المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جسور القصائد المعلّقة.



فضيلة زياية الخنساء
19/02/2008, 01:39 PM
فـؤادك مكـلوم ، و ظلمـك شيّق********وربّ انغماس في العذاب مشوّق
بكيت على المـاضين، إذ بـان رحلهم********دما دون دمع العين حرّا، تدفّق
و ربّ كســير، قلـبه متـأجّـج********تظاهر بالأفراح، و الجرح أعمق
كذا ناحت الذّكرى الأليمـة، و انتضت********وغنّاك شحرور، ويشدو شرقرق
وأستـلّ مـن سفّـود صـدري زفرة********و تحت حنايا الصّدر قلب ممزّق
مـن الشّـاعر الولهـان، تبـنى معاقل********و آهـاته الحرّى غناء مموسـق
ومـن شيمـة الشّـعر الرّقيق، لطـافة********ولكن،إذا ما الجدّ...جدّ سيمرق
يقـولـون: إنّ الهـمّ كـلّـه زرقـة ********و إنّي رأيت البحر كنزه أزرق
و مـا "زرقـة العينـين"، إلاّ زمرّد********بحنجرة السّبع الطّوال يشقشق
ومن شيمة "الشّـقر"، التّـلاعب بالنّهى********و أقوالهم زيف ، و كذب منمّق
إذا وعـدوا بـالطّيّبـات، تعرقـبوا ********و إمّا جمعناهم لحسنى، تفـرّقوا
لئن كان قلـب الصّـبّ ينسـاب رقّة********"فهوبر" شعري دمعة تتـرقرق
وما دامـت الأوضـار، تنضـو ذيولها ********فإنّ مـرادي أن يعزّ "مـؤرّق"
وزنـزانة التّعـذيب، في عصر حاسد********تدرّ على "الخنساء" شعرا، فتغدق
ستقـذفـكم "بالمنجنيـق"، مسـلّحا********"معلّقة عصمـاء"، بكر، و أعرق
وترسلـها رغـم الجـراح، قـلائدا ********ضحـوكا، لأجياد الحسان تطوّق
و سـحـرا حـلالا، ليـس فيه تمائم ********خـؤون، بـدور الجاهلين تعلّـق
شفاء صـدى اللّهفـان، شعـر سميدع********وفي موقف الجلّى من الـرّيح أسبق
حـدائقـه الفيحـاء، تـاج مرصّع********و أيـكـه فينـان،وجوّه أعبـق
جـراح، يـداويـها طبيـب مراوغ********وهذي قلوب الخلق أصدى،وأضيق
وتلك رياض الـرّوح، تغـري بعرضها ********و ذاك بهار الشّعـر، هيّا تذوّقوا!
وقيصومـه المعطـار، مسـك مكنّز ********كذاك تليد المجد ، ما ليس يخـلق
و درّتـه المغنـاج ، تثـنـي تأوّدا ********هل الشّعر إلاّ فتـنة ، و تألـّق؟
فطوفوا ، رحـاب البوح ،ربّ يتيـمة********ملاك بريء النّفس ،وجهه مشرق
ألا ، يا عديم الحسّ، سهـمك نـافذ ********أما كان للهـيفاء قلـبك يخفق؟
حرمـت أفـاويق الجمال و نـوره********ذبحت طيور الشّعر، و هي تزقزق
تعيـب على البيداء، قحـلا،ومن درى********ستمـطرها الأيـّام خيرا، فتورق
فكيـف تضـير العـاجزين جمالنا********ليبكي على الأطلال جسر معلّق؟
و يلبسها الوسمـيّ، و شـيا منمنمـا ********لصون القوافي خـادم ،يتمـلّق
مـن العـار أن الشّـعر، لا يفقهونه ********وجرحه تريـاق ، و لفظه ريّـق
يدغـدغ آنـاف الحسـان ، عـبيره********بحبّ لأبواب السّعـادة، يطـرق
جسـور، تمـدّ القلب بالوصل و الرّضا ********كذاك رياض الحبّ بالآس تعبق
فـلا تجـزعن بالحـزن، ربّ مصية********بنفسجة حول الوجود تشـرنق
فـآه، لكـم تـرقى الجريمة أوجها********و يؤخذ بالإثم البريء الـموفّق
و يشـكو بجنـح اللّـيل، ظلما لربّه********و لا عجبا من أنّ روحه تزهـق
"فـرويـدهم"،عدّ "الفضـيلة" شبهة ********و لكن لأفـواه "العـواهر" يلعق
و يفتي بغير العـلم، في الدّين ظـالما ********سقيم،بأوساخ الصّفـاقة يلصـق
أفي"الحرم المـكّيّ"، يـزني حجيـجنا********بقبـلة طيـش من فتاة،تشـدّق؟
وخانوا عـهود الحـوريات بلهـوهم ********و إن شئتم علم اليقـين، تحقّقـوا
تروهم، و منهـم للعشيـقة غمـزة ********و كم في فنون الضّمّ أبحر زورق!
وماتت قلوب العاشـقين من الأسـى********و هالم يعد في الشّعر حسّ، ورونق
وتبـكي تماسيـح النّفـاق، تقـرّبا ********رو في كلّ ما تروي حديث ملـفّق
ألا أيـّها المسـلوب،نـور بصيـرة********فليتك تـدري ، والحقيقـة أوثق
فهذي"أتان الرّفض"، تغـويك محـرما********فيا أيّها المسكين، أنـّى تصـدق؟
و تسقيـك من سـمّ زعاف، بقبـلة********و طيبتك العمـياء موت محقّـق
كأنـّك، ما ذقـت النـّوى، و أنـينه********وطاشك سهم السّهر،والحبّ محرق
فـلا تغـوينّـي ، بالّذين أريـبهم********حمار، بتحقـيق الغـرائز ينهـق
ولا تضعنـّي، فـوق ظـهر أتـانهم ********فبيني،وهاتيك الوضاعات موبـق
لعوب، إذا هاجـت، و حلّ ركـوبها ********لكلّ مريض النّفس، و الجوع ينطق
وقتـرتهـا، وكـر لكـلّ نجـاسـة********وكم صمّت الآذان،والصّمت مرهق
بريـد من الآفـات، يحـمد سعـيه ********و مهووسه بالتّرّهـات يهرطـق
وفي مـورد اللّـذّات، فهي غشمـشم********و في وضح الشّمس الهجيرة تسرق
و "خضراء دمن"،خـالها الخبّ خـلّة ********و في ثغرها سمّ به الموت محـدق
ووجه، يحاكي الحيـزبون انكـماشه********وكم بهر الأنظـار، زيف وزئـبق!
وكم باعت الأعراض، بخسا، و ما درى********أريـب بأنّ إطعامه ما ستنفـق!
و لفّـت ذبـابا حـولها، في شـراهة********يطنّ على الجسم الشّحيم، ويلعـق
تبنّت ألاعيب الأفـاعي، و مكـرها********و إنّ فنون الكيد عهد، و مـوثق
و بالخيمة الرّقطـاء، من فوق رأسـها********تداري ضحاياها الكرام، و تفـسق
فإن رمت بـرءا، فهي كلب حـراسة********نبـاحه دكّ لـلجـبال مخنـدق
وإعصارهـا المرعـود، يلقي بعـاعه********و يقتلع الأشجار، والظ‍ّلم أحـمق
وشطحات مأفـون، طغى هذيـانه********مع كلّ أصنـاف الهراء تنـسّق
و تنساب كالرّقطـاء، ترسل سـمّها********زعافا، و لسعات تصيء ، وتزعـق
تصـدّ إياة الشّـمس، عن لمعـانها********فقالت : يمين الله أن سوف أشـرق
و في الهدف الأسمى، أنابيش عنصـل********إذا ما بها استأجرت تهوي، و تغرق
وتـؤذي بما فـيها، و دون تكـلّف********و لكن، إذا هدّدت بالصّفع تفـرق
فيا غـافلا، يكفيك مسح حـذائها ********فـإنّ حـذاء العـاهرات مخـرّق
و صاحت"زليخا"، إنّ شعـري أشيب********و"يوسف" فتّـان ، ألا أتـأنـّق؟
و إنّ "زليـخا"، في الجـمال لآيـة ********وأمّا عجـوز السّوء، فهي تخنـدق
فشتّان بين النّـور، وجـهه سـاطع ********و تحقيق أحلام العجـائز ، فاتّقـوا
وكيـف يروم الجيش قـطع مـفازة********و فارسه الأوهـى جـواده دردق؟
أيا أملي المصـلوب، جرحك غـائر********بليـغ، ومن بعـد دمـاؤه تعبـق
فلا هدّدتـني، من قيـودك غـلّها ********فإنّ كلوم القيـد أشـفى، وأعتـق
تمهّل، و لا تنشر غسـيلك خـارجا********على الضّفّة الأخرى ، فبيتك فـيهق
ولا تظلمن خفق المشـاعر، يا فـتى********لعلّك أن تهوى ، ورأسك مطـرق
جرعـنا من الأشـرار كلّ أذيـّة********و لا غـرو أنّ الشّـرّ خمر معتّـق
يكمّم أفـواه النّبـاهة، و الحـجى ********نكالا ، وها... للمومسات يصفّـق
أيمكـنه تشييـد صـرح حضـارة********وواقعـه جنـس، وفكر معـوّق؟
وهـاجته أشـواق، إلى مـا يـذلّه********فـآه لذيـل القوم، كم يترستـق!
لئن يرفع الأوغـاد، تصـفيق فـاسق ********لقد يقتل الأخيار جوز، و بنـدق
يصكّـون سمعا، عن هـديل حمامة ********و ذا الشّاعر الأظمى حديثه شـيّق
وإنّ ذبـول الشّـاعر الفـذّ شعـلة********وفي أسـوإ الحالات، فهو معـبّق
هتـوف إلى الأسمى، و لكنّ ضـدّه ********غرابيب سودا فـوق رأسه تنعـق
فهم قتلوا الحـسّ الرّهيف، بسجـنه ********كذاك حمار القوم، من ليس يعشـق
وديـدنهم، مكـر، وحبك خـديعة********على جيف القتلى ، نسورا تحلـق
وكم ضمّخوا عطر الفضيـلة ثعـلبا********خؤونا، بأصداف العـلا يتمنطـق
قـلوب، من الصّـمّ الجنادل قسـوة********و إنّ الصّخور الصّمّ تحنو، وترفـق
صبـور،إذا ما الـبرد ينصب فوقـها********وإمّا غـزاها الماء ،فـهي تشقّـق
أيا خـيرة الأوطـان،قل لقصائـدي********أكـلّ عذاباتي بهار ، و فستـق؟
لئن كـانت النّعمـاء،تعمى بصـيرة********لقد فاح من حزني أريج ، وزنـبق
و إن كان كيد الدّهر، فوق احتـمالنا********فإنّ جريح الحسّ، بالصّبر يـرزق
رأيـت أماني القلـب ، وهي حيـاته********كأشجار صفصاف، من العزّ تبسق
فإمّا قصـدناكـم ، لقـاء مـودّة********و إمّا عصا التّرحال للصّخر تفلـق
فإن شئتمـو قتلي، فـذلك جبنـكم********وإنـّي لذاك الجبن كم أتشـوّق!
و لكـن، ثقـوا أنـّي أمـوت كريمة********ونجمي عن الأوحال أسمى، و أسمق
هدوء، قبيـل العاصـفات مبـاغت ********و إرهاب إعصار،من الرّعد أصعق
فإن أنتـم رمتم هـدوئي، فمـرحبا********و إمّا اعتصمتم بالبيوت ، فغلّقوا!
فسجـنك، يا جرح اليمـامة جـائر********كنـوح الأغاني، و الأغاني تؤرّق
و يطبخ لحم النـّوق، فوق ظـهورها********فـؤاد، على جمـر الغضا يتحرّق
لئن طال صمتي، فـهو طعنة لازب********ليرسل سهم الشّعر للقلب يخـرق
فإنـّي بكيت اليوم،درّا على الّـذي********فـؤاده مكلوم ، وظلمه شيّـق.

الجسور المعلّقة، قسنطينة، في: يوم الجمعة 08 رجب 1421 ﻫ.
الموافق ل: 06 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2000 م.
هامش:
(1) "مؤرّق"، الوارد ذكره في البيت الثّالث عشر ((13)) من القصيدة هو :شيطاني الشّعريّ الوديع .