المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجمهوريون باقون في البيت الأبيض لولاية أخرى (مقالة سياسية استشرافية)



محمد محمد البقاش
28/03/2008, 10:12 PM
الجمهوريون باقون في البيت الأبيض لولاية أخرى
(مقالة سياسية استشرافية)
===============
الجمهوريون قادمون إلى البيت الأبيض لولاية ثالثة بشخص جديد.
لقد قعد جُعَلُ واشنطن بالبيت الأبيض فترة ولايتين، وسيرحل عنها ويخلفه جون مكين، ترى لماذا؟
معلوم أن الانتخابات الأمريكية انتخابات مالية مؤسساتية قبل أن تكون اختيارا شعبيا، إنها انتخابات يرسمها أرباب المال والإعلام مسبقا قبل أن يأتي موعد الاقتراع الذي لا يكون إلا تنفيذا لإرادة أرباب المال والمؤسسات.. انظر إلى اختيار الشعب لرئيسه.. فهل يختار رئيسه فعلا؟ انظر إلى الحزبين الذين يتداولان السلطة.. فهل يختاران المنافس على كرسي الرئاسة من داخل الحزب أم من خارجه؟ هل يأتي الشعب ليقرر فقط في يوم الاقتراع ما تقرر سلفا عند الحزبين ولا ثالث لهما رغم وجود المستقلين؟..
سيتنافس على الانتخابات المقبلة الحزب الجمهوري بشخص جون مكين وأحد المتنافسيْن من الحزب الديموقراطي باراك أوفاما، أو هلاري كلينتون، والمراقب لما يجري في التنافس بين باراك وهيلاري يجد أن التنافس بشكله وهيئته وذواته يفقد للحزب الديموقراطي فرصة العودة إلى البيت الأبيض، وهو أقرب إليه من الجمهوريين لولا سوء اختيار الحزب لمن ينافس جون مكين، ـ هذا دون إغفال احتمال وجود صفقة بين الحزبين تجلت في نفس الاختيار، ربما كان هذا، ولكنني أستبعده ـ، فكيف ذلك؟
إن الثقافة الأمريكية السائدة اليوم هي ثقافة الفوقية والغطرسة والانتقاء.. وعليه فإنها سائدة ومؤثرة في مجرى الأحداث. ويبدو أن الحزب الديموقراطي لم يدرك في هذه الانتخابات هذ الجانب الحاضر الغائب، وإذا كان مدركا له ـ ولا أظن ذلك ـ فإنه بهذا الافتراض يؤكد سوء تدبيره بثقافة التغيير التي رفعها دون أن يعي عليها لتغيير الثقافة السائدة؛ خصوصا في قضية حساسة والمتعلقة برئاسة البيت الأبيض، وعليه فإن الحزب مخفق في حملته التي لن تجلب له أحد مرشحيْه إلى البيت الأبيض مع العلم أن الأجواء السياسية داخليا وخارجيا مساعدة بما فيه الكفاية للتنافس الحقيقي بحظوظ أوفر لو أن الحزب أحسن الاختيار، وأحسن التقاط التذمر الشعبي من إخفاقات السادّي بوش وإدارته الدموية ووظفه في حملته..
إن الحزب الديموقراطي وقع في فخ سياسي جلبه على نفسه حين اختار باراك أوفاما أو هلاري كلينتون للتنافس على كرسي الرئاسة في الانتخابات القادمة أواخر هذه السنة في شهر دجنبر القادم، ذلك أن الثقافة الأمريكية لم تبرأ بعد من العنصرية، ولم تقو على تجاوز اللون، فكان أن تأصلت هذه الثقافة في البيض الأمريكيين الذين لم يتورعوا في قتل 112 مليون هندي أمريكي بعمليات إبادة حتى باتت في الوقت الراهن تضرب في عمق تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها عقيدة سياسية نبتت من مفاهيم الأعماق، فكان أن سُدّت في وجه الملونين كل فرص الوصول إلبى البيت الأبيض، فلا يقوى الرجل الأبيض على تحمل رؤية الملونين يقودون الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أيضا من ثقافة الكنيسة إن جاز لنا فصل ثقافة الكنيسة عن ثقافة أكثرية الشعب، وعليه فإن باراك أوفاما لا مكان له في البيت الأبيض ولو أدى ذلك إلى تزوير الانتخابات في بعض الدوائر والولايات ـ ولنا دون اتخاذه مقياسا، لأن السياسة لا تؤمن بالقياس سواء كان قياسا شموليا أو قياسا محدودا أو قياسا حقيقيا " فالتعميم والتجريد والقياس من أخطر الأخطار على التفكير السياسي " كتاب: التفكير بالنصوص، صفحة: 84 الطبعة الأولى يونيو 1999 السحب: مصلحة الطباعة، طنجة ـ أقول: لنا في تزوير بوش الإبن الانتخابات في ولايته تكساس سابقة عرّت الدجل الأمريكي في تسويق فكرة العصر الخبيثة؛ الديموقراطية..
ويبقى أن تفوز هلاري كلينتون في منافستها لباراك حتى تنافس جون مكين في الانتخابات المقبلة، ولكن المراقب السياسي يدرك أن هلاري كلينتون هي بدورها لا مكان لها في رئاسة البيت الأبيض، ذلك أن الثقافة الذكورية التي يطلقها الحداثيون التقليديون ويتهمون بها العرب تشكل رافدا لاختيارات الشعب الأمريكي المجازية، لأن الاختيارات اختيارات أرباب المال والإعلام.. وسلوك الشعب الانتخابي في يوم الاقتراع سلوك تنفيذي لإرادة أولئك الأرباب.. وتشكل قبل هذا وذاك فاصلا بين أن تكون الرئاسة ذكورية أو إناثية. فالنافذون، وثقافة الذكورة في الولايات المتحدة الأمريكية لا تقبل بوجود امرأة في البيت الأبيض رئيسة لإدارته، وعليه فقد أخفق الحزب الديموقراطي في وقت كان فيه ناجحا لو أنه أزاح عن المنافسة كُلاّ من باراك وهلاري، ذلك أن الثقافة الأمريكية السائدة لا تقبل كلا المترشحيْن، كما لا تقبل أي مستقل سواء كان من أصول يهودية أو مسيحية أو عربية أو إسلامية، لأن الحزبين أحدهما أصل والآخر فرع، والفرع مجرد احتياطي يتم اللجوء إليه للرجوع عن مخططات فاسدة أو سياسات فاشلة سارت فيها الدولة وأريد التخلي عنها، ولا أظن أن االحزب الديموقراطي سيتدارك الأمر فيأتي بمرشح غير ملون، وغير أنثى حتى ينافس الجمهوريين منافسة حقيقية خصوصا وأنهم ( أي الجمهوريون ) من فشل إلى فشل في العراق رغم مقتل 3 ملايين عراقي منذ سنة 1991 فضلا عن 5 ملايين جريح ومعوّق منذ احتلال العراق سنة 2003، وتشريد 6 ملايين إنسان عراقي داخليا وخارجيا، وترميل 8 ملايين امرأة، هذا دون الحديث عن دفن 22 ألف من الفلوجيين في مقابر جماعية، وقتل العلماء والمفكرين والأدباء والسياسيين... هذا هو ديدن الطغاة والقتلة في كل مكان، وعليه فالفشل تلو الفشل كما قلت هو مصيرها في أفغانستان ولبنان وفلسطين وداخل الولايات المتحدة الأمريكية أيضا..
وللعلم فإن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مسيحية لا دينية، وكونها كذلك لا يعني استقرارها على عقائد تقنع عقول الناس وتوافق فطرتهم وتملأ قلوبهم بالطمأنية، كلا، فـ % 50 من الشعب الأمريكي مثلا قد غير معتقداته في عام واحد، وهي دولة وإن شكل المسيحيون الإنجيليون فيها حسب معهد بيو الأمريكي Pio %18، وغير الإنجليليين % 33 من مجموع البروتستانت وهو % 51 غير أنها لن تسمح لهم بولوج البيت الأبيض بشخص ذائب بينهم من أصل غير مسيحي، ففيهم وبينهم % 24 من الروم الكاثوليك، وفيهم وبينهم ممن لا يعتقدون في شيئ % 16... هذا الكوكتيل الهش، وهذه اللحمة المتحللة يسهل رفع نتنها عن العالم لو أحسن هذا الأخير إزاحة الولايات المتحدة الأمريكية عن قيادة العالم، لو أحسن التلمذة على يدها فتبنى ديموقراطيتها التي تسعى إلى تجزيء المجزء، وتقسيم المقسم خارج بلادها، وذلك كأن يسعى العالم إلى جعل ولاياتها دويلات وطنية بركوب منطقها، وهي مهيأة لذلك خصوصا ولاية نيويورك، وتلك ديموقراطية أمريكية جميلة، أو على الأقل يرجع بها إلى مبدأ مونرو شرط أن تقبل به دول أمريكا، ولا أعتقد أنها ستقبل رغم وقوعها في مجالها الحيوي.
اسأل عن أفقر دولة في العالم اليوم فستجدها؛ الولايات المتحدة الأمريكية، هذا إذا دققت النظر في إنتاجها للموارد والخدمات، واستهلاكها للطاقة، إذا حدّقت في صادراتها ووارداتها، في حاجاتها وثرواتها.. أما إذا اعتمدت الإعلام الأمريكي فسيضلك لأنه دجال يتقن فن الكذب بصفاقة العاهرات، ولم لا وهو المروج لثقافة الهوليوود، ولا يعني هذا ترك الاطلاع على الإعلام الأمريكي، كلا، فذلك لو حصل يغيب كثيرا من الحقائق المبثوثة فيه رغم اعتماده التضليل السياسي الذي لن يقع في فخه الواعي سياسيا، فقد يبحث المرء عن حبة قمح في كومة تبن وربما لا يجدها، ومع ذلك يجب أن يبحث ما دام مرجحا لديه وجودها، انظر مثلا إلى عجز الولايات المتحدة الأمريكية، انظر إلى ديونها، انظر إلى يدها الغاصبة لأموال الشعوب وثرواتها، والملطخة بدماء الملايين، انظر جيدا فستجد أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة لصوص، ومؤسسة عصابات تمارس السرقة باسم الديموقراطية ومحاربة الإرهاب، تسوِّق أفكارا وما أكثرها للاحتيال على الناس واغتصاب أموالهم، تفعل ذلك مع الشعوب أيضا باحتلالها المباشر لها وغير المباشر، بوضع يدها على ثرواتها، فمنذ حين قريب كان عجزها 400 مليار دولار وهو الآن أكثر، وكان عجز خزانتها 700 مليار دولار وهو الآن أكثر، بينما الديون المستحقة عليها فقد تجاوزت 11,5 تريليون دولار علما بأن الناتج القومي الأمريكي في حدود 10 تريليون دولار، وهذا الرقم لوحده كاف للدلالة على إفلاس الدولة الأمريكية.
" لقد توقع كثير من المفكرين والمنظرين انهيارا قريبا للاقتصاد الغربي وخصوصا الاقتصاد الأمريكي، ونحن نشاركهم الرأي، ولكننا نخالفهم في التنبؤ به قريبا، إننا نتوقع ذلك في ظرف نصف قرن. ومن المفكرين الذين تنبأوا بانهيار الاقتصاد الأمريكي دون أن يتحقق ذلك في السنة التي قدروها المؤلف" هاري فيجي " و " جرالد سوانسون " في كتابهما: الإفلاس... الانهيار الاقتصادي لأمريكا " الأول مؤسس شركة فيجي الدولية، والثاني أستاذ الاقتصاد بجامعة أريزونا ورئيس أكاديمية التعليم الاقتصادي بالولايات المتحدة الأمريكية، والكتاب المذكور كتاب سبع سنوات من الجهد المبذول من المؤلفيْن يتوقعان فيه انهيارا حادا في الاقتصاد الأمريكي خلال سنة 1995م... " كتاب: وجه العالم في القرن الحادي والعشرين ـ دراسة مستقبلية للمؤسسات الدولية المالية والاقتصادية والسياسية ـ الطبعة الأولى: شتنبر 1999 السحب: مصلحة الطباعة طنجة ".
كل ذلك كاف لإدراك أن أمريكا تعيش عالة على غيرها، وهذه العيشة مقننة بشريعة الغاب، ومسيجة بسياج القهر، ومدعمة بالقوة والإرهاب، فقد جاءت بتمثيلية إسقاط البرجين، وعلّقت كذبا على الإسلاميين تبعاتها لأنها تستهدف إسلامهم، وضغطت على العالم كي يتبنى أطروحتها، وباشرت وضع يدها على العراق بصفته المنقذ لاقتصادها بعدما وقر في قلب الإدارة الأمريكية في عهد الغبي بوش أن سنة 2015 ستكون سنة أزمة طاقة عالمية كبيرة، وستتضاعف الحاجة إلى الطاقة، والنفط الموجود غير كاف بحسب تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية سنة 2001 ، وفجر الثلاثاء 24 مارس 2008 دفع بوش بالمالكي للقضاء على التيار الصدري أو إضعافه ليحل محله في السيطرة على النفط، فالبصرة رقم واحد في الأهمية، وشريان الحياة للعراق، وترك النفط يتحكم فيها خارجا عن إرادة بوش مرفوض، ولذلك لا بأس من استرداده بدماء أجراء بدءا من المالكي وانتهاء بالجندي ورجل الأمن ولو حصلت مجازر ومذابح وسط النساء والأطفال وهي قائمة وطازجة، قائمة ولم تزل ولن تكفيها أسابيع وشهور للتسوية، وما يشاع عن ربط الحملة العسكرية بترتيبات متعلقة بالانتخابات المقبلة فإنه قول ضعيف، لأن خبراء التزوير ينبتون في البلاد العربية، فلا حاجة لاعتماد ترتيبات بشأن ذلك ما دام المالكي مرضي عنه من طرف مانحة صكوك الرضا...
لو أحسن العالم أسلوب رفع الظلم عنه بركوب أساليب من مثل ما ذكر أو غيره وذلك كأن يزيد في توسيع الهوة الخلافية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين روسيا والصين وفنزويلا وغيرها فسينجح وبسهولة في رفع يدها عن مقدرات الشعوب والأمم، وبالتالي تحريرها..
انظر إلى بوش، فهو إنجيلي غبي، ولكنه مسيحي حقيقي، وعليه فلا مكان في الولايات المتحدة الأمريكية في ظل الثقافة السائدة لعربي ولا يهودي ولا أنثى ولا مسيحي كاثوليكي في رئاسة الدولة.. قد يقترب من الرئاسة غير المسيحي البروتستانتي، وقد كان، ولم يزل في عدة وزارات، ولكنه لن يصل إلى رئاسة البيت الأبيض، وهذا خط أحمر لا يمكن تجاوزه الآن تحت ضغط الثقافة السياسية السائدة.
إن الجمهوريين قادمون من جديد إلى البيت الأبيض، وإن استمرار سياسة المحافظين بقيادة جديدة هو المرجح، وإن الفشل تلو الفشل للإدارة الجديدة قادم هو الآخر..
ستنخرط الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ذي قبل في أعمال دموية حفاظا على حياتها، ولكنها ستسير من إخفاق إلى إخفاق خصوصا مشروعها في تغيير وجه العالم العربي وإنهاء التوتر فيه ولو بافتعال حروب جديدة تغطي على فشلها الذريع في العراق خاصة، وتلحق الضرر الفظيع بكل من يعتمد على الطاقة التي تعبر مضيق هرمز، لأنها ستفتعل إغلاق الممر البحري لتضغط به وفق رؤى سياسية مرغوبة، وتؤدي إلى إطلاق يد إيران أكثر مما هي عليه الآن في العراق حتى تصل إلى البحرين والكويت والإمارات وسلطنة عمان وغيرها.. كل ذلك إن حصل، لن يغير الوجه الحقيقي للعالم العربي الذي هو الإرادة الشعبية المتطلعة للتحرر، ولن يقبر ثقافة المقاومة، ولن يروض عقلية الرفض، ولن يمحو إرادة التصدي..
صحيح سيضمن الحزب الجمهوري صمت الحكام العرب مخافة زوال سلطانهم وهو الوجه العتيق والمشوه للعالم العربي للأسف، ولكنه لن يضمن صمت الشعوب والمثقفين المخلصين لها..

==========

محمد محمد البقاش
طنجة في:
28 مارس 2008