المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ألم المحطات



ابومحمدالسوداني
06/03/2008, 06:51 PM
كانت للظروف القاسية والضغوط القاهرة والشعور بالغربة والوحشة التي عشتها، والمخاطر التي تقترب مني وتتقدم نحوي شيء فشيء، والتهديد المستمر بالرحيل ألقسري وترك المكان الذي ولدت فيه أثرا في إرباك مسيرتي الذاتية، لا لذنب أو جنحة سوى الهوية التي تؤكد انتمائي 0
إجترئت ساعتها كل ما لفظت من سموم وأقنعت نفسي بالرحيل ثم ما لبثت أن تراجعت بسبب ( العيون الضاحكة ) التي خلدت إلى النوم في أعماقي وتحت جوانحي وبين أضلعي 00 تجذبني نحوها وتمسك بي وتجعلني مسمرا في محطتنا الحبيبة 0
حدث كل ذلك في مدينتي الجاثية تحت ظلال أشجار الكالبتوز والصفصاف والغافية في أحضان مروج دجلة الشاسعة والتي اختلطت فيها كافة الألوان لتخرج نسيجا منسجما لا ينتمي إلى شيء سوى ترابها الذي باركه أبو الأنبياء إبراهيم 0
ولا أدري كيف آن لي أن أعوم عكس التيار الجارف وأحلق في العواصف المدمرة وأبحر في الموج العاتي 00 قنوط ويأس
وحزن حتى التبليغ الأخير بالتهجير أو الذبح 00 اضطررت حينها إلى حمل حقائب الهموم ورفعت راياتي البيضاء ومضيت
دائبا أبحث عن محطة ترفد بالتعايش والأمان 00 وما أن أصادف واحدة حتى أضع أوزاري والبث فيها ما شاء الله،أحاول التعايش معها فأمضي باحثا عن عناصرها وأفتش في زواياها وأتعرف على مداخلها وأزقتها فأكتشف أنها لا تختلف عن محطتي التي غادرتها قسرا 000 وسرعان ما أغادرها بلا موعد ودن أي قرار إلى محطة أخرى 00 جربت كافة المحطات ولم أعثر على حيز صغير أو ملاذ أحتمي به ، وما دام الظلام يخيم في كل مكان اخترت الهلاك في مسقط رأسي ، فطفقت ألتمس المحطة التي نشأت فيها ، فوجدتها خربة خاوية لم يبقى فيها سوى بيوتات تسكنا الأشباح وآلاف من العناكب والفئران ، ووجدت فيها امرأة مسنة وخلفها العيون الضاحكة تنظر لي وتبتسم 0
قالت المرأة المسنة: أين أنت يا ولدي ؟ فقد افتقدناك من سنين 0 أما تعلم ؟ إن الخفافيش الغبر أمضوا دحورا ، وأن التربة التي أنبتتك تملؤها الشموس 00 وهذه الأقمار بين يديك 00 فأهجع في أرضك لعلك تستريح 0
وجدت في منطقها شيء من الواقع وأن حديثها يلوح بالشفق المستقر ، وما أنا إلا وكأني واحد من أولائك السياسيين المحكوم عليهم بالإعدام الذين يتم تبادلهم على حدود سيبيريا
في زمن القياصرة أو كالذين ينحتون بمدية في كهوف أكد بحثا عن فجوة يتسلل منها شعاع الشمس 0
وكنت دائم التفكير والتساؤل مع نفسي والتشكيك في كل ما أعتقد وأؤمن فيه حتى أتعبت مخيلتي 00 ترى هل يمكن لأمة عاشت آلاف السنين في ثنايا هذا الوادي المبارك الكثير الخضرة والخير والتي جمعتهم مصائر واحدة واجتاحتهم نوائب واحدة وأعتاشوا على بركته حتى أصبحوا عصبة واحدة
هل كانوا يخبئون في دواخلهم إضغان وفوارق ؟
وهل أن الطغاة تنبهوا أليها ؟ أم أنهم استغلوا طيبتهم وزرعوا بينهم الفرقة ليضعوا أكفهم الخرقة على رؤوس أبنائه ؟
وهل من السهل أن تمزقها خلافات طارئة أوجدها المستفيدون؟ أسئلة تجوب في طيات وحنايا ومكامن رأسي لم أجد لها أجوبة مشفية قد أجدها في يوم ما وربما بعد انتهاء هذه الأزمة0
أخذت ارتب ما خربه الآخرون وأعيد نظامه المبعثر 00 وفي ساعة ما حصلت على موطئ قدم ، وفي ساعة أخرى وجدت نفسي وأنا جالس على طاولة أطالع صحيفة قديمة وجدتها
ملقاة في أحد الزوايا 00 وبينا أنا بين أخبارها وأعمدتها حالت مني التفاتة ، رأيت العيون الضاحكة دائبة في عملها 00 وعيون تحبو نحوي وتبتسم لي فابتسمت لها وأعتقد أنها المرة
الأولى التي أبتسم فيها منذ زمن طويل 00 حينها عبوت حفنة كبيرة من الهواء في رئتاي 00 وأحسست إني موجود في هذا العالم الواسع وان لي حضور فيه يعوضني عن السنين التي ودعتها إلى الأبد