المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وفاة الدكتور طه وادي



د. حسين علي محمد
06/04/2008, 09:00 AM
وفاة الدكتور طه وادي
...........................

رحل منذ أيام‏.‏ وفي صمت نبيل‏,‏ أحد المؤثرين في الحركة الأدبية والنقدية الذين كانت لهم بصماتهم ورؤيتهم الشاملة لمسيرة الرواية والقصة القصيرة في تاريخنا المعاصر‏,‏ وهو الناقد الدكتور طه وادي أستاذ الأدب الحديث بجامعة القاهرة‏.‏
وقد كان الراحل الكريم مشغولا بتجديد مسار الرواية العربية المعاصرة من خلال رؤية نقدية تتمازج فيها النظرة الأكاديمية مع التطبيق الابداعي‏,‏ وكان من نتاج أفكاره وابداعاته‏14‏ عملا أكاديميا وابداعيا آخرها رواية اشجان مدريد التي ترجمها إلي الأسبانية الدكتور باسم داود بكلية الألسن جامعة المنيا‏,‏ وتعد هذه الرواية نصا سرديا يمثل تيار ما بعد الحداثة في الرواية العربية المعاصرة‏,‏ وله إلي جانب ذلك‏4‏ روايات هي الأفق البعيد والممكن والمستحيل‏,‏ والكهف السحري‏,‏ وعصر الليمون‏,‏ وقد تناول الدكتور وادي في مؤلفاته الأخري شعر شوقي الغنائي والمسرحي وشعر ناجي وديوان رفاعة الطهطاوي والتراث الأدبي للدكتور هيكل الشعر والشعراء المجهولين في القرن التاسع عشر وقد استفاد في تكوين اتجاهه النقدي من أساتذته طه حسين وشوقي ضيف وشكري عياد ومحمد غنيمي هلال‏,‏ وهو أحد الذين كتبوا سيرتهم الذاتية في وقت مبكر‏,‏ رحم الله فقيدنا وناقدنا الكبير جزاء ما قدم للحركة الثقافية العربية من جهد وعطاء‏.‏
.....................................
*موضوع آخر عن رحيله:
*الرابط: http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=106459&pg=1

طارق شفيق حقي
06/04/2008, 04:47 PM
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

http://www.moheet.com/image/60/225-300/605889.jpg?SSImageQuality=Full

منذ أيام وقد فرغت من كتابه القصة ديوان العرب

كان مبدعاً فذاً وقلماً يفتقد
رحم الله الدكتور طه وادي
وإنا لله وإنا إليه لراجعون

ماجدة2
06/04/2008, 05:40 PM
رحم الله الفقيد

إنا لله و إنا إليه راجعون

د.ألق الماضي
06/04/2008, 08:53 PM
إنا لله وإنا إليه راجعون...
رحمه الله ...
وغفر له...

نهي رجب محمد
07/04/2008, 07:32 PM
إنا لله وإنا اليه راجعون
اللهم ارحمه واغفر له ولأموات المسلمين اجمعين
وجزاه الله خيرا عن كل جهده
نهي رجب محمد
(ريشة المطر)

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:46 PM
كن عاقلا يا حبيبي! !

قصة قصيرة، بقلم: طه وادي
...................................

كانا يجلسان- على صخرة في الناحية الشرقية لهرم خفرع- مثل جزيرة نائية في محيط لا ضفاف له. تأمل-في حسرة ولوعة- عينيها الصافيتين.. تشعان بالأمل والحب، وسط وجه أبيض رقيق رشيق، مشوب بحمرة هادئة عند الخدين. نظر إلى الصحراء المترامية والجموع المحتشدة. زحمة يا دنيا زحمة..! ! كانت شاردة مثل ملاك مطارد، هبط فجأة إلى عالم العفاريت الزرق. ضاع الكلام.. وعجز اللسان، وتبادلت العيون النجوى. لغة اللسان لغة مألوفة. البلاغة كلها في سحر العيون.. العيون التي تعرف الطريق. أحسا-معا وفي لحظة واحدة-أنهما لو بقيا أكثر فسوف يصبحان مثل الصخرة التي يجلسان عليها. سارا متشابكي الأيدي.
- كل مرة أقول لك يا حبيبي مكان المرأة دائما على يسار الرجل، لكنك..
- ما دخل اليسار واليمين في علاقتي بك؟ يكفي أن أكون بجوارك.
حينما مشت بجواره، أحس نشوة ملائكية سرت في كيانه. تذكر أمراً يحول بينها وبينه، وبالقدر الذي يوجد فيه أمر، يحول بينه وبينها.
- منى.. ماذا فعلت مع ماما؟
- أحمد..أحبك..أحبك.
استعادت حديث أمها معها بالأمس.
- ما نهاية حكايتك معه؟
- لم تسأليني عن أمر تعرفين رأي فيه؟
- جيل آخر زمن.. تمارسون الحب كما تشاءون بكل استهتار وتطلبون منا في النهاية الموافقة دون قيد أو شرط، كأننا مدعون.. ولسنا الأهل.
- أنا التي سوف أتزوج.. هذه حياتي أنا يا أمي، لم تغضبين، وتنغصين حياتي وحياتك بلا سبب؟.
- لم مات أبوك وتركني وحدي للهم؟ !
الأم تريد أن تزوجني من جارنا المعلم سليمان.. أو الحاج سليمان كما يسمونه هذا الأيام، تاجر قد الدنيا، يملك مصنع أحذية.. ومحلا لبيعها. عنده شقة وعربية.. ورصيد في البنك بالعملة المحلية والحرة. زحمة يا دنيا زحمة..! ! لن أتزوجك يا ابن الحذاء، بل إني لو كنت متزوجة منك لهربت إليه.. إلى أحمد حبيبي.. يهيأ لي أنه لو خرج من حياتي لاهتزت الأرض، وانتقلت القاهرة مكان الإسكندرية، وغاصت الإسكندرية في البحر.. وجاء الطوفان. تجار السوق السوداء والزرقاء شوهوا القيم وخربوا النفس. بالحب وحده يا أحمد ترى الدنيا بعيون بيضاء وقلوب نقية! !
- لماذا لا تجيبين على سؤالي؟
- ألا يكفي أنني معك؟
أدرك سر صمتها. ما فائدة الكلام..؟ ! أمها مثل أبي، فهو أيضا غير موافق، وأقسم بكل الأيمان ألا تدخل منى بيته. يا ابني، لعب الأطفال-هذا الذي تسمونه الحب-شيء.. والزواج شيء آخر. الزواج مسئولية وفتح بيت. ألم تفكر كيف ستفتح بيتا بالخمسة والأربعين جنيها التي تقبضها.
اقترب منهما شرطي من شرطة السياحة. أخذ يحملق فيهما بقدر من الريبة. اقترب الشرطي أكثر.. فاضطر إلى أن يترك يدها، وأن يسيرا في صمت، كأنهما في جنازة. في اللحظة ذاتها التي أولاهما الشرطي ظهره، طبع على خدها قبلة حارة سريعة.
- الناس يا حبيبي.
- ما شأنهم بنا؟
- على الأقل يحسدوننا.
- ألا تؤمنين بالحرية؟
- لا تنس أننا فيمكان عام! !
- أميت نفسي، هذه الدنيا العريضة لا نجد فيها مأوى حتى في الصحراء.! !
الزحام.. تلوث البيئة.. السمن الهولندي.. الفراريج الدينماركية.. لحم الهامبورجر.. اللبن البودرة.. ملابس تايوان.. بضاعة اليابان، كل هذه الأمور جاءت-من الباب المفتوح على آخره-وجاء معها صداع، لا يزيله أي نوع من الإسبرين. صداع هذه الأيام صداع إجباري، تصرفه إدارة القوى العاملة أو العاطلة لكل حامل شهادة يقف في الطابور.
منطقة الأهرام-يوم السبت 26 ديسمبر 1979-احتشدت بناس من كل الدنيا. خيل له لحظة أنهم جاءوا يشهدون أزمته، ويسخرون منه. أحس أنه ثقيل الظل حتى على نفسه.. كيف يفر بخواطره بعيدا.. بعيدا عن منى؟ أشعة الشمس أزالت كل أثر لبرودة طوبة. كانت في نظره مثل يمامة تعبت من السير والسرى في صحراء الحياة. تمنى أن يأخذها ويطير. أمسك يدها بحنان.
- أحبك يا منى.
- الحمد لله.. أبو الهول نطق!
- آسف يا حبيبتي.
- لا تعتذر عن أمر، لست مسئولا عنه.
فجرت ينابيع الأحزان من جديد داخله. تصوري يا منى أبي العزيز يساومني؟ ! إذا تزوجت ابنة رئيسه في العمل فسوف يساعدني في كل شيء.. وإذا تمسكت بك فسوف يحرمني حتى من النصيحة.. ومن رضاه علي..! ! لم أكن أود أن أكون ابنا عاقا، لكنه يدخلني في صراع غير متكافىء. نحن في عصر القهر والكبت يا منى. صعب أن نقول (لا) في هذا الزمن المر. في عصر الآلة مطلوب من الإنسان أن يكون آلة أخرى، لا يفكر.. لا يقول رأيه.. لا يختار ما يريد. الصين اقتربت من أمريكا، والسعودية تعاملت مع روسيا. الإنسان وصل إلى السماء، ونزل إلى أعماق البحار، لكن صعب..صعب جدا يا منى أن يصل إنسان إلى أعماق آخر. عصر الدجاج المجمد.. واللبن البودرة.. والصداع الذي لا يزيله أي مسكن. زحمة يا دنيا زحمة! ! إيه يا مصر.. هذه ليست أول محنة. تخيل النبي يوسف.. والبقرات العجاف.. والبقرات السمان. لكنه أدرك أنه في عصر آخر.. عصر البقرة الضاحكة.. ها ها. زحمة يا دنيا زحمة. ها ها.
أفسد عليهما سحر الصمت والنجوى بائع متجول.
- جعران يا أستاذ من أجل الهانم.. ذكرى. أنظر يا باشمهندس.
- بكم؟
- خمسة جنيهات فقط، من أجل الهانم، ربنا يخليها لك يا دكتور.
- يا بني آدم.. أنا لا أستاذ ولا مهندس ولا دكتور، ابعد عني! !
- لكن الهانم معجبة به.. انظري يا هانم سوف يحرسك من العين بإذن الله.
تخيل البائع في هيئة ذبابة زرقاء. انتزع الجعران من يده، وقذف به بعيدا.. بعيدا. كأنما يريد أن يدخل في معركة معه. تداركت منى الموقف بسرعة، وأخرجت جنيهين كانا في حقيبتها، وأعطتهما للبائع، فمضى في صمت، بينما نظرات عينيه تقول أشياء كثيرة..! !
أحس أنه بعير أجرب وأن الفقر يطارده في كل مكان. ضاقت الدنيا واسودت. لا أمل.. لا فائدة. من يحارب.. وبأي سيف.. وهو ضعيف مسكين! ؟ تجمع صداع الكون كله في رأسه. زحمة يا دنيا زحمة. لا يدري كيف أطلق ساقيه للريح.. وأخذ يجرها معه، كأنما يريد أن يهرب بها من الدنيا . أخذ يجري.. وتجري.. يجري.. وتجري. كلما حذرته من أنها لا تستطيع الجري مثله، لم يتكلم ولم يكف عن الجري، يجري.. ويجري.. ويجري وهي تحاول اللحاق به. غاصت قدماها في الرمال، فوقعت متهالكة بالقرب من هرم منقرع.
انكشفت الغمة عن ناظريه، وبدأ يفيق. لقد تعب كثيرا.. وأتعبها معه أكثر. تأمل وجهها، كأنما يراه لأول مرة. لم يعبأ بالرمل الذي علق بثوبها أو تطاير على وجهها. عاود النظر إليها وهو يساعدها على النهوض والقيام، وإزالة آثار الرمال. ما تزال الريح تعبت بشعرها الأسود المسترسل. وجه منى شع حبا وأملا وثقة. ازداد أمانا بها واحتراما لحبهما. الحب ليس عاطفة مجردة، أنه رغبة عنيدة في الخلق والوجود، من أجل أن تستمر الحياة. لابد أن تكون شجاعا. هذه لحظة تحد من أجل الخلق والوجود. زحمة يا دنيا زحمة. لا بد أن نبحث عن أمل رغم الزحام والصداع والسوق السوداء والزرقاء.
- أتقبليني زوجا يا منى؟
- اتفقنا على هذا منذ سنوات.
- إذن هيا بنا.
نظرت إليه في دهشة: إلى أين؟
أجاب وهو يمسك يدها بقوة: إلى المأذون فورا.
- وكيف نعيش؟
- الحب يصنع المعجزات.. إذا لم نجد مأوى في بيت أبي أو أمك فسوف..
ما زالت تنظر إليه في دهشة، غير مصدقة ذلك التغير الهائل الذي حل به.
- سوف ماذا؟
- سوف نبني عشا على أي سطح.
- والناس؟
- لا دخل لنا بهم، لا دخل لهم بنا.
- هناك أشياء أخرى.
- مثل؟
- الشبكة.. والمهر.. والجهاز.. والفرح..
- الدنيا يجب أن تتغير. كل شيء يمكن تأجيله أو تعديله إلا نداء الحب ! !
قالت وهي تشد يده، كأنما تريد أن توقظه من حلم:
- كن عاقلاً يا حبيبي! !
فردّ، وهو يحكم وضع كفها بين كفيه:
- ولم لا أجرب الجنون؟ !

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:47 PM
إنا لله وإنا اليه راجعون
اللهم ارحمه واغفر له ولأموات المسلمين اجمعين
وجزاه الله خيرا عن كل جهده
نهي رجب محمد
(ريشة المطر)

شُكراً للأديبة الأستاذة نهى رجب محمد على التعليق،
مع موداتي.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:48 PM
إنا لله وإنا إليه راجعون...
رحمه الله ...
وغفر له...

شُكراً للدكتورة ألق الماضي على المُشاركة.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:49 PM
رحم الله الفقيد

إنا لله و إنا إليه راجعون

شكراً للأديبة ماجدة (2) على المشاركة،
مع تحياتي.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:49 PM
د. طه وادي .. في مرحلة الشباب الثانية:

جوائز الدولة تحتاج إلي قواعد علمية
يغيظني من يرفض الاعتراف بأساتذته
نجيب محفوظ أثار أبناء جيلي إلي أهمية الرواية
أنا صاحب مصطلح "كتابة المرأة"

حوار: د. زينب العسال
..........................

د. طه وادي.. الروائي والناقد والاستاذ الجامعي.. يبدأ هذه الأيام علي حد تعبيره مرحلة الشباب الثانية.. يخلف وراءه رحلة سبعين عاماً. ويتطلع الي رحلة أخري يشغلها بالعطاء والإبداع.
عن حصاد سبعين عاما. يقول طه وادي: الرحلة طويلة وشاقة. لاسيما أني كنت حريصا أن أصبح استاذا في الجامعة وأمارس الابداع في الوقت نفسه.. بالنسبة للجامعة. كانت هناك محاولات مضنية للتكوين الثقافي بالدراسة العليا. حتي أصبحت معلما في الجامعة التي تعلمت فيها. عملي في الجامعة يسير في مجالين متوازيين.
الأول هو التأليف والبحث الأكاديمي.. وقد استطعت بفضل الله ان أؤلف 15 كتابا نقديا. تدور في مجال الرواية الحديثة والمعاصرة. وفي مجال الشعر الحديث والمعاصر أيضا. هذه الكتب صارت علامات. وقد طبع بعضها خمس مرات. وأفاد منها الكثير من الدارسين والباحثين.
وفي خط آخر. فإن العمل الجامعي يتم بالاشراف علي الدراسات العليا. والاسهام في الاشراف علي مجموعة من الطلاب المصريين والعرب. وبعض الدارسين من البلاد الاسلامية والأوروبية. لذلك فإن المدرسة العلمية التي أسهم فيها ممتدة وكثيرة العدد. وبعض تلامذتي يشغلون الان مناصب قيادية في الجامعات العربية والأجنبية. وعلي هامش البحث العلمي الاكاديمي هناك النشاط الثقافي من خلال المؤتمرات والندوات واللقاءات الثقافية. أما بالنسبة لمجال الابداع الأدبي. فقد كان هذا السيل ولايزال أكثر صعوبة. وأشد مسئولية. لأن الابداع يشكل اتجاها أصيلا في تكوين الثقافي. الانشغال بالأدب مثل لي هواية منذ كنت طالبا في المرحلة الثانوية. والحصاد الادبي يتشكل من ثماني مجموعات قصصية وخمس روايات وكتاب ديني أدبي بعنوان "أولو العزم من الرسل في القرآن الكريم" وسيرة ذاتية بعنوان "الليالي" وقد ترجم بعض الاعمال الي الانجليزية والاسبانية خاصة رواية "أشجان مدريد" هذا الحصاد يعكس طول الرحلة وقسوتها. وجديتها كذلك. وثمة مجموعة قصصية جديدة تصدر قريبا بعنوان "الوردة والبندقية". فضلا عن استكمال كتابين احدهما في الشعر المعاصر. والثاني في الرواية التجريبية الجديدة علي ضوء منهج النقد الثقافي الذي يعد آخر المناهج النقدية وأكثرها جدة في دراسة الأدب. لأنه يحاول الافادة من معظم المناهج النقدية السابقة. وهناك كتاب لابد من الاشارة إليه هو "شاعرية طه وادي" الذي يقدم مجموعة من الرؤي النقدية المعاصرة بأقلام مجموعة كبيرة من أهم الأدباء واساتذة الجامعات.
تواصل
* قلنا : بماذا تصف علاقتك بأساتذة هم أعمدة الحركة الثقافية في الوطن العربي؟
** قال : لقد درست في مرحلة مابعد 1952 مباشرة. بالتحديد من 56 الي 60 وخلال تلك المرحلة عاصرت مجموعة من الاساتذة العظام. سواء في قسم اللغة العربية أو غيره. لأنه كانت هناك رغبة في أن يتعرف المرء علي الكثير من الاعلام المؤثرين في الفكر والأدب. مثل طه حسين وشكري عياد ومحمد مندور ولطيفة الزيات وزكي نجيب محمود وغيرهم. كانت الرغبة قوية في التواصل مع هؤلاء الاعلام. بل ومتابعة جوانب من الانشطة الثقافية. مثل أغنيات أم كلثوم وعبدالوهاب والاطرش وليلي مراد. وأيضا بعض قراء القرآن الكريم أمثال محمد رفعت ومصطفي اسماعيل وعبدالعظيم زاهر وأبوالعينين شعيشع. كانت الرغبة قائمة علي التواصل مع كل مايمكن ان يجذب الانسان نحو مستقبل أفضل. لاسيما ان الطموح كان حادا. وحين دخلت قسم اللغة العربية أصبح طه حسين قدوة لي ومثلا أعلي. وكتابي "الليالي" معارضة لكتابه "الأيام" فهناك من التشابه بين سيرة طه حسين وبين سيرتي الذاتية. وعموما فقد حرصت دوما علي القراءة المتواصلة والموسعة. مما شكل مايمكن تسميته استشراف الرؤية المستقبلية في الأدب. وبالطبع يقف نجيب محفوظ موقف واسطة العقد من الأدباء الذين أثروا في محفوظ هو الذي لفت نظر جيلي بقوة الي أهمية الرواية. وكل من ادعي غير ذلك لايقر بالحقيقة. ولايعترف بمن مهدوا له الطريق.
* قلنا : بالمناسبة : أعلنت اعتزازك بالتلمذة لأساتذتك.. هل هذه الروح موجودة الآن؟
** قال : هناك قاعدة اساسية في الحياة بأن اصابع اليد الواحدة لاتتشابه. بالنسبة لجيلي كان عدد الاساتذة والعلماء قلة. وكان تأثيرهم أكثر عمقا. من هنا كان الاعتزاز بهم معلنا. ربما يشكل أفضل مما هو في الجيل الحالي. البعض لايهمه الا العلم في ذاته. يسعي الي الدرجة العلمية علي يد زيد أو عبيد. وأحيانا تنتهي علاقة الاستاذ بالطالب مع نهاية مناقشة رسالته.. مع ذلك فإنه يوجد قلة قليلة مخلصة ووفية تتواصل معي الي اليوم. نحن نعمل في مجال الدراسات الانسانية. فماذا وماذا نتعلم.
* قلنا : ما رأيك في الاسلوب الذي تمنح من خلاله جوائز الدولة؟
** قال : الأمور لاتسير علي قواعد أو قوانين منضبطة ولا أسس صحيحة. لايوجد تقييم حقيقي. والمفاضلة تتم من أجل سواد العين أو العلاقة الحميمة.. ورأيي أن كل مايتصل بأمر الجوائز يحتاج الي مراجعة.. لابد من مراعاة القواعد العلمية والموضوعية.
أفضال كثيرة
* قلنا : ماذا عن المرأة في هذه الرحلة؟
** قال : علاقتي بالمرأة إنسانية تتركز في أمي رحمها الله. كانت بالنسبة لي الملهمة والموجهة والحامية والحانية. ثم جاءت التلمذة علي يد سهير القلماوي في الماجستير والدكتوراه. ادين لهاتين السيدتين بأفضال كثيرة. ولعلي أول من قدم الي الحياة الادبية مصطلح صورة المرأة في الرواية من خلال رسالتي للدكتوراة في 1971 ربطني هذا الموضوع منذ وقت مبكر بقضية المرأة وأدب المرأة. بل لقد ترك تأثيرات كبيرة علي ابداعي القصصي والروائي.
بعض الألتباسات
* قلنا : فلماذا تغفل هذه الدراسة عند الحديث عن كتابة المرأة؟
** قال : لو أننا أخذنا عناوين الرسائل العلمية التي تتناول هذا الموضوع. فسنجد ان الموضوع طرق بشكل واسع. انا صاحب هذا المصطلح. وقد اشعته بشكل واسع الي جانب مصطلح "أدبيات القصيدة" لقد اشعت هذين المصطلحين في الدراسات النقدية. وان كان ثمة بعض الالتباسات في فهم معني صورة المرأة نفسها. المصطلح موجود. ودراسة المرأة نالت عناية من الدارسين علي مدي نصف القرن. لكننا في حاجة الي ان نكرر ونعيد. وأحيانا نذهب لمناقشة رسالة جامعية فنتبين ان الموضوع قد درس من قبل. وهذا يرجع الي ان الارشيف غير جاهز. نحن نريد أرشيفا ومعلومات عن اسم الكاتب والموضوع وسنة الصدور. نريد انضباطا ببليوجرافيا. ويكفي ان رسائل كثيرة اخذت عنوان كتابي.
* قلنا : مارأيك في المناقشات التي تثور حول قضية كتابة المرأة والنقد النسائي؟
** قال : النقد النسائي الادبي بدأ يأخذ صورة مشرقة في المرحلة المعاصرة. وظهر العديد من الناقدات الملتزمات فكريا بداية من سهير القلماوي ولطيفة الزيات وفريال غزول وسيزا قاسم ورضوي عاشور. وظل الخط مستمرا حتي اليوم. التأريخ للكتابة النسوية ليس مشكلة. لكن المشكلة في أدب المرأة من قبل المرحلة الحالية الكثير من الكاتبات كن يمارسن الكتابة الادبية ثم يتوقفن. الان الصورة اتضحت في ابداعات سحر الموجي وميرال الطحاوي وسلوي بكر. المرأة الادبية شقت عصا الطاعة علي التابو. بل ان بعضهن فضلن حياة الابداع عن كل ماعداها. الدعوة إلي الادب والنقد النسائي والثقافة الخاصة بالمرأة. علامة علي التطور والتجديد في طرائق الفكر المعاصر وضرورات الحياة الانسانية التي تساوّي بين الرجل والمرأة.
....................................
*المساء ـ في 29/9/2007م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:50 PM
عن الدكتور طه وادي

بقلم: أ.د. حسين علي محمد
...................................

عرفتُ الدكتور طه وادي حينما حصل على الدكتوراه، وعمل في قسم اللغة العربية بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة في العام الدراسي الأخير لي (1971 ـ 1972م)، وكان مشرفاً ـ مع الدكتور عبد المنعم تليمة ـ على الجمعية الأدبية لطلاب جامعة القاهرة، التي كانت تقيم ندواتها أسبوعيا في مبني المدينة الجامعية، وكنتُ من فرسانها أنا وطالب من كلية الزراعة اسمه: أحمد عز الدين، لا أدري أين ذهب، وكان يبشر في الشعر بخير كثير، وكتب يومها الدكتور طه وادي كلمة عني (في آخر أسبوع لي بالقاهرة وأنا طالب ـ يونيو 1972م)، ألقاها في الجمعية، بعنوان "مقدمة في شعر حسين علي محمد"، مازلت أحتفظ بها بخط يده، ونشرتها في عدة صحف ومجلات.
ناقشني بعد ذلك في الدكتوراه، وناقشت سيرته الذاتية ومجموعة من قصصه في البرنامج الثاني، وحينما عمل في السعودية زرته عدة مرات (كان في مكة، وكلما كنتُ أذهب لأداء عمرة أزوره، وأصحب معي الدكتور صابر عبد الدايم الذي كان معه في مكة، وأذكر في إحدى الزيارات صحبنا الدكتور محمد محمد أبو موسى أستاذ البلاغة الكبير، صاحب الكتب المعروفة).
كتبتُ عنه دراسة هنا بعنوان "الغربة في قصص طه وادي"، ونشرتها في مجلة النادي الأدبي بالرياض (قوافل)، وأرسلت له نسخة منها مع الأديب فرج مجاهد.
وأعدتُ نشرها في كتابي "أصوات مصرية في الشعر والقصة القصيرة" (2002م).
سأفتقد صوته الحنون كلما أهاتفه (عامل إيه يا حسين .. ازيك يا حبيبي؟!).
منذ عاميْن حينما علم أني مسافر إلى الرياض ترك كتبه كلها هدية لي مع الصديق الروائي الكبير محمد جبريل، فأخذتُها وأنا في طريقي للمطار، وأحضرتها معي للرياض، وهاهي أمامي الآن.
....................
رحمه الله رحمة واسعة.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:51 PM
مقدمة في شعر حسين علي محمد (1)

بقلم: أ.د. طه وادي
........................

من الظواهر الصحية لدى الشباب المثقف اليوم أن هموم الحياة لا تؤثر في عزائمهم، ولا تجعلهم يستسلمون أمام الضغوط الهائلة التي تحول دون التحام الفرد بالجماعة، والتي تسلبه ـ أحياناً ـ كل قدرة على التوافق حتى مع ذاته، ومن ثم تتحوّل هموم كثير من هؤلاء إلى توتر خلاق في محاولة لشجب الاغتراب، ونفي كل عوامل القهر والسلب التي تحول دون سعادة البشر على المستوى العام والمستوى الخاص.
وتعكس المجموعة الشعرية "انتظار التي لا تجيء" لحسين علي محمد هذه الحقيقة بصدق ووضوح، تقرؤها فتحس أنك أمام شاب يستقطب أزمة جيل في الإحساس بتكاثف كل عوامل القهر المادي والمعنوي أمامه، وبسبب من هذا التكـاثف الأسود للضغوط تكاد تُحس ـ وهذا ما لا نُوافق شاعرنا عليه ـ أنه بـدأ يستسلم، ويُلقي السلاح .. أكثر من هذا لقد بدأ يحس الموت يسري في أوصاله وهو حي:
لا قمر في حدائق الشتاء
لا حبة من ضوء
فلتغلقوا الأبواب
فلتغلقوا الأبواب
أشعر أنني
أموت في العراء
وإذا ما تساءلنا عن سر اغتراب الشاعر واستسلامه هذا لقوى القهر المحيطة به، فإننا يمكن أن نرد هذا إلى عاملين كبيرين، أحدهما عام، والآخر خاص مترتب عليه.
العامل الأول المسبب لاغتراب الشاعر ـ كما تعكس ذلك هذه المجموعة ـ هو: عدم الإحساس بالأمان والعدل، يُضاعفه الشعور بالعجز عن استرداد كل الحقوق المغتصبة، وهذا ما تؤكده قصيدة "دموع من أورشليم":
كرامتنا أريقت في أكفهمو
وهمْ يلهون
يبيعونَ القضيةَ بالجنيْهاتِ
فقُمْ معنا
ففي أُذنيَّ صوتُكَ منْ وراءِ الغيبْ
يُناديني ،
يُفتِّتُ في جراحاتي:
أضاعوني
وضاع دمي
أضاعوني
وفي أعناقهمْ ثاري
والشاعر في معرض التعبير عن هذه الفكرة يستلهم أرواح أصحاب المآسي الحزينة في تراثنا مثل يوسف الصديق، وياسين الصريع ـ حبيب بهية ـ وأبي فراس الحمداني، وابن الرومي. والشاعر يُحاول أن يُنطق كل شخصية من هذه الشخصيات بجانب من جوانب المأساة العامة التي تعتصر شباب جيله، لترسم في النهاية صورة لكل ما يُعاني منه.
العامل الثاني الذي سبّب اغتراب الشاعر في هذه المجموعة، أنه أمام كل هذه الضغوط بدأ لا يتعاطف مع أمه التي أنجبته إلى هذا العالم الكئيب:
أأنتِ التي ..
نذرتني للشمس منذ الولادهْ
وأنتِ التي ..
عرَّيْتني في طرق الصمتِ والبلادهْ
وأنتِ التي
ذبحتِني
وبعْتِ لحمي في القرى ..
وفي النجوعِ والدَّساكرْ؟!
أكثر من هذا، لقد أصبحت هذه السلبيات كلُّها تحول دون استمتاعه بالحب، وتُعجزه عن أن يسعد بالحبيبة:
فلا تنسَوْا حكايتَنا .. أحبائي
وليلةَ عُرسِنا المأمولْ
فياكمْ قدْ سهرتُ أعانِقُ المجهولْ
وأبذُرُ حبَّنا في أولِ الفجرِ
فيُنبِتُ في الأصيلِ لنا ـ ويا للهوْلِ ـ
خفقَ شُعاعْ !!
أموتُ هناكْ
وأغمسُ أصبعي في الدَّمْ
وأكتُبُ فوْقَ هامِ الموْجِ:
"ذاتَ صباحْ
رأيتُ الحبَّ مشنوقاً
على بابي" !
أمام هذا الاغتراب العام والخاص كان من المحتَّم أن نجد الموسيقى عند حسين علي محمد جنائزية خفيضة رقيقة مُوقَّعة، كأنها موكب خلف نعش ميت!
ولعل ما يؤكِّد هذا أيضاً كثرة مراثيه في هذه المجموعة الصغيرة، وهذا ما يُفضي بنا إلى القول إن موسيقى شعر حسين علي محمد تنبع أساساً من مضمونه الفكري.
أحياناً قليلة ونادرة نحس أننا أمام شاعر تشع من قصائده روح التفاؤل والأمل المضيء، وهذا ما نتمنّى أن يكون سمة عامة له في شعره القادم، فالشاعر شاب ريفي يحمل عراقة أرض مصر التي لا تعرف اليأس والاستسلام، ومن هذه الومضات المشعة بالأمل المقطع الأخير من قصيدة "طائر الرعد":
.. ويُنادي طيرُ الرّعدِ بصوْتٍ باك:
لا تقلقْ
فالبابُ هو البابْ
وغداً
يتركهُ الحجّابْ
وغداً
سيعودُ الأحبابْ
وأخيراً؛ فإن هذه هي بعض السمات العامة لشعر شاعر شاب جاد في أول الطريق، ونتمنّى أن يكون وتراً فنيا يُضاف إلى قيثارة الشعر العربي الحديث، كما نتمنّى أن تكون أشعاره طاقات أمل، وإشعاعات هدى تُضيء الطريق للغد المشرق.
طه وادي
...........................................
(1) ألقاها الدكتور طه وادي في الجمعية الأدبية لطلاب جامعة القاهرة (يونيو 1972م)، ونشرت في "الثقافة الأسبوعية" الدمشقية العدد 9 في (4/3/1978م) كما نشرت في "أخبار الأسبوع" الأردنية، في 25/5/1978م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:52 PM
وداعا دكتور طه وادى .. رحيل رجل من النور والبنفسج

بقلم: إبراهيم محمد حمزة
.................................

سطور قليلة بجريدة " الأهرام " ومقال يتيم بصحيفة" الوفد " ومجموعة إشارات على الإنترنت بث معظمها دكتور حسين على محمد – تلميذه النجيب – هذا حصاد تاريخ أكثر من نصف قرن حمله الدكتور طه وادى على كتفيه ، مبدعا وأستاذا جامعيا وناقدا مرموقا ؛ صدمنى خبر رحيله ؛ حيث رحل فى صمت عجيب وكأن هناك مؤامرة ضد سيرة طاهرة ، ضد رجل لا يجيد فن الدعاية ، الرجل الذى عاش عمرا طويلا نصيرا للخير والحق والجمال ؛ الرجل الذى سجن عينيه فى الورق نصف قرن ، بخل عليه الورق بنصف صفحة ؛ لم يتساو مع فتى هارب من فريقه أوقف الدنيا عنده ، بين محللين ومعالجين ومخرفين ، وأستاذ بقيمة طه وادى يرحل ملتحفا بسكونه هكذا
.
- حياة هادئة .. وجهود صاخبة :
شرفت بالتلمذة على الدكتور طه وادى بالسنة النهائية لى بقسم اللغة العربية بجامعة المنصورة ، وقد كان الرجل نموذجا للعلم المغلف بالتواضع المذهل ، أذكر أنه كتب مقالا بمجلة الهلال ديسمبر 1993م كان عنوانها " فى ذكرى صاحب القنديل " وصادف أن نشرت قصصا قصيرة جدا فى نفس العدد فى صفحات القراء ، وحين رآها وكنا بمكتبه ، قال لى : زميلى العزيز .. أنت تلعب فى ركن لا يشاركك فيه أحد ، فحافظ على ممتلكاتك ".
كانت محاضرات الدكتور طه وادى مثل كتبه .. بسيطة فى الظاهر عميقة فى جوهرها ، كان صدقه مع نفسه ومع تلميذه ومع قارئه سببا فى عرضه الميسر لقضاياه الأدبية رغم عسر الموضوع ، كان بسيطا فى عمق ينفذ سريعا للجوهر ، أشار فى مقال له إلى لغة يحيى حقى بأنها كانت خالية من " الحفلطة والحزلقة " هكذا كان مزاجه العام .. فى كتاباته العديدة كناقد نجده عالج مختلف الفنون ففى القصة القصيرة أصدر كتابه الهام " القصة ديوان العرب " عام 2000م كما قدم كتابا تطبيقيا بعنوان " القصة السعودية القصيرة " قسمه إلى قسمين أولهما دراسة نقدية لعناصر القصة ومعناها واختلاف النقاد حول مفهومها ، ثم أتبع ذلك بشهادات للمبدعين السعوديين ، ثم ضم الكتاب نماذج للقصة السعودية لكتاب مثل إبراهيم الحميدان وتركى العسيرى وحسين على حسين وخيرية السقاف ورجاء عالم ورقية الشيب وغيرهم ..
ويبدو الراحل فى كتابه – كما فى كل إبداعاته عربيا خالصا ؛ مصريا شديد المصرية ، فقد أصر أن يطبع كتابه عن القصة السعودية فى مصر "سلسلة " آفاق عربية " ويهديه إلى " الطفل العربى ، صانع الحلم القومى .. حلم العلم .. التقدم ، الحرية ، الوحدة ، الذى اتمنى أن يولد وسط دهاليز عصر العولمة "
أما عن الرواية فقد خصها بكتب رائدة مثل " صورة المرأة فى الرواية العربية " الذى كان فى الأساس رسالته للدكتوراه 1971 م يقول : " ربطني هذا الموضوع منذ وقت مبكر بقضية المراة وأدب المرأة، بل لقد ترك تأثيرات كيبرة على ابداعي القصصي والروائي" . ولذا كان الدكتور وادى أول من أشاع مصطلح "كتابة المراة" بجانب مصطلح "أدبيات القصيدة" في الدراسات النقدية.
وفى الرواية أيضا أصدر كتابه الهام " دراسات فى نقد الرواية " جامعا فيه بين الدراسة النقدية البديعة لأعمال المنفلوطى وجورجى زيدان بشكل منهجى عبقرى جمع فيه بين يسر العرض وعمل التامل فى المنهج الروائى للكاتبين مقيما تجربة كل منهما وكذلك قدم فصلا رائعا عن رواية " الطوق والأسورة " رائعة الراحل يحيى الطاهر عبد الله ، ثم خصص قسما للمترجمات فى الموضوع ذاته عن الرواية السياسية وغيرها من المترجمات . وكذلك كتابه " مدخل إلى تاريخ الرواية المصرية " وكما رأينا إبداعه النقدى فى القصة والرواية فقد أصدر كتبا نقدية عن الشعر لعل أشهرها كتابه الهام " شعر ناجى .. الموقف والأداة " ثم كتابه النادر " الشعر والشعراء المجهولون " والذى فاز وقتها بجائزة جامعة القاهرة " وأيضا دراسته العميقة " جماليات القصيدة العربية " . ومن الشعر إلى المسرح وجدنا كتابه " شعر شوقى الغنائى والمسرحى " .. وقد أبدع فى الكتابة عن الشخصيات فقدم تعريفا طيبا بالعظيم رفاعة الطهطاوى فى مدخل تحقيقه لديوان رفاعة ، كما قدم كتابا هاما عن الدكتور محمد حسين هيكل " بعنوان دكتور هيكل : حياته وتراثه الأدبى " وأشرف على كتاب راق جدا عن أستاذه وأستاذنا الكبير الراحل شوقى ضيف بعنوان " شوقى ضيف .. سيرة وتحية " .
- الغربة فى أدبه :

أصدر الدكتور طه وادي، سبع مجموعات قصصية، هي: "عمار يا مصــر"، "الدموع لا تمسح الأحزان"، "حكاية الليل والطريق"، "دائرة اللهب"، "العشق والعطش"، "صرخة في غرفة زرقاء" و"رسالة إلى معالي الوزير". كما أصدر أربع روايات هي: "الأفق البعيد"، "الممكن والمستحيل"، "الكهف السحري"، "عصر الليمون" كما أصدر سيرة ذاتية بعنوان "الليالي" .
فى أعماله الإبداعية تبدو سمتان طاغيتان على إبداعاته : سمة الغربة وسمة المصرية ويوضح د. حسين علي محمد في مقاله بمجلة "قوافل" الأدبية أن الغربة تيمة أساسية في قصص طه وادي مثل قصص "تغريبة ولد اسمه كرم"، و"حكاية شرخ في الجدار"، و"مواقف مجهولة من سيرة صالح أبو عيسى"، و"موسم القتل الجميل". في "تغريبة ولد اسمه كرم" الأبطال لم يتركوا مصر راضين مختارين، وإنما سوء واقع عيشهم هو الذي طاردهم وجعلهم يختارون الغربة سبيلاً.
ويقول: "في مدينة الدوحة دختُ أياماً وليالي، ليس معي مؤهل سوى عافيتي، عملتُ نجاراً .. بناءً .. حامل طوب. أكل العيش مر. في حي شعبي يعيش المساكين أمثالي من الهند وباكستان وإيران والسودان .. كما كنا نفعل أيام الترحيلة في عزبة العمدة .. نجمع القطن .. نحصد القمح .. نشتل الأرز .. يا عم المسعد في بلاده مُسعَد في بلاد الناس". ويضيف كرم: "إيه يا مصر .. لمَ تركتِنا نتغرّب. الغربة صعبة وقتّالة. لو كان العمدة يُعطي أجراً مناسباً ما تغرَّبت".
أما عن المصرية فى إبداعه ، فسنجده - ولأول مرة – يكتب رسالة على غلاف روايته يقول له فيها : " بلغنى أيها القارىء السعيد ، ذو الرأى الرشيد أن المؤلف - الذى يحرص على إقناعك ورضاك - أحس بقدر من الأسى والحيرة حينما وصلت الأحداث بشخصياته عند هذا الحد من الصراع ...... إن المأساة التى تشكلها منظومة هذا العالم الروائى لا تعبر عن قصة أفراد وإنما تحاول أن تصور جزءا من مأساة شعب "
وتبدو المصرية فى شخصيته وفى إبداعه حتى على المستوى اللفظى ، فى قصته " ألف باء " يصور أسرة فقيرة تماما ، يضطر الأب إلى بيع دمه حتى يقبض عشرين جنيها مرة واحدة ، لكنها تضيع منه .. فى لغة القصة تجد تناسبا طيبا بين الحال والتعبير عنه " تلبس فستانا مثل خضرة الفجل الورور " أو " أكل العيش يا واد يا على يحب الخفية " أو " تنادى عطيات بصوت مشروخ " لوبية يا فجل لوبية " إلخ .
ميلاد ورحيل : ولد طه عمران وادى بقرية كفر بدواى مركز المنصورة فى أول أكتوبر عام 1937م ودرس بكلية الأداب جامعة القاهرة ، حتى حصل على الدكتوراة عام 1971م وعمل بآداب القاهرة ومنها أعير لعدد كبير من الجامعات المصرية والعربية ومنها جامعة المنصورة, وأكاديمية الفنون, , فروع جامعة القاهرة بالسودان وبنى سويف, وجامعة الإمارات العربية المتحدة, وجامعة قطر , ومعهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة ، فضلا عن عمله بالمملكة العربية السعودية ، كان عضوا بعدد من الهيئات منها عضويته بمجلس إدارة اتحاد كتاب مصر ، وحاز عددا من الجوائز كان يذكر منها دوما جائزة جامعة القاهرة للبحث العلمى فى مجال الدراسات الاجتماعية ، عام 1989. م عن كتابه " الشعر والشعراء المجهولون "
توفي في 1/4/2008م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:53 PM
طه عمران وادى
(1937 ـ 2008م)
........................

*اسم الشهرة : د. طه وادى.
*تاريخ ومحل الميلاد : 1 اكتوبر عام 1937 ، المنصورة.
*المؤهلات العلمية :
- ليسانس الآداب ، قسم اللغة العربية من جامعة القاهرة 1960.
- دبلوم التربية وعلم النفس من جامعة عين شمس 1961.
- ماجستير فى الآداب من جامعة القاهرة 1965.
- دكتوراه فى الآداب من جامعة القاهرة 1971.
*التدرج الوظيفى :
- أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب ، جامعة القاهرة
كما قام بالتدريس فى الكثير من الجامعات ومنها:
كلية الآداب ، جامعة القاهرة , وأكاديمية الفنون, وجامعة المنصورة, فروع جامعة القاهرة بالسودان وبنى سويف, وجامعة الإمارات العربية المتحدة, وجامعة قطر , ومعهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة , وجامعة أم القرى.
*الهيئات التى ينتمى إليها :
- عضو لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة.
ـ عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب بمصر.
* المؤتمرات التى شارك فيها :
- حضر عددا من المؤتمرات الأدبية فى كل من مصر والسعودية والإمارات العربية وقطر وليبيا والكويت وإسبانيا وإيطاليا.
*المؤلفات العلمية والإنتاج الأدبى :
له الكثير من الدراسات والمؤلفات الأدبية والنقدية والدينية منها:
- عمار يا مصر: مجموعة قصصية 1991.
- الأفق البعيد (رواية) 1992.
- الليالى ، سيرة ذاتية 1992.
- شعر شوقى الغنائى والمسرحى 1994.
- الشعر والشعراء المجهولين فى القرن التاسع عشر 1995.
- ديوان رفاعة الطهطاوى 1995.
- شوقى ضيف.. سيرة وتحية 1997 .
- عصر الليمون (رواية) 1998.
- جماليات القصيدة المعاصرة 2000.
* وقد ترجمت بعض هذه الأعمال إلى اللغات الإنجليزية والاسبانية والإيطالية والصينية وتحول بعضها إلى أعمال درامية فى الإذاعة والتليفزيون, وقررت بعض الأعمال فى بعض الجامعات المصرية.
* الجوائز والأوسمة :
*- جائزة جامعة القاهرة للبحث العلمى فى مجال الدراسات الاجتماعية ، عام 1989.
*توفي في 1/4/2008م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:54 PM
طه عمران وادى من رموز التنوير

بقلم: وجدى زين الدين
............................

مازالت الأحزان تتوالى، فقد غاب عن دنيانا فى الأسبوع الماضى عالم ومفكر كبير هو الدكتور طه عمران وادى الأستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة، الذى أثرى المكتبة العربية بروائع فى الفكر والأدب والنقد والسياسة، إضافة إلى روائعه الواقعية فى فن القصة القصيرة.. ففى سطور قليلة بصفحة الوفيات بالأهرام نشر خبر وفاة المفكر الجليل طه وادى دون ضجيج إعلامى حوله، ودون أدنى اهتمام حول رحيل أحد رجالات العلم والفكر فى هذا البلد. وصحيح أن هذا الرجل ـ رحمه الله ـ كان يزهد الإعلام وكرس حياته للبحث العلمى
ولطلبته فى مصر والدول العربية، واتخذ منهجاً أخلاقياً رسمه لنفسه منذ أن وطئت قدماه إلى القاهرة قادماً من ريف الدقهلية ـ قرية كفر بدواى ـ إلا أن ذلك لا يمنع أبداً أجهزة الإعلام أن تهتم بمثل هذا العالم الذى أبدع فى تحليل الأدب العربى بمنهج واقعى، مطبقاً الظروف السياسية كأحد العوامل الرئىسية فى نقد الأدب.
فهو القائل فى كتابه الصادر عن دار المعارف.. شعر ناجى الموقف والأداة عندما كان يؤرخ لنشأة »جماعة أبوللو« فى الشعر، لقد تشكلت هذه الجماعة فى فترة تعد من أصعب الفترات التاريخية وأقساها فى مصر الحديثة.. لقد تهاون القصر والإنجليز واتفقا على أن يسلبا مصر أى حق ديمقراطى أو دستورى كسبته، واستطاعا بمعاونة رئىس الوزراء محمد محمود »1927 ـ 1929«، ثم اسماعيل صدقى »1930 ـ 1935«، أن يوقفا الدستور ويعطلا الحياة النيابية، ويقهرا كل رأى ويجهضا أى محاولة للوقوف ضد استبداد الحكم. وتبع ذلك الاستبداد السياسى والقهر الفكرى خراب اقتصادى وظلم اجتماعى فادحان، كما تأخرت حركة التعليم، وتعثرت كثير من الصحف والمجلات والنوادى الثقافية.
وشهدت الفترة من عام 1935 حتى نهاية الحرب الثانية عنف المد الثورى وقوة المقاومة للحكم المستبد، تبدى ذلك فى مظاهرات الطلبة والعمال وكثرة الأحزاب السياسية، ونشأة تكوينات عقائدية مثل الإخوان المسلمين والخلايا الشيوعية، كما ان نفس الفترة قد شهدت عنف الاغتيالات السياسية حيث قتل امين عثمان واحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى وحسن البنا وغيرهم. ويرى المفكر الراحل طه وادى أنه وسط هذا الاطار الملتهب والمتأزم سياسياً واجتماعياً واقتصادية ظهرت جامعة أبوللو فى الفترة مابين »1932 و1935«.
باختصار شديد استطاع طه وادى المفكر ان يوظف السياسة والاقتصاد فى درس الشعر العربى ونقده، وخرج بمدرسة نقدية تفرد بها هو دون غيره، حتى أصبح بحق سياسياً بارعاً وناقداً للأدب فقد، تمكن بمقدرة بالغة ان يتحكم فى أدوات نقده، حتى ان معظم روائعه فى النقد تتناول ظاهرتين الأولى الموقف والثانية الأداة لدى من يتناول أعمالهم بالدرس والبحث العلمى. كما ان نشأة طه وادى فى كفر بدواى التى تقع الى جوار مدينة المنصورة، كان لها أكبر الأثر فى تكوينه الشخصى، فهو الذى تناولها بأشجارها وبساتينها فى كل قصصه القصيرة.
ويبقى السؤال الذى رددته كثيراً على القائمين على إدارة جامعة القاهرة لماذا تتجاهل الجامعة هؤلاء الأعلام ولا تصدر بشأنهم سلسلة من الكتب حتى تتعرف عليهم الاجيال الحالية وكانت الفرصة سانحة الآن بمناسبة الاحتفال بمئوية الجامعة للقيام بهذا الدور؟... ولماذا تتجاهل الجامعة هؤلاء النوابغ الذين أثروا المكتبة العربية بروائع تعد نبراساً وهدى لطلاب العلم والفكر؟..
ألم تكن هذه فرصة رائعة »الاحتفال بالمئوية« لابراز دور هؤلاء العلماء الذين أفنوا حياتهم فى البحث العلمى؟ بدلاً من الطبل والزمر الذى حدث بدون فائدة، أم ان هذه هى سمة الفساد الذى استشرى فى المجتمع وطال الجامعة التى من المفترض أن تكون قلعة للتنوير والفكر.. أم كما يقول الراحل طه وادى نفسه ان هذه أصعب وأقسى الفترات التاريخية فى مصر الحديثة؟!
.....................................
*الوفد ـ في 6/4/2008م.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:55 PM
عصر الليمون

بقلم: د.عبد المنعم عبد المجيد
جامعة المنوفية
..............................................

في عمله الروائي الجديد "عصر الليمون" (مكتبة مصر) يتجلى بوضوح إدراك الدكتور طه وادي لعناصر الرواية مثل الشخصية والمكان والزمان، كما تمتزج فيها تقنيات روائية مختلفة وبوجه خاص تقنية كتابة السيرة الذاتية مع الطرق الفنية التقليدية في كتابة القصة، حيث تتداخل في الرواية أساليب متعددة للقص والروي منها التقليدي والمعاصر والقديم والجديد والراوي شامل المعرفة وضمير الغائب وضمير المتكلم وتيار الوعي. وتتقابل فيها مفارقات عدة خاصة بالتيمات والتكنيك الجديد الذي اتبعه الكاتب، إذ يلتحم الزمان بالمكان والحياة بالموت والحاضر بالماضي واللحظة الحية الممزوجة بالتأمل في أسباب الموت؛ كل ذلك في تناسق فني يتمحور حول بناء الرواية وتصوير الواقع.
فنحن نعتقد في بادئ الأمر أن بطل الرواية هو د.حمدي الحسيني، نائب رئيس قسم الأطفال في مستشفى الجيزة أو أحد الشخصيات من أعضاء شلة الحرافيش وأصدقاء عمر البطل منذ الصبا وشرخ الشباب: حسن الشاعر (الصحفي بجريدة الأمة ـ إحدى صحف المعارضة المصرية) وأحمد حلمي (ضابط جيش متقاعد أصيب في حرب أكتوبر 1973) وأدهم بدير (يساري قديم كان يعمل مدرسا للغة الإنجليزية غير أنه أبعد عن التدريس بعد اعتقاله أكثر من مرة وحول إلى وظيفة إدارية فاستقال وتعاقد للعمل بإحدى دول الخليج، وعاد بعد حوالي عشر سنوات وأصبح صاحب كازينو سياحي بشارع الهرم)، وسميح عبد المسيح (فنان تشكيلي)، وعبد الله عاشور (الذي كان يعمل مدرس فلسفة ويهوى كتابة القصة والرواية9؛ إلا أننا بعد أن نمضي في قراءة الرواية ندرك أن بطلها هو حسن الشاعر ـ الصحفي الضال.
تنقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام عامة يتناغم الأسلوب فيها والبناء الروائي في توازن وتناسق يحسب للكاتب المبدع والناقد الروائي معا. أما القسم الأول فيحتوي على أربعة فصول معنونة كالتالي: "إخوان الصفا" و"في مهب الريح" و"أوراق رسمية" و"إنهم يطفئون النور"، ويحتوي القسم الثاني على مذكرات بطل الرواية حسن الشاعر وجاء بعنوان "ذكريات صحفي ضال". وانقسم هذا الجزء الذي يمثل إضافة إلى الفن الروائي في الأدب العربي المعاصر بعد مقدمة بعنوان "تنوير وتحذير" تلتها فصول عشرة استهلها الكاتب بالفصل الأول "فصول من كتاب الحب" وتتابعت الفصول الأخرى بعناوين "الحلم والكابوس" و"خسوف القمر" و"منازل الأموات" و"متى تطلع العذراء من خدرها؟" و"جمرة الضوء" و"شرفة الأمل" و"أحزان الصباح" و"أنشودة الشوق" و"لا يزال النهر يجري". ثم جاء القسم الثالث ليضم فصلين بعنوان "هناك سيء ما" و"من قتل الشاعر؟". ويعتبر هذا الجزء بمثابة تكملة للجزء الأول، حيث يمثل الزمن الحاضر وكذا الإطار الأساسي للرواية الذي خرج منه الجزء الأوسط الذي يمثل عملية توليد لرواية داخل رواية، ويتشابه ذلك إلى حد كبير، مع تقنية درامية اتبعها كثير من كتاب المسرح الكبار ومنهم وليم شكسبير في مسرحيته (هاملت) وهي المسرحية داخل المسرحية وكانت في حالة هاملت مسرحية (مقتا جونزالو) التي أراد منها بطل المسرحية عدة أهداف من بينها إثبات تهمة قتل أبيه على عمه الملك كلوديوس كما كان لها أهداف أخرى لدى شكسبير تتعلق بتطور ونقد الحركة المسرحية في عصره.
على أن الجزء الأول يمثل بداية تقليدية للقصة الأصلية وهي قصة حسن الشاعر التي رواها في مذكراته التي أراد ألا يطلع عليها أحد حتى بعد موته. فيروي لنا الراوي شامل المعرفة في الجزء الأول أخبار أصدقاء د.حمدي الذين يطلق عليهم شلة الحرافيش ـ وهم بالمناسبة ليسوا بحرافيش نجيب محفوظ ـ التي تجمع أعضائها صداقة عجيبة يندر وجودها في هذه الأيام التي طغت فيها المادة والقيم الدخيلة على المجتمع المصري، حيث يمهد الكاتب لمقتل حسن الشاعر واكتشاف جثته، وحيث يبث الراوي رؤيته وفلسفته في الحياة ودور الصدفة فيها. ويروي الكثير عن جذور تلك الصداقة التي جمعتهم ولقاءاتهم في شقة حسن الشاعر الواقعة في حارة من حارات الدقي القديمة. ويقول أن السبب في ذلك "ليس لأنه (أي حسن) أكبرهم سنا، لكن أكثرهم استقرارا وواقعية، بالإضافة إلى أنه أعزب يعيش في الشقة منذ تخرج في الجامعة، كان يمكن أن يغيرها بعد ذلك دون أن يدفع مليما واحدا. لا.. لن تكون رشوة. فحسن لا يقبل الرشوة أو الاستغلال، وإنما ستكون هدية أو مجاملة من بعض معارفه.. لكنه متزمت في أمور القيم والمبادئ". وسرعان ما تحدث هزة درامية وتتغير آلية السرد في الرواية بمقتل حسن الشاعر الفجائي الذي يهز كيان الشلة ويغير تقنية ومسار أحداث الرواية باكتشاف مذكرات حسن الشاعر ونشرها لتأخذ مكانا رئيسيا في بناء الرواية. ولم تجد الأوراق الرسمية (مثل تقرير ضابط المباحث وتقرير مفتش المباحث الجنائية وتقرير الطب الشرعي وتقرير وكيل نيابة الدقي) في العثور على أي دليل يقود الشرطة والنيابة إلى الجناة أو كشف سر الجريمة.
وتتلخص مأساة حسن الشاعر في سيرة حياته التي نعرف تفاصيلها من ذكرياته، فهو يقدم في مقدمتها قصة انهيار الحلم في حياته أو كيف تحول هذا الحلم إلى كابوس مزعج ينتهي بمقتله. فنرى كيف انهار الحلم الخاص في أن يصبح صحفيا وكاتبا وربا لأسرة كسائر البشر، والحلم العام في أن تصبح بلاده في مقدمة الأمم. فالعيب يكمن في أهل هذا الزمان. وتمثل عملية تسجيل ذكريات حسن الشاعر، كما يقول هو، علاجا لنفسه من أوجاع هذا الزمان الذي ضل فيه الناس طريق الحق والخير والجمال. ثم يروي لنا قصته.. فقد انفصل والداه بعد عام من ولادته وتزوج كل منهما من آخر، واحتضنته جدته لأمه التي كان لها فضل تربيته إلى أن تخرج في الجامعة. وبعد أن عمل في الصحافة (في جريدة الأمة الجريدة الناطقة بلسان أحد أحزاب المعارضة) أراد أن يتزوج ممن أحبها ـ هالة توفيق ـ صحفية تحت التمرين في الجريدة. لكن حلمه الخاص انهار بزلزال شديد تمثل في تعرض هالة للاغتصاب الغادر على يد مجموعة من الشبان المارقين، وحيث أن هالة لم تحتمل الكارثة التي نتج عنها حمل سفاح فماتت أثناء إجراء عملية الإجهاض لكي تتخلص من آثار العدوان على شرفها وآدميتها. وربما يريد المؤلف هنا أن يوحي لنا بأن هاله لم تحتمل الحياة لأنها اغتيلت على يد هذه المجموعة الضالة. ويقدم لنا الكاتب معادلا موضوعيا للمأساة على المستوى العام يتمثل في تزامن حادثة اغتصاب هالة وموتها مع حادث اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.
يروي حسن الشاعر قصته على طريقة تيار الوعي بما فيها من أسلوب (الفلاش باك) ويعرض لأفكاره كصحفي تؤرقه هموم وطنه، وقد فادته مهنته وكتاباته إلى مكاتب وزارة الداخلية وإلى التصادم مع من يسمونأنفسهم بالجماعات الإسلامية. وحاول أن يؤلف كتابا بعنوان (مستقبل العالم العربي في ظل الانفتاح أو الإرهاب) ويطوف بنا حسن على المشكلات الشخصية التي تواجهه في علاقته بأبيه في القرية وعلاقته بجيرانه في المدينة التي هي أيضا جزء لا يتجزأ من مشكلة الوطن كله. وتنتهي مذكرات أو ذكريات الشاعر قبل مقتله مع بداية عام 1990.
والكاتب إذ يقدم لنا المنظومة الثنائية التقليدية للزمن المتمثلة في التوازي ما بين الحاضر والماضي والخاص والعام، فإنه يقدم لنا علاوة على ذلك ما يمكن أن يسمى بالزمن الشامل الذي يسجل الأحداث السياسية التي جرت إبان حاضر وماضي شخصيات الراوي. فالقاص حريص على تسجيل الأحداث السياسية التي أثرت على حياة الشخصيات أو تعادلت معها مثل حرب أكتوبر 1973 ومعاهدة السلام، وانتقال الجامعة العربية إلى تونس، وعودتها إلى القاهرة، وأحداث سبتمبر 1981 وحادثة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات (6 أكتوبر 1981)، والحرب العراقية الإيرانية (1981 ت 1988) وغيرها. كما يقدم لنا الأزمات الاقتصادية التي حدثت في مصر مثل صعود وانهيار شركات توظيف الأموال. وتمر تداعيات تلك الأحداث خلال وعي حسن الشاعر في ذكرياته أو سجل ذاكرته، لأن الكاتب يوحي لنا بوجود توحد بين وعي حسن وهذه الأزمات، ولأن الكاتب يجعل من وعي حسن وعيا مطلقا قادرا على الفهم وتأويل ما يحدث على مستوى الوطن العربي الذي هو جزء من همه الأكبر.
تتمثل الإشارات الرمزية في الرواية في جوانب عديدة منها عنوان الرواية ذاتها. فكلمة "عصر" قد تشير إلى زمن وكلمة "الليمون" ربما تدل على الكثرة على غرار المثل العامي المصري المعبر "العدد في الليمون"؛ وربما تعني كلمة "عصر" عملية الضغط الشديد على الليمونة، وتشابه ذلك ودلالته على الضغط والأزمات التي يتعرض لها إنسان العصر الحاضر الذي يمثله في الرواية حسن الشاعر الذي عصرته تجارب الحياة المرة التي مرت به، وتشير كلمة الليمون إلى عصير الليمون التي ترد في الرواية كالمشروب المفضل لحسن الشاعر وهالة توفيق ود.حمدي الحسيني.
ولاشك أن الدكنور طه وادي ـ وهو في الأصل ناقد له باع طويل في مجال نقد الرواية ـ قد أفاد بشكل أو بآخر من وعيه بالنظريات الحديثة في السرد ومستوياته عند نقاد الرواية في الغرب. على أن ما يحسب له هنا أيضا هو الشكل المبتكر للرواية العربية وتعدد أساليب السرد في منظومة تمثل مرحلة أخرى جديدة في حياته الإبداعية، تضاف إلى رواياته الأخرى بدءا من الأفق البعيد (1984) وانتهاء بالكهف السحري (1994) ومجموعاته القصصية ابتداء بمجموعة عمار يا مصر (1980) وانتهاء بمحموعة صرخة في غرفة زرقاء (1996).
الذي لا ريب فيه هو أن "عصر الليمون" تعد إضافة جيدة وجادة في مسيرة الرواية العربية المعاصرة قدم فيها طه وادي ـ باقتدار وتمكن ـ رؤية جديدة لأحوال العالم العربي المضطربة في ظل الانفتاح والإرهاب، كما قدم ـ في الوقت نفسه ـ تشكيلا سرديا غير مألوف، يستعين بآليات سردية غير مسبوقة في كتابة الرواية العربية.

د. حسين علي محمد
15/04/2008, 02:59 PM
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

http://www.moheet.com/image/60/225-300/605889.jpg?SSImageQuality=Full

منذ أيام وقد فرغت من كتابه القصة ديوان العرب

كان مبدعاً فذاً وقلماً يفتقد
رحم الله الدكتور طه وادي
وإنا لله وإنا إليه لراجعون


شُكراً للأديب الأستاذ طارق شفيق حقي على المُشاركة،
مع تحياتي وتقديري.

اسراء الشرقاوي
07/01/2011, 05:04 PM
في الحقيقه انا لا اعرف كثيرا عن الدكتور طه لكن الذي شجعني لقراءه المزيد عنه هو الدكتور شعبان استاذ اللغه العربيه بجامعه المنصوره فلهما جزيل الشكر ورحم الله الدكتور طه وأطال الله في عمر الدكتور شعبان وأكرمه الله طالبه بقسم اللغه الفرنسيه اداب المنصوره

سيد أمين
19/04/2016, 08:20 PM
رحمه الله وغفر له كان استاذي أحببت منه فن القصة القصيرة والقصة عموما وفن النقد الأدبي ولمن أراد حب وفم القصة والنقد فليقرأ طه وادي قصة وأدبا
تلميذ تذكر أستاذه