المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وهـــم الســنين



ابومحمدالسوداني
06/03/2008, 06:58 PM
عجيبة هذه المرآة كلما نظرت فيها تراءى لي شخص آخر 00 ليس أنا ، لكنه يشبهني00 عيناه غائرتان وقد أحاط السواد بهما 00 وجهه متجهم ظهرت عليه تجاعيد المعانات والألم 00 شعره الأبيض تساقط أكثره0
نعم إنه يشبهني قليلا فأنا أعرفـــه منذ زمن بعيد , قد يمتد إلى أيام طفولته عندما كان يلعب (الدعابل) في دروب(المحمودية)
00 آه يا للحسرة على لعبه الصغيرة التي كان يصنعها بنفسه ويتسلى بها ، ضاعت كلها وانجرفت مع التيارات السالفة والماضية في حقب العمر 0
أيام طويلة وهو يبحث عن نفسه بين قصص دستوفسكي والبيركامي وروايات تولستوي وبلزاك ، كانت الوسيلة الوحيدة التي يروي بها شغفه وتخرجه من عزلته التي ضاع فيها 0وغاب في
أتذكر؟ كم رسمت من ال من آنية الفخار السحرية ؟ وكنت تفتخر بها أمام مجتمعك الصغير الذي رسمته بخيالك الواسع ، كانت هي الأخرى السبب في تفاقم معاناتك0
كم من المرات ؟ وأنت تكتب قصاصات الشوق والهيام لمحبوبتك صاحبة العيون الخضر وكم تمنيت ؟ أن تبحر بهما وتجتاز الحواجز وتخترق الحجب المنيعة00 بالأمس حضرت
ومدت يدها نحوك 00 نادتك بكل ألقابك التي تحب , وأنت ككتلة الثلج البارد متسمر في مكانك لا تستطيع أن تروي عطشها , ثم فرّت منك كالسحابة الهائمة الضائعة , وذابت في بئر النسيان والحرقة , فقصدت رسائلها لتمزقها وتحرقها ! بعد أن عرفت أنها تزوجت من آخر بعمر أباك !!
الآن أنت تقف أمام المرآة مفتخرا بقامتك متكبرا متغطرسا كأنك طائر الطاووس الذي يتباهى بريشه المزخرف فينفشه متعاليا, وحينما ينظر إلى قدميه يعود خجلا مرتبكا 0
لقد نصحه الكثيرون إن يغادر هذه المدينة لأنها لم تعد تحتضنه أو تتسع لاحتواء طاقاته المبعثرة 00 حذروه من البقاء فيها لأنها سوف تقضي على كل مواهبه المتمردة 00 لكن دون جدوى بقي رازحاً تحت وطأتها وأجوائها العابثة في زاوية حرجة يجترئ أحزانه في كل حين ، حانقا على سلبيته
لوحات الزيتية الجميلة ؟ وكم صنعت التي أقعدته ونادما على تباطؤه من القطار الذي فاته 0
وها أنت الآن تتحذلق برباطة عنقك وتصفف ما تبقى من خصلات شعرك الأشيب 00 لا عليك قد تكون هذه المرة الأخير التي أراك فيها ، و من الممكن أن لا نلتقي بعدها مرة أخرى ثم رفع يده إلى المرآة ملوحا إليه وأنصرف 0