6. الأستاذ محمد همام، من المغرب: "الاعتراف و التوبة في السيرة الذاتية المغربية".الجلسة الخامسة: في محور: محمد المختار السوسي مبدعا و ناقدا. 1. الأستاذ محمد خليل: "محمد المختار السوسي ناقدا".
2. الأستاذ البشير التهالي: "مفهوم الأدب عند محمد المختار السوسي بين التاريخي و الجمالي".
3. الأستاذ محمد الحاتمي: "المعرفي و الأدبي في الكتابة الرحلية- نموذج (من الحمراء إلى إليغ) لمحمد المختار السوسي".
4. الأستاذ المهدي السعيدي: "محمد المختار السوسي شارحا للشعر: (الثريدة المناغية للعصيدة)".
5. الأستاذ أحمد الهاشمي: "الأثر الإسلامي في أعلام الأماكن بسوس".
6. الأستاذ أحمد أبو القاسم: "صناعة الشعر و نقده في المدرسة الإليغية بين النظري و التطبيقي: محاكمة إبداعية".و قد كان الملتقى مسرحا للمناقشات العلمية، و القراءات الشعرية التي شارك فيها شعراء مبدعون من المشرق و المغرب.
و تميز بالحضور الكثيف في جلسات المؤتمر كلها، و بغزارة البحوث المقدمة للملتقى، و كثرة المداخلات المناقشة للبحوث المقدمة فيه، و كذلك حضور عدد كبير من الشعراء الإسلاميين.
و اختتم الملتقى أعماله بقراءة التوصيات التي أسفر عنها، و هي كما يلي:توصيات الملتقى الدولي الثالث للأدب الإسلامي 1. طباعة البحوث المقدمة في هذا الملتقى، مع الاستفادة من المداخلات المنهجية التي حدثت خلاله، و تيسيرها للباحثين و المهتمين.
2. تنشيط نشر الأدب الإسلامي و دراساته، و البحث عن سبل تجاوز الصعوبات و العقبات القائمة.
3. البحث عن أساليب ناجعة لتواصل أفضل بين أقطار العالم الإسلامي فيما يخص الإبداع الأدبي الإسلامي.
4. تخصيص ندوات و مؤتمرات لبحث قضايا تهم مجتمعاتنا الإسلامية، منها: صورة المرأة في الأدب- أدب الطفل- المسرح بين النص و العرض- النقد الإسلامي والمناهج المعاصرة- الأدب الإسلامي و العولمة- الأدب الإسلامي و تقنيات الإعلام الحديث- إبداع الشباب في إطار الأدب الإسلامي- الأدب الإسلامي و المناهج الدراسية- السيرة الذاتية إبداعا و نقدا- أعلام الأدب الإسلامي المعاصر.
5. الاهتمام بترجمة الأعمال الأدبية الإسلامية، من العربية و إليها.
6. الاهتمام بتوفير النصوص الأدبية الإسلامية المناسبة للأعمال الدرامية، و خاصة التي تقدم في الفضائيات.
7. الاهتمام بإيجاد صيغة منهجية للحوار مع الآخر بما هو مفيد.
8. الاهتمام بتطوير موقع الرابطة على شبكة الإنترنت العالمية، و إتاحة الفرصة لعرض أنشطة المكاتب الإقليمية من خلالها.
9. عقد الملتقى الدولي الرابع للأدب الإسلامي في مدينة فاس، و تسمية الدورة باسم علال الفاسي، و يكون موضوعها: "الرواية المعاصرة بين الواقع والتطلع".
10 تكليف المكتب الإقليمي في المغرب العربي بإصدار بيان إعلامي باسم الملتقى يتضمن تحية لانتفاضة الأقصى المباركة، و شكرا للجهات الداعمة والمساهمة في إنجاح هذا الملتقى، و نص التوصيات التي صدرت عنه، و توزيع هذا البيان على وسائل الإعلام المتاحة. و الله ولي التوفيق.
....................................
*الشبكة الإسلامية ـ في 12/3/2001م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:46 PM
فرنسا والحجاب .. إنهم أناس يتطهرون !!

بقلم: د.حلمى محمد القاعود
............................................

كان قوم لوط من الشواذ ، يمارسون الفحشاء مع أمثالهم من الرجال ، وعدوا الشذوذ هو الأصل ، والطهارة هى الاستثناء ، ولذا حاربوها وحاربوا الداعين إليها ، وعلى رأسهم سيدنا لوط عليه السلام ، وكانت تساعدهم فى حربهم ضد الطهارة زوجه التى كانت تنقل أخباره إلى قومه ،وكانت نهاية هؤلاء القوم طبيعية حين انقلبت بهم الأرض فصار عاليها سافلها ، ومعهم زوج لوط ، الذى أنجاه الله ومن آمن به .
وقد وردت قصة لوط وقومه فى أكثر من سورة على امتداد القرآن الكريم ، وأكدت القصة دائما على النهاية التى يستحقونها وهى التدمير بخسف الأرض وإمطارهم بحجارة من سجيل لقد وردت القصة فى سور منها :هود ،والحجر ،والأنبياء ،والشعراء ،والعنكبوت .والنمل ،والصافات ،وسأكتفى بإيراد آيات سورة النمل لكشف التفكير المعوج الذى يجادل به قوم لوط ، مع أنهم كانوا أصحاب عقل وبصر : (ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون .أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون .فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم ،إنهم أناس يتطهرون .فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين .وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) (النمل:54- 58 ).
وتكشف الآيات أن قوم لوط أصروا على شذوذهم وإجرامهم ،وكان ردهم على الاستفهام الإنكارى التوبيخى من جانب لوط عليه السلام هو طلب إخراج لوط ومن معه لأنهم أناس يتطهرون ، الطهارة والعفة والنقاء مسوغات الطرد من الديار عند الشواذ والمنحرفين ..
معاناة المسلمين في فرنسا
وهذه المسوغات بعينها هى ما يرفعه الصليبيون الاستعماريون المتعصبون فى فرنسا ضد المسلمين ، دع قضية الحجاب جانبا ، وانظر إلى مجمل ما يعانيه المسلمون من تمييز عنصرى بشع وكريه فى أرجاء البلاد الفرنسية ،مع أنهم يمثلون القوة الثانية بعد الكاثوليك ،ويبلغ عددهم أكثر من خمسة ملايين مسلم ،منهم ثلاثة ملايين يحملون الجنسية الفرنسية ،والباقى من المقيمين الذين قضوا فترات طويلة هناك فلا يوجد وزير مسلم واحد فى فرنسا ،ولا يوجد مسئولون مسلمون فى الإدارات الفرنسية حتى المستويات الدنيا ..والمسلمون يسكنون غالبا فى الأحياء الفقيرة ،ويعيشون مستوى اقتصاديا أقل من اليهود والكاثوليك ..ومع ذلك فهم يخدمون الدولة الفرنسية بإخلاص ، ويعطونها جهدهم وعمرهم ، ويأبى عليهم المتعصبون أن يكون لهم وجود إنسانى أو كيان محترم ..بل يريدونهم عبيدا بلا دين ولا عقيدة ولا ثقافة ولا هوية !.
الحجاب يقضي على النظام الجمهوري!!
إن فرنسا تمتلئ بالنساء العاريات والداعرات والمدمنين والشواذ والإباحيين ، ولكن ذلك لا يشغلها ولا يمثل لها مشكلة خطيرة ، فقط يشغلها استراتيجيا وقوميا حجاب المرأة الفرنسية المسلمة الذى يعلن من وجهة نظرهاعن هوية صاحبتها الإسلامية ..صار الحجاب علامة وشارة لدى فرنسا المتعصبة الظلامية ،وليس جزءا من العقيدة الإسلامية التى تلزم المرأة بالطهارة والعفة والنقاء ..ويجب التخلص من هذه الشارة وتلك العلامة لأن ذلك يخل بالمعادلة العلمانية ويقضى على النظام الجمهورى ؟!.
مشابهة بين منطقين
ولا ريب أن المشابهة قائمة بين قوم لوط فى منطقهم المعوج ضد المتطهرين ،و المتعصبين الفرنسيين ضد الحجاب ،وكلا الطرفين يملك عقلا وبصرا وعلما وفقها ،ولكن الشذوذ والتعصب ضربا بظلامها على الجميع ،وإذا كان قوم لوط قد نالوا جزاءهم قديما ،فلا أظن المتعصبين الفرنسيين سيفلتون من العقاب الإلهى قريبا أو بعيدا.. وصدق الله إذ يقول " وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا " الكهف ، فالظلم هو سبب الهلاك ومقدمته فى كل مكان وزمان !.
ليست قضية حجاب
القضية فى كل الأحوال ليست قضية الحجاب ، وإن كان الحجاب جزءا منها ، إنها قضية الإسلام الذى يكرهه الصليبيون المتعصبون ، ويحاربونه ليل نهار ، ويحققون انتصارات عظيمة ( في هذا المضمار ) .. .. ومع كل هذه الانتصارات الصليبية الاستعمارية ، فإنهم يخافون الإسلام والمسلمين ،لأن قيمه ضد طموحاتهم الشريرة وغاياتهم العدوانية وسلوكهم الإجرامى ضد الآخر استعمارا ونهبا وإذلالا واستعبادا .
المفارقة!!
والمفارقة أن الإسلام ينتشر فى عقر دارهم ،وبين أبنائهم الذين يهديهم الله تعالى إلى التعرف عليه وعلى مبادئه وتشريعاته ، وقد كثر القول مؤخرا عن دخول عدد كبير من الأوربيين والأمريكان إلى الإسلام عقب أحداث سبتمبر (2001) الغامضة ،التي اتهم المسلمون بتدبيرها ،حيث تهافت عدد كبير من أهل أوربا وأمريكا على شراء نسخ القرآن الكريم ومحاولة التعرف على ما فيه وكانت النتيجة إسلام بعضهم ، وتحجب نسائهم المسلمات ،مما أثار ذعرا وقلقا فى دوائر المتعصبين الصليبيين الظلاميين الذين مازالوا يعيشون بمنهج بطرس الحافى !!.
والمسيحية أبعد ما تكون عن الصليبية الاستعمارية ،ولقد اتخذ الاستعماريون الهمج من الصليب شارة وعلامة على المسيحية ،وهم يذبحون ويقتلون المسلمين والنصارى على السواء( الحملة الصليبية الثالثة توجهت إلى بيزنطة بدلا من القدس ،فأعملت فى أهلها النصارى قتلا وتشريدا ونهبا مما تقشعر له الأبدان).
وهو ما يكرره الصليبيون المعاصرون فى هيستريا لا تقل خطورة عن الهيستريا الصليبية القديمة ، حين يرون فى الحجاب تدل على تمدد الإسلام داخل المجتمع الصليبى الاستعمارى ،وهو ما يضعه الاستراتيجيون الغربيون تحت دائرة الضوء والتشريح لمعرفة مستقبله وتأثيره على المعادلة الاجتماعية والثقافية والسياسية فى الغرب ،كما يرى بعض الباحثين .إن الإسلام اليوم وهو حاضر المسلمين دائما فى الشارع الأوروبى يجعل الأوربيين يتساءلون دائما عن الإسلام ، وعن أولئك القوم الذين يتطهرون بالحجاب والعفة والنقاء ولا ينضوون تحت لواء الإباحية أو الإدمان أو الشذوذ ..وهذا ما تراه الحكومات الاستعمارية المتعصبة خطرا على وجودها فى المدى القريب أو البعيد .. ومهما يكن من أمر ،فإن الحملة المسعورة ضد الحجاب لن تزيد المسلمين إلا تمسكا بدينهم وحرصا عليه ودفاعا عنه وانتماء إليه ، والله غالب على أمره.
....................................
*الشبكة الإسلامية ـ في 19/1/2001م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:47 PM
التفسير الماسونى لتزغيط البط !

بقلم: أ. .د. حلمى محمد القاعود
...............................................

فى أواخر ثمانينيات القرن العشرين كتبت " الورد والهالوك : شعراء السبعينيات فى مصر " ، وأصدرت منه طبعتين ، ورصدت فيه ملامح شعراء الأصالة ، وشعراء الادعاء . يومها كان هناك من يتهمنى بالمغالاة فى الحكم على شعراء الادعاء أو الهالوك . ولكن الأيام أثبتت صحة ما ذهبت إليه وما أيدني فيه يومها ، الناقد الراحل عبد القادر القط – رحمه الله - ، حيث لم يتبق من كتابات هؤلاء شىء يُذكر فى أذهان الناس أو أفئدتهم . لسبب بسيط : أنهم دخلاء على الفن ، فلا موهبة ولا خبرة ولا مضمون ، كانت إمكاناتهم التى سوّغت لهم البقاء على سطح الحياة الثقافية والأدبية هى انتماؤهم للفكر الماركسى الذى تأمرك ، وصار خادماً مأجوراً فى الحرب على الإسلام وعميلاً للنظام البوليسى الفاشى ، ومسوغاً لسلوكياته ، الاستبدادية ، ومصادراً للفكر الإسلامى وعاملاً على استئصاله من الصحافة ووسائط التعبير أو تشويهه والتنديد به عن طريق التدليس والتضليل والأكاذيب المفضوحة .
كانت صداماتهم مع الإسلام ومشاعر المسلمين بشعة ومتوحشة ، أثارت رجل الشارع فى مصر والأمة الإسلامية ، وأساءت لمستخدميهم قبل أن تُسىء إليهم ، وكشفت عوراتهم الفكرية والثقافية ، وجعلتهم أمثولة للخيانة الفكرية والعمالة السياسية ، ولم تغن عنهم مكاسبهم التى أغدقتها عليهم السلطة البوليسية الفاشية شيئاً !
كما كانت مشكلة الكلام عن " تزغيط البط " وتشبيه الذات الإلهية بالقروى أو عسكرى المرور ، دليلاً جديداً يُضاف إلى ما سبق من أدلة على الخواء والسطحية والابتذال التى تصم كتاباتهم الرديئة التى لا تخضع لمعايير فنية أو فكرية ..
ومن المؤسف أن القوم لم يحترموا عقول الناس ، ولم يتوقفوا عن الهرطقات الرخيصة ، والتفسيرات الساذجة لجريمتهم فى حق الذات الإلهية ، وحق الأمة ، ولكنهم راحوا يقنعوننا بمنطق يخلو من المنطق ، وأسلوب ينم عن الفكر الماسونى الخبيث – وبعضهم ينتسب إليه بالفعل – أن ما جرى هو انحياز للجمال وللفن وللحرية .. ويستشهدون بنماذج من التاريخ الأدبى لا صلة بينها وبين جريمتهم واستهتارهم بالذات الإلهية ومشاعر الأمة الإسلامية ، وسفح أموالها دون طائل ( قال اللواء مدير هيئة النشر الرسمية إن عدد المجلة التى نشرت الجريمة بلغت تكاليفه قرابة ستين ألف جنيه مصرى دفعها الفقراء والكادحون ) .
كيف يمكن أن نقارن بين ما يقوله هالوكى أو متمركس متأمرك ، مع ما يقوله أبو نواس أو ابو العلاء المعرى ؟
أين الجمال أو الفن فى كلام الهالوكى ، لنقارنه بالجمال الفنى فى أدب أبى نواس وأبى العلاء المعرى وحسان وعمر بن أبى ربيعة .؟
إن التفسير الماسونى لتزغيط البط ، يدعى أن الجمال هو القيمة التى يجب على المجلة الأدبية أن توفرها لنا ، وأن الحقيقة المؤكدة هى التى تقدمها لنا المجلة العلمية ، كما يدعى أن جماهير الأمة بعلمائها وأدبائها الحقيقيين ونقادها المتخصصين يعيشون طفولة دائمة يفرضها الطغاة !
وهذا السخف الماسونى يتجاهل أن الأدب على مرّ التاريخ ، يقوم على تقاليد وخصائص وقيم ، تتطور بتطور الزمان والمكان ، ولكنها تبقى معياراً للإنتاج الأدبى ، الذى لا يجوز أن ينفلت من كل معيار وكل قيمة ، كما يذهب الأدعياء وخدّام الاستبداد الرسميون . لقد صادرت الولايات المتحدة – معبودهم الجديد وملهمهم العتيد – فى خمسينيات القرن الماضى ، فن الهوى لأوفيد ، مع أنه نشر فى مصر بترجمة ثروت عكاشة ، كما صادرت الديكاميرون لبوكاتشيو ، وفى عام 1948م أعدت الكنيسة قائمة بحظر أربعة آلاف كتاب منها : سقوط الامبراطورية لجيبون ، ومبادئ الاقتصاد السياسى لجون ستيوارت ميل ، وكتب بلزاك ، ودوماس الأب ، ودوماس الابن ، وأناتول فرانس ، وستندال ، وزولا ، ومورافيا ..
إن التفسير الماسونى لتزغيط البط ، لا يسعى إلى الدفاع عن الأدب والفن والجمال ، بقدر ما يسعى إلى الدفاع عن مصالحه فى خدمة النظام البوليسى المستبد ، لأنه أول من يعلم أن نبى الإسلام – صلى الله عليه وسلم – كافأ الأدب والفن والجمال الحقيقى ببردته التى ألقاها على كعب بن زهير حين أنشده " بانت سعاد " ، كما يعلم أن أبا نواس وأبا العلاء وحسانا وعمر بن أبى ربيعة ، كانوا أبناء الأمة وثقافتها الحقيقية ، ومن شذّ لسبب ذاتى ، عاد إلى رشده ، واعتذر عن خروجه ، ولعل استغاثات أبى نواس " إلهى ليس لى إلاك عونا .. " كانت وثيقة توبة صادقة عن بعض إنتاجه المخالف للقيم والأعراف .
أما حكاية أن الجمال هو القيمة التى يجب أن يحتفى بها الأدب ، دون مراعاة للقيم أو اعتبار للأعراف فهى مغالطة لم تعد مقبولة فى زمن توظف فيه الجماعة البشرية على اختلاف أعراقها ومذاهبها وعقائدها ، الفن الأدبى لخدمة أهدافها وأغراضها ومعتقداتها ..ولا أظن أنهم فى الكيان النازى اليهودى الغاصب فى فلسطين المحتلة مثلاً يوافقون على أن يكون أدبهم هجاء للرب الذى خلق الشعب المختار ، أو إهانة للنازية اليهودية التى تقتل الفلسطينيين والعرب والمسلمين على مدار الساعة ، أو شريط " بورنو " يتم تصويره على الورق بحجة حرية التعبير !
لقد كشفت حادثة " تزغيط البط " عن عالم من العفن فى مجتمع " الهالوك " الخادم للاستبداد ، المعادى للإسلام ، فقد عرفنا أن بعضهم يتعامل يوميا مع المخبرين داخل هيئة النشر الرسمية وخارجها ، وعرفنا أن بعضهم سواء كان لينينى الهوى أو تروتسيكيا ، هو من يكتب التقارير الاستخبارية ، ويشى برفاقه إلى من يعنيهم الأمر ، كى يصل إلى مركز مرموق ، أو يحلّ مكان رفاقه ، وعرفنا أن الهدف الأسمى للهالوك فى السبعينيات وما بعدها ، هو الانطلاق بمشروع التنوير ، أي التغريب الذى يُقاوم الظلامية والسلفية ، أي الإسلام ، وعرفنا أن صراعات المصالح داخل المؤسسة = خدمة السلطة ، وداخل لجنة الشعر هى التى تحكم واقع هؤلاء ، وعرفنا أن مناخ التربص والترصد يفرض حضوره على الواقع الثقافى الرسمى الذى يصنعه هؤلاء ، وعرفنا أن بعضهم يرفض تجربة البعض الآخر التى تمثل فى رأيه نموذجا لشعرية عصور الانحطاط والجمود والسكون والافتعال اللغوى والقدرة الموروثة من القديم ، وعرفنا أن العمل الثقافى بالدولة – كما يرى بعضهم – لا ضرورة له إلا لخداع وتزييف وعى الجماعة البشرية بكل طبقاتها وشرائحها الفاعلة ، مما دفع فريقاً منهم إلى عقد صفقات على المستوى العربى والعالمى من خلال علاقاتهم التى وفرتها لهم الدولة ، وعرفنا أن بعضهم فى عصر الانحطاط الثقافى تحول إلى مملوك جديد وأمير حرب ، يتصارع لبسط النفوذ ونهب الثروات ، مع أن الخراب قد شمل كل شىء، ولم يبق إلا الموتى ، وعرفنا أن الضجة التى أثارها الهالوك حول " تزغيط البط " تساوى عند بعضهم القذارة واللغط والتواطؤ والطفح ، وعرفنا أن بعضهم لا يخافت فى إيمانه بضرورة إهانة المقدس الدينى والعدوان عليه ، ولا يرى ذلك نقيصة شعرية أو أدبية ...
وهذا الذى عرفناه ، نشرته جريدة أسبوعية حكومية يوم 22/4/2007م فى مقالات عديدة ونسى ( أصحاب !) الجريدة أننا نعيش في دولة دينها الرسمى الإسلام ، وتمنع ازدراء الأديان والمقدسات .. والعجيب أن أحداً ممن يمثلون صوت الإسلام لم يكن له وجود على صفحات هذه الجريدة ، ولو من باب ذرّ الرماد فى العيون !
المفارقة أن محرر الجريدة المذكورة طالب أجهزة الأمن بالكشف عن التقارير الاستخباراتية أو المباحثية التى كان يكتبها الأدباء والمثقفون ضد بعضهم منذ خمسين عاماً كما تفعل دول أوروبا .. ولو تحقق ذلك فسوف نرى أفلاماً أكثر إثارة من أفلام السينما عن المناضلين الذين صدّعوا رءوسنا بالكلام عن الكفاح ضد الطغمة البرجوازية الحاكمة وفسادها واستبدادها وتبعيتها للإمبريالية العالمية .. وساعتها نهتف :
- ياويلنا من سلالة هنرى كورييل وأساتذتهم الماسون !
ولا عزاء للبط الذى لم يجد أحداً يقوم بتزغيطه !
.................................................. ........
*المصريون ـ في 24 - 4 - 2007م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 03:48 PM
بركاتك يا شيخ رجب !

بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
.............................................

كان مهرجاناً شاملاً ، انتقل من تلفزة النظام البوليسي الفاشي ، إلى قنوات رجال القروض ، إلى صحف لاظوغلى وطشة الملوخية ولحم البعرور وتبولة الشام .. كان المهرجان بسبب موافقة رئيس الدولة على علاج الشيخ " رجب هلال حميدة عضو مجلس الشعب ( المعارض !) على نفقة الحكومة لمدة ستة شهور في عاصمة أجنبية .. أسهبت أجهزة الدعاية الحكومية وشبه الحكومية في الحديث عن كرم الدولة وسخائها مع مواطنيها الذين لا تفرق بينهم على أساس الموالاة والمعارضة ، فمع أن الشيخ رجب ( معارض !) وصوته عال ضد الحكومة، وضد الفساد، وضد محاربتها للأحرار، فقد اتصل به سيادة الرئيس، بعد أن نقل إليه سيادة اللواء رئيس الديوان الجمهورية خبر الموافقة على العلاج .
قالت أجهزة الدعاية إن الشيخ رجب فوجئ بالرئيس يتصل به، ويتحدث معه حديثاً أبوياً ويطمئن عليه وعلى أسرته ويتمنى له الشفاء، ويُعبّر عن تضامن الدولة معه حتى يرجع بالسلامة عائداً في إهاب الصحة والعافية وطول العمر.
الشيخ رجب عبّر هو الآخر عن شكره وامتنانه واعتزازه بأبوة السيد الرئيس، وقال ذلك في الاتصالات الهاتفية التلفزيونية والصحفية التي انهالت عليه عقب إذاعة خبر علاجه على نفقة الدولة، وقال الشيخ رجب إنه كتب طلبا – مجرد طلب على ورقة بيضاء – وأرسله إلى السيد الرئيس، فجاءت الموافقة بأسرع مما يتوقع، وحققت حلمه في العلاج خارج البلاد.
فرحت – والله – لموقف الدولة ، وموافقتها على علاج مواطن مصرى ، قبل أن يكون عضواً أو نائبا بمجلس الشعب ، مؤيداً أو معارضاً ، حقيقيا أو مستأنسا ، فهذا لا يعنينى ، بقدر ما يعنينى أن من جرّب الألم وعاش محنة المرض ، يتمنى العافية لكل الناس ، ولو كانوا من خصومه وأعدائه ، فلا شىء يقهر الإنسان إلا الدّاء والدواء . كلاهما مرّ وقاس ، وكلاهما يُعيد الإنسان إلى ربّه ليستشعر قدرته وعظمته ورحمته ، حيث لا يُساوى المريض وهو سليم جناح بعوضة ، ولا يزن مثقال ذرة عند ربّه حتى وهو سليم معافى ، ولكنه كرّمه وأعطاه العقل وأفاض عليه نعمة الدين ليتعرف على خالقه ، فيسمع له ويُطيع ، ويبتعد عن الطغيان والجبروت وقهر أخيه الإنسان .
ويبدو أن بركات الشيخ رجب كانت حاضرة ، حيث غابت عن الدكتور عبدالوهاب المسيرى ، مثقف الأمة ، الذى أبت نفسه أن تذلّ لأحد غير لله ، وتعفف عن قبول التبرعات من الشعب لعلاجه ، ورضى بقدره مستسلماً لإرادة الله . فى حين صمتت السلطة البوليسية الفاشية عن نداءات من يملكون الأقلام والأصوات لمعالجته على حساب الشعب ومن ميزانيته ، لأنه فى أبسط الأحوال مواطن مصرى خدم بلاده خدمة جليلة تفوق ما يقدمه أعضاء مجلس الشعب أجمعين ، مع احترامى لهم جميعاً ، فالذى أنجزه لا يقدرون جميعاً على إنجاز بعضه ، وفى الوقت ذاته كان ينفق من جيبه وميراثه على موسوعته – كما أشرت فى المقال السابق – ثم إنه كان أكثر تطبيقا عمليا لما تعلمه ولما يؤمن به ، حين نزل إلى الشارع ليتظاهر ضد الطغيان والفرعنة وإهدار كرامة الإنسان ، مع أن من فى مثل عمره – وقد قارب السبعين – يجب أن يخلد إلى الراحة والهدوء ، ولكنه أبى أن يقعد مع القاعدين ، أو يكتفى بكلام يذهب مع الريح ، وراح يتقدم الشباب والرجال والنساء الذين واجهوا الخوذات الغبية والنبابيت البلهاء والبيادة العمياء !
المسيرى معارض للدولة ، ولكن معارضته – كما يرى النظام البوليسى – تخرجه من سياق المعارضة إلى نوع آخر ، لا أعرف كيف أسميه ، بدليل أنها فرّقت بينه وبين المؤيدين ، ورفضت أن تعالجه على نفقتها ، وتركته أو تركت أمره ، ليتولاه أمير سعودى ، أو تاجر مصرى يعرف قيمة الرجل ، فرقّ لحاله ، وتبرع من ممتلكاته أو ثروته ، ليقوم بما كان ينبغى أن تقوم به الدولة تجاه أحد مواطنيها اسمه عبدالوهاب المسيرى !
كان الرجل منتسباً إلى إحدى الجامعات المصرية ، وأستاذا بها ، ولا أدرى أظل مرتبطاً بها ، أم انفصل عنها ، وإن كانت السيدة حرمه مازالت – فيما أعلم – أستاذة بإحدى الكليات الجامعية ، ويُفترض أن الجامعة التى تنتسب إليها أو ينتسب هو إليها ، أن تعالجه وتتولى شئونه الصحية ، ولكن أمر علاج أساتذة الجامعة ، يمثل جرحاً غائراً فى أعماق هيئة التدريس عموماً ، باستثناء من التحقوا ببلاط النظام ، وعاشوا على أعتابه ، وعيّنوا أنفسهم فى وظيفة " مسوّغاتى " أو " مشعللاتى " على رأى " سعاد حسنى " حين عيّنت " فريد شوقى " فى وظيفة " مشعللاتى " !
أستاذ الجامعة البعيد عن النظام البوليسى الفاشى ، أمامه طريقان للعلاج لا ثالث لهما ، أولهما ما يُسمى بالتأمين الصحى ، نظير الخصم الإجبارى الذى يُستقطع من مرتبه الشهرى المحدود ، وعليه إذا أراد الكشف والتشخيص والعلاج ، أن يأخذ بطاقته ، ويذهب بعد طلوع الشمس – لا أبالغ – ليحجز مكانه وسط طوابير الموظفين والعمال والطلاب الذين حضروا للعلاج ، وحتى يأتى موعد الكشف عليه يكون النهار قد بدأ يميل إلى الشيخوخة والشمس تستعد للغروب ، ناهيك عن " بهدلة " الزحام و " بعثرة " الكرامة !
أما الطريق الآخر ، فهو اختراع أخذت به بعض الجامعات – أو كلها لا أعرف – وهو خصم مبلغ إضافى من المرتب ، نظير ما يُسمى الرعاية الصحية ، حيث تتعاقد الجامعة مع بعض المستشفيات الخاصة على علاج الأساتذة وحدهم دون أسرهم . فيأخذ الأستاذ خطابا من كليته ويذهب إلى المستشفى التى تُحوّله إلى طبيب متعاقد معها حيث يجلس فى انتظار دوره .. ثم يقرر له العلاج المطلوب ، وقد يسبق ذلك تحاليل وأشعة ونحوها ، فيضطر للذهاب – وهو غالباً شيخ مهدّم تجاوز الستين – إلى مستشفى الجامعة التعليمى لينتظر دوره أو أدواره وسط الزحام القادم من التأمين الصحى والأقسام الاقتصادية ( يعنى التى تعالج بالفلوس ) ثم يعود ليكتب طلباً بالعلاج إلى رئيس الجامعة الذى يُحوّله إلى لجنة طبية التى تقرر الاستحقاق من عدمه ، وبعدئذ يدخل متاهة الموافقات والمراجعات والبحث عن الأصناف الموجودة فى صيدلية الجامعة ، أو شراء البديل ، وتحرير طلب بقيمتها مع الفواتير التى تصرف أو لا تصرف بعد شهور ومشاوير تهدّ الحيل ، إذا كان هذا " الحيل " موجوداً أصلاً !
أما العلاج فى الخارج ، فأيامه "بيضاء" . " أبيض " من قرن الخروب ! وقد رأيتم ما جرى للمسيرى !
ولكن الأساتذة المحظوظين من أهل البلاط أو الحرملك ، فالطريق أمامهم مفتوح ، والتسهيلات بلا حدود ، وباقات الورد ، ولو فى باريس – بلا عدد !
لا تحدثنى عن بقية الناس من الذين أنهكتهم الأغذية المسرطنة والمياه الملوثة ، والغلاء الفاحش ، والمجارى الطافحة ، والمخدرات المنتشرة ، والمساكن الزدحمة ، والأيام الخانقة .. فهؤلاء الذين يمثلون الأكثرية الساحقة التى لا تعرف السلطة البوليسية الفاشية عنها شيئاً ، ولا تُريد ، وبالتالى ، فإن حلمهم بالعلاج المجانى أو شبه المجانى ، قد تم وأده تماماً ، فأقل تذكرة دواء لا تقل قيمتها اليوم عن مائة أو مائتى جنيه . مرتب شهر كامل للشخص المحظوظ الذي يجد عملا ؛ وربما أكثر ..ومع ذلك فإن كتاب لاظوغلى لا يذكرونهم بكلمة ، وإن كان أحدهم سخر بوقاحة من المسيرى وتمنى له الشفاء !
.................................
*المصريون ـ في 5/6/2007م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:23 PM
سعيكم مشكور.. " على جزمتنا" !

بقلم: أ. د . حلمي محمد القاعود
........................................

لم أكن أنوي الإشارة إلى ما يسمى بانتخابات مجلس الشورى . فمعروف سلفا ؛ أنها ليست انتخابات " ولا يحزنون " ، بل هي تمثيلية سخيفة اخترعها النظام البوليسي الفاشي ، ليجمّل وجهه القبيح أمام العالم ، وليس لاصطفاء نخبة حقيقية من ذوي الخبرة والإخلاص تؤدي دورا حقيقيا يخدم البلاد والعباد .والبسطاء الأميون في أعماق الريف يدركون جيدا أن مثل هذه المجالس ؛ لاتخدم سوى أعضائها والنظام الذي أتي بها ، وتحليل – من الحلال – كل ما يقترفه النظام من محرّمات ضد الشعب والأمة جميعا .
كنت أتمنى أن تنفق المائة مليون جنيه – وقيل ثلاثمائة مليون – المخصصة للانتخابات على مصالح الناس ، بدلا من إنفاقها على انتخابات صورية ، يعلم الناس جميعا أنها مزورة ، وأنها تتم بإرادة البوليس وإشرافه ، وليس القضاء ؛ كما يكذبون علينا صباح مساء .
عاجلني صوت المذيعة الكذابة في نشرة التاسعة مساء الأحد 11/6/2007م، وهي تجزم بصيغة قاطعة أن خمسة وثلاثين مليونا من الناخبين المصريين قد توجهوا إلى لجان الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى ، بعد أن فاز أحد عشر عضوا بالتزكية . المذيعة الكذابة كانت تستخدم صيغة الفعل الماضى التي تفيد التقرير والحدوث ، وكان الواقع يكذب كلامها والصحف الحكومية نفسها التي صدرت في اليوم التالى تؤكد أن نسبة الحضور 22% مع أن الواقع يؤكد أن الذين ذهبوا أقل من واحد بالمائة من مجموع الناخبين !
كنت أتمني أن يستفيد الناس بما أنفق على هذه الانتخابات الصورية في مشروعات مفيدة مثل الصرف الصحى وتنقية المياه الملوثة التي أهلكت كُلى المصريين وأكبادهم وأمعائهم ، ثم تقوم بتعيين من تختارهم وتجد لديهم الاستعداد للتصفيق الحاد ، والهتاف القوي ، والردح الأصيل لخصوم السلطة البوليسية الفاشية .
لن يعارضها أحد ،ولن يقف في طريقها أحد ، فكل الناس تخشى منهج " الفرم" الذي ظهر مع أزهى عصور الحرية والديمقراطية والرخاء والعدل والإنصاف !
كنت أتمنى أن تريح الحكومة البوليسية نفسها ، ولا تعلن عن انتخابات صورية ، لا يحضرها أحد ، بل تعتقل من يترشح لها من الإخوان المسلمين " قمة المواطنة " ! وتلقي بهم مع الأنصار والأتباع في السجون ، وتحرمهم من ذويهم ، وأقاربهم دون جريمة تذكر ، فهم مثلا لم يغرقوا أكثر من ألف مصري في البحر ، ولم يقتلوا أحدا في حوادث القطارات والسيارات ، ولم ينهبوا أموال الدولة بالقانون في صفقات مشبوهة ، ولم يسرطنوا الغذاء ، ولم يسمموا الدواء ، ولم يتصوروا على السيديهات المخلة ، ولم يقدموا للناس دما مغشوشا ، ولم يستولوا على أراضي الدولة بأقل من سعر التراب .
كنت أود من النظام البوليسى الفاشي أن يريح ويستريح ، ويعلن أنه سيختار الأعضاء الذين يعجبونه شكلا ومضمونا ، ويصدر قرارا بتعيينهم وكفى الله المؤمنين القتال .. فالناس تعلم جيدا أنه لا المعارضة مؤثرة ، ولا الصحافة مقلقة ، ولا تصريحات " مجرم الحرب " جورج بوش " مغيرة .
الناس واثقون تماما أنهم سيظلون هكذا تحت رحمة النظام البوليسي الفاشي حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا .. وهم واثقون أيضا أنهم يستحقون ذلك ؛ لأنهم صمتوا طويلا أمام القهر والعسف والتنكيل ، بل إنهم صفقوا لذلك وهتفوا .. هل نسينا ذلك الذي رقص في مجلس الأمة غداة الهزيمة ابتهاجا ببقاء الزعيم ، ونسى أن سيناء ضاعت مع القدس والضفة والقطاع والجولان ؟
الناس يعلمون أن مجلس الشعب ومجلس الشورى وبقية المجالس التى صنعها النظام البوليسي الفاشي على " جزمة" أصغر جلاد في دائرة اسطنها منوفية !!
عضو مجلس الشعب عن عن هذه الدائرة طبيب بيطري ، مرّغوه في الوحل ، ومزقوا ملابسه ، وسحلوه فى الشارع ؛ وهو خارج من سرادق عزاء ، وقالوا له : سعيكم مشكور ! وقال له الجلاد الصغير : أنت ومجلس الشعب "على جزمتنا" ! . نشرت ذلك الصحف والمواقع الألكترونية !
لم يغضب نواب الحصانة في الوطنى ، ولا أحزاب بير السلم ، لأن " جزمة " النظام ممثلا في أصغر جلاد فوق الجميع أوتحتهم ، شرف وعز ومجد وتقدير .. يالها من جزمة !! ولم تغضب صحافة لاظوغلى أو الحديد والصلب أو السيراميك أو التوكيلات أو الأراضى المنهوبة ، لأن جزمة البوليس تختلف عن الجزم الأخرى التي يؤلفون حولها الحكايات ، وينسجون عنها الأساطير .. أما جزمة البوليس ، فهي طاهرة ونقية ورائحتها زكية وتردّ روح أى صحفي من الخدم وأىّ عضو من الوطني وبير لسلم !
صحيح أن نواب الإخوان غضبوا واعتصموا وصدقوا ما قاله الرجل الثاني في البروتوكول عن حضور وزير الداخلية للاعتذار ، ولكن الأنباء جاءت بما لا يشتهى الرجل ، فالوزير لم ولن يعتذر ، وصحف لا ظوغلى قالت إن النائب هو الغلطان، لأنه سدّ الطريق بسيارته ، وأن الجلاد الصغير لم يتفوه بكلمة ، ولم يلمس العضو المحترم !واخبطوا دماغكم في أقرب حائط يابتوع الإخوان ، والمستقلين كمان !
ومع ذلك يخرج الصديق عصام العريان ليقول إن في الانتخابات سبع فوائد ومآرب أخرى !
إني أختلف معك يا دكتور عصام ، وأحرجك – على طريقة محاور العبارة 98!- فدخول الانتخابات في ظل الأوضاع الجديدة غطاء شرعي للنظام البوليسي أمام العالم ، وفي ظل غياب الإشراف القضائى الحقيقي الكامل فلن ينجح أحد من الإخوان وربما ينجح واحد أو اثنان ، ولكن لن تتكر تجربة مجلس الشعب 2005م ، وإحساسي يقول إن النظام سيحل المجلس ليتخلص من مجموعة ال88 ، ويأتي بمجلس آخر غير مزعج لن يتسرب إليه عضو واحد من الإخوان ، فالتزوير سيكون علنيا وواضحا ، وعلى عينك يا تاجر !
ومن باب أولى أن يستجيب أعضاء ال88 لكرامتهم قبل كرامة زميلهم المسحول ، ويقدموا استقالة جماعية قبل أن يقيلهم النظام من خلال حل المجلس في تغييرات بدت بشائرها في ظهور نجل الرئيس قبل الرجل الثاني في البروتوكول على شاشة التليفزيون في أثناء الإدلاء بأصواتهم !
وأظنك تذكر يادكتور عصام أن الجلاد الذي أعلن ذات يوم أن سيضرب في سويداء القلب ، وأنه على استعداد لقتل خمسمائة ألف مواطن من أجل الاستقرار ، لم يقل ذلك عبثا ، أو كان فلتة لسان ، أو تعبيرا عن رؤية شخصية ، ولولا أن فضحته جريدة "الشعب" – المغلقة - وهو يسبّ أصحاب المناصب الكبيرة والصغيرة ، يومها كتب "عادل حسين" – رحمه الله – خذوا السكين من يد هذا المجرم ! لولا ذلك لمضى الأمر كما يريد المجرم الجلاد ، ولقتل من شاء ، دون أن يسائله أحد !
الانتخابات لا فوائد لها في ظل هذا الوضع الشائن الشاذ ، والضحايا يدفعون ثمنا بلا مقابل ، والأولى في هذه المرحلة على الأقل ؛ تحرير الناس ، والشباب خاصة ، من الغيبوبة التي يصنعها النظام بالكذب والتزييف والتزوير والقهر ، والاعتماد على أحزاب بير السلم التى يديرها أصحاب مصالح صغيرة ، وخاصة سلالة هنري كورييل !
علموا الناس كيف تتحرر بالقرآن وقيمه وسلوكه من عبودية الجبابرة والطغاة ، ربّوا الأجيال تربية قرآنية ،حرمت منها في المدرسة والجامعة والإعلام والثقافة ، وهي مهمة صعبة للغاية ، وأصعب من السياسة بكثير ، ولكنها أكثر جدوي ، وأكثر تأثيرا .. وساعتها سيسقط الجلادون الفاشيون تلقائيا .. واسلمي يامصر !
..........................................
*المصريون ـ في 12/6/2007م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:23 PM
الأدب الأفغاني الإسلامي

بقلم الدكتور حلمي محمد القاعود
.................................................. .

يظل العالم العربي في حاجة إلى تعرف آداب الشعوب الإسلامية في آسيا وإفريقية ، على الأقل من باب الواجب المعرفي ، فقد اهتم الأدباء العرب ونقادهم بالانغماس في المركزية الأوربية وما يحيط بها من آداب تابعة لها بحكم الثقافة أو اللغة أو الدين ، ومن المفارقات أن الأدباء العرب مثلا يعلمون عن أدب أمريكا اللاتينية الكثير ، ولا يعلمون إلا القليل عن الأدب الفارسي والتركي ، وأعتقد أنهم لا يعلمون شيئاً ألبتة عن الأدب البنغالي أو الملايوي أو الإندونيسي ، بل إنهم لا يعرفون أدباً أو أدباء في بلاد تنتمي إلى الجامعة العربية مثل الأدب الصومالي أو الأدب الجيبوتي أو الأدب في جزر القمر . قد يكون الانبهار بالمركزية الأوربية من وراء إهمال الآداب في العالم الإسلامي ، وقد يكون توجه النخبة المعادي للثقافة الإسلامية عموماً من وراء البعد عن آداب شعوبها .. ولكن المحصلة في النهاية هي الجهل شبه التام بآداب الشعوب الإسلامية ، وخاصة ما صدر منها عن تصور إسلامي أو رؤية إسلامية .
ولعل المشروع الذي أخرجته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى الوجود للتعريف بآداب الشعوب الإسلامية يعدّ الأول من نوعه في هذا المجال ، فقد رتّبت عمادة البحث العلمي لنشر سلسلة آداب الشعوب الإسلامية ، وبالفعل ظهر من هذه السلسلة عدة دراسات مهمة ؛ عن الأدب التركي، والأدب الأوردي ، و الأدب الأفغاني ، ورابعها عن الأدب الأوزبكي، وكلها تؤصل للأدب الإسلامي في تركيا والباكستان وأفغانستان .. وقد اخترت الدراسة الثالثة لأقدمها إلى القراء بحكم أن كثيرا من القراء العرب يفتقدون النصوص الأدبية الأفغانية الإسلامية بين أيديهم . وجدير بالذكر أنني قدمت منذ سنوات وعقب الاحتلال السوفياتي لأفغانستان الذي وقع عام 1979م دراسة حول شعر الشاعر الأفغاني العظيم " خليل الله خليلي " ، ومن خلاله عرّفت ببعض ملامح الأدب الأفغاني الإسلامي المعاصر ، وخاصة ما تعلّق منه بمقاومة العدوّ الشيوعي المستعمر ، وأتباعه من الشيوعيين الأفغان الذين نشروا الإلحاد والموت والقهر والدمار في شتى أرجاء أفغانستان !
الدراسة التي بين أيدينا من تأليف وإعداد وترجمة الدكتور " محمد أمان صافي "، وتنطلق من الوحدة الحضارية والثقافية للمسلمين بوصفها وحدة حضارية أصيلة وثقافة إسلامية مستقلة ، والأدب هو الشاهد على هذه الوحدة ، فروحه وتصوّراته ورؤاه تصدر عن منبع واحد هو الإسلام ، ولا يؤثر في ذلك ما تنتجه النخبة المتغرّبة في البلاد الإسلامية ، فأدبها هو الاستثناء المخالف الذي يثبت الوحدة الحضارية والثقافية للمسلمين .
لقد صمدت الأمة الإسلامية في وجه النكبات والغزوات التي ألمت بها ، وجعلتها شيعاً وأحزاباً؛ بفضل الله أولاً ، ثم بفضل أدبها الإسلامي الذي عبر عن فكرها المشترك ومشاعرها الواحدة ، وتاريخها الواحد ، وهو ما جعلها تستمد من هذا الأدب أصالتها ورسوخها في النضال والكفاح والصمود ، وتفوّت على الغزاة والطامعين فرصة إبعادها عن دورها الحضاري الإسلامي ، أو قطع صلتها بالتراث الإسلامي العظيم .
إن الأدب الأفغاني من أهم الآداب الإسلامية ، وأعظمها فائدة ، وأجملها متعة ، وأصدقها رواية ، ونصوصه كل شيء إسلامي للإنسان عامة، وللمسلم خاصة، تقدم البناء الفكري والسلوكي والذوقي ، وتقدم المتعة الجمالية، والقيم الإنسانية ، والمنفعة التعليمية ، والعذوبة الفنية ، والتسلية النفسية في بيان إسلامي ساحر جميل . إنه أدب جدير بالاهتمام ، وجدير بالترجمة .
وإذا كان الأدب العربي هو الجناح الأول للأدب الإسلامي ، فإن جناحه الآخر يتمثل في آداب الشعوب الإسلامية غير الناطقة بالعربية ، ولا يجوز أن يبقى الجناح الأول بعيداً عن الجناح الآخر ، أو العكس ، فبالجناحين يستقيم التحليق في الآفاق الأدبية الإسلامية ... وبالترجمة يمكن فتح باب جديد واسع في الأدب الإسلامي مازالت دروبه بكراً ، ومازالت دراساته وساحاته ميادين واسعة للباحثين والدارسين والمترجمين .
يحدد الدكتور " محمد أمان صافي " خصائص الأدب الأفغاني الإسلامي ومميزاته في النقاط التالية :
1 – هو أدب إسلامي عريق نشأ في ظلال الإسلام ، وتحت رعاية اللغة العربية ، وكانت العناية به إسلامية أفغانية ، وكانت نهضته وتطوره مبنيتين على الأسس والمبادئ الإسلامية . وقد نشأ نشأة إسلامية في منبت إسلامي طيب ، وفي شعب شديد التماسك بالإسلام يأمر الشعراء والأدباء والكتاب بالتقيد الشديد بالتزام قواعد الإسلام ، وتطبيقها في القول والفعل ، كما يأمرهم ويحضهم على الالتزام بالخلق القويم .
2 – وهو أدب ينطلق من التصوّر الإسلامي للخالق العظيم ، وللإنسان والكون المحيط بالإنسان ، وللحياة التي يعيشها ، ويدعو الإنسان إلى عبادة الخالق العظيم في هذه الحياة ، ليس هذا فحسب بل يقوم برسم معالم الطريق الرئيسة ليسلكها في رحلة حياته الطويلة ، فلا غرابة أن نرى الروح الإسلامية تسري في عروقه المعنوية والصورية ، إنه أدب يهتف في شعره ونثره بعظمة الإسلام ، ويدعو بقوة إلى التمسك بأهداب الدين الإسلامي حيث إنه طريق النجاة من الضياع .
3 – واقع الأدب الأفغاني واقع إسلامي ، منه يستقي قيمه وسلوكياته ، وعليه يعتمد في واقعه الأدبي ، حيث إنه لا يعرف العيش في أبراج عاجية بعيداً عن الحياة والناس . والحياة في منازل الأفغان حياة إسلامية ، والناس فيها مسلمون شديدو التمسك بالإسلام . ولابد للأدب أن ينفعل بالحياة والأحياء تأثراً وتأثيراً ، وقيود الواقع الحيّ تشدّه شدًّا إلى أن يقوم بتصويره وتجسيده ، فيصبح على واقع الحياة والأحياء ، حلوه ومرّه .. إنه أدب إسلامي حاول على مدى تاريخه العريق أن يقدم وصفاً مطابقاً للواقع ، وأن يعكف على دراسة مشكلات الحياة الإسلامية ، ومناقشة حلولها الإسلامية ، وجعل من واقع الحياة مصدراً استقى منه أعماله الأدبية بحيث يمكننا أن نرى فيه صورة صادقة وواقعية للحياة الإسلامية .
4 – الأدب الأفغاني مظهر من مظاهر الانتماء الإسلامي في أجلى صورة، ومظهر التغنّي بأمجاده ومآثره التاريخية الممتدة في جذور انتمائه إلى أعمال التاريخ ، وفي اعتزازه بالإسلام وبقيمه ومثله العليا . وقد واجه بقوة محاولات القضاء على مظهر الانتماء الإسلامي ، ولم تتمكن مظاهر التغريب من التغلب عليه ، بل قاومها ودافع عن المظاهر الإسلامية .
5 – الأدب الأفغاني الإسلامي أسهم في إقامة المجتمع الإسلامي وفي تكوين الفرد المسلم ، وفي غرس الولاء الإسلامي ، وفي تنمية المسؤولية الإسلامية، والحرص الشديد على الذوق الجمالي الإسلامي ومجابهة الأفكار الهدّامة ، وتأكيد العبودية لله ، والمشاركة في مظاهر بهجة المسلمين وسرورهم بالانتصارات في الفتوحات الإسلامية ، وفي تصوير تلك الفتوحات والانتصارات في القديم والحديث ، وقد وفق الأدب الأفغاني في تصوير هذه الغايات والأهداف النبيلة في الإطار الذي حدّده الدين الإسلامي ، وهي غايات وأغراض جميلة تدور حولها الدراسات الأدبية في عصرنا الحاضر . لقد ظل الأدب الأفغاني الإسلامي يؤدي دوره لخدمة الإسلام دون أن تحطمه حملات المذاهب المادية !
6 – إن الأدب الأفغاني الإسلامي في جملته أدب إسلامي الأساس والمنطلق ، إسلامي الواقع والمظهر والانتماء ، إسلامي الإسهام في إقامة المجتمع وتربية الفرد . ومع ذلك فإن بعض الأدب الأفغاني ضل الطريق وشذّ عن الجادّة الإسلامية ، ولا قيمة لهذا " البعض " أما رسوخ الأدب الإسلامي الذي يمثّل الصورة الغالبة . " ويكفيه فخراً أنه ليس في أدب الناطقين بالأفغانية مكان للكافر والكفر " !
هذه الخصائص والمميزات التي ذكرها الدكتور " محمد أمان صافي " يترجمها إلى واقع عبر صفحات دراسته من خلال النصوص الأدبية الأفغانية الإسلامية ، ومن خلال إطلالة ضافية تتناول تأثير الإسلام في نشأة اللغة الأفغانية ( البشتونية = البختونية ) وكتابتها بالحروف العربية بعد أن عادت إليها الحياة ودبت فيها الحركة ، وهجرت نهائيا الهجائية القديمة التي كانت تستخدم في كتابتها .. ثم تركّز الدراسة الحديث عن الشعراء والأدباء الأفغان الإسلاميين في كل فترة من تاريخ الأدب الأفغاني ، وبيان ما أجادوه في الأدب الإسلامي من الأفكار والتصوّرات والأخيلة ، وما صوروه في شعرهم من المعاني والمفاهيم الإسلامية ، مع الاعتماد على الشواهد الأدبية ، ونقلها من الأفغانية إلى العربية ، وهذا في الحقيقة يمثل رحلة الأدب الأفغاني عبر القرون .
ويمثل القسم الثاني من الدراسة لبّها وجوهرها ، أو نموذج الأدب الرفيع للأدب الأفغاني الإسلامي ، وبعد مقدمة تاريخية حول الجهاد الأفغاني الإسلامي ، فإن الدراسة تدعونا لمعايشة أجمل نماذج الشعر والنثر التي قالها الشعراء والأدباء الأفغان المسلمون ، خاصة في ظل الاحتلال الشيوعي الروسي وأتباعه من الشيوعيين الأفغان .
وكان من توفيق الباحث أنه وضع النصوص المترجمة باللغة البشتونية ، ليستزيد القراء والباحثون الملمّون بهذه اللغة من متعة الاطلاع عليها ، والتغلغل في جماليّاتها .
ويصعب في هذه الكلمات الموجزة أن نلمّ بجميع ما أورده الباحث من نماذج أدبية تتناول الجهاد الأفغاني قديماً وحديثاً ، ولكننا سنكتفي بالوقوف أمام بعض الشعراء والكتاب من الأدباء الإسلاميين الأفغان المعاصرين الذين آثروا أدب الجهاد الإسلامي بقصائدهم وكتاباتهم .
وينبغي أن نتذكر أن الشيوعية الأفغانية أشدّ الشيوعيات عداوة للأفغان ، وكرها للإسلام ، وحقداً على المسلمين ، تضع في طريق القيم الإسلامية ، والأفغانية كل العقبات والعراقيل ، وقد استعانت بالروس الغزاة ، وقامت بإنزال المحن بالمسلمين ، وأعدمت كثيراً من الأبرياء ، أو اعتقلتهم ، وشردت الآمنين ، وذلك بعد أن قفزت على كرسي الحكم في كابل ، وبعد أن احتل الروس أفغانستان بالقوة . وقد لعب الحزبان الشيوعيان : خلق وبرشام دور العملاء في هذه العمليات الإجرامية .
(يتبع)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:24 PM
لم يكن أمام الشعب الأفغاني المسلم إلا القيام بالجهاد الإسلامي لمواجهة القهر والقمع والتنكيل التي تمت فيها ممارسة أشرس أساليب المقاومة الإسلامية ، وأشدّها فتكاً وتأثيراً . وبدأت مسيرة الجهاد الأفغاني إسلامية ، وانطلقت إلى كل الآفاق دفاعاً عن الدين والوطن .
لقد استشهد الباحث في سياق الجهاد الأفغاني الإسلامي المعاصر بأشعار وكتابات عدد كبير من الشعراء والأدباء ، منهم : عبد الله غمخور ( الحزين ) والشيخ عبد الباري غيرت ، وحبيب الله رفيع وديدار خان أحمدزي ، وجوهري ، وعبد المتين تسكين ، والصادق كل زرك زردان ، وغمجين ( الحزين المتألم ) ، ومحمد يونس خالص ، وقيام الدين كشاف ، وتوريالي زازي ، وعيسى محمد ، ومحمد عارف غزوال ، وسيد محيي الدين هاشمي وعبد رب الرسول سياف ..
كنت أتمنى أن يستعرض الباحث بعض أشعار " خليل الله خليلي " ، ومع أنه أشار إليه في سياق البحث ، ووصفه بالشاعر العظيم ، فقد كنت أتمنى أن يحظى منه ببعض الاهتمام وتقديم بعض النماذج الشعرية له . ولا أدري سبباً معقولاً يجعله يتجاوزه ، فقد غنّى الشاعر خليلي لأفغانستان غناء عذباً شجياً دامعاً ، وهو في مهجره بعيداً عن وطنه ، محروماً منه ، ملهوفاً عليه .
قدم الباحث الشعراء والأدباء الأفغان الإسلاميين من خلال نبذة قصيرة تتناول سيرتهم وإنتاجهم الأدبي ، مع تقديم نماذج شعرية أو أدبية ، واتسعت هذه النبذة أحياناً وضاقت في أحيان أخرى ، وفقاً لمستوى الشاعر أو الأديب ومقدار إنتاجه الشعري أو الأدبي .
وقد بدأ البحث المرحلة المعاصرة للجهاد الإسلامي الأفغاني بالشاعر عبد الله بن عبد الودود – الملقب بغمخور – أي الحزين – الذي يبدو أكبر الشعراء المعاصرين سنَّا حيث ولد عام 1921م = 1339هـ في ولاية كونر ، بمنطقة جميلة رائعة في أحضان الظلال الوارفة ، وعبير الأشجار الخضراء الناضرة .
عاش غمخور في بيت علم وزعامة ، وفي بيئة متوسطة الحال . اشترك والده الحاج عبد الودود، وعمه الشيخ عبد الرحمن في حرب الاستقلال في عهد الملك أمان الله خان ، الذي أعلنها ضد الإنجليز في الهند .
عمل غمخور في السلك الحكومي الإداري ، وخاصة إذاعة كابل ، وتشبع بعداوة الإنجليز، وبشعور العطف والشفقة على الناس ؛ وهذه المشاعر تبدو واضحة في شعره . ويمتاز غمخور بثقافة متنوعة تركت آثارها على إنتاجه الأدبي ، ونظراته النقدية ، ساعدته على إجادة الكتابة وقول الشعر، وإنتاجه الأدبي يجمع بين السلامة والقوة ، وبين وضوح الفكرة وعمقها . قال عنه الأستاذ " خليل الله خليلي " شاعـر أفغانستان العظيم : " إنه شاعر قدير ، زوّد الأدب الأفغاني بمجموعة من شعره النفيس " . وقال عنه " سيد شمس الدين مجروح " ، وزير العدل الأسبق في أفغانستان ، وأحد علمائها وأدبائها المشهورين : " يكمن في شعر عبد الله غمخور كثير من الدرر واللآلئ المبتكرة " . وقال عنه الأديب " هميش خليل " المؤلف والمحقق الأفغاني : " إن الشاعر عبد الله غمخور يدافع عن هوية بلاده بفمه وقلمه وقدمه .. إنه شاعر ومقاتل ومجاهد " .
لقد صور واقع الجهاد الأفغاني الإسلامي بمنتهى الدقة والوضوح ، ودون مواربة ، ودعا المجاهدين إلى النهوض بمسؤولتهم ، وحمل الأمانة ، والاتحاد إن أرادوا النصر على الأعداء ، وقد انتقد كثرة الزعامات وإضاعة الوقت والهدف . يقول :
لقد كثر الكلام وتعدد الأفواه وفقد الهدف
زادت المؤتمرات وزادت الحكايات وفقد الغرض
ويقول :
لا تسألوا عن جنون الزعامة وهوسها
لقد فقد أصحاب القلوب ما يشغل القلوب !
فقد أصل " غمخور " في أشعاره المتنوّعة لفكرة الحماسة والجهاد من خلال التصور الإسلامي ، حتى في شعره الذي أنشأه في الموضوعات الوطنية :
إنني عبد الله ذاهب إلى التضحية بنفسي
لقد ثرت غيرة على الإسلام وغيرة على الأفغان
إنني قد قمت بصيحة التكبير لأجل الإسلام
وقمت بالرحيل مع الأسرة لأجل شعبي ..
وفي قصيدة بعنوان " اليوم الدامي " يصور شكواه المرة الحزينة التي أثارتها مشاهد الجرائم الوحشية التي ارتكبها الشيوعيون ضد شعبه . يقول فيها متحدثا عن حزب " خلق " الشيوعي :
كلتا يديه مخضبتان بدمائنا الوردية بوضوح
وكل أسنان فمه الفاغر محمرة بلحومنا
لا تقل ، إنها أعلام حمراء للشيوعيين " الخلقيين "
بل إنها ثياب صدورنا الحمراء التي قطعت
ليست قطع القماش وحدها تبدو ملونة بدمائنا القانية
بل الأسواق أيضا محمرة بدمائنا النازفة الغارقة
إن مصاصي الدماء ممن يعبدون لينين اعتدوا علينا
فاحمرت البيوت ، بل القرى والمساجد بدمائنا الوردية
ويستمر الشاعر في الإنشاد مستثمرا ببراعة المفارقة بين لون الدم ، وشعار الشيوعيين ، حيث يرى الحمرة صبغت كل شيء في أفغانستان ، لأنها صارت دما ينزف في كل شبر من أرجائها ، وليس مجرد راية حمراء يرفعها الشيوعيون .. حتى يصل في بعض أجزاء القصيدة إلى القول :
الآن مات المحراب والمنبر
لأن أعلام الملحدين المعلقة مصبوغة بالحمرة الدامية !
ويسجل " غمخور" آلام الهجرة والأنين الذي انتشر في حدائق الطيور ، والدماء القانية التي صارت رداء للوطن ، في قصيدة ملحمية طويلة تبشر بالأمل القادم والنصر الموعود ، والنور الذي سيشرق من جديد ، وسينجو العالم من براثن ذئاب لينين . ولا ينسى " غمخور " وهو يرصد الألم ويبشر بالأمل أن يلتفت إلى زعماء الجهاد وخلافاتهم المؤسفة ، فيبكتهم ويستنكر أفعالهم ويحذرهم من ضياع الدين والوطن :
لماذا تركتم الجهاد أيها الزعماء وبدلتموه
بصيحات ونعرات الاتحاد .. الاتحاد الفارغة ؟
يا جياع الثورة وعشاق المال اسمعوا القدر :
إن دين الأفغان ودنياهم قد ضاعا .. وضاعا !
ومع متابعة " غمخور " لحركة القادة المجاهدين وما يحدث بينهم من خلافات ، فإنه يشيد دائما بالمقاتلين المسلمين الأفغان ، ويبارك انتصارهم على الشيوعيين الملاحدة ، وله قصائد طويلة في هذا السياق منها قصيدته الجميلة التي يهنئ فيها الشعب في " كونر " بانتصاره وبطولاته ، يقول في ختامها :
أيها الفجر الجديد للحياة الجديدة ، لك التهنئة
لقد نفذت البطولة الكبرى ، فلك التهنئة .
وعندما انتصر الأفغان وتم طرد الروس بعد هزيمتهم الفاضحة ، قال " غمخور " مقطوعة قصيرة لها دلالتها العميقة مخاطبا المجاهد الأفغاني المسلم المنتصر :
أحدث سيفك وقع رجع الصدى في العالم ، بورك فيك
وأخرجت الروس من ترابك الطاهر ، بورك فيك
فأصبح بذلك دور " آريانا " التاريخي مفتوحاً يا ابن الأفغان
كيف أمكنك التغلب على هذا المارد ؟ ، بورك فيك
من الشعراء المهمين الذين ترجم لهم الكتاب ، الشاعر " غمجين " ، ومعنى اسمه : " الحزين المتألم " ، وهو من المتخصصين في الإنشاد في موضوعات الجهاد الأفغاني . وموضوعاته نماذج أدبية إسلامية سامية الهدف ، عالية الأسلوب ، وهي ألصق بالجهاد الذي أصبح من الحياة اليومية للأفغان .
وديوان " غمجين " الذي أسماه " جهاد جذبه = جاذبية الجهاد " مرآة لحياته الجهادية الصادقة ، تكمن فيه أبعاد شخصيته الأدبية ، وصراعات الجهاد وانتصاراته ، ولغته الشعرية التلقائية ؛ وهي لغة حية دافقة ، زاهية ولكنها بسيطة بساطة طبعه وحياته ، عميقة وصافية صفاء جوهره ، وفيها جميع عناصر الحياة من الجهاد بمشاهده ومناظره وانتصاراته . إنه كائن حيّ داخل تشكيلة الحياة الجهادية المتحركة بكل أبعادها وأشكالها وقوالبها المتأرجحة بين تقدم للهجوم وتأخر للإعداد .
إن جرأة التناول ، وطراوة الخيال ، واتساع الأفق بعض ما تميز به الشاعر " غمجين "، فقصائده ذات علاقة وثيقة وطيدة بالأجواء والأحوال السائدة في أفغانستان . وشعر " غمجين " الجهادي ممتلئ بتفاؤل عميق ، وهو مثل الشعراء الأفغان الآخرين ، يؤمن بأن النصر في النهاية من نصيب الجهاد ، وأن حكومة إسلامية ملؤها السعادة والإشراق ستنهض في بلاده ؛ لذا نراه يلح على الجهاد والمجاهدين والفدائيين .
وفي قصيدته " الفدائي الطاهر " يقول :
لا خوف عندي من قصف القنابل ولا من الغاز السام
مائة حسرة وأسف على الموت الذي يتم اليوم
عندما يلفظ الإنسان أنفاسه في حضن أمه بدلال
يا " غمجين " إن الصفقة لإحدى الحسنيين
الفدائي النقي الخالص إما أن يكون شهيدا ، وإما غازيا
ويتعجب " غمجين " ، خداع الشيوعيين المحليين ومكرهم ، فيكشف أساليبهم وألاعيبهم ، ويتحدث في قصيدته " لون البقرة أسود ولبنها أبيض " عن " نجيب الله " الحاكم الشيوعي وكلامه المعسول ، فيقول :
مهما يتحدث " نجيب " عن قصص الود والحب
الشائقة العذبة ذات الدلال واللطف الكثير
من أجل خداع عامة الناس بمكر وحيلة
وهي قصص مملوءة بالفساد ، وملونة للإضلال
يجد نفسه بأنه في عداد المسلمين من غير وضوء
ومن حوله يقف الروس الحمر يحملون السياط
كيف يمكنه إخفاء الشمس المشرقة بإصبعين
الكل يعلم أن لبن البقرة السوداء أبيض
ما دام هو يحمل في أذنه حلقة العبودية للروس
أقوم أنا " غمجين " فأشرب من الحزن دم مهجتي
(يتبع)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:25 PM
ولا ريب أن حرارة الشعر لدى " غمجين " والشعراء الأفغان الإسلاميين ، ترتبط ارتباطا وثيقا بصدق مشاعرهم وصفاء أحاسيسهم وتعبيرهم عن التجربة الشعرية من داخلهم ، ولعل ذكر الشاعر لاسمه ، أو جعل نفسه طرفا في بناء القصيدة الإسلامية الأفغانية من وراء هذه " الحرارة الشعرية " .
يشغل النثر في دراسة الدكتور " محمد أمان صافي " حيزا محدودا ، ويتوقف عند الكتاب والأدباء الذين كتبوا المقالة وحدها ، لذا لم يقدم من النثر الأفغاني الإسلامي إلا نماذج للمقالة ، واختفت الأجناس النثرية الأخرى ، مثل القصة القصيرة والرواية والخطبة والخاطرة والمسرحية والحوارية ... وكان يمكنه أن يثري هذا الجانب لو قدم بعض النماذج أو أشار إليها بالعرض أو التلخيص ، وسبق أن قدمت " لمرال معروف " روايتين ، الهجرة إلى أفغانستان " التي ترجمها " محمد حرب " ، ورواية " معسكر الأرامل " التي ترجمتها " ماجدة مخلوف " وقد طبعتها رابطة الأدب الإسلامي ، وهما من الأدب الأفغاني الإسلامي المتميز .
تقدم الدراسة عددا من أدباء المقالة في أفغانستان ، منهم الزعيم محمد يونس خالص ، والشيخ قيام الدين كشاف ، والأديب توريالي زازي ، والأستاذ عيسى محمد ، والأستاذ محمد عارف ، والأستاذ سيد محيي الدين الهاشمي ، والأستاذ عبد رب الرسول سياف ، كما سبقت الإشارة .
يقدم من الكتاب الزعيم محمد يونس خالص ، ولعله أكبر الأدباء الناثرين سنّا ، فهو من موليد 1298هـ 1919م بولاية ننكرهار بشرق أفغانستان ، وهو من زعماء المجاهدين ، ويكاد أن يكون مدرسة تتعانق فيها أساليب القتال بأساليب الأدب .
قضى الشيخ محمد يونس خالص حياته في تدريس العلوم الإسلامية والعربية ، وإلقاء الخطب الدينية والإمامة في المساجد، بالإضافة إلى إذاعة الأحاديث الخاصة بتفسير القرآن الكريم من الإذاعة الأفغانية والكتابة في الجرائد والمجلات نثرا وشعرا .
وقد هاجر إلى بيشاور ، وانضم إلى " الحزب الإسلامي " بزعامة حكمتيار ، ثم انشق عليه عام 1979م ، وأسس حزبا خاصا به يحمل اسم " الحزب الإسلامي " أيضا . وشارك – مع تقدمه في السن – في كثير من عمليات الجهاد التي قادها بنفسه ، وإيمانه لا يتزعزع بانتصار الثورة الإسلامية الجهادية في أفغانستان ، وقيام حكومة إسلامية صحيحة فيها . وله مجموعة كبيرة من الآثار الأدبية والفكرية أهمها " الدرر الدينية ، وروح الاجتماع ، والدين والتمدن الإسلامي ، والإسلام بين العلماء الضعاف والشباب الجاهل ، ومن النماذج التي كتبها خالص مقالة " خائن الشعب " التي نشرها في مجلة " بيام حق " رسالة الحق التي كان مديرها المسؤول ؛ وجاء فيها :
" خائن الشعب هو الذي يقوم بالقضاء على لغة الشعب وعاداته المفيدة، وتقاليده الشعبية، ويقوده إلى تقليد الأجانب .
هو الذي يخلق التفرقة والحقد بين أفراد الشعب، ويفرق بينهم بتميزات مخالفة للعدالة .
هو الذي يقتل في الشعب مشاعره الدينية الحقة، ويقضي على الشعائر، والتعاليم، والمحاسن الدينية .
إنه ذلك الذي يضحي بأموال الشعب، وأعراضه، ودمائه في سبيل تلبية رغباته الشخصية، ومطالبه النفسية .
هو ذلك الذي لا يتحرك غيره على ناموس الشعب . إنه ذلك الذي يقضي على شخصيات الكثيرين لأجل رفع شأن شخصيته الخاصة .
هو الذي يتهم كثيرين من الأبرياء لينالوا الجزاء باسم المجرمين لإثبات مصالحه الخاصة . هو ذلك الذي يقوم في بلده بالدعاية للأجانب ، ويعمل لمصلحتهم .
إنه ذلك الذي لا يقدر الشخصيات البارزة في بلده ، وينظر إلى شخصيات الأجانب بتقدير واحترام، وهم لا شخصية لهم .
هو ذلك الذي ... "
وواضح من هذا النص أنه يشير إلى الحاكم الشيوعي لأفغانستان، أي حاكم، سواء كان طرقي، أو حفيظ الله ، أو كارمل، أو نجيب .. فهذه الصفات الواردة في المقالة تنطبق عليه وتختص به .
إن الأدب الأفغاني الإسلامي، يحتاج فيما أتصور إلى دراسات أخرى موسعة تتناوله بالدرس والتحليل، واستخراج مكنوناته ومميزاته ، والإضافة إلى ما كتبه الدكتور " محمد أمان صافي " ، بالبحث عن الشعراء والكتاب الذين لم يرد لهم ذكر أو نص في دراسته .
وتبقى هذه الدراسة خطوة مهمة على طريق التعريف بآداب الشعوب الإسلامية عامة ، والأدب الأفغاني الإسلامي خاصة، نأمل أن تتلوها خطوات أخرى موفقة إن شاء الله تعالى .

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:27 PM
جابر عصفور.. والطاهر وطار

بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
................................

"الطاهر وطار" كاتب جزائري يساري, كتب إلى وزير الثقافة المصري ينتقد مؤتمر المثقفين الذي انعقد أول يوليو الحالي, ولكن هذا الانتقاد لم يعجب صديقي اللدود "جابر عصفور" وزير الثقافة التنفيذي (أمين المجلس الأعلى للثقافة), وأرجع صديقي اللدود موقف "الطاهر وطار" إلى تحالفه مع الجماعات الإسلامية الجزائرية!! المؤتمر حضره قرابة مئتي كاتب ومفكر معظمهم من الشيوعيين القدامى وبعض الليبراليين, واثنين من المحسوبين علي التيار الإسلامي، أحدهما وزير سابق, والآخر أستاذ قانون.
المفارقة أن "جابر عصفور" كتب قبل أيام في "الأهرام" يشيد برواية "الزلزال" لـ "الطاهر وطار"؛ لأنها تتعمق في شخصية الإرهابي.. أي المتدين المسلم! وعدّه رائداً في هذا السياق.. بالطبع فإن مؤلف "الزلزال" لم يتعاطف مع "الإرهابي" وقدمه في صورة بشعة دون أن يقدم المقابل غير الإرهابي من المتديّنين الصالحين!

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:28 PM
الغوريلا .. تهجو الإسلام !!

بقلم: أ. د . حلمي محمد القاعود
...........................................

لا أدري لماذا قفزت إلى ذهني صورة الغوريلا ، ذلك الحيوان الوحشي المخيف ، وأنا أطالع بعض الكتابات التي تهجو الإسلام وتحرّض عليه ، ولم تعد تجد في ذلك غضاضة أو خجلا ، مع أنها تطعن في دين الأغلبية الساحقة من أبناء هذا الوطن التعيس .. ويأتي الهجاء والطعن على صفحات دوريات يملكها هذا الشعب ، ويمول خسائرها دافع الضرائب المصري المسكين ، وهو الذي لا يفرط في دينه ولا يرضى بالطعن فيه.. بالطبع نحن لا نلوم الغوريلا التي تهجو الإسلام بكل وقاحة وتتحدى المجتمع الإسلامي وقوانينه ، فضلا عن دستوره ، لأنها تستشعر أولا أن هناك نوعا من الحماية الخارجية التي يسبغها العدو الصليبي الاستعماري ممثلا في الولايات الأميركية المتحدة ، والمؤسسات المعادية للإسلام في الغرب بصفة عامة ، ثم هناك ثانيا الرضا الكامل من النظام البوليسي الفاشي الحاكم الذي يعتقد أن الإسلام "السياسي" هو عدوه الأول ، والخطر الأكبر على وجوده الفاشي ، حيث يمثل الإسلام عنصر المقاومة الوحيد الحي الباقي في الساحة ، لمجابهة الاستبداد والخنوع ، فضلا عن الفساد والإفساد اللذين صارا علامة مميزة للمرحلة الراهنة !
بشاعة الغوريلا لا تقتصر على شكلها الشيطاني الذي يوحي بالرعب والقبح – مع أنها قد تكون حيوانا طيبا لا يعقر أحدا عندما تمتلئ بطنه بالطعام – ولكن من يمثلونه من كتاب البلاط أو كتاب الحرملك ، أو الباحثين عن الرزق الحرام يعطونك هذا الانطباع بالتوحش والبشاعة ، وأنت تطالع وقاحتهم ضد الإسلام وقيمه وتشريعاته انطلاقا من مقولات كاذبة ، وتدليس متعمد ، وافتراء واضح.
حين تقرأ مثلا من ينفى أن يكون هناك فراغ ديني في مصر ، ويعتقد أننا نعاني من تخمة دينية انطلاقا من كون ما يسميه باللغة الدينية هي السائدة بشراسة في المجتمع وفي الصحف والمجلات وفي المترو , في الميكروباصات ، في الأتوبيسات ، في التوك توك ، في الإعلانات ، في المؤسسات حين يأتي وقت الصلاة ، في المسلسلات ، في مناهج التعليم ، في مجلات الموضة ، في المسرحيات ، في الأفلام ، في ألعاب السيرك وألعاب الأطفال ، في المطبوعات الكثيرة ، في الجرائد والكتب الدينية التي تصدر يوميا وشهريا ، في نساء مصر اللاتي يرتدين الحجاب والنقاب ويذهبن إلى الدروس الدينية ، وحمامات السباحة (!!) حيث يجلسن ويقرأن القرآن بصوت مسموع ، وإذا نزلن إلى الماء يرتدين ما يوهات شرعية تخفى كل الجسم باللون الأسود ، والتخمة موجودة في مجمع البحوث الإسلامية الذي يصادر الروايات والمسرحيات والقصائد الإبداعية ، والتخمة موجودة في كل من هب أو دب يذهب إلى النائب العام يرفع قضية تكفير (!!)ضد المبدعين والمبدعات ، ويطالب بإسقاط الجنسية المصرية عنهم ، ومنع كتبهم من السوق ، وحظر سفرهم ، والتخمة الدينية موجودة في التيارات الدينية الإسلامية التي تمهد لإقامة الخلافة الإسلامية ، والتخمة الدينية موجودة في التاكسيات وشرائطها التي تشتم النساء ، وتطالب بحجز المقابر للآخرة ، التخمة الدينية موجودة في مشايخ الفضائيات المتأنقين الذين يقدمون الفتاوى للفتيات المحجبات الصامتات ، والأولاد المتأسلمين الذين يتكلمون بشكل يسبب الاكتئاب واليأس من ترسيخ التيار المدني في المجتمع ، والغثيان من اختراق سلطة القهر بالدين !!التخمة في الإنفاق على بناء المساجد وإعداد الدعاة الدينيين والتمويل الخرافي للمطبوعات الدينية من جهات معروفة وغير معروفة .. لقد أغلقت اللغة الدينية – حسب الغوريلا – والمرجعية الدينية ، والمناخ الديني ، كل منافذ الهواء مما يؤكد أننا لسنا في فراغ ديني !
وتقول الغوريلا إننا نضع النقاب ليس على الرءوس فحسب بل على العقول ، والنقاب حالة أفراد فقدوا الزمن " فهاجروا خارجه ، هربا من مجتمع ذكوري سيئ النظرات بذيء العبارات .
ثم ترى الغوريلا أن أساتذة التكفير يحتلون أرفع المناصب ، ويمثلون محاكم التفتيش ، ويتربصون بأصحاب الفكر والمبدأ والبحث في نوايا الكتاب والأدباء ويصادرون كتبهم وإبداعهم ..
وتقول الغوريلا إن المتطرفين الإسلاميين يدعون أنهم جند السماء فيرفضون القيم الأميركية المتحضرة ، ويفرضون قيم التخلف والبداوة والصحراء على الآخرين .... الخ
والذي يتأمل هذه المقولات التي تلح عليها الغوريلا في صحف لاظوغلي وصحف اليسار المتأمرك ، وكتابات مثقفي الحظيرة ، وكتبة البلاط ، وأغوات الحرملك .. يجد أنها تسير في سياق واحد ، لا يتغير ,, هو هجاء الإسلام ، والزراية به ، والرغبة الشيطانية في استئصاله من الوجود لحساب السادة المستعمرين والسادة المستبدين !
إننا بإزاء خلط عجيب ، وكذب مفضوح ، وتدليس بشع ، تؤكده أحوال الإسلام والمسلمين داخل مصر وخارجها ..إننا أمام هجاء رخيص لا يستحق عناء الرد والتفنيد لأنه يكشف عن نفسه ببساطة شديدة ، ويقول إنه ادعاء لا أساس له من الصحة ، لأن التخمة الدينية لو كانت موجودة بالفعل لتغيرت الأحوال ، وما كنا بهذا التردي الذي وصلنا إليه في ظل النظام البوليسي الذي لا يعرف التسامح أبدا مع الإسلام الفاعل والباني والمنتج ، أما والأمر غير ذلك فإن مقولات الغوريلا باطلة وغير صحيحة ..
والنقاش العلمي لهذا التخليط العجيب قد يطول ويمله القارئ، ومع ذلك فسوف نكتفي بالإشارة إلى نقطة بسيطة لكشف تهافت منطق الغوريلا وعدم عقلانيته ، واستناده إلى الديماغوغية التي تقوم على المغالطة والمغالبة ليس أكثر ..
لو كان لدينا تخمة دينية كما تزعم الغوريلا ، ما عانينا من انهيار اقتصادي ، ولا نقص في الإنتاج ، ولا تخلف في شتى الميادين حتى كرة القدم ، تتفوق علينا فيها موزمبيق ، كما تتفوق علينا في مجال التعليم الجامعي ! وذلك لسبب بسيط جدا ، وهو أن الإسلام دين علم وعمل ، وإتقان وإجادة ، وقد آثرت الحكومات المتتابعة منذ ستين عاما ؛عسكرية أو بوليسية ، أن تنفذ الإرادة الاستعمارية الصليبية بمطاردة الإسلام ، وتخليق نخب خائنة وموالية له تهجو الإسلام بمناسبة وغير مناسبة ، وتشكك في تشريعاته وتزري بأتباعه ، بل تقصيهم وتستأصلهم ، وتلقيهم في السجون ، وتعلقهم على أعواد المشانق ، وتحرمهم من مخاطبة الناس ، وممارسة نشاطهم السياسي والاجتماعي مثل بقية خلق الله ، وقد رأينا ما فعله ديكتاتور تركيا يوم أسقط الخلافة وعلق علماء الدين على المشانق في الميادين العامة، وارتمي بكل قواه في أحضان الصليبيين الاستعماريين ، ونسى أن شعبه ، ومثله بقية الشعوب الإسلامية لا يمكن أن تفرط في دينها ، وهاهم الأتراك بعد ثمانين عاما يقولون للصليبيين وخدامهم من أمثال الغوريلا : لا.
وقد رأينا قبل شهور قليلة كيف قام النظام البوليسي الفاشي الذي تسميه الغوريلا دولة مدنية – أي علمانية – أي ضد الدين الإسلامي وحده، تلقى بالعشرات من الإسلاميين في المعتقلات والسجون ، وتحولهم إلى محاكمات عسكرية ، وتصادر أموالهم وتغلق مكتباتهم ، وصحفهم ودور النشر التابعة لهم ، دون أن تنطق الغوريلا من أي فصيل باستنكار ما حدث ، أو تقول إنه مخالف للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان ، والدستور والقانون ، فضلا عن الشرائع السماوية .. وهو ما يدحض كل ما زعمته الغوريلا عن تخمة دينية لا وجود لها على أرض الواقع ، حيث يتم حصار الإسلام في كل المجالات في الصحافة والثقافة والإعلام والتعليم ، وحرمان من تشم فيه رائحة التدين من الوظائف المؤثرة فلا يدخل صحيفة قومية و، ولا جامعة ولا التلفزيون الرسمي ولا القضاء ، ولا كليات الشرطة أو الكليات العسكرية ، ولا حتى النوادي الرياضية المعروفة ..إن التعليم على سبيل المثال يجعل مادة التربية الدينية مادة نجاح ورسوب فحسب ،وحصة التربية الدينية مستباحة من بقية المدرسين الذين يجدون فيها فرصة لإعطاء دروسهم الخصوصية في المواد التي يدرسونها ، ولذلك يكون كتاب التربية الدينية هو الكتاب الوحيد الذي لا يفتحه الطالب إلا في ليلة الامتحان ؛ لأنه واثق أنه سينجح في هذا المادة بقوة السلطة ، سواء أجاب في الامتحان أو لم يُجب ، وبعد أداء الامتحان يلقيه الطالب في أقرب سلة مهملات ! فأين هي التخمة الدينية أيتها الغوريلا المتوحشة ؟
لو أن الغوريلا تأملت بعض المظاهر الدينية ، وخاصة في إطار الطبقة العامة ، لعرفت أن هذا في معظمه ينتسب إلى ما يعرف بالتدين الشعبي الذي يعبر عن مقاومته للسلطة المعادية لدينه وعقيدته بطريقته الخاصة ، حيث لا يملك النظام الفاشي للمحجبة شيئا ، ولا يقدر على هدم المسجد ، ولا يستطيع أن يمنع امرأة من النزول في الماء بكامل ملابسها السوداء أو البيضاء ..صحيح أنه يمنع علماء الدين الحقيقيين من صعود المنابر ، ويفضل عليهم الجهلة وعملاء ه، ولكن المصريين البسطاء يصنعون علماءهم وأشرطتهم ونماذجهم حتى لو ركزت على الهوامش والفضائل دون الفرائض والواجبات .. ويبقى لهم في كل الأحوال شرف المقاومة ، أما الذين يلمّعون بيادة النظام ، ويمنحهم صحفه وإعلامه لمهاجمة الإسلام وهجائه ، وتحتضنهم قوى الشر الصليبية الاستعمارية بالمال والدعاية والشهرة والمؤتمرات والندوات في عواصم الغرب ؛ فهم في الخانة التي يعرفون اسمها ، ولا أريد أن أسميها ، وفي يوم ما ستنتصر إرادة الشعب على إرادة النخب العميلة ، وفي تركيا مثال ساطع لهذا الانتصار الذي لا بد أن تعرفه الأمة في يوم ما بإذنه تعالى .
.................................
*مدونة الدكتور حسين علي محمد

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:29 PM
تجار الدراما.. وإرهاب الحكومات!

بقلم: د. حلمي محمد القاعود
............................................

يلعب معظم تجار الدراما والأفلام والمسرحيات من كتاب ومخرجين ومنتجين وغيرهم دورًا مزدوجًا في خدمة القوى الاستعمارية الدولية والحكومات العربية التابعة لها، وفي الوقت نفسه يزعمون أنهم يقدمون صورة الإسلام السمح من خلال أعمالهم وكتاباتهم.
هذا الدور المزدوج يمثل حالةً من حالات انحطاط الدراما والفن، لأنها تُحوّلها إلى صورة دعائية فجة للحكومات التي تحتفي عادةً بالأعمال التي تتناول عنف بعض الجماعات، وتغدق على المشاركين فيها كثيرًا من الرعاية والامتيازات والشهرة والجوائز، فضلاً عن العوائد المادية والأدبية التي تأتي نتيجة لشراء الجهات الإعلامية الرسمية (التلفزة والإذاعة) لهذه الأعمال، واستضافة أصحابها في البرامج والصحف والندوات والمؤتمرات وإجزال العطايا والهدايا والجوائز لهم!
أهم ما يُميز هذه الأعمال هو إدانتها للإسلام، وليس للقائمين بالعنف أو الإرهاب، وسبق أن كتبت عن هذا الملمح تفصيلاً في أكثر من مناسبة، ولكن الذي أريد أن أؤكد عليه هو تقديم الصورة القبيحة الدموية الجاهلة التي يعيشها بعض الأفراد، والسلوكيات التي يُمارسونها في واقعهم وحياتهم بوصفها من خصائص الإسلام الطبيعية ومعطياته الحقيقية.
إنهم مثلاً لا يقدمون شخصًا ضلّ الطريق، وانساق إلى العنف في ظل ظروف معينة ونتيجة لأسباب خاصة، ولكنهم يقدمونه كأنه نبت شيطاني تغذيه جهات أجنبية (؟) يستسلم لها استسلامًا كاملاً، ولا يوجد له في أعمالهم الفنية والدرامية مقابل إسلامي حقيقي، يقدم الإسلام بسماحته ورحمته وكرمه وتعففه وشرفه وكبريائه وعزته.. إن المقابل الذي يقدمونه هو المسلم الذي "تأورب" أو "تغرّب" أو تثقف بالثقافة الأوربية الغربية بكل ما فيها من قيمٍ مغايرة وسلوكيات مختلفة.. وتفيض على هذا المقابل الغريب ملامح الإنسانية الرقيقة والبشرية المسالمة؛ سواء كان شيوعيًّا أو وجوديًّا أو إلحاديًّا أو سكيرًا أو عربيدًا أو إباحيًا بصفةٍ عامة.
بل إنَّ المفارقةَ تتأتي في بعض الأحيان حين يقدمون صورة المتشدّدين والمتزمتين من غير المسلمين، فهم يقدمونهم في صورةٍ محبوبةٍ جميلة.. فهذه الزوجة غير المسلمة مثلاً، حين تأخذ من زوجها غير المسلم موقفًا حادًّا وعنيفًا؛ لأنه يلعب الورق أو يشرب الخمر، لا يصورونها جافة خشنة قاسية الملامح كما يصورون الشخصيات الإسلامية التي يزعمونها متشددة أو متطرفة، بل يقدمونها في صورة الإنسان الباحث عن الأخلاقِ والمروءة والشرف مما يجعل الجمهور يؤيده ويقف من ورائه!
وواضح أن إنتاج الأعمال الدرامية التي تعالج العنف والإرهاب- كما يزعمون- تأتي في سياق دولي عدواني تقوده جهات استعمارية معروفة، ليست غايتها التعريف بسماحة الإسلام ومسالمته بقدر ما تهدف إلى تشويهه وتنفير الناس منه وأولهم المسلمون العوام الذين حرمتهم الحكومات الإسلامية من دراسة الإسلام ومعرفة أصوله الصحيحة وقواعده السليمة، وفرضت عليه حصارًا استئصاليًّا في كل مكانٍ يمكن أن يكون فيه فعّالاً ومثمرًا للإسلام والمسلمين بدءًا من الإعلام والتعليم والثقافة حتى القضاء والنيابة والمؤسسات العسكرية والبوليسية.
إن الإسلام لا يقرّ العنف أو الإرهاب ضد أي أحدٍ من الناس، فما بالك بالمسلمين إخوة الدين وأشقاء العقيدة وأهل الوطن ورفاق المجتمع..؟ إنها حالة واحدة فقط يفرض فيها الإسلام على القادرين حمل السلاح ويُجبرهم أن يرفعوه ضد الغزاة الذين يعتدون على الأوطان ويردعون البلاد والعباد.. أما الاعتداء على الآمنين والمسالمين، فهو أمر يرفضه الدين نصًّا وتطبيقًا.
ولا شك أن العنف الذي عرفته بعض البلاد العربية في العقود الأخيرة، هو ظاهرة غريبة ليست مألوفة في مجتمعاتنا الإسلامية المسالمة، وقد انحسرت هذه الظاهرة التي كانت تتبناها مجموعات محدودة، نتيجة لعوامل صنعتها السلطات الحاكمة في الأغلب الأعم.
وكان يمكن لتجار الدراما أن يُعالجوا هذه المسألة في سياق عام ضمن ظواهر اجتماعية أخرى موضحين أسبابها والدوافع التي قادت إليها. ولكن تجار الدراما، وأغلبهم شيوعي أو علماني أو مرتزق يسعى إلى الكسب بأيةِ وسيلة ولو كانت حرامًا، وجدوا الفرصة سانحة، فصنعوا بالوحي البوليسي أو التطوع التلقائي مسلسلات وأفلامًا وتمثيليات، وقاموا بالترويج لها في أجهزة الدعاية التي تسيطر عليها الدولة تؤكد على عدوانيةِ الإسلام وفقدان البديل الإنساني الذي يمثله المسلم المعاصر.. وأضافوا إلى ذلك حالة دعائية مفتعلة تقول إن هناك من يكفرهم؛ وإنهم مهدّدون في حياتهم، وإنهم معرضون للاغتيال، ومعظم ما يقولونه تهويل لا أساسَ له في الواقع، يشبه بعض الرسائل المجهولة التي تصل إلى كتاب الصحف والمجلات ردًّا على بعض مقالاتهم، ويأتيني شخصيًّا كثير منها على الشبكة الألكترونية (النت)، باسم المجلات والصحف والمواقع التي أكتب فيها، ولا آبه لها؛ لأنها في الأغلب الأعم رسائل "فشنك" لا قيمة لها، ولكن القوم صنعوا من أنفسهم ضحايا، وصنعوا من أنفسهم أبطالاً وشهداء، وهم في الحقيقة لا يتجاوزون مخبري الشرطة وعملاء المباحث.
إن العنف صناعة حكومية في أغلب الأحوال، صنعتها سجون الاستبداد وما يجري فيها من تعذيبٍ وحشي، لا تقره شريعة ولا عقيدة ولا قانون، وصنعتها ممارسات حكومية ظالمة، جعلت الناس تفقد الأمل في العدل والمساواة والكرامة، وصنعتها ممارسات حكومية إجرامية فقدت الرشد والاتزان، ففاقمت من الفقر والتخلف والقهر، وساندت النهب والفساد والانحراف، وخلفت فيالق من العاطلين والمتسكعين بلا عمل ولا هدف ولا غاية، وصار القانون في حماية الأقوياء، وضد الضعفاء.. وانهار التعليم والعلم والثقافة والصناعة والزراعة، ولعبت الدول الكبرى بجواسيسها وعملائها وأتباعها في كل مرافق المجتمع والحياة التي يعيشها العرب والمسلمون؛ ثم كانت الجريمة الكبرى التي ارتكبتها الحكومات العربية الإسلامية بمحاربة الإسلام ودعاته، والتضييق على الفكر الإسلامي في الإعلام والتعليم والثقافة والمساجد، وتفريغ الأزهر والتعليم من العلوم الشرعية الإسلامية والعربية.
كل هذا لا يذكره تجار الدراما، ولكنهم يركزون على جانبٍ واحدٍ فقط، هو تقديم المسلم الإرهابي الدموي الذي لا يتورع عن القتل وسفك الدماء واستحلال دماء الآخرين واستباحة كل شيء، وامتلاك قلبٍ من الصخر لا يأبه للضعف الإنساني ولا يصغى لخفق القلوب!
إن تجار الدراما، وخاصةً الشيوعيين- أو من كانوا كذلك ثم تأمركوا- والمرتزقة الذين جاءوا من قاع المجتمع، يرتكبون جريمةً حقيرةً في حقِّ المجتمع والوطن والأمة، وقبل ذلك الإسلام والمسلمين، وهم يخونون بلادهم ويخدمون أعداءها، ولو ادَّعى بعضهم أنه مطلوب على قائمة "الموساد"!

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:40 PM
ولا عزاء لأدونيس فى نوبل

بقلم: د.حلمى محمد القاعود
.............................................

قبل أيام كتبت عن جائزة نوبل التى مُنحت فى أكتوبر 2006م للروائى التركى (( أورهان باموك ))، الذى كتب عدّة روايات تعالج الصراع بين الشرق الإسلامى والغرب الصليبى ، وتنحاز للطرف الثانى بصفة عامة ، حيث عبّر عن إدانة بلاده بسبب المذابح المزعومة ضد الأرمن والأكراد التى يدعيها الغرب ، وقلت إن (( باموك )) لو أدان مذابح الغرب الاستعمارى الصليبى ضد العراقيين والأفغان والبوسنيين ، مثلا.. ما كان قد حصل على جائزة نوبل أبداً .
كان عدد من الكتاب العرب وغير العرب من الذين ينتمون إلى العالم الإسلامى ، ينتظرون الحصول على الجائزة ولكن " التركى " سبق بها . وكان من بين هؤلاء الكتاب على أحمد سعيد ( أدونيس ) ، وهو من الطائفة النصيرية ( التى تسمى بالعلوية ) الحاكمة فى دمشق ، وانتمى إلى القوميين السوريين، وبعد الوحدة السورية المصرية ترك سورية احتجاجاً على الوحدة وعاش فى بيروت ، ويُقال إنه " تنصّر " وتم تعميده فى جامعة القديس يوسف ، التى منحته درجة دكتوراه الفلسفة فى الأدب عن كتابه الشهير " الثابت والمتحول " الذى صدر فى ثلاثة أجزاء .
وأدونيس ، الذى ولد عام 1930م فى قرية قصابين باللاذقية ( معقل الطائفة النصيرية / العلوية ) ، هو فى الأصل شاعر ، أصدر مجموعة كبيرة من الدواوين ، من أشهرها : أغانى مهيار الدمشقى ، دليلة ، قالت الأرض ، وقدم قراءة للشعر العربى القديم ، ومختارات منه محتذيا فى ذلك الشاعر الرائد " محمود سامى البارودى " مع الفارق الزمنى والفكرى بين الاثنين .
وأبرز أفكار أدونيس ، التى عبّر عنها بصورة واضحة وصارمة مبثوثة فى مجلة "مواقف " ، فضلاً عن شعره ، هى رفض الإسلام ، والإيمان بمقولات لينين عن الدين بصفة عامة ، وكان يمثل فى الستينيات مع مجموعة من الشعراء اللبنانيين ما يُسمى بشعراء الرفض . والرفض ليس التمرد على الاستبداد أو الظلم أو التخلف ، ولكنه رفض الإسلام والعروبة والوحدة ،ثم تبني ما يسمى الآن بالحداثة بمفهومها الغربي، ويركز دائماً على أن الحياة العربية ليس بها محور غير الانحطاط وأن العربى لا يخرج عن كونه طفلاً أو هيكلاً عظمياً ، وأنه ليس الله فى المنطقة العربية هو الميت ولكنه كذلك العالم والإنسان . وأن القرآن " خلاصة تركيبية لمختلف الثقافات التى نشأت قبله "، وأن عودة العربى إلى نقائه الأول لا يمكن أن تتحقق إلا فى ضوء عودة الشاعر يوسف الخال إلى المسيح !
وشعر " أدونيس " يمتلئ بعدد من الرموز التى تدور حول النار ، وفينيق ، والصلب ، والجلجلة ، والطوفان والمطر ، والجرح ، والوثنية . ثم إنه يتخذ من " مهيار الديلمى " الشعوبى القديم رمزاً له فى " مهيار الدمشقى " .
ومن أشعاره : " إننى مهيار هذا الرجيم / إننى خائن أبيع حياتى / إننى سيد الخيانة " . ومنها : " لا الله أختار ولا الشيطان / كلاهما جدار / كلاهما يُغلق لى عينى " أو " أعبد فوق الله والشيطان / دربى أنا أبعد من دروب / الإله والشيطان " أو " خريطتى أرض بلا خالق / والرفض إنجيلى " .
وبعد أن انتهى " أدونيس " شاعراً بحكم الزمن وتقدم السن واحتضان الأنظمة الشمولية له ، واحتفائها به فى مناسباتها المختلفة ، بل واختلاق المناسبات التى تدعوه إليها ، وتقيم له الأفراح والزينات ، وتُضىء له الشاشات الصغيرة ، ليعبّر عن استعلائية مرذولة ، واحتقار للآخرين وخاصة من الشعراء والنقاد والمفكرين الذين ينقضون أفكاره وتصوّراته ، فقد راح يعزف على وتر آخر ، يصب نغماته فى آذان الغزاة اليهود والغرب الاستعمارى . وبدلاً من أن يقف مع شعوب الأمة العربية فى كفاحها ضد الغزاة والأعداء ، فإنه ينعطف تحت مسميّات براقة ، ليلوى أعناق المضطهدين من أمته نحو قضايا هامشية ، وكأنه يؤكد على صواب ما يفعله الغزاة والأعداء .
من ذلك مثلاً خطابه الذى وجهه إلى السلطات اللبنانية عام 2001م فى جريدة الحياة ، والانتفاضة الفلسطينية الثانية فى عنفوانها يطالبها فيها بمنع عقد مؤتمر " مراجعة الصهيونية " . إنه لا يُشير أبدا إلى المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطينى ، وعدوانها المستمر على جنوب لبنان وتحليق الطائرات اليهودية فى السماء اللبنانية التى يعيش تحتها .
إنه يرى أن " الثقافة العربية " هى الثقافة المجرمة الآثمة التى يجب أن توجه إليها اللعنات ، لأنها تنشغل بمطاردة اليهود وتدمير الغير ، والنتيجة أنه لم تعد لدينا قضية إنسانية (!) تتجاوز حدود أنانيتنا ولماذا لا يمكن أن نحارب إسرائيل ونسالم فى الوقت نفسه الفن والأدب اللذين ينتجهما كبار الأدباء والفنانين اليهود خارج إسرائيل وداخلها ؟ "
لا شك أن الشاعر الكبير أدونيس لايدرى شيئاً عن واقع الصراع الجارى بين الغزاة النازيين اليهود ، وبين من يفترض أنهم شعبه وأهله وأنه واحد منهم . ولا ندرى هل لديه علم عما يقوله عنا أدباء اليهود وفنانوهم وصورة العربى فى قصصهم وأشعارهم ومسرحهم ؟
هل تزعجه العمليات الاستشهادية ، وعمليات المقاومة عموماً ، ولا يُزعجه قصف بيروت وغزة وخان يونس والمخيمات الفلسطينية ؟
وهل ما يقوله أدونيس عن " ثقافتنا المتوحشة " له علاقة بالمؤتمرات التى انعقدت فى برشلونة وغيرها وشارك فيها مع نفر من اليهود الغزاة ؟
لا ريب أن أدونيس كان يتهيأ بكلامه وأفكاره ليتلقى جائزة نوبل ، ولكنها للأسف أخطأته ، وذهبت إلى " درويش " أكثر عشقاً للأوربيين ، وهو التركى " أورهان باموك " .
ويبدو أن بعض الجهات العربية لم يرضها أن يحزن " أدونيس " الذى طال انتظاره لنوبل ، ولم تأت ، فجهزت له نوعاً من التعويض الذى يجعله موجوداً على الساحة ، ولو أعاد إنتاج كلامه القديم ، فقد قررت مكتبة الإسكندرية استضافته لمدة أسبوعين ضمن برنامج يُسمى الباحث المقيم ، يلقى فيه أربع محاضرات ، ويلتقى عدداً من رواد المكتبة المختارين بدقة ، فيلقى محاضرة عن " الثابت والمتحول " فى الثقافة العربية : قراءة لكتابه الثابت والمتحول " وأخرى عن " الذائقة الشعرية " وثالثة عن " الشعر والفكر " ورابعة عن " الشعر والهوية " .. وبذا تكون مكتبة الإسكندرية قد قدمت عزاءً مناسباً لأدونيس الذى يرى ثقافة أمته لا تهتم بالإنسانى الذى يحيى الذات وتحيا بها الذات وتساعد الآخرين على الحياة . لكنها مشغولة بتشويه الإنسان اليهودى والاستعمارى طبعا وقتله والتضحية به ونفيه !!
أما رأيه في المصريين الغزاة ، فهو أمر يحتاج إلى كلام كثير ، ويكفى أنه يرى أن كل شىء يبدأ بالفراعنة ينتهي بالموت والخراب ، وسماهم في عهد الوحدة مع سورية بالرمل والغربان ..!!
ما رأيكم دام فضلكم فى أسطورة " أدونيس " الذى يرى فيمن يقتلنا إنسانية وتحضراً ، ويرى فى ثقافتنا توحشاً وتخلفاً ؟
....................................
*المصريون ـ في 1/11/2006م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:41 PM
كامل أمين.. شاعر الملاحم الإسلامية

بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قبل ربع قرن تقريباً، رأيت رجلاً أبيض الشعر، متواضع الهيئة، يدخل مكتب رئيس التحرير لإحدى المجلات الأدبية، ويتحدث حول أعماله الشعرية، وقصائده التي يرشحها للنشر، كان متحمساً حماسة الشباب، مع أنه كان في ذلك الحين يبدو قد جاوز الستين بسنوات، عرفت أن الرجل هو الشاعر "كامل أمين"، واسمه الكامل: "كامل أمين محمد"، وكان له موقف من الحياة والمجتمع، يقوم على التصور الإسلامي، ويرفض التصورات العلمانية والماركسية التي كانت سائدة في الواقع الثقافي آنئذ، وهو ما جعل القوم المهيمنين على الصفحات الأدبية في الصحف والمنابر الثقافية ودور النشر الرسمية، يقفون منه موقفاً سلبياً، ويرفضون نشر إنتاجه الشعري والأدبي.
وفي مرحلة تالية، أتيح له أن يجد فرصة مناسبة لنشر بعض أعماله، سواء في الصحف أو المجلات أو دور النشر الرسمية، ولكن عودة الماركسيين والعلمانيين إلى الهيمنة مرة أخرى حجبه عن القراء وعن الساحة الأدبية بصورة شبه كاملة!
وقبيل وفاته في الأسابيع الماضية اشتد به المرض، فتوسطت له كاتبة إسلامية عند بعض ذوي النفوذ من مثقفي السلطة وكتابها كي يعالج لدى المستشفيات المتخصصة على نفقة الدولة، ووعد هؤلاء بعلاجه، ولكن مر الوقت والمرض يرعى جسد الشاعر المسن الفقير، وتجاهل ذوو النفوذ من مثقفي السلطة وكتابها أمر الرجل، حتى قضى نحبه، دون أن تكلف الصحف الرسمية وغير الرسمية نفسها عناء نشر خبر في سطرين عنه، ولم تستطع أسرته أن تنشر نعياً له!! وبالطبع لم يكتب أحد عنه شيئاً، لا مقالاً، ولا تحقيقاً ولا متابعة، مما يحظى به صغار الأدباء اليساريين والعلمانيين، عندما يصابون بالكحة أو الأنفلونزا!
وسمعت أن الكاتبة الإسلامية التي توسطت من أجل علاج شاعرنا الراحل، أعادت الكرة مرة أخرى من أجل نشر إنتاجه الشعري والأدبي الضخم، ولكن القوم لن يسمعوا لها لسبب بسيط جداً، وهو أن كامل أمين "ليس يسارياً ولا علمانياً"، وقبل ذلك وبعده، فهو يعبِّر عن تصور إسلامي يرفضه اليساريون والعلمانيون جميعاً!
نشأته
ولد كامل أمين، في مدينة "طنطا" عاصمة مديرية الغربية، في الخامس من يوليو سنة 1915م، وقد تلقى تعليمه في المدارس الفرنسية أولاً، وواصل دراسته بعدئذ في المدارس المصرية، واشتغل موظفاً في وزارة الري "الأشغال"، وعاش حياة متواضعة حتى أحيل إلى التقاعد، وقد منح تفرغاً لبعض الوقت من وزارة الثقافة.
نشر الشاعر قصائده في المجلات الأدبية والإسلامية، وكانت "الرسالة" تتزين بقصائده، وبمطولاته، وفي المرحلة الساداتية كان ينشر في "الأهرام"، و"الثقافة"، و"الهلال" وغيرها، واتسم شعره بقوة السبك، ووضوح العبارة، وقرب الألفاظ، وإيثار الموضوع الإسلامي، والدفاع عن الفكرة الإسلامية في مواجهة خصومها.
من بناة الملاحم في الشعر الحديث
ويعد كامل أمين من الشعراء البناة للملحمة في الشعر العربي الحديث، وكما نعلم فالملحمة لم تكن معروفة في شعرنا العربي الذي تغلب عليه صفة الغنائية، أي المقطوعات والقصائد التي يعالج من خلالها الشاعر موضوعه أو تجربته. الملحمية كانت من سمات الشعر اليوناني القديم، والشعر الروماني القديم أيضاً، والشعر عند اليونان والرومان كان وسيلة للتعبير المسرحي والملحمي، بحكم معتقداتهم وتصوراتهم، حيث كانت تقوم على الوثنية وتعدد الآلهة، وصراع هذه الآلهة مع البشر، وخاصة أبطال وقادة اليونان والرومان. لقد امتزجت الوثنية عند هؤلاء بالأسطورة والخرافة، وهو ما عبر عنه شعراء الإغريق والرومان في أعمال ملحمية شهيرة ترجمت إلى معظم لغات العالم، ومنها: أجا ممنون، ألكترا، حاملات القرابين...
ومع أن العرب قبل الإسلام كانوا وثنيين، وكانت لهم أساطيرهم وخرافاتهم، إلا أن طبيع تهم وبيئتهم ورحلتهم في المكان والزمان، جعلتهم ينتمون إلى القصيدة الغنائية دون المسرح والملحمة، وفي بدايات عصر النهضة، سعى "محب الدين الخطيب"، ليكون للعرب والمسلمين ملاحمهم التي تقوم على تاريخهم الحقيقي، وفيه من الصراع بين الحق والباطل، ما يفوق أساطير اليونان والرومان وخيالاتهم، وقد ذهب إلى "أحمد شوقي" أشهر شعراء العصر الحديث آنئذ، وعرض عليه فكرة نظم الملحمة إسلامياً، ولكن "شوقي" صمت ولم يعلن قبوله أو رفضه، فذهب الرجل إلى "أحمد محرم" وعرض عليه الفكرة، فقبلها على الفور، وبدأ في النظم ونشر الملحمة "الإلياذة الإسلامية" أو "مجد الإسلام"، في مجلة "الفتح"، على أجزاء، وكان محرم بذلك أول من راد هذا الطريق وعبّده لغيره من الشعراء العرب المحدثين، المفارقة أن "شوقي" فاجأ الناس بعد ظهور "إلياذة محرم" بنشر "مطولته" ولا أقول ملحمته المعروفة باسم "دول العرب وعظماء الإسلام"، ترصد حركة الإسلام منذ فجر الدعوة حتى أيامه، ولكن لم تكن لها قوة ملحمة "محرم".
جاء "كامل أمين" ليحقق أول ملحمة عربية إسلامية مكتملة فنياً، ولم يكتف بملحمة واحدة فقط، ولكنه كتب أكثر من ملحمة، وساعده على ذلك قدرته الكبيرة على النظم وطواعية اللغة، ودراسته الجيدة للسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي.
كانت أول ملحمة يكتبها هي ملحمة "السماوات السبع" عام 1957، وكانت بداية متواضعة من حيث المستوى الفني، تلتها ملحمة "عين جالوت"، وإني لأعدها أعظم ملاحمه على الإطلاق، ليس لضخامتها أو تعبيرها عن معركة خالدة في حياة الإسلام والمسلمين، حيث كان الانتصار كبيراً ورائعاً وفريداً على التتار الغزاة، ولكن لأنها استطاعت أن تبني فنياً لحظة من أروع لحظات التاريخ الإسلامي، وتثبت بحق أن تراثنا التاريخي فيه ثروة هائلة من الأحداث والوقائع الباهرة التي تفوق خيال اليونان وأساطيرهم، كما تفوق ما لدى نظرائهم من الرومان.. ومع أن الشاعر أنجز هذه الملحمة عام 1968 (العهد الناصري)، فإنها لم تنشر إلا عام 1975م (المرحلة الساداتية).
تابع الشاعر كتابة ملاحمه التاريخية، فكتب ملحمة "القادسية" عام 1978م، عن المعركة العظيمة التي خاضها المسلمون ضد الفرس، وانتصروا عليهم فيها.
وهناك ملحمة أخرى هي الملحمة "المحمدية" عام 1979م، وترصد السيرة النبوية، وقد تناولتها في كتابي "محمد صلى الله عليه وسلم في الشعر العربي الحديث".
إن "كامل أمين" في احتشاده لكتابة الملحمة التاريخية الإسلامية ليعد صاحب جهد فريد وكبير ونادر، نقل الشعر العربي من الغنائية إلى الملحمية، وأغناه بهذا التراث، فضلاً عن توظيفه في ميدان جديد يبعده عن كثير من السلبيات التي تصاحب الشعر الغنائي.
مجموعة دواوين
ومع ذلك، فإن "كامل أمين" أصدر مجموعة من الدواوين التي تضم قصائد غنائية معظمها يدور حول الدفاع عن الإسلام واستنهاض الأمة وشحذ عزيمتها لمواجهة المحن والأزمات والصعاب والتغلب عليها.
أصدر عام 1947م ديوانه "نشيد الخلود"، وفي عام 1964م أصدر ديوانه "المشاعل"، وأصدر عام 1979م ديوانيه: "مصباح في الضباب"، و"عندما يحرقون الشجر".
ومن المؤكد أن أوراقه التي تركها بعد رحيله، تضم كما علمت شعراً كثيراً لم ير النور، في ظل الحصار المفروض على التوجه الإسلامي بصفة عامة، سواء كان شعراً ملحمياً أو غنائياً.
ويحسن أن نتناول نموذجاً من شعره، قبل ختام هذه السطور؛ لعلنا نرى فيه بعض خصائص شعره، يقول في إحدى قصائده "صيحة مسلم"، مدافعاً عن اللغة العربية "لغة الضاد" وربط الهجوم عليها بالمؤامرة الكبرى على الإسلام والمسلمين:
رحمة الله والسماء عليها / كانت الضاد للكتاب لسانا
وبها كان يهبط الروح جبريل / ويوحى للمصطفى القرآنا
أيها المفلسون من كل شيء / فارقونا وهرّجوا في سوانا
كل تاريخنا ديون عليكم / لا تظنوا استرداده إحسانا
كل وجه لكم بألف يهوذا / ألف قابيل واغلٌ في دمانا
قد تركنا كتابنا فضللنا / بعد أن كان في الكتاب هدانا
أيها المسلمون في كل أرض / التقوا حول دينكم حيث كانا
ولعل تسمية القصيدة "صيحة مسلم"، تتناغم مع صوت الجهارة الذي يسودها، واللغة المباشرة التي لا تلجأ إلى المجاز كثيراً، والتعبير القوي العميق عن القضية التي يدافع عنها، ويستبسل في سبيل المنافحة عن حماها، فهو مستمسك بالضاد التي صنعت مجداً، وكانت وسيلة الخير الإلهي الذي أصاب المسلمين وهو القرآن الكريم، وبالإضافة إلى ذلك، فهو يرى أن الضاد طريقنا لاستعادة المجد، وتقدم الصفوف، أما الذين يحاربون اللغة، فهم "يهوذا" و"قابيل"، ويدلل على خسارة الأمة وضلالها بترك كتاب الله، ويوجه نداءه إلى المسلمين كافة بالالتفاف حول الإسلام والتمسك به؛ لأنه طوق النجاة.
رحم الله "كامل أمين"، فقد استمسك بإيمانه وكرامته حتى مات في صمت، مؤمناً زاهداً كريماً.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:42 PM
قراءة في كتاب «الصحافة المُهاجرة»
للدكتور حلمي محمد القاعود

بقلم:أ.د. حسين علي محمد
......................................

في 190 صفحة من القطع المتوسط صدرت عن دار الاعتصام بالقاهرة الطبعة الثانية من كتاب الناقد المعروف الدكتور حلمي محمد القاعود "الصحافة المُهاجرة: دراسة وتحليل، رؤية إسلامية"، وكانت الطبعة الأولى قد صدرت منذ ثمانية أعوام عن الدار نفسها.
ويقع الكتاب في أربعة أبواب تتناول ظاهرة الصحافة العربية المغتربة؛ حيث صدر الكثير من الصحف والمجلات العربية في باريس ولندن وقبرص … وغيرها.
ويرى المؤلف أنّ أصحاب هذه الصحف والمجلات هاجروا بها، أو أنشأوها، بعد الحرب اللبنانية الأهلية في منتصف السبعينيّات. ويرى أنه كان من المنتظر أن تُعالج هذه الصحف قضايا العرب والمسلمين بحيدة وانتصاف، ولكن كيف يتم ذلك، والظاهرة "كانت في المحل الأول تجارية تقوم لدى كثير من أطرافها على لعبة محرّمة وآثمة، إنها لعبة العمل لحساب من يدفع، والدفاع عنه بالباطل، وتزداد حرارة الدفاع كلما ازداد مقدار الدفع، ثم إن كثيراً من أطراف اللعبة لم يكونوا بمعزل عن التلوث الفكري والعقدي، بل كانوا قادةً وروّاداً في هذا المجال، وكان رائدهم الأول وهدفهم النهائي هو تلويث الإسلام، وتشويه الصحوة الإسلامية لحساب جهـات شتى، مع تقنين الطغيان في العالم العربي، وتكريس الاسـتبداد والقهر، وتجميل الوجوه القبيحة في عالم الفكر والسياسة. (ص143).
ولقد أضاف المؤلف إلى هذه الطبعة الباب الرابع ( ص ص143-179)، وهذا الباب عنوانه "بعد ثماني حجج"، يُثبت فيه الكاتب بالوثائق كيف كانت دعاواه صادقة في طبعة الكتاب الأولى، فهذا صاحب إحدى المجلات الأسبوعية ـ التي مازالت تصدر في باريس ـ يقول أثناء أزمة الكويت 1990م "وأعرف أنَّ هناك من سيُعيِّرني بأن لحـم كتفيَّ من العراق، ولن أتردّد في القول: نعم، هذا صحيح" (ص154).
لا نستطيع في هذه الزاوية أن نتناول كل زوايا ظاهرة الصحافة المُهاجرة: النشأة، والانحراف العقدي، والاستمرار في هذا الطريق الطويل الموحل، ولماذا استمرّت؟ وهل ستستمر في المستقبل؟
يكفينا ـ في النهاية ـ أن نقول: هذا كتاب جدير بالقراءة، ونرشحه لمكتبتك.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:42 PM
قراءة في كتاب "الحداثة تعود.."
تأليف: د. حلمي القاعود

عرض: أ.د. حسين علي محمد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ارتبطت الحداثة العربية ـ في بعض تجلياتها ـ بالمُخالفات العقدية، والجرأة في استخدام اسم "الله" ـ جل وعلا ـ فيما لا يليق، ومن ذلك ما يقوله "نزار قباني" في قصائد عديدة، مجترئاً على عقيدتنا في وجوب تكريم الله وتنزيهه، فيصفه بما لا يليق في مثل قوله:
(والله مات وعادت الأنصاب).
وبقوله:
(بلادي تقتل الرب الذي أهدى لها الخصبا).
وقوله:
(حين رأيت الله مذبوحاً في عمان).
وقوله:
(من بعد موت الله مشنوقاً على باب المدينة).
وقوله:
(ويتزوج الله حبيبته).
يدور كتيب الحداثة تعود للدكتور "حلمي محمد القاعود" (56 صفحة من القطع الصغير) حول ظاهرة الحداثة في حياتنا الفكرية والأدبية، وهذا الكتيب موجّه لمخاطبة القارئ العادي "ليحذره من مغالطة شاعت في أوساطنا الثقافية فحواها أن الحداثة مرحلة من التطور والتجديد ضرورية لفكرنا وأدبنا جميعاً، وأنها أمر طبيعي يتسق مع تطور الحياة والمجتمعات".
والحداثة كما يراها الغرب مصطلح term "يضم عدة اتجاهات خاصة ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين… ويعني عدم التواصل أو الانقطاع عن الماضي تاريخيا وجماليا، أو رفض كل القيم المرتبطة بالماضي". وهذا ما جاءت تُنادي به الحداثة العربية على أيدي عرّابها أدونيس (في مجلته "مواقف"، العدد 6 ، 1969) حيث يقول:
"ما نطمح إليه ونعمل له كثوريين عرب (!) هو تأسيس عصر عربي جديد. نعرف أن تأسيس عصر جديد يفترض ـ بادئ ذي بدء ـ الانفصال كلية عن الماضي. نعرف كذلك أن نقطة البداية في هذا الانفصال ـ التأسيس ـ هي النقد: نقد الموروث، ونقد ما هو سائد وشائع. لا يقتصر دور النقد هنا على كشف أو تعرية ما يحول دون تأسيس العصر الجديد، وإنما يتجاوزه إلى إزالته تماماً".
"إن ماضينا عالم من الضياع في مختلف الأشكال الدينية والسياسية والثقافية والاقتصادية. إنه مملكة من الوهم والغيب تتطاول وتستمر، هي مملكة لا تمنع الإنسان العربي من أن يجد نفسه وحسب، وإنما تمنعه كذلك من أن يصنعها".
والدكتور "حلمي محمد القاعود" في تتبعه لـ "أدونيس" ومن لف لفه من الحداثيين يرى تعسر محاولة التفريق بين الحداثة الفكرية التي تعنى بإلغاء الماضي والانفصال عن التراث ومحاربة الإسلام من جهة والحداثة الأدبية، يقول:
"لقد حاولت أن أُقنع نفسي باستخدام مصطلح "الحداثة الأدبية"، وإن كان داخلي غير مقتنع أصلاً؛ لسبب بسيط، وهو أن أية نظرة أدبية لا بد أن تنطلق من مفاهيم فكرية أو أسس أيديولوجية، أيا كانت هذه الأسس أو تلك المفاهيم".
لقد ازدهرت الحداثة العربية ووراء ازدهارها:
* الإلحاح الدؤوب والمستمر الذي جعل القيمة الأدبية للشكل الأدبي (النقد الشكلاني من البنيوية إلى الأسلوبية) وإغفال الإشارة ـ عمداً ـ إلى الموضوع الأدبي حتى لو كان إلحاداً صارخاً، أو جنساً مكشوفاً، أو شذوذاً فجاً.
* التزوير والتزييف الذي يمارسه نقّاد الحداثة حيث يفسرون النصوص الحداثية التي لا تلتزم بأي تقليد فني تفسيرات غريبة وعجيبة، بل مضحكة في بعض الأحيان.
* جذب أصحاب المواهب الضحلة وطلاب الشهرة ـ وهم كثر ـ وجواز مرورهم الإيمان بالحداثة أو الماركسية.
ويختم المؤلف بحثه الموجز بسؤال:
ـ وما العمل؟
ويجيب:
"لابد من التوعية والمتابعة: التوعية بخطورة الحداثة منهجاً فكريا، والمتابعة لمسيرتها تطبيقاً بشعاً يرفض الحرية والدين والجمال".
لقد جاء كتاب الدكتور "حلمي محمد القاعود" في وقته فهو يكشف عن ظاهرة الحداثة الفكرية التي استشرت في حياتنا الأدبية، وأصبحت مرضاً لا يُمكن البرء منه، وظهرت تجلياتها واضحة في العديد من الأعمال الأدبية (كالشعر والقصة والرواية والمسرح)، وقُدِّمت الدراسات المطوّلة عن أصحابها الذين أصبح لهم منابرهم وإصداراتهم في العالم العربي من الماء إلى الماء (أو من الخليج إلى المحيط).
لكننا لا نُوافق الدكتور "حلمي محمد القاعود" في أن "الحداثة الأدبية هي الحداثة الفكرية"؛ فقد جاء في آخر المعاجم الأدبية "معجم مارتن جراي" martin gray حول "مصطلح الحداثة":
" تعتبر الحرب العالمية الأولى 1914-1918م بصفة عامة مستهل الفترة الحديثة في الأدب، و"الحداثة" هي التي تُميِّز بعض خصائص كتابات القرن العشرين فيما يتعلّق بمدى اختلافها عن الأعراف الأدبية الموروثة من القرن التاسع عشر … وأهم الملامح المميزة خاصية التجريب التي يُعتقَد أنها استجابة للحياة في عالم يتبنّى الطرائق العصرية، وقد حدثت الابتكارات التقنية الجذرية في جميع الأجناس الأدبية الرئيسة"
وطبقاً لهذا التعريف لمصطلح "الحداثة" فنحن نختلف مع الدكتور "حلمي محمد القاعود" في جعله الحداثتين الأدبية والفكرية مصطلحاً واحداً "يضم تحت ردائه نخبة من أصحاب الفكر ومحترفي الأدب الذين يتفقون فيما بينهم على قطع صلة العربي المُعاصر بماضيه تماماً… سواء أكان هذا الماضي العقيدة الإسلامية أو التاريخ أو التراث، اللهم إلا ما اتفق من هذا التراث أو ذلك التاريخ مع مناهجهم، سواء تمثّل في الحركات الشعوبية أو الباطنية أو الإلحادية (الزنادقة)، أو غير ذلك ممّا يتناقض مع الإسلام وتصوُّره الصحيح"
إنّ الحداثة في تصوّرنا حداثتان:
الأولى: حداثة فكرية، وهذه نرفضها؛ لأنها تريدنا أن ننخلع عن الماضي، فأي ماضٍ لنا نخجل منه ونريد الانخلاع عنه؟!
إن ماضينا الإسلامي بإشراقاته وانتصاراته مازال ماثلاً للعيون، ومازلنا نعيشه ونتمثله حتى لو امتلأت حياتنا بالإحباطات والمثبِّطات، فكيف ننخلع عن هذا الماضي الذي نعيشه بكل ذرة من كياننا؟
الثانية: حداثة أدبية، وهي التي تُريد التجديد في أشكال الكتابة، فكيف نرفضها ونُلحقها بالحداثة الفكرية المرفوضة؟
صحيح أن كثيراً من أهل الحداثة الأدبية يُمكن أن نُلحقهم بأهل الحداثة الفكرية، وهؤلاء مَن يملؤون الساحة ضجيجاً وصخباً
لكن في المقابل هناك من يرتبط بالإسلام، وينطلق منه لمواجهة العالم وإشكالاته، بفنه "الحداثي"، ومن هؤلاء في الشعر: صابر عبد الدايم، وأحمد فضل شبلول، وعبدالرحمن العشماوي، ومحمد بنعمارة، وحسن الأمراني، ومحمد علي الرباوي، وجميل محمود عبد الرحمن، وعبد الله السيد شرف، ونشأت المصري، ومحمد سعد بيومي، ومحمود مفلح … وغيرهم.
هؤلاء يكتبون قصيدة التفعيلة ـ وهي شكل حداثي للشعر ـ بجودة واقتدار، ويكتب بعضهم ـ نشأت المصري ـ قصيدة النثر، فلماذا نُلحقهم بركب المُعادين للأمة، من الحداثيين الفكريين، وهم منهم براء؟!

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:47 PM
سيادة اللواء .. رئيس جامعة!

بقلم: أ.د. حلمى محمد القاعود
...............................................

رؤساء الجامعات ، مثل غيرهم من رجال الوظائف العامة ، فيهم " أولاد ناس " ، على مستوى رفيع من الخلق والعلم ، ولا ينسون أبداً أن مهمتهم الأولى والأخيرة هى البحث العلمى ، فيخلصون لها ويعيشون من أجلها ، وحين تدفع بهم الأقدار إلى مناصبهم ، فإنهم يترفعون عن الصغائر ، ويرتقون إلى مستوى العلم وأهله ، ويتجاوزون المواقف التى تحط من أقدارهم أو تزرى بهم ، ولو كانت ضغوط الدولة مثل الجبال ، صحيح أنهم يؤثرون عدم المواجهة مع السلطة البوليسية الفاشية ، ويفضلون حلّ المشكلات بهدوء وذكاء ولكنهم لا يسقطون فى وحل الخضوع لإرادة السلطة أو مشيئة الحرس الجامعى ، بل يظلون فى دائرة شموخ العلم ومهابة العلماء ، وهو ما يجعل السلطة او الحرس يخشى الاستهانة بهم أو النيل منهم .
وأحسب أن بعضهم خرج من منصبه " أستاذاً متفرغاً " ، ولكن ذكره فى المجالس العلمية والموسوعات العالمية ، يبقى بالنسبة لهم أكبر من كل منصب ، وأعظم من كل وظيفة .
ولكننا للأسف ، عشنا حتى رأينا من يتدنى بمسلكه ، ليخضع لضابط بوليس فى سنّ أولاده ، يأتمر بأمره وينفذ مشيئته ، فيشعل النار فى جامعته ، ويصنع مأساة دون داع ، وكانت انتخابات اتحاد الطلاب فى الأسابيع الماضية نموذجاً ساطعاً على التدنى والخضوع من جانب بعض رؤساء الجامعات ، الذين شاركوا السلطة البوليسية الفاشية فى عدوانها الآثم على طلاب التيار الإسلامى داخل الحرم الجامعى ، جهاراً نهاراً ، وكانت لديهم الجرأة العجيبة على الكذب أمام الرأى العام ، وتأييد رواية البوليس التى يعلم الناس جميعاً أنها كاذبة جملةً وتفصيلاً !
وللأسف ، فإنهم لا يكتفون بالكذب العلنى ، بل يحلمون أن يكونوا ضباط بوليس ، يبحثون عن كيفية قهر زملائهم وطلابهم ممن لا يرضى عنهم جهاز الأمن .. وقد نشرت بعض الصحف التى تتحدث باسم " لاظوغلى " كلاماً لبعض هؤلاء الرؤساء يكشف عن فجيعة حقيقة فى " صفوة المجتمع " التى ينظر إليها الناس نظرة احترام ، ونظرة أمل فى قيادة المجتمع إلى الحرية والمساواة والمستقبل (!) فإذا بهم يخذلونهم ويتخلون عنهم ، ويقومون بمهمة أخرى لا تليق بهم ولا تتناسب مع أقدارهم ، وقد صُعقت وأنا أقرأ قول أحدهم : " أن الوضع الحالى فى الجامعات خطير وغير مريح " ثم نفيه أن يكون هنالك من بين رؤساء الجامعات من يعلم بحجم النشاط الإخوانى داخل جامعاتهم ، خاصة أن القانون لا يعطى لرئيس الجامعة صلاحيات لاتخاذ أى إجراء ضد أساتذة الجامعة الذين ينتمون للجماعة المحظورة ، ومن بينهم أعضاء فى مجلس الشعب فكيف يمكن التصرف معهم ؟!!
ولم يكتف رئيس الجامعة – الذى تحدثت عنه صحيفة " لاظوغلى ؟ دون ذكر اسمه – بما سبق ، بل وجه نداء للمجلس الأعلى للجامعات لمناقشة هذه المشكلة (؟) وإصدار بيان خاص بوضع التيار الإسلامى داخل الجامعات ، يرفع إلى رئيس الوزراء للتصرف فيه حيث تفاقمت الأمور خلال السنتين الماضيتين .. وأضافت صحيفة " لاظوغلى "على لسان سيادة رئيس الجامعة المجهول؛ أن المؤشر الخطير فى هذا السياق هو ظهور طلاب الإخوان المسلمين فى الأحداث الهمجية الأخيرة (؟) بعين شمس عندما وضعوا عصابة رأس برتقالية اللون بعد أن كانوا فى الماضى يستخدمون العصابة السوداء ويحملون أعلاماً سوداء ، ولكنهم بدءوا يستبدلون اللون البرتقالى بها ، وهى تعنى أن التغيير موجود وقادم ، بالإضافة إلى أن الدولة غلّت يد الأمن فى التحرك ضدهم ..!!
رئيس الجامعة المجهول الذى نسب إليه الكلام فى صحيفة لاظوغلى ، بدلاً من أن يسعى بأساتذته وطلابه لتحقيق حرية الشعب واستخلاص حقوقه من قبضة النظام البوليسى الفاشى ؛ أو يلزم الصمت على الأقل ، تشغله قضية الإخوان أو الجماعة المحظورة ، وكيفية القضاء على التيار الإسلامى الذى تنتمى إليه أغلبية الشعب المصرى شاءت السلطة الفاشية أم أبت ، ويُبدى انزعاجه الشديد من العصابة البرتقالية التى كانت شعار الشعوب المغلوبة على أمرها وانتصرت فى أوكرانيا وجورجيا وبولندا ورومانيا وقيرغيزيا وأوزبكستان وغيرها من الدول التى منّ الله عليها بالحرية ، بعد أن كافحت وناضلت وأعلنت الثورة البرتقالية السلمية ، فغيرت الأنظمة الفاسدة وأقامت ديمقراطية حقيقية ، وحققت منهجاً جديراً بالاحترام لمقاومة الفساد وبناء المستقبل ..
ولكن رئيس الجامعة " المجهول " منزعج من العصابة البرتقالية ، ولسنا ندرى حقاً فى أية جامعة رأى هذه العصابة التى لا يمكن للنظام البوليسى الفاشى أن يسمح بها حتى لو زعم أنه رآها فى عين شمس التى سمح البوليس للبلطجية الدخول إلى حرمها الجامعى بالسنج والسيوف لضرب الطلاب حتى أشرف بعضهم على الموت ؛ والأمن واقف يتفرج وينتشى !، وإذا كان اللون البرتقالى يُخيفه من التغيير فسحقاً له ولأمثاله من أعوان النظام المستبد الذى أزرى بالعلم والعلماء ، وجعل أساتذة الجامعة الذين لا يملكون عيادات أو مكاتب استشارية أو مكاتب محاسبة أو صيدليات شبه متسوّلين ، وخاصة بعد أن ينقلوا إلى " أساتذة متفرغين أو غير متفرغين " يتحكم فيهم تلاميذهم اعتمادا على لوائح وزارية وضعت لتصفية الحسابات وإذلال الشرفاء الذين وصلوا إلى مرحلة النضج والعطاء السخىّ ..
إن رئيس الجامعة الذى ينحاز إلى السلطة المستبدة الغشوم ، ويتجاهل أن من حق أساتذة الجامعة وطلابها أن يعبروا عن أنفسهم ، وأن يختاروا قياداتهم مثلما يحدث فى كل جامعات الدنيا وأن يحصلوا على مقابل مادى يتكافأ مع جهودهم وبحوثهم وعنائهم ، إنما يدق مسماراً فى نعش التعليم بصفة عامة والتعليم الجامعى بصفة خاصة .
ويعلم الناس جميعاً بما فيهم رؤساء الجامعة ووزير التعليم العالى أن وضع الجامعة المصرية لا يسرّ ، وأنها خرجت من مجال الجامعات التى يتوقف عندها الناس بالاهتمام سواء على مستوى العالم أو إفريقية بسبب النظام البوليسى الفاشى الذى يتحكم فى كل جزئية من جزئياتها ؛ وإذا كان بعض رؤساء الجامعات الذين استنطقتهم صحيفة " لاظوغلى " قد أكدّوا على أن طلاب " المحظورة " كما يسمونهم ، أعدادهم قليلة لا تؤثر فى المسار الجامعى ، وقال أحدهم إن عددهم أربعة أو خمسة ، قد أجروا انتخابات لاتحاد حرّ مواز ، وتركهم يقومون بعمليتهم ، حتى انصرفوا .. فما هو المزعج والمخيف فى الأمر ؟ وما هو المسوّغ الذى يجعل الأمر خطيراً ويقتضى عرضه على المجلس الأعلى للجامعات ، ثم رئيس الوزراء للتصرف ؟ وما معنى المطالبة بصلاحيات لرؤساء الجامعات لفصل أساتذة المحظورة ؟ وهل سيطالبون غداً بصلاحيات لفصل الأساتذة الشيوعيين والوفديين والمستقلين ؟ وماذا ستكون عليه الحال لو انقلب الأمر وحكم البلاد شيوعيون أو وفديون أو غيرهم ؟
يبدو أن بعض السادة رؤساء الجامعات نسى دوره ووظيفته الأصلية ، ويصر أن يكون " ضابط بوليس " بدلاً من أن يكون باحثاً يعزّز من قيمة الحرية ، وفى مقدمتها حرية " الاعتقاد " والفكر ، وأظن أن أمثال رئيس الجامعة هذا لا يصلح أبداً أن يكون ضابط بوليس سياسى مهما قدم من تنازلات للنظام ، فهو فى نظره يتحول إلى شئ آخر لا أسميه ، وسلام على أساتذة أبطال كانوا أكبر من عمادة الكليات وإدارة الجامعات بل ورئاسة الوزارات .
.........................................
*المصريون ـ في 8/12/2006م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:48 PM
العصا الغليظة!

بقلم : أ.د.حلمي محمد القاعود
............................................

كالعادة؛ أبت السلطة البوليسية الفاشية أن تتوب عن سلوكها القمعي الإرهابي ضد كل من يخالفها أو يحكم القانون والعقل والمنطق ؛ فأشهرت عصاها الغليظة في وجه قضاة مصر الشرفاء الذين أبرءوا ذمتهم أمام الله والناس ، وأعلنوا أن جريمة التزوير قد حدثت في دائرة بندر دمنهور الانتخابية ، وأن المرشح الخاسر قد أعلن فوزه في سابقة غير مسبوقة ولا مقبولة..كان إعلان القضاة من الجرأة والشجاعة مما جعل الأمة تحتفي بهم وتلتف حولهم، وأيضا كان إعلانا لتنقية ثوبهم الأبيض الذي يحرصون على بقائه ناصع البياض أيا كان الترهيب أو الترغيب الذي يمارسه النظام الديكتاتوري الحاكم !
لقد أعلنت السلطة من خلال مجلس القضاء الأعلى التابع لها عن إجراءات عقابية ضد القضاة الذين تحدثوا عن التزوير ، وأبلغوا الأمة حقيقة ماجري في الدوائر الانتخابية عامة ، وبندر دمنهور خاصة ، ورأى المجلس أن قلة من القضاة دون العشرة تحدثت إلى الفضائيات ووصفت الانتخابات بأوصاف رديئة –يعني بالتزوير –مما يعرض البلاد للفتن ويعصف بالاستقرار ، وطلب المجلس تحويل القضاة المذكورين إلى التحقيق الفوري أمام النائب العام .
هذا هو المضمون العام لبيان المجلس المذكور الذي جاء ليؤكد حرص السلطة على الاستمرار في ممارساتها الاستبدادية، بدلا من الرجوع إلى الحق والتحلي بفضيلة الاعتراف بالخطأ ، وتصحيح الوضع المقلوب الذي أعلن خسارة الفائز ، وفوز الخاسر.
إن المستشار نهى الزيني التي بدأت الإعلان بضمير حي عن جريمة التزوير ، وتلاها نادي القضاة الذي أعلن من خلال لجنة متابعة الانتخابات التي شكلها عن شهادة سبعة وثلاثين ومائة قاض قالوا في شهادتهم بالأرقام أن هناك مايقرب من ستة عشر ألف صوت هي الفارق بين الفائز الرسمي والخاسر المظلوم.. لقد احتكم القضاة إلى الشعب وحمايته ، لأنهم رأوا أن السلطات المختصة تقر التزوير وتؤيده ، وأن الشكوى إليها هي من قبيل الحرث في البحر بل إن عواقب الاستعانة بها ستكون تنكيلا وحصارا ومطاردة!!
كان من المفترض أن يهب المجلس لمعاقبة من شاركوا في جريمة التزوير ، ومن قبلوا إملاء السلطة المستبدة لإرادتها التي أهدرت كرامة القضاء ، وأزرت بنزاهة القضاة وحيدتهم ، ولكن المجلس آثر تهديد القضاة بالعصا الغليظة إن لم يغلقوا أفواههم متهما إياهم بالعمل السياسي !! في حين أنهم يعلنون رأيهم فيما وصلت إليه الأوضاع الانتخابية من استهتار بالقضاء ، واعتداء على القضاة، ومحاولة تحميلهم وزر التزوير الذي يجب فضحه وإعلانه على الملأ لأن ذلك من صميم عملهم واختصاصهم .. أليسوا المشرفين على سير العملية الانتخابية والحريصين على نزاهتها وشفافيتها ؟!
لقد استنكرت ثماني منظمات لحقوق الإنسان بيان المجلس المذكور ، وحذرت أن يكون ذلك مقدمة لمذبحة جديدة للقضاة ، كما أعلنت قلقها من لغة التهديد التي تغلف البيان .. وهو مايعني أننا بصدد حملة تخويف لكل قاض يتحرك ضميره في اتجاه الحق والصدق والعدالة التي هي من صميم عمل القضاء في كل الظروف والأحوال .
من المؤكد أن نادي القضاة قد أزعجه بيان العصا الغليظة ، ومن المؤكد أيضا أنه سوف يتخذ موقفا يناسب مضمون البيان ودلالاته ، ومن المؤكد كذلك أنه لن يرضخ للتهديد أو التخويف .
أما مايخص الأمة فيجب أن تكون على مستوى الحدث ، وهى كذلك بالفعل لأنها تساند القضاة الذين يعبرون عن ضميرها وإرادتها ، وقد قدمت الأمة كثيرا من التضحيات في سبيل حريتها وكرامتها ، وهى لن تدخر جهدا في سبيل تقديم المزيد من هذه التضحيات.
ولعل السلطة تتسق مع نفسها فيما تقول وتفعل ، فإذا كانت حقا تريد حياة ديمقراطية حقيقية فعليها أن تقبل بتبعات الديمقراطية الحقيقية من نزاهة وشفافية ، وقبول للفوز والهزيمة في الانتخابات ، وتداول سلمي للسلطة .. أما إذا كانت مصرة أن المسألة لاتعدو ديكورا ينصب ليراه العالم الخارجي ويعتقد أن لدينا ديمقراطية ؛ فلتعلن ذلك على الملأ . . وبعدها فليكن لشعبنا قراره الذي يراه ملائما سواء بالمشاركة في اللعبة أو التعبير عن إرادته الحقيقية بانتزاع الحرية من بين أنياب النظام المستبد الفاشي.
تحية لكل صاحب ضمير في هذا الوطن سواء كان من القضاة أو من غيرهم .. والنصر للشعوب الحرة !
............................................
* المصريون ـ في 28 - 11 - 2005م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:54 PM
أم حسنين ..!

بقلم: أ.د. حلمى محمد القاعود
.............................................

أم حسنين امرأة عادية .. من عامة النساء المصريات . حملت عبء أسرة ضخمة وقامت بواجبها خير قيام .. وأخيراً ودّعتنا قبل أيام - ( 4/9/2007م ) - إلى العالم الآخر بعد عمر يناهز التسعين عاماً !
هى امرأة مجهولة ، لا يعرفها المجلس الأعلى للمرأة ، ولا المجالس الأخرى التى تدعى دفاعاً عن المرأة وحقوقها ومساواتها بالرجال ، ورفض الختان ، والميراث وفقاً للشريعة الإسلامية ، وتعدّد الزوجات .. ولكنها أثبتت بفطرتها البسيطة ، أنها أذكى وأفضل وأعظم من كل المجالس العليا والسفلى التى تتشدق باسم المرأة ومصير المرأة ..
لقد أنجبت أربعة عشر رجلاً وامرأة ، من ضمنهم ولد غير شقيق كان يعدّها أمه الحقيقية ، وكان ولاؤه لها قبل أمه الأصلية ، فقد ربّته مع أخوته ورعته وزوّجته وفرحت بأبنائه وأحفاده أيضاً ..
لقد حملت عبء الحياة العائلية مبكراً حين فقدت زوجها الرجل البسيط الذى كان متعهد صحف فى باب اللوق ، وكان الحاج مدبولى – الناشر المعروف الآن – من ضمن من عملوا معه ، وتعلموا منه ، حتى صار علامة لدى مثقفى الحظيرة وخارج الحظيرة ، فى مصر والعالم العربى على السواء .
إنها أم الأستاذ " حسنين كروم " – الصحفى المعروف ، ومدير مكتب جريدة " القدس العربى " ، وأم زوجتى أيضاً ، وجدة أبنائى وبنتى ، وقد تركت من الأحفاد وأبنائهم ما قرّ عينها وأسعدها فى حياتها ، مع كل ما عانته من متاعب الدنيا ومصاعبها وأحزانها .
ولعل القارئ يسألنى ، لماذا تشغلنا بأمر هذه المرأة البسيطة ؟ ألم يكن أجدر بك أن تكتب لنا فى موضوع عام يهمّنا ويشغلنا فى غمرة الحوادث التى لا تنجلى ، ومعمعة الهموم التى لا تهدأ ولا تتوقف ؟
وأقول للقارئ الكريم ، إننى أتناول موضوعاً عاماً من خلال هذه السيدة البسيطة التى تكشف عن معدن الشعب المصرى وأصالته فى مواجهة المحن والهموم ..
لقد كان أبناؤها ممن انشغلوا بهموم الوطن وقضاياه ، بحكم اقترابهم من القراءة ، وتعاملهم مع الكلمة المكتوبة أو المقروءة ، وكان عمهم الأكبر " إبراهيم كروم " – أحد فتوات بولاق – الذين لعبوا دوراً سياسيّاً فى أواخر العهد الملكى وأوائل عهد العسكر .. عرض عليه الشهيد حسن البنا ، الانضمام إلى الإخوان المسلمين ، فسأله عن الإسلام و " الفتونة " ، فأجابه الشهيد بالإيجاب ، فطوّح عصاه وألقى بها على الأرض قائلاً : اللهم صلّ على أجدع نبى ! وصار فتوة بولاق المشهور ، واحداً من أهم أتباع حسن البنا ، وحين قامت حركة الجيش عام 1952م ، كان عنصراً مهمّاً من عناصر دعمهما على النحو الذى تكلم عنه بعض الباحثين .
أبناء أم حسنين ، كانوا على الدرب ذاته برؤى متغايرة . حسنين ومحمد ، ناصريان حتى النخاع ، وفُصل الأول من عمله الصحفى قبل حرب رمضان بسبب انتمائه ، نصر كان عضواً فى جماعة التبليغ التى رعاها الشيخ " إبراهيم عزت " – رحمه الله – ودفعت به الأقدار إلى دخول المعتقل ليقضى سبعة عشر عاماً ، ويخرج بقايا إنسان ، بعد التعذيب والمعاناة ، ليرى أمّه قبل وفاتها باسابيع قليلة .. ومن المفارقات أن ابنه " محمد " أُلقى به فى معتقل الواحات أحد عشر عاماً وهو صبى لما يبلغ الخامسة عشرة ، فيُصاب بأمراض فتاكة ويكتب عمّه " حسنين " راجياً نقله إلى أحد معتقلات القاهرة حتى تمكن معالجته وزيارته ، ولكن لا استجابة من النظام البوليسى الفاشى ، الذى ألقى الغلام فى قعر مظلمة دون محاكمة بعد مشاجرة على أحد المقاهى فى حىّ بولاق !
الآخرون من أبناء أم حسنين عاشوا متاعب مختلفة بسبب السياسة وواقع الحياة ، وكانت الأم فى صبرها وجلدها ، مثالاً للتحمل والصلابة ، مع ما أصابها من أمراض الضغط والأعصاب وهشاشة العظام فى أواخر أيامها حتى صارت تتحرك على كرسى !
أم حسنين صورة مصغرة لمصر فى بذلها وعطائها ، دون منّ ولا أذى ، حيث يعترف بفضلها البعض ويجحده الآخر ، ولكنها فى كل الأحوال لا تنتظر من أحد جزاءً ولا شكورا ، إلا الدعوات ممن أحبّوها ، وعرفوا قدرها وقيمتها ..
ترى هل يمكن أن تعيش مصر فى ظل الغلاء المتوحش والقهر البشع والاستبداد القبيح ، لولا أمثال هذه المرأة ، التى نسيت نفسها ، وراحت تغدق كل ما تملكه من عطف وحنو ورحمة على أبنائها وأحفادها ، وهى تعايش مشكلاتهم ومتاعبهم وأحزانهم وأفراحهم ونجاحاتهم ومسرّاتهم ..
كانت تقطع المسافة من القاهرة إلى قريتى – نحو مائتى كيلو مترا – لتطمئن على ابنتها وأحفادها وتقدم المساعدة والنصح والخبرة ، وتفعل ذلك مع بقية البنات ، عدا تلك التى تزوجت فى تركيا ، ولا تستطيع الوصول إليها إلا عبر الهاتف ، أو تنتظر زيارتها .
أى أم تلك التى تهتم بأحفادها ومطالبهم ، وتسأل عنهم وتتابع أخبارهم ؟ كان ابنى " محمود " أحد الأحفاد الذين يمارسون " شقاوتهم " الزائدة عن الحدّ ، لدرجة أنه كان يوقظها من النوم لتتحدث معه وتحكى له ، ويسألها عن قصة قرابتها للقارئ الشهير الراحل " الشيخ محمود خليل الحصرى " – رحمه الله – وكانت تهدد أحياناً بالعودة إلى القاهرة إعلاناً عن غضبها منه ، ولكنها حين تسافر وتتصل هاتفياً ، يكون أول سؤال لها عن " محمود " ! وعندما كبر " محمود " وتخرّج هذا العام بعد الجامعة كان هو المفضل لديها ، وهو الذى يجلس معها ويحكى لها وتحكى له .
يتساءل الناس عن سرّ بقاء مصر دولة قائمة على الأرض – وأقول لهم : إن السرّ يكمن فى أمثال هذه المرأة الطيبة التى فقهت معنى الحياة بفطرتها البسيطة ، فأعطت بلا حدود ، وحصدت حبّاً بلا حدود ايضاً .. وأثبتت أن المرأة المصرية الحقيقية ، ليست ضمن مجالس المرأة القومية أو القطرية أو المحلية ، ولكنها موجودة فى أعماق الشعب البائس تمدّه بشريان الحياة والأمل .
رحم الله أم حسنين وجعل الجنة مثواها .
............................................
*المصريون ـ في 11/9/2007م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:55 PM
عبدالمنعم سليم جبارة.. رجل لا يحبّ الضجيج

بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
..............................................

كنت كلما دخلت عليه مكتبه أداعبه بالآية الكريمة، "ومزاجه من تسنيم" (المطففين/27).. وكان يبتسم ابتسامة هادئة، ولكنها تعبِّر عن فرح عميق، فقد رزق بفتاة سماها "تسنيم" بعد ولد سماه "زياد". كان اسم "تسنيم" نادراً، ولكنه اسم قرآني جميل، صارت صاحبته اليوم عروساً في الدراسات العليا بعد أن تجاوزت العشرين.
مرَّ الزمان سريعاً مذ قابلته لأول مرة في مقر مجلة "الدعوة" بالتوفيقية عام 1976م، كان هادئ السمت، قليل الكلام، يهتم بما هو مفيد، لا يحفل بالثرثرة، ولا يبدي انفعالاً، ولكنه يتجه نحو العمل، العمل فقط، وحوله كوكبة من الشباب، صاروا اليوم مبرزين في أعمالهم، "صلاح عبدالمقصود"، وكيل نقابة الصحفيين، "بدر محمد بدر" مدير تحرير "آفاق عربية"، "أحمد عز الدين"، مدير تحرير "المجتمع"، وغير هؤلاء من جيلهم والجيل التالي بعدهم أعداد أخرى حققت نجاحات في ميدان عملها الصحفي والثقافي والفكري، تعلمت من "عبدالمنعم سليم جبارة" وعملت معه.
تعرفت إليه بواسطة صديقي الراحل "جابر رزق"، وكانا يديران مجلة "الدعوة" في ظل الأستاذ "عمر التلمساني" والأستاذ "صالح عشماوي" ـ رحم الله الجميع ـ وكانت "الدعوة" آنئذٍ تصدر شهرية، وتغطي مع مجلة "الاعتصام" التي كنت محرراً بها نشاط الحركة الإسلامية، وتعبِّران معاً عن رؤية إسلامية لأحداث تلك الفترة التي أعقبت حرب رمضان، والإفراج عن المعتقلين من التيار الإسلامي، والسماح بهامش من الحرية التعبيرية.. كان لي شرف الكتابة في الدعوة، وخاصة بعد إعلان مبادرة الرئيس الراحل "أنور السادات" بزيارة القدس المحتلة، والتفاوض مع الكيان الغازي اليهودي الغاصب في فلسطين المحتلة.
توطدت معرفتي بعبدالمنعم سليم جبارة بعد ذلك، وكان هناك مفارقة طريفة، وهي أننا تزوجنا في عام واحد (عام1 978)، ثم تعاونت معه فيما بعد حين أعيد إصدار مجلة "لواء الإسلام" التي صار رئيساً لتحريرها، وكنت أتولى تحرير القسم الأدبي فيها، حتى سافرت إلى العمل بالخارج، وجاءت حرب الخليج الثانية (احتلال الكويت من جانب العراق)، فأغلقت "لواء الإسلام" تحت ضغط الأحداث ومضاعفاتها، فلم أقابله إلا لماماً، ولكني كنت أتابع مقالاته المستمرة والدؤوب في العديد من المجلات والصحف: "المجتمع، الأحرار، الشعب، الحقيقة، آفاق عربية، وغيرها". وكان فيما يكتبه ملتزماً بالرؤية الإسلامية النقية التي لا تتأثر بالدعاية السائدة، ولا تنخدع بالأقوال التي تصدر عن خصوم الإسلام، كان يرى الأشياء كما يوجب الإسلام أن تُرى، لا كما يريد الآخرون أن نراها. ثم إنه يصوغها في عبارات علمية دقيقة بعيدة عن الانفعال العاطفي أو الهجاء السياسي.. فقد كان يرصد ما يراه، ثم يبدي رؤيته الإسلامية في وضوح، لا يراوغ ولا يخاتل ولا ينافق، وكانت مقالاته في معظمها تتجه نحو معالجة القضية الفلسطينية ومستجداتها على الساحة السياسية والعربية، منطلقاً من فهم محدد يؤمن أنَّ الجهاد هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين واستعادة بيت المقدس.
لقد تخرج عبدالمنعم سليم جبارة في كلية الآداب، وكان تخصصه في "الجغرافيا"، وهو ما ساعده في تحليلاته السياسية على استيعاب أحوال العالم الإسلامي، بل العالم كله، فقد كانت الدنيا تحت ناظريه يعرف تضاريسها الجغرافية كما يعرف تضاريسها السياسية، ولذا جاءت كتاباته عميقة، تشير إلى وعي جاد بما يدور على خريطة العالم.
وكانت تجربته الإنسانية زاخرة وعامرة، مع قسوة بعض جوانبها ومراراته وبشاعته، فقد ولد في الثاني والعشرين من أكتوبر عام 1930م لعائلة ميسورة في مركز فاقوس بمحافظة الشرقية، ومكّنه المستوى المادي المرتفع لأسرته من دخول جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً). وانضم وهو طالب في ا لجامعة إلى جماعة الإخوان المسلمين، وشارك في عمليات الفدائيين ضد المستعمرين الإنجليز بمنطقة قناة السويس في أوائل الخمسينيات، واعتقل عام 1955 وظلَّ بالمعتقل حتى أفرج عنه عام 1974م بعد أن قضى نحو عشرين عاماً ذاق فيها مرارة السجن وبشاعة التعذيب وقسوة الظلم، وقد عبَّر "نجيب الكيلاني" ـ رحمه الله ـ عن هذه المحنة في روايته المؤثرة "رحلة إلى الله"، وكان صديقاً لعبدالمنعم سليم ورفيقاً له في السجن، بعد محاكمات 1965م، وقد أشار "نجيب الكيلاني" إلى علاقته بعبدالمنعم مذ كانا طالبين في الجامعة، الأول كان طالباً في الطب، والآخر في الآداب، وسجلها في كتابه الضخم الذي ترجم فيه لنفسه "لمحات من حياتي"، وأذكر أنني حين ذكرت له بعض الوقائع التي وردت في الكتاب، وحكاها لي نجيب شفاهة، ضحك، ولم يعلق، كعادته، وكأنه يستحي أن يشير إلى ما تعرَّض له في المعتقل، على العكس من صديقه "جابر رزق" الذي سجَّل ما جرى وحدث بصراحة بالغة، وكان الهدف منها كشف الممارسات الوحشية لبعض البشر الذين ماتت قلوبهم، وهو ما عبَّر عنه أيضاً الكاتب الراحل "مصطفى أمين" في كتابه المشهور "سنة أولى سجن" وأشار فيه إلى ما أصاب المعتقلين السياسيين من تعذيب بشع!
لقد خرج "عبدالمنعم سليم" من غياهب الظلمات وهو في الرابعة والأربعين من العمر، لم يتزوج، ودون وظيفة، فعمل في وزارة التربية والتعليم موجهاً بالتعليم الثانوي، وفي عام 1976م انضم إلى مجلة "الدعوة"، ثم أعير إلى الإمارات العربية المتحدة ليعمل في مجال التدريس، ويؤسس مع آخرين مجلة "الإصلاح"، ثم ترك الإمارات وعاد إلى مصر بعد سنوات.
الميزة الرئيسية التي تميز عبدالمنعم سليم، هي أنه لا يحب الضجيج، بمعنى أنه يريد أن يخدم دينه ودعوته إلى الله في صمت، فلا يسعى إلى الأضواء، ولا يجري وراء البريق، ولا يستشعر "الأنا" التي تعبِّر عن حب الذ ات أو النفس، إلا في مواقف التضحية والبذل، حينئذٍ يقدم نفسه وروحه، في صمت ودون ضجيج. إنَّ بعض العاملين في مجال الحركة الإسلامية والدعوة إلى الله تتسلل إليهم آفة "النرجسية" أو "حب الظهور" أو "الانتفاخ الكاذب". ولكن رجلنا كان متواضعاً، أو حريصاً على التواضع الذي يدخله في دائرة الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً. هو يريد أن يقول كلمته في هدوء ثمَّ يمضي، وكأنَّه لا يريد أن يعرف أحد أنه هو الذي قال، ولعلَّ ذلك كان من وراء كتابته مئات المقالات بأسماء مستعارة، حيث كانت بعض المطبوعات تحمل له أكثر من مقالة، فيوقع بأسماء مثل: أبوزياد، أبوطارق، د. سيد الفضلي، د. أحمد عبدالحميد البنهاوي، وغيرها..
وأذكر أنَّ كاتباً يحمل اسمه ـ وهو من تيار آخر ـ احتج كتابة بأنَّ تشابه الاسمين يوقع صاحبنا في مآزق مع التيار الذي ينتمي إليه، فأضاف الراحل الكريم إلى اسمه لقب العائلة "جبّارة" دون أن يجد في ذلك غضاضة، ليفرِّق الناس بين الاسمين.
إنَّ تواضع "عبدالمنعم سليم جبّارة" في الحياة والدعوة الإسلامية، يجعله نموذجاً للداعية الإسلامي، الذي تمكن الإيمان من قلبه، فلم تشغله زخارف الدنيا ولا عرضها الزائل، وفي الوقت نفسه يقدم درساً حياً وبليغاً إلى "المغرورين" أو "السفيانيين" الذين يدورون حول أنفسهم وذواتهم، ويتناسون أنَّ الخدمة في ميدان الدعوة الإسلامية تقتضي التواضع أو إنكار الذات، ليكون عملهم خالصاً لوجه الله، وأشهد أني ما رأيت الرجل يوماً يضع نفسه في مستوى فوق مستوى المسلم البسيط الذي يرجو رحمة ربه وعونه.. مع أنه كان في مواقع تتيح له أن يتيه وينتفش ويزهو ويفاخر.. ولكنه كان ينظر إلى الآخرة متخلقاً بأخلاق الإسلام والسلف الصالح.
ولعل ذلك كان من وراء التكريم الإلهي له، وهو التكريم الذي تبدَّى عند وفاته، فقد ظلَّ واقفاً عل ى قدميه، يصلي ويتهجَّد ليلة السابع والعشرين من رمضان الماضي، وهو الليلة المباركة التي يرجح العلماء أن تكون ليلة القدر، فقد اختاره الله وهو يصلي، وتمَّ دفنه يوم الجمعة، ورأى من رافقوه إلى مثواه معالم كرامات تدل على أنَّه من المقبولين إن شاء الله.
هذا الرجل الطيب والداعية الذي ينكر نفسه، كان مثالاً للمسلم الذي يعرف القناعة والرضا بقدر الله، تقول عنه زوجته: "كان زوجي نسمة لطيفة في حياته ومماته، كان معلماً منذ أول لحظة ارتباطنا، منذ أن ارتضينا هذا الطريق نقطعه معاً إلى الجنَّة، فبدأنا بشقة صغيرة في شبرا الخيمة، ولم اشتر فستان زفاف، بل استعرت فستان أختي، وعقدنا زواجنا بمسجد صلاح الدين بالمنيل في حفل عائلي صغير، ثم فتحت علينا الدنيا أبوابها، فتدفق المال، ولكن كل هذا كان في يده لا في قلبه. لم يغيره فيض العطاء بعد طول الحرمان؛ لأنَّ قلبه قد تعلق بأمل آخر.. الجنة، رغم حياته الزاخرة لم يكن يذكر ما حدث له إطلاقاً، بل كنت أعرفه من الكتب ولا أحدثه فيه، كان يشعر بأن ما يقدمه لدعوته هو كنزه، فكان أحرص ما يكون عليه، وعلى ألا يطلع عليه أحد، فلا أذكر أنه روى لنا ما حدث معه في السجن إلا مرة واحدة، كنا نشكو من شدة الحر، فشرد ببصره قليلاً ثم قال: سبحان الله، لقد كانت تأتي على الأخوان أيام في سجن قنا نظن فيها أنَّ الموت يكاد ينالنا من شدة الحر. وإذا بالمولى عزَّ وجل يرسل ما يلطف به الجو فيخفف عنا والجنود حولنا في ذهول. وحينما كنت أرى إصابات جسده من أثر التعذيب وأسأله عنها كان ينكر بشدة ويتهرب من أسئلتي..".
وأكتفي بهذا القدر من شهادة الزوجة الصابرة، وما تضمنته من حفظه للقرآن الكريم ودأبه على قراءته وتلاوته باستمرار.. لأقول: "إنَّ عبدالمنعم سليم جبّارة" يقدم أنموذجاً لخدمة الإسلام في صمت ودون ضجيج ودون رياء أيضاً.. رحمه الله، وجعل مست قرَّه في الفردوس الأعلى.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:57 PM
حديث الوردة .. حديث النار
قراءة في بعض الظواهر الشعرية لدى الشاعر حسين علي محمد

بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
..............................................

(1)
حسين علي محمد (1950- ) واحد من أهم شعراء السبعينيات، الذين حملوا رؤية صافية نقية، تنبع من فهم واع لهوية الأمة وشخصيتها، وتحركوا من خلال تصور واثق، يؤمن بقيمة الفن ووظيفته في مخاطبة المشاعر والأفئدة، وتجييش العواطف والأحاسيس بما يجعل المتلقي، قارئا أو مستمعا، شريكا في العمل الفني بالاستجابة والتفاعل، وليس مجرد مشاهد لا يفهم أو لا يدري ما يُقال أو يُتلى أو يُقرأ.
إن "حسين علي محمد" شاعر ينتمي إلى الريف المصري، وقد ظل وفيا لهذا الريف منذ مولده وحتى اليوم، يعيش مع أهله وناسه همومهم وآمالهم، دون استعلاء عليهم، أو تنكر لهم، فهو واحد منهم، يُغني أناشيدهم، ويُنشد أغانيهم، دون أن تستهويه أضواء العاصمة، أو تخلعه من جذوره، أو تجعله يبيع هويته في سوق الرق الفكري، الذي يشتري الباحثين عن الشهرة بأبخس الأثمان، وأرخص القيم.
ظل حسين علي محمد في بلدته الصغيرة "ديرب نجم ـ بمحافظة الشرقية" يقرأ ويدرس ويعمل ويقرض الشعر، حتى استطاع بموهبته وخبرته ومثابرته أن يفرض أدبه وإنتاجه في معظم الصحف والدوريات التي تصدر في العاصمة، وبقية العواصم العربية، وأن يكون واحداً من شعراء زماننا الذين يُقدِّمون شعرا عذبا وجميلا، يذهب بطعم الحصرم ـ الذي نتجرّعه بالقوة والإرهاب ـ عبر الوسائط الإعلامية والأدبية، لنفر من الطغاة الذين ظنوا السخف الذي يقولونه أو يكتبونه شعراً وأدباً، وذهبت بهم الصلافة والغرور إلى الحد الذي تصوروا معه أنهم أتوْا بما لم يأت به الأوائل، وأنهم أحدثوا تطورا غير مسبوق وَصَلَ بالشعر العربي إلى ذروةٍ لم يصل إليها أحد من الغابرين! وهيهات أن يكون هذا الأمر صحيحاً، إذ لو كان كذلك ما أعرض عن كلامهم الناس، ولا وقفوا منه موقف "الأطرش في الزفة" .. ولكن الآلة الإعلامية الرهيبة تعمل على قلب الحقائق، وتوهم بالباطل بما لا أساس له في الواقع.
على كل، فإن "حسين" قد نمت موهبته الشعرية من خلال دراسته النظامية التي وصلت به إلى الحصول على درجة "الدكتوراه" (عام 1990م)، وإن كنت أرى أن ثقافته الحقيقية قد نمت وتبلورت من خلال قراءاته ومتابعاته الأدبية والثقافية خارج الدرس "النظامي"، فالتثقيف الذاتي ـ فيما أعلم ـ كان وراء ذلك الوعي العميق الذي يظهر عبر قصائده وأشعاره بأبعاد التراث الإسلامي، الناضج، والواقع الراهن بملامحه المأساوية المتردية، والحلم الجميل بمستقبل أفضل من خلال تتبع ما يجري في الدنيا، ولدى الآخرين من مميزات التفوق والقوة والبناء.
نحن إذن أمام شاعر يملك نضج الرؤية الحضارية على المستوى الفكري، حيث يلتقي الماضي والحاضر والمستقبل في وجدانه وعقله وخياله، وهو بهذا يستطيع إذا أنشد أن يقدم لنا شعراً ذا قيمة، وذا أصالة أيضا .. فضلا عن "الكم" الكبير الذي نشره وكتبه من القصائد والمسرحيات.
نشر "حسين علي محمد" مجموعة من الدواوين أو المجموعات، بعضها بالجهد الذاتي (بطريقة الماستر)، وبعضها عبر أجهزة النشر الحكومية، وأيضا فإن لديه أكثر من مسرحية ومجموعة شعرية لم تنشر، وإن كان نشر بعض قصائدها في صحف ودوريات محلية وعربية متعددة.
من المجموعات التي نشرها بجهده الذاتي"السقوط في الليل" عام 1977م، وساعده في نشرها: اتحاد الكتاب العرب بدمشق، أيضا نشر بجهده الذاتي مجموعته "أوراق من عام الرمادة" عام 1980م، ضمن دورية"أصوات" التي كان يُصدرها في الشرقية مع فريق من زملائه الشعراء والفنانين التشكيليين، وهي أسبق من الدورية الأخرى التي صدرت بالاسم نفسه بوساطة فريق آخر في القاهرة.
ومن المجموعات الأخرى المخطوطة التي لم تنشر بعد: "تجليات الواقف في العراء"، و"زهور بلاستيكية"، و"من دفاتر العشق" .. وله أيضا مسرحيتان مخطوطتان: "الرجل الذي قال"، و"الحاجز الرمادي".
وإلى جانب ذلك فهناك بعض الدراسات الأدبية التي نشرها الشاعر، مثل: "البطل في المسرح الشعري المعاصر"، وصدر في القاهرة عام 1991م، و"القرآن ونظرية الفن"، وقد صدرت طبعته الثانية عام 1992م.
ومازال الشاعر ينشد شعرا، ويكتب دراساته ومقالاته التي تدل على أصالة وعيه العميق.
(2)
من يقرأ شعر حسين علي محمد يستشعر أنه بإزاء شاعر له شخصيته المتفردة في الأداء الفني والرؤية الشعرية، صحيح أننا نستشعر ملامح التقليد في البدايات ـ وهذا أمر طبيعي ـ ولكن مرحلة النضج قدّمت شاعراً يمتلك الأداة التي يستخدمها بتميز، ليعبر من خلالها عن رؤيته الصافية وحلمه المتميز.
في البداية بدا الشاعر معجباً بمجموعة من شعراء التجديد المعاصرين أمثال بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وصلاح عبد الصبور، وقد رثى السياب عند وفاته بقصيدة جيدة، ولكن تأثره الواضح ارتبط بالشاعر صلاح عبد الصبور، ولعل ذلك يرجع إلى شهرة الأخير في مطلع حياة حسين الشعرية، وإلحاح أجهزة الإعلام حينئذ على شعره وأخباره، ومن ناحية أخرى فلعل العامل الجغرافي كان من وراء هذا التأثر، حيث ينتمي الشاعران إلى محافظة واحدة هي محافظة الشرقية، ولعل أبرز نماذج التأثر تبدو في قصيدة حسين التي عنوانها "أربع صفحات من مذكرات أبي فراس" التي نشرها في مجموعة "السقوط في الليل"، ويقول في مطلعها:
"أعودُ منْ بلادِ الثلجِ والضبابِ والرؤى المهوِّمهْ
وقلبيَ الصغيرُ وزدةٌ حمراءْ
تنِزُّ بالدِّماءْ
أعودْ
وليتني ما عدْتُ يا صِحابْ
فهاهيَ الوجوهُ مُعْتِمهْ
لمْ تبْتسِمْ لعوْدَتي بالحبِّ والصَّفاءْ
وهاهُمُ الصِّغارُ في الأركانِ نائمونْ
يحلمونَ أنْ تقومَ فوقَ أركانِ المدينةِ المُهَدَّمَهْ
مدينةٌ جديدهْ
مدينَةٌ سعِيدَهْ
لايصدِمُ الصِّغارَ فيها منظرُ الدِّماءِ والأشلاءْ" (ص36)
وإذا كنا في هذه القصيدة نستشعر صورا عديدة تذكرنا بقصيدة "صاحب الوجه الكئيب" خاصة، فإن قصيدة حسين تقودنا بوجه أخص إلى قصيدة صلاح عبد الصبور الشهيرة، التي عنوانها "الخروج"، وفيها يستلهم هجرة الرسول  من مكة إلى المدينة، ليعبر عن تجربة شخصية مرَّ بها، ويقول في أحد مقاطعها:
"لو مت عشت ما أشاءُ في المدينةِ المنيرهْ
مدينةِ الصحو الذي يزخرُ بالأضواءْ
والشمسُ لا تُفارقُ الظهيرهْ
أوّاهُ يا مدينتي المُنيرهْ
مدينة الرؤى التي تشربُ ضوءِا
هل أنتِ وهم واهمٍ تقطّعتْ بهِ السُّبلْ؟
أم أنت حق؟
أم أنتِ حق" (الأعمال الكاملة، ص237)
ولسنا هنا في مجال المقارنة والتقويم بين الشاعرين، ولكننا نشير إلى بدايات الشاعر التي تكون عادة أقرب إلى التقليد والتأثر بالآخرين، منها إلى الاستقلال والذاتية الصرفة، وهو ما صنعه الشاعر فيما بعد، رؤية وأداة.
والحديث عن رؤية الشاعر وأبعادها يقضي مجالا أرحب، ولكننا نشير إليه هنا باقتضاب، لنؤكد على ما يمكن أن نسميه "الواقعية المثالية" .. حيث ينطلق الشاعر من واقعه ليطلب المثال وفق تصور واضح، لا غموض فيه ولا التباس ولا التواء.
وهذا الواقع الذي ينطلق منه هو واقعه اليومي المعاش على المستوى الشخصي ومستوى الأمة. وإن كان ما يجري للأمة ويعصف بكيانها وحضارتها وتاريخها ومستقبلها يمثل العنصر الأغلب والأعم والأكثر أهمية .. قليلة هي القصائد التي تنضح بالهم الشخصي، وقليلة هي الأشعار التي تقدم لنا معالم خاصة في حياة الشاعر تشغله أو تمنعه عن التفكير في واقع الأمة ومأساتها .. إنه شاعر يعيش لأمته، وينسى نفسه إلا في حالات قليلة يمكن عدها على الأصابع، بل إنه يوظف تجاربه الشخصية لتكون معبرا يصل إلى واقع الأمة، أو صدى لواقع الأمة.
من تجاربه الشخصية القليلة التي استأثرت بهمه الذاتي رثاؤه لأبيه الذي فقده، وهي مرثية قصيرة محكمة، يبدو فيها الرضا بالقدر والتسليم بالقضاء مع الإحساس الحاد بالفقد:
" .. وهلْ يسمعُ الشيخُ صوْتَ الرياحِ
بوادي الفناءْ
أيا فرسَ الموتِ ،
أقبِلْ ، وطِرْ بي
ودعْهُ هنا نائماً
مُستريحاً
وألْقِ عليْهِ .. الرِّداءْ".
وبصفة عامة فإن التجارب الذاتية تدور غالباً حول الرثاء للأحبة والأصدقاء والشعراء الذين ارتبط بهم عاطفيا وفنيا، ومن خلالها يبث شجنه، ويومئ ضمنا إلى الهم العام الذي يؤرقه ويضنيه، والذي يتفرد بالساحة الشعرية للشاعر، ويفرض ملامحه عليها، وعليه أيضا، كما نرى في قصيدة "الحصار يليق بالشاعر"، حيث يصير الشاعر "مجرَّدُ فرْضٍ في ذاكرةِ الطينِ"!:
"في الشارعِ يقفُ السمسارْ
في النّافذةِ المُخبرُ
في الذاكرةِ بقايا النّارْ
كيْفَ تُخاطبُكَ الأشجارْ
يا رجلَ الأقدارْ
ـ أنت مجرَّدُ فرْضٍ في ذاكرةِ الطينِ
وقبرُكَ
محفورٌ
في الأشعارْ".
ولعل هذه القصيدة القصيرة تجمع عناصر رؤيته في ذلك الصراع غير المتكافئ بينه وبين قوى الشر العاتية المتمثلة في "السمسار": رمز الانتهازية، والميكافيللية، والكسب بلا تعب، والمخبر: رمز السلطة والحصار والملاحقة .. ونتيجة الصراع واضحة سلفاً، حيث إنها محسومة لصالح الجبهة التي يقودها السمسار والمخبر .. أما الشاعر ـ رجل الأقدار ـ فمصيره إلى القبر!، وعلى الرغم من أن القصيدة تومئ إلى ملامح المقاومة والوقوف ضد التيار من خلال "بقايا النار" و"الأشجار"، وسنرى فيما بعد دلالة "النار" على صورة المقاومة والتطهير والأمل، فإن "الأحجار" بكل ما ترمز إليه من صلادة وقسوة وفقدان للإحساس، تعطي ملمحا مأساويا يُكرِّس الهزيمة والموت!! مما يعني واقعية الشاعر ومثاليته في وقت واحد.
وللإنصاف فإن الشاعر على مدى تجربته الشعرية، كان الأمل يومض في أشعاره بالرغم من قتامة الواقع المحبط، والذي يتبدّى عبر تفاصيل الحياة اليومية والأحداث السياسية والاجتماعية، وظل يحلم بهذا الأمل إلى عهد قريب، ولكنه ـ فيما يبدو ـ وصل مؤخرا إلى درجة الاقتناع باليأس وعدم الجدوى، لأنه يرى ما حوله ينبئ عن الهزيمة، ويتحدث عن الموت. ولا بأس أن نورد نموذجاً للأمل الذي كان يُداعب خيال الشاعر باستمرار طوال فترة غير قصيرة، ظل يحلم فيها ـ إلى درجة اليقين ـ بقدوم السلام والأمان:
"لنْ أضربَ في أرجاءِ الوهِمِ الحيْرانِ
سأعودُ لداري فرِحاً
ذات مساءٍ نشوانْ
وستُفرِخُ أطيارُ الحبِّ على نافذتي
وستشدو ..
ذات مساءٍ نشوانْ :
عمَّ الكونَ سلامٌ وأمانْ
عمَّ الكونَ سلامٌ وأمانْ".(من قصيدة "هموم شاعر أشبيلية العاشق")
وإذا كان هذا الحلم يبدو "طوباويا" ساذجا، ينقض ما أشرنا إليه من قبل عن "الواقعية المثالية" لدى الشاعر، فإنه في قصائد أخرى يتشكل وفقاً لقانون التضحية والفداء، وهو يُعلن عنه بخطابية مباشرة:
"أقفُ وأحميكِ من السِّفْلةِ والأوغادْ
وأُقدِّمُ عمري قُربانا
حتى ترتسمَ على أوجهِ أطفالكِ
بسماتُ الأعيادْ
ويظلُّ الشعرُ رسولاً للإيمانْ
سيفاً في الأرزاءْ
أنزفُهُ كلَّ صباحٍ ومساءْ
منْ أجلِ بنيكِ الفقراءِ الشرفاءْ" (ختام قصيدة "وشم على ذراع مصر")
(يتبع)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:58 PM
وفي كل الأحوال فإن الهم العام يظل يؤرق الشاعر، ويحضر أمامه في شتى المناسبات التي تجعله يحمل الأمة في حنايا صدره، يهتف لها، ويغني جراحاتها، ويأمل في غدها الجميل، وقد تحزبه هموم آنية، فتضيق أمامه جسور الأمل، وتسودُّ الرؤية، ولكن الأمل يظل قائما في أكثر من صورة يجسدها بصفة عامة إحساسه الحاد بضرورة الحركة نحو الأفضل والأنقى والأصفى.
ثمة ملمح آخر للرؤية الشعرية لدى حسين علي محمد يتمثل في تجاوز الدائرة الوطنية والقومية إلى الدائرة الإسلامية حيث يُعاني المسلمون ألوان عديدة من القهر والعسف، والطرد من بلادهم، وتطهيرهم منها بعد مذابح دامية بشعة ورهيبة، وغير مسبوقة في العصر الحديث، كما حدث في "البوسنة والهرسك" مثلاً، والشاعر لا ينسى في غمرة همومه ما يجري هناك لإخوانه المسلمين، الذين تآمر عليهم أعداء الإنسانية، وأشرار الأرض، وخذلهم المسلمون وصمتوا على ما يحدث لهم.
في قصيدته "أربعة مقاطع دامية أو: صهيب ينادي وا معتصماه!" التي يهديها "إلى سراييفو المحاصرة"، يوجز مأساة المسلم المعاصر، الذي تتناوبه الأرزاء، ويزري به الأعداء، ويعيش حالة بؤس وانفصام لا مثيل لها في تاريخه، ولعل المقطع الأول في القصيدة يُلخص هذه المأساة حين يستخدم النص القرآني في قوله تعالى أول سورة الروم "ألم غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون" لتقديم المفارقة في الواقع الإسلامي الراهن، وبدلا من أن يكون الحكم هو "هزيمة الروم" (غُلِبتْ = على البناء للمجهول) يجعل الشاعر الحكم معكوساً (غَلَبتْ = على البناء للمعلوم)، ويسرد ما تفعله الروم (رمز الإجرام الغربي المعاصر) بالمسلمين في سراييفو (أو البوسنة والهرسك) .. ويكثف الشاعر المفارقة من خلال الإشارات التاريخية إلى الماضي حيث كان المسلمون يغلبون، وكانت جيوش محمد  تحقق انتصاراتها في كل مكان، وكان يستنجد به كل مظلوم، وكل مقهور، وكل خائف:
"مشى الرومُ فوقَ جبينيَ هذا المساءْ
وداستْ خيولُهمو بالسنابكِ وجهَ الضياءْ
وكان "صهيبُ" يُنادي جيوشَ محمدْ
فلمْ تُرجعُ الريحُ حتى الصّدى
وضَاعَ النداءْ
وظلِّي تجمّدْ
فلا الأُفقُ تعلوهُ رايةُ أحمدْ
فلا الخيْلُ خيلي
ولا الظلُّ ظلِّي !"
وبالرغم من اسوداد الواقع الراهن، وسوءاته، وبالرغم من العجز والإحباط الذي يتبدّى في مقاطع القصيدة، فإن الشاعر في المقطع الأخير تراوده الآمال التي يراها بعيدة، ولكنه يتساءل عنها في لهفة وسخرية:
"هلْ تضحكُ الأيامُ للوجْهِ الحزينْ ؟
هلْ تعرفُ المخدوعةُ الحسناءُ
أكثرَ منْ حصادْ التُّرَّهاتْ ؟"
وهكذا فإن مأساة المسلم المعاصر ليست قاصرة على إقليم بعينه، ولكنها حالة عامة تشغل الشاعر في سياق عام يمثل محورا مركزيا في بصيرة الشاعر، وإن تعددت الملامح وزوايا الرؤية.
(3)
إلا الذئاب التي تعوي، وعام الرمادة، والصحاب الجوف، والليل اللدود، والدمع الذي يحفر نهره في الوجه المكدود ..
يبدأ الشاعر قصيدته بمقطع يمتزج فيه الماضي والحاضر، والخاص بالعام، في إشارة ذكية وموحية، بل عامرة بالإيماءات من خلال مفردات تشير إلى الوحدة والجوع والشوق والأمل:
"هذا أنا
وحدي هنا
خلفَ الجموعْ
الجوعُ يقتلُ ناقتي
والشوقُ يعصِفُ بالضلوعْ !"
ثم يُقلِّب معاني هذا المقطع بصورة أخرى تُشير ضمنا إلى الشاعر ووظيفة الكتابة، مع إحساس رومانسي عارم، يحفل بالتشاؤم والأسى:
"هذا أنا
سقطتْ إشاراتُ الكتابةِ ، والدموعْ
سالتْ على وجْهي ، وأوراقُ الربيعْ
سقَطَتْ ، تهاوتْ .. والمُنى
ذبُلتْ بقلبي ، تحتَ أقدامِ الصقيعْ"
وإحساس الوحدة الذي يستشعره الشاعر، ينبئ في المقطع التالي عن وجهين، أو وجه يمكن أن نديره، فيكون خاصا مرة،أي معبرا عن تجربة شخصية، وعاما مرة أخرى، أي يحتضن رؤية اجتماعية تلمّح إلى فجيعة يعيشها المجتمع، حيث لم يبق صامدا ونقيا إلا الشاعر ـ وما يرمز إليه ـ أما الساحة التي تحولت إلى فياف وقفار، فإن الذئاب هي التي تعمرها بالعواء والوحشة، والوحشية أيضا:
"مرَّ الصحابْ
وبحثتُ عنهمْ في الفيافي والقِفارْ
وظللتُ أصرخُ علّني أجدُ الجواب
فلمْ أجدْ غيرَ الذئابْ
تعوي ، ولمْ أجدِ الصحابْ !"
ويُلاحظ أن الشاعر هنا يستخدم قافية "الباء" ذات الجهارة والانفجار في ختام أغلب الأشطر بوصفها قافية ذات دلالة وتناغم مع المناخ المتوحش الذي بستشعره في وحدته وصموده، وصراخه أيضا.
في المقطع الرابع والختامي ـ وهو أطول المقاطع ـ يبدو الشاعر وكأنه يفيق من مثاليته ليجبه الواقع، الذي ينكشف عن جهامة عام الرمادة والصحاب الجوف، والليل اللدود، والدمع الذي يهمي .. وهنا تبدو الحيرة والتخبط، فهل يرجع الشاعر عن متابعة البحث عن الطريق ويستريح من العناء: عناء الوحدة والوحشة، أو عناء مواجهة المجتمع الذي تحوّل إلى ذئاب، أم يُتابع المسيرة ويقف خلف الجموع، يُعرِّض ناقته الجائعة للخطر، وضلوعه للشوق العاصف؟
"ضَلَّتْ خُطاكْ
يا أيها المجنونُ قدْ ضَلَّتْ خُطاكْ
وبحثتَ عنْ أثرِ الخُطا
وبحثتَ عنْ أثرِ الطريقِ
فلمْ تجدْ أثراً هناكْ
عامُ الرمادةِ ، والصحابُ الجوفُ
والليلُ اللدودُ
هواجسٌ ، والدّمعُ يحفرُ نهرَهُ
في وجهِكَ المكدودِ ، هلْ تبْغي الرجوعْ ؟"
ولكن الحيرة تبقى قائمة، والفجيعة تظل جاثمة، سواء على المستوى الشخصي أو المستوى العام، لأن الصحاب مروا، ولم يبق إلا الذئاب، وإن كان الشاعر يُقرِّر أيضاً أنه لم يبق في حوزته إلا الدموع!:
"لمْ يبقَ لي غيْرُ الدموعْ
هذا أنا
وحدي هنا
خلفَ الجموعْ
الجوعُ يقتلُ ناقتي
والشوقُ يعصِفُ بالضلوعْ !"
وأيضاً، لنا أن نتأمل هنا "قافية العين" الذي يختتم بها بعض الأشطر في هذا المقطع لنرى تأثيرها الموسيقي الفاجع، والذي يُنبئ عن عمق الفجيعة والحسرة، وهو عمق يتساوى مع موضع خروج العين من الحلق، ودلالته الحزينة اليائسة.
لعل "أوراق من عام الرمادة" التي قرأنا بعضها هنا تُنبئ عن توظيف جيد وساطع، لدلالة عام الرمادة ومعطياته في التعبير عن تجربة الشاعر تجاه لحظة حياتية أو واقع يلتحم به، ويصطلي بأحداثه وأناسه.
من ناحية أخرى فإن الشاعر يستدعي شخصية الشاعر "ابن الرومي" ليطرح من خلالها مأساة الشعراء الصادقين في كل زمان ومكان، عبر حكاية فقر ابن الرومي وجوع أولاده، وعدم قدرته على الوصول إلى أبواب السلطان كي يمدحه وينال نصيباً من المال يُعينه على مواجهة الحياة. وابن الرومي في ذاته شخصية معروفة على مستوى الشعر، ولكن ما يتعلق بها ـ على مستوى الشاعر ـ وقصة فقره، وطموحه إلى مديح السلطان، غير معروف لدى عامة القراء أو جمهورهم على الأقل، وهذا يُضعف التواصل بين الجمهور وابن الرومي، أو بين القراء وقضية العلاقة بينه وبين السلطة، وما يستتبع هذه العلاقة من أثر اجتماعي وخلقي.
ويمكن القول إن الشاعر أخفق في تقديم "ابن الرومي" بوصفه رمزاً ناجحاً على المستوى الفني، كما كانت الصياغة للمقاطع الخمسة التي كوّنت القصيدة "أوراق عن ابن الرومي" متفاوتة من ناحية الإحكام البنائي، فالمقطعان الأول والثاني جيدان، أما المقاطع الثلاثة الأخرى فليست على مستوى المقطعين الأول والثاني، فبينما نجده في المقطع الأول يُقدم توطئة مقبولة، بل مشوقة لما يريد أن يطرحه من خلال ابن الرومي، نجده في المقطع الأخير يلجأ إلى تقديم نهاية غير مبررة (فنيا) وتاريخيا، فضلاً عن صوت جهير يتسم بالتقريرية والمباشرة، وهو ما ينطبق إلى حد ما على المقطعين الثالث والرابع.
ولنقرأ ما قدّمه في المقطع الأول حيث يقدم توطئته التي تعتمد الحكاية والقص:
"افتحْ لي باباً أدخلُ منهْ
يا موْلايَ السُّلطانْ
أبعدني عنكَ الحجَّابْ
طردوني دونَ البابْ
ظنوني أحدَ السِّفْلهْ
خافوا أنْ أفتكَ ـ حاشا ـ بالسلطانْ
وأنا...
ـ علِمَ اللهْ ـ
أعْددتُ قصيدةَ مدْحٍ عصماءْ
وحلُمتُ بأنْ أُلقيَها في حضْرتِكُمْ ذات مساءْ
فتنيلوني شيْئاً
أوْ ترضونَ عليّ"
أما المقطع الأخير، فيبدو صاخباً على هذا النحو:
"عابَ أشعاري وفي منزِلِــهِ .:. كلُّ عَــارٍ ومخَــازٍ ورِيَبْ
أنا لا أشتُـمُ إلاَّ أُمَّــــهُ .:. فلْيزِدْني غضـباً فـوقَ غضَبْ
مالِمَنْ يُغمــزُ في أنْسابِـهِ .:. ويَعيبُ الشعرَ منْ أهلِ الأدبْ"
ويبدو أن الشاعر لم ينتبه إلى أن قصة "ابن الرومي" كان يمكن أن تُشكل في السياق الذي صنعه دلالة أخرى أكثر غنىً وعمقاً، وبخاصة أنها دارت حول محور البحث عن "النوال"، ولكنه آثر فيما يبدو أن تنتهي تلك النهاية التي تعيب فيها "البطانة" أشعار ابن الرومي، وهنا يتوقف الشاعر حسين علي محمد حيث لم نستطع فهم السبب الذي يجعل السلطان ـ ولو من خلال الحلم ـ لا يُجيز قصيدة عصماءَ "قد صيغتْ لآلئها بألفيْ بيْتْ".
(يتبع)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 04:59 PM
(4)
يمكن القول إن لغة "حسين علي محمد" في إطارها العام، أقرب إلى الرمز الشعري منها إلى لغة الخطاب العادي، فمعظم ألفاظه تنحت لنفسها دلالة تتجاوز المعنى المُتداوَل، لتُشير إلى معنى خاص يفرضه أداء الشاعر وصياغته. ومن هنا فإن "الرمز اللغوي" لديه يُشكِّل معجماً له ملامحه وسياقاته التي يُمكن تتبعها عبر قصائده، لنستخلص منها دلالات رمزية توحي بما يلح عليه الشاعر ويؤرقه.
ويمكننا أن نذكر هنا بعض الألفاظ / الرموز غزيرة الاستخدام ، أو التي تُشكِّل بعضاً من معجم الشاعر، ويستطيع الباحث لو أراد أن يغوص في حقولها الدلالية، فيكشف كثيراً من الرؤى والمعطيات على أكثر من مستوى، ومنها على سبيل المثال:
(الحلم ـ الندى ـ الحنين ـ السراب ـ الليل ـ الفجرـ النور ـ العشق ـ الحب ـ الرحيل ـ السفر ـ الغربة ـ الوحدة ـ الموت ـ الحزن ـ الشدو ـ الغياب ـ الصمت ـ الجرح ـ القنديل ـ الفصول الأربعة ـ الخوف ـ الريح ـ الشجرة ـ العصفور ـ الغراب ـ الصحراء ـ اللؤلؤ ـ الغيم ـ القوافل ـ الصهيل ـ النسيان … إلخ).
وكل لفظة منها تأتي مفردة أو مجموعة أو مضافة أو مشتقة أو مرادفة، لتتقلب عبر القصائد بدلالات شتى ومتعددة.
في هذه الوقفة القصيرة نكتفي بالدوران قليلا في حقلي "الوردة والنار"، فكل منهما تملأ حقلا دلاليا يُضيء في أكثر من اتجاه، وقد تكررت كل منهما في عناوينه وسطوره، لدرجة توحي بسيطرتهما عليه، واقتحامهما لشعوره، ولاشعوره أيضا. ففي العناوين يمكن ان نقرأ مثلاً: "الرحيل على جواد النار" ـ عنوان مجموعة شعرية ـ وفي القصائط يمكن ان تقرأ أيضا بعض الأمثلة: "العصفور وكرة النار"، و"ووردة"، و"أيتها الوردة"، و"زهور بلاستيكية"، و"زهرة الصبار"، و"زهور جافة إلى يارا" …
تتحوّل "الوردة" ـ ومرادفاتها ـ في حقولها الدلالية إلى صورة "الحلم الجميل" الوديع، هذا الحلم الذي يتبدّى في أكثر من صورة وأكثر من وجه ـ كما سنرى إن شاء الله ـ وكذلك "النار" التي تُمثِّل الوجه الآخر لهذا الحلم، الذي يمكن أن نسميه "الحلم المناضل" ـ كما فعل الدكتور "علي عشري زايد" في مقدمة لمجموعة الشاعر "شجرة الحلم" ـ إنه الحلم الذي يقضي ـ في كل الأحوال ـ بتحطيم الواقع الظالم وإحراقه وتطهيره .. فالنار مطهِّر فعال، لأنها لا تُبقي أثراً للظلم أو التشويه!!
في مستهل قصيدة "جراح" يقول الشاعر:
"لا يذكرْ
كيفَ الوردةَ صارتْ
مُفتتحا للجرح !"
الورد غالباً مرتبط بالجراح والطعنات والآلام والإحباطات، ولعل المشابهة بين لون الورد ولون الجرح هي التي جعلت الشاعر ـ في العادة ـ يختزل فيها ومن خلالها كثيراً من الأحزان والصعوبات.
وفي قصيدة أخرى قصيرة تحمل اسم "وردة" يلخص الشاعر تصوره لمفهوم عام من مفاهيم الوردة، يكاد يكون هو المسيطر على دلالاتها الأخرى عبر شعره. إنه يصفها في إيجاز شديد بوردة الفجر .. ثم ينوع بعد ذلك أوصافها وملامحها، ولكنها تظل في معظم الأحوال "وردة" الشاعر التي يحلم بها، سواء أكانت قصيدة جميلة أم غاية يسعى إليها، أو وطناً يتغلّب على عجزه وسكونه وهزائمه .. يخبرنا الشاعر بحديث وردته في أبيات أو سطور تحكمها قافية توحي بالعمق والغموض والأحزان في آن واحد:
"هيَ وردةُ الفجْرِ التي
ألقَتْ مباسمَها إليْكَ
ولا تروحُ !
ولكلِّ لفْظٍ نبْضُهُ
ولكلِّ فاتنةٍ جموحُ
ولكلِّ سهْمٍ برْقُهُ
ولكلِّ لاحظةٍ جروحُ !"
وقد تكون الوردة رمزاً رومانسيا حالماً للمستقبل المنشود الذي يملأ جفاف الحياة / الصحراء، بالري بعد الظمأ، ويُعيد الدنيا ربيعاً منتشياً بالنصر بعد عذابات الهزيمة والضياع، كما نرى في قصيدته "بقية الموال" من مجموعته "السقوط في الليل":
"متي يجيُْ الفارسُ المُهابْ
على حصانِهِ السريعْ
ويزرعُ الفلاةَ بالورودِ واللبْلابْ
ونحيا عمرنا ربيعْ ؟"
وفي دوائر الحزن التي تُحيط بالشاعر تتحول "الوردة" إلى علامة على الرحيل والبعث في آن واحد، أو دلالة على الموت والعزاء في الوقت نفسه، شريطة أن تكتسب حالة مغايرة للورد الذي نعرفه في الحديقة، وفي شعر الشاعر .. فهي هنا "وردة أخرى" أو "وردة ثلجية" تنبت في الثلج، أو هي بنت الثلج، وما أكثر دلالات الثلج في الواقع وفي النفس معاً:
"هذي وردتُكَ الأُخرى !
وردتُكَ الثلجيةُ .. تعلو شاهِدَ قبرِكْ
تتفتَّحُ بوْحاً .. وعزاءْ :
ما عادَ القلبُ بصيرا
ما عادَ الحبُّ كبيرا
فابْكِ صباحاً
ومساءْ
وابكِ صباحاً
ومساءْ!" (من قصيدة "زهور بلاستيكية" التي تحمل عنوان مجموعة شعرية).
وترتبط الوردة الثلجية ـ كما نرى ـ بعمق الأحوال الشعورية لدى الشاعر؛ فالقلب الذي فقد البصيرة، والحب الذي تقامأ وتصاغر حتى لم يعد له وجود، يُنبئ عن محنة أصابت الشاعر، وجعلته يُكرّر الدعوة إلى البكاء صباحاً ومساءً، وتبقى "الوردة الأخرى" أو "الثلجية" شاهداً على قبر "الحلم" و"الأمل" الذي لا بد له أن يتجدّد بالرغم من كل شيء!
وإذا كانت "الوردة" بصفة عامة رمزاً للنقاء والصفاء والأمن والاطمئنان والسلام، والحلم الطوباوي الرومانسي، فإنها تأتي في صورة أخرى ـ وما أكثر ما تأتي ـ دلالة على الحبيبة / الوطن، التي أُصيبت بالطعنات والجراح، وأُثقلت بالأحزان والآلام. وفي المقطع الثاني من قصيدة "مواريث" ـ مجموعة "تجليات الواقف في العراء" ـ يُشير الشاعر إلى ما أصاب الوردة من طعنات وأحزان، وإن كنت لا أ دري لم حدّد عدد الطعنات بإحدى عشرة طعنة؟:
"أيتها الوردةُ
في نسغٍكِ إحدى عشرةَ طعْنهْ
وضِمادانْ
تلكَ فضاءاتُكِ مُثقلةٌ بالبوْحِ
وبالأحزانْ
قولي …
كيفَ اخْتَرَمتْ يُمناكِ السمةُ والجُرْحْ ؟"
وفي مطوّلة الشاعر "ثلاثة مشاهد" والتي يتناول فيها مأساة الواقع العربي، العاجز والمُحبَط والذليل، نراه يستلهم مع الرمز الديني سيدنا "نوح" ـ عليه السلام ـ بوصفه المُنقذ من الغرق، رمز الوردة أو الورد، فيصير للوردة أوردة، وتتحوّل إلى كائن حي، يتحدث إليها خرير الذاكرة الصخرية، ثم تتحوّل مرة أخرى إلى بديل للمطر، يُمطر صحراء الروح:
"ألا تمسحُ دمعكَ يا "نوحُ"
ألا تُمطرني بالوردِ النازفِ في بطْنِ السَّدِّ
تُبلِّلُ صحراءَ الروحِ بأمطارِ يقينِكَ ؟"
وتدخل الوردة في سياق التناص أو الاقتباس، بديلا للدنيا في عبارة "علي بن أبي طالب" ـ  ـالمشهورة: "يا دنيا غُرِّي غيري"، وكأنَّ الشاعر يتوهّمَها مُقبلةً عليه، ولكنها في الواقع تتمنّع وتتأبَّى وتُراوغ، والشاعر أيضا يُراوغها بحثاً عنها، أو عن الحلم الضائع:
"يا "وردةُ" غُرِّي غيْري
أخلعُ ثوبَكِ منْ ذاكرتي الناسيةِ
هلُمِّي تحجبُكِ الشمسُ نهارا
تُشرقُ أعمدةُ التذكارِ عشيا
أُلقي في تابوتِ الأجداد جنيني"
وتتحوّل الوردة أو الورد في نهاية القصيدة ـ مرةً أخرى ـ إلى رديف للجنون، يُنذر بالويل في الواقع العربي، المليء بالفوضى والجنون:
"يا ويْلي !
أتساقطُ ورداً وجنونا
في فوْضى الصحراءِ العربيهْ
وثنايا الوهْمْ !"
إن الوردة تتحوّل في ثنايا النسيج الشعري إلىكائن حي، له وجوده الفاعل بإيحاءاته ودلالاته، وينطلق وينطق بكثير مما يُريد الشاعر أن يقوله شعراً .. ويمكن أن نجد نظائر عديدة للوردة في السياق الشعري الفاعل، مثل الزهرة، والنرجس، واللبلاب، والفل، وبقايا الأنواع المنسوبة إلى عالم الوردة والورد.
وتُشكِّل "الوردة" في منعطف آخر، مزيجاً مع "النار"، لتُنتج ثنائية الحلم الهامس مع الحلم المناضل، أو الحلم الأول الذي يقود إلى الحلم الثاني، الذي يود الشاعر أن يُصبح حقيقة .. هاهو في قصيدته الأولى من "تجليات الواقف في العراء" التي يُهديها إلى الشاعر الراحل "محمد العلائي"، يتوجّه إليه بالخطاب، وقد واجه بعد رحيله منذ ست عشرة سنة نوعاً من الجحود والنكران، والسطو أيضا:
"أغلقْ عينيْكَ ثانيةً
أيها المسكونُ بوجعِ النارِ
غيرِ المُقدَّسة
ووردةِ الفوْضى
فالأغوالُ التي ذُعِرتْ منها قصائدُكْ
مازالتْ تتريَّضُ في الساحةِ
بصحبةِ الثعابينِ والدببةِ"
وهكذا يبدو مزيج "وردة الفوضى" و"وجع النار"، محكوماً عليه بالموت أو الرجوع إلى القبر: "أغلقْ عينيْكَ ثانيةً" فالأعداء كثيرون، والقتلة أكثر (الحدأة، الأغوال، الثعابين، الدببة ..).
ويأخذ مزيج الوردة والنار بُعداً آخر، فبالرغم من صخبه وعنفوانه يُعطينا إحساساً يقينيا بالأمل، وانبلاج الصبح، وعن طريق ما يُعرف في بلاغتنا القديمة بالمقابلة والمطابقة، أو ما يُعرف الآن بالمُفارقة، فإن الشاعر يجمع بين صورتين للنار والوردة: (النار المستعرة بالأعراق، والأوردة الثلجية التي صارت وردة)، ويُقدِّم من خلال مُفارقة أُخرى (أهداب الليل ـ أكمام الصبح) معالم الأمل الذي يحلم به، ويُناضل من أجله:
"النَّارُ بأعراقي مُسْتَعِرَهْ
أوردتي الثلْجِيَّةُ صارتْ ورْدَهْ
أهدابُ الليلِ أراها تتفتَّحُ
.. عنْ أكمامِ الصُّبحِ المُمتدَّهْ" (المقطع الثالث من "شجرة الحلم")
وفي المقطع السادس من القصيدة السابقة، والذي جعل عنوانه "عرس الكلمات"، تنفرد النار بالحلم المناضل، وتصير الكامات ناراً، ويُشير الشاعر إلى الدور الذي كانت تلعبه في الماضي كلماته ـ ويقصد شعره طبعاً ـ لتغيير الواقع وترطيب جهامته بالنسبة للناس، وبخاصة الفقراء .. ثم يُوازن بين بعض كلامه الآن حيث صار هشيماً لا قيمة له، وبعض كلامه الان حيث هو نار محرقة مُطهِّرة ، تقوم بدورها في وضوح لا لبس فيه، ويؤكِّد ذلك التكرار الذي تبدأ به السطور الثلاثة الأولى:
"كلماتي كانتْ زاد الفقراءْ
كلماتي كانتْ نبعَ الماءِ الدَّافِقِ في الصَّحراءْ
كلماتي كانتْ مُنذ زمانْ
أما الآنْ
.. فبعْضُ كلامي صار هشيماً تذروهُ الرَّيحْ
والبعضُ الآخر صارَ النَّارْ"
في القصيدة المدوّرة "فيلم عربي" مقطع بعنوان "النار / النار"، تبدو فيه النار مصنعاً يُنضج الأفكار والأجساد، ويُعدُّها لمواجهة الواقع، ولكن ما تفعله النار يذهب بدداً، وتنهبه الثعالب من شتى أنحاء الأرض، وتبدو النار هنا قريناً للأمل المحبط أو الحلم الضائع، أو رديفا للاستلاب والقهر .. يتساءل الشاعر في بداية المقطع:
"لماذا كلُّ هذا الرعبِ ؟ والجسدُ الذي في النارِ أنضجناهُ تأكلُهُ الثعالبُ منْ فِجاجِ الأرضِ ، تنهشُ حدأةٌ في الرُّوحِ ألواحاً من الصَّخْبِ الذي عشناهٌ أحقاباً .."
ويكشف الشاعر ملامح هذا الجسد الذي يُعبِّر عن نصر شامخ (عشناه) أشعاراً من قبل، فيما يُشبه بكاء الماضي، ولكنه يستخدم الجسد (طفلة في النار) مرةً أخرى، آملا أن تقوم النار بدورها في الإنضاج والإثمار:"في نيشانِ نصْرٍ شامخٍ (عِشناهُ) أشعاراً ، تركنا طفلةً في النارِ .. تُنضِجُها سمُومُ القصْفِ والغسقِ المُحمْحِمِ في خضابِ الرملِ والقيعانِ :
هيّا يا جياعَ القلبْ !"
على كل فالنار هنا تظل هي المُنضجة للأمل، الحلم بالرغم من الغيبوبة التي (عشناها) في نصر كذوب (مُتناه) من قبل:
“هذي قبضةٌ مرفوعةٌ بعلامةِ النصرِ الذي (مُتْناهُ) فوقَ الحائطِ المهدومِ .."
ويستخدم الشاعر "النار" منذ مرحلة شعرية مبكرة في معنى التطهير والإنضاج لتحقيق الحلم المناضل، ففي قصيدته "العصفور وكرة النار" تأتي النار مقابلاً للعصفور في تحقيق التوازن والتكامل بين الحلم الجميل المأمول، والحلم المناضل الواقعي، فالعصفور رمز الأول، والنار هي رمز الثاني، وكلاهما ـ كما سبقت الإشارة ـ يُكمل الآخر، ويدعمه ليتحقق على أرض الواقع:
"مع نسماتِ الفجرِ أراني أولدُ ثانيةً في تغريدةِ عصفورٍ دحْرجَ كرةَ النّارِ على أوديةِ الأحزانْ"
إن "كرة النار" هي المطهِّر الذي يأتي على الأحزان والآلام، ويصنع عالماً جديداً، ويحقق الحلم المأمول.
في لفظة "اللهيب" ـ رديف النار ـ نجد المضمون ذاته الذي يحمل معنى التطهير، والقيام بدور المزيل للحزن الأزلي، والصدأ الذي يترسّب على القلوب والصدور .. حيث يتحقق الحلم الذي يرجوه الشاعر ويأمله:
" ونحلُمُ أنّا وُلِدْنا
وأنَّ الصدورْ
ربيعٌ ونورْ
وأنَّ اللهيبَ يمورْ
ويقضي على حزنِنا الأزلِيّْ
ويأكلُ كلَّ الصَّدأْ
فتولدُ فوقَ الشِّفاهِ
ابتسامةُ شعْبٍ ظَفَرْ"
ولا ريب أن الحلم باللهيب أو النار لتطهير الواقع هو حلم عام، على المستوى الذاتي والقومي والإنساني، يبحث عنه الشاعر مع آخرين، ينتظرون ولادة "ابتسامة" فوق شفاه الشعب الصابر، وهنا نتأكد أن النار رمز لمعنى كبير، يحقق للشاعر والأمة: الأمل والنصر والحرية.
(يتبع)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:02 PM
(5)
إذا كان الشاعر قد استخدم الرمز الذي ينسجم مع رؤيته تاريخيا ولغويا، فإنه دعَمَ هذا الاستخدام بالشكل الشعري الذي يُتيح له هذه الفرصة الأفضل للتعبير عن هذه الرؤية .. وبصفة عامة يُمكن القول: إن الشاعر اتكأ على الموسيقا السريعة الأقرب إلى الدفقات الشعورية المتلاحقة، والنغمات الراقصة، التي ما تكون غالباً ـ ويا للمفارقة ـ في ساعة الموت أو الوحدة أو الإحباط أو القهر! وهي موسيقا تقوم عادة على بحرين صافيين: "المتدارك" و"المتقلرب"، وفيهما ما فيهما من تدافع أو تدفق نغمي يتناغم مع حالات الفرح والحزن، وإن كانت رؤية الشاعر بصفة عامة تُثير من الشجن والأسى أكثر ما تُثير من المرح والبهجة، ونادراً ما نجد الشاعر يعبر إلى موسيقا البحور المركبة، بسبب إلحاح رؤيته الشعرية على التعامل مع الواقع الممتلئ بالجراح والآلام والأحزان.
ولعل لهذا السبب أيضاً تفاوتت قصائده قصراً وطولا، وإن كانتْ عموماً أميل إلى الإيجاز والتركيز، ومُحاولةً أن تكون القصيدة دفقة شعورية واحدة، تجمل رؤية الشاعر وهمومه .. ومن ثم تعددت صور القصيدة أو الشكل الشعري لديه، فهناك القصيدة التقليدية، وقصيدة التفعيلة، والقصيدة المدورة، وهناك أيضا ما يسمى بـ"قصيدة النثر"، فضلاً عن محاولاته في المسرح الشعري، وشعر الأطفال.
وتكاد تكون القصيدة التقليدية (العمودية المقفاة) نادرة، ولم أجد فيما لديَّ من إنتاجه غير قصيدة واحدة قصيرة لا تتجاوز خمسة أبيات بعنوان "شتاء على القلب":
أقبِلْ على درْبِنا ، إني إليْــكَ ظَمي
أشْـرِعُ أماميَ بابَ الفتْحِ لا النَّـدَمِ
الليْلُ في جُرْحيَ الممْرورِ بعضُ شذى
فافْتحْ ذراعيْكَ واحْضُنْ بـوْحَ مُنْهَزِمِ
الليْـلُ والآهُ في نبْضي قدِ امْتَزَجـا
فأوْرَقَ الحُـــلْمُ في بوّابةِ الحُمَمِ !
حدِّقْ بشوْقِكَ ، أمْطِرْني بفيْضِ ندى
لعلَّ صمْتيَ مُشتــــاقٌ إلى النَّغَمِ
يا أيُّها النَّبْـعُ ، يا ذكْرَ الرياضِ أَعِدْ
لمسْمَعِ القلْبِ موسيقـا من القِمَـمِ !
ولعل بداية الشاعر من خلال شعر التفعيلة، هي التي وجّهته بحكم الإلف إلى الإنشاد من خلال تفعيلاته التي تطول سطورها أحياناً، بل وتتطور في بعض القصائد إلى ما يُسمّى "التدوير" أو "القصيدة المدورة"، وهي عبارة عن فقرات شعرية طويلة تتكوّن من عدد كبير من التفغيلات، قد يصل أويتجاوز ثلاثين تفعيلة في الفقرة الواحدة، والفقرة الشعرية في هذه الحالة تعدُّ بمثابة البيت أو السطر الشعري، وهناك عدد واضح الحضور من "القصائد المدورة" سواء في مجموعاته المبكرة أو الجديدة، منها على سبيل المثال: "العصفور وكرة النار"، في مجموعته "أوراق من عام الرمادة"، و"الأميرة تنتصر" في مجموعته "شجرة الحلم"، و"لماذا تظل العصافير تشدو؟" في مجموعته "السقوط في الليل"، و"جراح" في مجموعته "تجليات الواقف في العراء"، و"فيلم عربي"، و"محاولة للنسيان"، و"السر الأعظم"، و"خمس صفحات من كراسة المجنون" في مجموعته "زهور يلاستيكية"، وقد أشرنا من قبل إلى بعض التماذج، ونورد هنا نموذجاً آخر يكشف أكثر كيف تتتابع التفعيلات لتشكل الفقرة الشعرية ـ بديلا عن البيت ـ دفقة شعورية متناغمة رغم كثرة عدد التفعيلات وعدد الجمل أيضا. يقول في قصيدة "محاولة للنسيان":
"لماذا تُناديكَ هذي السفوحُ بخضرتِها ؟ وبهذي الفلولِ الأليفةِ ؟ (كانتْ تسوقُ تراباً فيرتجُّ منا الفؤادُ ، طيورُ أبابيلَ تُسقِطُ أحجارَها ، وأفيالُ صنعاءَ تتركُ أسوارَها ، وورْدتُكَ / النارُ تُفرغُ كأْساُ".
ويقول في أحد مقاطع "الأميرة تنتصر" الذي تطول تفعيلاته بصورة ملحوظة، معبرا عن لحظة الصدام بالصليبيين في المنصورة بينما جسد الصالح أيوب مُسجّى، و"شجر الدر" تُدير المعركة:
*أولادُكِ يامصرُ الحرةُ يأتونَ ، وإني مُبْتهِلٌ في السَّحَرِ إلى اللهِ ، وأحمِلُ سيْفي كيْ أدفعَ عنْكِ الأعداءَ ، وهذا شجرُ النيلِ الأسمرِ يتحرّكُ ويُقاتلُ أعداءكِ . هذي ذرَّاتُ ترابِكِ نارٌ وبراكينُ تُحمحِمُ في الميدانِ ، وهذا صوتُ الحافرِ يخلعُ أفئدةَ الصُّلبانِ ، وإنّا مُعتكِفونَ على حُبِّكِ يا مصْرُ ، نُصلِّي للهِ ، وفي القلبِ القرآنُ (أهذا قصرً الصالحِ نجْمِ الدينِ .. فهيّا ندخلْ مملكةَ الريحِ ، ونبْعثُ في الجسدِ الميِّتِ روحاً ، نحفرُ فوقَ نوافذهِ الصَّامتةِ الليْلةَ ـ هذا الفرْحَ / النَّصْرَ / الذُّرَّهْ !".
والتدوير له مزالقه الفنية التي توقع في النثرية بصفة خاصة ما لم يكن الشاعر واعياً لطبيعة التدوير بوصفه وسيلة متناغمة مع مع الرؤية الشعرية المتدفقة، وقد لاحظ الدكتور "علي عشري زايد" في مقدمته لمجموعة الشاعر "شجرة الحلم"، أن قصائده سلمت من المزالق إلى حد كبير "وإن كان الشاعر لم يسلم تماماً من الوقوع في مزالق النثرية وعدم الانضباط التي يقود إليها استخدام هذا الأسلوب" (ص25).
وقد لاحظ الدكتور "عزالدين إسماعيل" أنه قد تحقق من خلال عملية التدوير في الشعر مزية كان من الصعب من قبل تحققها، وهي ألا يرتبط الجرس الصوتي للكلمات بإيقاع الوزن، دون إلغاء لهذا الإيقاع.
وعلى هذا الأساس ـ كما يقول ـ فإن كل تدوير تُنفى عنه هذه الوظيفة، حين تقوم كل عبارة فيه، أو بعض هذه العبارات مستقلة إيقاعيا ومعنويا .. ومن ثم يفقد التدوير مبرره الفني (الشعر العربي: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، دار الفكر العربي، ط3، ص431).
أي أن الكاتب يرى أن تكون الفقرات شحنات نفسية ومعنوية، تتكامل العبارات في تقديمها للكاتب، فإذا استقلت عبارة فنية إيقاعيا ومعنويا عن الأخرى فَقَدَ التدوير معناه.
وبالنسبة لشاعرنا "حسين علي محمد" فإن التدوير كان وعاءً مناسباً لتدفقه الشعري والشعوري معاً، وإن كان شرط الدكتور عز الدين إسماعيل بالنسبة لترابط الإيقاع بالمعنى، لم يتحقق تماماً، وهو ما أشرنا إليه قبل قليل من خلال كلام الدكتور علي عشري زايد.
وسوف نلاحظ بصفة عامة أن الشاعر يحرص على نوع من التقفية بالنسبة لسطوره، أو فقراته الشعرية، مما يتضح في كثير من النماذج التي قدّمناها سلفاً ـ وهو ما يعني احتفاء الشاعر بالإيقاع، بالرغم من ميله إلى التجريب فيما أسماه بـ"قصيدة النثر"، فقدرته الموسيقية وسيطرته على الإيقاع (وزناً وقافيةً) تُؤهِّلُ للاستغناء عن هذا اللون الذي ابتدعه بعض الشعراء لغايات غير أدبية .. فالقصيدة النثرية المزعومة، لا تُمثل إلا حالة تعبيرية نثرية مغايرة تماماً للشعر الذي يعتمد على الإيقاع أولا وآخرا؛ فلا شعر بدون إيقاع، وقد سبق لأدباء عديدين ـ لعل أبرزهم "الرافعي" يرحمه الله ـ كتابة هذا اللون من النثر الذي يعتمد على الصورة والخيال والتكثيف، بصورة جيدة وراقية، دون أن يدّعوا أنه قصيدة نثرية، أو نثر شعري، ولأنني لا أريد أن أخوض كثيراً في هذه المسألة، فسأكتفي بتقديم نموذج من هذا اللون الذي كتبه الشاعر تحت مسمّى "القصيدة النثرية"، وهاهو مقطع مما كتبه تحت عنوان "أحمد زلط"، يقول فيه مُشيراً إلى رحلته للعمل في اليمن:
يمسحُ نظارتَهُ الطبيهْ
استعداداً لسهرةٍ شجيةٍ
مع محمد حسين هيكل ومحمد زغلول سلام
والسنهوتي وصابر عبد الدايم
ومحمد عبد الحليم عبد الله
قبلَ أنْ يُلقيَ بالكتب إلى عُبابِ النهرِ
متتبعا آثارَ بلقيس !
وواضح أن هذا النص ـ وغيره أيضا ـ يشد الشاعر إلى طبيعته الأصيلة بالرغم من محاولته الانفلات من الإيقاع، ليقلد من كتبوا "قصيدة النثر"، فهناك ما يمكن وزنه، فضلاً عن إنه يكتب كلامه على هيئة الشعر، مما يؤكد أن تلك المحاولة في كتابة القصيدة النثرية، ماهي إلا نزوة سيُقلع عنها في يوم قريب، لأن طبيعته الأصيلة ـ وهي الشعر ـ أقوى في كل الأحوال من محاولات الهبوط إلى قاع النثرية.
(6)
ثمة ظاهرة شعرية جديدة نباركها ونؤيدها، وندعو إليها، وهي الكتابة الشعرية للأطفال، فمنذ المحاولات القديمة لأحمد شوقي ومحمد الهرّاوي وبعض الشعراء في مصر والدول العربية، لم يكتب المعاصرون شعراً للأطفال إلا قليلاً، ومع الإغراق في الضبابية والإلغاز الذي سقط فيه فريق من شعراء السبعينيات في مصر والعالم العربي، فإن الكتابة الشعرية للأطفال تُصبح حدثاً مهما تنبغي الحفاوة به، حتى لو كانت قيمته الشعرية متواضعة، أملاً في تنميته وازدهاره وتفوقه .. وبخاصة أن أدب الأطفال العرب يُعاني عموماً من فقر حاد، لأسباب لا مجال للخوض فيها هنا.
يُحسب لشعراء السبعينيات أن أحدهم (وهو أحمد زرزور)، قد فاز بجائزة تشجيعية حول أشعاره للأطفال، وإن كنت للأسف لم أطلع على هذه التجربة، كذلك فهناك من أطلعني على بعض نماذجه التي لم تُنشر في هذا المجال مثل الشاعر أحمد فضل شبلول . أما شاعرنا "حسين علي محمد" فقد أعد مجموعة قصصية شعرية للأطفال بعنوان "مذكرات فيل مغرور" تضم ست قصص أو حواريات شعرية، تحمل قيما خلقية نبيلة، واداءً فنيا ناضجاً.
وأتصوّر أن اتجاه شعرائنا نحو أدب الأطفال سوف يُسهم في حل معضلات فنية عديدة، لعل أبرزها الخروج من دائرة الغموض والإبهام التي تجتاح بتيارها وعواصفها كثيراً من النماذج الشعرية التي تُطرح في الساحة للكبار .. كذلك أتصوّر أن هذا الاتجاه سيُخرج الشعراء أنفسهم من دائرة الرتابة والتكرار، والتي حوّلت الكثير من النماذج الشعرية (وخاصة ما يأتي منها في إطار الشعر الحر) إلى فصائد تقليدية، يمكن الاستغناء يواحدة منها عن مائة، لتشابهها ونمطيتها .. أيضا فإن التوجه إلى أدب الأطفال سيُثري التجربة الشعرية العربية المعاصرة عامة، وتجربة أدب الأطفال خاصة.
وفي إيجاز يمكن أن نجد في تجربة "حسين علي محمد" الشعرية للأطفال خصوبة وثراءً واضحيْن، فقد اتجه الشاعر إلى مجال القص أو الحكْي، وهو أساس أدب الأطفال عموماً؛ لأن القصة أو الحكاية هي المجال الذي يعشقه الأطفال ويحبونه على تفاوت أسنانهم وأعمارهم، ولذا فإن الشعر حين يأتي مرتكزاً على القصة أو الحكاية يتسلّل إلى أعماقهم ومشاعرهم، ويجذبهم للتفاعل مع النص والعيش معه، على العكس من الوصف الخارجي لبعض التجارب التي لا تقوم على القص أو الحكي .. ولعلنا نتذكّر أن قصائد شوقي للأطفال كانت تعتمد على "الحدوتة"، مما جعل الأطفال ـ بل والكبار ـ يتناغمون معها ويتفاعلون.
يقدم "حسين علي محمد" مجموعة من القصص التي تستدعي التاريخ الحقيقي أو الأسطورة، ومن النوع الأول القصة الأولى "مذكرات فيل مغرور"، وتتحدث عن قصة "أبرهة الأشرم" الذي حاول هدم الكعبة بعد أن حاول أن يُقيم لنفسه كعبة في اليمن تحج إليها العرب، وسماها "القليس"، أما النوع الثاني فمعظمه يرتكز على أساطير هندية، تدعو إلى الخير والحق والعدل ..
وأسلوب الشاعر في قصصه سهل وبسيط، ويعتمد على ألفاظ قريبة المنال، بعيدة عن المجاز ـ غالباً ـ ولا تجنح إلى مزالق الكلمات ذات المعاني المتعددة.
وفي كل الأحوال فقد استخدم الشاعر نظام الشعر التفعيلي الحر لينطلق في قصصه وحكاياته على سجيته، ويُوصِّل مفاهيمه إلى الأطفال، ولنأخذ مثالا من "مذكرات فيل مغرور"، بعد هزيمة "أبرهة الأشرم" وأفياله، وعدم قدرته على هدم الكعبة:
"أُبصِرُ "عبدَ المطَّلبِ" وجبهتُهُ ترتفعُ
إلى علياءِ سماءْ
يضحكُ جذلاً مسروراً
: قدْ جاءَ الطفلُ مُحمَّدْ
نوراً يرتفعُ إلى آفاقِ الجوزاءْ
ينحازُ إلى الضُّعفاءِ الفقراءْ"
وربما كانت قصص الأساطير أكثر إحكاماً من الناحية الفنية لدى الشاعر، ويقل فيها الإلحاح على مخاطبة الكبار الذي تفرضه العادة والإلف، ولعل قصة "الطفل الأخضر" من أفضل قصصه الشعرية، لبساطتها من ناحية، وإحكامها الفني من ناحية أخرى، وهي تحكي قصة طفل يتيم فقير، يتصف بالأمانة، يسمع الساحر "دندش" عن أمانته فيختبرها، وينجح محمود، فيكافئه الساحر:
أنت أمينٌ يا محمودْ
وسأُعطيك هديَّهْ
خذ هذا الخاتمَ يا محمودْ
سيساعدُكَ كثيراً في المستقبلْ"
وترمد عين السلطان، وتعمى، ويقول الطبيب إن شفاء العين في زهرة "شجر القشدة" في قمة جبل "عبقر"، ولا يستطيع أحد أن يصل إليها، ويسمع محمود القصة، فيُصرُّ على تحقيق طلب السلطان، ويستخدم الخاتم الذي أهداه له "دندش"، ويعود بعد جهد بالمطلوب .. فيشفى السلطان، ويقول لعائلته:
"محمودٌ ولدٌ طيبْ
وشجاعْ
بنتي "نرجسُ" معجبةٌ بهْ
سأُزوِّجها ـ لو يرغبُ ـ لهْ"
وتبدو الغاية من القصة أكبر من المكافأة التي حصل عليها محمود من الملك، بالزواج من ابنته، وتولي السلطة من بعده، إنها تكمن في الوعي بقيمة العمل والجهد والمبادرة، وهو ما يُفصح عنه الحوار التالي بين الساحر دندش ومحمود بعد نجاح الأخير في الحصول على زهر "شجر القشدة" التي شفي بسببها السلطان:
"دندش: أنت شجاعٌ ، وجريءٌ، وصبورْ
محمود: لولا خاتمُكَ الذهبيّْ
ما كنتُ وصلْتُ
لقمة (عبقرْ)
دندش: الخاتمٌ لا يفعلُ شيئاً يا ولدي
أنت شُجاعْ
وسأحكي قصتكَ لمنْ ألقاهْ"
وهكذا يملك الشاعر مفاتيح الخطاب الشعري للأطفال في لغة شفافة وبسيطة من خلال الحكي والقص، ويستلهم في كل الأحوال نماذج تراثية ملائمة وشائقة.
ولعلنا في هذه المناسبة نأمل أن يتوجّه الشعراء إلى تراثنا الإسلامي ليأخذوا من قصصه وحكاياته ما يلائم أطفالنا قصصا ومسرحيات وحواريات، فما أغزر هذا التراث، وما أكثر ما يمتلئ به معينه الذي لا ينضب ولا يجف.
***
وبعد؛
فهذه الرحلة السريعة والخاطفة مع شعر "حسين علي محمد"، تُنبئ عن شاعرية شاعر ناضج ومتمكن، يملك لغة الشعر بأبعادها الفنية المتنوعة، ويملك أيضا الرؤية الشعرية المنتمية إلى الأمة الإسلامية بتراثها المضيء، وحاضرها المضطرم، ومستقبلها المنشود
د. حلمي محمد القاعود
......................................
*من كتاب القاعود "الورد والهالوك"، دار الأرقم، الزقازيق 1993، ص ص 69 ـ 97،

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:03 PM
فقه الحكومة .. وصلاة الجمعة !

بقلم: أ. د. حلمى محمد القاعود
..........................................

البيت بيتهم والدار دارهم والدستور دستورهم والقانون قانونهم ، والفقه فقههم أيضاً .. كان المذيع اللزج يجلس فى برنامجه مع كاتب من كتاب البلاط ، واستعرضا أموراً عديدة ، أبدى فيها كاتب البلاط تأففه وتضجره واشمئزازه من صورة كاريكاتير مرسومة على حائط ، وتُبين أن الشياطين فى شهر رمضان المعظم أو المبجل على رأى صديقى الأديب الكبير " وديع فلسطين " ، يتم تصفيدها وتقييدها فلا تؤذى أحداً ، ولكن رسام الكاريكاتير ، رأى من وجهة نظره أن الشياطين الجنية المقيدة ، يقابلها شياطين إنسية مطلقة السراح فى التلفزيون ! وهى وجهة نظر معقولة للغاية ، حين يتبنى التلفزيون تصريحات الكذب والضحك على المواطنين ، وحين يقدم وجهة نظر شيطانية لا تعبّر إلا عن المستبدين والمستفيدين ، وحين يقصر نجومه على من يسمونهم أهل الفن والكرة ،لدرجة أن أناشيد الأطفال تتغني بأحمد رمزي ورشدي أباظة ، وكأن مصر خلت من العلماء والمجاهدين والأبطال الذين لا يعلنون عن أنفسهم خارج الحقول والمصانع والمدارس والجامعات والمعمار ومصارعة الغلاء الفاحش والأيام البيضاء (..) والتمييز العنصرى ، طبقيا وفتويا ومهنيا ....
كاتب البلاط ، لم يدرس الظاهرة ، ولم يفسرها تفسيرا علميا ، ولكن اكتفى بوصمها بأبشع ما فى القاموس ، ودخل مع المذيع اللزج فى وصلة من الهجاء لأمثال هؤلاء الذين لا يرقبون فى مشاعرهما الحساسة ذوقاً ولا رقة ! ثم أراد المذيع أن يتوج غضبته المضرية على الرسم الساخر والتغطية عليه ، بالتنويه عن أمر يرفضه الناس جميعا قال إنه سيتناوله فى الحلقة القادمة ، وهو قيام فتاة بأداء أغنية اسمها " أحمد يا عمر " بذيئة الكلمات هابطة المضمون !
تذكرت مصطلحاً ورد على لسان ولد ضال فى أحد المسلسلات وهو يرد على أبيه أو يجيبه على سؤال يتعلق بقضية فقهية فقال : إنه فقه الحكومة ! أى إن هناك فقها وضعه أو استنبطه علماء الشريعة الحقيقيون ، وفقها آخر وضعه علماء السلطة وفقهاء الشرطة ، كما يسميهم الشيخ محمد الغزالى رحمه الله .
فقه الحكومة يتوقف عند الهامشيات ، وبحلل جرائم بعض المستبدين ضد شعوبهم ، وليته يقدم تفسيراً حقيقياً أو منطقياً ، ولكنه يتبنى على طول الخط رأى السلطة البوليسية الفاشية ، ووجهة نظرها حتى ولو لم تطلب هذه السلطة من أهل الفقه رأيا ولا فتوى .
وقد رأينا من يتطوع مؤخراً ويذكر أن شهر رمضان هو شهر مقاومة الشائعات ، ويكتب فى ذلك مقالات مطولة فى كبريات الصحف يتقاضى عنها الشىء الكثير ، ثم يعيد نشرها فى أماكن أخرى تخضع لهيمنته تحت هيمنته ليزداد العائد وتتضخم الأرصدة ، وتكثر القصور والفيلات ، والشقق التمليك .. مع أن مقاومة الكذب – وخاصة كذب السلطات الفاشية – مطلوب فى رمضان وغير رمضان وعلى امتداد العمر والزمان ، ولكن فقه الحكومة له تجليات عجيبة تثير الضحك والابتسام مع أنها تجلب فى النهاية الكآبة والبؤس والإحباط !
وقبل ذلك رأينا من يهتم بمسألة الختان ، ويبعزق أموال الدولة على نشر كتب تحرّمه – وهو من المباح الذى لم يرد فيه نص بتحريمه- ثم يشغل نفسه بما يسمى الأذان الموحد ، وبول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإرضاع الكبير ، دون أن يتذكر واحد منهم القتال أمام أفران الخبز ، الذي يموت من أجله أبرياء يبحثون عما يمسك الرمق !
فقه الحكومة لا يتطرق أبداً إلى حكم التعذيب فى السجون والمعتقلات ، ولا نهب أموال الدولة وتهريبها ، ولا بيع البلد بتراب الفلوس ، ولا الاقتراض بالربا من حكومات العالم ، ولا إلقاء الناس داخل الأسوار بسبب الخلاف فى الرأى أو معارضة الفساد أو هيمنة البوليس على البلاد والعباد باسم الطوارئ أو مكافحة الإرهاب أو ... أو ...
فقه الحكومة يتطوع ببذر التطرف والتشدد حين يلغى فقه المذاهب الأربعة ( المالكي والحنفى والشافعي والحنبلى ) من أجل غاية تافهة جداً وهى الحصول على مكافأة تأليف كتاب عن الفقه الميسر ، فلا يعرف الطالب الأزهرى أن هناك آراء أخرى ، وأحكاماً مخالفة فى قضايا التشريع .
إلغاء فقه المذاهب ، يقود عمليا بعد إلغاء وتقليص عدد من مناهج اللغة العربية فى المعاهد الأزهرية ، إلى توحيد التعليم الأزهري مع التعليم العام ، وإلغاء الإسلام تماماً من الدروس داخل الأزهر المعمور ، ليبحث الناس بعدئذ عن مفت يجيب عن أسئلتهم فى حارات إمبابة أو عشوائيات ساقية مكى !!
فقه الحكومة يتماهى مع الاستبداد حيث كان ؛ لأنه ليس استبداداً محلياً ، ولكنه استبداد مستورد ماركة " الاستعمار الغربى المتوحش " ، وهذه الماركة أو العلامة تفرض على السادة المستبدين أن يكون لهم فقههم المخالف للفقه الذى عرفه الناس منذ أربعة عشر قرنا .
مثلاً ، فإن تونس الخضراء ، مذ كانت تحت الهيمنة الفرنسية الاستعمارية المتوحشة ، كانت عطلتها الأسبوعية يوم الأحد ، وبعد الاستقلال الصورى ظلت الإجازة يوم الأحد ، وكان الناس وأغلبيتهم الساحقة مسلمون ، يعملون يوم الجمعة ويصلونها فى أثناء العمل ولكنهم قبل فترة فوجئوا بفقه الحكومة يلغى صلاة الجمعة فى موعدها ، ويجد فتوى تجيز صلاة الجمعة مع صلاة العصر ؟
المعلوم في الفقه أن جمع الصلوات لا يجوز إلا لضرورة ، مثل السفر الطويل ، والقتال ضد الأعداء ، وفى أثناء الحج ( يوم عرفة ) .. ولا توجد ضرورة سياسية ضمن الضرورات التى عرفها الفقهاء الأصليون .
فقه الحكومة ، لأنه يحبذ الاستبداد المستورد ، فهو يضحى بكل شئ إرضاء للسادة المورّدين ولو كانت تغييرا للإسلام نفسه باسم تغيير الخطاب الدينى الإسلامي وحده ، والانشغال بسفاسف الأمور وهوامشها لإشغال الناس عن الواقع الكريه الذى يحيونه ، ويسرى فى دمائهم وعروقهم على مدار الساعة .
ومن التجليات المضحكة المبكية أن تونس الخضراء اخترعت ذات يوم اختراعاً عجيباً فريداً فى نوعه ، يتمثل فى استخراج بطاقة ممغنطة يستخدمها المصلون فى المساجد التى تخصص لهم حسب أماكن الإقامة ، ويقوم المصلى باستخدام بطاقته إذا أراد أن يصلى فى المسجد المحدد له، فإذا أراد أن يصلى في مسجد غير المسجد المخصص له ، فإن باب المسجد لا ينفتح أبداً ! وكان تسويغ السلطة لهذا الاختراع العجيب آنئذ هو " محاربة الإرهاب " والقضاء على التطرف " .. وحين وجدت السلطة البوليسية الفاشية أن الأمر لقى استنكاراً على مستوى الأمة الإسلامية ، تراجعت ، وقامت بنفى الأمر تماماً ..
بيد أن " فقه الحكومة " لاتعنيه أسباب الإرهاب أو التطرف الحقيقية ، ولا يناقشها ولا يتحدث عنها ، ولا يقول للمستبدين إنكم سرقتم الحرية واعتقلتم الإسلام وسجنتم الكرامة وأهدرتهم كل مبادئ حقوق الإنسان .. وفقد الناس العدل ، وشاع بينهم الظلم والقهر ، فصار بعضهم أقوى من القنابل الموقوتة ، ضد نفسه وضد المجتمع كله ..
وإذا كانت " صلاة الجمعة " قد هانت على المستبدين بحكم خضوعهم للمورّدين المتوحشين ، فإن الخوف الأعظم يأتى من جانب ضحايا " فقه الحكومة " ، فهؤلاء فى كل الأحوال لا يعرفون شيئا اسمه العقل أو المنطق ، لأن ما يعيشونه من فقدان للحرية والعدل والكرامة ، يدفعهم إلى ارتكاب كل ما يخطر أو لا يخطر على البال .. وهو أمر لو تعلمون نتائجه عظيم ! فهل هناك من أمل فى إلغاء " فقه الحكومة " ، وإحلال فقه العلماء مكانه ؟
........................................
*المصريون ـ في 25/9/2007م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:03 PM
حقا... انه أزهي عصور الصحافة !

بقلم: أ. د حلمي محمد القاعود
........................................

واضح أن الأمور أخذت طريقها نحو مزيد من التصعيد السافر ضد الحريات العامة , وفي مقدمتها حرية الصحافة , وذلك بحبس مجموعة من الصحفيين بلغ عددهم السبعة , بانضمام رئيس تحرير الوفد واثنين من صحفييها, إلي من سبق الحكم بحبسهم وهم أربعة من رؤساء تحرير صحف خاصة هي : الدستور وصوت الأمة و الكرامة و الفجر.
ويبدو لي أن القوي السياسية لم تلتفت جيدا إلي الخطوات التدريجية التي اتخذتها السلطة لتقنن الاستبداد السافر , وتحرم الشعب من المشاركة في تقرير مصيره واتخاذ القرار في القضايا التي تعالج حاضره وتصنع مستقبله .
وكان ما سمي بالحراك السياسي بين عامي 2004 و2006 م علامة علي سعي السلطة المستمر لوضع الحريات العامة داخل زنزانة بوليسية فاشية لا تعرف لغة الحوار ولا تفهم منطق التعددية ..
كانت تمثيلية المادة 76 من الدستور متقنة للغاية , وظن الناس أن الأمر جد وليس تسلية يراد منها إلهاء الناس عن واقع شرس ضاق بهم وضاقوا به , وكان تعديل هذه المادة من أعجب ما عرفه العالم حيث صيغت في نحو ثلاث صفحات فحققت بذلك رقما قياسيا في دساتير الدنيا بوصفها أطول مادة في كل الدساتير , وجاء فحواها مخالفا لكل التوقعات الحالمة بانفراج سياسي حقيقي يتيح للقوي الحية أن تعبر عن نفسها وتشارك في بناء الوطن , فقد صُممت بحيث يصير من الصعب "ترشيح" - مجرد ترشيح - من لم ترض عنه السلطة البوليسية الفاشية ويكون طوع بنانها .. مع الإفادة سلفا بمن سيكون الفارس المحظوظ .
وفي انتخابات 2005 م التشريعية شهد الناس "تراجيديا" مؤلمة ومحزنة حيث تم الاعتداء علي القضاة , ومنع الناخبين من الوصول إلي لجان التصويت , وإعلان نتائج مزورة في الغالب .. وكان الحصاد أربعة عشر قتيلا ومئات الجرحي سقطوا برصاص النظام .
وفي خطوة مباغتة وفاجعة تم تأجيل انتخابات المجالس المحلية حتي ينتهي النظام من إعداد تعديلاته الدستورية التي تنهي وجود القضاة الحقيقي وإشرافهم علي الصناديق الانتخابية , وقد جاءت التعديلات لتحرم القوي الحية من المشاركة في العمل السياسي تماما حيث يتم تزوير الانتخابات علنا ومباشرة , يساعد علي ذلك انصراف الجمهور عن الإدلاء بصوته ثقة منه بعدم جدوي ذهابه وتصويته لمن يختار , فقد أخذت السلطة علي نفسها واجب التصويت لمن تريد هي ولمن تختار هي .
وقد ترافق مع هذا الحراك السياسي الملتبس , بدء الضربات للصحافة وتكرار تجربة إغلاق صحيفة الشعب الناطقة بلسان حزب العمل وحبس رئيس تحريرها واثنين من زملائه وتغريم آخر عشرين ألف جنيه , وتم القبض عليه في يوم صدور الحكم لدفع الغرامة !
أقول تكررت التجربة بإغلاق جريدة آفاق عربية وتشريد أكثر من سبعين صحفيا لم يتقاضوا مرتباتهم منذ عام ونصف عام , ثم بدأت المناوشات للتحقيق مع بعض الصحفيين الأحرار , وتحويل الأقلام الراسخة في الدفاع عن حقوق الإنسان المصري إلي أقلام مرتعشة , تغمغم ولا تفصح, وتدمدم ولا توضح, كي يطمئن دهاقنة الفساد إلي استمرارهم في النهب والتخريب والاحتكار وإفساد حياة الوطن بالتعليم السطحي والإعلام الكذاب, والثقافة المزيفة الخانعة .
ربما كان الحكم بحبس رئيس تحرير الوفد واثنين من زملائه القشة التي قصمت ظهر البعير وكشفت لكل من كان يعلق أملا علي ما يسمي هامش الحرية في تغيير الأحوال إلي ما هو أفضل وأحسن . لقد انكشفت الخدعة عن سراب كبير يقوم علي تقديم صورة ديكورية تخاطب العالم الخارجي وحده , وتقوم علي أربعة وعشرين حزبا لا يمكن لأحد أن يعرف أسماءها كاملة , ولا يمكن لأي حزب منها أن يعقد اجتماعا جماهيريا أو ينظم مظاهرة عامة , بل إن النظام لا يجد غضاضة في الإيقاع بين أعضاء كل حزب يخشي من نموه وتطوره في اتجاه يهدد وجوده السياسي !
إن دعم النظام للصحافة القومية في مواجهة الصحف الحزبية والمستقلة ينبع من رغبته المستبدة في تهميش الأخيرة وتحويلها إلي مجرد أبواق تابعة له تسبح بحمده وتشيد بأفضاله , وهو أمر – فيما أتصور – لن يتحقق بسهولة اللهم إلا إذا استمر في هجمته الإرهابية بتجنيد أتباعه لرفع مزيد من القضايا علي هذه الصحف وإدخال صحفييها السجون , وحينئذ تتوقف تلقائيا , ويبدو في الوقت نفسه بريئا من دمها !
لقد آن الأوان أن تقف نقابة الصحفيين والنقابات المهنية والقوي الحية وقفة حازمة ضد الاستبداد الغشوم للجمه وفرض التراجع عليه, و أعتقد أن كتاب لاظوغلي ومثقفي الحظيرة وكتاب البلاط يجب ألا يؤثروا علي حركة أحرار الأمة في سعيها لمقاومة الاستبداد واستعادة مصر من قبضة الفاسدين المفسدين .
ويا أيها المحامون الشرفاء : قوموا بدوركم ضد أبواق السلطة , الذين يسيئون إلي الشعب كله والأمة كلها والقيم الشريفة كلها ... والله ناصركم ومؤيدكم.
.............................
*المصريون ـ في 2/10/2007م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:04 PM
حوار مع الناقد والأديب أ. د حلمي القاعود....
---------------------------------------------

صنّف الشعراء المعاصرين إلى "ورد وهالوك"

الناقد حلمي القاعود: لغة الصحافة العربية عبارة عن ..غمغمة

المضمون الإسلامي غائب عن معظم النصوص الأدبية

هناك تيار معين يسيطر على الإعلام ويقدم الرديء بصفته أفضل ما في

العالم الإسلامي

الأدب المقروء حالياً هو الملتصق بقضايا الإنسان وهمومه

حركة الأدب الإسلامي عبارة عن تجديدات في الآداب العربية

قوى التغريب تغيّب جهود الأدب الإسلامي


حوار: محمود عيسى
............................

يمتلك الناقد الإسلامي المصري حلمي القاعود نظرة واضحة لمختلف قضايا الأدب العربي الذي يعتقد أن أهم مشكلاته الحالية تنحصر في غياب المضمون المرتبط بالإنسان وقضاياه في ثنايا إنتاجاته المختلفة شعراً كان أو نثرا وسرداً، ولأن الناقد القاعود امتزجت عنده الكتابة السياسية بالأدبية بالاجتماعية فإن تناوله لأطروحات الأدباء المعاصرين فيها كثير من العمق والتجربة، ومن خلال عمله في هذه النصوص خلص حلمي القاعود إلى عدد من الرؤى التي يطرحها في الحوار التالي الذي أجرته معه (الإسلام اليوم) في مكتبته في مدينة طنطا .. فإلى مضابط الحوار …

- تميّزت عن معاصريك من النقاد بعدم الفصل بين الأدب وقضايا الأمة الإسلامية والعربية ..فما سرّ هذا التميّز؟ وهل يجد الأديب المنشغل بقضاياه الأدبية وقتاً ومجالاً للانشغال والكتابة في قضايا السياسة .. فضلاً عن عمله الأكاديمي؟

بصفة عامة لا يوجد انفصال بين قضايا الكلمة أياً كانت؛ فغاية الأدب في نهاية المطاف هي غاية الكاتب السياسي، وهي غاية العالم الأكاديمي.. كلهم يبحث عما يفيد الإنسان بطريقته الخاصة، وبأسلوبه المتميز أو منهجه المتفرد، ولاشك أن الأدب يهدف إلى الإمتاع الفني إلى جانب معالجة القضايا الإنسانية الحيوية، ويلعب الفن هنا دوراً رئيساً؛ لأن الفن يختلف عن الكتابة السياسية المباشرة، والدراسة الأكاديمية الجافة.. وقد حاولت قدر جهدي أن أشتغل بالكتابة الأدبية بما يخدم أشواقي الروحية، ويتيح لي أن أعبر عما أريد بفن وإبداع، وفي المجال العام كانت كتاباتي تلبي حاجات وقتية مازالت –كما أرى – مستمرة، وربما تمتد إلى أمد بعيد، فكنت أعالج موضوعاتها بطريقة مباشرة حتى لا أخدع القارئ أو أزيف وعيه؛ كما يفعل بعض الكتاب الذين يميعون المواقف ويزيفون الحقائق من أجل مصالح شخصية رخيصة، لقد كنت أرفع صوتي بما يجب أن يُقال؛ لأن الكلمة أمانة، والناس تنظر إلى الكلمة نظرة فيها كثير من الاحترام الذي يصل أحياناً عند بعضهم إلى درجة التقديس.. وربما كان الجانب الأكاديمي لدي هو الجانب المظلوم الذي لم يعرفه الناس جيداً بسبب وجوده في النطاق الجامعي المحدود، ولكني أتصور أنه الجانب الأهم الذي قدمت من خلاله قضايا مهمة عالجتها بكثير من الموضوعية والمنهجية العلمية.

- مـا رأيك في تقوقع الأدباء.. والتفافهم حول ذاتياتهم.. وقضاياهم الأدبية البحتة؟
الأدب في الأساس تعبير عن الذات، وهذه الذات ينعكس عليها الواقع الخارجي أو الماضي أو المستقبل بطريقة وأخرى، وهذا ما يميز أديباً عن آخر؛ لأن الأدب يحمل خصائص منشئه في كل الأحوال.. بيد أن هناك نفراً من الأدباء وخاصة من المفتونين ببعض المذاهب الأدبية الغربية المحدودة الانتشار، يتبنّوْن التقوقع الذي تتحدث عنه، ويرون أن البعد عن المجتمع والتاريخ والمستقبل، والانكفاء على داخلهم، أو التعبير عنه وفق ما يُعرف إلى حد ما (بالفن للفن)، هو غاية الأدب والكتابة عموماً.. ولكن هؤلاء على مدى القرون الثلاثة الماضية يظلون استثناء من حركة الأدب والتـاريخ، كما يظلون أقلية لا وزن لها في حركة الحضارة الإنسانية.. انظر مثلاً وتأمل: ماذا بقي من السريالية والبرناسية والوجودية بل والبنيوية والتفكيكية.. مع الضجيج الذي صاحب الإعلان عنها وعن روادها؟ لم يبق منها شيء له قيمة كبرى.. في الوقت الذي مازال فيه العالم يقرأ الأدب صاحب الوظيفة النفعية الفنية.. العالم يقرأ أدب الإغريق والرومان والأدب الكلاسيكي والرومانتيكي، ويقرأ ديستويفسكى وجو جول وتولستوي ..كما يقرأ شكسبير وديكنز وتوماس هاردي كما يقرأ المتنبي والمعري وألف ليلة وليلة وسعدي الشيرازي ومحمد عاكف ومحمد إقبال وغيرهم.. لأن في أدبهم قضايا ترتبط بالإنسان ووجوده، ولا يقلل من قيمة هذه الكتابات اختلاف النظرة والتوجه والتصور عند أصحابها.. إن القاسم المشترك عند هؤلاء وأمثالهم هو عرض قضية الإنسان في اشتباكه مع واقعه أو ماضيه أو مستقبله.. أما المتقوقعون على ذواتهم، أو بمعنى آخر الهاربون من الحياة فأدبهم لاقيمة له.. ولو وجد آلة إعلامية جبارة تروج له وتعرف به وتدعو إليه. ولاحظ أن بعض الجهات يهمها الترويج لمثل هذا الأدب الذي يعيش خارج التاريخ والجغرافيا لأسباب لا مجال لطرحها هنا، ولعلك قرأت ما كتبته مؤلفة الحرب الثقافية الباردة عن هؤلاء ومن يمولّهم.

- في كتابك القيّم "الورد والهالوك" صنّفت الشعراء المعاصرين ما بين الورد والهالوك .. على أي أساس بنيت تصنيفك؟

بتبسيط شديد أرجو ألاّ يكون مخلاً، فإنني رمزت بالورد للشعراء الذين يملكون الموهبة الحقيقية، ولديهم التجربة الإنسانية الناضجة، والرؤية النقية الصافية المنتمية إلى هويتنا، فضلاً عن الأدوات الفنية الفاعلة.. أما الهالوك، فهم من اقتحموا ساحة الشعر بمواهب ضحلة أو غير ناضجة مع تجارب هيولية مفتعلة، لا تمتّ إلى واقعنا ولا إلى ماضينا ولا مستقبلنا بصلة، وقد قاموا بدور يشبه التقوقع الذي أشرت إليه في السؤال السابق، فضلاً عن رؤية عدمية معادية للهوية القومية والإسلامية بل الوطنية.. وقد رأيت في هذا الكتاب أن الهالوك - وهو نبات متسلق يعيش عالة على غيره – لن يعيش في الساحة الأدبية طويلاً، ولن يثمر شيئاً ذا قيمة، مع أن مدفعية إعلامية ثقيلة كانت تؤازره وتدعمه وتفرضه على العيون والآذان والقلوب.. وصحّ ما ذهبت إليه، فلم يبق منهم أحد الآن إلاّ بقايا تحاول أن تثبت وجودها ولكن هيهات!! فالناس لا يذكرون لهم شيئاً.. أما الورد فقد نضجوا ونضجت ثمارهم وصنعوا تراثاً شعرياً مهماً ينتمي لهذه الأمة بحق.

- تُعدّ من النقاد الإسلاميين.. ويُؤخَذ على الأدب الإسلامي عدم الوضوح.. أو عدم وجود نظرية ذات ملامح محددة له.. فهلاّ حدثتنا عن ملامح هذه النظرية.. إن كان لها وجود؟!
علينا أن ندرك أن نظرية الأدب الإسلامي تمثل عملية تجديد للأدب العربي خاصة وآداب الشعوب الإسلامية عامة.. فقد مرت الأمة العربية بعملية تغريب بشعة في العصر الحديث منذ قدوم نابليون إلى مصر والشام، وقد حاصرت هذه العملية التصور الإسلامي للأدب والحياة، ولذا تأتي حركة الأدب الإسلامي تجديداً لأدبائنا، وإعادة لها كي تسير في طريقها الطبيعي.. والنظرية الإسلامية للأدب تركز بالدرجة الأولى على المضمون الإسلامي الذي غاب عن معظم النصوص الأدبية في مرحلة التغريب، وقد عالج النظرية الإسلامية في الأدب عدد كبير من الكتاب والنقاد، وطرحته مؤتمرات أدبية عديدة أقامتها رابطة الأدب الإسلامي أو جهات ثقافية أخرى تهتم بالموضوع.. ولكن للأسف فإنه يتم التعتيم الإعلامي على هذه النشاطات من جانب قوى التغريب المهيمنة على الوسائط الإعلامية والثقافية في الظروف الراهنة.. مع أن الأدب الإسلامي يكسب يومياً أنصاراً جدداً وتتسع دائرة الاهتمام به.
(يتبع)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:06 PM
- هناك آراء في المقابل تقول: إن الأدب العربي الحديث ليس له نظرية واضحة المعالم.. وينادون بتأسيس نظرية له.. ما رأيك في هذا القول؟
بلا شك هذا الرأي صحيح إلى حد ما. هناك خطوط عامة منذ القدم تحكم عملية الإنشاء الأدبي في الشعر والنثر، ومع التفاعل مع الآداب العالمية، فقد نشأت وتبلورت أجناس أدبية جديدة على امتداد القرن العشرين الميلادي، وفي النصف الثاني من هذا القرن أخذ بعض النقاد ينقلون نظريات نقدية وأدبية نقلاً حرفياً إلى أدبنا العربي دون تمحيص أو تفاعل ينتقي العناصر الملائمة، ويهمل العناصر السلبية، وهو ما جعل كثيراً من النتاج الأدبي العربي يكاد يكون نسخة شائهة من الآداب الأجنبية، دون أن يتمتع بقوتها، أو يتكئ على ظروفها. ومن هنا بدت الحاجة إلى البحث عن نظرية نقدية أدبية أمراً مشروعاً، وقد دعوت إلى ذلك في أكثر من مناسبة، كما حاول غيري تقديم اجتهادات تطبيقية في هذا السياق..
تصوّر أن نقادنا في أوائل القرن العشرين كانوا أكثر نضجاً من نقادنا المعاصرين، حين نظروا إلى ما ينقلونه عن الغرب نظرة موضوعية، واستفادوا من عناصره الإيجابية، دون العناصر السلبية، المعاصرون نقلوا كل شيء الإيجابي والسلبي جميعاً!!

- أين الإبداع الفني الأدبي الأصيل في عالمنا العربي اليوم؟

موجود.. وإن كان قليلاً بحكم اضمحلال الثقافة والتعليم وهبوطهما إلى مستوى التسطيح والقشور، وخاصة في مجال اللغة الأدبية.. فضلاً عن هيمنة تيارات تملك أو تتحكم في الوسائط الإعلامية، فتفرض النماذج الضعيفة أو الرديئة، وتنفخ فيها بالدعاية والترويج على أنها النماذج الأفضل، وهي ليست كذلك بالفعل.

- يُقال إن للأديب الإسلامي ( ناقد – قاص – شاعر - ... ) حرية النقد والتعبير .. ولكن في إطار الشرع .. فما هو مفهوم هذا الإطار .. وكيف نواجه به أصحاب الآراء النقدية الخارجة عنه؟!
السياق الأدبي يختلف عن السياقات العلمية المباشرة.. إنه يعتمد على الفن الذي يجعلك ترى نموذجاً إنسانياً تتأثر به أو ترى فيه رأياً، والكاتب أو الأديب المسلم ينطلق من التصور الإسلامي للكون وللحياة، وللدنيا والآخرة، وهذا التصور يناقض بالطبع كل ما هو غير شرعي، فالأديب المسلم مثلاً لا يمجّد الشر ولا يزيّن الرذيلة، ولا يدعو إلى العنصرية أو الأذى أو القتل أو استحلال الربا.. إنه يدعو إلى الحياة الطيبة التي بشّر بها الإسلام في واقعنا، وفي العالم الآخر، وهذا قد يقتضي أن يقدم النماذج المشرقة في مواجهة النماذج القلقة أو المظلمة، والقرآن الكريم يتحدث عن فرعون وقارون وهامان والسامري وامرأة لوط وأصحاب الجنة والملك الذي يأخذ كل سفينة غصباً، والولد الذي يرهق أبويه طغياناً وكفراً...الخ، وفي الوقت ذاته يتحدث عن الأنبياء وأخلاقهم ودعوتهم، وعن الصالحين والطيبين رجالاً ونساء.
الذين يتبنون تصورات أخرى تتناقض مع التصور الإسلامي، لا ينتمون إلى الأدب الإسلامي ولا ينتسبون إليه، ولهم تصورّهم، ولكن عليهم ألاّ يلزموا غيرهم به، وأيضاً يجب ألاّ يزعموا أن ما يكتبونه من الأدب الإسلامي.

- في الختام.. ليتكم تعرّفون القُرّاء أكثر بشخصكم وتجربتكم في الكتابة الأكاديمية والنقدية والسياسية؟
وصلت الآن إلى سن التفرغ تقريباً (الستين)، وكنت قبل سنوات رئيساً لقسم اللغة العربية بكلية الآداب؛ جامعة طنطا، وقد تدرجت
في سلك الوظائف الجامعية حتى وصلت إلى درجة أستاذ، وهى أعلى درجة علمية، والحمد لله على كل حال. وقد عملت ببعض الدول العربية لبعض السنوات أستاذاً في كليات البنات والمعلمين، وأشرفت على العديد من الرسائل الجامعية (الماجستير والدكتوراه)، وناقشت الكثير منها في الجامعات المصرية والعربية..
أما المجال النقدي فإني أعمل فيه منذ أربعين عاماً أو أكثر، واهتممت بالنقد التطبيقي، وتناولت مئات الأعمال الأدبية بالنقد والتحليل، وقدمت عشرات الأصوات الجديدة في القصة القصيرة والرواية والشعر (وخاصة في الفترة التي ارتبطت فيها بمجلة الشعر في عهد عبده بدوي يرحمه الله)، ومازلت -والحمد الله- أتابع كتاباتي النقدية في الدوريات المختلفة.. وفي مجال التنظير النقدي كنت من أوائل الذين دعوا إلى التصور الإسلامي في الأدب على صفحات جريدة الأهرام في منتصف السبعينيات تقريباً، وبعد ذلك بعشر سنوات تقريباً تحقق الحلم من خلال ظهور رابطة الأدب الإسلامي عام 1984م بفضل الله.. وقد تناولت قضايا أخرى عديدة.
أما الكتابة السياسية فقد فرضت نفسها عليّ حتى اليوم، حين رأيت اللغة السائدة في الصحافة اليومية والمجلات الأسبوعية تميل إلى الغمغمة، والزئبقية، أو التركيز على الهوامش وترك الأساسيات، أو معالجة القضايا بمنطق بعيد عن الرؤية الإسلامية، وقد دفعني هذا إلى معالجة قضايا الأمة وفق منهج واضح وصريح وقاطع، مما جلب عليّ بعض المتاعب أبسطها رفض نشر موضوعاتي في الصحف القومية والمجلات الرسمية ..وهذا أمر تعوّدت عليه ولم يعد يزعجني.. خاصة بعد تطور عملية النشر، وظهور الصحافة الإلكترونية التي يتابعها قطاع عريض من المهتمين بالشأن العام.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:06 PM
تعميد التعصب !

بقلم: أ .د . حلمي محمد القاعود
...........................................

لم يتوقف أحد عند خبر نشرته الأهرام في 25/3/2008م؛ ورد من ستراسبورج يتحدث عن تواصل المظاهرات في بعض عواصم العالم ومدنه احتجاجا على استقلال كوسوفا ، مما ترتب عليه استدعاء الاتحاد الأوربي لموظفيه العاملين في شمال الإقليم بسبب المظاهرات العنيفة هناك .
ليس المهم في الخبر خروج المظاهرات أو الاحتجاج على استقلال كوسوفا ، ولكن المهم أن هذه المظاهرات التي نسبت إلى ما يسمى نشطاء اليمين المتطرف ؛ اختلط فيها الاحتجاج على الاستقلال بالهتاف المعادي للمسلمين ، والدعوة إلى إخراجهم من أوربة .
يفترض في نشطاء اليمين أنهم متدينون متمسكون بالمسيحية وقيمها ، فلا يؤذون مواطنيهم ولا يدعون إلى تشريدهم ، ويتعاملون معهم بمحبة وأخوة ولكنهم في حقيقة الأمر ليسوا كذلك ، إنهم متعصبون ضد الإسلام والمسلمين . والتعصب ميراث تاريخي ؛ يتناقض مع قيم المسيحية السمحاء ، وأخلاق المحبة التي دعا إليها المسيح عليه السلام . الأوربيون بصفة عامة ، لايعبأون بالقيم الدينية التي ينتسبون إليها ، ويخالف معظمهم الوصايا العشر ، ولا يبالون بالطقوس الدينية الكنسية إلا في حالات الميلاد أو الوفاة أو الزواج .. بل إن الزواج صار في أغلبه مدنيا ، أي يتم أمام مكتتب التوثيق الرسمية دون حضور " رجل دين ".. لقد صار ذكر الإسلام أو المسلمين مستفزا للغربيين ، وينفجر التعصب الخبيء تحت قشرة التحضر والمواطنة والمدنية والعلمانية والحداثة ،وهي القشرة التي انخدع بها ، أو اعتنقتها بعض النخب عندنا وصدعوا بها رءوسنا . إن التعصب الهمجي يتناسى ما تلوكه أجهزة الدعاية ( الميديا ) الغربية عن حقوق الإنسان وكرامته وحريته ، ويتفجر غضبا وغيظا أمام لفظة إسلام أو مسلمين ، ويتجاوز كل الحدود الشائكة والخطوط الحمراء ، ليعبر عن تعصبه الذميم بوسائل مختلفة وطرق متعددة ، ولا يقتصر الأمر على عامة الناس ، ولكنه يمتد إلى رأس الكنيسة هناك ( بابا الفاتيكان) الذي لا يخافت في الإعلان عن تعصبه وكراهيته للإسلام والمسلمين ، واتهامه الكاذب للإسلام في محاضرته الشهيرة معروف ومعلوم ، فقد صور الإسلام بأنه دين القتل والإرهاب وسفك الدماء ولا يحب الآخر ، ثم قام البابا بنفسه مؤخرا في خطوة تعصبية فاقعة تؤكد عدوانيته ؛بتعميد شخص مصري ، قيل أنه كان ينتسب إلى الإسلام وتنصر !
هذا التعصب الرخيص ضد الإسلام والمسلمين يصب في خانة تحريض التعصب الطائفي المحلى ، ويشجعه على الاستمرار في التحدي والاستفزاز ، على أساس أن هناك من يظاهره عالميا ، ويناصره بالقوة ويقدم له القدوة والنموذج في كيفية إدارة الحرب الصليبية ضد الإسلام والمسلمين . بمعنى آخر أن ما يتردد عن الآخر والحوار معه هو مجرد حيلة من حيل الخداع والمكر التي لا تنطلي إلا على السذج والبلهاء الذين يعتقدون ، أن الآخر لديه قابلية للحوار والفهم والاقتناع ، بينما هو يصر على عدوانيته الهمجية ، الممنهجة والمقننة والمخططة في إطار زمني محدد ، يحقق على امتداده تصفية حساباته مع الإسلام والأمة الإسلامية .
إن بندكيت السادس عشر ، حين يتخلى عن واجباته الكنسية الكبرى ، ورعاية الطائفة الكاثوليكية التي تضم مئات الملايين في العالم ، وينشغل بصحفي مغمور من أصل مصري ، كان ينتسب إلى الإسلام وأعلن ارتداده لسبب عاطفي يتعلق بالحيلولة بينه وبين فتاة يهودية كان يحبها ؛ لهو أمر يثير كثيرا من التساؤلات والشكوك حول موقف الفاتيكان ومزاعمه التي تتحدث عن الحوار والتقارب والتسامح والسلام ، وتؤكد أن الرجل جاء ليكمل مسيرة " بطرس الحافي " الذي تقدم الحروب الصليبية الأولى لحظة انطلاقها عام 1905م من سان مونت كلير بفرنسا ؛ قائلا : إنها إرادة الله " ، أي إن الحرب ضد المسلمين ( الكفار ) ، والقضاء عليهم ، وتخليص بيت المقدس من أيديهم ، وحي إلهي يجب تنفيذه بالقتل وسفك الدماء !
الصحفي المصري المغمور ، الذي تنصر ، وعمده بابا الفاتيكان لن ينقص الإسلام شيئا ، ولن يزيد المسيحية شيئا ، لسبب بسيط ، وهو أنه دخل وقبله المسيحيون من باب التعصب البغيض الذي يزرع الشر والكراهية والإحن لحساب الشيطان لا حساب المسيح عليه السلام .. لقد سافر هذا الشخص المتعصب إلى إيطاليا قبل خمسة وثلاثين عاما ليدرس في جامعة إيطالية ، ثم عمل في عدة صحف إيطالية آخرها " كوريير دي لا سيرا " الصحيفة الإيطالية المشهورة ، ولكنه كان طوال فترة غربته متعصبا ضد بلده وأمته ودينه ، ومنحازا إلى العدو النازي اليهودي في فلسطين ، وزار القتلة اليهود هناك ، وأصدر عنهم كتابا يؤيدهم ويمتدحهم ويذم قومه وأهله ، فمنحوه جائزة " دان ديفيد " وقدرها مليون دولار، ومنذئذ صار طفلهم المدلل الذي أتيح له أن يكون صوتا عاليا في الدفاع عما يسمى اضطهاد المسيحيين في العالم العربي ، واليهود النازيين الغزاة وهم يقتلون الشعب الفلسطيني على مدار الساعة، وعن مذابحهم وتدميرهم في لبنان ، وخاصة في عدوانهم على الشعب اللبناني صيف عام 2006م !
إن الإطار التعصبي الطائفي المقيت الذي يتحرك من خلاله هذا الشخص كان ينبغي ألا يجلب اهتمام بابا الفاتيكان ورعايته له لدرجة أن يقوم بتعميده بنفسه .، في الوقت الذي ينادي فيه بالحوار ، ويخدع مجموعة ممن ينتسبون إلى علماء الإسلام اسما ، كي يذهبوا إلى مؤتمر يعقد في الفاتيكان تحت عنوان " حوار الأديان " .. ولا أدري ما ذا سيقول لهم تماما ، ولا أية ثمار ستنتج عن هذا الحوار الذي يصر فيه الداعي على جرائمه ، فضلا عن أنه لا يحترم ما يعتقدون ولا يرى فيه دينا سماويا حقيقيا نزل به الوحي من عند الله بينما المسلمون يؤمون بالمسيحية وعيسى عليه السلام ؟
لقد علل الناطق باسم الفاتيكان قيام " بندكيت" السادس عشر بتعميد المصري المتعصب المغمور ؛ بأنه يأتي في سياق دعم حرية الاعتقاد ، وللأسف فإن البابا لا يدعم حرية المسلمين في التعبير عن عقيدتهم ، وممارسة شعائرهم ، في داخل أوربة ، وفي بلاد المسلمين لأنفسهم ، بل إنه يحرمهم هذه الحرية ، ويرسل كتائب المنصرين لتجوب العالم الإسلامي بطريقة مباشرة وغير مباشرة لإكراه المسلمين على التحول عن دينهم ، والكفر بالإسلام ، والانضمام إلى ركب الصليبية المتوحشة ، وما تشهيره بالإسلام إلا حلقة من حلقات مخططه الشرير !
إن المهرجان الذي أقامه الفاتيكان لتنصير مصري مغمور وتعميده ؛ لا ينفصل عما يحدث على أرض مصر من سعي حثيث لاستئصال إسلامها ، وتحريمه على أهلها ، وإظهارها في صورة أخرى تناغي وترا حساسا لدى المتعصبين الطائفيين ، وتشبع رغبة التحدي الطائفي في إذلال الأغلبية الساحقة وقهرها ، تحت دعم معنوي دولي يأتي من الفاتيكان وأوربة التي تتظاهر لإخراج المسلمين منها..
من المؤكد أن الحرب الصليبية الوحشية التي يشنها الغرب على الإسلام والمسلمين ، ويقودها الفاتيكان ، ويسهم فيها نفر من المتعصبين الطائفيين في بلادنا ، تحقق بعض أهدافها لأسباب يعود بعضها إلينا في مقدمتها الغفلة والخيانة ، ولكنها على المدى غير البعيد ستجلب من الخسائر والكوارث ما لا يمكن حصره ، وسيدفع من يشعلون نارها الثمن الذي لن يتوقف عند احتراق أصابعهم وحدها...
...............................
*المصريون ـ في 2/4/2008م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:07 PM
التحدي الطائفي !

بقلم: أـ د . حلمي محمد القاعود
.............................................

في لحظات الضعف الحضاري تتغير المعادلات الاجتماعية ، حيث تتدخل أياد أجنبية لتحقيق مصالحها وأهدافها في البلد الضعيف ؛الذي غالبا ما يكون مستباحا على أكثر من مستوى ، فتشعل نار الصراع الداخلي ، وتقف وراء بعض الأقليات العرقية أو الطائفية أو المذهبية ، وتمنحها الدعم والعون ، لتجعل منها رأس حربة في الوصول إلى ما تريد .. هذا ما حدث في زمن الحروب الصليبية الأولى ، وفي زمن الاستعمار ( الصليبية الجديدة والراهنة ) . ولا شك أن خصوم الأمة أفلحوا في ذلك وحققوا انتصارات لا بأس بها على حساب العقيدة والهوية والوحدة القومية والوطنية والإسلامية جميعا .
ومن المفارقات أن هؤلاء الخصوم لم يقتصر كيدهم وعدوانهم على المسلمين وحدهم ، بل إنهم عملوا على الكيد لطوائف ومذاهب من ملتهم نفسها ، حتى بدا بعضها منسحقا ومهزوما ، ولعل أبرز الأمثلة ما قام به الكاثوليك والبروتستانت في القرن التاسع عشر لتحويل الأرثوذكس المصريين ، بل والعرب عن مذهبهم ، وحققوا في ذلك نجاحات ملحوظة ، مما أدي إلى استنجاد الكنيسة الأرثوذكسية المصرية آنئذ بالخليفة العثماني لإنقاذهم من الغزو المذهبي الأوربي ، وهو ما تمخض عن إصدار الخط الهمايوني حماية للنصارى ، وردعا للكاثوليك والبروتستانت عن التمدد والانتشار بالترغيب أو الترهيب على حساب المذهب الأرثوذكسي ، وفي العصر الراهن استطاع الفاتيكان أن يسحق الكنائس المشرقية ويطوعها بالدخول تحت عباءة مجلس الكنائس العالمي ، الذي باتت أهدافه لا تخفي في مجال التنصير والتبشير بالكاثوليكية وحدها .. وسأعود - إن شاء الله - إلى هذه المسألة لتفصيل أوسع في صفحات لاحقة ، مع تأصيلها تاريخيا ، ولكني أركز الآن على محاولة تغيير المعادلة الاجتماعية في مصر والعالم العربي من خلال بعض المظاهر رغبة في تحدي الأغلبية وقهرها وإذلالها ، في ظل الاستقواء بالعدو الخارجي ، والتماهي معه على حساب المصالح الوطنية والقومية . .
في الخليج ، أقيمت بعض الكنائس مؤخرا ، وصاحب افتتاحها ضجيج غير عادي من الفرح والابتهاج في العالم الصليبي الغربي ، والتبشير في الوقت نفسه بقرب افتتاح كنائس في أماكن أخرى في الخليج أيضا .. وهذا المهرجان الغريب الذي أقيم من أجل الكنائس الجديدة يتناسى أنه لا يوجد أصلا مواطنون نصارى في الخليج ، باستثناء العراق ، والنصارى الموجودون في المنطقة كلهم غرباء وعابرو سبيل ، أي ليسوا بحاجة ماسة إلى هذه الكنائس ، ولكن الاستباحة الصليبية المتعصبة رأت إذلال العرب والمسلمين بإقامة مبان ترمز إليها وأن لم تكن هناك حاجة إليها ، ثم التبشير بقرب إقامة كيانات طائفية تستقل عن الدول الأم على المدى البعيد كما حدث في الأطراف ( تيمور الشرقية مثلا ، ومن قبلها الفلبين ، وسيريلانكا .. ).
الجبابرة أحيانا لا يكتفون في قهرهم وإذلالهم للضعفاء بالقسوة والإيذاء المادي أو البدني ، ولكن يبحثون عن إذلال معنوي أكثر تأثيرا وإيلاما للضحية .. مثل إرغامها على تقبيل الأيدي أو الأرجل ، أو ارتداء ملابس النساء أو التسمي بأسمائهن ، أو اغتصاب الحرائر .. وهي أمور في غاية البشاعة ، وخاصة في المجتمعات ذات التقاليد والأعراف العريقة والقيم الإنسانية الراقية ( تأمل مثلا ما فعله الصرب الهمج في البوسنة والهرسك ، وما يفعله الصهاينة في فلسطين المحتلة منذ قرن من الزمان ..!).
إنه التحدي الذي تمارسه الهمجية الشرسة في تعاملها مع الآخر ، وخاصة المسلم ، وهو ما يجعل بناء الكنائس الخليجية يأتي في هذا الإطار الذي لا تفرضه طبيعة الواقع ، ولا الضرورة الاجتماعية التي تنبع من التسامح والمودة والمواطنة المشتركة ..
في السياق نفسه يأتي الإلحاح من أقلية الأقلية الطائفية في مصر على مسألة بناء الكنائس أمرا مرادفا للإذلال العام ، ومع أن أحدا لم يشاهد نصرانيا يصلى خارج الكنيسة كما يفعل المسلمون يوم الجمعة مثلا ؛ حيث يصلون بجوار المساجد التي تضيق بهم فيضطرون لافتراش المساحات والشوارع المحيطة لأداء صلاتهم ؛ فإن " البلاك ووترز" الذين وظفهم خصوم الأمة لا يكفون عن التحدي والمطالبة بزرع الكنائس في كل مكان ، بل اختيار مداخل المدن وواجهاتها ؛ اعتقادا منهم أن ذلك سيعطي الوطن هوية غير إسلامية ، ويؤكد على هيمنة الأقلية ، وتوغلها الظافر في الواقع الاجتماعي !
من هذا القبيل مثلا ما نشرته الصحف مؤخرا عن غضب النصارى لإنشاء محطة بنزين في مدينة الرحاب بالقرب من كنيسة المدينة . فقد رفضوا إنشاء هذه المحطة ، وقام خمسون شخصا منهم برفع قضية أمام المحاكم يتضررون فيها من المحطة خوفا على أرواح المصلين (!!)( المصري اليوم 22/3/2008م).
علما أن كثيرا من المساجد تجاورها محطات بنزين وورش ميكانيكية وغيرها ولم يتضرر منها أحد منذ اختراع السيارات حتى الآن !
المفارقة في الأمر ، أن أرض الكنيسة المذكورة مهداة من الشركة المالكة لمدينة الرحاب ، ولم تتقاض عنها الشركة أية أموال أو مقابلا ، وكانت ضمن مخطط المدينة الذي ضم رسوما هندسية لمحطة البنزين في مكانها المتضرر منه !
التحدي منهج في الإذلال العام ، اتبعه الصليبيون في الأندلس قبل سقوطها ، وهو أمر يتناقض مع قيم النصرانية السمحاء وأخلاق المسيح عليه السلام، الذي يأمر بالمودة والمحبة وإدارة الخد الأيسر بعد الخد الأيمن ومباركة اللاعنين .. ولكن نجاح خصوم الأمة في تحريك الأقلية وتشجيعها وإمدادها بالمال والميديا الكاذبة ، جعل التحدي يقوى ويشتد ، وهو ما يرسب بالضرورة مشاعر مناهضة ، قد تترجم إلى مواقف على الأرض لا يحبها من يتوقون إلى الأمن والسلام !
وإذا كانت السلطة البوليسية الفاشية تصر على أن السياسة لا دين فيها ، والدين لا سياسة فيه ، وتعدل الدستور والقوانين لتحرم الأغلبية من التعبير عن معتقداتها ومشاعرها الإسلامية ؛ فإننا نجد التحدي لدي الأقلية يخترق الدستور والقوانين جميعا . وتأمل مثلا موقف كنائس المنصورة من الاحتجاج على الحزب الحاكم صاحب الدستور والقوانين ؛ لتجاهل ترشيح بعض النصارى الذين اختارتهم هذه الكنائس على قائمته ، وقد أعرب الأنبا داود مطران الكنائس الأرثوذكسية في المنصورة عن استيائه من تجاهل الحزب لترشيحات الكنائس حيث لم يأخذ بكل المرشحين !! ، واحتج القس فيليبس كاهن كنيسة الشهيد اسطفانوس في المنصورة قائلا : إنه لا يجوز ترشيح ثلاثة من النصارى فقط ليمثلوا سبع كنائس (!)في المحليات بمختلف مستوياتها وسط هذا العدد الكبير من المسلمين ( المصري اليوم 19/3/2008م)، الكنيسة ترشح النصارى وليس النصارى هم الذين يرشحون أنفسهم ، ويشاركون بقية مواطنيهم في العمل العام ، لأن المسألة صارت فرزا دينيا صاخبا يعلن التحدي جهارا نهارا !!
ترى هل يقدر شيخ الأزهر أو فضيلة الجنرال الدكتور أو المفتي أو مجمع البحوث الإسلامية على التقدم بترشيح أحد أو الاعتراض على ترشيح أحد ؟
إن التحدي السافر النابع من الاستقواء الخارجي يبدو أحيانا أمرا طبيعيا في سياق الضعف الحضاري وتهالك النظام على الاحتماء بخصوم الأمة ، بيد أن المستقبل في ظل هذا الوضع ينذر بكوارث قد لا تبقي ولا تذر ، خاصة إذا كان هذا التحدي مدعوما في الداخل بمجموعات من الأبواق المأجورة المنتمية إلى اليسار المتأمرك وأشباهه ، وهي أبواق لا تعرف غير مصالحها ، والأرباح المادية والمعنوية التي ستعود إليها!
.........................................
*المصريون ـ في 25/3/2008م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:09 PM
قراءة في رواية «زهرة الصباح» لمحمد جبريل
---------------------------------------------------

«زهرة الصباح»: البحث عن الأمل.. والحلم بالنجاة

بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود
............................................

1. تمهيد
يعد محمد جبريل (المولود عام 1938م ) من أغزر الروائيين المعاصرين إنتاجاً، وخاصة فى السنوات الأخيرة، حيث قدّم للمكتبة العربيى عدداً من الروايات والمجموعات القصصية والدراسات الأدبية، منها: "إمام آخر الزمان" 1984، "من أوراق أبى الطيب المتنبى" 1988، "قاضى البهار ينزل البحر" 1989، "قلعة الجبل" 1991، "الخليج" 1993، "إعترافات سيد القرية" و "السحار" و "رحلة إلى السيرة النبوية" و "آبات الستينان" و "زهرة الصباح" 1995، وقد انتهى مؤخراً من كتابه رباعية روائية عن منطقة رأس التين فى الإسكندرية،حيث ولد وعاش طفولته وصباه، ولعلة أراد أن يقابل رباعية الإسكندرية التى كتبها "لورانس داريل" قبل عده عقود من السنين، ولكن من خلال منظورة المصرى العربى الإسلامى الذى يظهر فيه دور مساجد "أبى العباس المرسى" و "البوصيرى" و "ياقوت العرش"، وغيرها من معالم المنطقة وآثارها.
وقد تخصّص جبريل، فى رواياته الأخيرة تقريباً فى استدعاء التاريخ، ليقدّم من خلاله قضايا معاصرة تصعب معالجتها مباشرة فى بض الأحيان، وخاصّةً ما يتعلق بالقيم الراسخة التى صارت غاية مشتركة تنشدها البشرية عامة، والعرب والمسلمون على وجه الخصوص، مثل الحرية والعدل والمساواة والشورى والكرامة والإنسانية وتوسّل إلى ذلك بالتاريخ الإسلامى والتاريخ الفرعونى والتاريخ الحديث، ثم استفاد فى روايته الجديدة "زهرة الصباح" بمعطيات "ألف ليلة وليلة" والتراث الشعبى الأسطورى فى إطار التاريخ المملوكى بمصر، ليناقش العديد من القضايا الكبرى.
ولا ريب أن الإطار التاريخى يستدعى مهارة فائقة فى الوعى بلغة الحقبة موضوع المعالجة الروائية، سواء على مستوى المعجم، أو مستوى المفردات الاجتماعية والإنسانية، أو القيم السائدة والعادات والتقاليد التى كان يعيش بها المجتمع آنئذ، ليتحقّق الإحكامُ الروائىّ، أو الصياغة الفنية الجيدة، وقد حقق محمد جبريل كثيراً من هذه المهارة فى روايتيه: "من أورا أبى الطيب المتنبى" و "قلعة الجبل".
وقد سبق جبريل نجيب محفوظ فى استعاره إطار "ألف ليلة وليلة" وشخوصها فى رواية له تحمل عنوان " ليالى ألف ليلة" ولكنة آثر استخدام لغته العصرية المألوفة التى يكتب بها رواياته، وركز على بعض القضايا من خلال مفاهيمه وبنائه الروائى الخاص، أما "زهرة الصباح" فتدخل فى إطار "ألف ليلة وليلة" بشكله الموروث، وتتقنع به بصورة شبه كاملة، لتنقل القارئ إلى عصر قديم، له نكهته الخاصة، ومذاقه المتميز.
2. المرأة المتسلحة بالمعرفة
تعالج رواية "زهرة الصباح" قضايا الصراع بين الحق والباطل، والشجاعة والخوف، والعدل والظلم، والتمرد والقمع، والإصلاح والإفساد، وتحاول أن تقد الدواء الشافى لهذا الصراع الذى يذهب ضحيته كثير من الناس قهراً وغدراً وانتقاماً، ومن خلال الحكاية المشهورة بين شهريار وشهرزاد تتّضح معالم هذا الصراع وأبعاده، سواء ما يتق شهريار وأسلوبه وتفكيره، أو تفكير الناس من خلال شهزاد وأبيها وزهرة الصباح وأبيها، وطوائف الشعب وطبقاته المختلفة.
"شهريار" مولَعّ بقتل الفتيات اللاتى يتزوجهن بعد ليلة الدُّخول بهنّ، ويقف طابور طويل من الفتيات فى انتظار مصيرهن، من بينهن "زهرة الصباح" ابنه "عبد الملك المتبولى" كاتب سرّ الدولة، ولكن شهرزاد تحكى للملك حكاية متتابة على مدى الليالى الألف، فتغير من طبيعته القاسية، وبتحول إلى الأستقامة والعدل، وما بين قسوة شهريار واستقامته، يعيش الناس بلاءً عظيماً، وقهراً لا حدّ له، ويصاحب ذلك خراب وعنف ودم وجاسوسية ووحشية وفساد وشذوذ وتشهير، وفى ظلّ هذا الوضع تحدث أحياناً بعض محاولات المقاومة والرفض، ولكنها تقابل بوحشيو وانتقام شديدين، حتى ترسخ الخوف فى النفوس، وصار الخوف فى ذاته عنصر قهرٍ داخلى يمارس سطوته على الناس كباراً وصغاراً، حتى شهريار نفسه لحق به الخوف أيضاً، وها هو ذا يقول لشهرزاد: "أيه السعادة" وأنا لا أطمئن إلى الرقاد فى قصرى؟!"، ومع ذلك بقى الحلم بالعدل قائماً فى الصدور والنفوس، وفى الخطب والمواعظ، وظلّ الناس يتساءلون عن الفارس المنقذ الذى يتحدى الخوف ويحقق الأمل الموعود أو المنتظر، وفى الوقت ذاته هناك لجوء إلى الله واستجارة به ليرفع البلاء ويكشف الغمّة، " واجتمع الفقهاء والوجهاء وعامة الناس فى الجامع الأزهر، يتضرعون إلى الله أن يكشف الغمّة، عَلَت دعوات الناس إلى الله بأن يكشف الغمّة.."
وقد انكشفت الغمة بفضل الله، ثم بفضل شهرزاد تلك الفتاة التى تشير إلى دلالتين أراد الكاتب فيما يبدو أن يوصّلهما إلى القارئ:
الأولى قيمة الثقافة والعلم والمعرفة فى تغيير الطبيعة البشرية وتحويلها من خانة الشر إلى دائرة الخير الرحيبة، فلولا ثقافة شهرزاد ووعيها العلمى والفكرى وحسن استخدامها للأفكار والقصص التى تحمل هذه الأفكار، ما استطاعت أن تغير شهريار وتحوله من حال إلى حال، وقد حرصت زهرة الصباح، أو حرص أبوها على تلقينها الثقافة والعلوم المتاحة فى ذلك الحين، بالإضافة إلى القصص والحكاات التى جمها من الرواة والكتب، كى تتسلح بها عندما يأتى عليها الدور بعد شهرزاد.
الدلالة الثانية فى تركيز الرواية على دور المرأة فى التغيير الإيجابى والفعال، ففى الوقت الذى تقع فيه رؤوس الكثير من الرجال عند محاولتهم للتغيير، فأن المرأة تحقق ما يعجز عنه كثير منهم، ولذا تستدعى الرواية عدداً من مشاهير النساء فى التاريخ للتذكير بقدرات المرأة وطاقاتها، مثل "تودد" الجارية التى همت العلماء بعد مناظرتها لهم، و "البدوية" التى آثرت زوجها على أحد الخلفاء، و "صفية" بنت ملك القسطنطينية، و"إبريزة" بنت نلك قيسارية، و "نزهة الزمان" بنت صفية وعمر النعمان، وغيرهنّ، ثم إن شهرزاد نفسها تمثل المرأة التى هزمت شهريار.
ومع تقدير الرواية لدور المرأة فى التغيير، فإنها لا تُلغى دور المجتمع تُعدّ المرأة جزءاً أساسياً فيه تشارك فى حركته، وتسعى لتحريرة ورفع الظلم عنه، وهو ما نرته عبر سطور الرواية.
(يتبع)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:10 PM
(القسم الثاني)
.....................
3. "التوازى" مع حكايات "ألف ليلة وليلة".
يقوم بناء الرواية على فصول تحمل أرقام الليالى الألف، وما بعدها، ليست هذه الأرقام فى تسلسل الليالى الموروثة، وإنما تأخذ أرقام بعض الليالى وتترك بعضها الآخر، بل إنها تبدأ بالليلة الثانية قبل الليلة الأولى، ويشير الكاتب إلى أن ذلك بسبب اعتبارات الحكى، تُرى هل أراد الكاتب أن يزيد من أقتناعنا بالإطار التاريخى الذى يكتب من خلاله؟ أم ماذا؟ فى الحقيقة فإنى لم أر مسوّغاً ضرورياً للتقديم أو التأخير.
يقوم الراوى فى "زهرة الصباح" بدور مهم جداً، حيث يتولى تقديم الأحداث والأشخاص، ويقطع سردَهُ فى العديد من المواضع أو الفصول حديث الشخصيات نفسها من خلال الاسترجاع أو المونولوج، ولكن الراوى يبدو هو المهيمن الأول على البناء الروائى، والمتحكم فى مسارة بصورةٍ تقيه من الترهل والفضلات الزائدة على الحاجة، ومن هنا رأينا فصولاً تطول، وأخرى تقصر حتى تحتوى على فصل واحد فقط، وثالثة تحمل تضميناً فقط، لقصةٍ شعبية أو موّالٍ أو حدثٍ من الأحداث الروائية.
وتبدأ الأحداث بالعقدة الروائية فى تشابهٍ واضح م الراية القديمة "ألف ليلة وليلة"، حيث يتم إعدام البنات بالتتابع، كل بنتٍ فى ليلة، حتى تأتى شهرزاد وتوقف عمليات الإعدام انتظاراً للفراغ من قصّ حكاياتها المتداخلة والمتنوعة، "يأتى الصباح بنبأ إعدام فتاة جديدة" ولكن الجديد هنا، أن الناس يتألّمون لأنهم لأنهم يساعدون فيما يحدث ويباركونه.
هناك أيضاً تشابه آخر فى اعتماد البناء الروائى على الحكايات الداخلية الكثير، تقوم شهرزاد بروايتها، أو يحكى أشخاص أخرون، وتتنوع هذه الحكايات ما بين موروث أسطورى أو شعبى أو من حكايا "ألف ليلة وليلة" نفسها، مع دلالاتٍ معاصرة بالطبع، وبعض هذه الحكايات يتيح فرصة التمدّد الروائى فى أكثر من أتجاه، وخاصة تلك الحكايات الأسطورية التى تعتمد على الحيلة السحرية مثل الاستعانه بالخاتم المسحور.
يبدو أن البناء الروائى بصفةٍ عامة يحرص على صفة التوازى فى أبعادٍ شتى، وذلك لإبراز المفارقة السلوكية أو الفكرية، فعلى سبيل المثال يتوازى سلوك المتبولى (الحانق على شهريار، بسبب ابنته التى سيأتى عليها الدور فى الإعدام) مع سلوك شهريار نفسه، وخاصّةً بعد أن آلت له الأمور كلّها تقريباً منذ انشغال شهريار بشهرزاد، وعلى سبيل المثال أيضاً، يتوازى الواقع الروائى مع الحكايات التى ترويها شهرزاد، ففى الوقت الذى يشعر شهريار بأن بعض مساعدية ينوى الغدر به تقصّ شهرزاد حكايةً مماثلة هى "الحمّال والبنات" على أن التوازى بالقصص الشعبى من الواقع الروائى يبدو مهيمناً على بناء الرواية، كما يبدو أكثر تأثيراً فى الدلالة، وذلك لارتباطه بالوجدان الشعبى العام، ومن ذلك أيضاً ما تواجهه "زهرة الصباح" عند زواجها السرّى وتَوازيه مع قصة خضرة الشريفة، أسرها وعذابها فى ديار الأعداء، ثم تحريرها على أيدى الدراويش.
ولا ريب أن هذا التوازى فى البناء الروائى، قد ساعدت علية الحكايات الداخلية الكثيرة، وهو بدوره أسهم فى كسر رتابة السرد، وتخليصة من الترهل، كما أضاف إلية حيوية وتنوعاً ملحوظين، وإنْ تسبّب فى إصابته بتضخّم ملحوظ فى عدد الشخوص أو أسمائها، فقد كثرت أسماء الشخوص كثرةً ملحوظة أدت فى بعض المواقع الروائية، إلى ما يشبه الإرباك للقارئ فى تتبعه للشخوص الرئيسية.
لقد خضع انسياب الأحداث وحركة الشخوص إلى وعى هندسى حاد، مما أخضعها جميعاً للنهايات التى أرادها الكاتب، وأرادتها "ألف ليلة وليلة" ـ النصّ المستدعى ـ فقد انتصرت شهرزاد على شهريار، الذى تحول من وحش يعشق الانتقام ولا يبالى فى سبيل ذلك، إلى رجل وديع مسالم يعشق العدل، ويغدق على الجميع ويعطف عليهم، وبذا نجت "زهرة الصباح"، وإن كان والدها، قد تحول إلى زاهد يعيش أيامه الأخيرة فى خانقاه شيخو، ويقنع بما يأكل طَلَبَتُها من طعام وخبز وحلوى، وكان يوزع ما يتبقى من طعامه علىهؤلاء الطلاب، وقد أقنعه زوج ابنته بالعودة إلى القصر، ولكنه عاد مذهولاً، فاستحق الشفقة والرثاء والبكاء.
النهاية المهمّة فى الرواية هى الحلم، الذى يحلم به شهريار لإقامة مجتمع يسودة العدل وألمن والنظام والمساواة،وقد استدعى الكاتب نهايةً موازية لها، وهى اعتراف قبيلة "عَبْس" بأبنها الذى أستعبد طويلاً وهو "عنترة بن شداد"
على كلّ، فإن النهاية ـ كما صرحت ـ تهدف إلى أن يعود الناس إلى ممارسة حياتهم الطبيعية فى أمنٍ وسلام وطمأنينة، دون خوفٍ أو قهر أو رعب.
4. بيئة حافلة وزمان متدفق
تستدعى الرواية بيئةً مكانية وزمانية مطابقةً للمرحلة التاريخية، وهى المرحلة المملوكية فى مصر، وهو بيئة مختلف إلى حد ما للبيئة فى "ألف ليلة وليلة" حيث يتسع فيها المكان والزمان جميعاً.. أما "زهرة الصباح" فقد تحركت على رقعةٍ وادى النيل، ومدينة القاهرة تحديداً، فى أواخر العصر المملوكى، ولهذة المرحلة طابعها وملامحها، فقد شهدت الكثير من الصراعات والأحداث على أكثر من مستوى، وفى الوقت ذاته عَرفت تقاليدَ متنوّعة وطريفة فى شتى المناسبات، ومن ثم يمكن القول، إن البيئة المملوكية فى آواخر زمانها بيئة حافلة وحية، وتتيح للعمل الروائى فرصة العرض الحىّ الشائق الذى يَحُضُّ على المتابعة، ويير لدى المتلقى رغبة الاكتشاف.
تحفل الرواية بوصف الأماكن والطرقات والمعالم، التى تتميز بها القاهرة، أو مصر فى ذلك الزمان، وما أكثر الحديث عن القصور والبيوت والمساكن والمساجد والدواوين، ديوان الجيش وقاعة الإنشاء، ودار الوزارة وبيت المال والزردخانة، وديوان البريد، ودور كبار الأمراء، والقصر الأبلق، وقاعات البيسرية والدهيشة والبحرة، وألسواق والحدائق وغيرها، وإن كانت القلعة، بأبهائها وحجراتها وطوابقها ومداخلها وحراسها وسكانها، هى المكان الأبرز فى البيئة الروائية المكانية، حيث كان يعيش شهريار، يلفة عالم من الغموض والألغاز والأسرار، وخاصة ما يتعلق بمصير الفتيات اللائى يلقَيْن حتفهنّ، والسجناء والمذنبين الذين يواجهون الإعدام.
القلعة تبدو سجناً لشهريار، لا يخرج منه إلا نادراً فى المناسبات، ويَرهبه الجميع ولا يقترب مه إلا رجلان: ضائع أو مضيَّع، وتدور معظم الأحداث فى القلعة وما تضمّة من قصور وبيوت، أما بقيها فتجرى فى الشوارع والأسواق والميادين (حيث يجلس الرواة والحكاؤون) والمساجد.. وقد دخلت المقابر إلى المجال عندما تم التضييق على الرواة ومراقبة ما يقولون.
وتبدو البيئة القاهرية فى ذلك الزمان أقرب إلى البيئة التجارية فى عمومها، وإن كانت تضم أصحاب المهن والحرف المتواضعة، وهذه البيئة هى التى تنبت فيها الشخصيات الإيجابية بحكم أنها ألقرب إلى التأثر بما يقوله شهريار ويسلكه، حيث تنعكس عليها قراراته قبل أن تنعكس على غيرهم، فهى على كل حال تمثل ما يعرف الآن بالطبقة الوسطى التى تُعد عماد المجتمع وأساسه الفعال، ,على جانب ذلك فهى عنصر رئيسى من ناصر الصراع الروائى تدفعة إلى الذروة، وتتحكم فى نهاياته.
أما الزمن الروائى فى "زهرة الصباح" فيبدو متدفّقاً أفقياً فى تتابع مسلسل، ولكنه يعود إلى الوراء فى أحيان كثيرة ويتجاوز الفترة الزمنية الروائية التى تمتد إلى ما بعد "ألف ليلة وليلة"، وذلك عن طريق الراوى أو الاسترجاع، فالراوى يملك قدرة واسعة على عبور المكان والزمان من خلال الحكايات الشعبية والتاريخية والأسطورية العديدة، فيمكنه مثلاً أن يعود مئات السنين ليتحدث عن الهلالية والزناتى وسيف بن يزن، وعنترة وكليب، وبذا ينفسح الزمان وتتّضح آفاق جديدة، ورؤًى مختلفة تعطى للزمن الحقيقى طماً متميزاً، وتكسر رتابة السرد الروائى، خاصة وأن الحكايات تأتى ـ كما سبق القول ـ لتوازى الأحداث الروائية فى السرد، ولنتأمل مثلاً، مايقوله الروائى فى بداية الليلة الخامسة بعد التسعمئة :
قال الراوى عن الصحصاح بن جندية، فى سيرة "ذات الهمّة" :
ـ لو عاش فى عصر عنترة، لجعله من رجاله، ولغدا عنترة بن شداد من غلمانه..
وقالت زهرة الصباح للجارية نسيم :
ـ ماذا لو بدَّلتِ اسمك إلى عُنيترة؟
قالت نسيم:
ـ وأنى لى أن أصل إلى عُنيترة! لقد قادت أخوتها بعد وفاة أبيها!
استطردت فى دلال
ـ أليس "نسيم" أجمل وأرقّ؟
قال زهرة الصباح:
ـ لكن عُنيترة صارت ـ بعد إسلامها ـ واحدة من المسلمين الغزاة الأوائل!
ويقوم الاسترجاع بالعودة إلى تاريخ الشخوص وسيرتهم الذاتية، أو إلقاء الضوء على الأحداث الروائية، كما نرى فى سيرة "عبد الملك المتبولى" وهو يقارن بين ما انتهى إليه من مكانةٍ وجاه عند شهريار، وكيف بدأت حياته منذ زمان بعيد:
"الرحلة طويلة، منذ أن أنهى حفظ القرآن فى الكتاب، وجلس إلى إمام المغاربة فى عموده بالجامع الأزهر، ثلاث سنوات وأربعة أشهر، أفادته حياة المجاورين، اختلاف المشارب والاتجاهات، والمناطق التى قدموا منها، دلّ على متأمرين فى طائفة البهرة، جعلوا من جامع الأقمر وكراً لنسج مؤامراتهم، بلغ شهريار ما له، فطلب استدعاءه، أدناه منه، وسأله عن اسمه وبلدته وأحواله، خلع عليه، وأمر بإلحاقة فى طباق القلعة"
ثمة ملمح آخر فى الزمن الروائى فى "زهرة الصباح" هو انتماء اللغة إلى زمن الرواية الأصلى، فى العصر المملوكى، وكثيراً ما نجد معجم هذا العصر حاضراً فى عملية القصّ والوصف، بحيث يتشكل أمامنا العصر القديم بملامحه وأحداثه، ولنتأمل هذه العبارة مثلاً:
"قضت زهرة الصباح وأمهّا اليوم كلّه عند جدتها فى المغربلين، جرى فى القصر تطويش خمسة من العبيد السود، ليقوموا بحراسة حريم القصر، وخِدْمتهنّ، مع أنّ التطويش كان يجرى فى مداراةٍ داخل السراديب السفليّة،فإنّ عبد الملك المتبولى كان يشدَّ على الأم والابنة فتغادران القصر" .
و "التطويش" يعنى إخصاء الذكور بما يجعلهم غير قادرين على ممارسة الحياة الجنسية، مما يؤهلهم إلى خدمة النساء فى قصور السادة والحكام دون خوفٍ عليهنّ، وكان التطويش سائداً فى الفترة المملوكية وما بعدها، حتى انتهى بإلغاء الرق فى القرن الماضى تقريباً.
يمكن القول: إنّ لغة الرواية لغة تاريخيّة أو زمنيّة، تنتمى إلى التاريخ، وإن كتبت بصياغة العصر، وبذا يحقق الكاتب تناغماً ملحوظاً بين الأحداث والبيئة واللغة جميعاً فى إطاؤ تاريخىّ يتحدث عن عصرنا بصورةٍ ما.
(يتبع)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:11 PM
(القسم الثالث)
.....................
4. ابطال الرواية.. والتغيير.
تحفل "زهرة الصباح" بكثيرٍ من الأشخاص، لدرجة يصعب معها تحديد الشخصية الرئيسية التى يمكن أن نتوقف عندها، فلا شهريار، ولا شهرزاد، ولا دنيا زاد، ولا عبد الملك المتبولى، ولا ابنته زهرة الصباح، ولا غيرهم، يمكن أن ينفصل فى دورة عن الآخر، وخاصّةً أن بعضَهم الواقعىَّ يقوم بدور موازى لبعضهم التاريخى (أو المستدعى تاريخياً) أيضاً فإنّ أرباب الحرف والمهن والتجار يقومون بدور رئيسى فى أحداث الرواية، وكأن الكاتب جعل منهم شخصية قائمة بذاتها فى مواجهة شهريار، وسكان القلعة، كذلك فإن هنالك نوعية أخرى من الشخصيات مجهولة الأسم والملامح تقوم بدور الرواة الذين يقصّون الحكايات الشعبية على العامة، فى صورة موازية لأحداث الرواية الواقعية، وهؤلاء يمثلون نوعاً من المقاومة يزعج شهريار وأتباعه، لأن قصصهم تشير إلى ما يجرى فى القلعة وتُعلَّق عليه، ولعل الرواية أرادت أن ترمز بهم إلى نوع من المثقفين يختلف عن عبد الملك المتبولى مساعد شهريار، ويملك فى الوقت نفسة القدرة على العمل الإيجابى مهما كان الحصار شديداً والمقاومة دائمة، أمّا من يفتقر إلى الفعل الإيجابى أو الصدق فيما يقول، فإن الناس ينفضون من حوله بل ينقضون عليه، وهو ما حدث عندما خاض الراوى فى حارة الجودرية، فيما لا صلة له بقصص العرب، وحكايات الأيام الغابرة، وأخترع حكايات أخرى تخدم المتبولى وأعوانه.
ومع ذلك، فإن الكاتب قد أعتنى ببعض الشخصيات على وجه خاص، ورسمها بصورة معينة لتمثل حالةً ما، أو نموذجاً ما، يشارك فى الآداء الروائى المشترك.
أول هذه الشخصيات بالطبع "شهريار" وقد جعلته الرواية شخصية متحولة، حيّة، نطالع أعماقها، ونقرأ أفكارها، ونشاهد عملية تغيّرها على يد شهرزاد، من إنسان قاسٍ متوحشاً، يجد لذة فى اإنتقام ومتعة فى القتل، إلى شخصية أخرى تسعى إلى العدل وأحترام آدمية الإنسان والحفاظ على كرامتهم.
وفى البداية تطرح الرواية أسباب شهوة "شهريار" للانتقام وقسوته فى معاملة الناس، فتخبرنا أن الخيانة الزوجية كانت سبب كرهه للمرأة، وانتقامه من النساء، وقتله لكل فتاة بعد أن يدخل بها، ويبدو حين يطلب عروس اليوم التالى إنساناً آخر غير الذى كان أمس، إنّ شهريار يبدو شخصية مزدوجة، وخاصةً حين يجتمع إلى شهرزاد ويستمع إلى قصصها فينسى وحشيته، ويتحول إلى إنسان رقيق، وكأنه لم يأمر بالقتل أبداً! بل أنه إنسان محب للثقافة والمعرفة، ولعل حبه هذا اتضح بعد تأثير شهرزاد عليه، فقد أمر بإعادة تأسيس مكتبة لقصر، وتزويدها بما تحتاجه من الكتب بعد أن عانت طويلاً من الإهمال ونهب الخدم والحراس معظم ما فيها، وخصص المكافآت لمن يزوّد بما فى حوزته من نفائس المخطوطات وكتب القدامى والمحدثين،وعين للمكتبة خُزّاناً وخَدماً وفراشين، ووفر ما يحتاج إليه النساخ والمطالعون من الأقلام والمحابر والورق، وأمر النساخ أن يكتبوا بعض المؤلفات القيمة بماء الذهب، وغير ذلك من مظاهر العناية بالمكتبة ورعاية القراء والاهتمام بالعلماء والأدباء والشعراء..
تصور الرواية شهرذاد وقد غيرت شهريار حتى زهد فى الدنيا، وندم على ما فرط فى قتل النساء والبنات، وتوبته إلى الله عن ممارسة الظلم، مما حداها على أن تُعلَّ على حديث له بأنّ طبيعته تختلف عما يظهره، ثمَّ تظفر شهرزاد بالعفو والحياه، لأنه رآها عفيفةً نقيّة، ومن أجل أن ترعى أولادها الثلاثة.
وبدأ شهريار مرحلة تغييرٍ شاملة فى أرجاء الدولة، فغاب الخوف بعد أن غابت اليد الباطشة، وسادت العدالة والمساواة والرحمة لدرجةٍ أدهشت الناس، حيث نظروا فى البداية إلى الأمر بشئ من الريبة، ثم أطمأنوا بتوالى الأحكام الصائبة فى حكمه، وأيقنوا أن الله أذهب ما فى نفسه من مشاعر غاضبة، وشفى صدره.
لقد حققت الرواية، من خلال تغيُّر شهريار بالثقافة والفكر، صورة الحاكم/ الحلم، والإنسان/ المثال، بدلآً من أت تجعله عرضةً للعقاب على يد المظلومين الذين أوذوا، وصبوا طويلاً على القهر والكيد، وكأنها تطرح حلاً لما يعانيه الناس يتمثل فى تثقيف المسؤول وملء رأسه بالمعرفة حتى يعود إلى جادة الصواب، وإن كان هذا الحل ليس ناجحاً دائماً، فكثيراً من الطغاة كانوا من المثقفين الأذكياء، ولم تمنعهم الثقافة أو الذكاء من التوحّش وقهر العباد.
أمّا "شهرزاد" فهر رمز المرأة المثقفة الجسور، التى تواجه الخطر بصبر وإيمان، رباها أبوها الوزير "رندان" أحسن تربيّة، وعلّمها وثقّفها، فاستفادت بكل هذا فى ترويض شهريار وتحويله عن الطغيان والقتل، وكشفت عن مشاعره الإنسانية الطيبة، وأحبته، وأنجبت منه، وافتدت أختيها "دنيا زاد" و"زهرة الصباح" وبقية بنات جنسها، ومثلت "الفتاة القدوة" للأخريات وخاصةً "زهرة الصباح" التى راح أبوها يلقنها ما يصل إلى سمعه من معلومات وحكايات حتى تتسلح بها فى مواجهة شهريار حين يأتى الدور عليها.
لقد تطابقت صورة شهرزاد فى الرواية مع صورة شهرزاد فى "ألف ليلة وليلة" ولكنها هنا تحولت إلى رمز أكبر، بحكم موقعها الصعب المتأزّم الذى يجعلها بين الحياة والموت، يطلع الصباح كل يوم ويتوقع الناس أنها قتلت بيد شهريار، ولكنهم يكتشفون أنها مازالت على قيد الحياة، حتى انتصرت فى النهاية، وكأن الرواية تبشر بانتصار الشعوب وعودة السلام إلى جنباتها، وفى الوقت نفسه تؤكّد على قدرة المرأة المثقّفة فى وقت التدهور والمأساة، "من كان يتصوّر أن الحدّوتة وحدها هى التى أفلحت فى وقف مسلسل الإعدام؟! " .
وتبدو "زهرة الصباح" فى الرواية ظلاًّ واقعياً لـ "شهرزاد" أو موازياً واقعياً لها، فهى تقتفى خطاها، فى العلم والمعرفة والثقافة، وتعيش محنتها حين تنتظر دورها، بعد أن يقضى شهريار عليها، فتقوم بقصّ الحكايات عليه أملاً فى أن تطيل عمرها بعض الوقت أو تَفْلِت من مصيرها المؤلم، لذا تتحلّى بقدر من الشجاعة وحبّ الحياة فى قلب المحنة، وتوافق على الزواج سرّاً من الشابّ التاجر "سعد الداخلى"، ابن التاجر "الداخلى الملوانى" وهو من التجار المرموقين الذين حققوا أموالاً كثيرة وأقتنوا الدوابّ والأراضى فى الريف، ويحرص دائماً على أن يرعى الله فى كل أعماله والتمسك بأحكام الدين، ويبتعد عن أهل الخلاعة والفسوق، ومن أجل "زهرة الصباح" قَبِلَ أن يكون مجرّدَ خادم فى قصر المتولى والدها، حتى لا يكتشف أمره، وتعيش معه "زهرة الصباح" حياةً يظلَّها الخوفُ وعدم الأمان، وكأنها تحتمى بالزواج ممّا تتوقعه وتراه! بيد أن نجاح شهرزاد فى تغيير شهريار، يحقق لها أمان كما حققه لبنات جنسها وأبناء جنسها جميعاً.
وكما بدت "زهرة الصباح ظلاً موازياً لشهرزاد، فإنّ عبد الملك المتبولى والدها، يبدو كذلك ظلاً موازياً لشهريار مع الفارق بين الرجلين، فإذا كان شهريار يهوى الزواج بالفتيات ثمّ يقتلهنّ، فإن المتبولى يحب ابنته ويحرص بكل السبل على أن تبقى حيّةً ولا تتعرّض لمصير الأخريات، ويجمع الرجلين، بعدئذ وقبله، التصرف بقسوةٍ ووحشية وقمع العباد، وإن استطاعت شهرزاد أن تغيّرهما بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة، فينتهى الأول إلى إقامة العدل، ويتحول الثانى إلى زاهد فى الدنيا مذهول كأنه نسى نفسه والناس!
ومع تضخّم الرواية بالشخصيّات، خاصّةً الجوارى والعبيد والضحايا، فإن هناك بعض الشخصيات الثانوية المهمة، لأنها تقوم بالتوصيل أو التواصل بين الشخصيات الرئيسية، وتلقى الضوء على سلوكها وفكرها، وخاصّةً فى الأماكن المغلقة أو المستعصية على العامّة،وأولها "القلعة" وقصورها وغرفها، ويمكن أن تُعدّ الدلاّلة "حمدونة" أو الجارية "نجوى" من الأمثلة الدالة على ذلك، أيضاً فإن بعض هذه الشخصيات تمثل الآداه الفاعلة أو التى لا بد منها مثل شخصية "مسرور" السيّاف، الذى يتحرّق شوقاً فى كل آن لتنفيذ أوامر سيده بقطع الرؤوس على النطع، وهو هائل القامة، أسود البشرة، يغطّى الشعر الأكرت رأسه إلى الأذنين، وأهم ما يميز سحنته شفتان غليظتان كأنهما منفصلتان عن بقية الوجه، وقد جعلته شهرزاد يقضى شهوراً دون أن يؤدى واجبة اليومى المتمثل فى الإطاحة برأس الفتاة التى تُزف إلى شهريار.
وتقدّم الرواية نماذج عديدة للضحايا، وإن كانت لم تتوقف أمامهم كثيراً ولعل ذلك يرجع إلى كثرتهم، مثل: "معروف خضر" و "بهاء زينهم" و "عقيل البابلى" و "طاهر العجمى" و "جعفر الوزان" وغيرهم.وواضحّ أن كثرة الشخوص فى الرواية تبير عن طبيعتها التى تعالج قضية عامة تهم جميع الأفراد فى المجتمع، لذا جاء بعضها جاهزاً ومرسوماً من الخارج، باستثناء الشخصيات الرئيسية فى أثناء القراءة من الداخل أو الخارج معاً، كما يتبدّى فى شهريار "شهريار" وظلة الموازى عبد الملك المتولى، وشهرزاد وظلها الموزاى زهرة الصباح.
5. لغة تاريخية.. فى سياق عصرى :
تتميز الصياغة لدى محمد جبريل بخصائص مشتركة، تكاد تنسحب على معظم رواياته، فهمو حريص على أن تبدو الجملة الروائية قصيرة وبسيطة قدر الإمكان، كما يحرص على إسقاط أدوات الربط بين الجمل تبعاً لذلك، ولعل هذا يعود إلى تأثره بلغة الصحافة التى تحرص على الإيجاز، ومن علائمه تقصير الجلة من حيث التركيب وإسقاط الرورابط، ولكت لغته فى مجموعها ـ كما قلت فى مناسبة أخرى ـ نقيّة، وبعيدة عن الترهلّ والمفردات الزائدة.
الجديد، هنا، هو استخدام اللغة التاريخية الملائمة للإطار التاريخى فى الرواية، ولا نعنى باللغة التاريخية أنها لغة قديمة سادت فى هذا الزمان الذى جرت فيه أحداث الرواية، ولكنها تستخدم مفردات المعجم الذى يشير إلى تاريخية اللغة فى سياق عصرىّ، وقد أشرنا إلى فى الفقرة الرابعة، فمفردات العادات والتقاليد والمسميات والتقسيمات الإدارية والوظائف والرتب والألقاب.. الخ، كلها نجدها ائمة فى لغة السرد الروائى، يذكر الكاتب بدقةبل أنه يأتى أحياناً بفقرات مسجوعة على غرار الأسلوب المسجوع الذى كان شائعاً فى ذلك العصر، ولنقرأ، مثلاً الفقرة التاريخية التى تصف "مريم الزنّارية" مع ما فيها من طرافةٍ عصرية أحياناً:
"كأنها فضّة نقيّة، أو بلطية من فسقيّة، أو غزالة من بريّة، بوجةٍ يُخجل الشمس المضيئة، وعيونٍ بابلية، ونهودٍ عاجية، وأسنان لؤلؤيّة، وبطن خماسية، وأعطاف مطويّة، وسيقان كأطراف ليّة، كاملة الحسن والجمال، ورشيقة القدّ والإعتدال.." .
(يتبع)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:12 PM
(القسم الرابع)
......................
بيد أنّ الرواية تحرص على أن تقد ذلك العصر من خلال وصفٍ حرّ ينقلنا إليه وإلى معالمه، تأمّل، مثلاً، وصف مسيرة أحدِ المواكب التى أشتهر بها :
"سار الموكب من حىّ الطبّالة، على الجسر الطويل بين بركة الرطلى والخليج الناصرى، فى المقدمة حملة المشاعل، ثمّ المئات من فرس الديلم، يرتدون الثياب الموشاة بالقصب، ويحملون الحراب، ثم حملة العصىّ، يتقاذفونها فى الهواء، فراكبوا الجمال، يضربون كؤوساً معدنية، وركب الآلتية ظهور الحمير، يضربون على الطبل، أو يعزفون على آلات النفخ، يتبعهم الصُّحبجيّة وأولاد عبد السلام، بثيابهم الواسعة، الملوّنة المزركشة، يتقدمون ويحيطون بالهودج، الذى جلست "شهرزاد" فى داخله، تنثر عليه خائف الذهب والفضة ".
والأمر يسير على هذا النحو فى وصف الأماكن والمجالس والقصور، بما يتلاءم مع الصورة التاريخية التى تنبض بالحياة من خلال اللغة الحية أيضاً، فإنّ الحوار ينطبق عليه ما ينطبق على الوصف، وتعبّر اللغة عن دلالاتٍتاريخية خاصةً بذلك العصر، وأنماط السلوك فيه، فضلاً عن الحوار فى البناء الروائى وقيامه بدوره ى عملية الكشف والنفسير والشرح، وربط الحاضر بالماضى، وتوقع الأحداث الآتية، مثلاًُ، أن نقتطف الجزء التالى من الحوار الذى دار بين زهرة الصباح وزوجها سعد الداخلى، حيث كان يتهيّأ للخروج من البيت وهى تبدى إشفاقها عليه:
ـ أظلّ فى خوف عليك، منذ خروجك من البيت، حتى عودتك إليه!
تلاعب بأصابعه شأن المتحيّر:
ـ جعلنى أبوك خادماً فى قصره.. لكننى كذلك أشرف على أعمال أبى.
فوّتت المعنى:
ـ وبماذا تقدّم نفسك للمحتسب؟
وهو ينزع الشارب الأسود من فوق شاربه المائل للاصفرار:
ـ كما تعلمين.. أغادر القصر متخفيّاً، وأعود إليه متخفيّاً..
استطرد وهو يتهيأ لاحتضانها:
ـ أنا عند أبى مشرف على أعماله. أما هنا، فأنى سعيد بأن أكون خادماً لمحبوبتى الجميلة.
وكما نرى، فإنّ الحوار، مع كفه لطبيعة العلاقة بين الزوجين، وظروف الزوج الذى يتخفى للوصول إلى زوجته، بالإضافة إلى التعريف بطبية عمله، فإنه يشير إلى الوظيفة التاريخية الهامة التى كانت سائدة فى عصر الرواية وهى وظيفة المحتسب، وكانت مهمّته مراقبة الأسواق، والآداب العامة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، من خلال مساعديه الذين يختارهم من بين المؤهلين لهذه المهمّة.
وعلى هذا النحو يمضى الحوار فى المواضيع الأخرى حاملاً الدلالة التاريخية، وقائماً بمهمّة الكشف والإيضاح، تؤازره فى ذلك عملية تضمينٍ واسعةُ النطاق تعتمد عليها الرواية، ويتنوع التضمين ـ الذى ينتمى إلى الموروث ـ ما بين موّال، وحكايةٍ شعبية، وأسطورة، وإن كان الموّال أكثرها حضوراً من حيث الإبقاء على صيغته الأصلية.. أما الحكاية أو الأسطورة فقد تتعدّل صياغتها اللغوية لتكون أقرب إلى القارئ المعاصر..
إنّ الموّال، وهو صورة من صور الزَّجَل، يبدو أقرب إلى روح الشعب ووجدانه، فضلاً عن لهجته الدارجة القريبة من الفصحى، وقد أكثرت الرواية من تضمينه بحكم تسجيلة لأحزان الناس ومعاناتها فى واقعها وحياتها، فاهتمّ به الرُّواة الذين يقصّون الحكايات الشعبية فى المقاهى والميادين والحارات، واستدعته الرواية، ليؤكّد على اللغة التاريخية، ويتوازى مع الأحداث ودلالاتها، لذا نجد بعض فصول الرواية تقتصر على موّالٍ واحد فقط، لتكثف من دلالته، ولتؤكد على الأمل فى النجاة وعبور المحن، ولو بالموت، ففى الليلة الثامنة بعد الثلاثمئة مثلاً، يقول الراوى:
الـدنـيـا غـازيـّة مـا داِمـتْش للـنّاس ولا لـيـّهْ
ولا دامِتْش لمصرى ولا للرُّومى اللى نشا سور اسكندريّهْ
ولا دامتش لسيدنا داود اللى فتل الحديد، ولان لما بقى مَيّهْ
ولا دامتش لـسيـدنا سليمان اللى طاعـه الإنس والجنيّهْ
ولا دامـت لسيف اليزل اللى سعى وجـاب كـتاب المِيّهْ
ولا دامتش لأبو زيـد وديـاب أيـام حـروب الهلاليّةْ
والموّال هنا هو كلّ الفصل الروائى، واعترض المجال السردى ليؤكد على حقيقة الموت التى تطال الجميع بلا تفرقة ولا تمييز، وكأنّ الرواية بهذا الفصل الموّال، تؤكد مسبقاً على مصير شهريار المحتوم مهمه علا فى الأرض وجعل أهلها شِيَعاً.
ولا يقتصر التضمين بالموًال على هذا الفصل، ولكنه يتكرّر فى مواضع أخرى تشى بالحزن والألم، ولعلّ أكثرها توفيقاً الليلة الثامنة والثلاثون بعد الثمانمئة، حيث أنشد الراوى موّالاً، منه هذه الأبيات:
وكـلً سـاعَهْ نقـولْ بكرَهْ حا تتعدّلْ
ومهما نسعى نـلاقى الـزهر بَـهْدلْنا
ظـروفنا هيّـه كِـدَهْ حلفتْ ما تتعدّلْ
مـا دام معاهْ حَـظّ.. أحـوالُه بتتعدّلْ
وصاحب العقل فى الدنيا عايشْ مظلوم
والتضمين بالحكاية الشعبية قد يشمل القصة كاملةٍ، مثل حكاية القديس الذى ذبح الوحش وانتصر عليه، كما فى الليلة التاسعة بعد الأربعمئة، أو إشارات تستدعى الشخصية الشعبية مع ملمح من قصتها، كما نرى فى استدعاء عنترة وكليب والهلالية وغيرهم على مدى صفحات الرواية، ممّا يعطى المذاق التاريخى للرواية بعامّةٍ وللغتها على نحوٍ خاصّ.. وإن كان الحصاد فى النهاية عصرياً وقائماً بالقرب منا.
6. رواية الحلم بالنجاة:
وبعد..
فإن "زهرة الصباح" حلقة جديدة من حلقات البحث عن الأمل، والحلم بالنجاة من خلال إقامة العدالة والمساواة والرحمة، ورفض الشرّ والقسوة والانتقام الأعمى، ليعيش الناس فى أمن سلام وطمأنينة.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:12 PM
الأنـــــــــــــــــــــــــدال

أ.د. حلمى محمد القاعود
....................................

هو صمت القبور . دلالة الموت الأبدى .. تطبق على العواصم العربية والإسلامية . لم ينطق أحد ، والغزاة النازيون اليهود يدمرون لبنان ويحاصرونه ، بعد أن دمروا غزة وحاصروها.... مئات القتلى والجرحى من المدنيين البسطاء فى غزة ولبنان ، يلقون حتفهم أو ينزفون الدماء ، دون أن تهتز عاصمة عربية ، أوتصدر بيانا يستنكر أو يشجب – كما كان فى الزمن القديم! – إبراء للذمة على الأقل ، وكأنهم يوافقون ضمناً ، بل يساعدون ضمنا ، حكومة الغزاة النازيين اليهود على حرب الإبادة ضد الفلسطينين واللبنانيين الذين يقودون المقاومة الوحيدة ضد الإجرام النازى اليهودى ..
حكومة موسكو استنكرت العدوان النازى اليهودى على الفلسطينيين واللبنايين ، كما استنكرت استخدام اليهود للقوة المفرطة ، ولكن الأشاوس والنشامى العرب والمسلمين لم يستنكروا أبداً ، بل لم ينطقوا أبداً ، واكتفى بعضهم بالقيام بدور ساعى البريد بين العدوّ النازى اليهودى والمقاومة الإسلامية فى غزة ولبنان .. وفى سياق هذا الدور لا يخافت ولا يخجل من طلب إلى المقاومة أن تستسلم للعدو وتسلم بمطالبه !
لقد قامت المقاومة الإسلامية فى غزة بعملية " الوهم المتبدد " ، فقتلت جنديين من الغزاة ، وأسرت ثالثاً ، وقامت المقاومة الإسلامية فى لبنان بعملية " الوعد الصادق " ، فقتلت سبعة من الغزاة ، وأسرت اثنين . وكان ذلك تحولاً بارزاً فى أداء المقاومة أذهل العدو ، وأربك خططه العدوانية ، وحطم كبرياءه وصلافته ، وأتاح الأمل لتحرير الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين من قبضته .
الغزاة النازيون اليهود فى فلسطين تعودوا أن يأمروا فيُطاعوا ، وقد أمروا الأنذال فأطاعوهم منذ بدء غزوهم لفلسطين ، لدرجة أن الخونة الأوائل كانوا يطلبون منهم مبالغ مالية قليلة لإحياء ليالى شهر رمضان المعظم فى قصورهم المنيفة ! ( راجع ما كتبه المؤرخون اليهود الجدد عن الخيانات العربية ) ولكن الأمور تغيرت بعد بدء المقاومة والانتفاضات واعتماد الشهادة سبيلاً إلى استخلاص الحقوق وتحرير الأوطان وتخليص المقدسات .. وإذا كان الغزاة اليهود قد انزعجوا لهذا الأسلوب الذى تبناه الشعب الفلسطينى والعربى ، فإن المفارقة تكمن فى أن الأندال توافقوا مع الغزاة فى هذا الرفض ، وصارت المقاومة ذات الصبغة الإسلامية خطراً داهماً يجب عليهم التصدى له ووأده وسحقه واستئصاله من الوجود !
بماذا تفسرون قسوة الأنظمة العربية الحاكمة ضد شعوبها عامة ، والمقاومة الإسلامية خاصة ، فى الوقت الذى تطأطئ فيه رءوسها وتصمت صمت الحملان عن إجرام الغزاة اليهود وعدوانهم واستهانتهم بالعرب والمسلمين ، فضلاً عن القوانين الدولية وما يسمى الشرعية الأممية ؟
أليس من العار أن تصمت الأنظمة على تدمير لبنان وقتل ابنائه ، فى الوقت الذى لا تتسامح فيه مع كاتب أو ناشط سياسى كتب أو قال كلاماً لا يُعجبها أو لم يرق لها؟
أليس من العار أن تصمت المدافع على الجهات المحتلة ، ولكنها لا تتردد فى دك المدن والقرى التى يفترض أن بها معارضين لهذه الأنظمة ؟
أليس من العار أن تتفرغ بعض الأنظمة لمحاربة الإسلام والحجاب وتخصيص بطاقات ممغنطة لمن يدخلون إلى المساجد أو يخرجون منها ؛ فتضع الأولين تحت المراقبة وتترك للآخرين حرية الحركة ؟
إن الأندال هزموا الشعوب العربية والإسلامية من الداخل قبل أن يهزمهم الغزاة النازيون اليهود ، ومع ذلك فإن هذه الشعوب بدأت تستيقظ وتأخذ زمام المبادرة ؛ وستنتصربإذن الله بعد أن تقدم الدم والمال والجهد والصبر الجميل .
المقاومة الإسلامية فى غزة ولبنان تقلق العدوّ النازى اليهودى وتقض مضجعه ، والعدو يتمادى فى عدوانه مدعوماً بالصليبية الاستعمارية المتوحشة بقيادة الولايات المتحدة ، وصمت الأندال ، وتواطئهم أيضاً .
شعوبنا بعيداً عن الأندال ، تستطيع أن تقدم الكثير لدعم المقاومة وإيلام العدو وداعميه ، يستطيع التجار فى البلاد العربية والإسلامية أن يوقفوا صفقاتهم مع الدول الاستعمارية الصليبية طالما هناك بديل فى أماكن أخرى . يستطيع المواطنون أن يُقاطعوا البضائع القادمة من بلاد التوحش الاستعمارى الصليبى . يستطيع المواطنون أن يُقاطعوا الشركات والهيئات والأفراد التى تتعامل مع العدو النازى اليهودى أو تمالئه ، أو تمالئ الصليبيين الاستعماريين . يستطيع المواطنون العرب والمسلمون أن يفعلوا الكثير ، ولهم فى تجربة الدانمرك أسوة حسنة ، وعلى علماء الدين أن ينهضوا بدورهم فى هذا السياق لقيادة الأمة مهما كانت الضرائب التى ينبغى دفعها .. وألا يعتمد ا على علماء السلطة وفقهاء الشرطة ، الذين باعوا الآخرة بالدنيا ، وآثروا رغد العيش على شرف الدعوة والجهاد ..
(( فاصبر صبرا جميلاً . إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا )) ولا عزاء للأندال !
.....................................
*مصر الحرة ـ 16/7/2006م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:13 PM
مسألة بقاء ، وليست مسالة سلام!

بقلم: د. حلمي محمد القاعود
................................

شغلنا القاعدون عن الجهاد ، والموالون لأميركا واليهود، وكتاب المارينز ،وكتاب لاظوغلي ؛ عن النظر إلى المستقبل الذي يستعد فيه الغزاة النازيون اليهود لجولة أخرى من القتال ضد العرب والمسلمين في لبنان وخارجه، تعيد لجيشهم هيبته المحطمة وقدرته المكسورة .
شغلونا بنظرياتهم وأفكارهم وأحكامهم بتكفير هذا الحزب أو ذاك ، وعدم شرعية مساندة هؤلاء المقاتلين أو أولئك ، والدخول إلى معمعة التنقيب عن العدو الحقيقي للأمة ؛ هل هو إيران الصفوية أم أميركا الصليبية ؟ وأخذوا يحدثوننا عمن ساند الأميركا ن الغزاة في حربهم ضد العراق وأفغانستان ، وتناسوا من جعلوا أراضيهم ومياههم وسماواتهم قواعد عسكرية وممرات جوية وبحرية للغزاة المجرمين ..
وتباروا في تحديد من انتصر ومن انهزم ، وأقسم بعضهم بالأيمان المغلظة أن حزب الله جلب العار والشنار للأمة ، لأنه ظل يدافع عن لبنان ، ويضرب اليهود في أعماق معاقلهم 34 يوما تحت قصف الفانتوم 15، 16 ، 18 ، وبوارج ساعر 4، 5 ، ومدفعية الميركافاة ، ولم يهرب من الميدان .. ونسي القوم أن شعبية حزب الله ورئيسه حسن نصر الله ؛ فاقت كل التوقعات على امتدد العالم الإسلامي بسنته وشيعته و،ومسلميه ومسيحييه ، باستثناء تحالف 14 آذار ، وحكومات العرب ، وخونة المهجر ..
ومن غرائب هذا الإشغال أن القوم كانوا مهمومين بقضايا فرعية ونشرها على أوسع نطاق في الوقت الذي كانت طائرات العدو تدك فيه الضاحية الجنوبية لبيروت وبنت جبيل وبعلبك ومرجعيون وغيرها ، فأي عقلية تلك التي تترك دماء الشهداء ، وأطلال الدمار وقوافل المهجرين ، وتهتم بحكم فك السحر بالسحر ، وإلغاء خانة الديانة في البطاقة الشخصية والوثائق الرسمية ، وفتوى المفتي حول التماثيل وسرد الشتائم والسخرية التي وجهت له ، ونشر ثقافة السلام في ربوع الأوطان المهزومة المنكوبة بالفساد واللصوص الكبار والصغار ، الموعودة بالنكبات وحوادث الطرق والعبّارات والقطارات ؟
ويدخل تحت هذه الغرائب ما ينقله كتاب لاظوغلي بلا خجل من ملفات زملائهم المخبرين حول تحركات هذه الجماعة الإسلامية أو تلك ، مما يعد سقطة مهنية وخلقية بكل المقاييس .. أما سخريتهم من الحديث عن التطوع والقتال بجانب الأشقاء في لبنان ضد الغزاة اليهود فحدث ولا حرج .. لقد ذهبت بهم سخريتهم إلى حد الصفاقة والوقاحة حين جعلوا من رغبة التطوع ، وجودا فعليا لميليشيات مسلحة تستعد للانقضاض على الحكم وسرقته ، وتناسوا أن لا ظوغلى لم ولن تسمح بهذه المليشيات المزعومة ، فهي تعلم دبة النملة في كل مكان .. وحاشا لله!
شغلونا وتناسوا أن القضية الأكبر والأعظم؛ هي قضية الوجود المستباح ، مما يتطلب أن ينهض الناس جميعا لحماية وجودهم وأرضهم وحاضرهم ومستقبلهم .
شغلونا ، وتناسوا أن الشيطان الأكبر ، يقود بنفسه عملية استباحة البلاد والعباد ، وتأكيد الحصار على لبنان جوا وبحرا وبرا ، ليخنق الشعب الذي يزعم أنه يحميه ويحرره ويحافظ على استقلاله ، بعد أن أخفق الشيطان الأصغر في تحقيق أهدافه ، ثم إن الشيطان الأكبر يساوم الدول الكبرى لتقوم بجوانب محددة من هذه المهمة كي يفرغ للمهمة التالية التي أعلنت عنها الآنسة كوندي ؛ وهي بناء الشرق الأوسط الجديد ، بدءا بضرب إيران وتمزيقها إلى دويلات تستدعي بالضرورة تمزيق العراق والسعودية وسورية رسميا ، وانتهاء بالجائزة الكبرى حيث تتمزق أم الدنيا والسودان الشقيق!
وأسأل هؤلاء الأشاوس والنشامى الذين يرون في أميركا واليهود ملاذا وملجأ : من الذي سلطكم على أمتكم في هذا الوقت الحساس وهذه الظروف الحرجة لتساعدوا الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر ؟
من الذي خدعكم كي لا تروا أبعد من أنوفكم ، وتغدروا بأمتكم ، وتطعنوها من الخلف ؟
إنكم بوصفكم عربا تحت الاحتلال وتحت الهيمنة النازية اليهودية لا تساوون شيئا ، ولا قيمة لدمائكم وأعراضكم وكرامتكم .. تقول عميرة هاس ؛ مراسلة ها آرتس ، في مقال لها يوم 23/8/2006/ :
" حسب قوانين الاحتلال ( اليهودي طبعا ) ونظمه ؛ لا يعد الجنود الذين يقتلون المدنيين الفلسطينيين مجرمين ومشبوهين أو متهمين أو مدانين إطلاقا..".
ومعنى هذا يا قوم أن إنسانية النازي اليهودي تستبيح المهزوم ، وتفعل به ما تشاء لدرجة الموت ، وما يحدث في فلسطين يحدث في لبنان ، وحدث في مصر والأردن وتونس . النازي اليهودي يقتل العربي والمسلم دون رحمة ولا شفقة ،ولا تثريب عليه ، وأنتم تتشحون بالعقلانية والمغامرات المحسوبة ، والتخطيط الاستراتيجي لتنفذوا عملياتكم " يوم القيامة " ، وتستخلصوا حقوقكم عندما " تقوم الساعة "!
بئس ما تفعلون ، وبئس ما تفكرون ، أيها الموالون لأميركا ن واليهود؟!
ما رأي الذين يتحدثون عن قاعدة "الولاء والبراء "؟ ما حكم من يوالي الأمير كان واليهود، ويري فيهم إلّها من دون الله ، وناصرا من دون الله ، وملجأ من دون الله ؟
لقد جاء اليهود الغزاة إلى بلادنا ليكونوا قاعدة عسكرية للصليبيين الهمج ، تضرب بلا عقاب ، وتنسف بلا حساب ، والذين يتصورون أن مجلس الأمن الدولي سيعيد إليهم حقوقهم ؛ واهمون ، أو قاعدون بمعنى أدق. إن مجلس الأمن الدولي لم يعد حقا للعرب والمسلمين منذ إنشائه ، بل أسهم في ضياع حقوقهم ، وصار مجرد إدارة من إدارات الكابيتول ( الخارجية الأميركية ) يأتمر بأمره، ويسمع ويطيع لمن يجلس فيه ، ولو كان الآنسة كزندي .. فإلى متى أيها السادة تنتظرون السلام وعودة اللاجئين وتحرير القدس ؟
لقد لخص كاتب يهودي نازي الموقف باختصار شديد وعميق ؛ جين قال :
نحن أمام صراع متواصل ومستديم . ومن سيكون أقوى في عقيدته وحقه ؛ هو الذي سيبقى ، المسألة هي مسألة بقاء وليست مسألة سلام لشدة الأسف " ( ليمور سمينيان درش- معا ريف 3/8/2006م).
نعم مسألة بقاء وليست مسألة سلام !
فهمها النازي اليهودي ، وعمل من أجلها ، مع أنه ليس صاحب حق ، ونحن مشغولون بخلافاتنا وتفاهاتنا ، تاركين جوهر الأمور تسويغا للقعود عن الجهاد ، ورغبة في التخلف عنه :
" فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ؛ وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر ، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون . فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون " ( التوبة:81-82).
ماذا نقول لربنا وقد امتلكنا الرجال والسلاح والمال ( دماء الشهداء رفعت دخول كثير من العرب القاعدين! )، ولم نواجه العدوان النازي اليهودي ، ولم ندعم المجاهدين بالمال والسلاح والقول الواضح الصريح؟
أيها السادة :إن المسألة مسألة بقاء .. وليست مسألة سلام..
وبقاء العرب جميعا مرهون بالجهاد ، وليس غيره.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:15 PM
ضد التعصب أم ضد الإسلام؟ 1 من 6

بقلم: أ.د. حلمى محمد القاعود
.........................................

في مشروع مكتبة الأسرة الذي ترعاه السيدة سوزان حرم الرئيس مبارك، لعام 2000م، صدر كتاب بعنوان "ضد التعصب" للدكتور جابر عصفور، وهو كتاب كبير الحجم نسبياً يقع في 464 صفحة من القطع المتوسط 14-19.
والدكتور جابر عصفور، كاتب معروف، وهو على صلة بالتراث العربي، خاصة التراث النقدي، وله فيه إسهام من خلال رسالته حول الصورة الفنية لدى النقاد القدماء، ثم إنه بالنسبة للعمل العام، قد اقترب من النظام في عهد عبدالناصر، الذي عيَّنه معيداً بكلية الآداب، بعد أن كان مدرساً في منطقة نائية، إثر رسالة تلقاها منه، كما اقترب من النظام في عهد السادات عن طريق السيدة جيهان رؤوف حرم الرئيس، وكانت طالبة في قسم اللغة العربية الذي ينتمي إليه الدكتور جابر.
وفي العهد الحالي، ارتقى الدكتور جابر سلَّم القيادة الثقافية الرسمية من خلال المجلس الأعلى للثقافة ونشاطاته المتنوعة "اللجان ـ الجوائز ـ الندوات ـ المؤتمرات ـ النشر ـ المسابقات..."، ومن بداية التسعينيات تقريباً صارت مقالاته، "مانيفستو" حركة الحداثة ثم ما يعرف بالتنوير بعدئذ!.
علاقتي بالرجل على المستوى الشخصي طيبة، وعلى الصعيد الفكري عاصفة، إلى الدرجة التي يمكنني أن أصفه بالصديق اللدود!، وفي أعماقي أهتف دائماً: اللهم اجعل جابر عصفور جندياً من جنود الإسلام، أو أقول: اللهم انصر الإسلام بجابر عصفور، فهو يملك القدرة والطاقة على الدفاع عن الدين، ومواجهة خصومه.
ولعل كتابه "ضد التعصب" يمثل أوضح الأمثلة على الفارق الشاسع بيني وبينه، في الرؤية وتناول القضايا، حيث ينحاز عبر صفحاته، إلى الخطاب الرافض للمرجعية الإسلامية، بل الحانق عليها، المعادي لها، من خلال قضايا ثقافية طارئة ذات صلة وثيقة بمفاهيم إسلامية راسخة، ومن هذه القضايا: قضية نصر أبوزيد، وما يسمى تكفير حسن حنفي، ورواية وليمة لأعشاب البحر.
إن جابر عصفور ينحاز إلى هذه القضايا انحيازاً عاطفياً غير عقلاني، ويناصر أصحابها بلا تحفظ، وفي المقابل لا يرى إيجابية واحدة لدى الخصوم ـ أعني الإسلاميين ـ بل يؤاخذهم جميعاً بما يفعله السفهاء، ويرتب على ذلك أحكاماً بظلامية الفكر الإسلامي وإظلام الإسلاميين!، ثم ينتهي بصورة ما إلى أن التعصب سمة ملازمة للإسلام، وبالتالي فهي مفارقة لغيره من العقائد والأفكار.
كان الدكتور جابر ـ للأسف الشديد ـ طرفاً أساسياً في أهم هذه القضايا، وعنصر تصعيد لها، على حساب الآخرين أو الوطن، ولم يجد غضاضة ـ وهو المسؤول التنفيذي للثقافة والمؤثر الفعال في وسائط الدعاية ـ أن يشعل النار ضد الإسلاميين وفكرهم، وأن يصمهم جميعاً بالظلامية والإرهاب! وأن يستثمر مناخ العنف والعنف المضاد الذي ساد البلاد عقب مقتل الرئيس السادات ـ رحمه الله ـ ليؤلب السلطة التي ينطق باسمها، والرأي العام الذي يخاطبه ضد الإسلام والإسلاميين بوصفهم قتلة ودعاة تخلف وخرافة.
لو أن الدكتور جابر التقط قضية واحدة من القضايا المطروحة، وعالجها بمفهوم إسلامي، ومرجعية إسلامية، لكنا معه على طول الخط، حتى لو أخطأ، لأن الخطأ حينئذ يمكن تصحيحه وتوضيحه وبيانه، ولكنه للأسف الشديد، ظل طوال خصومته ينطلق من مرجعية غربية لا تتفق مع الإسلام في معظم منطلقاتها.
وأبادر إلى تحفظ بأن مرجعية الإسلام تتمثل في القرآن الكريم والسنة المطهرة، واجتهادات العلماء الثقات، ولا يصحّ أن يأتي بعض الناس الذين لا يحفظون قرآناً ولا يفقهون حديثاً، ولم يدرسوا فقهاً أو شريعة لنجعلهم علامات على الإسلام أو مرجعية لأحكامه وقيمه، وتشريعاته، فهذا هو الضلال بعينه، إن الإسلام يحكم على المسلمين، والمسلمون لا يحكمون عليه.. وكل يؤخذ منه ويرد عليه، إلا المعصوم ص.
ومن العدل والإنصاف أن نتابع بعض القضايا التي عالجها الدكتور عصفور، لنرى إلى أي مدى كان اتهامه للإسلام والمسلمين بالتعصب صائباً أو غير صائب.
ترويج الكتـاب
فور نزول كتاب "ضد التعصب" إلى الأسواق، رافقته حملة واسعة لعرضه والتعريف به في كبريات الصحف الحكومية والحزبية بأقلام تهاجم الإسلام صراحة، أو تهاجمه نفاقاً سعياً لمكاسب مادية آنية، في الوقت الذي تظهر فيه عشرات الكتب الجادة دون أن تحظى بأي اهتمام ولو بسطرين على امتداد عمود عرضه خمسة سنتيمترات في صحيفة سيارة.
وهذا يقودنا إلى قضية خطيرة ومهمة بدأ بها الدكتور جابر عصفور كتابه، وهي قضية الحرية والتعصب، وقد صدرها بمقولة لأستاذه طه حسين ملخصها أن الحرية لا تتحقق بالتمني، ولكن تؤخذ عنوة "فقد أراد الله أن تكون هذه الحرية حقاً للعلم، وقد أراد الله أن تكون مصر بلداً متحضراً يتمتع بالحرية في ظل الدستور والقانون"، وقد جعل جابر عصفور هذا المعنى في استهلاله لكتابه الذي هو مجموعة مقالات سبق نشرها في صحف بقوله: "إن حرية التفكير والإبداع هي جزء لا يتجزأ من حرية الإنسان الاعتقادية والسياسية والاجتماعية. وهي مسؤولية عقلية وأخلاقية واجتماعية وسياسية"، ومضى يفسر هذه المسؤولية بإسهاب، ونحن معه في تفسيره، وإن كان لنا بعض التحفظات على مصطلحاته وتصوّراته في هذا المجال.
بيد أن المفارقة في موقف طه حسين تكمن في إصراره على أن يقول هو ما يشاء، ويحرم غيره من الرد عليه، وذكر بعض معاصريه أنه كان يذهب إلى الصحف التي تنشر ردوداً مغايرة لما يقول، ويطلب من أصحابها عدم نشر هذه الردود، ولم يؤثر عنه أنه وقف موقفاً واضحاً إلى جانب حرية الشعب أو الأمة، بل إنه قبل رشوة من انقلاب يوليو 1952م حين وضع اسمه رئيساً لتحرير جريدة "الجمهورية" قرابة خمسة عشر عاماً دون أن يكتب كلمة واحدة في هذه الجريدة، بل دون أن يذهب إليها، وكان يتقاضى مرتبه دون عمل مقابل.. أين هذا من موقف العقاد الذي دخل السجن وتعرّض للجوع بسبب مواقفه من أجل الحرية؟
إن الكلام عن الحرية جميل، ولكن تطبيقه أجمل.. ويصبح هذا الكلام قبيحاً وبشعاً وشنيعاً حين نطبقه بالنسبة لأنفسنا ونحرّمه على غيرنا من المخالفين، وهذا ما فعله طه حسين وكثير من تلاميذه الذين يرون الحرية حقاً لهم وحدهم دون غيرهم. كان طه حسين لا يرد غالباً على مخالفيه، بل كان يهجوهم ويكنِّي عنهم دون أن يذكرهم، وهذه فصامية عجيبة من رجل يدعو لأخذ الحرية بالقوة.
وجابر عصفور تلميذ طه حسين، يفعل الشيء نفسه للأسف، فهو يحمل علــى المتعصبين ـ كما يسميهم ـ ويقصد بهم التيار الإسلامي، ويصمهم بالإرهاب والقمع والأصولية ـ بالمفهوم الغربي ـ وينفي عنهم العقلانية والإبداع والاجتهاد، ويؤسس على ذلك نتيجة خطيرة وهي تقويضهم الدولة المدنية والمجتمع المدني باستبدادهم الديني، ورغبتهم في إقامة الدولة الدينية، وسيطرتهم على المؤسسات التضامنية للمجتمع المدني، مثل نقابات المحامين والمهندسين والأطباء وغيرها.
بل هو المتعصب
هذه الحملة من جانب جابر عصفور تحمل مغالطات تؤكد تعصبه ضد تيار مخالف يمثل الأغلبية الساحقة، ويتكرر مفهوم هذه الحملة على امتداد مقالاته في كتابه "ضد التعصب". وإذا كانت الحرية ـ كما يقول ـ مسؤولية عقلية وخلقية واجتماعية وسياسية، فمن واجبه أن يدافع عنها بوصفها حقاً للآخرين، وما لا يعجبه في مفاهيمهم وتصوراتهم يرد عليه بالمنطق والحجة مع المرجعية الواضحة التي تحدد منطلقاته وأفكاره.. ولكن الذي نراه لديه ولدى تيار العقلانيين ـ كما يسميهم ـ هو هجاء لا يستند إلى منطق أو حجة، وتحريض رخيص ضد هؤلاء الإرهابيين الظلاميين الأصوليين الذين يقوضون المجتمع المدني ومؤسساته التضامنية، حتى لو أتت بهم انتخابات حرة نزيهة إلى مقاعد القيادة في نقابات متعددة أو مؤسـات مختلفة.
والغريب حقاً، أن يعتقد الدكتور جابر عصفور أن الدولة المدنية نقيض الدولة الإسلامية، وكنت أظنه في البداية يقصد بالدولة المدنية، الدولة النقيض للدولة البوليسية أو الدولة العسكرية أو الدولة التي تحميها الطوارئ وتأخذ فيها الديمقراطية الحقيقية إجازة مفتوحة، وللأسف اكتشفت أنه يقصد بالدولة المدنية الدولة التي لا تبقي للإسلام على أثر، بل تستأصله من حياتها تماماً، وإذا أبقت على أثر فهي دولة دينية بالمفهوم الكنسي، على غرار الدولة الدينية في العصور الوسطى المظلمة بأوروبا.. وبالتأكيد فإن جابر عصفور لا يرى غضاضة في تدخل الفاتيكان في الشؤون السياسية الدولية، ولا تدخل البطريرك الأرثوذكسي الروسي في حرب الشيشان ومباركته لتدمير جروزني وسحق المسلمين، ولا تدخل البطريرك الأرثوذكسي الصربي في تأييد ميلوسوفيتش وكاراديتش ومباركتهما لذبح المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفا، ولا تدخل البطريرك نفسه في تأييد مرشح المعارضة الصربية لرئاسة الجمهورية، وعدّه الفائز في الانتخابات... ولا... ولا...
بيد أن الدكتور عصفور يقيم الدنيا ولا يقعدها لأن المصريين أو العرب أو المسلمين يريدون إقامة دولة إسلامية على أسس العدل والشورى والمساواة والأخلاق والرحمة، فهذه الدولة دينية كهنوتية في مفهومه، وهي أخطر من دولة صلاح نصر وحمزة البسيوني وصدام حسين!.
لقد أرسى الإسلام الحنيف قيمة التسامح بصورة غير مسبوقة في التاريخ، ورفض العنصرية والاستعلاء المرذول والكبر في صورها المختلفة، وجعل المنتمين إليه أحراراً تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ودوت مقولة عمر في أرجاء الأرض "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، ودعا القرآن الكريم إلى الدفع بالتي هي أحسن، وحرّض على العفو الذي هو أقرب للتقوى: فهل يحق لنا بعدئذ أن نتهم الإسلام بأنه ضد الدولة المدنية، ونكفِّر الداعين إليه حين نصفهم "بالتأسلم"، ونخلط ظروف العنف والعنف المضاد، بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لنسحب على الإسلام صفات الدم والقتل والجهل والمؤامرة؟
لا ريب أن الدكتور عصفور يغالط كثيراً حين يستخدم مفهوم الدولة الدينية في مقابل الدولة الإسلامية، ومفهوم المجتمع المدني في مقابل المجتمع الإسلامي، ومفهوم الحرية الغربية مقابل التسامح الإسلامي، ومفهوم التعصب ضد الإسلام، فالتعصب المقيت والخطير كان السمة الأساسية في فكر اليساريين والدنيويين الذين ينافح عنهم الدكتور عصفور .

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:16 PM
ضد التعصب أم ضد الإسلام؟ (2 من 6)

بقلم أ.د. حلمي محمد القاعود
................................

التيار اليساري الدنيوي الذي ينافح عنه الدكتور جابر عصفور، لا يؤمن بالحرية ولا يتقبلها إلا إذا اتفقت مع ميوله ورغباته، وحققت مصالحه وغاياته، وهو يتاجر بالحرية والليبرالية والاستنارة دون أن تكون مبدأً أو خُلقاً أو قيمة حقيقية، والدليل على ذلك قائم في سلوك هذا التيار وممارساته على مستويات عدّة.
لقد باع هذا التيار نفسه من أجل المناصب والمكاسب التي ينالها من وراء الأنظمة المتعاقبة، بل وصلت الحال إلى أن اختصم الأقارب في هذا التيار من أجل منصب هنا أو هناك، وخاصة في وزارة الثقافة التي استخدمت سياسة المنح والمنع لتجمع أكبر قدر من الأنصار الذين يؤيدون سياستها الفاسدة ومنهجها المريب، وقد تخلّى هذا التيار عن مقولاته وشعاراته ليقبل الاحتفال بالغزاة (ما سُمي بالعلاقات الثقافية مع فرنسا)، وتأييد حكم الطوارئ، واستبداد الحزب الحاكم، والتخطيط الثقافي لاستئصال الإسلام وإقصائه تحت شعار محاربة التطرف والإرهاب.
وفي وزارة الثقافة على سبيل المثال فإن لجان المجلس الأعلى للثقافة تضم في أغلبيتها الساحقة أعضاء من التيار اليساري الدنيوي، ومن شذّ عن ذلك فهو استثناء لذر الرماد في العيون، علماً بأن وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة من الهياكل القومية العامة التي يفترض أنها تمثل الأمة تمثيلاً حقيقياً شاملاً يعبّر عن حقيقة التيارات السائدة فيها، ولكن أدعياء الحرية والليبرالية والاستنارة قصروا هذا الحق على أنفسهم، مع أنهم أقلية ضئيلة جداً تمثل الغرب الاستعماري في مصر، ولا تمثل ثقافة الأمة ولا تعبر عن تطلعاتها بحال.
مجلات وزارة الثقافة لا تكفّ عن الضجيج والصراخ من أجل "فقه الحرية"، ولكنها لا تتقن غير "فقه المصادرة" وراجعوا أعداد هذه المجلات لتروا أنه تيار واحد هو الذي يتكلم ويبدع ويدرس ويترجم، ذلكم هو تيار أدعياء الحرية والليبرالية والاستنارة!، وكأن هذه المجلات من الممتلكات التي ورثوها عن آبائهم وذويهم، وليست ملكاً للشعب كله الذي تمثل الأغلبية الساحقة فيه تياراً آخر مخالفاً يرفضهم.
ومن المفارقات أن وزير الثقافة حين أصدر جريدة بأموال المسلمين، تدافع عنه وعن خطاياه الثقافية، رفع على رأسها عبارة لقاسم أمين تفيد بقبول الآراء المخالفة وضرورة نشرها، ولكن جريدة الوزير بعد عددين أو ثلاثة ـ ولعل ذلك كان للتمويه ـ أحكمت الحصار حول المخالفين، ولم تفسح صدرها وقلبها إلا للأتباع من أنصار الوزير، أعني التيار الدنيوي بفصائله المختلفة!
وجريدة الوزير تكرار لمجلة كانت تصدرها مؤسسة الأهرام اسمها "الطليعة" ورفع محررها على صدرها شعاراً لفولتير يقول: إنني على استعداد أن أدفع دمي ثمناً لإعلان رأيك.
ثم فوجئ الناس أن هذا المحرر يعني دفاعه عن حرية الفصائل الأخرى اليسارية الدنيوية ولا يعني بقية خلق الله من المسلمين وغير المسلمين!
مشكلة الدكتور جابر عصفور والتيار الذي يتحدث باسمه أنهما يؤمنان أن حرية الآخر مرفوضة تماماً، وأن غايتهما الأساسية هي إقصاء هذا الآخر تماماً مهما كان موضوعياً ومعتدلاً ومتزناً، وإلا فلننظر في المؤتمرات والندوات والمنشورات ومعارض الكتاب وغيرها من أوجه النشاط الثقافي، ثم نسأل من الذي يحضرها ويستفيد بها، ومن الذي تدور حوله الأضواء؟!
والإجابة بالطبع: أعلام التيار اليساري الدنيوي، وكأن مصر المسلمة عقمت إلا من هؤلاء، صحيح أن الظروف قد تستدعي أن يتسرب شخص مغاير أو أكثر إلى هذه الأنشطة، ولكن هذا التسرّب يأتي لغاية معروفة سلفاً هي تحسين الوجه الثقافي الذي تظهر به السلطة الثقافية المستبدة.
إن الحرية ـ كما ينادي عصفور وغيره ـ لاتتجزأ، ومسؤوليتها شاملة، ولكنها في واقعهم تتجزأ وتتحدّد، وتلك لعمري آفة التيار اليساري الدنيوي الذي يؤمن عملياً بمبدأ ميكافيللي: الغاية تبرر الوسيلة!
إن الضجة التي أثيرت حول نصر أبو زيد، وحسن حنفي، ومارسيل خليفة، وامرأتين خليجيتين، وحيدر حيدر، كان من المنتظر أن يحدث مثلها إن لم يكن أكبر منها من أجل الذين تقمعهم سلطات الحكومات المدنية ـ كما يسميها اليساريون والدنيويون ـ وتضعهم في السجون بلا محاكمات، أو تحاكمهم أمام محاكمات عسكرية لا يُردّ حكمها ولا ينقض، لأنهم يخالفون هذه السلطات في مناهجها، ويطالبون بالحرية والعدل والشورى والمساواة والإصلاح.. ولكن اليساريين والدنيويين ـ يمضون على منهج الغرب في احتقار العرب والمسلمين، ولا ينطقون بكلمة، ولا يتفوهون بلفظة لأن هذه السلطات ستمنع عنهم الماء والكلأ لو تكلموا، وتستغني عن خدماتهم لو نطقوا، وستبحث بعدئذ عن غيرهم بالضرورة، لذا فإنهم حريصون تماماً على الصمت عند اغتيال الحرية الحقيقية، والضجيج من أجل منتهكي حرمة الإسلام والمسلمين، ويصبح تأويل المحكم من آيات القرآن الكريم إبداعاً واجتهاداً وصنعاً للمستقبل، وغناء آيات القرآن الكريم على الألحان الموسيقية عملاً فنيّاً راقياً، والتوفيق بين الإسلام والحداثة الغربية بحثاً مبتكراً وإنجازاً فكرياً، وسبّ الذات الإلهية والرسول الكريم ص وتشويه صورة الإسلام، وتلويث المسلمين من الإبداع الذي لا يفقهه إلا أعلام النقد المستنير من أمثال اليساري فلان وعلان وترتان!
لو أن التيار اليساري الدنيوي الذي يمثّله جابر عصفور يعبر عن نفسه في وسائط ثقافية يملكها، ما اعترض أحد، ولكنه يعبّر عن نفسه في وسائط قومية يملكها الناس جميعاً ومنهم الأغلبية الساحقة المسلمة، وفي الوقت ذاته يمنع هذه الأغلبية الساحقة المسلمة من التعبير عن نفسها في الوسائط التي تملكها، فهل هذا عدل؟ وهل هذه حرية؟.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:16 PM
ضد التعصب أم ضد الإسلام ؟ (3 مـن 6)

أ.د. حلمي محمد القاعود
............................

يبكي الدكتور جابر عصفور في كتابه "ضد التعصب" من أجل الدكتور نصر أبو زيد الذي رفضت اللجنة العلمية ترقيته إلى درجة أستاذ، ويخصص أكثر من نصف الكتاب للدفاع عن نصر، وسرد محاكماته، وانتقاد الأحكام التي صدرت بردّته والتفريق بينه وبين زوجته نتيجة لتأويلاته الفاسدة لمبادئ إسلامية ثابتة ومعلومة.
والحقيقة أن نصر أبو زيد ضحية لجابر عصفور ومن معه، فقد ألقاه في اليمِّ وحذره من الغرق وهو لا يعرف العوم!
ويعلم جابر عصفور أن اللجنة العلمية، وخاصة لجنة الأساتذة المساعدين التي كان مهيمناً عليها، مع وجود من هم أقدم منه سناً وعلماً ووظيفة قد ظلمت كثيرين، ونكلت بكثيرين، وغدرت بكثيرين، لا لشيء إلا لأنهم لم يكونوا على منهج أهل اليسار والدنيويين، أو لأنهم أرادوا التعبير عن ذواتهم ونهوضهم في وجه المتاعب والصعاب.
هؤلاء المظلومون ـ وما أكثرهم ـ لم يجدوا صفحة للحوار القومي تساندهم، ولا صحافة يسارية تعضدهم، ولا أقساماً أو مجالس كليات علمانية تدعمهم، بل لم يجدوا من يصغي لهم أو يهدهد أحزانهم، وقد سمعت بأذني أحد أعضاء اللجنة يسخط على المهيمنين عليها، ويقول: إنهم يريدون ذلك، أي عدم ترقية فلان أو علان.. فالترقية المزاجية لم تكن ضد "نصر أبو زيد" ولم تكن رغبة "عبدالصبور شاهين" الذي اتهمه جابر عصفور بتهم غليظة، ولكنها كانت ضد المخالفين لليسار وأتباعه، ورغبة المحكمين اليساريين الدنيويين!.
مشكلة جابر عصفور وجماعته أنهم لا يرون إلا أنفسهم ومصالحهم، وهذه مأساة بكل المقاييس، وكانت الظروف التي تقدم فيها "نصر أبو زيد" للترقية حافلة برغبة جهات خارجية وداخلية للقضاء على بقية مظاهر النشاط الإسلامي، حتى الأنشطة الخيرية، مما أعطى لجابر وجماعته فرصة الانطلاق، ليس دفاعاً عن نصر بقدر ما كانت سعياً لعملية الاستئصال والتشهير بالإسلام، والداعين إليه وإلى تطبيق تعاليمه في الحياة اليومية والعامة، لا شك أن "نصر أبوزيد" كان ضحية لعملية واسعة ضد الإسلام، حيث كان موضوعه مدخلاً لبعث الأفكار الرديئة والكتابات السخيفة والتصورات الفاسدة التي تصب في تقويض مفاهيم الإسلام وأخلاقه، وتخدم الغرب الصليبي الاستعماري وقاعدته اليهودية في فلسطين المحتلة.
فرأينا مقولات الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة في مصر لطه حسين، والإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرازق، والمرأة في الإسلام لمنصور فهمي، وتربية سلامة موسى، ومؤلفات لويس عوض، وغيرهم من الذين استباحوا ثوابت الإسلام وقيم الأمة، يعاد إنتاجها من جديد، أو تطبع مرة أخرى، في الوقت الذي يتم فيه حصار الكتاب الإسلامي والمجلة الإسلامية والصحيفة الإسلامية من خلال أجهزة الدولة.
"نصر أبوزيد" كان شخصاً متديناً، وكان فلاحاً مجتهداً، ولكنه تحول بفضل الهيمنة اليسارية الدنيوية إلى ما اعتقد أنه صواب، فتجرأ على القرآن الكريم والتاريخ الإسلامي بغير الحقيقة العلمية، ودخل في متاهات، ما كان أغناه عنها لو أنه احتكم إلى المفاهيم الصحيحة للتأويل من خلال المنظور الإسلامي، وليس المنظور الغربي "الهرمينوطيقا"، إن القرآن الكريم يضم آيات محكمات وآخر متشابهات، والمحكمات واضحة وضوح الشمس لا يجوز تأويلها لأنها تقنن العقيدة والشريعة في قوانين إلهية لا تحتاج إلى تأويل أو اجتهاد، وقد أجمعت عليها الأمة سلفاً وخلفاً، فما الذي يدعوه إلى اختراق الثوابت واللعب بها؟ إنها الدعاوى التي غررت به وثبت زيفها: حرية التعبير وحرية الفكر، والعقلانية والاستنارة.. وكأن الإسلام لا يعرف شيئاً من ذلك أبداً في مفهوم اليساريين!.
أما المتشابهات من الآيات فمردها إلى أولي العلم الذين يملكون صلاحية البحث والتحري، وهؤلاء هم الثقات الذين تستريح إليهم الضمائر والأفئدة، ولهم اجتهادهم أو تأويلهم الذي يصل بهم إلى الحقيقة والصواب بإذنه تعالى.
لقد أخطأ نصر حامد أبوزيد، ورصدت محكمة النقض ـ أعلى درجات التقاضي ـ عدداً من أخطائه الفادحة والفاضحة، ولكن هذا لم يقنع جابر عصفور الذي بات ينوح على نصر، ويهجو القضاة والمحكمة والحكم، ويستشهد بآراء اليساريين والدنيويين الذين انحازوا إلى التجليات الفكرية الاستعمارية.
مشكلة جابر وجماعته مركبة ومعقدة، لأنهم يرفعون قميص عثمان ويطالبون بالثأر له، ولكنهم في الحقيقة يريدون الانتقام من الإسلام الذي يمثل عائقاً وحائط صد خطيراً في وجه التغريب والعلمنة والهيمنة الاستعمارية.
ترى لو أن نصر حامد أبوزيد استخدم التأويل في تفسير الإنجيل والتوراة، وذهب إلى عكس ما تعارف عليه الكرادلة والحاخامات هل كانوا سيتركونه أو يتركون المؤازرين له؟ وهل كان جابر عصفور وجماعته يستطيعون رفع أصواتهم، بل يتحدون القانون الذي يحظر التعليق على الأحكام الصادرة عن القضاء، وخاصة محكمة النقض؟
هل وصل الأمر إلى أن يكون الإسلام ديناً مستباحاً وأن يكون تسفيه أحكامه وتشريعاته ومبادئها لتي تربط الفرد بالمجتمع وتضع أسس العلاقة بين الراعية والراعي، أمراً مطلوباً من جهات خارجية وداخلية لإذلال العرب والمسلمين، وترسيخ أقدام اليهود في فلسطين. (فلا وربك لا يؤمنون حتى" يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما(65)) (النساء ) .

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:17 PM
ضد التعصب أم ضد الإسلام (4 من 6)

بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
..................................

محنة نصر أبوزيد، التي أفاض جابر عصفور في الحديث عنها عبر صفحات كتابه "ضد التعصب" تمثل نموذجاً للعب بالنار الذي يقوم به التيار اليساري الدنيوي، حين تلتقي أهدافه مع غايات الاستبداد وقهر الوطن.
خذ مثلاً مصطلح "التنوير"، إنه مصطلح مخادع مخاتل، لأنه يراوغ القراء وخاصة عامتهم الذين يفهمون المعنى الظاهري، المباشر للمصطلح، وهو الإضاءة أو إشاعة النور ونشره، ولكن المعنى بمفهومه الأوروبي ـ كما يعرف جابر عصفور ويقصد ـ يكمن في الإيمان بما هو واقعي وطبيعي فحسب، مما يعني رفض الغيب والوحي والإله.
إن إعلاء شأن العقل دون سواه، يعني رفض الوحي الذي يمثله عندنا نحن المسلمين "النقل" متمثلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع. إن العقل لا يتناقض مع النقل في الفكر الإسلامي.. حتى المعتزلة الذين يفخر بهم جابر عصفور وتلميذه نصر أبوزيد، يستخدمون العقل لإثبات النقل.. وإذا كان التنويريون الأوروبيون قد آمنوا بالعقل وحده، فذلك أمر طبيعي، لأن الكنيسة الغربية أعطت لنفسها حق التطهير والحرمان، وقيَّدت العقل، وأفسحت المجال للخرافة، وحاربت العلم والبحث، واستعبدت البشر، ونشرت الظلام في كل مكان، وهو ما لم يحدث في الإسلام، وفي العصور المظلمة كانت بغداد تفخر بأنها تخلو من وجود أمي أو أمية، وفي الوقت ذاته كان "شارلمان" إمبراطور الدولة الرومانية لا يعرف كيف يكتب اسمه.
من مزايا التنوير الأوروبي، أنه أكد على كرامة الإنسان، بصرف النظر عن الناحية العقدية، ولكن التنويريين العرب، يرون التنوير محدوداً بنقطة واحدة هي إلغاء الإسلام، لأن مرجعيته تقوم على النقل، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين، وقد دفعهم هذا إلى الرضا بسحق الإنسان "لأنه مسلم"، وخدمة الأنظمة المستبدة "التمرّغ في خيراتها بالتالي"، والصمت عن ممارساتها في مصادرة الحرية والكرامة والشورى "التي هي أكبر مساحة من الديمقراطية"، والمساواة والعدل والمشاركة في صنع الأوطان.. في أوروبا لا تقتحم الشرطة بيت مواطن في الفجر، مهما كانت التهم الموجهة إليه، ولا يتم تعذيبه بأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا، ولا يُلقى في السجن دون محاكمة، ولا يُعاد اعتقاله بعد تكرر أحكام الإفراج عنه، ولا يُحاكم أمام قاض غير قاضيه الطبيعي، ولكن هذا كله يحدث في كثير من البلاد العربية، ويؤيده أهل التنوير العرب، ويرونه جزءاً من التنوير!.
ويستخدم جابر عصفور مثلاً مصطلح "التأسلم" و"المتأسلمين" تعبيراً عن كل من يرى ارتباط الإسلام بشؤون الحياة والمجتمع والحكم والاقتصاد والتربية واجباً، وهذا المصطلح سكَّه شيوعي سابق كان تلميذاً لهنري كورييل ـ الصهيوني الهالك ـ وصار مليونيراً حالياً ومتأمركاً بارزاً. وقد أكثر جابر عصفور من ترديد هذا المصطلح على مدى اتساع كتابه ليؤكد على حقيقة أن كل من يدعو إلى الإسلام بمفهومه الصحيح هو دعيّ يطلب الحكم ويسعى إليه.
والتأسلم بهذا المفهوم التنويري يعني أن صاحبه ليس مسلماً حقاً ويتستر بالإسلام، أي أنه كافر، وهو ما يسميه جابر عصفور وشيعته بالتكفير، ويعيبه على بعض المسلمين الذين يكفرون الآخرين، ويفتشون في قلوبهم.. ولكن ما يعيبه جابر عصفور على غيره، يقترفه هو.
وهكذا فإن علماء الدين ورجال الأزهر، وكل من يكتبون أو يدعون إلى الإسلام الشامل هم كفرة عند جابر عصفور وشيعته، فضلاً عن كونهم إرهابيين يستحقون الاستئصال والسحق.
ومثل "التنوير" و"التأسلم" يستخدم عصفور مصطلح "الأصولية" بمفهومه الغربي، وهذا المفهوم يجعل المصطلح مقيتـاً وكريهاً، لأنه ضد الحياة والتقدم والمستقبل، وتطبيقاته عند الأصوليين اليهود والصليبيين في أمريكا وكندا والغرب توحي بالتخلف الشديد والعداء للحضارة والمدنية.. فهل الأصولية عند المسلمين كذلك؟ الحقيقة أن الأصولية عند المسلمين مفخرة لهم ولدينهم ولحضارتهم، فهي تعني القياس والاستحسان والمصالح المرسلة والاجتهاد الذي يحقق صالح الناس.. وإذا كان بعض الأصوليين في الغرب يرفض نتيجة المدنية الغربية الحديثة من آلات ومبتكرات، فإن الأصولية عند المسلمين تسعى لتوظيف هذه المنتجات وتقبلها في الدائرة اليومية الإنسانية.. وبالطبع، فإن أصولية المسلمين دليل على الوعي والتفتح ومعانقة الحياة، وفارق كبير بين من يرفض استخدام المصباح الكهربي، ومن يوظفه ليستفيد منه على أكبر نطاق.. ومن المؤسف أن جابر عصفور في كتابه "ضد التعصب" ظل يلف ويدور حول معنى الأصولية لغوياً دون أن يلتفت إلى دلالتها حضارياً لدى علماء المسلمين، مما أوقعه في التأويل الخاطئ.
لا ريب أن "جابر عصفور" يجد متعة في استخدام المصطلح استخداماً مراوغاً يخدم أهداف التيار اليساري الدنيوي، ويدعم السلطة الشمولية التي تحكم بالطوارئ والمحاكم العسكرية، وما رأيناه في استخدامه للتنوير والتأسلم والأصولية، ينسحب على بقية المصطلحات التي يبثها عبر صفحات كتابه "ضد التعصب" مثل الاجتهاد، والتعدد، ونسبية النتائج، والمجتمع المدني، والدولة المدنية، والاستبداد الديني "يقصد الإسلامي!"، والسؤال والشك، والتجريب والإبداع، ورجال الدين والتعصب الديني، والاتباع والابتداع، والثقافة التقليدية، والدولة الدينية، والخطاب الديني، وجماعات الضغط المتأسلم... إلخ.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:18 PM
ضد التعصب أم ضد الإسلام ( 5 – 6 )

بقلم: أ . د . حلمى محمد القاعود
....................................

يُخصص جابر عصفور جزءاً غير قليل من كتابه (( ضد التعصب )) دفاعاً عن (( حيدر حيدر )) صاحب الرواية البذيئة الفاجرة (( وليمة لأعشاب البحر )) ، وجابر عصفور له ولع خاص بالكتّاب (( الطائفيين )) ، فهو يتحدث عنهم كثيراً ويحتفى بهم كثيراً وعلى سبيل المثال ، فقد خصص ل (( على أحمد سعيد )) المشهور باسم (( أدونيس )) عدداً خاصاً من مجلة (( فصول )) عندما كان رئيساً لتحريرها ، ويوم وفاة (( سعدالله ونوس )) خرج عن سياق كلمته فى ندوة كانت مخصصة للاحتفال بمحمد فريد أبو حديد ، ليرثى بحزن وهلع الكاتب النصيرى الراحل بصورة كادت تغطى على المحتفى به !.
ومع (( حيدر حيدر )) فقد ذهب إلى أبعد من ذلك ، حيث كانت مشورته لوزير الثقافة بمصادمة الأمة كفيلة بإثارة القلاقل والاضطرابات ، فبعد أن أعلن الوزير – فاروق حسنى – أن رواية الوليمة ستخضع للتحقيق ، خرج ليعلن – وفقا للمشورة – أنها رواية رائعة وليس بها ما يُسىء إلى الإسلام أو المجتمع ، وتجرأ الوزير على رافضى الرواية بكلام مستفز، فتحرك الطلاب فى جامعة الأزهر ليتظاهروا ، ثم كانت اللجنة التى شكلها الوزير برئاسة (( عصفور )) لدراسة الرواية سبباً آخر من أسباب إثارة التوتر ، حيث غالط أعضاؤها ، ودلسوا على الأمة ، وزعموا أنهم وحدهم أصحاب الاختصاص فى قراءة الرواية وفهمها والحكم عليها ، أى احتكار القول الفصل فى شأنها ، مما يعنى أن غيرهم – ولو كان متخصصاً – لا يفهم الرواية ولا يستطيع تقويمها ...
والرواية ببساطة شديدة رواية ماركسية كتابة وأشخاصاً ، وكما يعلم أبسط الناس ، فالماركسية ضد الإسلام ، ومعادية له ، وهذا ما صنعته الرواية ، فقد سبت الذات الإلهية على لسان شخوصها ، وأساءت إلى النبى – صلى الله عليه وسلم - ، وهو ما أكده حيدر فيما بعد حين تحدث إلى إحدى القنوات الفضائية . . ثم إن الرواية الرديئة فناً وإبداعاً – حافلة بالإباحية والجنس الفج والدعوة إلى الشذوذ ، ومع هذا تخرج لجنة عصفور لتهجو الأمة التى لا تفقه قراءة الرواية ، ولا تفهم تجلياتها الإبداعية الرائعة فى مفهوم اللجنة اليسارية الدنيوية !، ثم – ويا للمفارقة – تتحدث عن دفاع الرواية عن الإسلام من خلال وصف المجاهدين الجزائريين وهم يهبطون من الجبال بعد انتصار الثورة ويهللون ويكبرون !.
وكم رأينا من تدليس وكذب ، فى نقل الأقوال وتفسير العبارات دون خجل أو حياء ، وكانت النتيجة أن تصدت قوات الشرطة لطلاب الأزهر ، وسقط جرحى ، وقبض على عديدين ، وتواترت أنباء عن تعذيبهم ، ثم كانت الطامة الكبرى بإغلاق حزب العمل ذى التوجهات الإسلامية ، وإيقاف صحفه ، مما نتج عنه تشويه صورة الدولة (( المدنية )) التى ينافح عنها عصفور ، حيث ظهرت بمخالب عسكرية شرسة .
ولا يجد (( جابر عصفور )) غضاضة فى قلب حقائق الأشياء ، وهو يسرد قصة الوليمة البذيئة وما رافقها من أحداث ، فيُسميها (( الرواية المظلومة ! )) ويؤكد على أن مظاهرات طلاب الأزهر حركتها قواعد (( الإخوان المسلمون )) فى الجامعة . ثم يقدح فى الأزهر بطريقة غريبة ، ويصف ثقافته بثقافة النقل والتقليد المعادية للعقل (( ولا يُشجع على الاجتهاد والاختلاف ، والنتيجة هى شيوع الجهل الذى يتكاثف كما تتكاثف الظلمة ، والتعصب الذى ينمو أسرع من ورد النيل القاتل ، والاندفاع إلى العنف الذى ينتظر إشارة )) ( ص 412) .
إن ثقافة الأزهر الذى يضم مئات المعاهد وعشرات الكليات فى مختلف التخصصات مستمدة من الشريعة ، وتشمل الطب والهندسة والصيدلة والعلوم ، ويتدرب طلاب الأزهر منذ الصغر على فقه المذاهب ونحو المدارس وآراء علماء الكلام ووجهات نظر المفسرين وروايات المحدثين وأقوال المؤرخين .. فهل يمكن لمنصف بعد ذلك أن يصف الأزهر بالجهل والتقليد والعنف ؟ .
إن جابر عصفور – وحده – هو الذى يستطيع أن يندفع بتعصبه الدنيوى (( غير العقلانى )) ليسوء الأزهر ويهجوه هذا الهجاء المقذع دون أدنى تحفظ ! والمفارقة أن شيعته اليسارية الدنيوية دبجت – ذات يوم – مدائح فى أحد شيوخ الأزهر الذى أحل فوائد البنوك ووافق السلطة فى اتجاهاتها ، ولم تبخل عليه بوصف (( المستنير )) ، ولا أدرى إن كان فضيلته قد أدرك المغزى الفلسفى لهذا الوصف أم لا ؟
إن الرواية البذيئة كشفت حقيقة التدليس اليسارى الدنيوى وتخليطه الفكرى وخطابه (( الديماجوجى )) سعياً لإرضاء الاستبداد وقهر الشعب ، وأيضاً لاستئصال الإسلام وجذوره الراسخة من وطن يعده أهل الأرض المسلمون عقل الإسلام وذراعه القوية فلصالح من يفعل ذلك اليساريون الدنيويون ؟ اسألوهم .
لقد أدان الأزهر الشريف الرواية البذيئة وأكد بيانه الصادر بهذا الشأن أن الرواية كلها (( تحرض صراحة على الخروج على الشريعة وعدم التمسك بأحكامها )) .
فكان غضب عصفور على الأزهر ضارياً ، ولم يحتمل رأى الأزهر فى الرواية ، ولم يقبل الرأى الآخر ، فراح يحرض على الأزهر وطلابه وأساتذته والحركة الإسلامية ، ويصف الرواية البذيئة بالرواية (( المظلومة ! )) ، ويقلب الحقائق مااستطاع إلى ذلك سبيلاً .

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 05:18 PM
ضد التعصب أم ضد الإسلام؟ (6 من 6)

بقلم: أ.د. حلمي محمد القاعود
..............................................

يحرص جابر عصفور في كتابه "ضد التعصب"، على مطاردة الثقافة الإسلامية مطاردة أمنية من خلال تحريضه السافر ضد وسائط التثقيف الإسلامي، إنه يسمي الثقافة الإسلامية بثقافة العنف، وهي التسمية الرائجة في الغرب الصليبي الاستعماري الذي لا يرى في ثقافتنا إلا الإرهاب والتعصب والعنف، وهي التسمية ذاتها التي تشير إليها العصابات اليهودية في فلسطين عندما تتحدث عن الإسلام وقيمه.
ثقافة العنف عند جابر عصفور "ثقافة مرجعيتها دينية!، تبدأ وتنتهي بالدين الإسلامي على نحو ما تتأوّله مجموعة من الأفراد أو التنظيمات أو الجماعات أو بعض المؤسسات الدينية"، ثم يستدرك على ذلك قائلاً: "ويعني ذلك أن السند الديني المباشر لهذه الثقافة ليس نصوص كتاب الله وأحاديث الرسول وسنته، وإنما تأويل هذه النصوص بما يشدّها إلى هدف بشري بالضرورة، ويضعها في سياق من العقلنة التفسيرية الموظفة لخدمة بعينها، غاية ترتبط بما يحقق مصالح الأفراد أو الجماعات أو التنظيمات أو المؤسسات التي تجعل من هذا التأويل، أو هذه العقلنة التفسيرية، أصلاً لوجودها، ومبرراً لاتجاهاتها، ودافعاً لمواقفها وأفعالها، والهدف السياسي لهذه العملية هو التمهيد الفكري لإقامة دولة دينية تحل محل الدولة المدنية" (ص441).
مشكلة جابر عصفور أنه يراوغ دائماً في كتاباته ومصطلحاته ليحقق التأثير المطلوب لدى القراء، ولكن القراء الواعين يدركون أنه يناقض نفسه دائماً، فكثيراً ما اتهم الحركة الإسلامية بل الفكر الإسلامي بالنقل والتقليد والجمود، ولكنه في الفقرة السابقة يتحدث عن "العقلنة التفسيرية" التي تملكها ثقافة العنف كما يسميها أو ثقافة الإسلام، كما يقصد في حقيقة الأمر.
إنه يصم هذه الثقافة وأصحابها بعدم العقلانية، ولكنه هنا يثبتها لهم حتى لو كانت في اتجاه مضاد له مما يعني أن الرجل ليس على موقف عقلاني راسخ، بل موقف عاطفي تعصبي لا يطيق وجوداً للثقافة الإسلامية.
إن جابر عصفور يرفض المرجعيّة الدينية أي المرجعية الإسلامية، وهذه رؤية غربية أو رؤية كنسية تحديداً، تختلف بالضرورة اختلافاً كاملاً مع الرؤية الإسلامية التي ترى أن الإسلام يحكم المسلم في كل شيء.
لقد وضَّح الإسلام في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أحكاماً أساسية وفرعية في العبادات والمعاملات والسلوك والقيم والعلاقات بين المسلمين وغيرهم، وبين الدول الإسلامية والدول الأخرى، وهذه هي المرجعية الإسلامية "لا الدينية كما يسميها جابر عصفور"، ولا أعتقد أن مسلماً مؤمناً بالإسلام حقاً يمكن أن يقبل بالتنازل عن الإيمان بالجانب التطبيقي من الإسلام مكتفياً بالجانب الروحاني، لأن هذا إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعضه الآخر.. ويبدو لي أن جابر عصفور يعيد إنتاج مقولة علي عبدالرازق في كتابه الشهير "الإسلام وأصول الحكم"، وإذا كان الرجل قد تراجع في كهولته عن هذه المقولة، فإننا نسأل الله أن يتراجع جابر عصفور عنها هو الآخر، وأن يكون من جنود الإسلام الذين ينصرونه وينافحون عنه، كما تمنيت في بداية حديثي حول كتابه.
إن التأويل الذي يتحدث عنه عصفور، ليس صحيحاً، فالأمة لا تقبل إلا ما يتفق مع القرآن الكريم والسنة المطهرة، وليست هناك قداسة لأحد أو عصمة لمخلوق في الإسلام، فالقداسة لله وحده، والعصمة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وما عداه يؤخذ منه ويُردّ عليه، وقد تحدث القرآن الكريم عن قضية التأويل بوضوح وحسم:
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب (7) (آل عمران).
إن الدولة في مصر والبلاد العربية والإسلامية لن تكون إلا دولة إسلامية (وليس دينية!)، مرجعيتها الإسلام شئنا أم أبينا، لأن جماهير الأمة ليست على استعداد لمفارقة الإسلام واللهاث وراء الغرب الصليبي، ولو أراد بعض حكامها.. بل إن الغرب الصليبي يعد الدول العربية والإسلامية جميعاً "دولاً أصولية" أي إسلامية، حتى تلك التي تستأصل الإسلام وتحاربه في إعلامها وبوساطة "مثقفيها المستنيرين".
والدولة الإسلامية هي الدولة المدنية الوحيدة في العالم ، لا شأن لنا بما هو واقع؛ لأنها نقيض الدولة الدينية (الكنسية واليهودية)، وهي الدولة الوحيدة التي تجعل من تمام الإيمان، بل من أسسه رفض العنصرية والظلم والغدر، وتقيم بنيانها على التسامح والعفو والتعاون والحرية والشورى.. وليت جابر عصفور يتخلى عن الرؤية الغربية للإسلام، ويحاول قراءته بعقلانية وحياديّة، بعيداً عن صخب التعصب التنويري، والتعصب السياسي، ورغبة الاستئصال لجذور الإسلام.. ولاشك أنه سيجد ثراءً عقلياً وحضارياً باهراً يفوق ما لدى الغرب والشرق جميعاً.
وأكتفي بهذه السطور متمنياً لصديقي اللدود الخير والعافية والسلامة من كل شر.

د. حسين علي محمد
02/12/2009, 06:39 AM
نثرنا العربي في العصر الحديث‏..‏ إلي أين؟

بقلم:‏ سامي فريد
...............

حظي النثر العربي في النهضة الأدبية الحديثة بدراسات كثيرة كان لمؤلف هذا الكتاب تطور النثر العربي في العصر الحديث جهد ملموس في دراسة بعض ملامحه في مدرسة البيان أو القصة القصيرة أو الرواية أو المسرح جمعها في خمسة فصول يتضمنها الكتاب‏,‏ يناقش في الفصل الأول العوامل التي أدت إلي النهضة الأدبية الحديثة في بلادنا متناولا بعض القضايا المهمة من خلال منظور مختلف يضعها في سياقها السليم‏,‏ ويكشف عن بعض الجهود التي أهمل الباحثون الحديث عنها أو لم يعطوا دورها حقه الواجب من الاهتمام‏.‏ ويعرف الأستاذ الدكتور حلمي محمد القاعود مؤلف الكتاب في فصله الثاني المقال وتطوره فنيا‏,‏
والعلاقة بينه وبين غيره من الفنون كالخطبة والمقامة والأحاديث والفصول والرسالة متوقفا عند مقوماته الفنية من خلال رؤية غربية وعربية مع تطبيقات علي أبرز أعلامه في الوطن العربي‏,‏ وتقديم نماذج لمقالات بعضها تظهر اتجاهاتهم وأساليبهم‏.‏ ثم يتناول الدكتور حلمي القاعود في الفصل الثالث فن القصة القصيرة شارحا تطور المقامة الحديثة في اتجاه القصة القصيرة‏,‏ راصدا التجارب الأولية لها من خلال المدرسة الحديثة التي كان أبرز أعلامها محمد تيمور ومحمود تيمور وعيسي عبيد وشحاتة عبيد ومحمود طاهر لاشين وأحمد خيري سعيد ويحيي حقي‏,‏ متوقفا عند أبرز أعلامهم ومقدما نماذج لبعض كتاباتهم‏,‏ مناقشا فنون القصص العربي القديم
وعلاقته بالنص الحديث‏,‏ ثم يعمد الدكتور القاعود بعد القصة القصيرة إلي دراسة فن الرواية في الفصل الرابع لنقرأ نشأتها وتطورها‏,‏ ونتعرف علي أهم أنواعها ثم مقوماتها والفارق بينها وبين القصة القصيرة مع وقفة مع بعض أعلام الرواية متناولا بعض النماذج من أعمالهم‏,‏ ويخصص المؤلف فصله الأخير للمسرحية من حيث نشأتها وتطورها وبيان مقوماتها وتحليلها وتأثير المذاهب الفنية المختلفة علي تقاليدها‏,‏ ثم الوقوف عند أهم أعلامها مع مناقشة بعض نماذج من أعمالهم خاصة توفيق الحكيم في مسرحيتيه شهر زاد وبيجماليون‏.‏
وفي الكتاب لا يفوت الدكتور حلمي القاعود أن يشير إلي التراجع الذي حدث علي النهضة الأدبية العربية الحديثة دون التطرق إلي أسباب هذا التراجع مكتفيا بالتنبيه إليه بعد كل ما كتب في الصحف وعرض في أجهزة الإعلام المختلفة عن المحنة التي يتعرض لها الأدب المعاصر واللغة العربية في مواجهة التيار الشرس المضاد لهوية الأمة وثقافتها والذي يحتاج منا إلي التكاتف وتوحيد الجهود لدحره انتصارا لأدبنا ولغتنا‏,‏ ويورد المؤلف آراء ثلاثة عن القصص العربي القديم وعلاقته بالقص الحديث يقطع أولها الصلة تماما بين القصص العربي القديم والقصص الأوروبي الحديث بل يذهب إلي أن الطبيعة العربية ضد الفن القصصي أساسا‏.‏
أما الرأي الثاني فيؤكد وجود هذه الصلة قائلا بأن القصص الحديث ما هو إلا صورة متطورة لفن القص العربي القديم‏,‏ في حين يقول الرأي الثالث إن لدينا قصصا عربيا قديما ولكن القصص الحديث لا علاقة له به‏.‏ ومن نشأة الرواية وتطورها يستشهد المؤلف بما قاله يحيي حقي عن أول رواية فنية في كلامه عن رواية زينب للدكتور محمد حسين هيكل عندما يقول‏:‏ من حسن الحظ أن القصة الأولي في أدبنا الحديث قد ولدت علي هيئة ناضجة جميلة فأثبتت لنفسها أولا حقها في الوجود والبقاء واستحقت ثانيا شرف مكانة الأم في المدد منها والانتساب إليها‏.‏
........................................
*الأهرام ـ في 17/9/2009م.