الضيف حمراوي
21/03/2008, 09:17 AM
باتجاه الجنوب
يستحيل أن تجد من يجيبك بحقيقة الأمر، أو بحقيقة كيف وقع ذلك ؟ ولماذا هنا بالضبط ؟ وكل محاولة من هذا القبيل هي جهد مجاني بقبض فاعله خسارته مسبقا.
ولكن الحدث الذي وقع ، ويستحيل على من حضره وعاينه وعايش مراحل وكيفيات حدوثه، أن يشك في وقوعه إلا إذا مسه مس ؛ هز ركنا من أركان وجوده هزا عنيفا ، وألحق بمداركه تلفا أصاب أسس جدرانها الضابطة.
يستحيل على العاقل أن يفسر كيف وقع ذلك، ومن هم أبطاله ؛ وما هي دواعيه و أسبابه، ولكنه وقع بالفعل في صبيحة ذلك اليوم ، كانت صبيحة مشرقة ، مشعة ، دافئة تمنح الكائنات إحساسا بمتعة تتغلغل إلى أعماق الأعماق ، وتنساب بين حنايا الكون تفتح لها طرقا حيث يصعب على الأحلام أن تمد أرجلها ، حتى ليخيل إليك أن هذا اليوم سيكون له شأن كشأن الأيام القليلة التي حفرت التاريخ وأطرت توجهه.
كان الاستمتاع بروعة الصبيحة باديا على الجميع، الواعي ، والبهيمة ، والنبات بل حتى مياه النهر المجاور كانت منتشية تبث رذاذ المن والسلوى، توزعها يمنة ويسرى مندفعة على سجيتها ؛ صافية رقراقة تناغي ضفافها لاغية كأنها تخاف أن تفضح أشجار التوت سر نشوتها.
اليوم غير عاد ، كان هذا الإحساس طاغيا شاملا لكنه مبهم ،غامض يختزن سره في أعماقه ، وكنا نسير باتجاه الجنوب كل منا يمتص سعادته من حناياه و بحناياه غير آبه بسواه ،ويومها أدركت أن السعادة عندما تكون كاملة عامة شاملة تغني الناس ، وتجعل الفرد مكتفيا بذاته والمجموع مغتنيا باجتماعه الطبيعي عن كل تنظيم أو ترتيب يولده الشقاء والألم والخوف من تعاسة الآخر..
كنا نسير نسلك والنهر نفس الاتجاه إلى الجنوب ، كانت أرجلنا تسيل لا نكاد ندركها، لم تعد تحملنا بل كنا نطاردها، كانت أجسادنا خفيفة رشيقة في قمة اتزانها وتوازنها حتى لم يعد لها مطلب يتجاوز الحالة التي هي عليها، حالة كادت تكون حد الاستواء.
وفي حقل يكاد يتخذ شكله شكل المربع محصور بين ضفة النهر وصدر الجبل ، مقطوع الجسور و الأوصال عن غيره؛ لا يمر به إلا درب للراجلين كنا نسلكه ، انتصب صاروخ علوه بعلو عمارة من ستة طوابق ، على منصة إطلاق حديثة قد صوب هو الآخر باتجاه الجنوب، يحيط به عناصر فيها شبه بالبشر لا تستطيع أن تتبين حقيقتهم ، ولا من أين جاؤوا ؛ ولا كيف وصلوا و أوصلوا صاروخهم إلى هذا المكان المعزول كما أنه لم يكن هناك أي أثر يدل على أنهم سلكوا طريقا أو دربا إلى مكانهم ذاك.
كانوا منهمكين في أداء مهمتهم في صمت ، ثم بداُوا في التلبية لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك..
و اتجهوا نحو شيخ هرم جاوز التسعين، كان مربوطا بأحزمة جلدية كأنها أفاعي سوداء تنفث النار في وجهه، وهو لا يستطيع اتقاءها موثوقا إلى خشبتين ممتدتين بطوله على شكل حمالة ، اقتربوا منه في انضباط عسكري بديع ، حملوه بقوة ؛ أثبتوه على ظهر الصاروخ بأحزمة معدنية ثبتوها فوق تلك الجلدية دون أن ينزعوها؛ ابتعدوا في نفس الانضباط ، اندفع الصاروخ يشق الفضاء مخلفا وراءه آتونا يأكل بعضه بعضا ، و يستحيل إلى دخان أسود.
عنصر من عناصر الشر أرسل ولكنه خلف ذرية من جنسه، صدي على شكل نشيد جماعي . كان هذا الصدى يتردد بين ضفتي النهر وصدر الجبل وغاب أولئك الرجال وكانت الدهشة وحدها هي الواعية بما جرى.
الضيف حمراوي 20/03/2008
يستحيل أن تجد من يجيبك بحقيقة الأمر، أو بحقيقة كيف وقع ذلك ؟ ولماذا هنا بالضبط ؟ وكل محاولة من هذا القبيل هي جهد مجاني بقبض فاعله خسارته مسبقا.
ولكن الحدث الذي وقع ، ويستحيل على من حضره وعاينه وعايش مراحل وكيفيات حدوثه، أن يشك في وقوعه إلا إذا مسه مس ؛ هز ركنا من أركان وجوده هزا عنيفا ، وألحق بمداركه تلفا أصاب أسس جدرانها الضابطة.
يستحيل على العاقل أن يفسر كيف وقع ذلك، ومن هم أبطاله ؛ وما هي دواعيه و أسبابه، ولكنه وقع بالفعل في صبيحة ذلك اليوم ، كانت صبيحة مشرقة ، مشعة ، دافئة تمنح الكائنات إحساسا بمتعة تتغلغل إلى أعماق الأعماق ، وتنساب بين حنايا الكون تفتح لها طرقا حيث يصعب على الأحلام أن تمد أرجلها ، حتى ليخيل إليك أن هذا اليوم سيكون له شأن كشأن الأيام القليلة التي حفرت التاريخ وأطرت توجهه.
كان الاستمتاع بروعة الصبيحة باديا على الجميع، الواعي ، والبهيمة ، والنبات بل حتى مياه النهر المجاور كانت منتشية تبث رذاذ المن والسلوى، توزعها يمنة ويسرى مندفعة على سجيتها ؛ صافية رقراقة تناغي ضفافها لاغية كأنها تخاف أن تفضح أشجار التوت سر نشوتها.
اليوم غير عاد ، كان هذا الإحساس طاغيا شاملا لكنه مبهم ،غامض يختزن سره في أعماقه ، وكنا نسير باتجاه الجنوب كل منا يمتص سعادته من حناياه و بحناياه غير آبه بسواه ،ويومها أدركت أن السعادة عندما تكون كاملة عامة شاملة تغني الناس ، وتجعل الفرد مكتفيا بذاته والمجموع مغتنيا باجتماعه الطبيعي عن كل تنظيم أو ترتيب يولده الشقاء والألم والخوف من تعاسة الآخر..
كنا نسير نسلك والنهر نفس الاتجاه إلى الجنوب ، كانت أرجلنا تسيل لا نكاد ندركها، لم تعد تحملنا بل كنا نطاردها، كانت أجسادنا خفيفة رشيقة في قمة اتزانها وتوازنها حتى لم يعد لها مطلب يتجاوز الحالة التي هي عليها، حالة كادت تكون حد الاستواء.
وفي حقل يكاد يتخذ شكله شكل المربع محصور بين ضفة النهر وصدر الجبل ، مقطوع الجسور و الأوصال عن غيره؛ لا يمر به إلا درب للراجلين كنا نسلكه ، انتصب صاروخ علوه بعلو عمارة من ستة طوابق ، على منصة إطلاق حديثة قد صوب هو الآخر باتجاه الجنوب، يحيط به عناصر فيها شبه بالبشر لا تستطيع أن تتبين حقيقتهم ، ولا من أين جاؤوا ؛ ولا كيف وصلوا و أوصلوا صاروخهم إلى هذا المكان المعزول كما أنه لم يكن هناك أي أثر يدل على أنهم سلكوا طريقا أو دربا إلى مكانهم ذاك.
كانوا منهمكين في أداء مهمتهم في صمت ، ثم بداُوا في التلبية لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك..
و اتجهوا نحو شيخ هرم جاوز التسعين، كان مربوطا بأحزمة جلدية كأنها أفاعي سوداء تنفث النار في وجهه، وهو لا يستطيع اتقاءها موثوقا إلى خشبتين ممتدتين بطوله على شكل حمالة ، اقتربوا منه في انضباط عسكري بديع ، حملوه بقوة ؛ أثبتوه على ظهر الصاروخ بأحزمة معدنية ثبتوها فوق تلك الجلدية دون أن ينزعوها؛ ابتعدوا في نفس الانضباط ، اندفع الصاروخ يشق الفضاء مخلفا وراءه آتونا يأكل بعضه بعضا ، و يستحيل إلى دخان أسود.
عنصر من عناصر الشر أرسل ولكنه خلف ذرية من جنسه، صدي على شكل نشيد جماعي . كان هذا الصدى يتردد بين ضفتي النهر وصدر الجبل وغاب أولئك الرجال وكانت الدهشة وحدها هي الواعية بما جرى.
الضيف حمراوي 20/03/2008