المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشعوبية والحقد الدفين



طارق شفيق حقي
20/08/2005, 09:42 PM
الشعوبية والحقد الدفين


في هذه الحقبة من التاريخ من عام 2005 للميلاد كلنا يشهد أحداثاً تذهل المرضعة عما أرضعت
وتكاثر أعداء الاسلام والعرب وما كان ذلك إلا من قلة بل من ضعف هذه الأمة , وضعف أهل هذا الدين
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: إنكم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قلنا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)).صدق رسول الله
وان مما يشهده المرء ظاهرا للعيان واضحاً لا يحتاج تأويلاً أو إيجاد عذر لصاحب المقال في أقنية الفضائيات وخطب العملاء الجدد , ومن مقالات الصحف, والانترنت عودة الشعوبية بحقد دفين ,


إن ما يميز أهلها الحقد على الإسلام وتاريخيه , الحقد على الحضارة العربية الأسلامية , التبيعة للغرب , الكره للعرب المسلمين خاصة وللمسلمين عامة وكل من ينافح عن أرضه ووطنه, هذه الشعوبية قد طفح الحقد من ألسنتهم , فتراهم ينكرون بطولات العرب المسلمين , يقلبون كل نصر خسارة وكل فكر وعلم جهلاً . يسمون العربي بالجهل والغباء وهم يعدون الدسائس ويجهزون المؤامرات ,

وهنا في هذه المقالة سنعمد الى تفصيل صفاتهم و وذكرأعلامهم تاريخياً
ودسائسهم , وتحليل شخوصهم وأهدافهم في محاولة لبلورة الحقائق التي يدين بها القاصي دون الداني والبحث عن حلول محاربتهم.

فمن كان له راي يخدم هذا المقال فليجود به أعانكم الله.

طارق شفيق حقي
05/01/2007, 10:42 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كنت قد كتبت هذا المقال وكما ظهر في عام 2005 واليوم تجدد الفتن وتتجد الحركات الشعوبية

لنركز هنا عين الباحث عليها

طارق شفيق حقي
05/01/2007, 10:54 AM
العروبة والعرب في أدبيات الشعوبية


تشكل الآداب احد أهم عناصر ثقافة الشعوب وربما هي مصدرها الأول, والآداب بما فيها الشعر، والقصة, والخطبة والحكاية, والمثل والكناية فهي مرآة صادقة كونها تعكس الخلفيات النفسية والأخلاقية للشعوب وتعتبر مقياسا لتحضرها, وعادة ما يكون الأدباء هم حلقة الوصل الأولى التي تربط بين الشعوب فكريا وثقافيا وذلك لما يقدمونه من صور جمالية تخلوا من ألأمراض النفسية وعقد المتييز العنصرية والتفرقة الطائفية والتركيز على أظهار جوانب الشفافية وألأحاسيس المرهفة في الإنسان, إلا أن الحركة الشعوبية قد اتخذت من الآداب وسيلة لزرع بذور العنصرية والكراهية في نفوس أبناء أمتها تجاه العرب خاصة والإسلام عامة وكان الشعر احد أهم أفروع الآداب المستخدمة في هذا الإطار لكونه الأكثر التصاقا في عقول القراء والمستمعين والأسهل حفظا في الذاكرة ولذا نرى أن محمود الغز نوي احد أمراء الفرس واحد أعمدة الحركة الشعوبية في القرن الثلاث الهجري عندما حاول إن يؤجج مشاعر العداء الفارسي ضد الإسلام والعرب كلف الشاعر الشعوبي أبو القاسم الفردوسي بكتابة قصائد شعرية يمجد فيها تاريخ فارس وحضارتها ويشتم فيها العرب وحضارتهم الإسلامية ويحط من شأنهم, وقد تعهد له بأن يعطيه وزن ما يكتبه ذهبا وعلى هذا الأساس وضع الفردوسي ملحمته التي تخلوا من أي شاعرية واسماها الشاهنامه (ملك الكتب) حيث وضع جلها في شتم العرب وتحقيرهم وتمجيد الفرس وملوكهم، وراح العنصريون الفرس يحفضّون أبنائهم ويغذونهم بهذه القصائد وغيرها من الأشعار العدائية.
ومن نماذج الانتقاص والتحقير الذي كتبها الفردوسي في الشاهنامة (411-329هـ) تلك الأبيات التي يقول فيها:
زشير شتر خور دن وسو سمار
عرب را بجايي ر سيد أست كار
كه تاج كيانرا كند آرزو
تفو باد بر?رخ كردون تفو
وقد ترجمها الدكتور محمد علي اذر شعب الملحق الثقافي الإيراني السابق في دمشق وأستاذ الأدب العربي بجامعة طهران هكذا:
من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ الأمر بالعرب مبلغا
أن يطمحوا في تاج الملك فتبا لك أيها الزمان وسحقا
وهناك أبيات أخرى مماثلة للفردوسي في الشاهنامة ومنها قوله:
سك در أصفهان آب يخ مي خورد عرب در بيابان ملخ مي خورد
وترجمتها: الكلب في أصفهان يشرب ماء الثلج, والعربي يأكل الجراد في الصحراء.
وقد أصبح التهكم والاستهزاء بالعرب وتحقيرهم سيرة الشعوبيين إلى يومنا هذا ولم تقتصر وسائلهم في التعبير عن عدائهم للعرب على هذا الباب من الآداب فقط بل أنهم سعوا في استخدام القصص وألاساطير وسيلة للحط من منزلة العرب وتأليب روح العداء في نفوس الأجيال فارسية اللاحقة ضدهم.
وانطلقت الحملة الشعوبية ضد العرب بعد ما أخذت الحضارة الإسلامية تزدهر وتنتشر بواسطة اللغة العربية التي طغت على لغة الأقوام والشعوب التي فتح الإسلام ديارها انذاك فالعربية إضافة إلى كونها لغة القرآن الكريم, فأنها أصبحت فيما بعد لغة الفقه والآداب وعلوم الطب والصناعة, وكانت مدارس خراسان ونيسابور وغيرها من مدارس بلاد فارس وبخارا وسمرقند عربية خالصة, وقد وضع أساطين العلوم الفلسفية والطبية والأدبية من أبناء تلك الديار من أمثال البيروني والفارابي والرازي جميع مصنفاتهم باللغة العربية وهذا ما أثار الشعوبيين وأغاظهم, حيث أنهم وكما يقول ابن حزم الاندلسي, كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء وكانوا يعدون سائر الناس عبيدا لهم فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب وكان العرب اقل الأمم عند الفرس خطرا تعاظم الأمر وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة وقد اتخذ الصراع بين العرب والشعوبية ألوانا مختلفة:

فقد وقفوا في وجه انتشار اللغة العربية وللتهوين من شأن العرب والانتقاص منهم ترجم الشعوبيون الشديدو العصبية كتبا في مناقب العجم وافتخارهم ورجم العرب بالمثالب وتحقيرهم.
ومن جملة ما وضعوه في هذا الشأن يمكن أن نستشهد بعدد من الكتب ومنها, كتاب مثالب العرب لهشام بن الكلبي حققه نجاح الطائي وأعادت نشره دار الهدى في بيروت عام 1998م, كما ألف أبو عبيدة معمر بن المثنى وهو من يهود فارس كتبا كثيرة تعرض فيها للعرب منها كتاب(لصوص العرب) وكتاب (أدعياء العرب) كما ألف كتاب (فضائل الفرس), وألف عيلان الشعوبي كتاب الميدان في مثالب العرب واتساقا مع هذا التوجه العنصري فقد ظهر شعراء وكتّاب آخرون في عصور متتالية مواصلين النهج الشعوبي الذي اختطه أسلافهم, وظهر من بينهم مهيار الديلمي (وهو فارسي الأصل من أهل بغداد وقد غلا في أفكاره حتى قال له أبو القاسم ابن برهان: يا مهيار انتقلت من زاوية في النار إلى أخرى فيها مجوسيا وأسلمت فصرت تسب الصحابة.
ولمهيار هذا ديوان شعر في أربعة أجزاء يتفاخر فيه على العرب بقومه, ويقول في إحدى قصائده:
لا تخالـي نـسباً يخفضني أنا من يرضيك عندَ النسبِ
قومي استولوا على الدهر فتى ومشوا فوق رؤوس الحِقبِ
عممـوا بالشمس هأماتِـهم وبنوا أبياتـهم بالشـهبِ
فأبي " كسـرى " على إيوانهِ أين في الناس أبُ مثل أبي
لقد استمرت المدرسة الشعوبية التي كان من أعمدتها الفردوسي والخيام وأبو مسلم الخراساني و أبا بكر ألخرمي الرودكي ومحمود الغزنوي تتناقل بين أحفادهم جيل بعد جيل حتى وصلت إلى اللصفويين الذين ألبسوها ثوبا جديدا وهو الطائفية, وقد تلبس الصفويون التشيع وادعوا النسب العلوي رغم أن المؤرخون الفرس يؤكدون أن إسماعيل ألصفوي قد ولد من أم ارمنية وأبا أذري وكان جده صفي الدين الاردبيلي شيخ طريقة صوفية سنية, إلا أن المصلحة القومية والروح العنصرية دفعتهم إلى التلبس بلباس التشيع وذلك لكي يضمنوا بقاء مدرستهم وانتشار أفكارها العنصرية.
وقد دأب الصفويون على شتم العرب بحجة الثأر لأهل البيت وقد أمروا كتابهم ووعاظهم بوضع الروايات والكتب التي ملؤها الشتم واللعن للصحابة والخلفاء والقادة العرب الذين كانت لهم القيادة في فتح بلاد فارس ونشر الإسلام في ربوعها.
ومن جملة ما وضعته المدرسة الصفوية, كتاب بحار الانوار للمجلسي الذي جاء بمئة وعشرون مجلد وقد دون فيه ألمجلسي ما طلبه الصفويون من الروايات والقصص التي تساعد على نشر بذور الفتن والتفرقة العنصرية والطائفية وقد جاء هذا الكتاب وهو يحمل بين دفتيه أفحش الجمل واغلضها ضد الرموز العربية الإسلامية.
ومن الكتب الأخرى التي وضعت في هذا الشأن كتاب (مفاتيح الجنان) لصاحبه عباس ألقمي وهو أيضا محمل بالسباب واللعنات للعرب وذلك كله بحجة الدفاع عن أهل البيت متناسين أن الأمام علي عليه السلام قد نهى شيعته عن السب والشتم وهذب أخلاقهم حيث قال (اكره لكم إن تكونوا سبابين) إلا أن هؤلاء الشعوبيين عادوا الأمام علي وتجنوا عليه بزعمهم الانتساب إلى مدرسته,

وخير من كشف ضغينتهم وأوضح حقيقتهم هو شاعرهم الرودكي الذي قالها بصراحة:


عمر بشكست ?شته هجبران عجم را برباد فنا داد ر? وريش جم را
اين عربده وخصم خلافة زعلي نسيت با آل عمر كينه قديم أست عجم را

وترجمتها: أن الصراع والعداوة مع العرب ليس حبا بعلي والدفاع عن حقه في الخلافة, ولكنها
البغضاء والعداوة لعمر الذي كسر ظهر العجم وهد حضارتهم.

وهكذا بقيت المدرسة الصفوية الشعوبية على ديدنها فكلما أرادت إن تكيل الشتم والسب للعرب لجأت إلى اتخاذ الدين والمذهب غطاء لنفث سموهما, وهاهو شيخ السبابين مصباح اليزدي احد كبار أساتذة الحوزة الصفوية يفرد أكثر من مئة صفحة من كتابه سيرة سيد المرسلين لسب العرب ويدعي إن ما حمله القرآن من تحذير ونظير إنما هو موجه للعرب على وجه الخصوص, وأن الأقوام التي انزل الله عليها الغضب وأبادها كانت أقوام عربية وقد سميت بالعرب البائدة، والمعنيون بالجاهلية هم العرب تحديدا, وهناك الكثير من الأوصاف الشائنة التي ينسبها للعرب.
هذه مدرسة الشعوبيين وهذه سمومهم الفكرية التي بذروها في عقول أبنائهم وغزوا بها عقول وأفكار العديد من أبناء امتنا تحت يافطة الولاء لأهل البيت، ولكنهم...... يمكرون.
ــــــــــــــــــــــ
كاتب وسياسي عربي من الأحواز
e-mail: almousawi17@hotmail.com

طارق شفيق حقي
05/01/2007, 11:16 AM
وهذا مقال مميز جداً:
بين شعوبية القدماء وشعوبية المعاصرين

(http://www.merbad.net/vb/showthread.php?p=17557#post17557post17557)بقلم: الدكتور بكري شـيخ أمين (http://www.merbad.net/vb/showthread.php?p=17557#post17557post17557)




جاء في بعضه:
ما لفت نظري أن الشعوبية حركة ظهرت في نهاية العصر الأموي ومطلع العصر العباسي، كانت تنادي: أيها العرب نحن نريد أن نطبّق الآية الكريمة: {يا أيُّها الّذينَ آمَنوا إنّا خَلَقناكُم مِن ذَكَرٍ وأُنثى، وجَعَلناكُم شُعوبًا وقَبائلَ لِتَعارَفوا}، أنتم دخلتم في الإسلام ونحن دخلنا في الإسلام، أنتم تتكلّمون العربية ونحن نتكلّم العربية. هذا في الظاهر وهذا شيء جميل لكنهم في الحقيقة أرادوا أن يهدموا الإسلام من جذوره، لذلك عملت الشعوبية في الماضي على إزالة الدولة الأموية أولاً، ولمّا جاءت الدولة العباسية أرادت أن تزيلها أيضًا وتحل محلها الدولة غير العربية.

في العصر الحاضر نفتح الكتاب فإذا بالأدباء يحتقرون التاريخ والعلماء والمفاهيم والأمة وعقيدة الأمة إن شئنا وإن لم نشأ. . هذه ناحية وناحية أخرى أن أول من حاول أن يهدم فخر الأمة العربية في العصر الحاضر هو المستشرق الألماني شبينغلر في كتابه انهيار الغرب، في هذا الكتاب هو حاول من ناحية علمية أن يفلسف العقلية العربية فقال: العقلية العربية لا تقوم إلا على أساس الخيمة وصار يشبّه بيت الشعر الذي يفتخر به العرب بالخيمة، ففيه الأطناب والوتد و...، وقارن بين الخيمة والأدب العربي والتاريخ العربي، وجعل العقلية العربية عقلية طباعية تافهة وخير منها العقلية اليونانية والعقلية الأوربية، وقسّم بين عقلية سامية وعقلية آرية، وسحب اليهود من العقلية السامية، وجعلهم المتميّزين، وجعل العقلية الآرية هي العقلية التي لها ميزات كالعقل والعلم وغير ذلك، ويقول إن العرب لا يفهمون إلا بالأدب والحكايات وما إلى ذلك. هذا لون من ألوان الشعوبية نقرؤه ونظن أن في ظاهره الرحمة ولكنه في باطنه العذاب وانهيار الأمة العربية

رزاق الجزائري
05/01/2007, 04:57 PM
الشكر الجزيل لك استاذ طارق على الموضوع المهم
الشعوبية هو منطق عنصري يدعي العقل و في الواقع ما يغذيه هو البعد عن العقل و المنطق و هو يشبه كثيرا مصطلح *العقلية البدائية* الذي الفه الفرنسي لوسيان ليفي يبلور سنة1922 ففي رأيه ان الغرب هو وحده الذي توصل الى الفكر العقلاني او المنطقي، واما بقية الشعوب فلا تزال تعيش في مرحلة العقلية ما قبل المنطقية.

وبالتالي فما عليها الا ان تمر بنفس المراحل التطورية لكي تلحق بالغرب. وبما انها لا تستطيع ان تفعل ذلك لوحدها، فإنه ينبغي على الغرب ان يساعدها اي ان يستعمرها. ناسيا و متجاهلا اسهامات شعوب اخر و الفكر الاسلامي خاصة في تطوير التفكير المنطقي .

اما بالنسبة للشعوب الاسلامية غير العربية فلا ننكر انه احيانا تكون سياساتنا الخاطئة ما يغذي هاته النعرات لكن هذا لا يعني وجود تأاثيرات قومية و من المفارقة انها لا تظهر الا في اوقات ضعف الامة لكن الادهى ان تتحول هاته الافكار الى سياسات فلا اظن شخصيا ان البعد الاسلامي مثلا يتحكم في الهوية الايرانية اكثر من القومية


الفارسية و هو شيء تستطيع ان تستنبطه من السياسات الايرانية سواء اتجاه الاقلية العربية في ايران او جوارها العربي .اما بالنسبة للاقليات الاخر فلا نستطيع ان نحكم عليها ان لم نراجع سياستنا كعرب اتجاهها او كسياسات دول اتجاه شعوبها فحالنا اليوم هو اشبه بحال الرجل المريض اّذ لا نستبعد الاسلاموفوبيا من الغرب و العربفوبيا من الاقليات الغير العربية لنطرح اشكالية هل البعد العرقي يغلب عن البعد الديني او الطائفي لذا الشعوب؟ فالظاهر ان الاسلام فصل في هذه المسألة .لكن هل استطاع ان يقضي عليها .للاسف لا .فيكفي ان تتحرر العقول عندنا لتتضح كل تناقضاتنا للاسف و العراق اكبر دليل ..

طارق شفيق حقي
05/01/2007, 08:27 PM
الشكر الجزيل لك استاذ طارق على الموضوع المهم
الشعوبية هو منطق عنصري يدعي العقل و في الواقع ما يغذيه هو البعد عن العقل و المنطق و هو يشبه كثيرا مصطلح *العقلية البدائية* الذي الفه الفرنسي لوسيان ليفي يبلور سنة1922 ففي رأيه ان الغرب هو وحده الذي توصل الى الفكر العقلاني او المنطقي، واما بقية الشعوب فلا تزال تعيش في مرحلة العقلية ما قبل المنطقية.

وبالتالي فما عليها الا ان تمر بنفس المراحل التطورية لكي تلحق بالغرب. وبما انها لا تستطيع ان تفعل ذلك لوحدها، فإنه ينبغي على الغرب ان يساعدها اي ان يستعمرها. ناسيا و متجاهلا اسهامات شعوب اخر و الفكر الاسلامي خاصة في تطوير التفكير المنطقي .

اما بالنسبة للشعوب الاسلامية غير العربية فلا ننكر انه احيانا تكون سياساتنا الخاطئة ما يغذي هاته النعرات لكن هذا لا يعني وجود تأاثيرات قومية و من المفارقة انها لا تظهر الا في اوقات ضعف الامة لكن الادهى ان تتحول هاته الافكار الى سياسات فلا اظن شخصيا ان البعد الاسلامي مثلا يتحكم في الهوية الايرانية اكثر من القومية


الفارسية و هو شيء تستطيع ان تستنبطه من السياسات الايرانية سواء اتجاه الاقلية العربية في ايران او جوارها العربي .اما بالنسبة للاقليات الاخر فلا نستطيع ان نحكم عليها ان لم نراجع سياستنا كعرب اتجاهها او كسياسات دول اتجاه شعوبها فحالنا اليوم هو اشبه بحال الرجل المريض اّذ لا نستبعد الاسلاموفوبيا من الغرب و العربفوبيا من الاقليات الغير العربية لنطرح اشكالية هل البعد العرقي يغلب عن البعد الديني او الطائفي لذا الشعوب؟ فالظاهر ان الاسلام فصل في هذه المسألة .لكن هل استطاع ان يقضي عليها .للاسف لا .فيكفي ان تتحرر العقول عندنا لتتضح كل تناقضاتنا للاسف و العراق اكبر دليل ..


سلام الله عليك كلام جميل يستحق الوقوف عنده

لا أخفيك فأنا ممن يدعو للاقبال عن المشرق أكثر من المغرب

أقصد على الجيران خاصة منهم تركيا وإيران
سياسة إيران في العراق ربما تكون توجه لمؤسسة لا تمثل فكر البلد بأجمله لكن ذلك رغم ذلك يصب في ميزان الدولة

كم من الرجال على الحدود في كل البلاد يعطون للسائح وجهة نظر سيئة عن البلد, وسكان هذا البلد يعتبرهم أسؤ شريحة من الشرائح الكثيرة التي يزخر بها كل بلد من البلدان

من هذا المثال نقول أن لكل بلد شرائح وربما أسؤ شريحة تكون بيده السلطة , وبالتالي فالمؤسسات الفكرية والثقافية التي تعبر عن الفكر المعتدل أو النير للبلد غائبة أو مغيبة

وهنا تنجح السياسات الدعائية والاعلانية فيلعب الإعلام أسؤ دور في التاريخ ويضخم الأمور وينشر الفتن

ولو حضرت الحرية الصحفية ونشطت المنظمات الفكرية الشعبية سترى حتماً نتائج أخرى

لن تغيب حتماً القومية أو العنصرية أو الشعوبية لكن ستخف حتماً


من هنا أذكر خبر زيارة نجادي للأهواز(بعيداً عن كونها حركة سياسة) ولبسه اللبس العربي وقد صرح وقال أن له الشرف أن يلبس هذا اللبس

من أين أتى هذا الشرف في مخزون نجادي

أقول هو من موروثه الديني

وهذا الذي يجب أن نعمقه

رزاق الجزائري
06/01/2007, 05:59 PM
تحياتي المجددة اليك استاذ طارق اود التعقيب على هاته النقطة بالذات


سياسة إيران في العراق ربما تكون توجه لمؤسسة لا تمثل فكر البلد بأجمله لكن ذلك رغم ذلك يصب في ميزان الدولة



حسبما فهمت انك تريد ان تقول ان توجه السياسة الايرانية في العراق لا يجمع عليه الايرانيون هذا مؤكد لكن هذا التوجه يجمع عليه جل الايرانيين انا شخصيا و من منظور استراتيجي اعتبر ايران امبراطورية(بكل ما في الامبراطورية من اطماع توسعية) اكثر منها دولة قومية مثلما هي تركيا قياسا على بعدين.
1- البعد الفارسي و ما تمثله القومية الفارسية و الشعوب المنضوية تحتها فالايرانيون الى اليوم لا زالوا في منظورهم و ثقافتهم يعتبرون اجزاءا من الخليج و اذربجان واجزاءا من آسيا الوسطى جزءا من الامة الفارسية كما يصرون على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي و ما لها من دلالة.
2-البعد المذهبي. الشيعة المنتشرون في مناطق كثيرة وولائهم الروحي لايران وقد كنت شخصيا مستهزءا بهذا البعد لكن اعدام صدام حسين اظهر ذلك جليا و اظهر مدى عمق الا نقسام والخلافات بين الشيعوة و السنة حتى خارج العراق فأمس ممثلا هاجم ملثمون شيعة مجلس عزاءا لصدام في المنامة .و هذا يدل على مدى عمق التأثير المذهبي فما ادرى شيعة المنامة بصدام.
و هذا التوجه تستطيع ان تستنبطه بسهولة في تفكير النخب الايرانية فالايرانيون لا يطبقون مبدأ تلازم المصلحة بالاندماج و التمايز بل بالعكس سياستهم تغذي عدم خروج الشيعة الى الحداثة و الاندماج في مجتمعاتهم ليس على قاعدة التشيع بل على قاعدة الحداثة مثلما هي ثقافة التيارات الاسلامية الفكرية الحديثة كالاخوان المسلمون عمله .اذ انهم يشجعون الاولى على حساب الثانية و امتدت ارهاسات ذلك الى التشيع الحديث لبعض البربر هنا في الجزائر و اقطار اخرى كالسودان.
اما الشعوب فلا نستطيع ان نحكم دائما عليها لانها في الاصل طيبة فقط توجه النخب من يتحكم فيها و يؤجج مشاعرها
و بالنسبة للشطلر الثاني من مداخلتك فقد اتطرق لها في مقالة سأنشرها قريبا في المنتدى *ديمقراطيات الورود عندهم وديمقراطيات الدماء عندنا* و الى حين ذلك سيكون لنا نقاش.

طارق شفيق حقي
07/01/2007, 02:39 PM
سلام الله عليك

عودة


حسبما فهمت انك تريد ان تقول ان توجه السياسة الايرانية في العراق لا يجمع عليه الايرانيون هذا مؤكد لكن هذا التوجه يجمع عليه جل الايرانيين انا شخصيا و من منظور استراتيجي اعتبر ايران امبراطورية(بكل ما في الامبراطورية من اطماع توسعية) اكثر منها دولة قومية مثلما هي تركيا قياسا على بعدين


افرض لو كانوا مجمعين
فالصدام ومقابلة العنصرية بالعنصرية لن يزيد النار إلا قوة

ومقابلة الطائفية بالطائفية لن يحل الأمر بل يزيدها تعقيداً

الحل في هذا الأمر أن تكون قوياً وتلوح بقوتك ثم تلجأ للحكمة
الحكمة هي مفتاح الأمر

أما عن التلويح بالقوة يقول الإمام علي لا رأي لمن لا طاعة له
وذلك ينسحب على السياسة لا حكمة لمن لا قوة له

وحق الضعيف مأكول دائماً
الحل في قوة هذه الأمة اولاً ثم بحكمتها

تريد إيران أن تتوسع ليكن ذلك شأنها

ماذا عنا ماذا نريد ؟؟ كيف نواجه هذا التوسع
ثم عودة للحكمة

في لقاء مع القرضاوي قال أن الشرائح في ايران مختلفة منهم من يريد التعايش ومنهم العنصري

منهم القومي الذي يكره العربي ومنهم الديني الذي يحب العربي لحبه للقران
قال قلت لهم أن نشر الدين والتشيع في معاقل المذهب الأخر يخلق فتنة فرد عليه أحدهم قال صدقت
كان لنا مكتب ثقافي في السودان ثم بعد أن بدأ بنشر التشيع قامت الدولة باغلاقه وخسرنا علاقتنا مع السودان

ذلك يعني هناك عقلاء يعرفون قيمة نشر الفتنة

إذن الحل في تعميق هذه العلاقات كي توازن القومية الفارسية أو الصفويية او المجوسية سمها ما شئت

تحياتي لك

رزاق الجزائري
07/01/2007, 03:56 PM
لم تكن مناقشتي معك اختلافا في الرئى اكثر منها توضيح فانا لا اختلف معك في كل ما قلته اذ ما معنى التأسيس لصراع يظهر ان لا داعي منه في المقابل لا يعني تجاهله.لان كل الاحداث الاخيرة تضرب على هذا الوتر وللاسف نحن العرب نفتقر الاستراتيجيات بل نعدمها ثم نلقي اللوم على الآخرين
تحياتي اليك

hodaahmad
07/01/2007, 05:37 PM
الحل في قوة هذه الأمة اولاً ثم بحكمتها

تأبط شعراً
07/01/2007, 06:04 PM
نشطت الشعوبية نشاطاً خاصاً في العراق وإيران والأندلس . ولعل السبب في نشاطها هذا هو أن الإسلام قد قضى في هذه البلاد على حضارات كانت قائمة , فعزّ على شعوب هذه المناطق خضوعها للعرب وارتفعت أصوات تدعو إلى نبذ التراث العربي والاستهانة بالثقافة العربية الاسلامية .

وقد بدأت هذه الحركة الشعوبية في العصر الأموي مستترة بستار إسلامي , فقد دعت إلى مساواة الموالي بالعرب , واستندت في دعوتها على القرآن الكريم والسنة . وقد ساعد الشعوبيين في دعوتهم هذه أن بعض الأحزاب السياسية العربية قد نادت بوجوب تحقيق المساواة التي جاء بها الإسلام , كالخوارج مثلاً

وقد استغل الشعوبيون هذه الحركة أكبر استغلال .. ومن أوائل من كشفوا عن شعوبيتهم في العصر الأموي إسماعيل بن يسار , رغم محاولته التستر , وتقربه من العرب , إذ نراه حتى في هذه الفترة من التاريخ العربي الاسلامي , حيث كان العنفوان العربي يملأ النفوس , يتجرأ فيقول :

ربّ خالٍ متوجٍ لي وعمٍ

ماجد مجتدى كريم النصابِ

إنما سمي الفوارس بالفر

س مضاهاة رفعةِ الأنسابِ

فاتركي الفخار يا أمام علينا

واتركي الجورَ وانطقي بالصوابِ

واسألي إن جهلتِ عنا وعنكم

كيف كنا في سالفِ الأحقابِ

إذ نربي بناتنا , وتدسون

سفاهاً بناتكم في الترابِ



وهناك فئة من الشعوبين ظهرت في أواخر العصر الأموي وشهدت انتصار العباسيين , وكانت تتهم بالزندقة والتهتك والخلاعة , وقد عملت هذه الفئة على تشويه التراث العربي , والعقيدة الإسلامية , عن طريق الوضع .ومن أشهر رجالات هذه الفئة : حماد الرواية , وحماد عجرد , وحماد بن الزبرقان

وقد شهد العصر العباسي ألواناً من الشعوبيين فهناك العامة وهم جل هذه الفئة , وهناك دهاقين الفرس من أمثال آل برمك , وبني سهل , وطاهربن الحسين , وهناك الحركات الدينية الإيرانية كالخرمية , والمانوية , والزرادشتية وغيرها . وهناك الشعوبيون من الأدباء والكتاب . وهمّ هذه الفئات جميعاً الدعوة إلى إزالة السلطان العربي , وأحياء مجد الفرس ومحاربة الإسلام , والعودة إلى المجوسية

وأقدم ما بين أيدينا من نصوص تصور حملات الشعوبيين على العرب , قصائد شعرية , ثم يأتي النثر ليكمل الصورة , والمجال فيه أوسع . وقد بدأ الشعراء الشعوبيون بالتفاخر بالانساب والأمجاد الفارسية كما نرى في شعر إسماعيل بن يسار , وبشار , ومهيار الديلمي .

ثم أخذوا يهاجمون العرب وينادون بإعادة الملك إليهم , وكل هذا في شعرٍ هو التحدي بعينه .

والشواهد على هذا كثيرة جداً , ونورد مثلاً منها ماقاله أحد شعرائهم أمام الصاحب بن عباد :

فلستًُ بتاركٍ إيوانَ كسرى

لتوضح َ , أو لحوملِ فالدخولِ

وضبٍ في الفلا ساعٍ وذئبٍ

بها يعوي وليثٍ وسطَ غيـلِ



وأفاضَ كتابهم في تهجمهم على العرب فوصفوهم بالهمجية والتخلف ’ وذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما حاولوا أن ينفوا صفة الأمة عن العرب فلم يدخلوهم ضمن الشعوب , كما أن إطلاقهم للفظة (الشعوبية ) على أنفسهم يشعر بأنهم قصروا مفهوم الشعوب على أنفسهم وأما العرب فقبائل متفرقة متنازعة , والقبيلة قرينة البداوة .. في حين أن الشعوب ترتبط بالحضارة . يقول ابن قتيبة : (وبلغني أن رجلاً من العجم احتج بقول الله تعالى : .{يا أيها الناس إنا جعلناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا .. الأية } وقال : الشعوب من العجم والقبائل من العرب , والمقدم أفضل من المؤخر . وقد كنت أرى أهل التسوية يحتجون بذلك . )

وهاجم الشعوبيون الأنساب العربية , لاعتزاز العرب بها , وادعوا أنها أنساب منحولة , وانتحلوا للعجم أنساباً وهمية يفخرون بها . وهاجموا الشعر العربي والفصاحة العربية , وقابلية العرب للخطابة , وهو هجوم على العرب في أمور عزيزة عليهم , وزادوا على ذلك أنهم شوهوا هذا التراث العربي فدلسوا فيه وشككوا في قيمته وأصالته , وعبثوا بالروايات , ولم تسلم اللغة العربية من هجومهم , لأنها تغلّبت على لغتهم الأم وقضت عليها , بعد أن أصبحت لغة الثقافة والسياسة .

أمام هذا التحدي هب العرب للذود عن تراثهم وقيمهم , فنشطوا في العناية بجمع الشعر فكان من ذلك مفضليات الضبي , والأصمعيات ’ وحماسة أبي تمام , وحماسة البحتري . وأكدوا على الاتصال الثقافي عند العرب ليبرزوا الاستمرار والوحدة في الثقافة العربية , وهذا واضح في آثار الجاحظ وابن قتيبة خاصة . وكثير من صفحات الماضي تبدو حية بتجارب الحاضر ..

طارق شفيق حقي
07/01/2007, 07:12 PM
وللاسف نحن العرب نفتقر الاستراتيجيات بل نعدمها ثم نلقي اللوم على الآخرين




نفتقر الاستراتجيات ونفتقر المراكز الاستراتجية التي تقدم تنظيراً لحلول مع المشاكل التي تعاني منها الأمة

هنا في هذا الحوار ولو بشكل مصغر يعتبر نقطة بحث عن حلول للتعامل فترى كل منا يبحث ويقرأ في الماضي ويحث الفكرة على الولادة

قوموا معي للبحث

طارق شفيق حقي
11/01/2007, 12:38 AM
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تتداعى عليكم الأمم كما يتداعى الأكلة على القصعة......" صدق رسول الله

وان مما يشهده المرء ظاهرا للعيان واضحاً لا يحتاج تأويلاً أو إيجاد عذر لصاحب المقال في أقنية الفضائيات وخطب العملاء الجدد , ومن مقالات الصحف, والانترنت عودة الشعوبية بحقد دفين , إن ما يميز أهلها الحقد على الإسلام وتاريخيه , الحقد على الحضارة العربية الإسلامية , التبيعة للغرب , الكره للعرب المسلمين خاصة وللمسلمين عامة وكل من ينافح عن أرضه ووطنه, هذه الشعوبية قد طفح الحقد من ألسنتهم , فتراهم ينكرون بطولات العرب المسلمين , يقلبون كل نصر خسارة وكل فكر وعلم جهلاً . يسمون العربي بالجهل والغباء وهم يعدون الدسائس ويجهزون المؤامرات , وهنا في هذه المقالة سنعمد إلى تفصيل صفاتهم و وذكرأعلامهم تاريخياً

ودسائسهم , وتحليل شخوصهم وأهدافهم في محاولة لبلورة الحقائق التي يدين بها القاصي دون الداني والبحث عن حلول محاربتهم.



فمن كان له راي يخدم هذا المقال فليجود به أعانكم الله.

أن قال: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: إنكم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قلنا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)).



ما الشعوبية: حركة نشات عبر التاريخ قلوبهم حاقدة على العرب المسلمين تحولت الحركة الشعوبية تدريجيا من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية واشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة)









أعلامهم تاريخياً

نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الشاعر بشار بن برد وهو شاعر شعوبي حاقد كاره للعرب كرهاً شديداً، يفتخر بالفرس وبحضارتهم ويعتد



قصائده تحض على الفحش والرذيلة ورغم تلونه وتفلته كثيراً من عقوبة الزندقة إلا أنه شهد عليه شهود عدول أمام قضاة يحكمون بما أنزل الله وفي حضور خليفة المسلمين المهدي فأمر بضربه سبعين سوطاً حتى هلك.. ولكن بقي شعره المفعم بالزندقة يتوارثه خفافيش الزندقة بغية تحقيق مآربهم الخبيثة



كما نذكر أن البرامكة والفضل وأخيه الحسن بشكل عام كانوا منهم



وهذه وصية الخليفة المهدي:
"يا بني إذا صار الأمر إليك فتجرد لهذه العصابة، يعني أصحاب ماني، فإنها تدعوا الناس إلى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش، والزهد في الدنيا، والعمل للآخرة، ثم تخرجها من هذا إلى تحريم اللحوم، ومسّ الماء الطهور، وترك قتل الهوام تحرجاً، ثم تخرجها إلى عبادة: اثنين أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات، والاغتسال بالبول، وسرقة الأطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور، فارفع فيها الخشب، وجرّد السيف فيها، وتقرّب بأمرها إلى الله. فإني رأيت جدي العباس رضي الله عنه في المنام قد قلدني سيفين لقتل أصحاب الاثنين" بعد هذا التطواف نتكلم عن أهم رموز الزنادقة قديماً نختار منهم





ومن أعلام العرب الذين نافحوا وصدوا هجمات الشعوبية هم أهل اللغة والأدباء أكثر من الفقهاء , حي علموا لب مقال الشعوبية ومازوا خبيثها وكل منهم قد درس وفقه علوم الدين , والتاريخ والانساب والأخبار وشتى العلوم



ورغم ذلك فإنهم يتمسكون بكلمة الإسلام أما خشية انتقام الأمة منهم وأما خبثاً ليروجوا مذاهبهم وعقائدهم الباطلة تحت عباءة الإسلام.. وعلى أية حال فالزندقة الحديثة أشد خطراً على الإسلام وتعاليمه من الزندقة القديمة إذ كان للمسلمين دولة وخليفة وقضاة يحمون بيضة الإسلام ويخشى سطوتهم الزنادقة قديماً.. أما اليوم فلا يوجد للمسلمين دولة تذود عن عقيدتهم.. ووسائل الإعلام المسعورة تتسابق على نهش الإسلام ونشر غثاء الزنادقة الجدد.



إلا أن فئة من مفكريهم لم يلامس الإسلام شغاف قلوبهم وكانوا يحنقون على المسلمين بسبب ضياع ملك الأكاسرة على أيدي المسلمين فأسلموا ظاهراً وأبطنوا الكفر بغية تدمير دولة الخلافة من خلال نشر تعاليم ديانة الفرس القديمة مع نشرالشبهات حول القرآن وفضل العرب ونشرالفساد والعبث والمجون وإشاعة الإنحلال في المجتمع الإسلامي المتماسك بالعقيدة الإسلامية.. هكذا كان الزنادقة في كمون أيام الأمويين ثم ظهروا إلى العلن أيام العباسيين واشتد أوار الزندقة في القرن الثالث الهجري وظهر في منتصف هذا القرن ابن الريوندي وأبو عيسى الوراق والرازي وغيرهم!! وكان صعود نجمهم في القرن الرابع الهجري لذلك لا عجب أن يؤلف المستشرق (آدم



نطاق واسع وظهر الزنادقة الكبار كالحلاج ت 309هـ، والشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ت 322هـ الذي كان يقول إن الله يحل في كل شئ.. وأن اللاهوتية اجتمعت في علي رضي الله عنه!! وقد كان الشلمغاني وعصابته الحلولية: "يغتفرون ترك الصلاة والصيام والإغتسال؛ وكانوا لا يتناكحون على السنة، بل يبيحون الفروج، ولا ينكرون أن يطلب أحدهم من صاحبه حرمته، وكانوا يرون أنه لا بد للفاضل منهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه" وإلى غير ذلك من لواط كما يفعل عبدة الشيطان في زماننا وكما يقول زنادقة الأدب من كفريات في عصرنا الحالي!! وإذا كان القرن الرابع الهجري حسب مقياس متز هو قمة الحضارة الإسلامية فماذا عسانا أن نسمي القرن الثاني الهجري وهو عصر المهدي والرشيد والمأمون والمعتصم ويتنهي بالمتوكل!! إذن هذه تقاسيم تاريخية جائرة وغير













الجاحظ وابن قتيبة

هو أبوعثمان عمرو بن بحر ولد في البصرة وقضى فيها أكثر عمره ولكنه في 204هـ رحل إلى بغداد ثم علا نجمه لما اتصل بوزير الخليفة المعتصم محمد بن عبد الملك الزيات فأصبح من الموسرين وذاع صيته في العالم الإسلامي .. ومن أشهر كتبه: نظم القرآن ،البيان والتبيين، والحيوان، وفضيلة المعتزلة، والرد على اليهود، الرد على النصارى، البخلاء، كتاب اللصوص وغيرها ذلك من كتب ورسائل.. ثم رجع إلى البصرة وهناك أصيب بشلل في جسده ومات في المحرم سنة 255هـ وعمره نحو ست وتسعين سنة. وقد: "تصدى الجاحظ وابن قتيبة لهذه النزعة الآثمة وردّا عليها رداً عنيفاً، أما الجاحظ فعقد في كتابه "البيان والتبيين" باباً طويلاً سماه "كتاب العصا" صوّر فيه طعن الشعوبية على العرب في خطاباتهم، إذ كانوا يشيرون فيها بالعصي والمخاصر، كما كانوا يتكئون على القسي، مما يصرف في رأي الشعوبيين الخاطر ويشغل الذهن أثناء الخطابة.. وزعموا أن الفرس أخطب من العرب .. وكل ذلك نازعهم الجاحظ في عنف شديد، ولكي يبلغ كل ما كان يريد إفحامهم ومقاومتهم جعل كتابه (البيان والتبيين) رداً مفحماً عليهم، إذ خصصه لعرض الثقافة العربية الخالصة في صورها المختلفة من الخطابة والشعر والأمثال، كي يروا رؤية العين ما في هذه الثقافة من قيم بلاغية وجمالية، فينتهوا



عن مزاعمهم ويثوبوا إلى رشدهم"



وقد ألف ابن قتيبة في الرد على الشعوبيين مبحثاً سماه "كتاب العرب أو الرد على الشعوبية" وهو في مطالعه يذكر أن من أشد الشعوبيين عداوة للعرب قوماً من كتاب الدواوين امتعضوا لآداب أقوامهم.. ويقول إنهم كانوا يُزرون على الحكم والأمثال العربية بما يروون عن الفرس واليونان من آداب وعلوم. ولم يكتف بعنفه عليهم في هذا المبحث الطريف، فقد عنف بهم في مقدمة كتابه (أدب الكاتب) مصوراً قصورهم عن النهوض بوظيفتهم الأدبية في الدواوين لنقد ثقافتهم العربية. وقد حاول محاولة طريفة في كتابه "عيون الأخيار" أن يجمع بين تلك الثقافة والثقافات الأجنبية ليبين أنها كلها ضرورية ولاتعارض بينها بوجه من الوجوه مما قضى على الشعوبية قضاءً مبرماً"



وكتبا الجاحظ البخلاء ما كان الا كتاباً ساخراً ينال منهم ومن سخف عادتهم وقد تكلم عن صاحب الكلب وكان يقصد العربي الكريم وذكر الكلب لوفائه , وصاحب الديك وهو الفارسي الشعوبي البخيل وصديقه الديك وكلنا يعرف زهو الديك وصياحه.



"لم تقتصر هذه الشعوبية على الفرس فقط بل امتدت إلى سائر الأمم التي أذعنت للعرب كالزنج، والزط من أهل السند، وكالنبط والقبط والبربر وغيرهم. معنى ذلك أن النتيجة المنطقية لهذه الدعوى الشعوبية هو احتقارهم لنبي العرب صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله عليه قرآناً عربياً.. ومن ثم كانت الشعوبية الوجه الآخر للزندقة فهما بحق وجهان لعملة واحدة." * د. هاني السباعي(زنادقة الأدب والفكر قراءة في تاريخ الزندقة قديماً وحديثاً)

طارق شفيق حقي
11/01/2007, 12:39 AM
المقاومة .. والشعوبيون الجدد

شبكة البصرة

د . محمد عياش الكبيسي

تعرف الشعوبية بأنها تيارات مختلفة يجمعها العداء للعرب, جاء في الانسكلوبيدية البريطانية (الشعوبية كل اتجاه مناوئ للعروبة anti-arabisim) وهذا ما جاء في تعريفات قدامى علمائنا المسلمين فقد قال الأمام القرطبي :(الشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم) تفسير القرطبي / 11/189 ونحو هذا لشيخ الإسلام ابن تيمية انظر اقتضاء الصراط المستقيم /149 إلا أنه نسب الشعوبية إلى النفاق والكفر فقال : (ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب, والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر ألا عن نوع نفاق أما في الاعتقاد وأما في العمل المنبعث عن هوى النفس) وقال أيضا : (ان بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر أو سبب للكفر) 156 , وتجدر الإشارة إلى أن تعريف الشعوبية هذا والتنبيه إلى خطرها لا يبعد كثيرا عما يراه علي شريعتي المفكر والفيلسوف الإيراني المعروف حيث قال (تحولت الحركة الشعوبية تدريجيا من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة) التشيع العلوي والتشيع الصفوي /121.

وقد أعلنت الشعوبية عن نفسها في بدايات الخلافة العباسية الا ان جذورها الحقيقية تعود إلى عصر الفتوحات الإسلامية الأول, وقد شكلت الشعوبية خطرا كبيرا على الأمة الإسلامية عبر تأريخها الطويل ربما نستطيع أن نوجزه بالنقاط الآتية:



1- تصفية قادة الفتح الإسلامي , حيث تم الانتقام من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ثم الخليفة الثالث عثمان بن عفان ثم الخليفة الرابع علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين- في مؤامرة كبيرة استهدفت وحدة الأمة وهويتها ورموزها , ومع أن هؤلاء الخلفاء الثلاثة كانوا في صف واحد وراحوا ضحية لقضية واحدة الا أن الشعوبية راحت تصورهم ضحايا للمنافسات الداخلية على الغنائم والمناصب!! يقول علي شريعتي : ( لقد تضمن هذا البرنامج والمخطط المدروس إ ظهار عمر بمنزلة العدو رقم واحد لعلي !! وذلك انتقأما من دور عمر البارز في القضاء على الدولة الساسانية ) التشيع العلوي والتشيع الصفوي /134



2- تشويه العرب والحط من شأنهم وتأليب الشعوب الإسلامية الأخرى على العرب ودعوتهم للثأر والانتقام وقد ألفت في هذا كتب كثيرة منها( لصوص العرب) و(مثالب العرب) و(أدعياء العرب) , يقول الفردوسي في (الشاهنامة) : ( من شرب لبن الابل وأكل الضب بلغ العرب مبلغا أن يطمحوا في تاج الملك فتبا لك أيها الزمان وسحقا) ويقول مهيار الديلمي وهو من أهل بغداد !! :




لا تخالي نسبا يخفضني أنا من يرضيك عند النسب

فأبي كسرى على إيوانه أين في الناس أب مثل أبي



3- وإمعانا في الكيد حاولت الشعوبية أن تربط نفسها بآل بيت النبوة حتى لا يبدو عداؤها للإسلام واضحا , ولكي تزيد من الهوة بين الطوائف والمذاهب الإسلامية , يقول علي شريعتي ( وبغية ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم عمدت الصفوية إلى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرّها إلى داخل بيت النبي إمعانا في التضليل ليتمخض عن ذلك المسعى حركة شعوبية شيعية .. مستغلة التشيع لكي تضفي على الشعوبية طابعا روحيا ساخنا ومسحة قداسة دينية , ولم يكن ذلك الهدف الذكي متيسرا ألا عبر تحويل الدين الإسلامي وشخصية محمد وعلي إلى مذهب عنصري وشخصيات فاشية !! تؤمن بأفضلية التراب والدم الإيراني والفارسي منه على وجه الخصوص) التشيع العلوي والتشيع الصفوي /122. وقد دعم علي شريعتي تحليله هذا بعشرات المواقف والقصص والشواهد , وتجدر الإشارة هنا إلى أن شريعتي ليس سنيا بل هو شيعي إيراني ويعد من رواد الثورة الكبار يقول عنه الخامنئي نفسه :( إن النجاح الذي حققه شريعتي لم يحققه سواه) مجلة الوحدة العدد162 / 1994م .



4- التحالف مع القوى الأجنبية المعادية للإسلام والمسلمين , فإضافة إلى ما ذكرناه في الحلقة السابقة من تحالف الطوسي وابن العلقمي مع هولاكو والمغول يذكرنا علي شريعتي بتحالف آخر لا يقل خطورة عن الأول فيقول : ( من القضايا الواضحة وجود نحو ارتباط بين الصفوية والمسيحية حيث تضامن الاثنان لمواجهة الإمبراطورية الإسلامية العظمى التي كان لها حضور فاعل على الصعيد الدولي إبان الحكم العثماني وشكلت خطرا جديا على أوربا .. فعمدوا إلى تقريب التشيع من المسيحية .. حتى يتيقن بأن كلب هذا المسيحي الإفرنجي أطهر من السنة الذين قتلوا الحسين !!) التشيع العلوي والتشيع الصفوي 206.

واليوم حين بشّر بوش بـحملته (الصليبية الجديدة) لم ينس ذلك التاريخ الطويل للشعوبية فراح يتحالف معها أو يستخدمها لتحقيق أهدافه بأقل ما يمكن من الخسائر, ولولا هذا ( الحلف الشرير) لما سقطت بغداد بأيدي الغزاة , حيث راح ( الشعوبيون الجدد) يروجون في البسطاء من الناس أن ( بوش و بلير) يعملان لوجه الله من أجل ( تحرير) العباد والبلاد وإنقاذ المظلومين والمحرومين !! وأن العراق سيكون أنموذجا يقتدى به في الحرية والتقدم والرفاه!!



أما بعد انكشاف الأهداف الحقيقية لهذه الحملة والجرائم البشعة التي رافقتها مما أدى إلى تصاعد المقاومة الشرعية واتساع دائرتها لم يبق أمام هؤلاء الشعوبيين الا أن يصطفوا جهارا نهارا مع العدو الغازي في مشروع خطير لم يعد خافيا على أحد ويكفينا هنا أن نشير إلى بعض معالمه :



1- الغاء الهوية العربية للعراق حيث خلا قانون ادارة الدولة المؤقت من أي إشارة إلى عروبة العراق بينما اكتفى بالقول : ( العراق بلد متعدد القوميات والشعب العربي فيه جزء لا يتجزأ من الأمة العربية) المادة 7 / الفقرة/ ب .

نعم ان العراق متعدد القوميات شأنه شأن أغلب دول العالم لكن هل هذا مسوّغ لالغاء هويته العربية ؟! وما هي ميّزة العرب في العراق وفق هذا القانون عن أي جالية عربية في الدول الأوربية أو غيرها ؟! وكيف وافقت الأحزاب العربية المشاركة في العملية السياسية على هذا القانون؟! وأخيرا فأين موقف جامعة الدول العربية ؟ والعراق دولة مؤسسة فيها ولماذا سارعت إلى الاعتراف العملي بحكومة موافقة على هذا القانون ومنبثقة منه ؟!



2- تهميش العراقيين العرب سنة وشيعة من خلال برنامج مدروس بدقة , فالسنة تم تهميشهم تحت شعار ( اجتثاث البعث) حيث أبعدت وربما اضطهدت أو صفيت كثير من القيادات السنية العربية بدعوى أنهم بعثيون مع أن البعث لم يكن حزبا سنيا , وبعد انكشاف هذه اللعبة صار التركيز على محاربة( السلفية والوهابية والارهاب السني) !! مع أن هناك اعترافات من وزير الداخلية ووزير الدفاع في الحكومة المؤقتة أن الكثير من ( العمليات الارهابية) يقوم بها متسللون من الشرق بل هناك اتهأمات صريحة للمخابرات الايرانية !! وأما الشيعة العرب فقد همشوا من خلال إقصاء مرجعياتهم ورموزهم في مقابل ابراز المراجع والرموز غير العربية بل لقد اشتركت بعض المليشيات الشعوبية مع الأمريكان الغزاة في مقاتلة التيارات الشيعية العربية كما حصل في النجف ومدينة الصدر وغيرهما!! بغية إضعاف هذه التيارات ومحاصرتها مع أنها تمثل الأغلبية الحقيقية لشيعة العراق !



3- اضطهاد العرب المقيمين في العراق بشتى أنواع الاضطهاد , فمع بداية الاحتلال هجّر عدد كبير من العوائل الفلسطينية من الأحياء التي أقاموا فيها منذ عشرات السنوات , ويوم 11/5/2005 أكدت جمعية حقوق الانسان في سوريا أن ما يقارب من[2500] سوري ممن هاجر إلى العراق بداية الثمانينات يتعرضون اليوم للاضطهاد والاعتقال من قبل الأمريكان والشرطة العراقية والحرس الوطني, واليوم وأنا أكتب هذه الأسطر أعلنت هيئة علماء المسلمين عن انتهاكات خطيرة قامت بها قوات (الذيب) في منطقة ( البلديات) في بغداد بحق العوائل الفلسطينية حيث تم ترويع النساء والأطفال وتهشيم النوافذ ثم اقتادوا عددا من الناس البسطاء , ومع هذا فلم نسمع من الاعلام العربي والقادة العرب بل حتى العلماء والدعاة من يطالب باطلاق سراح هؤلاء المسلمين العرب المقيمين أصلا في العراق بينما تتعإلى المناشدات كلما تعرض أحد الأجانب للاختطاف أو الاحتجاز مع أنه دخل في ظروف غير طبيعية ومنهم من ثبت تعاونه مع الاحتلال وارتكابه جرائم حقيقية بحق المدنيين والأبرياء العراقيين.



4- واذا كانت تلك الاضطهادات التي تنال العرب في العراق تتم بشيء من الخفاء فان التيارات الشعوبية المتعاونة مع الاحتلال خرجت في تظاهرات كبيرة أمام وسائل الاعلام وهم يهتفون( أطردوا العرب) ( لا نريد العرب) لماذا ؟ لأن الاعلام الشعوبي جعل كل عربي هو ( إرهابي) أو ( داعم للارهاب) !! ولكن بالمقابل هناك ترحيب وتشجيع لكل أجنبي بدءا من قوات الاحتلال والمتعاونين معهم إلى المليونين ايراني الذين دخلوا لأهداف كثيرة ومتعددة مع أن وزير الدفاع ووزير الداخلية في الحكومة العراقية المؤقتة اتهما هؤلاء ( الزاحفين من الشرق) بأنهم هم من يقف وراء أغلب العمليات التي تهدف إلى إثارة الفتنة وزعزعة الأمن وتصفية العلماء كما أشرنا إلى ذلك قبل قليل!!



5- التمهيد لإشعال حرب أهلية بأسماء وعناوين مختلفة لتخفيف وطأة المقاومة وإنقاذ المحتل من ورطته التي أوقع نفسه فيها , فقد عملت التيارات والأحزاب الشعوبية المهيمنة على بعض المؤسسات الأمنية على توريط الكثير من المنتسبين إلى هذه المؤسسات وبوسائل مختلفة في معارك ( لا ناقة لهم فيها ولا جمل) , فإذا قرر الأمريكان تدمير أي مدينة من المدن العراقية وحشدوا من الدبابات والمدافع والطائرات ما يكفي لإكتساح دول كبيرة تقوم هذه التيارات الشعوبية بالزج ببعض البسطاء من الشرطة أو الحرس في هذه المعارك الكبيرة والتي لا يمكن أن يكون لهم فيها أي أثر!! لكن الغاية واضحة وعلى جميع العراقيين أن يتنبهوا لهذه المؤامرة التي تستهدف أول ما تستهدف وحدتهم ولحمة نسيجهم الاجتماعي , وعليهم أن يسألوا هؤلاء ( الشعوبيين ) هل من واجب الحرس الوطني الاشتراك مع الأمريكان والبريطانيين لتدمير الفلوجة والنجف والموصل والقائم ؟ هل من واجب الشرطي العراقي أن يكون دليلا للأمريكان والبريطانيين لمداهمة البيوت واعتقال الشيوخ والنساء ؟! ما الدين أو القانون أو العرف الذي يحتكم له هؤلاء ؟!



إن المقاومة العراقية الباسلة وهي تواجه هذا (الحلف الشرير) ولكي تحافظ على وحدتها ونبل أهدافها ولكي لا تنساق إلى معارك هامشية وأفخاخ جانبية لا بد أن تنتبه إلى :

أولا : طمأنة الشعب العراقي بكل أعراقه وأطيافه ومذاهبه أن المقاومة لا يمكن أن تستهدف أيا منهم حتى لو كانت تختلف معهم فكريا أو عقائديا أو سياسيا , وأن تتبرأ المقاومة ببيانات مكتوبة وصريحة من أي عملية تستهدف (مسجدا) أو( حسينية) أو ( كنيسة) أو تصفية لصاحب رأي أو موقف مخالف , إن المقاومة تكون بهذا قد حرمت (الحلف الأمريكي الشعوبي) من الماء العكر الذي يتصيدون فيه , وحرمتهم أيضا من الدعم الذي يتلقونه من بعض الفئات التي خوّفها الاعلام المضلل من أهداف المقاومة ونواياها مع أن تلك الفئات متضررة أيضا من هذا الحلف وما معارك النجف ببعيدة من هذا .



ثانيا: إقناع الغزاة ميدانيا بأن تحالفهم هذا لن يحميهم والمقاومة لن تنشغل بـ ( الفزّاعات) الجانبية عن العدو الحقيقي ومشروعه الخطير في المنطقة , لأن إضعاف إرادة الاحتلال سيؤدي بالنتيجة إلى إضعاف الأذناب والعملاء , ولا بأس بفضحهم وكشف مواقفهم وارتباطاتهم التي لا يمكن أن يرضى بها أي إنسان سوي لا سيما بعد ما انكشف للقاصي والداني طبيعة الأخلاق التي يتصف بها هؤلاء الغزاة من هتك للأعراض إلى تهديم المساجد وليس آخرها تدنيس المصحف الكريم , إن هذه الجرائم الأمريكية سلاح فعال بيد المقاومة لعزل هذا المحتل وفضح عملائه شريطة أن تنأى المقاومة عن أي صراعات طائفية أو مذهبية , وتكون بذلك قد أقامت الحجة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة .



ثالثا : طمأنة الدول العربية والدول المجاورة للعراق والتي لم ينفك (الحلف الأمريكي الشعوبي) من تخويفها من المقاومة لمحاصرتها وعزلها , فهذه الدول ترى أن من مصلحتها أن يكون العراق حرا موحدا مستقرا , ومن مصلحتها أيضا أن يبقى العراق في حضنه العربي ومحيطه الإسلامي , ومن مصلحتها أيضا أن لاترى في المنطقة جنديا أمريكيا واحدا لا سيما بعد ما حصل للعراق دولة وشعبا ومؤسسات , أعلنوا ذلك أو كتموه , وهم يعرفون أيضا أنه لا توجد قوة في العالم قادرة على تحقيق كل هذا غير المقاومة العراقية الحقيقية , الا أن بعض الخطابات( الآيديولوجية) التي تنسب لبعض فصائل المقاومة والتي تستغل وتكبر من قبل وسائل الاعلام العميلة تجعل كل هذا المحيط في حالة تخوف وترقب واذا نظرنا إلى هذا مع حجم الضغوط الأمريكية على المنطقة نستطيع أن نفهم حالة الارباك السياسي والبرود الشعبي الذي لا يتناسب مع قضية بحجم ( سقوط بغداد) ولا مع مستوى الأداء الميداني الذي تقوم به المقاومة والذي أربك المشروع الصهيوني الأمريكي برمته وجعل قادتهم بوضع محرج أمام العالم.


شبكة البصرة

الثلاثاء 8 ربيع الثاني 1426 / 17 آيار 2005

طارق شفيق حقي
11/01/2007, 12:40 AM
زنادقة الأدب والفكر قراءة في تاريخ الزندقة قديماً وحديثاً

بقلم: د. هاني السباعي
hanisibu@hotmail.com


تقدمة:
لغتنا الجميلة وأثرها في حماية العقيدة.. تحت ظل هذه العبارة كنت أتحاور مع أخ مكرم عن تلك العروس التي هجرها خطابها رغم حسنها وجلالها، وحلاوة منطقها، وعذوبة حديثها، وفصاحة لسانها، رغم أنها سليلة الحسب والنسب، كريمة القبيلة والعشيرة.. رغم كل هذا البيان لذات السحر الحلال.. هجرها خطابها!! وبينما كنا نهيم بتلك العروس، ونتجاذب أطراف الحديث، ونتناسل الأفكار عن عروسنا المصون، تلك التي صانت حمى العقيدة عبر العصور، وتصدت لهجمات الزنادقة والملحدين، فكم من قلم جبار كسرته، وكم من لسان حاد أخرصته، وكم.. وكم!! وفي فوران الشجون ذكرني صديقي أن عروسنا المصون منذ بضع سنين قد فقدت عاشقاً لطالما تغنى بها ونذر حياته للذب عن حسنها وكريم معدنها.. فقدت العروس عالم اللغة والبيان الدكتور مصطفى هدارة.. ذلك العالم الناقد البصير الذي صان عرض اللغة العربية وتصدى لأقلام الزنادقة والملاحدة وأهل الانحراف.. رحل عن عالمنا في صمت ولم يعلم بوفاته إلا قلة من غرباء هذا الزمان!! مر عأمان على ذكراه ورحل عن دنيانا بعدما أثرى المكتبة العربية والإسلامية بكتاباته وأبحاثه ومقالاته.. رحل صاحب (اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني الهجري).. فاسترجعت وصديقي رغم أننا لم نستفق بعد حسرتنا لفراق فارس البيان وشيخ العربية في هذا العصر علامة الأدب الشيخ محمود شاكر.. ومرت الذكرى.. والعروس تبكي فوارسها.. هكذا رحل فارسان من فوارس اللغة والبيان.. ومنذ شهرين .. تحديداً في 15 شوال 1423هـ رحل عالم دمشق المحقق اللغوي الفقيه الشافعي الشيخ العلامة عبد الغني علي الدقر مؤس جمعية الغراء بسوريا وصاحب عدة كتب في اللغة والنحو والفقه منها معجم القواعد العربية في النحو وتحقيق وترتيب شرح شذور الذهب وله مختصر تفسير الخازن ومؤلفات أخرى ـ رحمه الله ـ وقد رحل ولم تهتم بموته وسائل الإعلام.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.. فالمحن تترى وتتكاثر؛ محنة ودعت وأخرى أغارت!! فمن للزنادقة.. وفوارس البيان قد غابوا؟!! ورغم سريان سموم الزندقة في حياتنا الإعلامية فلن يضر جسد لغتنا العربية المحفوظة بحفظ الله لها تلكم السموم.. ورغم غياب الفوارس الذين كانوا يذبون عن لغتنا العربيةإلا أن رحم الأمة ولود والحمد لله.
فضل علماء اللغة في كشف زيغ الزنادقة:
وقد يعجب القارئ لحديثنا عن فضل علماء اللغة في حماية العقيدة!! وقد يسأل سائل: وأين موقع علماء الأصول والحديث والفقه في حماية العقيدة؟!! نحن لا ننكر فضل هؤلاء جميعاً في حماية العقيدة الإسلامية. فكل هؤلاء يقفون في جبهة الإسلام العريضة التي تسع الجميع.. فالأمام أحمد بن حنبل المتوفى 241هـ له كتاب ماتع في الرد على الزنادقة وخاصة في مجال الشبهات التي كانوا يثيرونها حول تعارض آي القرآن.. والكتاب مطبوع بالعنوان التالي: (الرد على الزنادقة والجهمية) المطبعة السلفية بالقاهرة محقق في جزء واحد.. لكن السبق لأهل اللغة في كشف الشعوبية والزندقة أمر لا ينكره علماء الأصول والحديث والفقه.. فرواد اللغة الأوائل لهم الفضل في كشف لحن القول ودحض شبه المبطلين.. لم لا؟!! مع التنبيه أن علماء اللغة والأدب قديماً كانوا أهل حديث وفقه وتاريخ لكن شهرتهم جاءت من خلال تخصصهم في كتب الأدب واللغة.. وقد حمل لواء هذه المعركة أمامان من أئمة اللغة والبيان.. أما الأول: الجاحظ المعتزلي (ت 255هـ). وأما الثاني: هو خطيب أهل السنة ابن قتيبة (276هـ)..
أولاً: الجاحظ المعتزلي:
هو أبوعثمان عمرو بن بحر ولد في البصرة وقضى فيها أكثر عمره ولكنه في 204هـ رحل إلى بغداد ثم علا نجمه لما اتصل بوزير الخليفة المعتصم محمد بن عبد الملك الزيات فأصبح من الموسرين وذاع صيته في العالم الإسلامي .. ومن أشهر كتبه: نظم القرآن ،البيان والتبيين، والحيوان، وفضيلة المعتزلة، والرد على اليهود، الرد على النصارى، البخلاء، كتاب اللصوص وغيرها ذلك من كتب ورسائل.. ثم رجع إلى البصرة وهناك أصيب بشلل في جسده ومات في المحرم سنة 255هـ وعمره نحو ست وتسعين سنة. وقد: "تصدى الجاحظ وابن قتيبة لهذه النزعة الآثمة وردّا عليها رداً عنيفاً، أما الجاحظ فعقد في كتابه "البيان والتبيين" باباً طويلاً سماه "كتاب العصا" صوّر فيه طعن الشعوبية على العرب في خطاباتهم، إذ كانوا يشيرون فيها بالعصي والمخاصر، كما كانوا يتكئون على القسي، مما يصرف في رأي الشعوبيين الخاطر ويشغل الذهن أثناء الخطابة.. وزعموا أن الفرس أخطب من العرب .. وكل ذلك نازعهم الجاحظ في عنف شديد، ولكي يبلغ كل ما كان يريد إفحامهم ومقاومتهم جعل كتابه (البيان والتبيين) رداً مفحماً عليهم، إذ خصصه لعرض الثقافة العربية الخالصة في صورها المختلفة من الخطابة والشعر والأمثال، كي يروا رؤية العين ما في هذه الثقافة من قيم بلاغية وجمالية، فينتهوا عن مزاعمهم ويثوبوا إلى رشدهم"
ثانياً: ابن قتيبة السني:
هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، ولد بالكوفة سنة 213هـ ونشأ في بغداد وكان عالماً بالفقه والتفسير والحديث واللغة والنحو والأدب والتاريخ؛ ومن شيوخه اسحاق بن راهوية وأبو حاتم السجستاني وغيرهما. وقد تولى القضاء في مدينة دينور لذلك سمي بالدينوري.. وقد كان خطيب أهل السنة شديداً على المعتزلة وهاجم النظام والعلاف واتهم الجاحظ بأنه يؤللف الكتب للتسلية وليس لرفع شأن الدين، وله كتب عديدة منها: عيون الأخبار، وأدب الكاتب، وكتاب مشكل القرآن، تأويل مختلف الحديث، كتاب المعارف، والشعر والشعراء وغيرها.. وكانت وفاته في بغداد في أول رجب سنة 276هـ. وقد ألف ابن قتيبة في الرد على الشعوبيين مبحثاً سماه "كتاب العرب أو الرد على الشعوبية" وهو في مطالعه يذكر أن من أشد الشعوبيين عداوة للعرب قوماً من كتاب الدواوين امتعضوا لآداب أقوامهم.. ويقول إنهم كانوا يُزرون على الحكم والأمثال العربية بما يروون عن الفرس واليونان من آداب وعلوم. ولم يكتف بعنفه عليهم في هذا المبحث الطريف، فقد عنف بهم في مقدمة كتابه (أدب الكاتب) مصوراً قصورهم عن النهوض بوظيفتهم الأدبية في الدواوين لنقد ثقافتهم العربية. وقد حاول محاولة طريفة في كتابه "عيون الأخيار" أن يجمع بين تلك الثقافة والثقافات الأجنبية ليبين أنها كلها ضرورية ولاتعارض بينها بوجه من الوجوه مما قضى على الشعوبية قضاءً مبرماً" أقول: هكذا فطن أهل اللغة لخطورة دعوى الشعوبية التي كانت تحتقر العرب وتفضل الفرس وتمجد لغتها على لغة العرب ولم تقتصر هذه الشعوبية على الفرس فقط بل امتدت إلى سائر الأمم التي أذعنت للعرب كالزنج، والزط من أهل السند، وكالنبط والقبط والبربر وغيرهم. معنى ذلك أن النتيجة المنطقية لهذه الدعوى الشعوبية هو احتقارهم لنبي العرب صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله عليه قرآناً عربياً.. ومن ثم كانت الشعوبية الوجه الآخر للزندقة فهما بحق وجهان لعملة واحدة.. ومن منطلق هذه التقدمة سأقصر حديثي حول النقاط التالية: أولاً: معنى الزندقة لغة. ثانياً: متى وكيف ظهرت الزندقة في التاريخ الإسلامي. ثالثا: الزنادقة الأوائل. مع مختارات من كتاباتهم وأشعارهم. رابعاً: الزنادقة الجدد مع مختارات من كتاباتهم . خامساً: صفوة القول.
أولاً: معنى الزندقة لغة:
اختلف الباحثون في أصل هذه الكلمة "زندقة" لكن أقرب الأقوال إلى هذه الكلمة: "فارسي معرب عن زنديك فإنّ الكلمة كانت تطلق بمعناها الأصلي على المؤمن المخلص من أتباع ماني. ولما كان الزادشتية يعدون المانوية ملحدين خارجين على الزرادشتية، فقد أطلقت عندهم على كل ملحد لا يؤمن بالدين الحق. وفي ذلك يقول "براون" شارحاً له ومدللاً عليه: "كلمة زنديق صفة فارسية معناها متتبع الزند أي الشروح القديمة للأفستا وهو كتاب زرادشت المفضل له على النص المقدس. وقد سمي المانوية زنادقة لميلهم إلى تأويل الكتب المقدسة للديانات الأخرى وشرحها حسب آرائهم وأهوائهم" أقول: والذي يرجح أن أصلها فارسي معرب ما جاء في لسان العربي لابن منظور: الزِّنْدِيقُ القائل ببقاء الدهر , فارسي معرب, وهو بالفارسية : زَنْدِ كِرَايْ , يقول بدوام بقاء الدهر. والزَّنْدَقةُ الضِّيقُ , وقيل : الزِّنْدِيقُ منه لأنه ضيّق على نفسه. التهذيب : الزِّنْدِيقُ معروف, و زَنْدَقَتُه أنه لا يؤمن بالآخرة ووَحْدانيّة الخالق . وقال أحمد بن يحيى : ليس زِنْدِيق ولا فَرْزِين من كلام العرب , ثم قال; ولكن البَياذِقةُ هم الرّجّالة , قال : وليس في كلام العرب زِنْدِيق , وإنما تقول العرب رجل زَنْدَق و زَنْدَقِيّ إذا كان شديد البخل, فإذا أرادت العرب معنى ما تقوله العامة قالوا : مُلْحِد ودَهْرِيّ , فإذا أرادوا معنى السِّنِّ قالوا : دُهْرِيّ , قال : وقال سيبويه الهاء في زَنادِقة وفَرازِنة عوض من الياء في زِنْدِيق وفَرْزِين , وأصله الزَّنادِيق الجوهري : الزِّنْدِيقُ من الثَّنَوِيَّة وهو معرب , والجمع الزَّنادِقة وقد تَزَنْدَقَ والاسم الزَّنْدَقة" وفي مختار الصحاح: "الزنديق م الثنوية وهو فارسي معرب وجمعه زنادقة وقد تزندق والاسم الزندقة." وجاء أيضاً في محيط المحيط: " زندق - تزندق الرجل صار زنديقًا أو تخلق بأخلاق الزّنديق. وقولهم من تمنطق تزندق أي من تعلَّم علم المنطق تهوَّر في الزّندقة لأنهُ يتورَّط في الأقيسة والنتائج بما يُفسد العقائِد الدينيَّة التي مدارها على التسليم .. رجلٌ زَنْدَقٌ وزَنْدَقيٌّ أي شديد البخل الزَّّندقة الاسم تزندق. يقال عندهُ زندقٌة .. الزُّّنْدُوق لغةٌ في الصندوق الزِّّنْدِيق من الثنويَّة أو القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبيَّة أو من يُبطِن الكفر ويُظهِر الإيمان. ومنهُ قول الشاعر: بغـداد دارٌ لأهل المال طيّبةٌ وللمفاليس دار الضنك والضيقِ ظللتُ حيران أمشي في أزِقَّتها كأنني مُصحفٌ في بيت زنديقِ معرَّب زَن دِين أي دِين المرأة ج زناديق زنادِقة. والتاءُ عوض الياء المحذوفة. والزّنادقة في بعض ترجمات العهد الجديد هي تحريف الصدوقيّين نسبةً إلى صدوق الذي أنكر الروح والبعث وغير ذلك. والزّنديق عند العامَّة من لا يراعي حرمةً ولا يحفظ مودَةً " وقد ورد هذا المعنى في قاموس "لاروس": "الزندقة: ابطان الكفر وإظهار الإيمان: مذهب القائلين بدوام الدهر من أصحاب زرادشت" أقول: لكن هذا المعنى تطور ولم يقتصر على أصحاب ماني لذلك يرى بعض المؤرخين أن للزندقة عدة معان تختلف باختلاف العصور.. "فقد كان العرب يطلقون لفظ (زنديق) على من ينفي وجود الله سبحانه، أو يقول إن له شريكاً. وقيل: إن الزنديق مَنْ يبطن الكفر ويظهر الإيمان.. وكان لفظ زنديق يطلق أول الأمر على كل من يتأثر بالفرس في عادتهم ويسرف في العبث والمجون، ثم صار يطلق بعد ذلك على كل من يتخذ عقائد المانوية شعاراً له، ويتمسك بعقيدة الثنوية، وعبادة إلهين اثنين، واتباع تعاليم ماني. ثم توسعوا في العصر العباسي في إطلاق لفظ الزندقة، فأصبح يطلق على من ينكر الألوهية، أو يتظاهر بالظرف" ويرى د.عبد الرحمن بدوي أن: "زنديق" لفظ غامض مشترك قد أطلق على معان عدة، مختلفة فيما بينها على الرغم مما قد يجمع بينها من تشابه، فكان يطلق على من يؤمن بالمانوية ويثبت أصلين أزليين للعالم: هما النور والظلمة. ثم اتسع المعنى من بعد اتساعاً كبيراً حتى أطلق على من يكون مذهبه مخالفاً لمذهب أهل السنة أو حتى من كان يحيا حياة المجون من الشعراء والكتاب ومن إليهم" الزندقة إذن: "حركة دينية سياسية، ابتغى أصحابها بعث الديانات الثنوية الفارسية، وكان أكثرهم يعتنقون المانوية خاصة، وكان أهل الإباحة منهم يتأثرون المزكية أيضاً. وقد دبروا لطمس العقيدة الإسلامية، ونسف ُمثل الأمة العربية، ليقوضوا الدولة الإسلامية، ويعيدوا الدولة الفارسية الثنوية، وكان الزنادقة مخادعين أذكياء، ودُهاة خبثاء، فتستروا بالإسلام، وأسروا الكفر، إخفاء لعقائدهم، وتغطية لأهدافهم، وتيسيراً لعملهم، وكان رؤساؤهم وأتباعهم من الموالي الفرس، وكان شعراؤهم أهم من جد منهم في إحياء تراثهم الديني ونشره، وأكبر من لجّ منهم في تخريب الإسلام وتهديمه وأشهر من نشط منهم في تشويه الخلق العربي وتحطيمه. واشتط في ذلك منهم الشعراء الموالي الكوفيين أكثر من البصريين، لأن الكوفة سبقت البصرة في الزندقة، وفاقتها في الإباحة. وكان مطيع بن إياس وحماد عجرد .. أخطر الزنادقة من أهل الكوفة، وكان بشار بن برد، وصالح بن عبد القدوس أخطر الزنادقة الموالي من أهل البصرة. وكان بجانبهم مجانّ وفسقة وعصاة من الشعراء من أهل الكوفة مثل أبي دلامة وعلي بن الخليل، ووالبة بن الحباب، ومن أهل البصرة سلم الخاسر وأبان بن عبد الحميد، وأبي نواس .. وقد اتهموا جميعاً بالزندقة الدينية"
التعريف المختار لمعنى كلمة الزندقة:
بعد هذا العرض السابق لتطور معنى الزندقة نرى أن كلمة زنديق تعني من أبطن الكفر وأظهر الإسلام سواء أكان هذا الكفر المانوية أو الفرعونية أو الفينيقية أو البربرية أو النوبية أو العلمانية وغيرها من المذاهب أو النعرات أو القوميات المناهضة والمناقضة للإسلام. فالجامع لهؤلاء هو إبطانهم واخلاصهم له.. ورغم ذلك فإنهم يتمسكون بكلمة الإسلام أما خشية انتقام الأمة منهم وأما خبثاً ليروجوا مذاهبهم وعقائدهم الباطلة تحت عباءة الإسلام.. وعلى أية حال فالزندقة الحديثة أشد خطراً على الإسلام وتعاليمه من الزندقة القديمة إذ كان للمسلمين دولة وخليفة وقضاة يحمون بيضة الإسلام ويخشى سطوتهم الزنادقة قديماً.. أما اليوم فلا يوجد للمسلمين دولة تذود عن عقيدتهم.. ووسائل الإعلام المسعورة تتسابق على نهش الإسلام ونشر غثاء الزنادقة الجدد.
ثانياً: متى وكيف ظهرت الزندقة:
ذكر بعض المؤرخين والباحثين أن تاريخ محاكمة الزنادقة وتتبعهم منذ عهد الخلفاء العباسيين الأول؛ المهدي والهادي والرشيد وسار على نفس الدرب المأمون والمعتصم. وقد حدد المستشرق "فيدا" بداية محاكمة الزنادقة من سنة 163هـ إلى سنة 170هـ أي في السنوات الأخيرة من خلافة المهدي وإبان خلافة الهادي. "ففي سنة 163هـ بدأت حملة المهدي العنيفة على الزنادقة بأن أمر عبد الجبار المحتسب، والذي يلقبه صاحب الأغاني بلقب (صاحب الزنادقة) بالقبض على الزنادقة الموجودين داخل البلاد. فقبض على من استطاع القبض عليه وأتوا به إلى الخليفة الذي كان حينئذ في دابق، وأمر بقتل بعضهم وتمزيق كتبه. واستمر الخليفة في هذا الاضطهاد في السنوات التالية حتى بلغ الاضطهاد غايته في الفترة ما بين 166هـ وسنة 170هـ وكان يقوم على أمر هذا الاضطهاد قضاة مخصوصون، أشهرهم عبد الجبار الذي ذكرناه آنفاً، وعمر الكلوزي الذي عُين في سنة 167هـ، ثم محمد بن عيسى حمدويه الذي خلف عمر" هكذا حدد المستشرق "فيْدا" بداية ظهور الزندقة إلى العلن وذلك بإعلان الخليفة المهدي الجهاد على هؤلاء الزنادقة وكان الإعلان الرسمي للدولة في سنة 163هـ. أقول: لكن لنا تحفظات على ما ورد من استخدام بعض الألفاظ في عبارة المستشرق فيدا: مثل قوله (بدأت حملة المهدي العنيفة).. وكذا تكرار كلمة (اضطهاد) التي توحي بمعاناة الزنادقة وكأنهم تعرضوا لحملة جور وظلم من قبل دولة الخلافة!! وفيها أيضاً إيحاء بالعطف على هؤلاء الزنادقة.. وكنا نود أن يعترض الدكتور عبد الرحمن بدوي على هذه الألفاظ وخاصة أنه ترجم هذا المقال الذي كتبه فيدا إلى العربية.. فاضطهاد المهدي للزنادقة هو جهاد شرعي، وعنف المهدي مع الزنادقة من باب قوله تعإلى (وليجدوا فيكم غلظة).. ويرى بعض المؤرخين أن ظهور الزندقة كان قبل الخليفة المهدي أي في أواخر الخلافة الأموية.. فابن النديم المتوفى 380هـ ذكر أسماء رؤساء المانوية قبل الخلافة العباسية: "كان الجعد بن درهم الذي ينسب إليه مروان بن محمد، فيقال مروان الجعدي، كان مؤدباً له ولولده، فأدخله في الزندقة، وقتل الجعدَ هشامُ بن عبد الملك في خلافته، بعد أن طال حبسه في يد خالد بن عبدالله القسري، فيقال إن آل الجعد، رفعوا قصة إلى هشام يشكون ضعفهم، وطول حبس الجعد، فقال هشام: أهو حي؟ وكتب إلى خالد في قتله، فقتله يوم أضحى وجعله بدلاً من الأضحية بعد أن قال ذلك على المنبر بأمر هشام" الشاهد من قول ابن النديم أن الزندقة كانت أيام الأمويين أيضاً وإن كنا لا نتفق معه في رميه الخليفة الأموي مروان بن محمد بالزندقة لعدم وجود وثائق تاريخية تشير إلى زندقة هذا الخليفة.. ومثل هذه التهم يجب الحذر منها لأنها تهم يشنها الخصوم للتشنيع بالآخرين بغية بناء حواجز نفسية لدى الغير بمجرد سماع مثل هذه التهم!!
السبب في عدم ظهور الزندقة إلى العلن في عهد الأمويين:
لم تظهر الزندقة في المجتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري، لأن الخلافة الأموية كانت في أوج عزتها وعنفوان قوتها، وكانت واقفة بالمرصاد لكل أصحاب الملل المناقضة للروح الإسلامية، لذلك فإن نشأة الزنادقة كانت في القرن الثاني الهجري، وكان عددهم محدوداً ونشاطهم في غاية السرية. بالإضافة إلى أن قيام الدولة العباسية كان بسواعد الموالي الفرس الذين قاتلوا مع العباسيين ضد الأمويين وكانوا سبب في القضاء على الدولة الأموية.. ومن ثم اعتمد عليهم الخلفاء العباسيون ووثقوا بهم وكافأوهم واستوزروهم واتخذوا منهم بطانة وقادة لجيوش المسلمين.. إلا أن فئة من مفكريهم لم يلامس الإسلام شغاف قلوبهم وكانوا يحنقون على المسلمين بسبب ضياع ملك الأكاسرة على أيدي المسلمين فأسلموا ظاهراً وأبطنوا الكفر بغية تدمير دولة الخلافة من خلال نشر تعاليم ديانة الفرس القديمة مع نشرالشبهات حول القرآن وفضل العرب ونشرالفساد والعبث والمجون وإشاعة الإنحلال في المجتمع الإسلامي المتماسك بالعقيدة الإسلامية.. هكذا كان الزنادقة في كمون أيام الأمويين ثم ظهروا إلى العلن أيام العباسيين واشتد أوار الزندقة في القرن الثالث الهجري وظهر في منتصف هذا القرن ابن الريوندي وأبو عيسى الوراق والرازي وغيرهم!! وكان صعود نجمهم في القرن الرابع الهجري لذلك لا عجب أن يؤلف المستشرق (آدم متز) كتابه الشهير (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري) وهو كتاب ترجمه للعربية الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده وطبعه دار الكتاب العربي ببيروت والكتاب مطبوع في مجلدين.. ولعلنا نتساءل: لماذا اختار آدم متز القرن الرابع الهجري ليكون هو عصر النهضة في الإسلام؟! السبب أن الدولة الإسلامية كانت في هذا القرن والذي قبله قد دب فيها الضعف والتشرذم وظهور دويلات مستقلة وانتشار المذاهب الهدامة كالقرامطة الذين نشر الذعر والقتل في العالم الإسلامي واستباحوا قوافل الحجاج واقتلعوا الحجر الأسود من الكعبة المشرفة الذي ردوه سنة 339هـ .. هل هذه قمة الحضارة الإسلامية التي يقصدها آدم متز؟! وفي هذا القرن ظهرت أفكار الإلحاد على نطاق واسع وظهر الزنادقة الكبار كالحلاج ت 309هـ، والشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ت 322هـ الذي كان يقول إن الله يحل في كل شئ.. وأن اللاهوتية اجتمعت في علي رضي الله عنه!! وقد كان الشلمغاني وعصابته الحلولية: "يغتفرون ترك الصلاة والصيام والإغتسال؛ وكانوا لا يتناكحون على السنة، بل يبيحون الفروج، ولا ينكرون أن يطلب أحدهم من صاحبه حرمته، وكانوا يرون أنه لا بد للفاضل منهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه" وإلى غير ذلك من لواط كما يفعل عبدة الشيطان في زماننا وكما يقول زنادقة الأدب من كفريات في عصرنا الحالي!! وإذا كان القرن الرابع الهجري حسب مقياس متز هو قمة الحضارة الإسلامية فماذا عسانا أن نسمي القرن الثاني الهجري وهو عصر المهدي والرشيد والمأمون والمعتصم ويتنهي بالمتوكل!! إذن هذه تقاسيم تاريخية جائرة وغير موضوعية بل نشتم من تقويم هذه الحقب رائحة الخبث والتشويه!! وعلى أية حال فرغم تتبع الخلفاء العباسيين للزنادقة ومحاكمتهم بموجب الشرع ومناظرتهم أمام كبار العلماء والقضاة حتى لا تكون لهم حجة. رغم كل ذلك استمر الزنادقة جيلاً تلو جيل يعيشون في ظلام التاريخ، ويشتد عودهم كلما ضعفت دولة الإسلام! وأود أن أنبه على قضية هامة ألا وهي قد يظن ظان أن ظهورالزندقة والشعوبية في القرن الثاني الهجري وتتبع الخلفاء العباسيين لهم ومحاكمتهم معنى ذلك أن المجمتمع الإسلامي كان يغلبه الزندقة والشعوبية وأنه كان مجتمعاً ملحداً منحرفاً يغلب عليه العبث والمجون والإنحلال الإخلاقي.. بالطبع هذا تصور بعيد عن الواقع والحقائق التاريخية، فالمجتمع الإسلامي في القرن الثاني الهجري كان قريب من زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تزل روح الإسلامي هي المرفرفة في سمائه وقد كان هناك الفقهاء وأهل الحديث والزهاد والعباد والجيوش المرابطة والجيوس التي تخرج إلى الغزو في رحلتي الشتاء والصيف، وكانت هناك الفتوحات ودخول الناس في دين الله أفواجاً.. لذلك من الخطأ أن يتبادر إلى الذهن أن المجتمع الإسلامي في القرن الثاني الهجري كانت تشيع فيه روح الفساد والإنحراف .. فالزندقة والشعوبية كانت في فئة خاصة من أبناء العجم الذين كانوا في تآمر دائم على دول الإسلام.. وأما الإنحراف والمجون فقد كان مقصوراً على طبقة مترفة، وكانت هذه الطبقة منبوذة لدى عامة الناس.
ثالثا: الزنادقة الأوائل مع مختارات من كتاباتهم وأشعارهم:
ذكر ابن النديم أسماء رؤساء الزنادقة: "ومن رؤسائهم المتكلمين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الزندقة: ابن طالوت، أبو شاكر، ابن أخي أبي شاكر، ابن الأعدى الحريزي، ونعمان بن أبي العوجاء، صالح بن عبد القدوس، ولهؤلاء كتب مصنفة في نصرة الاثنين (النور والظلمة) ومن مذاهب أهلها وقد نقضوا كتباً كثيرة صنفها المتكلمون في ذلك. ومن الشعراء: بشار بن يرد، إسحاق بن خلف، ابن نباتة، سلم الخاسر، على بن الخليل، على بن ثابت، ومن تشهر أخيراً أبو عيسى الوراق، وأبو الناشي، والجبهان بن محمد بن أحمد" وذكر ابن النديم أيضاً من كان يُرمى بالزندقة من الملوك والرؤساء: "قيل إن البرامكة بأسرها، إلا محمد بن خالد بن برمك، كانت زنادقة، وقيل في الفضل وأخيه الحسن مثل ذلك، وكان محمد بن عبيد الله كاتب المهدي زنديقاً واعترف بذلك فقتله الخليفة المهدي" أقول: هكذا استبان لنا خطر الزندقة لدرجة أنهم تغلغلوا في جهاز دولة الخلافة وصارت لهم مناصب كبيرة من رؤساء وشعراء!! ومن ثم لا عجب أن يوصي الخليفة العباسي المهدي (ت169هـ) ولده موسى الهادي (ت170هـ) بتتبع الزنادقة وجهادهم وكشفهم والفتك بهم.. حيث يقول الخليفة المهدي في وصيته:
وصية الخليفة المهدي:
"يا بني إذا صار الأمر إليك فتجرد لهذه العصابة، يعني أصحاب ماني، فإنها تدعوا الناس إلى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش، والزهد في الدنيا، والعمل للآخرة، ثم تخرجها من هذا إلى تحريم اللحوم، ومسّ الماء الطهور، وترك قتل الهوام تحرجاً، ثم تخرجها إلى عبادة: اثنين أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات، والاغتسال بالبول، وسرقة الأطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور، فارفع فيها الخشب، وجرّد السيف فيها، وتقرّب بأمرها إلى الله. فإني رأيت جدي العباس رضي الله عنه في المنام قد قلدني سيفين لقتل أصحاب الاثنين" بعد هذا التطواف نتكلم عن أهم رموز الزنادقة قديماً نختار منهم: صالح بن عبد القدوس/ وبشار بن برد أما ابن الريوندي فيحتاج إلى بحث خاص.
أولاً صالح بن عبد القدوس:
هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس من أهل البصرة، كان يجلس للوعظ ويقص الأخبار. غير أنه كان يزين الثنوية (دين الفرس القديم)، فلما اشتهر أمره استقدمه الخليفة المهدي، لكنه هرب إلى دمشق واستخفى بها زمناً فلما عرف المهدي مكانه، وجه إليه قريشاً الحنظلي فقبض عليه وجاء له إلى بغداد. فحاكمه المهدي ثم قتله سنة 167هـ. ويجمع الإخباريون أن صالح بن عبد القدوس كان من كبار الزنادقة وأنه كان من الثنوية من أتباع ماني.. وقد ذكره ابن النديم في معرض ذكره عن كبار الزنادقة: " ومن رؤسائهم المتكلمين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الزندقة: ابن طالوت (..) وصالح بن عبد القدوس" وذكره الخطيب في تاريخه: " صالح بن عبد القدوس أبو الفضل البصري مولى لاسد أحد الشعراء اتهمه المهدى أمير المؤمنين بالزندقة فأمر بحمله اليه واحضره بين يديه فلما خاطبه اعجب بغزارة ادبه وعلمه وبراعته وحسن بيانه وكثرة حكمته فأمر بتخلية سبيله فلما ولى رده وقال له ألست القائل والشيخ لا يترك أخلاقه *** حتى يوارى في ثرى رمسه إذا ارعوى عاد إلى جهله *** كذى الضنى عاد إلى نكثه قال: بلى يا أمير المؤمنين. قال: فأنت لا تترك أخلاقك ونحن نحكم فيك بحكمك في نفسك ثم أمر به فقتل وصلب على الجسر.. ويقال إن المهدى أبلغ عنه أبيات يعرض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم فاحضره المهدى وقال له أنت القائل هذه الأبيات قال لا والله يا أمير المؤمنين والله ما أشركت بالله طرفة عين فاتق الله ولا تسفك دمى على الشبهة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات وجعل يتلو عليه القرآن حتى رق له وأمر بتخليته فلما ولى قال أنشدنى قصيدتك السينية فأنشده حتى بلغ البيت أوله والشيخ لا يترك أخلاقه فأمر به حينئذ فقتل ويقال إنه كان مشهورا بالزندقة وله مع أبي الهذيل العلاف مناظرات" قال عنه الذهبي في ميزان الإعتدال: (صاحب الفلسفة والزندقة).. وذكر ابن المعتز سبباً لا عتقاله وهو أنه طعن على الرسول صلى الله عليه وسلم ورجح أن الخليفة هارون الرشيد هو الذي قبض عليه وتولى محاكمته، وأمر بقتله، وإن كان معظم المؤرخين يرون أن المهدي هو الذي قتله .. وعلى أية حال هم متفقون جميعاً على زندقة صالح بن عبد القدوس وأنه ألف كتباً في نصرة المانوية وتصدى للمتكلمين الذين كانوا يدافعون عن الإسلام.. المهم أن ابن المعتز تفرد بهذه الرواية التي تثبت زندقة ابن عبد القدوس حيث يقول: "حدثت من غير هذا الوجه بما هو عندي أثبت من الأول، وذلك ما رويناه أنه أنهي إلى الرشيد عنه هذه الأبيات، يعرض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم: غصب المسكينَ زوجتَهُ *** فجرتْ عيناهُ من دُرَرهْ ما قضى المسكينُ من وطرِ *** لا ولا المعشارَ من وطرهْ عذتُ بالله اللطيف بنا *** أن يكونَ الجوْرُ من قَدَره " خلاصة القول في صالح بن عبد القدوس: أنه كان زنديقاً زندقة دينية لا زندقة اجتماعية.. فلم تكن زندقته على سبيل اللهو والعبث والمجون، بل كان يعتقد تعاليم ماني الفارسية القديمة اعتقاداً صادقاً، وكان يومن بالإثنية والإمتزاج بين إله النور وإله الظلمة، وكان يتمسك بنحلته وبمعتقده تمسكاً قوياً، ويدافع عنه دفاعاً مستميتاً.
ثانياً: بشار بن برد (ت167هـ):
"أصل بشار بن برد من طخارستان في أقصى خراسان وقع جده يرجوخ في سبي المهلب بن أبي صفرة حينما كان والياً على خراسان (78 إلى 82هـ) فأهداه إلى امرأته خيرة بنت ضمرة القشيرية، وكانت تقيم بضيعة لها بالبصرة. ولما وصل يرجوخ إلى البصرة كان معه طفل صغير اسمه بُرد. ولما بلغ برد مبلغ الرجال زوجته مولاته خيرة فتاة من بني عقيل، فولد له بشار سنة 91هـ في الأغلب. ولد بشار أكمه (لا يبصر) ونشأ على الفقر وكان شريراً. ثم بدأ قول الشعر وهو لا يزال حدثاً وأخذ يهجو الناس. ويتم بشارٌ عن أبيه وهو بعد صغير. ثم قضى بشار معظم حياته في البصرة وتلقى فيها ضروباً من العلم تسرب إليه معها كثير من الزندقة .. فاتهم بالزندقة وبأن غزله فاحش يدعو إلى الفسق ثم قتل في البصرة نحو 167هـ. كان بشار شعوبياً زنديقاً" أقول: هذا هو بشار بن برد القائل: إبليسُ أفضلُ من أبيكم آدم *** فتبينوا يا معشر الفجار النارُ عنصره وآدم طينة *** والطين لا يسمو سمو النارِ الأرضُ مظلمةٌ والنارُ مشرقةٌ *** والنارُ معبودةٌ مذ كانت النار بكل تبجح يقدم بشار إبليس على آدم عليه السلام لأن إبليس مخلوق من نار، ويرجح رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم عليه السلام!! لذلك لما سمع واصل بن عطاء المعتزلي شعر بشار السابق قال: "أما لهذا الملحد الأعمى المشنف المتكنى بأبي معاذ مَنْ يقتله؟ أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية (أي المانوية) لبعثت إليه مَنْ يبعج بطنه على مضجعه، ويقتله في جوف منزله" يقول عنه عبد القاهر البغدادي: "وحكى أصحاب المقالات عن بشار أنه ضمّ إلى ضلالته في تكفير الصحابة وتكفير عليّ معهم ضلالتين أخريين إحداهما قوله برجعة الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة كما ذهب إليه أصحاب الرجعة من الرافضة. والثانية قوله بتصويب إبليس في تفضيل النار على الأرض" قال عنه الذهبي: "اتهم بالزندقة فضربه المهدي سبعين سوطاً ليقر فمات منها وقيل كان يفضل النار وينتصر لإبليس.. هلك سنة سبع وستين (ومائة) وبلغ التسعين" أقول: هذا هو بشار بن برد الذي يهيم به العلمانيون!! لقد كان بشار بن برد مستخفاً بالدين مضيعاً للفروض، إذ كان يدعي الخروج إلى الحج، لينفي تهمة الزندقة عن نفسه، ثم يعود على الحانات، فيقضي وقت الحج بين القيان والخمر، حتى إذا قربت عودة الحجيج حلق رأسه واندس بين القافلين المارين به، لكي لا يشك الناس في أمره. كما كان يبيح لنفسه ترك الصلاة مع الجماعة، مدعياً أنه لا يبصر ولا يتقن أداءها، إذ يقول: وإنني في الصلاة أحضرها *** ضحكة أهل الصلاة إن شهدوا أقعدُ في الصلاة إذا ركعوا *** وارفع الرأس إن هم سجدوا ولستُ أدري إذا أمامهم *** سلم كم كان ذلك العددُ "ويبدو أنه لك يكن صادقاً في دفاعه عن نفسه واقناعه للناس بعدم التعرض له لتخلفه عن صلاة الجماعة، فإنه كان لا يصلى في بيته، إذ يقول بعض أصحابه: (كنا نكون عنده، فإذا حضرت الصلاة قمنا إليها، وجعلنا على ثيابه تراباً حتى ننظر هل يقوم يصلي، فكنا نعود والتراب بحاله وما صلى" هذا هو بشار بن برد الذي يسبح بشعره العلمانيون وأهل الحداثة!! لذلك لا غرو أن يدافع عنه الزنادقة الجدد كأدونيس في كتابه الثابت والمتحول.. لا غرو أن يدافع عنه بشار وحماد عجرد وأبي نواس وغيرهم من أهل الزندقة والمجون والخلاعة. لا غرو أن تحصل جيهان صفوت زوجة الرئيس الهالك أنور السادات على درجة العالمية من جامعة القاهرة بتقدير امتياز في رسالتها عن بشار بن برد شيخ الحداثة، ذلك المعذب صاحب الفكر المستنير ضد السلطة الرجعية!! لاغرو أن يتغنى الزنادقة الجدد بشعر شيخ الحداثة والخلاعة بشار بن برد الذي وضع اللبنات الأولى للزندقة وتسهيلها لدى عوام الناس عن طريق عذوبة شعره وتفننه في توليد المعاني. بشار بن برد شاعر الخلاعة والتحريض على الفسوق هو القائل: قد لا مني في خليلتي عُمَرُ *** واللومُ في غير كنهه ضجرُ قال أفق قلتُ: لا. قال: بلى *** قد شاع في الناس منكما الخبرُ ثم يتمادى في وصفه للقبلة واللمسة ودغدغة المشاعر: حسبي وحسبُ الذي كلفتُ به *** مني ومنه الحديث والنظرُ أو قبلة في خلال ذاك وما *** بأسٌ إذا لم تُحَلََّ لي الأزرُ أو عضةٌ في ذراعها ولها *** فوق ذراعي من عضّها أثرُ أو لمسةٌ دون مرطها بيدي *** والبابُ قد حال دونه السترُ والساقُ براقةٌ مخلخلها *** أو مصُّ ريقٍ وقد علا البَهرُ واسترخت الكفُّ للعراكِ وقا *** لت إيه عني والدمعُ منحدرُ انهضْ فما أنت كالذي زعموا *** أنت وربي مغازلٌ أشرُ يا ربّ خذ لي فقد ترى ضرعي *** من فاسق ما به سَكرُ فعلى هذا المنوال نسج بشار قصائده التي تحض على الفحش والرذيلة ورغم تلونه وتفلته كثيراً من عقوبة الزندقة إلا أنه شهد عليه شهود عدول أمام قضاة يحكمون بما أنزل الله وفي حضور خليفة المسلمين المهدي فأمر بضربه سبعين سوطاً حتى هلك.. ولكن بقي شعره المفعم بالزندقة يتوارثه خفافيش الزندقة بغية تحقيق مآربهم الخبيثة.. أقول: أود أن أشير إلى أن هناك أديباً وناقداً كبيراً قد حلل شعر بشار بن برد بطريقة علمية رائعة ألا وهو الدكتور نجيب محمد البهبيتي أستاذ الأدب العربي بالقاهرة في كتابه الماتع (تاريخ الشعر العربي حتى أواخر القرن الثالث الهجري) وهو كتاب عظيم الفائدة طبعته مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الكتاب العربي بلبنان.. ويعتبر الدكتور البهبيتي من أفضل من سبر غور الشعر العربي القديم وخاصة شعر بشار بن برد بل إنه غاص في تحليل الصورة الشعرية لدى بشار وتحليل أوصافه وتراكيب أبياته وقارنها بصور شعراء سابقين بل إنه حطم أسطورة بشار بن برد الشعرية بالدليل.. تلكم الصورة التي يتغنى بها الحدثيون ومن على شاكلتهم، أتمنى أن ينشر هذا الكتاب على نطاق واسع لكي تعم الفائدة ويميز القراء الخبيث من الطيب.. صفوة القول في بشار بن برد: شاعر شعوبي حاقد كاره للعرب كرهاً شديداً، يفتخر بالفرس وبحضارتهم ويعتد

طارق شفيق حقي
11/01/2007, 12:40 AM
المجون في شعر بشار بن برد دوافعه وأبعاده ـــ د.أحمد علي محمّد([/url]*)


المقدمة:

دواعي البحث ومشكلته ومنهجه:

كانت دوافع أغلب الدراسات الأدبية التي تناولت موضوع المجون في الشّعر العباسي خاصة تتركز حول أثر الظروف التاريخية التي أسهمت في نشوء تلك الظاهرة، فكانت النتيجة التي خلص إليها معظم تلك الدراسات لا تخرج عن حدود الأحكام العامة والتقييدات المنهجية التي يظهر بموجبها الشعراء وكأنّهم انتظموا في مدارس وهيئات منظمة وحملوا أفكاراً محددة ثم أشاعوها بصورة مقصودة، ومن هنا تسنى لكثير منهم الكلام على تيارات ومذاهب واتجاهات لها خصائصها الفكرية والفنية المميزة، والواقع أنّ هذا النهج المدرسي في دراسة الفن قائم على مغالطة واضحة، ذلك لأنّ الفن خارج عن التقييد، وبعيد عن التصنيف، لأنّه محكوم بالخصوصية، من أجل ذلك كان تلمس الحقائق الموضوعية في دراسة ظواهر الفن لا يأتي بما هو موصولٌ بطبيعته.

إنّ التصنيفات المنهجية لا تكترث في النتاجات الأدبية إلا بما هو متكرر أو ما يشكّل خطوطَ ظاهرةٍ عامة، لتكون هنالك نتائج وخصائص ومقومات مشتركة لهذه الفئة من الشعراء أو تلك، وهنا تكمن الخطورة التي يخضع بموجبها الشّعر إلى أفكار مصممة مسبقاً، فإصرار الباحثين على استخلاص القيم العامة والخصائص المشتركة يلغي مفهوم الخصوصية لكلّ شاعر بل لكلّ نصٍّ، لأنّ الشّعراء مختلفون فيما بينهم، واستجابتهم للأفكار متباينة. هذا أمر، وأمرٌ آخر أنّ الشعر العربي في كلّ تفصيلات تاريخه لم يكن منبعثاً عن اتجاهات فكرية، ولم يكن ملتزماً بالتعبير عنها بصورة قسرية إلا ما كان من شعر الفِرَقِ، وهذا ليس اتجاهاً عأما في الشعر العربي على أية حال، أو أنّ شعر الفِرق لم يشكّل لدى القارئ العربي حضوراً دائماً في الذاكرة، وإنّما هو شعر تستدعيه الحوادث التاريخية والصراعات المختلفة التي كانت قائمة بين المذاهب والأحزاب، وقد أكد الزمّان أنّ الشّعر الجيد الذي عبر عن صموده الأزلي هو الشّعر الذي قيل بمعزل عن الظروف التي كانت تحيط به، وخارج إطار الأفكار التي كانت سائدة في حقبة من الحقب أيضاً، بدليل أننا نقرأ شعر المتنبي والبحتري وابن الرومي اليوم لما يمثله ذلك الشّعر من خصوصية، ومن هنا أصبح يلبي عندنا حاجة جمالية تشبع رغبتنا للتميز والإبداع.

لقد آثر أغلب من درس الشعر وَفْق تيارات فكرية اعتباره دليلاً على وجود تلك الأفكار وشيوعها وبيان آثارها في الواقع، بمعنى أنّ هذا النمط من الدراسات لم يُعْنَ بالظاهرة الأدبية، لأنّ المجون على سبيل المثال شكّل لديهم موضوعاً فكرياً، فكان الشعر حاملاً لذلك الموضوع، والأصل أن يُدرس المجون على اعتباره موضوعاً فنياً غير تابع للأفكار أو الأحداث، لأنّ الشّعر في الحقيقة لا يستطيع التعبير عن الأفكار الدقيقة كما يعبر عنها النثر، وإذا ما حدث مثل ذلك خرج الشّعر على طبيعته، بدليل أنّ الذين حاولوا تضمين الشّعر الأفكار والمعارف العلمية حولوه إلى قوالب جامدة دخلت في إطار الشعر التعليمي الذي يخلو من روح الفنّ، والحقّ أنّ الشّعر هو الذي يخلق الأفكار ويبتكر المعاني ويثير الانفعالات ومن ثَمَّ يحمل الناس على التأثر والتواصل والتمثل، يقول أبو تمام:


ولولا خلالٌ سنّها الشّعرُ ما دَرَى



بُغَاةُ المعالي أين تُؤتى المكارمُ


ومن الدراسات التي بالغت في تصنيف الأسباب الموضوعية لظاهرة المجون دراسة هدارة الموسومة بـ "اتجاهات الشعر في القرن الهجري الثاني" حيث وضع الباحث يده على جملة من الأسباب التي جعلت من المجون تياراً فنياً جارفاً، وقد حدد أولاً الإطار الزّمني لهذه الظاهرة بالقرن الهجري الثاني ملغياً المحاولات الفنية السابقة في هذا الموضوع لأنّها لم تشكّل عنده تياراً فنياً له خصائصه ومقوماته المميزة، ثم حدد مفهوم المجون بقوله: "هو ارتكاب المآثم والدعوة إلى التحلل الأخلاقي، ومجانبة الآداب بدعوى الحرية الفكرية"([2] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn1#_edn1))، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الشعر عبر فواصل تاريخه كان ينطق بما يوافق الأخلاق والفضائل؟ ثم متى كان الجانب الأخلاقي أو حتى الموضوع الشعري معياراً لجودة الفنّ عامة والشّعر خاصةً؟ وهل موضوع الهجاء ـ وهو من أوسع أبواب الشعر العربي ـ بعيدٌ عن ارتكاب المآثم والتحلل الأخلاقي، وخصوصاً ذلك الهجاء الذي يعمد فيه الشعراء إلى القذف والفحش؟ ثم هل كان الغزل العربي أو حتّى المديح خالصاً لوجه الأخلاق؟

إذا كان المجون عند هدارة ما هو إلا التصريح بالمآثم والتحلل الأخلاقي ومجانبة الآداب، فإنّ باباً واسعاً في الشّعر العربي دخل في المجون، وعليه فإنّ الباحث لم يوفق فيما أرى بتحديد هذا المفهوم تحديداً موضوعياً، أو أنّه لم يستطع ضبطه بما يوافق مجالات استخدامه الحقيقة، فما اصطلح عليه بشعر المجون وإن كان متسعاً إلا أنه لا يخرج عن حدود العبث مع ما ينطوي عليه ذلك المفهوم من عوالق وملابسات، وتحت هذا الإطار يمكن أن ندرج مجون بشار ومجون أبي نواس. والعبث لم يكن منقطعاً عن الأسباب والدوافع الشخصية، من أجل ذلك كان مجون بشار يختلف عن مجون أبي نواس، لأنّ هنالك من الأسباب النفسية والاجتماعية والثقافية والطباع ما يجعل المجون نزوعاً فردياً يدل على سمات خاصة، إذ الناس في هذه الأمور مختلفون، فهم وإن تقاسموا صفة العبث إلا أنّ لكلّ فرد دوافعه، ثم إن مؤدى العبث بين الشعراء متباين، فعبث بشار لم يصل إلى درجة تعابث أبي نواس مثلاً، كما أنّ عبث أبي دلامة لم يصل إلى درجة عبث بشار، فهؤلاء جميعاً كانوا من المجان ولكن لكلّ نفر منهم أسبابه ودوافعه.

لقد وقف كلّ من د. طه حسين وفلهوزن وعبد الرحمن بدوي كما يصور هدارة([3] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn3#_edn3))، عند أسباب المجون، فزعم د. طه حسين أنّ التماجن في الشعر قد بدأ بتحول السلطة من الأمويين إلى العباسيين، ويرمي من وراء ذلك إلى أنّ العنصر الفارسي كان له الأثر البارز في نشوء هذه الظاهرة، ثم تبنّى هدارة هذا الرأي عندما لاحظ أنّ أغلب الشعراء المُجّان كانوا من الموالي، وهذا مؤداه إلى أمرين: الأول يشي بأنّ عهد بني أمية كأنّه عهد لم يُعَبّر فيه الشّعراء إلا عن الفضائل، وهذا غير صحيح على الإطلاق فصور النقائض التي شارك فيها كبار شعراء بني أمية كلّها في الهجاء القائم على التهتك وتتبع سوءات الشعراء والطعن في أنسابهم وتحقيرهم إلى الحدّ الذي تنتفي فيه إنسانيتهم، ثم إنّ شعر الفرزدق وما فيه من فحش هل يُصَنّف خارج دائرة المجون؟

وإذا أعدنا النظر في غزل الأمويين كغزل عمر بن أبي ربيعة ووضاح اليمن وغيرهما، فهل نجد في ذلك الغزل ما يخالف غزل بشار وأبي نواس؟ والأهم من ذلك هل كان الشعر الجاهلي بمنأى عن التعابث والمجون، فماذا بشأن خمريات الأعشى هل تخرج عن المجون؟ وهل نستطيع أن نعد شعر الأعشى ومجاهرته بشرب الخمرة وفتونه بها إلى الدرجة التي صرفته عن الدخول في الإسلام أقل من ظاهرة فنية؟

ما معنى الربط بين المجون وتحول السلطة من الأمويين إلى العباسيين إذن؟

والثاني يتصل بالحكم النقدي المعزول عن الموضوعية، فهل كان كلّ شعراء المجون من الموالي؟ ألم يكن أبو دلامة زند بن الجون والحسين بن الضحاك الخليع وغيرهما على رأس شعراء المجون في العصر العباسي؟

لقد تسنى للدكتور هدارة أن يقول: "إنّ المجون لم يكن دعوة ساذجة بريئة تدعو إلى الترف والتظرف الاجتماعي فحسب، وإنما هو نتيجة مؤثرات عميقة اجتماعية وفكرية ودينية"([4] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn4#_edn4)).

من أجل ذلك جعل الشعوبية من دوافع المجون عند الشعراء الموالي على اعتبار الشعوبية كما قال: "كانت تهدف إلى تحطيم معنويات المسلمين ودس الأكاذيب والمفتريات في أصول دينهم حتى ينتقموا لأصولهم الفارسية"([5] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn5#_edn5))، فلما وصل في بحثه إلى ذكر بعض الشعراء العرب قال: "هنالك من شعراء المجون من لا صلة لهم بالشعوبية والذي دعاهم إلى ذلك عوامل اجتماعية وثقافية"([6] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn6#_edn6))، وهذه نتيجة محيرة تثير جملةً من التساؤلات أبرزها: كيف تجتمع أهداف الشعوبية التي تحضّ الشعراء الأعاجم على إشاعة الفساد والتحلل والإباحية لتخريب بنية المجتمع العربي من الداخل تمهيداً للقضاء على وحدته وتسريع انهياره، مع الأسباب الاجتماعية والثقافية النابعة من صميم المجتمع العربي والتي تدفع هي الأخرى الشعراء العرب إلى الفساد والتحلل والإباحية، ثم ما مؤدى ذلك؟ هل البنى الاجتماعية والثقافية في المجتمع العربي العباسي أسهمت هي الأخرى في مجون شعرائها لتهدم نفسها بنفسها أيضاً، أقول كيف اجتمعت أهداف الشعوبية مع العوامل الثقافية والاجتماعية في نشوء ظاهرة المجون إذا كانت بالفعل ذات أغراض سياسية؟

إنّ المجون عند هدارة مقدمةٌ وفاتحة وتمهيدٌ للزندقة، فإذا كان المجون قد انحصر بالتعبير عما يجانب الخلق القويم والدعوة إلى الإباحية، فإن الزندقة عنده تلامس الشعور الديني والعقيدة، فكلّ معنىً تردد في شعر العباسيين الذين ظهروا في القرن الثاني يشكك في سلامة العقيدة هو داخل في الزندقة والإلحاد، وعلى هذا الأساس عدّ الزندقة كالمجون محصورة في شعراء القرن الهجري الثاني، وهذا اعتبار خاطئ أيضاً لأنّ الزندقة المرادفة للإلحاد لا تتصل بزمن دون زمن، ولو أردنا تبيان ذلك لضاق المقام بنا.

لسنا في الواقع ننكر أثر الشعوبية في بث الفرقة بين طبقات المجتمع، ولسنا بصدد نفي تهمة الشعوبية عن الشعراء الموالي، فهذا أمر يثبته التاريخ، غير أننا ننكر بشدة أن تكون هناك أسبابٌ ودوافعُ واحدة لتعابث الشعراء ومجونهم، ومن ثمّ فإنّ إقرار نتائج عامة في هذا الموضوع يضر بالشعر موضوع الدراسة الأدبية، لأنّ ذلك في اعتقادي يدخل في باب دراسة تاريخ الأفكار ولا يدخل في دراسة الشعر لأنّ الشعر ينبغي أن ُدرس لذاته، غير تابع للتاريخ ولا الأفكار ولا العقائد، وعليه فإننا نريد دراسة ظاهرة المجون في شعر بشار في إطارها الخاص وأسبابها الشخصية المتصلة بالشاعر، ومن ثم تبيان أبعادها في شعره، والتساؤل بعد ذلك عن قيمتها الفنية والمكانة التي تشغلها في تاريخ بشار الشعري، في محاولة لفهم شخصيته وتقدير الفنّ الذي جاء به، مصورين مشكلة البحث بالتساؤل الآتي: إذا كان بشار بن برد ماجناً زنديقاً، وهو في مجونه وزندقته مدفوع إلى "تحطيم معنويات المسلمين ودس الأكاذيب في دينهم حتى ينتقم لأصوله الفارسية" ([7] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn7#_edn7)) كما قال هدارة على اعتباره شاعراً شعوبياً ومولى، فكيف تقبّلَه القارئُ المسلم، وكيف تسنم المكانة السامقة في سماء الشعر العربي، ولماذا قدمه النقاد العرب المسلمون على سائر شعراء عصره، ولماذا لا يزال الدرس الأدبي يحفل به وبشعره كل هذا الاحتفال؟ وبمعنى آخر: ما أثر مجون بشار مع قبح ما يعنيه المجون في تقييم شخصيته وشعره؟ وهل كان الناس في العصور المنصرمة قد وضعوا مجونه جانباً حين حكموا على جودة شعره؟ أم أن الأحكام القاسية التي أطلقها النقد الحديث على بشار ومجونه فيها من العسف والظلم ما لم يره المتقدمون؟

أما المنهج الذي نريد من خلاله النظر إلى مجون بشار فقائم على عرض الأخبار التي ساقها الأدباء وعلى رأسهم الأصفهاني، المتصلة بمجونه وتحليلها ومناقشتها ومقابلتها بأشعاره المشهورة في هذا الباب. ومن ثم عرض آراء بعض المحدثين في مجون بشار وتحليلها ومحاورتها بغية الوصول إلى فهم واضح لدوافع وأبعاد قضية المجون في شعر بشار، وقد استقامت لنا خطة هذا البحث فجعلناه في ثلاث نقاط أساسية:

ـ ظواهر مجون بشار.

ـ دوافع مجونه النفسية والاجتماعية والفكرية.

ـ أبعاد المجون وأثره في تقييم شخصيته وشعره.

1. مجون بشار:

لقد علقت شبهةُ المجون والزندقة بشخصية بشار من جراء سلوكه قبل كلّ شيء، فهو بطبيعته متبرم بالناس مفطور على استعدائهم، إذ شحذ لسنه منذ الصغر بهجائهم، حتى لكأن موضوع الهجاء كان وسيلة لإثبات وجوده، ثم كان موضوع الغزل مجالاً آخر لتثبيت تلك التهمة على اعتبار الغزل كان أداته للتعبير عن اللذة والمتعة التي كان يميل إليها بطبيعته، فكان مجونه متردداً بين هجائه وغزله على نحو خاص حتّى قال يونس النحوي على نحو ما روى ابن سلام: "العجيب من الأزد يدعون هذا العبد ينسب بنسائهم ويهجو رجالهم يعني بشاراً"([8] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn8#_edn8)).

هجاء بشار وشبهة المجون:

كان بشار ـ على نحو ما يذكر الأصفهاني ـ قد قال الشعر ولما يبلغ عشر سنين، فكأن أول عهده بالشعر يهجو الناس، "فإذا هجا قوماً جاؤوا إلى أبيه فشكوه فيضربه ضرباً شديداً، فكانت أمه تقول: كم تضرب هذا الصبي الضرير، أما ترحمه؟ فيقول: بلى والله إني لأرحمه، ولكنه يتعرض للناس فيشكونه إلي، فسمعه بشار فطمع فيه فقال: يا أبت إن هذا الذي يشكونه مني إليك هو قول الشعر، وإني إن ألممت عليه أغنيتك وسائر أهلي، فإن شكوني إليك فقل لهم أليس الله يقول: )ليس على الأعمى حَرَجٌ( فلما أعادوا شكواه قال لهم بُرد ما قاله بشار فانصرفوا وهم يقولون فقْه بُرد أغْيظ لنا من هجاء بشار"([9] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn9#_edn9)).

وواضح أنّ بشاراً منذ صغره قد أدرك خطورة الهجاء، وأثره البالغ في الناس فشحذ لسانه بذمهم ليهابوه ويتجنبوا معرة لسانه، وفي الوقت نفسه جعل من الهجاء وسيلة للتكسب فروي عنه أنّه قال: دخلت على الهيثم بن معاوية وهو أمير البصرة فأنشدته:


إنّ السلام أيّها الأمير



عليك والرحمة والسرور


فسمعته يقول: إن هذا الأعمى لا يدعنا أو يأخذ من دراهمنا شيئاً، فطمعت فيه فما برحت حتى انصرفت بجائزته"([10] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn10#_edn10)). ولذلك كان الموسرون بالبصرة يسترضونه تجنباً لهجائه، وهو بطبعه لم يكن يحسن مصانعة الناس، ومن ثم لم يكن بارزاً في المدح كبروزه في الذم، وقوله في الخبر الآنف لأبيه: "أغنيك وسائر أهلي" عظيم الدلالة على ميله الشديد إلى الهجاء، وتكريسه هذا الموضوع للنيل من الخصوم ومن ثم حصوله غصباً على جوائزهم.

كل الهجاء سلاحاً ذا حدين، فهو من جهة أسلوب ناجع في رد ع الخصوم والنيل منهم انتقأما وتشفياً، وبالفعل كان الناس في مختلف طبقاتهم ومراكزهم يخافون لسانه، لأنه فاحش القول وشعره سائر بين الناس، يتناقله المغنون وتنشده الجواري وتنوح به النائحات، كما كانت مجالس العلماء تحفل بأشعاره أشد ما يكون الاحتفال، إذ الأصمعي وهو من النقاد المتشددين كان يرى أن بشاراً خاتمة الشعراء، ولولا أنه متأخر عن زمن الفحول لكان قدّمه على كثير منهم، وهو من جهة أخرى السبب الذي أحدث جفوة بينه وبين الناس، بل كان هجاؤه باباً للقدح في عقيدته، وإبراز مجونه وزندقته، وليس ذلك فحسب بل كان الهجاء سبباً في مقتله كما سنرى.

إذن بشار من محترفي الهجاء، تصيد فيه سقطات الخصوم، وأمعن في تصوير مباذلهم، وقد تمرس في هذا الباب كما تروي الأخبار، إذ حمل في نفسه صور النقائض التي كانت تدور بين أعلام الشعر الأموي، ولهذا اختلف إلى المربد وعاين جولات الخصوم في التهاجي، وقد أحب أن يشارك في ذلك، فقال: "هجوت جريراً لم يجبني ولو أجابني لكنت اشعر الناس"([11] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn11#_edn11)) إذ أراد أن يمتحن قدرته البيانية في الهجاء فكانت نفسه تنازعه إلى مقارعة جرير وغيره من كبار الشعراء.

وما إن تمكن من هذه الأداة الجارحة حتى انخرط في مهاجاة أعلام عصره، وكبار الشخصيات إذ نراه يتعرض للمفكرين والزهاد والنقاد والنحاة والشعراء، فكان هجاؤه لواصل بن عطاء قد أضفى على شخصه رنيناً هائلاً، وبالمقابل أشعر خصمه بإهانة بالغة، والخلاف بين الرجلين غامض إذ لم تفصل المصادر فيه، وكل ما هناك أن بشاراً كان في بادئ أمره من أصحاب الكلام، وكذلك كان واصل بن عطاء، فلما صار واصل إلى الاعتزال وصار بشار كمما يقول الأصفهاني إلى الرجعة، حدث اختلاف بين الرجلين من حيث المذهب الفكري، فانقلبت العلاقة بينهما من علاقة ود وإعجاب، إذ سجل الأصفهاني شعراً يمدح فيه بشار واصلاً ويشيد بخطبه وبلاغته، إلى علاقة عداء وخصومة، فهجاه هجاء موجعاً في قوله:


مالي أشايع غزّالاً لـه عنق



كنِقْنِقِ الدَّوِّ إن ولّى وإن مثَلا

عُنقَ الزرافةِ ما بالي وبالُكمُ



أتكفرون رجالاً أكفروا رجلا؟


فما كان من واصل إلا أن حرّض الناس عليه متهماً إياه بالزندقة والفجور، فكان يقول في مجالسه: "أما لهذا الأعمى الملحد المكنيّ بأبي مُعاذ من يقتله، أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لدسَسْت له من يبعج بطنه في جوف داره"([12] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_edn12#_edn12)).

وواضح أنّ الخصومة بين الرجلين حملت واصل بن عطاء على اتهام بشار بالزندقة، وكانا قبل ذلك على ود ومحبة، والسؤال هنا: هل كان بشار قبل مخالفته واصل بن عطاء ملتزماً بالمبادئ داعياً إلى المثل متقيداً بالأعراف، وهل كان تحوله إلى المجون بعد ما دب الخلاف بينه وبين واصل؟ في الحقيقة أنّ مجون بشار مرتبط بمحاولاته الأولى في النظم بدليل أنّه كان يهجو الناس منذ صغره ويتعرض لأنسابهم ويقدح في أعراضهم، غير أنّ واصلاً فيما يبدو لم يثره كل ذلك في بداية الأمر لأنّه كان على وفاق مع بشار، ولما اختلفا أخذ يبين عَواره ويتتبع سقطاته في أشعاره الماجنة ويدعو الناس إلى قتله والتخلص منه كما يبين الخبر الآنف.







* باحث من سورية.

(http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_ednref1#_ednref1)([2]) اتجاهات الشعر في القرن الهجري الثاني، محمد مصطفى هدارة، ص:203.

([3]) حديث الأربعاء، طه حسين، 2/81، وتاريخ الإلحاد، عبد الرحمن بدوي.

(http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_ednref3#_ednref3)([4]) اتجاهات الشعر، محمد مصطفى هدارة، ص230.

([5]) المرجع نفسه ص215.

(http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_ednref5#_ednref5)([6]) المرجع السابق.

([7]) المرجع السابق، ص218.

(http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_ednref7#_ednref7)([8]) الأغاني للأصفهاني: 3/149.

([9]) الأغاني للأصفهاني: 3/146.

(http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_ednref9#_ednref9)([10]) المرجع نفسه.

([11]) نفسه 3/162.

[url="http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_ednref12#_ednref12"] (http://www.awu-dam.org/trath/98/turath98-010.htm#_ednref11#_ednref11)([12]) نفسه.