المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من فقه المقاومة .. المقاومة .. والمصلحة العامة الحلقة (18)



ابو العربي
26/07/2005, 12:21 AM
من فقه المقاومه
دراسه تاصيليه للشيخ محمد عياش الكبيسي
ممثل هيئه علماء المسلمين في الخارج
الحلقه الاولي
المقاومه والجهاد
ملحوظه تم نقل النص بلا تحريف اواقتباس بل هو علي الصوره التي تم عرضها في موقع هيئه علماء المسلمين العراقيه قبل حجبه
بالتوفيق وهذا للنص كاملا فتفضلوا بقبوله مع فائق الاحترام والتقدير
البدايه :cry:



مقاومة الاحتلال والعدوان واجب إسلامي مقدس , وهي نوع من أشرف أنواع الجهاد , والمصالح العامة هي مقصد من أسمى مقاصد الشريعة , حتى قال علماؤنا : الشريعة كلها مصالح : جلب منفعة أو درء مفسدة , وهذا معنى قوله تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)الأنبياء/107,
فالرسالة أو الشريعة هي رحمة , وحينما نقول : المقاومة واجب شرعي , يعني هذا أن المقاومة رحمة , ولكن رغم وضوح هذه النتيجة واتساقها مع مقدماتها إلا أن الشرع لم يدع هذه القضية الكبيرة للقياس والاستنتاج ! وإنما تولى بنفسه تأكيد هذه النتيجة والدفاع عنها بوجه كل الشبهات والشكوك ، ويكفينا هنا تدبر النماذج الآتية من القران الكريم :
الأول : قوله تعالى ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون , لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ) التوبة /41-42 .
الثاني : قوله تعالى ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون , يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ) التوبة /20/21 .
الثالث : قوله تعالى ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) البقرة 216.
يتضح من هذه النماذج أن القرآن الكريم لا يتكلم عن الجهاد باعتباره واجبا شرعيا فحسب , وإنما هــو( الخير) و( الفوز) و(البشرى) و(الرحمة ) و(الرضوان) , وأما القعود عن الجهاد فهو( الشر) و( الهلاك ) هذا إضافة الى الفوارق الأخروية التي هي أشد وأكبر , ولكن كيف يكون الجهاد هو الخير وفيه بذل المال والنفس وضياع الأمن والاستقرار وتوقيف أعمال الناس ومصالحهم ؟! يجيب عن ذلك الإمام القرطبي وهو صاحب التجربة المريرة في ( الأندلس) حيث يقول في تفسيره لهذه الآيات ( والمعنى : عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم .. وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تُغلبون وتذلون ويذهب أمركم , قلت : هذا صحيح لا غبار عليه كما اتفق في بلاد الأندلس , تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار فاستولى العدو على البلاد وأي بلاد !!) تفسير القرطبي/3/39 .
واليوم وقد تعرض أكثر من بلد إسلامي لما تعرضت له الأندلس وإن اختلفت الصور والأساليب واستذكر المخلصون من هذه الأمة كل ذلك التاريخ فانطلقوا في مشروع مقاوم لمشاريع العدوان والاحتلال في القدس وكابل وبغداد وغيرها , واستطاع الشباب المسلم بإمكانياته المتاحة على تواضعها أن يفعل ما عجزت عنه الجيوش ! وحين بدأت الأمة تستعيد ذاكرتها وكرامتها والثقة بإمكانياتها الذاتية انبرى المنافقون الجدد لتخذيل الأمة وإرجاعها الى حالة الغثائية والإحباط وتحت لافتة ( المصالح العامة )!! لإقناع الناس بأن المقاومة تشكل خطرا على مصالحهم , ومن المقولات التي تتردد تحت هذه اللافتة :
1- ما ذا حققت المقاومة الفلسطينية طيلة العقود الماضية للشعب الفلسطيني رغم التأييد الرسمي والشعبي الواسع من كل العرب والمسلمين والعالم الحر لا سيما قبل ظهور القطب الأمريكي الأوحد ؟! وماذا ستحقق المقاومة العراقية لشعبها بناءا على ذلك ؟
2- إلى متى يستمر هذا النزيف ( العبثي ) للدماء والأموال؟ وإلى متى سيظل الناس قادرين على هذا البذل دون أن يروا بصيصا من الضوء في نهاية النفق ؟
3- إن حرمان هذه الشعوب من الاستقرار بسبب استمرار عمليات ( العنف) سيساهم في تخلف هذه المنطقة عن الركب العالمي وفي كل المجالات .
إن هذه المقولات ونحوها كثير تستغل حاجة الناس الطبيعية لا من أجل سد هذه الحاجات وإنما لإضعاف التيارات المقاومة ومحاصرتها شعبيا لإزالة العقبات الكبيرة أمام المشاريع الغازية , ولو كانت هذه المقولات صادقة لكشفت الحقيقة المجردة أمام الرأي العام بكل أمانة ثم تترك الناس بعد ذلك يقررون ما فيه مصلحتهم , ومن تلك الحقائق التي ينبغي أن تذكر مع تلك المخاوف والمآسي الميدانية :
1- من هو المسؤول قانونا وشرعا وعقلا عن كل هذا الذي يجري ؟ ومن الذي فرض هذا الواقع الكارثي على المنطقة ؟ وإذا أخذنا الحالة العراقية نموذجا لنسأل متى ظهرت جماعات (العنف) ومتى عرف العراقيون العمليات (الانتحارية)والسيارات (المفخخة )؟! أليس الواقع الذي فرضه ( وجوه الشؤم)الغزاة هو الذي أفرز مثل هذه الظواهر التي يراها الاسلاميون والوطنيون جهادا شجاعا وكفاحا جريئا لحفظ الأرض والعرض والكرامة وإن سماها الآخرون بأسماء وألقاب أخرى , لكن حتى هذا الاختلاف والانقسام بالرأي إن اعتبرناه كذلك من المسؤول عنه ؟ ولمصلحة من يكون هذا الانقسام في القضايا المصيرية والجوهرية ؟
2- هؤلاء الغزاة ماذا يريدون ؟! ولماذا يتحملون كل هذه الخسائر المتزايدة والنزيف المستمر من دمهم ومالهم وسمعتهم ؟! لماذا لا يصرحون بأهدافهم الحقيقية ؟! ولماذا لا يقول لنا عملاؤهم أو( أصدقاؤهم ) شيئا ما عن نوايا هؤلاء الغزاة وأهدافهم في المنطقة ؟ أهم يعلمون ويكتمون أم أنهم ( آلات مؤجرة )يعملون ولا يعلمون ؟ !!
3- لو افترضنا أن ( المقاومة) قد استمعت لـ ( نصائح) هؤلاء وألقت سلاحها فهل هنالك صورة لما يمكن أن تكون عليه الأمور بعد ذلك ؟ هل ستستقر الأحوال وتزدهر البلاد وتُحفظ الحرمات ؟ هل هناك ضمانات معينة ومؤشرات حقيقية أو هي محض الثقة المطلقة بوعود الصهاينة والصليبيين الجدد ؟!!
إن هذه التساؤلات طبيعية ومنطقية أيضا وهي تمس صميم ( المصالح الوطنية ) وكل من يحاول التقليل من شأنها أو التغاضي عنها فقد وضع نفسه - دون ريب- موضع التهمة والشبهة , فهذه التساؤلات تتجاوز المصالح الشخصية والآنية بل ربما تضحي بهذا النوع من المصالح من أجل المصالح العامة والبعيدة , وهذا يعني أن هناك تجردا في التفكير والتحليل مع وعي ناضج بطبيعة الصراع وأهدافه , واستذكار لتجارب الشعوب عبر التاريخ , فليس هناك في كل التاريخ والجغرافيا حالة واحدة اتحدت فيها متطلبات المصلحة الوطنية العامة مع أهداف المحتل وشركائه وعملائه , ونحن في العالم الإسلامي نحتفظ بنموذجين متقابلين يمثلان مقياسا دقيقا صالحا للحكم على كل الحالات التي تتعرض فيها البلاد للاحتلال وهما :
النموذج الأول : الغزو الصليبي لفلسطين وبلاد الشام , حيث سقطت هذه المنطقة المهمة ومن ضمنها القدس بيد الغزاة الصليبيين ولفترة طويلة أكثر بكثير من فترة الاحتلال الصهيوني القائم , لكن هذه الأرض تميزت بثقافتها الذاتية وهويتها المستقلة ولم تتطبع بطبائع الغرب وبالتالي لم تنجح كل وسائل الصليبيين من إحداث شرخ ما في جدار المقاومة المستمرة لعشرات السنين , رغم الخسائر والتضحيات الفادحة ورغم تخلي مركز الخلافة العباسية في ذلك الوقت عن القيام بواجبه ورغم تعاقب الأجيال إلا أن هناك قرارا صارما يموت عليه الكبير ويولد عليه الصغير (لا تعايش مع المحتل) وهذا ما مهد الأرضية لمقاومة وجهاد مستمر تكلل بالانتصار التاريخي المدوّي على يد الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي , الذي هزّ العالم وغير موازين القوى العالمية في ذلك التاريخ .
النموذج الثاني : وقد أشرنا اليه آنفا وهو نموذج (الأندلس) حيث تنافس ملوك الطوائف لحماية عروشهم , وانتشرت ثقافة ( الحلول الجزئية) ثم تطورت الى ثقافة (أنج بنفسك) وقد ساعد على كل هذا تأثر الأندلسيين بالثقافات المجاورة والمتداخلة وتربية الخدر والفن العابث , حتى ضاعت الأندلس ولم يبق منها الا ذكريات وأبيات من الشعر وأسماء تاريخية ونحو هذا , واليوم يحاول بعض العراقيين الذين رضعوا من الثقافات والقيم الغربية , وكسر طول الألفة كل حاجز بينهم وبين أولئك الغربيين أن يكرروا في العراق ما حدث للأندلس وماذا في ذاك فـ ( الكافر العادل أفضل من المسلم الظالم)!! و( الغربي المتطور أفضل من البدوي المتصحر)!( والانحياز للدين والأهل والتاريخ والتراث نوع من التطرف والتعصب )! والمصلحة الشخصية مضمونة إن لم تكن بمغامرة التعاون مع المحتل فبالجنسية الأجنبية التي تطمئنه على خط الرجوع الآمن !!ومن هنا نفهم لماذا يشكل حملة الجنسيات ( المزدوجة ) الغالبية العظمى من دعاة التطبيع والتعاون مع المشروع الأمريكي الغازي .
إلا أن الذي ينبغي التنبه له هو أن المقاومة مع أنها تقوم بواجب شرعي ووطني مهما كانت النتائج , ومع أن تجارب الشعوب أثبتت أن العاقبة دائما للمقاومة وأن الهزيمة دائما للمحتل وأذنابه , إلا أن المقاومة عليها أن تقدم جوابا عن كل تساؤل وكشفا بإنجازاتها المرحلية لتعزيز الثقة بينها وبين شعبها , وتقديم مادة صالحة للمراجعة والتقويم وقياس مساحة النجاح وعوامله وتمييزها عن مساحة الإخفاق وأسبابه , وعلى الشعوب أيضا أن تعين المقاومة وتحمي ظهرها في كلا الحالتين , وبتقديري فإن التيارات المقاومة في كل مناطق الصراع قد حققت مستوى من الإنجاز أكبر بكثير من حجم الإمكانات قياسا بإمكانيات العدو الذي تواجهه , ومن ذلك :
أولا : مشاغلة العدو عن تنفيذ مشروعه في المنطقة , وأذكر بهذا الصدد حوارا دار بين أخ من فلسطين وأخ آخر من المملكة العربية السعودية , قال الأخير : هل تعتقدون أنكم ستحررون فلسطين بهذه العمليات ؟ فأجاب الأول : يكفينا لحد الآن أننا أوقفنا الصهاينة عن التفكير بالمدينة المنورة وخيبر ودولة ( إسرائيل الكبرى) رغم الخلل الكبير في توازن القوى , نعم فالعدو حينما يستقر سيرتفع سلم أطماعه , والعالم يذكر بعد سقوط بغداد مباشرة كيف بدأ البيت الأبيض يصرح بـضرورة تغيير ( مناهج التعليم ) وتصدير ( الديمقراطية المسلحة) وصناعة ( العراق النموذج) والاهتمام بقضية ( المرأة العراقية)!! بل وإعادة تشكيل ( خريطة المنطقة) !!لكن بعد تصاعد المقاومة العراقية اختفت هذه المطالب أو خفت وأصبح ( الملف الأمني ) هو الشغل الشاغل للبيت الأبيض ! وقد تنفست كثير من دول المنطقة الصعداء وشعرت بأن الخطر قد ابتعد عنها حتى تلك التي صُنفت ضمن ( الدول المارقة) أو ( محور الشر )!!وارتفعت أيضا الموارد المالية لكثير من دول المنطقة بسبب منع المقاومة للأمريكان من التحكم بموارد العراق الهائلة !
ثانيا : فضح حقيقة هؤلاء الغزاة وكشف عورتهم أمام الرأي العام العالمي , فبعد أن سوّقت وسائل الإعلام الغربية وحتى إعلامنا العربي والإسلامي للأمريكي ( الإنسان) الذي تشرب مبادئ الحرية وحقوق الإنسان والرفق بالحيوان هاهي هذه الصورة يمزقها الأمريكان بأنفسهم في الفلوجة وأبي غريب وغوانتنامو , وبعد أن كانوا يسوقون الاتهامات للعرب والمسلمين بالتخلف والجهل والتصحر أصبحوا الآن في موقف الدفاع الضعيف وسقط العرش الكارتوني للأستاذية العالمية الذي تربع الأمريكان عليه فترة من الزمن .
ثالثا : لقد نجحت المقاومة ميدانيا بكسر إرادة القوة العظمى وليّ ذراعها في أكثر من منازلة , وبدأ صقور البيت الأبيض يتلاومون ويتبادلون التهم فأرقام الضحايا الحقيقية و(النعوش الطائرة)لا يمكن أن يُتكتم عليها إلى مالا نهاية , وهذا ما غيّر من قناعة الشعب الأمريكي ( المستغفل) حيث اقتنع أخيرا بأن هذه الحرب لا تصب في مصلحته , ولا يقدر أن يتحمل تبعاتها, بل تزايدت نسب الذين يعتبرون أن هذه الحرب لم تكن مبررة أصلا!! وهذا بداية واضحة لتآكل الاحتلال داخليا وشعبيا .
رابعا :إن هذه العوامل المتقدمة ساهمت في تكوين قناعة عالمية بأن عصر ( القطب الأوحد) بدأ بالأفول وأن العالم سيفرز حتما أقطابا جديدة تعيد الى الأرض بعض التوازن والاستقرار المنشود , وعلى العالم أن يقف تحية لشباب المقاومة العراقية الذين تمكنوا من إحداث الثقب الأول في البالون الأمريكي الذي خنق العالم .
خامسا : ولكي لا ننسى فإن المقاومة الإسلامية في فلسطين هي التي نفخت روح الحياة في هذه الأمة بعد سلسلة متتابعة من النكسات والإحباطات , وقد صنعت ثقافة جديدة تستند الى عقيدة الأمة وثوابتها و قادرة على النهوض بالأمة فوق مقاييس القوى والموازنات المادية , إن الحجارة الفلسطينية التي ظلت تقاوم الدبابة الإسرائيلية لسنوات عديدة هي التي ساهمت في صناعة ثقافة المقاومة في الفلوجة والموصل وديالى وبغداد , ولا زلت أذكر كيف يهنئ شباب الفلوجة بعضهم بعضا بعد كل عملية ينفذها المجاهدون الفلسطينيون , بل كانت تهنئة العيد المتبادلة ( تقبلك الله شهيدا على أبواب المسجد الأقصى) وهذه الروح التي بدأت تنتشر في كل جسد الأمة هي العنوان الأول للحياة الحرة الكريمة وهي السبيل الوحيد لتحقيق ( المصالح الكبرى ) على مختلف الصُعُد.

ابو العربي
30/07/2005, 12:55 AM
من فقه المقاومة والجهاد المقاومة .. والتفاوض مع العدو .الحلقه 20


--------------------------------------------------------------------------------

بتاريخ: 06 /07 /2005 م

||
د محمد عياش الكبيسي

بدأ الخطاب الأمريكي حول وجود مفاوضات سرية مع المقاومة العراقية يتحول بالتدريج من صيغة ( التسريب المتعمد ) إلى صيغة ( الإعلان الرسمي ) حيث جاء تصريح وزير الدفاع مؤخرا عن وجود اتصالات ومفاوضات مع المقاومة العراقية !! وقبل أن ندخل في تحليل هذا التحول فإن المتابعين للشأن العراقي من الممكن أن يسجلوا الملاحظات الآتية :
- إن هذا الإعلان هو اعتراف صريح بوجود مقاومة عراقية حقيقية , وهذا مع أنه استنتاج منطقي إلا أن وزير الدفاع الأمريكي لم يتركه للاستنتاج وإنما ذكره صراحة وجعل من أهداف هذه الاتصالات والمفاوضات الفصل بين (المقاومة العراقية الحقيقية) وبين (الإرهابيين المتسللين)!! وفي هذا مسح لكل الحملة الدعائية التي شنتها وسائل الإعلام والدعاية الأمريكية , ولكن ماذا ستقول القنوات الذيلية التي تبث من داخل العراق وخارجه والتي تبنت حملة الدعاية الأمريكية هذه وبحماس يفوق الحماس الأمريكي نفسه !! والسؤال الأهم ما هو موقف الأحزاب المرتبطة بالمحتل ومنها أحزاب ومنظمات ذات صبغة دينية ؟ وأيا ما كان موقفها ودرجة استجابتها لتحولات ( الأسياد) و
( المحررين الأمجاد) فإنهم الآن في وضع لا يحسدون عليه .
2- إن هذا الإعلان أيا ما كانت دوافعه هو اعتراف بقوة المقاومة العراقية , وإذا عرفنا أن هذا الإعلان جاء بعد عمليات ( البرق) و(الرمح) و( القبضة الحديدية ) ..الخ التي حشد فيها العدو عشرات الآلاف من قواته إضافة إلى ( القوات الصديقة والشريكة )!!فإن هذا يعني فشل كل هذه الأسماء والمسميات , ومعها فشل ( الحل العسكري) بالكامل .
3- إن هذا الإعلان الصادر من ( رامسفيلد )شخصيا وحتى لو كان قد أكره عليه ! فإنه مؤشر على أن العد التنازلي لسقوط الأمريكان عن كرسي الصدارة العالمي قد بدأ بالفعل , وذلك لأن العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي قد استسلم للإمبراطورية الجديدة بدافعين اثنين : الأول هو التأثر بالتضليل الإعلامي الذي استطاع أن يسوّق الأمريكان على أنهم حماة الديمقراطية وحقوق الانسان , والثاني : هو الخوف من الآلة العسكرية الجبارة التي تمتلكها الولايات المتحدة , أما الدافع الأول فقد سقط وانتهى في سجن ( بوكا ) و( أبو غريب) و( غوانتنامو) , وأما الدافع الثاني فهاهو وزير القوة الجبارة يضطر الى التنازل تحت ضغط قوة المقاومة العراقية وشجاعتها الأسطورية , فماذا بقي لهذه الإمبراطورية الشريرة ؟! لقد بدأ العالم يتنفس الصعداء حقيقة ونزلت تصريحات رامسفيلد كماء بارد على كثير من دول العالم التي كانت ترتجف خوفا من اسم ( أمريكا) وقد آن لهذه الدول أن تقدم التحية للمقاومة العراقية الباسلة .
ولكن هل يعني هذا أن الغزاة قد حزموا أمتعتهم استعدادا للرحيل من بلاد الرافدين ؟! قد لا يكون هذا بالضرورة فهم الآن بين زاويتين حادّتين : البقاء مع استمرار النزيف في الدم والمال والسمعة , أو الخروج بالمهانة والعار الأبدي وإعلان الهزيمة أمام شعب جائع ومحاصر لسنين طويلة!!وربما يفكرون أن هذا سيجرئ العالم عليهم وبشتى الوسائل وسيسمح ببناء تحالفات وقوى وأقطاب عالمية جديدة , وعلى هذا فلابد من تحليل هادئ لطبيعة هذه التصريحات , وعلى المقاومة أن تتأنى في اتخاذ المواقف , ومن حيث الجملة يمكن حصر الأهداف المحتملة لهذه التصريحات وتحليلها وفق نظريــة ( السبر والتقسيم ) بالآتي :
1- المراوغة والمخادعة , وهنا تكون المفاوضات أو الإعلان عنها جزءا من (حرب الدعاية ) بمعنى أنها ( مفاوضات وهمية ) تخفي وراءها أهدافا أخرى مثل :
أ- الظهور بمظهر القيادة الحريصة على جنودها لا سيما بعد الزيادة الملحوظة في الآونة الأخيرة لعدد القتلى الأمريكان , وهي حسابات سياسية داخلية , فالبنتاجون لم يعد قادرا على إخفاء خسائره المتزايدة , والشعب الأمريكي لم يعد يتحمل المزيد من ذلك , والاستبيانات المدنية تشير الى تصاعد التذمر والتشكيك بجدوى هذه ( الحرب الملعونة) وأهدافها , والمقاومة في الطرف الآخر عليها أن تستلم هذه المؤشرات وتزيد من الضغط الميداني الكمي والنوعي والاستماتة في إيصال ( الصورة والمعلومة) الى داخل المجتمع الأمريكي .
ب- إشاعة نوع من الخدر أو ( الأمن الكاذب ) في صفوف المقاومة وفتح آفاق وهمية لتسريب طاقات المقاومة وإشغالها عن الميدان الحقيقي , وهذا بحد ذاته هو تعبير غير مباشر عن مدى الضغط الذي يتعرض له الجيش الأول في العالم على يد مجاهدي العراق .
2- محاولة تفكيك جدار المقاومة من خلال الإعلان عن الاتصال بهذا الفصيل أو ذاك لإشاعة نوع من الشك وربما التنافس والتسابق بين مختلف الفصائل , وهنا ينبغي أن تنتبه المقاومة الى ثابت تستند إليه وهو أن كل فصيل يسارع بمفرده في الدخول في مفاوضات مع العدو فهو الخاسر قطعا حتى لو كانت المفاوضات في غاية الجدية , فكيف إذا كان العدو معروفا بالتضليل والخداع والكذب وله مؤسسات متخصصة في هذا ؟!
3- محاولة جمع المعلومات و( جس نبض المقاومة ) من حيث تماسكها الداخلي وصلابة أهدافها ونسيجها التنظيمي وما إلى ذلك , وهذا كله قد لا يتيسر للعدو من خلال الجواسيس والعملاء ولا أجهزة التنصت المتطورة وهنا تأتي المفاوضات كطريق أسهل وله تداعيات معلوماتية أكبر , فمجرد الجلوس على الطاولة وجها لوجه يكون العدو قد كسب بعض التقويمات والمعلومات فإذا دار الحوار وتشعب فإن المعلومات من الممكن أن تتساقط بين يديه بدون عناء ولا حتى (هز الجذع )!! والمقاومة عليها أن تتأكد من نية العدو الحقيقية قبل القبول بالجلوس , ولا تعدم المقاومة الذكية أساليب التمييز بين المفاوض (الباحث عن الحل) والآخر ( الباحث عن المعلومة) .
4- التمهيد لمفاوضات شكلية يقوم فيها الاحتلال بصناعة الوجه الذي يريده ممثلا للمقاومة !! فبعد هذه التصريحات تسربت بعض المعلومات عن إمكانية السماح بظهور واجهة سياسية تمثل المقاومة والتي ستتبنى الحوار مع العدو ! وبمعنى آخر فإن الاحتلال يسعى ( للمفاوضات مع نفسه ) من خلال صناعة هذه الواجهة , وربما هذا ما يفسّر لنا التحول المفاجئ لبعض المتعاونين مع المحتل الى صف المقاومة !! وهناك أمثلة وشواهد كثيرة ومتزايدة , والمقاومة بلا شك متنبهة تماما لهذه اللعبة , مع أنها لا تغلق باب التوبة بوجه أحد لكن قبول الشخص تائبا شيء وقبوله قائدا ومتحدثا باسم المقاومة شيء آخر .
5- التمهيد لمفاوضات حقيقية وجادة وهذا ما لا بد منه في نهاية المطاف والمسألة مسألة توقيت لا غير, فليس هناك احتلال إلا وجلس على طاولة واحدة أمام المقاومة , والذي يقرّب هذا أو يؤجله هو قدرة المقاومة على إقناع المحتل أن التعايش معه على أرض واحدة مستحيل وأن مصالحه بالخروج وليس بالبقاء وأنه كلما بقي يوما إضافيا فإنه يتكلف خسائر وتضحيات جديدة , وهذا ما تمكنت المقاومة العراقية الباسلة أن تحققه لحد الآن .
إن كل هذه الاحتمالات الخمس وارد , وقد يكون العدو قد وضع كل هذا في ذهنه لكن وفق سلم من (الأوليات) وآخر من( الأولويات ) فالأوليات سلّم توقيتي مرحلي , والأولويات سلّم اهتمامي مصلحي , والذي يتحكم في هذين السلّمين ليس هو المحتل وحده , بل المقاومة وهي الطرف الثاني من المعادلة قادرة على إجبار العدو أن يعيد النظر في حساباته وترتيباته وعلى الصعيدين .
والناظر في القرائن والمؤشرات الميدانية يترجح لديه أن الأمريكان يحاولون الآن أن يجربوا حظهم في الاحتمالات الأربعة الأولى لأنها ربما تشكل لهم متنفسا أو تفتح لهم خيارات أخرى تبعد عنهم ساعة الحرج الحقيقي للعنجهية الأمريكية والتي سيطلبون فيها رسميا الجلوس الجاد مع المقاومة العراقية الحقيقية .
إن المقاومة العراقية ونتيجة لحرق المراحل وسرعة الإنجازات قد دخلت وعلى كل الاحتمالات في مرحلة جديدة تتطلب أن تضيف إلى سلاحها سلاحا جديدا يعتمد الوعي بمتطلبات المرحلة والتخطيط لإستراتيجية واضحة ومتناسبة مع كل الاحتمالات المتوقعة , ومن النقاط التي ينبغي التنبه لها في هذا المجال :
1- الجمع بين ( القوة) و القبول بمبدأ ( المفاوضات ) , فاستخدام القوة لا بد أن يكون من ورائه هدف سياسي وهو اعتراف المحتل بخطئه وقبوله بالمطالب الشرعية للمقاومة , فالمقاومة لا تقتل من أجل القتل ، ولا ترغب قطعا باستمرار الصراع إلى ما لا نهاية , وقد يكسب المحتل تأييدا شعبيا وعالميا في حال ظهوره بمظهر الباحث عن الحل والمطالب بإنهاء الأزمة والحريص على أرواح جنوده في مقابل المقاومة التي يصورها أنها تقاتل بلا هدف ولا برنامج محدد , وعليه فإن المقاومة عليها أن تنتبه لكل هذا حتى مع علمها بأن العدو يستغل هذه المقولات والشعارات للتضليل والدعاية ,إن المقاومة عليها أن تعمل من أجل إجبار المحتل على التفاوض وفق شروطها لأن هذا معناه أن المقاومة قد بدأت فعلا باستثمار جهدها وجهادها لتحقيق النصر النهائي , كما أن المفاوضات بدون ضغط القوة لا يمكن أن تكون مفاوضات حقيقية بل هي نوع رخيص من (الاستجداء) وإن سماه البعض جهادا أو ( نضالا سياسيا) !! فالعدو حينما قرر تجاوز كل القوانين الدولية والمؤسسات العالمية وضحى بالكثير من دمه وماله لا بد أن فعل كل هذا لهدف في ذهنه , ومن السذاجة بمكان اعتقاد أن ( الابتسامات الدبلوماسية ) قادرة على إقناع العدو بالتخلي عن هدفه , والذين يستشهدون بمرونة الرسول صلى الله عليه وسلم في ( مفاوضات الحديبية ) عليهم أن يتذكروا أن تلك المفاوضات كانت تجري إلى جانب ( بيعة الموت) مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن قاصدا الحرب أصلا , ولكنه لا يمكن أن يدخل مع عدوه بخيار واحد فقط لأن هذا ليس تفاوضا وإنما هو استسلام لإرادة العدو, لأن المفاوضات الحقيقية تقوم على أساس أن العدو لو فكّر في رفض خيارك الأول فإنه سيحسب حساب خيارك الثاني , أما إذا لم يكن لك إلا الخيار الأول فما الذي يلزمه بالقبول به ؟! وهذا هو الخطأ !!! الذي وقع فيه العرب حيث اعتمدوا على خيار واحد فقط وهو( السلام ) وبالتالي فلم ير الكيان الصهيوني ما يلزمه بقبول هذا الخيار , ولذلك يمكن القول إن (خيار العرب الوحيد) هو الذي دفع الصهاينة الى مزيد من الاستهتار بحقوقنا وكرامتنا , وعليه فمن يريد مفاوضات حقيقية وناجحة عليه أن لا ينزع سلاحه إلى أن يتم التسليم بكافة مطالب المقاومة وأي محاولة للمساومة على نزع سلاح المقاومة بوعود الجدولة الزمنية للانسحاب ينبغي أن ينظر اليها على أنها محاولة ( كيدية ) ليس لها صلة بمبدأ المفاوضات .

2- إن الإعداد الجاد لدخول المفاوضات الحقيقية واجب شرعي ومن ذلك :
أ- توحيد قرار المقاومة وتنسيق المواقف بين كل فصائلها , وعدم السماح للعدو أن يستفرد بهذا الفصيل أو ذاك , ولقد ضربت المقاومة العراقية أمثلة رائعة من التوحد والتعاون والتكافل لا سيما في معاركها الكبرى , والمعركة السياسية لا تقل خطورة عن المعارك العسكرية , بل هي التي سترسم ملامح المستقبل , والمقاومة أمينة على هذا المستقبل وعلى شلال الدماء الطاهرة من آلاف الشهداء الذين سقطوا في سبيل الله دفاعا عن أرض العراق ومستقبله وهويته العربية الإسلامية .
ب- الإعداد العلمي والمنهجي لكوادر تجيد هذا الفن من الجهاد وقادرة على التمثيل الحقيقي لمطالب وتوجهات المقاومة والتي هي مطالب كل الشرفاء من أبناء الشعب العراقي , وعدم ترك هذا الميدان للارتجال وردود الفعل الآنية , فإن العدو قد يطمح من خلال كوادره المعدة إعدادا خاصا أن يحقق في هذا الميدان ما عجز عنه في ميدان السلاح , فلا بد من مواجهته بإعداد متكامل يبدأ بحسن الاختيار ولا ينتهي بتوفير المناهج والمصادر المعرفية وخبرات الشعوب وحركات المقاومة عبر التاريخ وتعميق مبدأ الشورى والاستفادة من أهل الاختصاص , ولقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف اختار جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في مواجهة قريش أمام النجاشي ملك الحبشة , وكيف اختار الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عمرو بن العاص رضي الله عنهما في مواجهة داهية الروم في معركة اليرموك وقال كلمته المعروفة ( رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب ).
3- الحذر من الاستجابة المتسرعة للتوقيت الذي يختاره العدو , لأن التوقيت - كما هو حال الميدان العسكري- يدخل في عوامل تحقيق النصر , ولذلك رأينا الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان في مكة يرفض أي نوع من أنواع التفاوض مع المشركين بينما دخل معهم ومع غيرهم في مفاوضات كثيرة بعد أن حقق عددا من الانتصارات الميدانية , وهذا ما يقره علم التفاوض اليوم أن تفاوض في الوقت الذي تكون فيه قويا .
4- إعتماد الصبر وسياسة النفس الطويل , فإنما النصر صبر ساعة , والمحتل ( الغريب) هو الذي سينفد صبره بالنهاية بخلاف المجاهدين الذين هم في أرضهم وبين أهلهم وأحبابهم , وإذا قال العدو : (إنه مستعد للقتال في العراق اثنتي عشرة سنة ) فلتقل له المقاومة ( إنها مستعدة للقتال مائة وعشرين سنة) فليس العبرة بتصريحات المنعمين في البيت الأبيض وإنما بوضعية الجنود البائسة الذين يعانون من الموت والخوف والحر والقر والغربة والمصير المجهول , لقد صدر هذا التصريح من قيادة البيت الأبيض في نفس الوقت الذي صرح فيه رامسفيلد بأنه يجري مفاوضات سرية مع (المقاتلين ) !!وقد فهم هذا على أنه نوع من التناقض , والحقيقة غير ذلك فالذي يفكر بالمفاوضات سيعتمد سياسة التيئيس وقذف الإحباط في نفسية الطرف المقابل وهذا سلاح مجرّب ومعتمد في (القتال التفاوضي ) فليس هناك أي تناقض بين الموقفين أو التصريحين .



بدون اقتباس او تحريف مع تحياتي ابو العربي