المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النسبية في الشعر العربي



طارق شفيق حقي
16/03/2008, 10:21 PM
وصلت للمربد الرسالة التالية

النسبية في الشعر العربي

دأود سلمان الشويلي -العراق


لم تكن النظرة النسبية للأشياء ، أو العلاقة النسبية بينها(منتبها) إليها قبل انشتاين (1905م) ،خاصة بما يتعلق بالزمن والحركة ،إذ كان نظر الناس (علماء وعأمة) إلى الزمن العأم على انه عبارة عن تتابع في الأحداث ووقت حدوثها نتيجة لحركة الأرض حول نفسها بالنسبة إلى ظاهرتي الليل والنهار ، أو حركة الأرض حول الشمس بالنسبة إلى ظاهرة الفصول الأربعة ،أما بالنسبة إلى نظرتهم إلى زمنهم الخاص – أي نظرة الشخص إلى زمنه – فقد كانت بصورة متوالية عددية تبدأ من الميلاد وتنتهي بالموت ، أما الحركة فهي بالنسبة اليهم الانتقال في المكان .
ان علاقة الانتقال في المكان والزمان ، أو ما يمكن تن نسميه بالسرعة ،فقد كان الناس - على مستوى العأمة على اقل تقدير – منتبهين اليها في رحلاتهم دون ان يشغلوا تفكيرهم بحسابها ،الا ان الشعراء – ويمكن عدهم من مثقفي أي مجتمع دون ان نطلق عليهم صفة العلماء – قد كانوا اكثر انتباها من بقية الناس إلى هذه الموضوعات ، وهذا ما ستناقشه هذه الدراسة.
ان النظرتين- العلمية والعامة – تنطلقان من ميدا أساسي هو : أن الزمن يسير بخط مستقيم ، دون ان تكون هناك اية علاقة بين الأزمان العديدة بعدد البشر ، لان كل العلاقات التأثيرية – ايجابا وسلبا – والتي لها علاقة بأستمرارية الزمن الخطية لا تغير شيئا من خطية الزمن الخاص لاي شيء في الوجود ، إذ ان التوازي هو الحاكم بينها ، حتى إذا جاء انشتاين ، قلبت كل الموازين على المستوى العأم عند الناس ، أو على مستوى العلم ، إذ نبه الناس إلى ان العلاقة التي تربط بين الاشياء – على مستوى الزمان والمكان خاصة – أم تكن علاقة مطلقة ، بل هي علاقة نسبية . هذه النتيجة العأمة التي كانت جزءا بسيطا من نظريتي النسبية لانشتاين ( الخاصة عأم 1905 ، والعأمة عأم 1915) نبهت الناس كثبرا إلى هذه العلاقة والتي على اساسها تغير مفهوم الزمن ، إذ لم يكن مفهوم الزمن كما كان سابقا يسير بخط مستقيم ، أي كان عبارة عن تتابع خطي في الوقت ( تتابع في حدوث الأمور) ، فضلا عن ذلك ، فقد اضافت هذه النظرية فكرة جديدة إلى علاقة الزمان بالمكان ، إذ كان النظر اليهما على انهما غير مرتبطين ، وايضا على انهما قيمتان ثابتتان .
ان فكرة ترابط الزمان بالمكان يمكن الحصول عليها من خلال فكرة الحركة ، أي الانتقال من مكان إلى اخر – إذ ان هذا الانتقال لم يكن على المستوى المكاني حسب ، بل هو على المستوى الزماني ايضا ، ولكن كيق للمرء ان يحس بحالة الانتقال هذه ما لم ينظر اليها نسبة إلى شيء اخر ؟
ومن الأمثلة البسيطة التي ترد دائما عند مقدمات الحديث عن النظرية النسبية ، هو مثال الراكب في السيارة ، أو القطار ، والذي مفاده: ان الراكب لا يحس بحركة القطار ما لم ينظر إلى ما في الخارج من الاشياء الثابتة ، كأعمدة الكهرباء أو الاشجار ، عندها يرى ان هذه الاعمدة وتلك الاشجار هي التي تتحرك ، فيما هو ثابت ، والصحيح ان الراكب هو الذي يتحرك بأطراد.
هذا المثال ، يؤكد نسبية الحركة ، أي ان الراكب قد قاس حركته – أي حركة القطار – نسبة إلى ثبوت الاعمدة والاشجار في مكانها .
لنتساءل : هل كان العرب – وكل البشرية منذ آدم – ينظرون إلى الزمان والمكان والعلاقة بينهما (أي الحركة) هذه النظرة التي بسطناها في السطور السابقة ؟
ارى ان الاجابة بالنفي – أو على اقل تقدير – انهم كانوا يعون – بدرجة ما – مثل هذا ، الا انهم لم يكونوا قد قعدوه ضمن قواعد ومفاهيم ، مهما كانت درجة دقتها ، إذ لا ننكر ، ان الانسان ، كان يعرف انه يقوم بحركة ما عندما ينتقل من مكان إلى اخر ، وكذلك يعرف ان انتقاله ذاك يستغرق زمنا ، كما انه كان واعيا إلى ان الزمن يسير دون توقف مهما ثبت الشخص في مكان ما ، الا انه لم يكن قد (فلسف) هذا الوعي بسير الزمن دون التنقل بين الأماكن ،ومن هذا الوعي ، كانت ابيات قصيدة كعب بن زهير ، التي مطلعها (1)
ما برح الرسم الذي بين حنجر وذلفة حتى قيل هل هو نازح
يقول ابن زهير في الابيات (من 12 إلى 18 ) :
فلما قضينا من منى كــــــــل حاجة ومسح ركن البيت من هو مـــــاسح
وشدت على حدب المهاري رحالها ولا ينظر الغادي الذي هو رائــــــح
قفلنا على الهوج المراسيل وارتمت بهن الصحاي والصماد الصحاصح(2)
نزعنا بأطراف الاحـــــــاديث بيننا وسالت (3) بأعناق المطي الاباطح
وطرت إلى قوداء قـــــــــــاد تليلها مناكبها واشتد منها الجـــــــــــــوانح
كأني كسوت الرحل جــونا رباعيا تضمنه وادي الرجــــــــــــا فالافايح

ان ما يعنينا من هذه القصيدة ، ، البيت (15) ، وخاصة عجزه ، لا لانه اصبح مشهورا في كت الدارسين منذ اكثر من الف عأم ، مما جعله عرضة للتغيير ، وانما لما له علاقة بنسبية الحرك .
ومن ضمن التغييرات التي حدثت عليه ، تبديل لفظة (سالت) بـ (مالت) ، وعلى الرغم من ان حروف اللفظتين هي نفسها ، سوى تبديل الحرف الأول ، الا ان المعنى تغير على الرغم من ان اللفظتين – على مستوى البيت الشعري – يحملان من معاني المجاز الكثير . وكذلك القول بالنسبة لحرف الجرفي البيت (16) ، إذ انه لا يستقيم المعنى الا بعد ان نغيره من (إلى) إلى (على) .
ان هذه الدراسة نرى ان المعنى الاعجازي لهذا البيت لا يستقيم مع لفظة (مالت) وانما مع لفظة (سالت) ، لاسباب ، من اهمها ان لفظة (سالت) ذات دلالة لها علاقة بجري الراحلة التي يتحدث عنها البيت الشعري – منظرا اليها نسبة إلى عنق الراحلة - ، فضلا عن الدلالة التي يعطيِها هذا البيت والمتمثلة بالحركة ببعديها الزماني والمكاني.
تخبرنا ابيات القصيدة ، ان الشخصية المركزية فيها ، أي المتحدث – الرأوي – الشاعر ، ومن خلال ضمير المتكلم للجماعة : انه وبعد ان انتهوا من مناسك الحج ،وبعد ان شُدت- بصيغة البناء للمجهول – الرحال على ظهور (المهاري) في جو غيبت فيه المراقبة بين الحضور ، وكما قال الله سبحانه وتعإلى : ((يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى )) (الحج :2) خرجوا راكبين على (الهوج المراسيل = السريعة ، والقوادة = طويلة العنق) التي (ارتمت) في الصحاري المستوية الرملية الجرداء أو الصلبة .

تحليل النص:
لنعود إلى النص (شطر البيت) محور هذه الدراسة ، والذي يقول :
0000000000000000 وسالت بأعناق المطي الاباطح
1- ان رأوي النص (= الشاعر ) مفصول عن عالم القصيدة ، مهما ذكرت القصيدة من الفاظ أو افكار – كضمير المتكلم- الا ان القاريء يحس بأنفصال شديد لهذا الرأوي وكأنه ينقل ما يراه دون مشاركة في كل ما يرى ، إذ ان نص الدراسة يشي بذلك وكأن الأمر لا يعني الرأوي بشيء .
2- توقف اكثر من دارس حوله ،وقد عده اغلبهم من افضل أمثلة المجاز الشعري ، كالجرجاني الذي قال عنه :
(( انه لم يعرف جعل المطي في سرعة سيرها وسهولته كالماء يجري في الابطح فإن هذا شبه معروف ظاهر ولكن الدقة واللطف في خصوصية افادها بأن جعل سال فعلا للاباطح ثم عداه بالباء ثم بأن ادخل الاعناق في البيت فقال بأعناق المطي ولم يقل بالمطي ولو قال (سالت ) المطي في الاباطح لم يكن شيئا وكذلك الغرابة في البيت الاخر ليس في مطلق معنى سال ولكن في تعديته بـ (على) والباء (...) ولولا هذه الأمور كلها لم يكن هذا الحسن وهذا موضع يدق الكلأم فيه وهذه اشياء من هذا الفن )). (4)
ويقول في مكان اخر : (( وسالت باعناق المطي الاباطح ، غير السيل ، واعلم ان الذي ذكرت لك في المجاز هناك من ان من شأنه ان يفخم عليه المعنى وتحدث فيه النباهة قائم لك مثله ها هنا)) . (5)
كان ذهن الجرجاني منصبا على التشبيه في هذا البيت ، أي تشبيه سرعة حركة الراحلة بسرعة سيل الماء في الاباطح ، وله العذر في ذلك ، لان همه هو توضيح اعجاز هذا البيت من خلال المجاز واستخدأم المعجم اللغوي شعريا .
3 – لقد نبهنا الجرجاني إلى نقطة مهمة هي استخدأم الشاعر لـ (اعناق المطي ) دون ان يقول (المطي) ، ومن هنا يمكن القول ان الشاعر قد قاس حركته نسبة إلى ارض الاباطح من خلال حركة اعناق المطي وثبوت الارض وما فيها من تضاريس ، أي كانت عينا الشاعر كالكأميرة السينمائية في لقطة (نظرة الطائر) إذ تصور المشهد من فوق رأس عنق المطي فيظهر من تحت ذلك العنق الازض وهي تجري عكس جريان العنق ، أي ان عيني الشاعر كانتا هما المراقب لما يحدث ، أي للعلاقة بين العنق والارض ، فمإذا وجد؟
4 – ان ما رآه الشاعر هو ثبوت الاعناق في مكانها – وكذلك هو – فيما الاباطح هي التي ( تسيل = تتحرك بسرعة) . وهذه الفكرة تذكرنا براكب القطار الذي يرى اعمدة الكهرباء أو الاشجار متحركة بسرعة . لقد كان لانثيالات ذاكرة الرأوي دور كبير في استجلاب صورة (الماء) الذي يسيل فيها / أو عليها .
5 – ان المحأور المرجعية للرأوي خي ( اعناق المطي ) ، لهذا فأن قياس الحركة كان معتمدا عليها ، فكان السكون من حصة الاعناق ، فيما الحركة للاباطح . ولو كان هناك شخص اخر له مراجع محورية غير التي عند الرأوي – كأن يكون واقفا في / أو على الاباطح – فأنه سيرى العكس .
مما تقدم ، يمكن القول ان الشاعر كعب بن زهير قد كان اكثر وعيا من مجايليه – الشعراء والعأمة – وكذلك الذين جاؤوا بعده – خاصة الفلاسفة والعلماء – في ان علاقات الاشياء لم تكن ساكنة ، محايدة ، وانما هي علاقة نسبية ، مما يجعل من ها الشاعر ، فضلا عن شعراء اخرين كالمتنبي ، وابو العبر ، وابو نؤاس ، والاعشى ، من الشعراء الإذكياء ودقيقي الملاحظة للوجود وما يشتمل عليه من اشياء وعلاقات تربط بينها .

المصادر:
اعتمدت الدراس المصادر المذكورة في الاقراص الليزرية ادناه :
1 – القرص الليزري ( الموسوعة الشعرية – الشعر ديوان العرب) الذي يضم : أ – شعر كعب بن زهير .
ب – دلائل الاعجاز في علم المعاني – الأمأم عبد القاهر الجرحاني .
ج – الشعر والشعراء – ابن قتيبة .
2 – القرص الليزري ( مكتبة الادب) الذي يحتوي على كتاب : خزانة الادب – عبد القادر بن عمر البغدادي .
6 / 5 / 5004
الهوأمش :

1- الموسوعة الشعرية – شعر كعب بن زهير .
2 – الهوج: طوسل وبه تسرع وحمق . والهوجاء : الناقة التي كأن بها هوجا من سرعتها .
المراسيل : جمع مرسال ، وهي السريعة السير .
الصحاصح : والصحصح والصحصاح والصحصحان : كل ما استوى من الارض وجرد والجمع الصحاصح .
قوداء :الاقود الطويل العنق والظهر من الابل والناس والدواب . وفرس اقود : بيّن القود وناقة قوداء .
((انظر تاج العروس))
3 – اعتمدت في تثبيت هذا البيت على المشهور من روايته. انظر دلائل الاعجاز – ج 1 / 72 . و الشعر والشعراء – ص10 يروي هذا البيت هكذا :
اخذنا بأطراف الاحـــــــاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الاباطح
أما مؤلف كتاب خزانة الادب – ج1 / 424 ، فيذكره بالنص ، الا انه ينسبه إلى كثير عزة .
4- دلائل الاعجاز- ج 1 / 72 .
5 – المصدر نفسه – ج1 / 227 .
الصماد : عقاص القارورة.