المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في الحلقة التاسعة من برنامج شاعر المليون :



د.مصطفى عطية جمعة
21/02/2008, 02:35 AM
قراءة في الحلقة التاسعة من برنامج شاعر المليون :
هموم الوطن و الذات الشاعرة والناس
د. مصطفى عطية جمعة
في هذه الحلقة من برنامج شاعر المليون ، وجدنا تباينا واضحا في المستوى الفني والمضموني لدى الشعراء الأربعة المتنافسين ، وكان الشاعر الأول "عايض القحطاني " من قطر ، نموذجا لشعر التأمل في حال النفس الإنسانية عامة والذات الشاعرة خاصة ، فهو يرصد معاناة الإنسان الحقيقية في الدنيا وتطلعاتها المادية والشهوية ، ويعدد مظاهر هذه المعاناة ، فيقول " الحياة هموم ومكابدة وإزعاج " ، " وتناسيت لحظة وضمة القبر وترابه " ، ومن ثم يصل إلى أن الدين ملاذ وراحة لكل ضائع فيقول " عرفت الصحيح وقلت يا رب وبإخراج ولكن ذا يوم العذر وماشابه " ، " وتطبيق سيرة خاتم الرسل وأصحابه " .
تميز النص بجماليات الصورة الموظفة ببراعة مع الرؤية النصية ، ومنها قوله: " لقيت الدوا في جوف بعوضة وذبابة " ، في إشارة إلى صعوبة الوصول إلى الحقيقة ، وقوله " أحسبن ضلوعي دون قلبي سياج " وهي صورة جميلة دلالة على أن القلب محمي بالضلوع ، في إشارة إلى أن القلب سياجه الإيمان .
مضمون النص ليس بجديد ، ولكن يحمل روحا صادقة ، قوامها أن الضياع في الحياة والغرق في شهواتها مدمر للإنسان والحل في العودة للدين والقيم .
ثم جاء الشاعر " فالح الظفيري " من السعودية ، مقدما نصا ذا جماليات عالية ، يطرح علاقة الشاعر بالقصيدة ، تلك العلاقة المضطربة القلقة ، وعلاقته – أيضا – بالأوطان والناس ، ويدين الوسائل الخطأ في تصنيع النجوم والشعراء عبر الأجهزة الإعلامية والفضائيات والصحف ، دون النظر إلى المستوى الحقيقي للشاعر وشعره ، وكما يقول : " أرفض أن أكون في جو الشعر أرنبة حلقت ، ولكن عقاب ذبحها " فالأرنبة دلالة الخنوع والتبعية لأهواء الناس وملاّك أجهزة الإعلام ، فالغربة للشاعر الحق كائنة " مدى العمر في غربات الأوطان شاعر " ، رغم أنه يرنو للوطن بنظرة مثالية فيقول :" الوطن جنة محمية معشبة يا كثر فكري ورا بابها " .
في النص صور جميلة ، وتسلسل فكري ، وهم شاعري ، دال على شاعر متميز ، في بناء النص وتكوين اللوحات الشعرية الجميلة . ورغم هذا النص المميز فقد حصل على نسبة 60% بدرجة الممتاز ، في حين تفوق الشاعر الأول بنسبة 80% ، وهذا يعني أن الجمهور لا يقيّم على أساس فني جمالي مبتكر ، بل أساس الوضوح والبساطة أو لانحيازات قبلية وفئوية .
الشاعر الثالث هو " محمد المنهالي " من دولة الإمارات العربية المتحدة ، وهو ترشيح من لجنة التحكيم ، وقد فاجأ الحضور بقصيدة اعتمدت الحج ومناسكه رمزا للعالم الشعري ، " يا الله عسى ربي يبلغني المناسك والمرام" ، فجمع الشعر والحج في بوتقة واحدة ، كي : " أشرب من عيون الشعر زمزم" ولا شك أن الفكرة جيدة ، وتعبر عن شعرية شاعر متدين ، ولكن هناك تحفظا لدى البعض – كما أشار أحد المحكمين - من تلبيس الشعائر الدينية أثواب الشعر ، فالدين ثابت ، والشعر هوى متغير ، ثم يتطرق الشاعر إلى الفخر بمنجزات الحضارة الإسلامية قديما في بلاد الأندلس ويتخذ من قصر الحمراء مثالا على شأوها العالي فيقول : " ما زلت يا حمرا الحضارة شاهد علوم انطوت" ثم يتجه إلى الخطابية ، ليدين الفكر التكفيري ، مشيرا إليه بقوله " لابس الموت بحزام " ، فهم " عصبة عصت ، شقت عصا الطاعة " . ونرى أن الانتقال من الهم الشعري الخاص إلى قضايا الإسلام جاء بخطابية واضحة ، واستخدام تعبيرات مستهلكة مثل " عصا الطاعة " ، مع تعمد ذكر الشيخ زايد وأقواله.
وتجدر الإشارة إلى أن التداخل بين الأغراض الشعرية من عيوب الشعر النبطي ، كما في نص " المنهالي " فالنص فيه قضايا متعددة ، بشكل صريح ، وخطابي ، يريد أن يجمع كل شيء ، الذات الشاعرة ، وعظمة المسلمين وحضارتهم ، وإرضاء الحضور من أهل أبو ظبي ، وشيوخ الدولة ، على حساب وحدة الموضوع ، وجودة السبك النصي .
أما الشاعر الرابع فهو " محمد " من السعودية ، وقد جعل نصه منصبا على مدح خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله - ، وتجربته في بناء الدولة ، وكان نصا خطابيا مباشرا ، اعتمد تعبيرات المديح ، مع رثاء الفقيد ، وبتعبيرات غير مبتكرة وتقترب من القاموس العامي الشائع مثل " أنت قد القول " ، وقوله " تدعيلك كل البرايا " ، وإن اجتهد في ذكر بعض الصور مثل :" الحروف تدوب قبل الجوف " وأيضا قوله " وحروف الكلام تطيح لي " في دلالة على حبه الجم للملك فهد ، وما أجمل قوله " كان صوتي دواوي بصدري " . إن استغراق الشاعر في مدح الملك فهد ، أضاع صوته الشعري الخاص به ، فلم نجد قضية أو رؤية تميزه ، بل ذاب – شعرا ونصا ورؤية – في جو المديح ، وهذه من مشكلات الشعر النبطي أن يحصر الشاعر النبطي رؤاه في تناولات وأغراض الشعري العربي مثل : المدح أو الرثاء أو الفخر ، دون الاعتناء بتقديم رؤيته الخاصة ، التي بلاشك ستحمل هما ذاتيا ومجتمعيا مع ابتكار جمالي ولغوي .

عبد الناصر حجازى
21/02/2008, 04:59 PM
د/ مصطفى
أحيي ذائقتك الأدبية العالية ، وقدرتك الفذة فى النقد الواعى الموضوعى
دامت لنا تجلياتك الإبداعية