المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : د. رغداء مارديني تكشف حقيقة نشوء وتطور المُنَاظَرات الخيالية في أدب المشرق والمغرب و



د.ألق الماضي
05/04/2008, 11:19 PM
تعتبر أول دراسة عربية من نوعها

د. رغداء مارديني تكشف حقيقة نشوء وتطور المُنَاظَرات الخيالية في أدب المشرق والمغرب والأندلس

دمشق - محمد أحمد طيارة:
شغلَ فنُّ المُنَاظَرات معظمَ الباحثين والدارسين، ولاسيما ما تعلّق منها بالمُنَاظَرات الدينية والعقائدية والنحوية والسياسية، انطلاقاً من أن إرهاصاتِ المُنَاظَراتِ الأولى بدأت حول أحقية الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وما ترتّب على ذلك من معاركَ لاحقةٍ بين المُتَناظرين، وظهورِ الفرقِ والأحزاب والمنافحين عنها.
وقد لقي فنُّ المُنَاظَراتِ هذا عنايةً فائقةً من هؤلاء الدارسين، لما قدّمه من مصنّفاتٍ ورسائلَ حملَتء رؤىً وأفكاراً قامتء في أساسِها على الجدلِ والحجّةِ والبرهانِ والمنطق.
ومقابل هذا الاهتمامِ الكبيرِ بفنِّ المُنَاظَرات بصورة عامة، لم تجد الباحثة د. رغداء مارديني بُدّاً من أنء تفرد حيّزاً لفنِّ المُنَاظَرات الخيالية النثرية، بدراسة أو تحليل أو نقد، يحدّدُ وظيفتَها عبرَ العصورِ التي وُجِدَتء فيها.. مع أنها تعتمدُ أسلوبَ التشخيص الخيالي الذي يحرّك الجمادَ فيجعله ينطقُ ويجادلُ ويناقشُ، بما يغري الدارسين بخوض غمارِه بحثاً عن جماليّات الأدبِ، وإبداعِ اللغة وطرافة الموضوع، وحتى بالنظر في الرجوع إلى نشأتِه التي أجمعت المعلوماتُ المنثورةُ في مصادر الأدب - على استحياء - أن مبتكرَها سهلُ بن هارون والجاحظُ وغيرُهما، لتأثّرِهم بالثقافات التي دخلت عبر الترجمة (الهندية، الفارسية، اليونانية)... ولكنّ البحثَ والتقصّي قاد الباحثة إلى ما وُجِدَ على الرُّقُمِ والألواحِ السومرية والبابلية من مُنَاظَراتٍ خيالية اكتملتء فيها الأركانُ والشروطُ، ليتبيّن لها أنَّ أصلَ المُنَاظَراتِ الخيالية يعودُ إلى ما قبلَ الإسلامِ، وليس إلى العصر العباسي كما ذهب بعض الدارسين.
وقد أسءلَسَتِ الدراسةُ لها قِيادَها ضمن الإطارِ الزمنيِّ المتّسعِ والممتدِّ منذ ما قبلَ الإسلام وصولاً للعصر الحديث، حيث حرصتُ على ترتيبِ المُنَاظَرات الخيالية حسب سنيّ وفاة مؤلفيها، كي يتحقق للباحثة إمكانُ رصدِ تطوّرِها رصداً عميقاً، وبما يتيحُ التعرّفَ عن قربِ على آلية التأثّر والتأثير بين أدباء العصور بعضهم ببعض.

وهذا كلُّه لم يأتِ من فراغٍ، فقد شغَلها اختيارُ البحث سنواتٍ طويلةً، وهي تتناول المصادرَ والمراجعَ من رفوف المكتبات لتعيدها ثانيةً دون طائلٍ أو جدوى، حتى اهتدت أخيراً إلى موضوع هذا البحثِ البِكرِ الذي وجدت بأنه لم يحظَ باهتمام دارسي الأدب، أو محاولتهم بالإشارة إلى ملامحهِ أو خصائصهِ بما يعرّفُ بهذه المُنَاظَرات الخيالية.. وربما يعودُ السببُ في ذلك لندرةِ المصادرِ والمراجعِ، إلا من قلّة كتبٍ حديثةٍ تبرّع أحدُهم بجمعِ مادّتِها بعنوان المقامات تارةً، والرسائل تارةً أخرى، أو من مُنَاظَراتٍ منثورةٍ ما زالت في المصادر، أو مخطوطاتٍ لم تُثِرء اهتمامَ الباحثين لنفضِ الغبارِ عنها.

وتبيّن للباحثة بعد الاطلاع على الدراسات الخاصة بفنِّ المُنَاظَرات بصورة عامة، أن أحداً لم يُشِرء إلى موضوع المُنَاظَرات الخيالية في أي بحث أكاديمي يؤصّل لها - في حدود علمي - ويكشفُ النقابَ عن كنوز المخطوطات التي تلقي الضوءَ عليها، ما هيأ للبحث جدّتَه، وتأصيلَه لمفهوم المُنَاظَرات الخيالية، وموضوعاتِها وأعلامِها.. وفي تحديد البيئة التراثية الأولى التي تحوّلت فيها المُنَاظَرة الخيالية إلى فنّ ضَرَبَ عميقاً في بناء القصة والمسرحية لما يحتويه من عناصر القصِّ والتشويقِ والحوارِ في الأدب العربي.. ولما يحويه من ذاك التشخيصِ الخيالي المهمِّ الذي أضفاه مؤلفو هذا النوع من المُنَاظَرات على موضوعات مُنَاظَراتهم.

وقد اتّبعت مارديني في دراستها موضوع المُنَاظَرات الخيالية بين المشرقِ والأندلسِ منهجاً تكاملياً ذاتياً، واعتمدت فيه على أسلوب التحليل انطلاقاً من رؤية ذاتية استندت إلى ثقافة تكوينية نفسية ولغوية، وأدبية نقدية، سَبَرَتء أعماقَ المُنَاظَرات الخيالية ووظيفتَها في حياة العصور التي وُجِدَتء فيها.

وقد ضمّنتُ الدراسة خمسة فصول بعد المقدمة..

تضمن الفصل الأول معنى "فن المُنَاظَرة" من خلال ما ورد في كتب اللغة والتفسير.
ثم اتجهت الباحثة إلى نشأة فنِّ المُناظراتِ الواقعية في المشرق، ووقفت عند إرهاصاتٍ أولى شكّلت أساساً لمناظراتٍ تدعو إلى التفكّر والتأمّل والاستنتاج،.

ثم أنهت الفصل الأول بالحديث عن المناظرات في الأندلس، ووقفت عند بعض الموضوعات التي طرحت للمناظرات.. لتخلص إلى عوامل ازدهار المناظرات الواقعية بصورة عامة بين المشرق والأندلس.

وقد بدأت في الجزء الأول من هذا الفصل بالحديث عن معنى المُنَاظَرة الخيالية التي تقوم في محورها وأساسها على اصطناع مُنَاظَرة من خيال المؤلف بإضفاء التشخيص على المتناظرين، يعبّر فيها عن رؤى فكرية بأهداف مختلفة ومتباينة، يكون أسلوبها الحوار المنطقي لتنتهي بقاض يحكم بين المتناظرين في النهاية.

ورأت بأن نشأة المناظرات الخيالية في المشرق، يعود إلى العصر السومري والبابلي، لا كما حدثنا الدارسون من أنه يعود إلى ابتكار سهل بن هارون والجاحظ، وقد أشارت إلى خمس مناظرات خيالية من تلك العصور السحيقة مما سجلته الألواح والرُقُم، تبارى فيها أزواج، أو الظواهر الطبيعية، أو النبات، لم تبتعد في أسلوبها عن أسلوب المناظرات الخيالية التشخيصي والمرجعية الأسطورية للمناظرات الممسرحة قديماً والتي تنشأ بين قوى الطبيعة أو من يمثلها حسب المعتقدات السائدة آنذاك.. لتقول من خلال ذلك إن بعض الأدباء تأثروا بأساطير ما قبل التاريخ، واعتمدوا على أسلوب التشخيص والمسرحة فيها ليبتكروا مناظراتهم الخيالية فيما بعد، ويحمّلوها أفكارهم ومعتقداتهم الفكرية، ومن ثم الأدبية.. ولم تقف الباحثة عند العصر العباسي إلا على مناظرات خيالية معدودة، أشارت لها المصادر، بسبب ضياع معظمها.. وتداخل بعضها الآخر كفنّ مع المقامات والرسائل مثلما رأيت في اليمن والمغرب مثلاً.

وتتبعت مارديني في الجزء الثاني من الفصل الثاني نشأةَ فنّ المناظرات الخيالية وأعلامها في الأندلس والمغرب، مؤكدة على تأثر الأندلسيين بالمشارقة في هذا الفن وذيَّلت لنشأة المناظرات الخيالية في الأندلس بترجمة لأبرز أعلامها، على غرار ما فعلت بالمشرق. ثم انتقلت الباحثة إلى الفصل الثالث، ودرست فيه أنواع المناظرات الخيالية، التي قسمتها إلى ثمانية أنواع هي:

أولاً: مناظرات بين أنواع الأسلحة وغيرها.

ثانياً: مناظرات بين البلدان والأمكنة والمباني.

ثالثاً: مناظرات بين أنواع النبات.

رابعاً: مناظرات بين الحيوانات.

خامساً: مناظرات بين الأشياء.

سادساً: مناظرات بين مظاهر الكون.

سابعاً: مناظرات بين العلوم.

ثامناً: مناظرات مختلفة.

وقد قامت في ذلك كله بعرض شامل للمناظرات التي بلغت أكثر من مئة وثلاثين وتحليلها والتعليق عليها، الإشارة إلى مصادرها، وإلى ضياع الكثير منها عبر العصور.

ثم كان الفصل الرابع لدراسة موضوعات المناظرات الخيالية

ففي الأغراض الدينية وجدت من الأدباء من اتخذ من الدين ورموزه، كإشارات الأمكنة والمدن المقدسة، ستاراً وموضوعاً لتحقيق مكاسب شخصية.. ومنهم من اتخذ من الوعظ الديني أداة لإقناع الناس، والتأثير على عقولهم.. وقد ردّوا عقدياً على خصومهم ممن أراد هدم نظريات القرآن الكريم، كما فعل السيوطي في مناظرته "بين النَّار والتراب"..

وقد رأينا أن الأغراض السياسية امتازت بالعمق في طرح موضوعاتها، فقد تناولت الصّراع بين الكتّاب (أصحاب الأقلام) والجند (رجال السيف والسلطة والبطانة) من خلال مناظرات السيف والقلم، والتي رأينا كيف تنامى فيها الغرض السياسي القمعي لتصبح هاتان الأداتان رمزاً في يد حاكم عادل، وضرورة لإقامة دعائم أي حكم.

كما اتجهت الباحثة لدراسة الأغراض الاجتماعية، وما قدمته المناظرات الخيالية فيها من وصف للواقع المتردّي، والشكاوى على المتنفّذين في الحكم الذين سلبوا كل شيء، ولم يتركوا للرعية إلا الفتات من القوت والمعيشة القاسية.. ووجدت بأن المناظرات أكدت على البطانات الفاسدة ودورها في نهب أموال الناس وأرزاقهم، ولجأت في رفع الظلم عنها لبعض الحكام الذين وصفوا بالعدل والأخلاق والقرب من الدين.

وبدا لها في الأغراض التعليمية حرصُ أدباء المناظرات على تربية الأبناء والجيل على المنطق والتفكير القائم على الحجج والبراهين، كما برز عند المتقدمين في العصور الأولى.

وفي الأغراض الأدبية، وجدت أن أدباء المناظرات وبخاصة في العصور المتأخرة قد جهدوا لإثبات غزارة علومهم والتباري بالقدرة على وضع المناظرات وصياغتها تقليداً لأدباء بعض العصور المتقدمة، فشاهدنا استعراض الأدباء لقوة بيانهم وبلاغتهم، وتبيّن من عناوين بعض المناظرات لجوء أدبائها إلى الترفيه بما تجلّى من ألفاظ (الترويح، والمسامرة، والتسلية، والبسط واللهو)، إذ صارت المناظرات الخيالية ترفاً وتسلية أخذ فيها اللفظ قوته على حساب المضمون والمعنى.

واستخلصت بأن أدباء العصور المتأخرة، استعادوا بعض عناوين العصور المتقدمة، وصاغوا على منهجها، بأسلوب جديد اعتمد على الشكل أكثر من المضمون.

ثم كان الفصل الخامس لدراسة الخصائص الفنية للمناظرات الخيالية.. وفي هذا الفصل تحدثت مارديني عبر مقارنات بين المشرق والأندلس من حيث الشكل والبناء الفني والخصائص اللفظية والمعنوية والمضمون ومن حيث تنسيق الأفكار العامة والفرعية، والتي اعتمد فيها الأدباء الترتيب المنطقي المعتمد على أسلوب الوعظ والمدح والحكمة، والمتّسم بالوضوح والبساطة وعدم التعقيد والغموض، وقد جاء هذا انعكاساً موضوعياً وشكلياً للبيئات التي ولدت فيها هذه المناظرات التي استطاعت أن تقدّم صورة واضحة لخصائص هذه المناظرات، وأسلوب التجديد والتشخيص فيها.

وتوقفت مارديني عند السرقات الأدبية في المناظرات، سواء ما تعلّق منها بالألفاظ والعبارات والتأثّر بين الأدباء بعضهم ببعض أو ما تعلّق منها بسرقة موضوع المُنَاظَرة كاملاً، ورصدت لذلك بالأمثلة التي تؤكد ما ذهبت إليه.

وتوصلت في ذلك إلى نتيجة، مفادُها أن هذا الفن الأدبي، كان مطواعاً لأقلام كتّاب المُنَاظَرات الخيالية عموماً، لما نراه من إسقاطاتٍ ورموزٍ أشاروا لها، وانتقدوا فيها ظواهرَ خطيرةً في مجتمعاتهم، طالت السلطةَ والمجتمعَ، والحُكءمَ، ورجالَ الدّينِ، والعامةَ والخاصةَ، وقدّمَتء موسوعاتٍ معرفيّةً في الآداب والعلوم والعادات والتقاليدِ مما تميّز به كلُّ عصر من العصور (بين المشرق والأندلس).

ولكنّ الملاحَظ أن المرأة كان لها نصيبٌ كبيرٌ بأن تكون محوراً في هذه المُنَاظَرات.. لكنها لم تكن من كتّابِها أبداً.. ولعل السببَ يعودُ في هذا، لضياع الكثيرِ من المُنَاظَرات الواقعيةِ والخياليةِ عبرَ التاريخِ الأدبي إضافة لعدم اهتمام المصنفين والمؤرخين بتدوين نتاجِ المرأة الإبداعي مقارنةً بإبداع الرجلِ، وثانياً لأن المرأة لم تكن تحضر مجالس الرجال - ولاسيما في العصور المتأخرة - فكانت تلك المجالس مكاناً للهو والتسلية والترويح؛ وذلك للانغلاق الاجتماعي وسيطرة العادات والتقاليد التي كبّلت حريّة المرأة، كما برز هذا في اليمن بوضوح كبير، وانعكس فيما قاله الأدباء في مُنَاظَراتهم الأدبية الخيالية تلك.
الجدير بالذكر أن الدكتورة رغداء مارديني تعمل صحفية القسم الثقافي بصحيفة تشرين السورية. وتحمل إجازة في الأدب العربي،ودبلوم تأهيل تربوي، ودبلوم دراسات عليا،وماجستير بعنوان (شاعرات جاهليات) ولها الكثير من الدراسات في الأدب والمسرح.
المصدر (http://www.alriyadh.com/2008/04/03/article331184.html)