المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل إلى الوطن...



الحسن سعد الله
26/03/2008, 01:41 PM
تحياتي أيها العنيد...
من زمن بعيد ضاجعتني عن حبك،وراودتني عن نفسك،ولم أسلم من دلالك وغنجيتك،فصرت هائما على وجهي،وأحمل عشقا دفينا بين أضلعي،من زمن بعيد أيها العجوز الماكر،ولجت إلى مملكة أحاسيسي،وأسكر فراستي،ودعوتني إلى علاقة غير متكافئة،فيها أنت الحبيب المتمنع،وأنا العاشق الولهان،الضائع بين أزقة العشاق،تائها بين عنترية ورثتها من الأزمنة الغابرة،وبين ضعف أحاسيسي،وخيانة دموعي الممتزجة بأتربة الشوق والحنين،والرغبة في معانقتك أيها العنيد.
...لا أذكر كم مرة قابلتك،و لا كم قبلتك،و كم مرة جمعتنا المساءات الطويلة،ولا كم فناجين القهوة التي ارتشفنها معا،القهوة المزوجة بالإبزار وكل البهارات،ارتشفنها سويا من على الثلة المطلة على نهر الأماني،في وحدتي أيها الوطن أتساءل هل أنا الذي استوطنتك؟أم أنت الذي تستوطنني؟هل أنا الذي أمارس وطنيتي؟أم أنت الذي تمارسني؟.
...أتعلم يا وطني حين تضيق بي الأهواء،وتشتد كربتي،وأغدو كائنا غريبا متجردا من إنسانيته،ناسيا كل الكتب التي طالعتها في زمن النسيان،وكل القصائد التي الشعرية التي قلتها في أزمنة الخطأ،ومتناسيا كل المدن المثالية التي زرتها عبر صفحات الكتب،فاسخا كل علاقة بيني وبين المبادئ والقيم،أتناسى إنسانيتي،وأتحامل لأكون مجردا من الأحاسيس،التي اعتقدها برهة أنه ضعف و وهن،تكرس التبعية،واللاوعي،وتصنع كائنات بلا فكر،بلا ذات،وبلا إرادة،كتبع ديانة جديدة ظهرت هناك،في وطن آخر بعيد،في الجهة الأخرى من العالم المتهاوي،يقال إن لها رسل،وكذلك زعيم ولها رعية،يقال كذلك أنها تعد أتباعها بالجنة هنا،بدون السفر عبر الموت إلى ما وراء الميتافيزيقا،يقال كذلك أن هناك ملة جديدة تبيع صكوك النعيم،بنسبة فائدة اقل من بنوكك أيها الوطن...
أيها الوطن...
حين ألاقيك بعد كربتي،وأبكي في حضنك،فكم مرة وددت أن أنحب نحيب النساء،لكن يمنعني كبريائي،رغم أنني أكون قاب قوسين أو أدنى من أفقد رباطة جأشي،ومفهوم الرجولة الأعرج الذي يخنقني،حين أعانقك أيها الوطن،أود أن أكون قد ولدت قبل تلك اللحظة،وما انتظرت حتى هذا الزمن الكسيح...أقبلك وأنسى أنك ظلمتني.
...في طفولتي أتذكر أنهم قالوا لنا أن الوطن أب،وأنه أم،أن الوطن حبيب،وأن الوطن وطن،والتربة تربة،والسماء سماء،والموت قطيعة مع الماضي،والتاريخ استمرار للمستقبل...أيها الوطن،حين أغدو طفلا يجاور الثمانين من العمر،حين أجر رجلاي جرا،وأحبو حبوا نحو أشعة الشمس،حين تغادرني الألوان و الأذواق،حين لا أرى إلا الأسود،ولا أشتم إلا نتانة الموت...حينها سأعلن من على حدودك أيها الوطن بياناتي الأخيرة:
-بيان للتاريخ
أيها الوطن...
عن لمتك حين غضبة فإنك الحبيب الأول...واعلم كذلك أنك مهما قسوت علي،فإنك ستعود وتعانقني ،ونذوب في قبلات طويلة وحارة،تحيي كل المحاربين القدامى،الذين قضوا في ساحات الوغى،الدين ماتوا دون أن يودعوك،ودفنوا قبل أن يعانقوك...
أيها الوطن...
ها أندا أقف هنا...ألوك آخر كلماتي...آخر بياناتي التي تعلمتها في زمن الطفولة الأولى...منذ أولى علاقة لي بالنساء خرجت منها خاسرا...ولا أحمل أية ضغينة للنساء...فأنا رجل يحترف مغازلة النساء في المتصف الأخير من الليل.
أيها الوطن...
إن دنا مني الموت،فهذه مناشيري خطبي،وهذه مناديلي،وهذه كلماتي التي اعتقدت يوما أنها ثورية،وهذه صرة أتربتك التي بقيت معي منذ أول لقاء جمعنا،منذ أول قهوة ارتشفنها سويا،وهذا تاريخي منذ انتعلت إنسانيتي،وافترشت زمنا قيل لي إنه جديد.
أيها الوطن...
هذه يافطتي مكتوب عليها عنواني الأخير:-رجل في اليوم الأخير من الطفولة

محمد الكبيسي
26/03/2008, 02:13 PM
عزيزي الحسن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تلاعبت بفؤادي وانا اتنقل بين سطورك البهيه لقد استهوت نفسي هذه البدائع التي سطرتها 0 هي روحك استخرجتها من عصير دماغك وجوهرك الذي ابرزته انفعالات نفسك 0 تحيتي لك على هذا الابداع

الحسن سعد الله
27/03/2008, 06:18 PM
تحياتي
شكرا على مرورك أيها الصديق،حين تدفعني غيرتنا إلى البوح فهذا لايعني أنا قاسون على هذا الوطن،إننا وبكل بساطة نعشقه،ونذوب حبا فيه،لم أكتب شيئا ولم اعتصر كلما،بل الوطن هو الذي اعتصرني،هو الذي كتبني حين غدوت بلا إرادة.أحبك أيها الوطن فلا تزدني قسوة.