المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للحريّة بــاب يـُدقّ ُ/محمود عادل بادنجكي



محمود عادل بادنجكي
02/03/2008, 08:04 PM
للحريّة بابٌ...يدقّ

كان يخشى الأماكن المغلقة, يسمي المختصون حالته (رهاب الاحتجاز), بينما يعزوها هو لنزعة شديدة للحرية يحملها في جيناته, بعد أن علم من والده الذي يعاني الأعراض نفسها, أن جدّه وجدّ جدّه يحملون جميعاً مورثات (الحرية) تلك!!.

لم يكن يحتمل اللعب مع الأطفال في باحة المدرسة حين يتراكمون فوقه كلاعبي (الركبي) فاختار صديقين هادئين ينزوون معاً عن الأطفال الآخرين تجنباً لألعاب مشابهة.

كان ينتظر في غرفة الصف حتى انصراف آخر التلاميذ تفادياًً لانحصار ينجم عن تدافعهم الجنوني فرحاً بجرس انتهاء الدوام.

كلما ازداد عمره ازدادت عقدته, فكان يحجز كرسيّاً في الصف الأخير في صالة(سينما), أو مسرح. و يستمع لخطبة الجمعة واقفاً, ليصلّي بجانب الباب, ويكون أوّل الخارجين حين انتهائها.

يفضّل السير عن الركوب في فترة الازدحام المروري بظروف طقس حارّ أو قارس لئلا يعلق في سيارة تحوطها السيارات من كلّ جانب فلا يجد منفذاً للخروج حين يريد.

المصعد خطّ أحمر ولو كان مقصده الدور الخامس عشر, خشية انقطاع التيّار فيعاني الاحتجاز والعتمة. والطائرة شرّ لا بد منه يحتاط لها بالأدوية المهدّئة التي وصفها له أحد الأطبّاء, و الذي نصحه أيضاً بمواجهة هذه المشكلة بتعريض نفسه لاحتجاز إراديّ يزيد زمنه تدريجاً حتى اختفاء الأعراض.

كانت ترهقه الأخبار خصوصاً تلك المتعلّقة بحقوق الإنسان , والسجون السريّة, و(غوانتانامو). إلا أن برنامجاً وثائقياً على إحدى القنوات التلفزيونية عن التعذيب وأدواته, من تقييد, واحتجاز داخل تابوت, وحبس لمدة طويلة في غرف ضيقة ومظلمة, أثار مكامن الذعر لديه, فهرع إلى أدويته يهديء بها روعه.

لم يعد يحتمل هذا النقص لديه, فهو محلّ سخرية زملائه في العمل, وبات يشكّل عائقاً في جوانب حياته يعرقل عمله, يهزّ صورته أمام مرؤوسيه, وأولاده الذين لا يرغب بانتقال هذا النقص إليهم بشكله الحادّ, على الأقل بحكم محاكاة أفعال الوالد, إن نجوا من انتقاله إليهم وراثيّاً.

عاد ذلك اليوم إلى البيت, وقد قرّر التخلص من عقدته. الوقت مناسب فالعائلة لدى بيت حميه ولا يوجد أحد حوله, وبإمكانه تنفيذ ما خطّط له طويلاً دون أن يجرؤ على محاولة تنفيذه ولو لمرة واحدة سابقاً !!

دخل إلى الحمّام دون أن يضيء المصباح فيها, أقفل بابها بالمفتاح من الداخل, ورماه كيفما اتفق لئلا يضعف فيفتح الباب بسرعة, وبذلك يصبّر نفسه زمناً للبحث عنه في الظلمة, في مساحة لا تتعدى سبعة أمتار مربعة, ومطمئناً لمكان خالٍ من عوائق قد يفقد فيها المفتاح. لكنه لم يسمع لصوت ارتطامه أي ارتداد.
ازداد قلبه خفقاناً بعدد ضرباته وشدّتها, محاولاً تثبيت نفسه, مسترجعاً نصائح الطبيب, وما احتوته الكتب العلمية المتخصصة من إرشادات, ومستذكراً قصص أصدقائه, حين علق ثمانية منهم, بينهم بدينَين ذات مرة في مصعد صغير لمبنى جديد غير مأهول, بقوا فيها لليوم التالي, لا يستطيعون حراكاً وحتى قدوم بوّاب البناء ليخرجهم. ومقارناً نفسه بصور لأشخاص ظهرت على التلفاز وهم محاصرون بين الركام بعد كوارث زلازل مدمّرة.

حاول الجلوس على أرض الحمّام مرغماً نفسه كما حال السجين الذي يرضخ لتعليمات السجّان ُمكرَهاً. بدأ العرق البارد يتصبّب منه, و صوت أنفاسه بدت كأنفاس من يجري على سفح جبل صعوداً, يلهث كمصاب بنوبة ربو حادة. وصوت دقات قلبه ينعكس من طبلة أذنه التي تحولت إلى مؤشر نبضات وصل إلى حده الأقصى, شعر وكأن (الأوكسجين) قد نفذ, وبدأت أطرافه ترتجف, ثم تتحرك بشكل لا إراديّ, فمزّق قميصه مقطعاً أزراره, وقام كمن أصابه مسّ وبدأ يلوّح بيديه وكأنه يهمّ بضرب أحدهم, فأصاب مرآة الحمّام متسبباً بجرح بليغ في يده, ثم جلس على أربع يتلمس الأرض باحثاً عن المفتاح بحركات عصابيّة. مسح أرض الحمّام الصغيرة عشرات المرّات وداخل حوض الاستحمام, دون أن يعثر عليه.

بدأ بالصراخ بأعلى صوته يدقّ الباب محاولاً كسره, دون جدوى, وطفق يبتعد عن الباب ثم يندفع نحوه بشدة مرّات كثيرة مثل مكّوك النسيج علّ ذلك ينفع في خلعه.

وضع رأسه تحت صنبور الماء لأكثر من دقيقة لتهدئة حالته الهستيرية, ترك الصنبور مفتوحاً على آخره وعاد لحركة المكّوك, إلا أنه انزلق ببقعة ماء من رشاش الصنبور فوقع أرضاً وارتطم قحف رأسه بحافة حوض الاستحمام.

بعد ساعات وعندما خلع أهله باب الحمّام وجدوه مغتسلاً بدمائه, ولم يعلموا لمَ أقفل على نفسه الباب, وهو أمر لم يكن ليفعله طيلة حياته, و الأشد غرابة أنه كان بكامل لباسه عدا قميصه الممزّق. المصباح مطفأ, والصنبور يتدفق وحوضه يطفح ماءً وجدران الحمّام و أرضها وبابها وحوضها ملطخة ببصمات كفّه دماءً .....وقد شقّ الماء طريقاً على أرضية الحمّام بين مزيج من دمٍ حارٍ ومتخثّر... وفي إحدى الزوايا وجدوا مفتاح الباب عالقاً على جيب ثوب الاستحمام المعلّق!!!

ابو مريم
02/03/2008, 09:39 PM
للحريّة بابٌ...يدقّ







كان يخشى الأماكن المغلقة, يسمي المختصون حالته (رهاب الاحتجاز), بينما يعزوها هو لنزعة شديدة للحرية يحملها في جيناته, بعد أن علم من والده الذي يعاني الأعراض نفسها, أن جدّه وجدّ جدّه يحملون جميعاً مورثات (الحرية) تلك!!.


لم يكن يحتمل اللعب مع الأطفال في باحة المدرسة حين يتراكمون فوقه كلاعبي (الركبي) فاختار صديقين هادئين ينزوون معاً عن الأطفال الآخرين تجنباً لألعاب مشابهة.


كان ينتظر في غرفة الصف حتى انصراف آخر التلاميذ تفادياًً لانحصار ينجم عن تدافعهم الجنوني فرحاً بجرس انتهاء الدوام.


كلما ازداد عمره ازدادت عقدته, فكان يحجز كرسيّاً في الصف الأخير في صالة(سينما), أو مسرح. و يستمع لخطبة الجمعة واقفاً, ليصلّي بجانب الباب, ويكون أوّل الخارجين حين انتهائها.


يفضّل السير عن الركوب في فترة الازدحام المروري بظروف طقس حارّ أو قارس لئلا يعلق في سيارة تحوطها السيارات من كلّ جانب فلا يجد منفذاً للخروج حين يريد.


المصعد خطّ أحمر ولو كان مقصده الدور الخامس عشر, خشية انقطاع التيّار فيعاني الاحتجاز والعتمة. والطائرة شرّ لا بد منه يحتاط لها بالأدوية المهدّئة التي وصفها له أحد الأطبّاء, و الذي نصحه أيضاً بمواجهة هذه المشكلة بتعريض نفسه لاحتجاز إراديّ يزيد زمنه تدريجاً حتى اختفاء الأعراض.


كانت ترهقه الأخبار خصوصاً تلك المتعلّقة بحقوق الإنسان , والسجون السريّة, و(غوانتانامو). إلا أن برنامجاً وثائقياً على إحدى القنوات التلفزيونية عن التعذيب وأدواته, من تقييد, واحتجاز داخل تابوت, وحبس لمدة طويلة في غرف ضيقة ومظلمة, أثار مكامن الذعر لديه, فهرع إلى أدويته يهديء بها روعه.


لم يعد يحتمل هذا النقص لديه, فهو محلّ سخرية زملائه في العمل, وبات يشكّل عائقاً في جوانب حياته يعرقل عمله, يهزّ صورته أمام مرؤوسيه, وأولاده الذين لا يرغب بانتقال هذا النقص إليهم بشكله الحادّ, على الأقل بحكم محاكاة أفعال الوالد, إن نجوا من انتقاله إليهم وراثيّاً.


عاد ذلك اليوم إلى البيت, وقد قرّر التخلص من عقدته. الوقت مناسب فالعائلة لدى بيت حميه ولا يوجد أحد حوله, وبإمكانه تنفيذ ما خطّط له طويلاً دون أن يجرؤ على محاولة تنفيذه ولو لمرة واحدة سابقاً !!


دخل إلى الحمّام دون أن يضيء المصباح فيها, أقفل بابها بالمفتاح من الداخل, ورماه كيفما اتفق لئلا يضعف فيفتح الباب بسرعة, وبذلك يصبّر نفسه زمناً للبحث عنه في الظلمة, في مساحة لا تتعدى سبعة أمتار مربعة, ومطمئناً لمكان خالٍ من عوائق قد يفقد فيها المفتاح. لكنه لم يسمع لصوت ارتطامه أي ارتداد.
ازداد قلبه خفقاناً بعدد ضرباته وشدّتها, محاولاً تثبيت نفسه, مسترجعاً نصائح الطبيب, وما احتوته الكتب العلمية المتخصصة من إرشادات, ومستذكراً قصص أصدقائه, حين علق ثمانية منهم, بينهم بدينَين ذات مرة في مصعد صغير لمبنى جديد غير مأهول, بقوا فيها لليوم التالي, لا يستطيعون حراكاً وحتى قدوم بوّاب البناء ليخرجهم. ومقارناً نفسه بصور لأشخاص ظهرت على التلفاز وهم محاصرون بين الركام بعد كوارث زلازل مدمّرة.


حاول الجلوس على أرض الحمّام مرغماً نفسه كما حال السجين الذي يرضخ لتعليمات السجّان ُمكرَهاً. بدأ العرق البارد يتصبّب منه, و صوت أنفاسه بدت كأنفاس من يجري على سفح جبل صعوداً, يلهث كمصاب بنوبة ربو حادة. وصوت دقات قلبه ينعكس من طبلة أذنه التي تحولت إلى مؤشر نبضات وصل إلى حده الأقصى, شعر وكأن (الأوكسجين) قد نفذ, وبدأت أطرافه ترتجف, ثم تتحرك بشكل لا إراديّ, فمزّق قميصه مقطعاً أزراره, وقام كمن أصابه مسّ وبدأ يلوّح بيديه وكأنه يهمّ بضرب أحدهم, فأصاب مرآة الحمّام متسبباً بجرح بليغ في يده, ثم جلس على أربع يتلمس الأرض باحثاً عن المفتاح بحركات عصابيّة. مسح أرض الحمّام الصغيرة عشرات المرّات وداخل حوض الاستحمام, دون أن يعثر عليه.


بدأ بالصراخ بأعلى صوته يدقّ الباب محاولاً كسره, دون جدوى, وطفق يبتعد عن الباب ثم يندفع نحوه بشدة مرّات كثيرة مثل مكّوك النسيج علّ ذلك ينفع في خلعه.


وضع رأسه تحت صنبور الماء لأكثر من دقيقة لتهدئة حالته الهستيرية, ترك الصنبور مفتوحاً على آخره وعاد لحركة المكّوك, إلا أنه انزلق ببقعة ماء من رشاش الصنبور فوقع أرضاً وارتطم قحف رأسه بحافة حوض الاستحمام.


بعد ساعات وعندما خلع أهله باب الحمّام وجدوه مغتسلاً بدمائه, ولم يعلموا لمَ أقفل على نفسه الباب, وهو أمر لم يكن ليفعله طيلة حياته, و الأشد غرابة أنه كان بكامل لباسه عدا قميصه الممزّق. المصباح مطفأ, والصنبور يتدفق وحوضه يطفح ماءً وجدران الحمّام و أرضها وبابها وحوضها ملطخة ببصمات كفّه دماءً .....وقد شقّ الماء طريقاً على أرضية الحمّام بين مزيج من دمٍ حارٍ ومتخثّر... وفي إحدى الزوايا وجدوا مفتاح الباب عالقاً على جيب ثوب الاستحمام المعلّق!!!


السلام عليك ورحمة الله
قصتك أخي محمود تعتمد على السرد ،وتحمل في طياتها عقدة موروثة حاول بطل القصة التخلص منها بطريقة عجلت للأسف بموته ....
أسلوبك متين وتصويرك للأحداث دقيق جدا ،ما أنبهك إليه أخي هو عدم الإسهاب في بعض التفاصيل
والتي لا تزيد من جمالية النص ولا تنقص منه شيئا..
أما بالنسبة للعنوان ،فكان من الأفضل أن يكون حسب رأيي :للتحرر باب يدق.
وأقصد بالتحرر: الانعتاق والتطهير من العقدة الموروثة..
بوركت أخي محمود وننتظر دائما جديدك.
أبو مريم.