المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أعشاش العناكب



ابومحمدالسوداني
06/03/2008, 07:13 PM
هذا هو اليوم الأخير من أيام الدورة التدريبية التي أمضيتها في العاصمة للتأهيل وزيادة الخبرة والمهارة في عملي ، ولقد جلبت معي حقيبتي آملا بالسفر إلى مدينتي في الجنوب 0
وصلت المرآب المخصص لمدن الجنوب ، ولأسباب لا أعرفها وجدته مزدحما بالمسافرين وخاليا من حافلات النقل العام وسيارات الباص المعدة للسفر والجميع يترقب قدومها بفارغ الصبر ، وما أن تأتي واحدة حتى يهرع المسافرون إليها ويتقاتلون للحصول على مقعد فيها ، هذا المشهد حفز ذاكرتي وعاد بي أدراجا إلى الوراء ـ إلى أيام العسكرية ـ حينما نعود من جبهات القتال إلى أهلنا بإجازة دورية وخاصة في أيام الأعياد حيث يكون الزحام على أشده كيف نتسلق من نوافذ الحافلات القادمات كالقرود ونأخذ مقاعدنا فيها ، أما الآن فأني على علم بقدراتي البدنية فلا طاقة لي في الزحام مع الآخرين وأكتفي بمراقبتهم والتفرج عليهم عن بعد 0
أرخى المساء ضلاله وأسدل ستاره المخملي على أجواء المدينة ، وأخذ القنوط يداعب أفكار المسافرين وبدأ الصمت يجتاح المكان ،
مما أسفر عن حركة دائبة في التسلل من الرآب 00 وما هي إلا ساعة حتى فرغ من الناس إلا من بضع نفر 00 أخذ الخوف يتوغل إلى قلبي مما دعاني إلى التسلل أنا الآخر والخروج إلى الشارع للبحث عن أي فندق قريب لقضاء هذه الليلة فيه والعودة في الصباح الباكر إلى المرآب 0
كان الجو مكفهر وريح باردة تلامس وجهي وبعض الغيوم المتحركة في السماء وقد غطت ضوء القمر وحجبت تلألؤ النجوم ، وهبط الظلام بعباءته السوداء ليلقي بذياله الصمت والخوف على الشوارع والبيوت والساحات وقد أنقطع المارة والمركبات من التجوال في المدينة وكأن المدينة مهجورة من سكانها إلا من البعض من هم مثل حالي 00 انتابتني رجفة صامتة مصحوبة بالخوف من المجهول ، ومن حسن حظي اهتديت بوقت قصير إلى أحد الفنادق القديمة 0
أحسست بألم كبير في بدني وأنا أصعد سلم الفندق ، وأن الغرفة التي خصصت لي في الطابق الأول في آخر الممر ، وعند مروري شعرت وكأن الفندق مهجور ، فلا أصوات المذياع التي عادة ما يتركها أصحابها على أعلاها 00 ولا ضحكات النزلاء 00 ولا
شخير المتعبين ، ولكني سرعان ما تذكرت أن هذه الليلة هي ليلة عيد الميلاد ـ عيد رأس السنة الميلادية ـ وعادة ما يذهب النزلاء إلى حانات الخمور السرية للاحتفال و التسكع أو إلى أقاربهم في الأحياء القريبة والعودة في ساعة متأخرة من الليل 0
فتحت باب الغرفة لأجـــــد فيها ثلاثة أسرة فارغة، وضعت حقيبتي تحت السرير الذي اخترته وألقيت بنفسي عليه لأرتاح بعض الوقت ثم أنزل من الفندق لعلي أجد أحد المطاعم أو المقاهي والتي أغلقت منذ المساء لأجد ما أسد رمقي فيه وأحتسي قدحا من الشاي ثم أعود فأبدل ملابسي وأخلع حذائي وأنام وأنا أحلم بعودة الصباح البهي وأشراقة شمسه الوضاءة لأعود بعدها إلى الأهل والأحبة 0
وما أن وضعت رأسي على الوسادة أحسست بشيء ما يدب عليها فأقشعر جسدي وتوقفت آلات تفكيري ووجهت حواسي إلى صوب الدبيب ، وما هي إلا لحظات حتى شعرت به وهو يقترب من وجهي ، ودون أي شعور وبحركة لا إرادية مصحوبة بالخوف والفزع ضربت وجه الوسادة بظاهر يدي لأبعده عني فتطاير بسرعة وأصطدم بالجدار المقابل لي ثم سقط على الأرض وإذا به عنكبوت أسود ملطخ بدمه من جراء شدة الضربة ، وكنت أتصور أنه عقرب أو أفعى !! 00 جلست أنظر أليه وأقول في نفسي : لو
قدر لي وسافرت لكنت الآن بين أهلي وعائلتي ولكن الحمد لله على كل حال 0
عدت إلى الوسادة بعد أن قلبتها على ظهرها ووضعت منديلي فوقها وعدت ثانية إلى النوم وأنا أنظر إليه وأني على أشد التعب
والألم 0 وإذا بمجموعة من العناكب تحيط به وتمتص دمه، وسرعان ما تجمعت عليه أعدادا أخرى ! 00 قلت : أنها سوف تعود إلى أعشاشها بعد أن ترتوي منه ، لكنها أخذت تزداد وتتكاثر وهي تخرج من أركان الغرفة وزواياها ومن الشقوق الموجودة على جدرانها ، وهي تنسج خيوطها وتنصب مصائدها بسرعة متناهية في أنحاء الغرفة ، وعلى الساعة القديمة التي توقفت عقاربها منذ زمن طويل وعلى اللوحة الورقية المعلقة على الجدار والتي ضاعت كل معالمها بسبب الأتربة التي تغطيها وعلى الطاولة والمرآة الصغيرة المتآكلة ، وغطت فتحة الباب بنسيج ثخين حجب الإضاءة المنسابة منه فصار من المتعذر عليّ الخروج لاسيما وأني تعب لا أستطيع رفع جسدي عن السرير أضف إلى ذلك ما ينتابني من خوف وفزع0
أقنعت نفسي بأنها سوف تعود إلى أماكنها عما قريب لكنها ازدادت وتكاثرت وأحاطت بي من كل جانب ، وكان أحدهم كبير الحجم أسود اللون قبيح المنظر يتباهى في مشيته ويعرض عضلاتها
والعناكب تتبعه أين ما توجه 00 أستغشيت بالبطانة ولملمت جسدي حتى أصبحت كالكرة وجعلت الغطاء من فوقي ومن تحتي
وأنا أراقب تحركاته من خلال ثقب صغير 00 توجه نحوي وتسلق سريري وأعتلى فوقي ولحقه الآخرون حتى شعرت بزيادة ثقل البطانة وأنا لا أزال أراقبها من خلال الثقب الصغير 0
تصاعدت أنفاسي وأقشعر بدني وارتجفت فرائصي وأختنق الصوت في صدري وأنا أتمتم وأقول في قلبي : يا لهذه الليلة المشئومة ! أيعقل أن أنجو من كيد الإرهاب ومفخخاتهم وعبواتهم الناسفة ومـــــــــــــن سيطراتهم المخيفة طيلة أيام الدورة ؟ وفي اللحظات الأخيرة أكون ضحية لحيوان ضعيف بائس يعتاش على الحشرات الصغيرة ؟ 0
أمن المعقول أن أنجو من أولائك الأوغاد وأصبح فريسة سهلة المضغ لحيوان قذر ؟! 0
أخذ يلتمس الثقب الصغير الذي أنظر منه وهو يحاول الدخول فيه وفعلا أستطاع مد أحد أطرافه حتى لامست طرف أنفي 00 بدأت أصرخ صرخات هستيرية وأستنجد إلى من ينقذني من هذا الغول الجاثم على نفسي ، وأطلق أصوات مبهمة لا تَميّز ولكن لا أحد يستصرخني 000
وفجأة أفقت على صوت عامل الفندق وهو يصيح بي بصوت عال
: يا أستاذ00 يا أستاذ ، ما بالك 00 لقد أيقظت النزلاء 0نظرت إليه وأومأت له بالاعتذار 00 بقيت أنظر حولي وأتفقد أجزائي ثم
خرجت من الغرفة لأستنشق كمية من الهواء النقي وأشعلت سكارة لآخذ منها نفسا طويلا وعدت إلى الغرفة وأنا غير مصدق لما أرى ، فلا عنكبوت ولا ساعة ولا لوحة ولا مرآة ولا طاولة وأن جدران الغرفة ملساء ومطلية بالجبس وملونة باللون التبني وليس فيها شقوق ، ثم لاحظت نفسي وإذا بي لا أزال في ملابسي وحذائي 00 عرفت حينها أن كابوسا مخيفا جثم على صدري طيلة الليلة 00 سحبت حقيبتي من تحت السرير ووضعتها على كتفي وخرجت أتلفت قدما بلا عودة 0