المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اصدار جديد / رواية اعترافات امرأة للكاتبة بنور عائشة ـ



بنور عائشة
18/03/2008, 03:30 PM
ــ صدر للروائيـــة بنور عائشة ـ عائشة بنت المعمورة ـ رواية "اعترافات امرأة "عن منشورات دار الحبر في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية لسنة 2007.
http://www.merbad.net/vb/attachment.php?attachmentid=418&stc=1&d=1174767591
و الرواية فائزة بجائزة "الاستحقاق" ناجي نعمان الأدبية 2007.
اعترافات امرأة هي صورة لواقع المرأة العربية وصفحات من النضال في مجتمع يمارس سلطة القهر والمتعة ..الخ
ـ الرواية جاءت بتقديم للروائي المصـري موسى نجيب موسى معنونة بـ " تشظي الذات ولعبة الضمائر في رواية عائشة بنت المعمورة "اعترافات امرأة .."

قال الشاعـر أبــو البقاء الرنــدي :

لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسـان
هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمــان
وينتضى كل سيف للفناء ولو كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذووا التيجان من يمن وأين منهم أكاليـل وتيجـان
وأين ما شاده شــدَّاد في إرم وأين عاد و شداد و قحطـان

بهـذه الأبيات الرائعة الموحية استهلـت عائشة بنت المعمورة روايتها الجميلة"اعترافات امرأة" والتي كانت بمثابة نبراس أو كنار مضيء يتكئ عليه المتلقي وهو يخــوض مغامــرة قراءة هذا النص المبهر وكلما احتـار المتلقي في تفسير كلمة أو حدث أو جملة أو مشهــد عبر صفحات الرواية جمعــاء يعود إلى هذه الأبيات التي أرى أنها كفيلة بأن تحل أي مشكل أو لغز- إن وجد هذا أو ذاك وهما نادرا ما يصادفانا في هذا النص المميز- وبذلك استطاعت عائشة بذكاء فطرى وإبداعي وحس روائي شفيف أن تسرع لنجدة المتلقي من تيهه إن تاه في مسيرة قراءته للنص لكي تأخذ بيده حتى يهتدي إلى ما تريد أن تقوله أو تتركه في أحيان كثيرة لكي يعمل عقله في استنتاج مدلولات من وراء اسطرها تزيد النص طزاجة وطلاوة ولا تبتعد كثيرا عما تبغي أن تقوله وما تريده أن يصل إلى المتلقي ساعدها في ذلك كثيراً قدرتها الفائقة على استخدام ضمائر القص بشكل يعكس رؤيتها الفاحصة للذات الإنسانية في جميع تجلياتها وخاصة في مراحل الضعف الإنساني المرئي والخفي فهي بحنكة رائعة تعرف متى تستخدم ضمير الغائب عندما ترصد أحدثاًَ خارجية وواقعية وتقع في محيط الذات المادي والاجتماعي ولكن عندما تتحدث عن ما يعتمل داخل الذات من فوران وغليان نتيجة أخطاء بشرية مزرية تصل إلى حد الخطيئة فهي تلجأ إلى ضمير المتكلم للولوج أكثر داخل الذات، هذا الداخل المعتم والغامض والذي لا يصلح مع رصده في الكتابة سوى ضمير المتكلم الذي يساعد البطـل/الراوي على سبر أغــوار ذاته والعمل على استبطان هذه الذات للكف عن هويتها ومحنتها في نفس الوقت وهذه اللعبة التي أتقنتها عائشة إلى حد الإجادة في روايتها واتكأت عليها ببراعة تحسد عليها حقا في رصـد انفعالات أبطال روايتها ومحاولة الوصول إلى أنقى صورة للذات استخدمتها عائشة بما يضيف لنص جماليات ما كانت توجد في مثـل هذا النص لولا هذه البراعة في الرصــد وهذه القدرة على توظيف الضمائر في المـواقف المختلفة كما أضيف أيضــا براعة أخرى تجلت في هـذا النص الروائي الجميل وهو قدرة عائشة على التحليل السيكولوجي والذي قد يرى آخر أنه من مميزات كتابة الرواية الحديثة أو المعاصرة إلا أن أهم ما يميز عائشة ويجعلهـا تختلف عن باقي الروائيين التي تعاصرهم أو يعاصروها هو الوصول إلى أعمق نقطـة من الذات والتعامل معها بشكل أفقي مستعرض وليس كما هو شائع في الــروايــات الجديدة التعامل معها بشكل رأسي عمودي من منطلق ما يطلق عليه الإسقاط الفـني على الواقــع.
فهنيئـــاً لنا نحن أولاً قراء إبداعات عائشة بنت المعمــورة على هذه الاكتشافات المدهشة في رصد سبر أغوار الذات الإنسانيـة أو على هذه القدرة الجميلة على اكتشاف مناطق وأدوات روائية أتصور أنها تخص عائشة فقط دون غيرها من الروائيين الآخرين سواء- وإن كنت ضد هذا التصنيف المجحف- سواء كانوا هؤلاء الروائيين ذكوراً أو إناثاً فنحن بصدد تجربة روائيــة تستحق حقاً التأمل والرصد الدقيق من المشتغلين الأكاديميين بالنقد الأدبي والروائي منه على وجه التحديد لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من هذه التجربـة الثريــة حقاً .
وأخيراً هنيئاً لعائشـة نفسها هذا النص الروائي المدهش الذي يضيف لتجربتهـا المزيد والمزيد والمزيد و. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أما الكاتب الناقد بوشعيب الساوري من المغرب فجاءته كلمته على ظهر الغلاف وهي
"إننا أمام نص روائي متميز، تمكن من حبك تقنيات السرد عبر تداخل الضمائر السردية التي تراوحت بين ضمير الغائب وضمير المتكلم الذي يستغور دواخل الذات، بشكل لافت، كما نسجل اعتناءه باللغة، وبتشخيص انفعالات الذوات، عبر وصف شاعري ."

طارق شفيق حقي
22/03/2008, 09:20 PM
سلام الله عليك أختنا الكريمة عائشة بنور

وعذراً على تأخري في المباركة رغم أني قرأت المباركات في موضوع أخر هنا في المربد

أقول لك مبارك لك هذا الوليد , وأتمنى لك مسيرة إبداعية تقدم الجديد والجميل للأدب العربي

كما أطلب منك إرسال صورة لغلاف الرواية كي نضع لك الخبر السار في مجلة المربد

ومرة أخرى ألف مبارك هذا الخلق الجميل

رزاق الجزائري
23/03/2008, 10:02 AM
مبروك للروائية الكبيرة المبدعة بنت المعمور الوليد الجديد و مزيدا من التألق.

بنور عائشة
03/04/2008, 05:21 PM
شكرا .. أخي رزاق على التهنئة ولك ولكل قراء المربد أجزاء من الرواية ....

مع تحياتي

بنور عائشة
03/04/2008, 05:24 PM
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسـان
هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمــان
وينتضى كل سيف للفناء ولو كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
أين الملوك ذووا التيجان من يمن وأين منهم أكاليـل وتيجـان
وأين ما شاده شــدَّاد في إرم وأين عاد و شداد و قحطـان

أبو البقاء الرندي



وجـــع طفولي


رمضــان ...
شهــر رمضان وحــده يحدد نقطة تمركـزي ويجبرني على الانصياع ..يجعلني في ترقب الساعـة لحظة المغيب .. وحـده يحررني من قيـود شهـواتي ونزواتي وملـذاتي .. وحده يحدد نوعيـة ألواني الضبابيـة التي اكتشفــت صفاءهـــا في الصحـراء وبين الرمال الذهبية..
رمضان وحــده يخــرج ذاك الطفـل المشاكــس.. المستهتـر.. الذي يسكنني..
طفل يلعب ..يتمرد على الخصوصيــة والقوانين ويعبـث بالكؤوس الملونة بالشفاه ...
طفـل أناني يتمتع بالأشيــاء إن ملكها ويبكي إن ضيعها !
طفــل يتمـرد على الانصيـاع والصمت والقهــر ..
طفـل يحاول أن ينسجم مع العالم الخارجي الذي وجد فيه نفسه وحيدا غارقا في أحلامــه ومشاعره ..منطويا على حـالات وجدانية عنيفة من الحب اتجــاه شخصيات مرت في تكوين شخصيته الطفولية كالجدتين خيرة وزينب ..
طفل بشخصية انطوائية حسية غير ثابتة تتغير بتغير الظروف المختلفة، تتجاذبه الأفكار ساعة أن رأى جسد جدته "خيرة " ممدا لا يتحرك ساكنا ..لقد ماتت .
طفـل صغير يحاول أن يستوعب لغـة الموت ،لغة استطاعت أن تأخذ منه تلك العجوز التي كان يلعب فوق ظهرها المحدودب ويتمتع بجولته معهــا بين الحقول وبين قطيع الغنم والماعـز وبين ألوان الدجاج للبحث عن بيض مخبـأ تحت القش و بين وبين و..و ..
ووحـده رمضان الـذي كان يشعــرني بالــزمن وبالإنقيــاد عن طواعيـة.. طواعيـة لا أدرك سرهـا!
كنـت أنتعل التنـاقض بالطـول والعرض ..نسخـة مزورة لحقيقتـي التي كانـت تعاني انفصـاما حـادا..
انفصـام يطاردني مـرة ويصافحنـي مــرة أخرى...
رائحة انتمـاء تتحـرك بداخلي تأخذني إلى حيث الشوارع المزدحمـة بالأهـالي وهم يجوبــون المحلات ويبتاعون حاجتهـم ..
كنت أشم رائحة الأكـل الطيب ورائحة البخـور تعبق المكان ورائحة الحب ورائحـة التقوى .. ورائحة الطيبة ورائحة ..ورائحة .. و..و..
رائحة تعيد إلي الثقة بنفسي المهزوزة وتنهي حالــة التناقض التي كانت وهمـا من أوهام الكـؤوس الملونـة ...
بدايــاتي ..
بدايــاتي كانت شرعيـة مقنعــة ..مجموعة من الأشكال لا يجـوز مناقشتها ..ولا يجـوز الاعتـراض على أي لـون من ألوانهـا المختارة ..
ربطات العنق ...
ربطات العنــق الملونة أوهمتني بكبرياء مصطنـع احترفت التظاهر به أمام أصدقائي في المكتب وحتى أمام رجـاء التي أسقطتني ابتسامتهـا في قاع الجب كورقة خريف ذابلة .. منكسرة وهي ترحـل وإلى الأبد ..
بــدايــاتي ...
بدايـاتي كؤوس ملونة .. كــؤوس تشبه كؤوس الخمرة لصاحبها الذي كنـت أردد شعره في سـري كلما ضاق صدري وحملني صديقي "توفيق " اللوم والعتاب :
دع عنك لومي فإن اللــوم إغراء
وداوني بالتي كانـت هي الداء
لا شـيء أكثر إيلاماً مــن تلك الأفكار التي تأتي وتهـرب ثم تتلاشى وقد تتدافع بأفكار أخرى فيلفها النسيـــان وسرعان ما تعـود لحظة السكون..
لقـد قرأ كل الألوان وصنع من نفسه مرآة لشخصـه.. وما كانت المرايا إلا بداية للاعتراف..اعتراف الألم والوجع ..
تعـود بلا لـون وقد تعـود بكل الألـوان الفاقعــة والباهتـة ..





الـــرؤيا


رأيتهـا في منامـي بلباس أبيـض ..عروس ..تحمـل في يدها مجموعة من الألوان والأقلام ..مزجت الألـوان أمام ناظـري وهي تقـول :
_ تعـال نلعب لعبة الألـوان .. هكـذا نمزج الألـوان ..
الأحمر مع الأصفر ..برتقالي والأزرق مع الأصفر ..أخضر والأحمــر مع الأزرق ..كحلي ،الأحمر مع الأبيض.. وردي
والأزرق مع الأبيض ..سماوي والأسـود مع الأبيـض .. رصاصـي..
ثم رفعـت الريشة ومسحت بها على أنفي وهي تضحـك قائلـة:
_ أليس جميلا مزج الألوان ببعضها البعض ..إنها متعــة ولذة ..هكذا الحب بكل الألوان وهكذا الحيـاة تعطينـا لونـا غير الذي نحـب ؟
_ إنها لـذة الألـوان ..
وقد ضاعف من يأسه وكآبته صفير رياح هوجاء في الخارج تلعب بالنوافذ ..فحرك أزيزها توترا بداخلـه قائلا:
_ سأنفجر..سأنفجـر ..
بل سينفجر غضب السماء في الخارج وجـو الغرفــة المشحون بالرطوبة يخنقنـي...
أطـل من النافــذة فبدت له لعبة الألــوان فارغة وأزقة الشارع فارغة..والمدينة تسبح في اللون البنـي .. تغــرق في الأوحـال وكل مــا تجرفـه معها من نفايــات وأشجار وأسلاك كهربائية وقطط وفئـران تسبـح مـع التيار..ورجل شبه عاري متعلق بحبـل مشدود إلى جذع شجرة مكسورة وسيدة تستند إلى سور الجسر بعدما هربت من منزلها على حافة البحر .. الكل كان يسبح لا شيء كان ضـد التيار ..حتى الأجساد لم تقـو على السباحة ضد التيـار ..الطوفان وحده كان السيد.
ومضت سبعة أيـام ..خفـت وطأة الزوابع في شدتها بعدمـا عصفت بأحلامي فانتحبـت سيدة بالجوار على سقوط ابنها من أعالي البناية المتصدعة...
ناحـت بصوتها الشجي حتى بلغ خوفي وذعري من عباب الطوفان القـادم نحو المدينة!
تطلعت إلى الجو وإلى سقـف الغرفة الضيقة فوجـدت السكون يخيم على المكــان،وقد أضاءت المصابيـح وشعــت أنوارها الأماكن البعيدة ..الحالكـة بالظلمة .. وازداد عجبـي لهذا الصمت وأدركت أنها الطبيعـة فعلت فعلتهــا الليلة...
إنها ليلة الألــوان !
انهمرت الدموع على وجهي لا تدع آثار الوجل ..بقيـت جاثما أمام النافــذة ورأيت النـاس يهرعون ويصرخون ويبكـون ..يفترشون الأرض خشيــة أن تتهــاوى البنايات فوقهم بعدما تزحزحـت من مكانهـا ..
يهـرع الملوك نحو الأديم وقد نزعوا تيجانهـم..بعد أن عاثوا في الأرض فسـادا ....
أجل رأيتهم بالأمس عظماء ..يلبسون التيجـان ويعلقـون النجوم ..ويلبسون الفاخر ويأكلون الشهـد.
ورأيتهم يسرقون الدمع من العيون والفرح من القلــوب واللقمة من الأفواه الجائعـة ..
ورأيـت زبانيتـهم تنسلـخ من أثوابـها ومن سياطهـا ومن جبروتهـا وسخطهـا ..و..و..
واليــوم تلحق بهم اللعنة ..لعنة السمـاء..
سجـدت حمدا لله وجلست أبكي ..أبكي لأنني لم أكن ملكا تنزع الطبيعة تاجه مرغمـا!!
لقـد رأى صديقي في منامه رؤيـا!
لقد رأى صديقي "رامي فتحي" فيمـا رأى رؤيا تنـذر بالشـر ..
فقال لي :
_ اللعنـة ؟
قلت :
_ ماذا تعني ؟
قـال :
_ لقد حلت اللعنة ..فلن نموت ميتة السلام ؟
وفـاض الحزن بصديقي "رامي فتحي"واستجابت نفسه لرغبة الاعتراف فقال بعدما لعبت المدامة بـرأسـه:
_ خرجت من السهرة ثملا.. بعدما لاعبـت وراقصت .. وشممت العطور وضربــت الأنوار بعقلي فزدت الكـأس كأسين حتى أفرغت الزجاجـة الخضراء..أجل ..لقــد كان لونها أخضـر ..
وبنبرة مستفزة هادئـة قلت :
_ وهل ميزت الألوان بعد إفراغ الزجاجة؟
فقال بقسوة محملا ذاتـه :
_ لقد خسرت الدار .. الدار..خسرت ألوان كل الدار ..
قالها بنبرة اشتيــاق وأهمل مواصلة التعليق مستسلما للـذة الاعتـراف .
تجهم وجهه وراح يعيـــد الظروف القاسية التي اضطرتـه لذلك..
قلت له وأنـا أتفرس ملامـح وجهه بقوة وكأنني أراهـا لأول مـرة :
_ ما فات قد فات ..و لا مبرر لفعلتك ..وربَّت على كتفـه مخففا شدة ألمـه .
رمقـني بنظـرة خاطفـة على ضوء مصباح قريب منـه وكأنه شعر بإحساسي اتجاهه وهو يقـول :
_ أنت ..أنت لا ترغب في حديثي عن الخطيئة..
قلت :
_ كلنا خطاؤون..وخير ..!!
قاطعني بعنف .. ثم رد بانكسار مريـر :
_ وهل رحمتني المتاعب لأبتعد عنهـا!
تغيرت سحنة صديقي "رامي فتحي"وقال بلهجة الخوف :
_ والرؤيـا؟
قلـت له بعدما أفزعني خوفـه :
_ دعني أقول لك إن الموت هي السعادة الأبدية، ومـا الرؤيا التي رأيتها إلا روح من أرواح الجنة زارتك وأنت تلبـس لبـاس الخطيئـة !
رمقـه بنظـرة استجداء وقال لنفسه وهـو يستلقــي على الفـراش بعد أن خرج "توفيـق" من عنده وقـد هــام على وجهه وجــال ببصـره المكان من حوله ثم انهمـك في اللعب مع روحه المفــزوعـة ..ونسي كـل شيء حتى الخطيئـة؟
وفي حيوية فاترة عايش اللذة واستمتع على غير عادتــه بتلك الرؤيا التي زارته في خطيئتـه..
وتخيل الكواكب والنجوم وغزو الفضاء برغبة طفل يسعده التوهج واللمس ..
وفي جو بارد يعاني الوحشـة والملل والجزع .. تلوح على وجهه مسحة الكآبة فأبدى أسفه على تألمهـا وتنهـد قائلا :
_ ثمة أمـل !
دلـت تقلصات وجهه على منتهى السعـادة ومنتهـى القرف من نفسـه ،وأن التعلق بالحـياة حماقة و تهــاوى في فتـور عميـق وأشياء كثيرة ذابـت في مخيلته وأعاد الماضي يعتذر منـه ..حــرك في أعماقه المغلقة خبايـا صمت طويـل..وما اعترافه إلا أنه شخص منقسم الشخصية قد زاد من قلقه، ووجد في اعترافه ما يخفــف من مشاعره المتوتــرة .
ولبث في الظــلام محتجا على ضياع العمـر بعدما تذكر الجرح الذي حفرته في قلبه ..ولكنه رحل..رحل وتركها.
ازداد تنغيصـا وما لبث أن أغرقه ذلك في عمليـة الجذب والشد وفي ازدواج شخصيته قائــلا :
_ عدم التكيف مع الواقع والضغط النفسي الرهيب يجعلني أرفض الحياة..أرفضها باستهزائي..أرفضها بحماقـاتي .. وأنقاد إليها بزجاجاتي وكؤوسـي وتهـوري ..
أسقـط في فراغاتها التي توقعني كل مرة في انزلاقات خطيرة أنــا في غنى عنهـا .. تجـرني نحو اللارجـوع فتحملني ما لا طاقة لي به..بل أحمـل نفسي ما لا أطيق !
كنت أفتقــد أحيانا إلى القـدرة على التمييز،فتدهور سلوكي الشخصي واضطرابـاتي في التفكـير وربما حتى اعتقاداتي الخاطئة لبعـض الأمـور ..جعلتني أعـاني .. أعاني الكثير ..
ثم نزل من فراشه باتجـاه النافذة وهو يردد في سـره :
_ هل كنت أعاني من برودة المشاعر اتجاههـا؟
_ وهل كان لتقلب مزاجي دور في ذلك؟
في البدايـة حاولـت الانسحـاب من المكتب للحـزب ثم من أسـرتي ،فانعزلــت عن أمـي وأبي يومـا بعـد يوم إلى أن هجـرت القريـة بحجة الحياة الكريمـة في المدينة ثم من المجتمع ،وحتى عدم قدرتي على العمل والاتصـال مع الآخـر .
تنتابنــي نوبات عنف تثيـر في نفسي القلـق لدرجة أقلق من أنهـا تؤثر على حياتي الطبيعيـة..
انتابتني هذه الحالة عدة مرات في الآونة الأخيرة وسيطـرت على كل تفكيري وسلوكي ..
فالقلق سبب لي الكثير من العصبيــة وعدم الإحسـاس بالراحة ،فرعشـة اليدين وبرودة الأطـراف أدت بي إلى حالات من الكآبة وحالات من الابتهاج وحالات لا أجد لها تفسيـراً .
كنت أحاول التخلص من الضغـوط والاكتئـاب بحمـام الزيوت العطريـة،إذ أضـع قطـرات مـن زيت الصنـوبر في الماء أو البقاء فيه لفتـرة أتخيـل فيها نفسي داخـل بحيرة تقع في أعالي الجبال ..مكان هادئ ومنـاظر خلابة ..أسمع صوت العصافير وهي ترقــص والنسيم يداعب أشجار الصفصاف من حـولي..
وروائح عطرية ترسلهـا الطبيعـة وشابـات مــن حولي يضعن زهورا صفراء على شعورهـن ويحرقن البخـور أمام ناظري ككهنة بعل يـحرقون البخــور لبعـل والشمـس والقمـر..
أو كمـا كـان يفعل الرومـان فلكل آلهـة بخـور خاص بها إلـه الشمس الزعفران و إله الحـرب الصبـار...
إذ كنت أرى في أريج الأزهـار طبائع الروح التي لا تقبـل إلا بما هو محسوس والبحث عن التوازن أكثر بداخلـي .
كـان يهمني أن أجـد رفيقا في وحدتي وأن أجد لأسئلـتي الإجابة وبكل لون ورائحة ...
أن تقنعني تلك الألوان التي علمتني إياها بأنني رجـل يمكنه أن ينجب الأطفــال، ورائحة أبوة أتلذذ نشوة بإحساسها..
وأمضى وقتا يثرثر مع نفسـه ..محتجا أحيانا ومتفهما أحيانا أخرى ..متألما..بائسا..سعيــدا..مؤكدا في نفسـه على أن
مؤسسة الزواج أصبحت فارغـة من الحب ..من المـودة والرحمـة..
أصبحت مجرد أجساد تلتقـي لحظة المغيب ..مجرد مؤسـسة مطالب وسباق مع الزمن ..مجرد ..مجرد ..
_ ماذا لو كنت امرأة ؟
_ امرأة لا تنجـب الأطفال ؟
_ هل أرضى بقسمتي معها ؟
_ هل أتزوج بأخرى لتنجب لي البنين والبنات ..
_ أن تملأ أصواتهم صمت هذه الغرفة الضيقة ..
_ هل أطلقها ؟
_ هل أرحم اشتياقهـا للأمومة ؟
_ هل .. هل ..
أتعبتني أسئلتي التي فرضت نفسها على تفكيري بإلحـاح وقلت وأنا من يتحملنـي الآن !
_ هل ترضى أن تبقى مع رجل عاجز عن الإنجاب،وترحم أبوتي وتحرم نفسها الأمومـة ؟
_ ماذا لو قبلت طلبها بتبنـي طفل يملأ وحشتنا ..
_ هل أصارحه بحقيقتـه وحقيقتي حينمـا يكبر و ينادي بابـا ..بابـا..
_ هـل أضيع حلم الأبوة عنده وأخبره أنني لن ولن أصبح أبـاً ؟
كانت "رجـاء "من أسرة عريقة وغنية ..أسرة سي مخلوف ولد عبد القادر ذات سمعة طيبة وكريمة ..توارثت الشرف والجود والهيبة أبـا عن جــد..حتى لون البشرة لعبت الجينات الوراثية على استمراره عبر أجيالهم .
سي مخلوف ولد عبد القادر رجـل تجــاوز الستيـن من العمــر يتميز بطبع رقيق ،سريع الغضب ورجل يعرف الكثير عن الثقافة الشعبية لأهالي المنطقة ..ينفث سرعة غضبه في قـول المثل الذي يتخذه سيفا حادا يوقف الشخص عند حده ، لكنه طيب القلب ، نقي الروح ، شجاع ..
كانت رجاء ابنتـه ..ابنـة أحـد أكبر الشــركات في النفـط والغـاز بالجنوب الجزائري.
شابــة جميلـة المظهر والقـوام..ذات شعـر أســود مسترسل ..وعينين سوداويـن .. تعلو وجهها حمــرة الحياء البدوي.. بشوشة الروح .. ذكية ..تعتز بنفسهـا ..كلهـا ثقة وإرادة .
كنـت أقضي معظم أوقات العطلة الصيفية مع العمـال عبر الصحاري الشاسـعة في التنقيب عن البتـــرول والتي تدخــل في إطار عملي ،بعدما تركـت القريـة النائمـة نـوم أهل الكهف باتجاه المدينـة وصخبهـا حينما تعرفت عليهـا.
متعـة الاكتشـاف جعلتني أبحث عن وردة الصحــراء وعن تلك الحيـَّات التي تنساب بين الرمـال الحـارة دون أن نشعر بهـا ..عن أثار تسكن الأحجـار وعن سلسلة الطاسيلي بالقرب من الأهقـار، نعانـق رمالها الذهبية الدافئـة ،ولفـح شمسها الحارقة وهي تصب نيرانها الملتهبة خلال النهار ،وتحت الخيم التي ننصبهـا نستلذ بطعم اللحم المشوي على الجمر وخبز "الملّـة" المطهي تحـت الرمل الساخن ،نختـم الجلسة الحميمية رفقة الأحباب بكؤوس الشاي المركـز ،المطبوخ على الجمر المتوهج لفترة من الزمن حتى يأخذ لونه البني الغـامق ..
كانت صورة الصحراء تزداد جمـالا وسحـرا آخر،جمـال يصنعه الطوارق برقصاتهم وأغانيهـم التقليدية بالعـزف على التنـدي والامزاد..وفرحة أخرى يصنعها سباق الجمال ورقصة العـرس للرجال الملثمـين بلباس المنطقـة تشكلها مبارزة فلكلوريـة بالسيـف .
كانت الصحراء قطعة جمالية ومغامرة الاكتشـاف ذكرتـني بصورة الرحالـة المغامرة "ايزابيلا ايبرهارد" المولعة بالترحــال بين كثبانها وواحاتها ..امرأة بحثت عن الطمأنينة بين ظلالها وأهلهـا فهدأت نفسها حتى ماتت غريقــة كثبانها المائيـة .
كــل لوحة من الألوان صــوت وصورة ..كان لضوء الشمس لون وللظلال لون وللكثبان لون آخر وسحر لطالما فتن "ألبير كامو" أو " أندريـه جيد" لواحــات بسكـرة أو"يوجين فرومنتان" القائل :"إنه مغمور بالألوان "حـتى أنه سكن قصرا بناحية مصطفى باشا .
كانــت الأساطير والأعـــراس والعادات والألغــاز جزء لا يتجزأ من ذرات رمالها الذهبية ووجه من وجــوه شخصيــات ناصر الديـن (إيتيان ديني) التي كانـت تزين لوحاتـه .
وتلك السلاسل الصخـرية التي تبـدو جداريات لنقوش حيوانات عاشت في المنطقة ..طيور وزواحف وحشرات كانت لحيوانات نادرة ..نقوش صخرية توحي بالصراع الإنساني منذ الأزل والتي تشهد تعاقـب الحضارات على المنطقــة.
لكن اليوم لاشيء بقي ..كل شيء ضاع وضاعت معــه المتعة وحب الاكتشـاف ومـا بقي إلا تلك السلاسل الصخرية والنقوش تشهد على مروري.
_ هي الحقيقة التي اكتشفتها ..فرحلت!
كنـت أتسلى بالفتيات في شوارع المدينة ولم أنعــم بالاستقرار إلا عندما تصدقني واحدة منهن..فيزداد الأمر عندي دعابة أو مجـرد انفعال عابـر.
أمتهن جمالهن كما تمتهن الحرية والإنسانية اليوم ؟
حيــاة آخر الليل فيها لذة خاصة وحياة النهـار لـذة من نوع العتاب والندم ..كلهـا ممزوجــة بالكـذب والخيانة والهزيمـة!
_ ما أسهل التحدث عن الخطيئة؟
_ ما أصعب الاعتراف؟
كــان لأفلام الرعب وقع خاص في نفسي رغم سلبيــة شخصيتي..فكان الخوف بالنسبـة لي خوفا مستحــبا ثم خوف رد الفعل إلى أن أصبـح خوفا مـرضي ..
كنت أجـد في نفسي رعباً داخلـياً ..خوف من المجهـول، وما نوبـات الذعر تلك إلا لخوفي الشديـد من المواجهـة ومن الماضي والمستقبـل ..
كانــت كتلك الزوابع التي استسلم لها حتى الملـوك !
والحقيقة أنه لا قيمة للإنسان اليوم!



أقنعـة ممزقة




قالــت في نفسهـا:
_ الفـارق بسيـط بين اللونــين ....
اختــارت اللـون المحبب إلى نفسها ..خليط صُدْفَـوي من الألوان والأشكال.. لبست الفستان الفضفــاض بربطة على الخصر ..ازدادت شهوتها للجمـال وضحكت ضحكة دوى صداها الغرفة ..
_ إنه معجب بشخصيتي وبأناقتي و بتفكيري و بأحلامي .
_ إنه معجب.
وأشرق وجهها بفرحة ساذجة وتلألأت الألـوان في مخيلتها من مصابيح المرقص ،ومضــت تراقصه وهــو يشد على خاصرتها بذراعيه يستردان معا لحظات معبقة بسحــر الليل وهدوئـه ..
قالت وأساريرها ترقص طربا:
_ إنها نشوة عجيبة لازمتني، وانبعثـت في نفسـي أشواق غامضة..
_ أتراه الحب ؟
_ أتراه وداع للحب ؟
_ أم أنــه عرض من أعراض اللحظة الضائعة تجـاري مكامني!!
_ أم أنه تحدي الخوف من مجتمع يرفض الحب ويحاربه بالقتل أو النفي أو الانتحار..
منـذ نعومـة أظافري وأنا أمتهن العشق الطفولي بداخلي .. أمتهن الحب كلعبة أخفيها أحيانا وأحيانا أخرى أجمِلها بأحلى الملابس التي أخيطهـا لها ..
كنت أحس الحب بقلبي في كل الأشياء ،ويتحـول إلى كومة رماد إذا ما لمحتـه الأبصار‍‍ ؟
فعــوالمي لم تكـن براري مكشوفـة ..لقد استئصلت أوردة الرفض والمعارضــة منذ أن ظهرت متعـة الرغبـة في التصادم والتمـرد على تلك الطقوس التي سحقت كبريائي وسحقتني كأنثى ..؟
أنثى تعشـق الأنوثة حد النخاع !
كـان ثمـة تناقض كبير بين الحب والخوف والتمـرد فظلت أوتاد البداوة محفورة في أعماقي تستحي الاقتراب من مملكة الحب وتختلس الحب اختلاســا من الصـور والأغـاني والشجـر والطير ولون السماء وحتى من المطر ؟
كنـت أرى الحب يسرق من ثقوب الأبواب والنوافذ نهارا ويمـرر في الرسائل خفية ويدخل البيوت خلسة في الليل لأنه كان مقهـورا أو محظـورا ..
وقتهـا شعرت أنه ينفصل عن جاذبيته ويتخطى كل الخطوط المرسومة له ..ويتمرد على تلك القيود التي طوقتـه .
كـان لونـا غير اللون الذي أحببته في طفولتي وفي أشيائي ولعــبي ..
كـان حبـا مقنعـا يتجاوزني أنا الطفلـة المدللة التي تبحث باستمرار عن وجهها وصوتها بين الوجــوه المقنعـة ،وعن الشكـل وما وراء الشكل وعن اللــون ومـا وراء اللـون، ومن ثمة شاركني الشكل واللـون حجـرتي وسريـري وأناملـي وأحلامي وملابسي وتسريحـة شعري ولوحاتـي،فكنت أمارس على نفسي رقابة اللـون والشكل والوجـع الذي أصبـح لغة أخــرى تسيطر على كـل تصرفـاتي...
البــوح ...
كــان الحب يمــارس البوح على أجساد تتصارع تحت أقنعة الشهـوة والكبــت وارتكـاب حماقــة الوهم وتصديقـه..
كـان الحب المقنـع وحش يفتـرس ضحايــاه ليـــلا ويصلبها نهــارا،وأكبر جريمـة يرتكبها عــدم الاعتراف بضحيته وبولادة طفل غير شرعي تحت جنح الظلام .
اغتصـاب ..
حـب يغتصب البراءة في عمر الزهور بعدما تلجـأ إليه لفك قيودهـا ،فتقع رهينـة الأغلال التي تكبلهــا وإلى الأبد .. بـراءة ..ضحية ..خطيئة ..
وأصبح الانهزام والاحتراق وجـها آخر للخيانة يحطم أكثر المرافئ الآمنــة .....
مخــاوف...
رمشت عيناها المستديرتان وتجهم وجهها حزنــاً ورغبـة ملحة تسائل رغباتها الدفينة ..ثم ابتسمت ابتسامة غامضة وتذكرت أنها مجرد مخاوف لا جدوى منها.
وراحت تتقلب على السرير فانحسر طرف فستانهـا الوردي عن نصفها ..سوَّته ثم استـدارت على جنبها بجنـون الرغبة في رؤيـاه.
تأملت نفسهـا في المرآة ثم استدارت يمينـا و يسـارا ومسحت عن وجههـا بعض الألوان الهـاربة من مكانها بعدما نسيت أن تخـفي تلك الخيوط الرفيعـة تحـت الجفـون..
ابتسمت راضية عن نفسها ثم خرجت ...