تيمــاء
27/08/2005, 05:07 PM
بعد مشادة كلامية جمعت عددا لا بأس به من الناس حول بيت جابر، إنصرف هذا الأخير حاملا ابنه معه. فهرعت "رحمة" زوجته الى الشباك لتكمل ماعندها، ثم الى الباب، وعندما اكتشفت ان كلماتها لم تصل مسامعه، هرولت الى سطح المنزل، فبعثت مثالب الأصل و الجدود، و مرت بالموتى واحدا واحد، ثم الأحياء دون اي إستثناء للتوقف عنده. فأمطرته بوابل من الكلمات النابية التي تعرفها و التي لا تعرفها بصوت يشق الصخر...عل و عسى ينقشع بعض الغيض و الغضب عن نفسها!
و كنت أنا و لسؤ حظي السيء أساسا، أشهد الحدث.. يتجاذبني الذهول و الخوف. كنت مذهولا من السيدة الضئيلة التي قذفت بقنابل كلامية عظيمة لم أسمع لها مثيل. و خائف من ردة فعل جابر المحتمله. لكن جابر لم يكن قد سمع شيئا على الإطلاق! هكذا قالت تقاسيم وجهه البارد وهو منشغل بكيس رمادي شفاف علقه فوق خنجره المربوط حول خصره.
قال جابر ببرود العظماء و بنبرة آمرة: إركب ياخي..
فركبت و انطلقنا نحن الثلاثة ـ هو و أنا و ابنه ـ الى المدينة فوق سيارة أقل مايقال عنها أنها كانت لعنة ذاك اليوم علينا، إلا أن هذه الحقيقة التي لا مجال للشك فيها، لم تمنع جابر من ممارسة عادته الأزلية المقيته: "هذه السيارة تسوى عشر سيارات من سيارات هذي الأيام ـ ثم أردف في إصرار ـ أي والله!"
لم أجادله طبعا، لأن الجدال معه إهانة صريحة و مباشرة لعقليتي. لذلك إكتفيت بهز رأسي و التحديق فيه وقد إنشغل بتمجيد غصن قات يسر الناظرين، مؤمنا بأنه أغنى رجال العالم الحديث و القديم، رغم فقرة الشديد! فقط لان بحوزته رزمة قات نسيت ما أسماه.
(حتى القات له أسماء، فهو لا يقل قيمة عن الثروة البشرية!)
***
السيارة تبتلع الطريق ببطء مضني، جابر ماضي في تمجيد أغصانه و مضغهن بعناية منقطعة النظير محاولا الإستمتاع بكل تفاصيله، ابنه في الخلف يناضل الحمى التي هجمت عليه قبل أن يتشاجر والداه، و أنا في الأمام أطل برأسي من خلال النافذة طمعا في نسمة ريح باردة آمنت أنها لن تاتي بعد أن شهدت تربع الشمس على عرش السماء في إستبدادية مطلقة تذكرك بأنظمة الحكم العربية.
بدى كل شيء شبه هالك و كأنه في انتظار الموت، و الأناس و كأنهم ماضين الى حتفهم، و لو قيل لك بأنهم ناجين حرب ما لصدقته قبل أن يكمل. فكل الأمور حولك تثبت ذلك...
رغم ذلك، رغم ذلك كله..ترى الناس يبتسمون! نعم يبتسمون. إبتسامات منزوعة من أعماق أعماق الوجع. فمنذ أن ولدوا وهم الآت بشرية مسخرة لطاعة الزعيم و حراثة الوديان البعيدة التي لا تكافئهم سوى بإستنزاف شبابهم ......يشيخون قبل أوانهم!
لا شيء هنا قد يقنع بأن الحياة ممتعة، أو على الأقل غير قاسية. و تذهل! تذهل عندما تكتشف أن كثير من هؤلاء الناس يؤمنون بأن حالهم وضع طبيعي يتماشى تماما مع المنطق، و أنهم و _الشكر للرئيس _ في نعمة! و الويل كل الويل لك إن جاهرت بشفقتك عليهم.
حتى هذا المخلوق المنسي ـ جابر ـ الغارق في فقرة و فاقته يؤمن بما يؤمنون، ولا يطمع في شيء من هذه الدنيا، و قصص المغتربين و الثروات التي يحصدونها لا تهز شعرة واحدة من رأسه أو حتى لحيته التي أكلت نصف وجهه. فالأرض عنده و إن كانت قاعا صفصفا، و السيارة اللعنة بكل عيوبها، تشكلان الثروة الأعظم.
"تصدق ان الرئيس يخزن من هذا القات؟"
يقولها منتشيا، بل في قمة نشوة و سعادة تتمايل و تتراقص على أوتار "أيوب" المنبعثة من الراديو الذي يعمل جراء معجزة ما!
و كنت أكره أيوب طارش، و فيصل علوي و فؤادي الكبسي وكل المطربين الشعبيين، ألا ان ألحانه ذلك اليوم كانت مختلفة. كان لها وقع على النفس لا يمكن إنكاره. رحلت بي الى أيام الماضي، الى فتاة أعطيتها كثير من حبي في وقت كنت فيه أحوج الناس الى الحب. فتاة كانت عبارة عن ملخص جميل لوطني و أهله. كنت أحبها دون سبب واضح، و كانت تعرف أنني أحبها، و كنت أنا أعرف أنها تعرف، لكنني لم أقل لها ذلك أبدا، لم أصارحها بحبي ...و كأنني كنت أخاف أن أبدو ضعيفا لينا أمامها، أو أن تتلاشى تلك الهيبة الرجولية المصطنعة فأخسر عينيها المنكسرتين أمام حضوري الذي أقسمت أنه يثير في نفسها مشاعر متناقضة لا تفهمها. و كدت أن أفضحها أمام نفسها و أقول أنه الحب، لكني قلت بغباء لم يعرفني سوى ذاك اليوم: هذا لأني ابن شيخ!
و اختفت بعدها، ولم تعد تراني "صدفة" خلف العيون، و علمت لاحقا من مصدر غير موثوق به، أنها تزوجت شيخ قبيلة كهل من قرية أقل جفافا من قريتنا.
"أبـه....أنا ظمئان!"
أتى صوته من الخلف متوسلا، سرعان ما نهرهه جابر بقوته و قسوته المعهودة: يابني أسكت! حتى الماء تشتي تشربه عليا؟
استفزني الموقف، فسمحت لنفسي بالتورط: يا جابر حرام عليك! درجة الحرارة عالية و ابنك فيه حمى، عطشان....اسقيه!
صمت جابر لبرهة و كأنه يفاوض نفسه، وهم بإشعال سكارة لكنه تذكر انه لا يدخن. ففي هذه الحالات ـ أي حالات التفكير و الحيرة ـ يشعل الناس سكارة كما تنص المسلسلات المصرية المستهلكة، ولابد له ان يتأنى قليلا قبل أن يقوم بعمل قد يندم عليه في كل جلسة قات. فالماء مهم، خاصة و أنه يقوم بعملية مضغ القات المعظم! فعرفت ما مر بذهنه وقلت بخبث حميد: ياخي زيادة الماء تضيع التكييفه!
ورغم علمة بجهلي الشهير في أمور القات، الا انه أخذ نصيحتي و أعطى ابنه قليلا من الماء و كأنه ينتزع شيئا من نفسه. وكان ذلك الموقف كفيلا بتوضيح الأسباب التي دفعت زوجته الى الثورة على ذاك النحو الرهيب.
و استمرينا في طريقنا الى المدينة، وجابر لا زال منتشيا يمجد القات ساعة و ساعة يهذر دونما مرمى، و أنا الى جواره هائم بين الماضي و الحاضر، و ابنه في الخلف يعارك الحمى، و أيوب طارش يدندن...
وماهي الا لحظات قصيرة حتى إنقطع صوت أيوب، و توقف جابر عن التمجيد و الهذر، و همد الجسد في الخلف وحاصرني الحاضر و رحل الماضي. ولم يعد ينبض سوى أنين السيارة البائسة. فتوقف جابر عن القيادة و خرج ليصلح عجلة السيارة بهدوء ، دون انفعال يذكر. ولولا انه في أحسن حالاته جراء تأثير القات.. لكانت ردة فعله مختلفة تماما، ولأسمعنا أقذع الألفاظ و رمانا في وسط الطريق كورق البسكويت و رحل!
" أبه أنا عطشان!"
كانت هذه الكلمة كفيلة باثارة زوابع الغضب داخل جابر، فقال بحركة مسرحية مذهلة: يابني أسكت..والله لو جمعت فلوس علاجك كان زماني باني قصر!!
فسكت الإبن و لم يطلب بعدها، و انشغل جابر ثانية بالعجلة، و ندمت أنا على مرافقتي لهم.
و بعد أن إستمتعت الشمس بسلخ ماظهر ومابطن من جلودنا لمدة ثلاث ساعات، قال جابر معلنا إنتصار الساحق: هيا إركب يا دكتور.
لم أكن دكتورا، ولم أكن حتى على وشك "الدكترة" ..بل أن لا علاقة لي بالطب أصلا. لكن ذلك لقب يطلقونه على من أعطاه الله علما أكثر منهم.
وقيل أن نركب. وقبل أن نفعل، توجه الى ابنه حاملا الماء بطيب خاطر ليكافئه على صموده الطويل. لكن الابن المسكين كان قد فارقنا تماما، انتقل الى العالم الآخر ولم يتبقى منه سوى جسد لا يسعه الا القبر.
"سعيد مات! سعيد مات يا أمين! يا أمين ابني مات!!"
كان مذهولا، مشتتا، يهز جسد ابنه بعنف و كأنه يوقضه من نوم ثقيل. كان مصدوما رغم أنه عاش طوال عمره ينتظر موت ابنه المريض منذ ان ولد.
بكى جابر بصوت حاد رفيع دون دموع، و أخذ يضرب بكفيه على رأسه كما يفعلن الأرامل. كان مصدوما، نادما، محتقرا لنفسه.
أما أنا فقد كانت صدمتي أكبر و هلعي أعظم، فلم أعد أنطق أو أتحرك و كأن لعنة ما قد أصابتني، فجمعت قواي و صرت أبحث في نفسي عن قوة أواجه بها ذاك الإحساس الشنيع بوطأة الموت.
و كنت أنا و لسؤ حظي السيء أساسا، أشهد الحدث.. يتجاذبني الذهول و الخوف. كنت مذهولا من السيدة الضئيلة التي قذفت بقنابل كلامية عظيمة لم أسمع لها مثيل. و خائف من ردة فعل جابر المحتمله. لكن جابر لم يكن قد سمع شيئا على الإطلاق! هكذا قالت تقاسيم وجهه البارد وهو منشغل بكيس رمادي شفاف علقه فوق خنجره المربوط حول خصره.
قال جابر ببرود العظماء و بنبرة آمرة: إركب ياخي..
فركبت و انطلقنا نحن الثلاثة ـ هو و أنا و ابنه ـ الى المدينة فوق سيارة أقل مايقال عنها أنها كانت لعنة ذاك اليوم علينا، إلا أن هذه الحقيقة التي لا مجال للشك فيها، لم تمنع جابر من ممارسة عادته الأزلية المقيته: "هذه السيارة تسوى عشر سيارات من سيارات هذي الأيام ـ ثم أردف في إصرار ـ أي والله!"
لم أجادله طبعا، لأن الجدال معه إهانة صريحة و مباشرة لعقليتي. لذلك إكتفيت بهز رأسي و التحديق فيه وقد إنشغل بتمجيد غصن قات يسر الناظرين، مؤمنا بأنه أغنى رجال العالم الحديث و القديم، رغم فقرة الشديد! فقط لان بحوزته رزمة قات نسيت ما أسماه.
(حتى القات له أسماء، فهو لا يقل قيمة عن الثروة البشرية!)
***
السيارة تبتلع الطريق ببطء مضني، جابر ماضي في تمجيد أغصانه و مضغهن بعناية منقطعة النظير محاولا الإستمتاع بكل تفاصيله، ابنه في الخلف يناضل الحمى التي هجمت عليه قبل أن يتشاجر والداه، و أنا في الأمام أطل برأسي من خلال النافذة طمعا في نسمة ريح باردة آمنت أنها لن تاتي بعد أن شهدت تربع الشمس على عرش السماء في إستبدادية مطلقة تذكرك بأنظمة الحكم العربية.
بدى كل شيء شبه هالك و كأنه في انتظار الموت، و الأناس و كأنهم ماضين الى حتفهم، و لو قيل لك بأنهم ناجين حرب ما لصدقته قبل أن يكمل. فكل الأمور حولك تثبت ذلك...
رغم ذلك، رغم ذلك كله..ترى الناس يبتسمون! نعم يبتسمون. إبتسامات منزوعة من أعماق أعماق الوجع. فمنذ أن ولدوا وهم الآت بشرية مسخرة لطاعة الزعيم و حراثة الوديان البعيدة التي لا تكافئهم سوى بإستنزاف شبابهم ......يشيخون قبل أوانهم!
لا شيء هنا قد يقنع بأن الحياة ممتعة، أو على الأقل غير قاسية. و تذهل! تذهل عندما تكتشف أن كثير من هؤلاء الناس يؤمنون بأن حالهم وضع طبيعي يتماشى تماما مع المنطق، و أنهم و _الشكر للرئيس _ في نعمة! و الويل كل الويل لك إن جاهرت بشفقتك عليهم.
حتى هذا المخلوق المنسي ـ جابر ـ الغارق في فقرة و فاقته يؤمن بما يؤمنون، ولا يطمع في شيء من هذه الدنيا، و قصص المغتربين و الثروات التي يحصدونها لا تهز شعرة واحدة من رأسه أو حتى لحيته التي أكلت نصف وجهه. فالأرض عنده و إن كانت قاعا صفصفا، و السيارة اللعنة بكل عيوبها، تشكلان الثروة الأعظم.
"تصدق ان الرئيس يخزن من هذا القات؟"
يقولها منتشيا، بل في قمة نشوة و سعادة تتمايل و تتراقص على أوتار "أيوب" المنبعثة من الراديو الذي يعمل جراء معجزة ما!
و كنت أكره أيوب طارش، و فيصل علوي و فؤادي الكبسي وكل المطربين الشعبيين، ألا ان ألحانه ذلك اليوم كانت مختلفة. كان لها وقع على النفس لا يمكن إنكاره. رحلت بي الى أيام الماضي، الى فتاة أعطيتها كثير من حبي في وقت كنت فيه أحوج الناس الى الحب. فتاة كانت عبارة عن ملخص جميل لوطني و أهله. كنت أحبها دون سبب واضح، و كانت تعرف أنني أحبها، و كنت أنا أعرف أنها تعرف، لكنني لم أقل لها ذلك أبدا، لم أصارحها بحبي ...و كأنني كنت أخاف أن أبدو ضعيفا لينا أمامها، أو أن تتلاشى تلك الهيبة الرجولية المصطنعة فأخسر عينيها المنكسرتين أمام حضوري الذي أقسمت أنه يثير في نفسها مشاعر متناقضة لا تفهمها. و كدت أن أفضحها أمام نفسها و أقول أنه الحب، لكني قلت بغباء لم يعرفني سوى ذاك اليوم: هذا لأني ابن شيخ!
و اختفت بعدها، ولم تعد تراني "صدفة" خلف العيون، و علمت لاحقا من مصدر غير موثوق به، أنها تزوجت شيخ قبيلة كهل من قرية أقل جفافا من قريتنا.
"أبـه....أنا ظمئان!"
أتى صوته من الخلف متوسلا، سرعان ما نهرهه جابر بقوته و قسوته المعهودة: يابني أسكت! حتى الماء تشتي تشربه عليا؟
استفزني الموقف، فسمحت لنفسي بالتورط: يا جابر حرام عليك! درجة الحرارة عالية و ابنك فيه حمى، عطشان....اسقيه!
صمت جابر لبرهة و كأنه يفاوض نفسه، وهم بإشعال سكارة لكنه تذكر انه لا يدخن. ففي هذه الحالات ـ أي حالات التفكير و الحيرة ـ يشعل الناس سكارة كما تنص المسلسلات المصرية المستهلكة، ولابد له ان يتأنى قليلا قبل أن يقوم بعمل قد يندم عليه في كل جلسة قات. فالماء مهم، خاصة و أنه يقوم بعملية مضغ القات المعظم! فعرفت ما مر بذهنه وقلت بخبث حميد: ياخي زيادة الماء تضيع التكييفه!
ورغم علمة بجهلي الشهير في أمور القات، الا انه أخذ نصيحتي و أعطى ابنه قليلا من الماء و كأنه ينتزع شيئا من نفسه. وكان ذلك الموقف كفيلا بتوضيح الأسباب التي دفعت زوجته الى الثورة على ذاك النحو الرهيب.
و استمرينا في طريقنا الى المدينة، وجابر لا زال منتشيا يمجد القات ساعة و ساعة يهذر دونما مرمى، و أنا الى جواره هائم بين الماضي و الحاضر، و ابنه في الخلف يعارك الحمى، و أيوب طارش يدندن...
وماهي الا لحظات قصيرة حتى إنقطع صوت أيوب، و توقف جابر عن التمجيد و الهذر، و همد الجسد في الخلف وحاصرني الحاضر و رحل الماضي. ولم يعد ينبض سوى أنين السيارة البائسة. فتوقف جابر عن القيادة و خرج ليصلح عجلة السيارة بهدوء ، دون انفعال يذكر. ولولا انه في أحسن حالاته جراء تأثير القات.. لكانت ردة فعله مختلفة تماما، ولأسمعنا أقذع الألفاظ و رمانا في وسط الطريق كورق البسكويت و رحل!
" أبه أنا عطشان!"
كانت هذه الكلمة كفيلة باثارة زوابع الغضب داخل جابر، فقال بحركة مسرحية مذهلة: يابني أسكت..والله لو جمعت فلوس علاجك كان زماني باني قصر!!
فسكت الإبن و لم يطلب بعدها، و انشغل جابر ثانية بالعجلة، و ندمت أنا على مرافقتي لهم.
و بعد أن إستمتعت الشمس بسلخ ماظهر ومابطن من جلودنا لمدة ثلاث ساعات، قال جابر معلنا إنتصار الساحق: هيا إركب يا دكتور.
لم أكن دكتورا، ولم أكن حتى على وشك "الدكترة" ..بل أن لا علاقة لي بالطب أصلا. لكن ذلك لقب يطلقونه على من أعطاه الله علما أكثر منهم.
وقيل أن نركب. وقبل أن نفعل، توجه الى ابنه حاملا الماء بطيب خاطر ليكافئه على صموده الطويل. لكن الابن المسكين كان قد فارقنا تماما، انتقل الى العالم الآخر ولم يتبقى منه سوى جسد لا يسعه الا القبر.
"سعيد مات! سعيد مات يا أمين! يا أمين ابني مات!!"
كان مذهولا، مشتتا، يهز جسد ابنه بعنف و كأنه يوقضه من نوم ثقيل. كان مصدوما رغم أنه عاش طوال عمره ينتظر موت ابنه المريض منذ ان ولد.
بكى جابر بصوت حاد رفيع دون دموع، و أخذ يضرب بكفيه على رأسه كما يفعلن الأرامل. كان مصدوما، نادما، محتقرا لنفسه.
أما أنا فقد كانت صدمتي أكبر و هلعي أعظم، فلم أعد أنطق أو أتحرك و كأن لعنة ما قد أصابتني، فجمعت قواي و صرت أبحث في نفسي عن قوة أواجه بها ذاك الإحساس الشنيع بوطأة الموت.