المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خريف ليلى.....ذاك كان آخر لقاء



ماجدة2
09/02/2008, 07:16 PM
سلام الله عليكم
محاولة صغيرة مني بين صفوف "الكبار"


"خريف ليلى.....ذاك كان آخر لقاء" / قصة قصيرة



ذاب الثلج، و الخُضرة أخذت تكسو الأرض مع إشراقة الشمس المتكررة. الأطفال سعداء ، يزينون المتنزه بالشرائط الملونة و الأزهار الورقية فرحا بقدوم الربيع.
تجلس ليلى في مكانها المعتاد ، مرَّة تُلقي نظرها إلى هناك حيث الحركة و الضحكات البريئة ، ثم ما تفتأ أن تعود إلى طيِّ "الضِمادات".
اقتربت منها رُفيدة الصغيرة:
- انظري هناك يا ليلى ، هل المنظر جميل ؟
- نعم جميل جدا
- و أنتِ ماذا أعددتِ للربيع ؟ إنَّه قادم.
ينعقد لسان ليلى ، تتذكر "الضِمادات" .
يرتفع صوت الزميلات من هناك: رُفيدة تعالي ساعدينا .
- اذهبي إنهم بحاجة إليك .
جاء الربيع أخيرا ، استقبله الأطفال بأغاني و موسيقى جميلة . أخذ يقدم لهم الزهور واحدا ، واحدا.
شيء من الشجاعة سكن قلب ليلى فجأة ، حدَّثت نفسها : أليس هو الربيع ؟ ربما سيُساعدني ...
حَملت نفسها و تقدَّمت إليه....
التفت الجميع ، رحَّب الربيع بها باسما :
- عندي زهور جميلة جدا لكِ و أنتِ ما عندك تقدمينه لي ؟
ترَدَدت قليلا ثم قالت : - بعض "الضمادات" .
ثبت نظره فيها : انتظري ، زوريني غدا في بيتي
تسمَّرت في مكانها : غدا؟
- نعم غدا.
في اليوم التالي، حملت ليلى سَلّة "الضمادات" و توجهت إلى بيت الربيع ، اختارت طريق الغابة كي تفكر مليا كيف تبدأ الحديث.
في منتصف الطريق ، عثرت على رسالة ، كُتب عليها "أعلم أنكِ سَتمُرِّين من هنا" . فتحتها :
" ليلى إنِّي الربيع ، حبيب كل القلوب ، أحب الزَّهر و الرياحين و الأغاني الجميلة السعيدة. أحب كل ما يُفرح. لا أحب الجِراح و الألم . أتمنى أن أراكِ العام القادم وردة متفتحة سعيدة، ارمي كل "الضمادات".
دون وعي منها ، تركت الورقة تسقط من بين أناملها. عادت أدراجها. عادت إلى المقعد الخشبي تطوي "الضمادات". ذرفت بضع دموع بصمت.
مَرَّ الربيع سريعا هذا العام ، لم تشعر ليلى بأيامه .
جاء الصيف ، كان شديد الحرارة ، مُفعما بالحركة ، أما ليلى فكانت متعبة كثيرا. فَـكَّـرَت : إنه كثير الحركة هذا العام ، لا يثبتُ في مكان ، و أنا متعبة لا أقوى على المحاولة. طيلة الصيف ، أمضت ليلى أيامها مختبئة في قعر البُحيرة بين الصخور تتأمل السطح ، تنتظر رحيله. كان بإمكانها أن لا تتنفس تحت الماء و لا تصدر أي حركة كي لا تلفت الانتباه.
و يَمُرُّ الصيف.
ألوان صفراء ، برتقالية ، بُنية بدأت تُلوِّن المتنزَّه . نسمات خفيفة تكنسُ الأوراق المتساقطة و غيوم تجوب السماء ، تغيب الشمس خلف الغيوم ، بعض البرودة تدبُّ فيُغادر الأطفال إلى بيوتهم. يخلو المكان تقريبا إلا من شيخ مُسِن يعزف على آلة الأكورديون و ليلى في مقعدها الخشبي كعادتها تطوي "الضمادات".
يتقدم إليها بخطوات لا تُثير جَلبة :
- مِثل كلِّ عام ، يُغادر الجميع لدى قدومي و تظلِّين أنتِ هنا بانتظاري. كم أحب هذا المكان.
يجلس بجانبها :
- هاتِ "الضمادات" ، أرنـِي ما عندكِ من جروح
يُضَمِّد الجروح واحدا، واحدا ، بكل هدوء و ليلى مُطرقة:
- الشتاء أحدث فيكِ آثارا عميقة،
أما الربيع ، فـَـبِـضعُ خدوش ...لا تـُسيئي فهمه يا ليلى يحب أن يراكِ وردة متفتحة.
يبدو أنكِ لم تتحدثِ مع الصيف .
تنطق ليلى:
- ألا يمكنك المكوث أكثر ؟ إني أفتقدك طول العام
- لا يمكنني ذلك ، أنتِ تعلمين أنَّها سُنة الله في كونه. لكن قدِّري وفائي لكِ كلَّ عام، حاولي أن تقنعي بذلك . ثم إنِّي أوصَيتُ البدر بكِ خيرا و هو ينقل لي كلَّ أخبارك.
يعلو صوت الأكورديون ،
ينتشي الخريف بعض الشيء: - تعالي سأمحو آخر جُرح لكِ
يجذبها بسرعة ، و بخِفَّة الريح يطير بها في الهواء، يدور بها في السماء تراقصا على ألحان الأكورديون .
تنسى ليلى كل شيء ، تنسى حتى نفسها ، تعلو ضحكاتها و تملأ الفضاء ،
يـُكلمها الخريف:
- ها هي طفلتي الصغيرة تعود إليّ،
جروحكِ كنوزي المؤلمة ، ضحكاتكِ كنوزي البلسمية ،
فهل ستُحدثين الشتاء بكنوزنا الصغيرة ؟
- كلاُّ يكفيني ما ألقاه منه من آلام .
- و ماذا عن الربيع؟
- سَأهدي له زهورا جميلة ، لكن لن أحدثه بشيء
- و ماذا عن الصيف ؟
- سأهدي له فاكهة لذيذة ، لكن لن أحدثه بشيء .
تهدأ حركة الخريف بعض الشيء :
- و ماذا عنيِّ يا ليلى ؟
تتورَّد وجنتاها رغم البرودة : أنت حبِّيَ البريء الذي أحفظه في قلبي و أنتظره و أفتقده .
من جديد تعلو ألحان الأكورديون و تملأ الفضاء تمازجا مع ضحكات ليلى و الخريف و الأوراق البرتقالية و البُنية و الصفراء .
تنكشف الشمس من خلف الغيوم و تُنير الخريف بألوان جميلة.

ابو مريم
10/02/2008, 10:06 AM
سلام الله عليكم

محاولة صغيرة مني بين صفوف "الكبار"



"خريف ليلى.....ذاك كان آخر لقاء" / قصة قصيرة




ذاب الثلج، و الخُضرة أخذت تكسو الأرض مع إشراقة الشمس المتكررة. الأطفال سعداء ، يزينون المتنزه بالشرائط الملونة و الأزهار الورقية فرحا بقدوم الربيع.
تجلس ليلى في مكانها المعتاد ، مرَّة تُلقي نظرها إلى هناك حيث الحركة و الضحكات البريئة ، ثم ما تفتأ أن تعود إلى طيِّ "الضِمادات".
اقتربت منها رُفيدة الصغيرة:
- انظري هناك يا ليلى ، هل المنظر جميل ؟
- نعم جميل جدا
- و أنتِ ماذا أعددتِ للربيع ؟ إنَّه قادم.
ينعقد لسان ليلى ، تتذكر "الضِمادات" .
يرتفع صوت الزميلات من هناك: رُفيدة تعالي ساعدينا .
- اذهبي إنهم بحاجة إليك .
جاء الربيع أخيرا ، استقبله الأطفال بأغاني و موسيقى جميلة . أخذ يقدم لهم الزهور واحدا ، واحدا.
شيء من الشجاعة سكن قلب ليلى فجأة ، حدَّثت نفسها : أليس هو الربيع ؟ ربما سيُساعدني ...
حَملت نفسها و تقدَّمت إليه....
التفت الجميع ، رحَّب الربيع بها باسما :
- عندي زهور جميلة جدا لكِ و أنتِ ما عندك تقدمينه لي ؟
ترَدَدت قليلا ثم قالت : - بعض "الضمادات" .
ثبت نظره فيها : انتظري ، زوريني غدا في بيتي
تسمَّرت في مكانها : غدا؟
- نعم غدا.
في اليوم التالي، حملت ليلى سَلّة "الضمادات" و توجهت إلى بيت الربيع ، اختارت طريق الغابة كي تفكر مليا كيف تبدأ الحديث.
في منتصف الطريق ، عثرت على رسالة ، كُتب عليها "أعلم أنكِ سَتمُرِّين من هنا" . فتحتها :
" ليلى إنِّي الربيع ، حبيب كل القلوب ، أحب الزَّهر و الرياحين و الأغاني الجميلة السعيدة. أحب كل ما يُفرح. لا أحب الجِراح و الألم . أتمنى أن أراكِ العام القادم وردة متفتحة سعيدة، ارمي كل "الضمادات".
دون وعي منها ، تركت الورقة تسقط من بين أناملها. عادت أدراجها. عادت إلى المقعد الخشبي تطوي "الضمادات". ذرفت بضع دموع بصمت.
مَرَّ الربيع سريعا هذا العام ، لم تشعر ليلى بأيامه .
جاء الصيف ، كان شديد الحرارة ، مُفعما بالحركة ، أما ليلى فكانت متعبة كثيرا. فَـكَّـرَت : إنه كثير الحركة هذا العام ، لا يثبتُ في مكان ، و أنا متعبة لا أقوى على المحاولة. طيلة الصيف ، أمضت ليلى أيامها مختبئة في قعر البُحيرة بين الصخور تتأمل السطح ، تنتظر رحيله. كان بإمكانها أن لا تتنفس تحت الماء و لا تصدر أي حركة كي لا تلفت الانتباه.
و يَمُرُّ الصيف.
ألوان صفراء ، برتقالية ، بُنية بدأت تُلوِّن المتنزَّه . نسمات خفيفة تكنسُ الأوراق المتساقطة و غيوم تجوب السماء ، تغيب الشمس خلف الغيوم ، بعض البرودة تدبُّ فيُغادر الأطفال إلى بيوتهم. يخلو المكان تقريبا إلا من شيخ مُسِن يعزف على آلة الأكورديون و ليلى في مقعدها الخشبي كعادتها تطوي "الضمادات".
يتقدم إليها بخطوات لا تُثير جَلبة :
- مِثل كلِّ عام ، يُغادر الجميع لدى قدومي و تظلِّين أنتِ هنا بانتظاري. كم أحب هذا المكان.
يجلس بجانبها :
- هاتِ "الضمادات" ، أرنـِي ما عندكِ من جروح
يُضَمِّد الجروح واحدا، واحدا ، بكل هدوء و ليلى مُطرقة:
- الشتاء أحدث فيكِ آثارا عميقة،
أما الربيع ، فـَـبِـضعُ خدوش ...لا تـُسيئي فهمه يا ليلى يحب أن يراكِ وردة متفتحة.
يبدو أنكِ لم تتحدثِ مع الصيف .
تنطق ليلى:
- ألا يمكنك المكوث أكثر ؟ إني أفتقدك طول العام
- لا يمكنني ذلك ، أنتِ تعلمين أنَّها سُنة الله في كونه. لكن قدِّري وفائي لكِ كلَّ عام، حاولي أن تقنعي بذلك . ثم إنِّي أوصَيتُ البدر بكِ خيرا و هو ينقل لي كلَّ أخبارك.
يعلو صوت الأكورديون ،
ينتشي الخريف بعض الشيء: - تعالي سأمحو آخر جُرح لكِ
يجذبها بسرعة ، و بخِفَّة الريح يطير بها في الهواء، يدور بها في السماء تراقصا على ألحان الأكورديون .
تنسى ليلى كل شيء ، تنسى حتى نفسها ، تعلو ضحكاتها و تملأ الفضاء ،
يـُكلمها الخريف:
- ها هي طفلتي الصغيرة تعود إليّ،
جروحكِ كنوزي المؤلمة ، ضحكاتكِ كنوزي البلسمية ،
فهل ستُحدثين الشتاء بكنوزنا الصغيرة ؟
- كلاُّ يكفيني ما ألقاه منه من آلام .
- و ماذا عن الربيع؟
- سَأهدي له زهورا جميلة ، لكن لن أحدثه بشيء
- و ماذا عن الصيف ؟
- سأهدي له فاكهة لذيذة ، لكن لن أحدثه بشيء .
تهدأ حركة الخريف بعض الشيء :
- و ماذا عنيِّ يا ليلى ؟
تتورَّد وجنتاها رغم البرودة : أنت حبِّيَ البريء الذي أحفظه في قلبي و أنتظره و أفتقده .
من جديد تعلو ألحان الأكورديون و تملأ الفضاء تمازجا مع ضحكات ليلى و الخريف و الأوراق البرتقالية و البُنية و الصفراء .

تنكشف الشمس من خلف الغيوم و تُنير الخريف بألوان جميلة.

قصة جميلة تعبق بعطر الورود ونسيم الجمال والحرية..
بطلتها ليلى التي عانت وسط هذا الزخم البديع...
ليلى التي تخلصت من ضمادها أخيرا واستعادت رونقتها.....
كان عليك أختي أن تشتغلي على القصة أكثر ...فلك مؤهلات
لترويد الحدث وفق نسق مثير ومشوق ....
ننتظر منك الأروع كما عودتنا دائما....

ماجدة2
10/02/2008, 07:48 PM
شكرا لمرورك الكريم أستاذي الفاضل، أبا مريم
و شكرا لملاحظاتك القيمة
توجيهاتكم تشرفني كثيرا
خالص تحياتي و تقديري

عاشت بلادي
15/02/2008, 12:29 PM
شدتني القصة بل وأنغمست فيها
دائما تبهريني بما تكتبي وفى كل مرة أرى أسلوب يختلف عن سابقه
وهذا ما يميزكِ انكِ متجددة الحرف
أبدعتِ وتألقتِ
سلااام

ماجدة2
15/02/2008, 08:35 PM
شكرا أختي الكريمة "عاشت بلادي"
مرورك خفيف عبق يحرك أوتار قلبي
مع أني لست بهاذا التألق لكني أشكرك من أعماق قلبي

تحيتي

الحمري محمد
16/02/2008, 10:39 PM
الفاضلة ماجدة
اعدت قراءة هذه الأنسنة لفصول تنتهي بانقشاع الغيم...
خريف يتزيا بألوان جميلة...
اشراقة الرؤية,واستشراف لافق جميل...
الفاضلة:كل التقدير.

ماجدة2
17/02/2008, 06:54 AM
الفاضلة ماجدة
اعدت قراءة هذه الأنسنة لفصول تنتهي بانقشاع الغيم...
خريف يتزيا بألوان جميلة...
اشراقة الرؤية,واستشراف لافق جميل...
الفاضلة:كل التقدير.

شكرا أستاذي الفاضل

حاولت هنا ، أن أشَبه الشخصية الإنسانية بالفصل،

إنسان ما ، قد يكون شُعلة لماعة ، قوية ، في كل شيء تقريبا ،في كلامه الحاضر دوما و الذي يجعل الجميع ينصتُ له ، أو المواقف القوية أيضا ، و التي تجعل الجميع ينبهر به، و يُعجب به تماما مثل إعجابنا بفصل الربيع.....
لكن هذا الإنبهار على المستوى الماكروسكوبي (macroscopique) قد يختل على المستوى الميكروسكوبي (microscopique)
فلا يكون لهذا القوي مثلا طول البال (la patience) في معالجة جراح عميقة لكيان ضعيف محطم ، و قد لا يملك حتى خاصية الإنصات للآخر ، فتكون إقتراحته (الحل المعطى)، هو مباشرة المرحلة النهائية من العلاج (رمي الضمادات) متخطيا بذلك مراحل علاجية وسيطية (intermédiaires) أساسية للوصول للمرحلة الأخيرة
و بكل بساطة ، يكسر أمل الآخر فيه

في حين ،إنسان آخر ، قد لا يكون محط إعجاب للآخرين ، صموت و ليس فيه ما يجذب أو ما يلفت الإنتباه "ظاهريا" ، ثم بتقارب ما ، تحدثه الظروف ، تكتشف فيه هذه الملكة ، ملكة الإنصات و محاولة فهم الآخر و ربما الإنسجام معه ، فيكون ذلك ما حدث بين ليلى و الخريف و كان الخريف في الأخير طبيبها الذي صار يفهم كل ما يحويه قلبها دون حتى أن تتحدث.

يعني في الأخير لا وجود لإنسان كامل ، أي كل شيء فيه جميل (مثل الربيع)
كل واحد فينا له محاسن و عيوب

لكن من الجميل جدا أن نكتشف الجمال ، في كل شيء، مثل ذلك الجمال الذي نكتشفه في الخريف.....أو في الصحراء ، أو في السمراء الدافئة

ثم أحببت الإشارة إلى جمال الخريف ، لأن جمال الربيع الأخـَّـاذ أو الصيف ، لا يلغي أبدا جمال الخريف و ألوانه المتمازجة بين الأصفر و البرتقالي و البنيّ
الخريف قد يعني ذبول النبات و سقوط الأوراق ، قد يعني النهاية ، لكن نقطة النهاية هذه بالذات تمثل نقطة البداية ، البداية لمرحلة جديدة للأشجار ، فيه تُحرثُ الأرض و تُزرع البذور ، هو مرحلة البداية لكل الفصول، لكل الأزهار و الثمار التي تأتي فيما بعد
أظنه طبيب كل الفصول و ليس فقط ليلى !

أحب الربيع مثلما يحبه الجميع
و في قلبي حب خاص للخريف


شكرا أستاذي الكريم
تحيتي و مودتي

ماجدة2
19/02/2008, 07:37 AM
الخريف فيه نهاية و منه بداية
مثل الأرض...

«منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى» 55 / سورة طه الكريمة

احلى البنات
08/10/2009, 09:54 PM
ولله روعة يسلمو هل ايدي الحلوين

بنوتة جميلة
08/10/2009, 09:56 PM
والله حلوة الله يعطيك العافية ماقصرتو يسلمو هل ايدي الحلوا
































































ذاب الثلج، و الخُضرة أخذت تكسو ا الأزهار الورقية فرحا بقدوم الربيع.
تجلس ليلى في مكانها المعتاد ، مرَّة تُلقي نظرها إلى هناك حيث الحركة و الضحكات البريئة ، ثم ما تفتأ أن تعود إلى طيِّ "الضِمادات".
اقتربت منها رُفيدة الصغيرة:
- انظري هناك يا ليلى ، هل المنظر جميل ؟
- نعم جميل جدا
- و أنتِ ماذا أعددتِ للربيع ؟ إنَّه قادلأرض مع إشراقة الشمس المتكررة. الأطفال سعداء ، يزينون المتنزه بالشرائط الملونة وم.
ينعقد لسان ليلى ، تتذكر "الضِمادات" .
يرتفع صوت الزميلات من هناك: رُفيدة تعالي ساعدينا .
- اذهبي إنهم بحاجة إليك .
جاء الربيع أخيرا ، استقبله الأطفال بأغاني و موسيقى جميلة . أخذ يقدم لهم الزهور واحدا ، واحدا.
شيء من الشجاعة سكن قلب ليلى فجأة ، حدَّثت نفسها : أليس هو الربيع ؟ ربما سيُساعدني ...
حَملت نفسها و تقدَّمت إليه....
التفت الجميع ، رحَّب الربيع بها باسما :
- عندي زهور جميلة جدا لكِ و أنتِ ما عندك تقدمينه لي ؟
ترَدَدت قليلا ثم قالت : - بعض "الضمادات" .
ثبت نظره فيها : انتظري ، زوريني غدا في بيتي
تسمَّرت في مكانها : غدا؟
- نعم غدا.
في اليوم التالي، حملت ليلى سَلّة "الضمادات" و توجهت إلى بيت الربيع ، اختارت طريق الغابة كي تفكر مليا كيف تبدأ الحديث.
في منتصف الطريق ، عثرت على رسالة ، كُتب عليها "أعلم أنكِ سَتمُرِّين من هنا" . فتحتها :
" ليلى إنِّي الربيع ، حبيب كل القلوب ، أحب الزَّهر و الرياحين و الأغاني الجميلة السعيدة. أحب كل ما يُفرح. لا أحب الجِراح و الألم . أتمنى أن أراكِ العام القادم وردة متفتحة سعيدة، ارمي كل "الضمادات".
دون وعي منها ، تركت الورقة تسقط من بين أناملها. عادت أدراجها. عادت إلى المقعد الخشبي تطوي "الضمادات". ذرفت بضع دموع بصمت.
مَرَّ الربيع سريعا هذا العام ، لم تشعر ليلى بأيامه .
جاء الصيف ، كان شديد الحرارة ، مُفعما بالحركة ، أما ليلى فكانت متعبة كثيرا. فَـكَّـرَت : إنه كثير الحركة هذا العام ، لا يثبتُ في مكان ، و أنا متعبة لا أقوى على المحاولة. طيلة الصيف ، أمضت ليلى أيامها مختبئة في قعر البُحيرة بين الصخور تتأمل السطح ، تنتظر رحيله. كان بإمكانها أن لا تتنفس تحت الماء و لا تصدر أي حركة كي لا تلفت الانتباه.
و يَمُرُّ الصيف.
ألوان صفراء ، برتقالية ، بُنية بدأت تُلوِّن المتنزَّه . نسمات خفيفة تكنسُ الأوراق المتساقطة و غيوم تجوب السماء ، تغيب الشمس خلف الغيوم ، بعض البرودة تدبُّ فيُغادر الأطفال إلى بيوتهم. يخلو المكان تقريبا إلا من شيخ مُسِن يعزف على آلة الأكورديون و ليلى في مقعدها الخشبي كعادتها تطوي "الضمادات".
يتقدم إليها بخطوات لا تُثير جَلبة :
- مِثل كلِّ عام ، يُغادر الجميع لدى قدومي و تظلِّين أنتِ هنا بانتظاري. كم أحب هذا المكان.
يجلس بجانبها :
- هاتِ "الضمادات" ، أرنـِي ما عندكِ من جروح
يُضَمِّد الجروح واحدا، واحدا ، بكل هدوء و ليلى مُطرقة:
- الشتاء أحدث فيكِ آثارا عميقة،
أما الربيع ، فـَـبِـضعُ خدوش ...لا تـُسيئي فهمه يا ليلى يحب أن يراكِ وردة متفتحة.
يبدو أنكِ لم تتحدثِ مع الصيف .
تنطق ليلى:
- ألا يمكنك المكوث أكثر ؟ إني أفتقدك طول العام
- لا يمكنني ذلك ، أنتِ تعلمين أنَّها سُنة الله في كونه. لكن قدِّري وفائي لكِ كلَّ عام، حاولي أن تقنعي بذلك . ثم إنِّي أوصَيتُ البدر بكِ خيرا و هو ينقل لي كلَّ أخبارك.
يعلو صوت الأكورديون ،
ينتشي الخريف بعض الشيء: - تعالي سأمحو آخر جُرح لكِ
يجذبها بسرعة ، و بخِفَّة الريح يطير بها في الهواء، يدور بها في السماء تراقصا على ألحان الأكورديون .
تنسى ليلى كل شيء ، تنسى حتى نفسها ، تعلو ضحكاتها و تملأ الفضاء ،
يـُكلمها الخريف:
- ها هي طفلتي الصغيرة تعود إليّ،
جروحكِ كنوزي المؤلمة ، ضحكاتكِ كنوزي البلسمية ،
فهل ستُحدثين الشتاء بكنوزنا الصغيرة ؟
- كلاُّ يكفيني ما ألقاه منه من آلام .
- و ماذا عن الربيع؟
- سَأهدي له زهورا جميلة ، لكن لن أحدثه بشيء
- و ماذا عن الصيف ؟
- سأهدي له فاكهة لذيذة ، لكن لن أحدثه بشيء .
تهدأ حركة الخريف بعض الشيء :
- و ماذا عنيِّ يا ليلى ؟
تتورَّد وجنتاها رغم البرودة : أنت حبِّيَ البريء الذي أحفظه في قلبي و أنتظره و أفتقده .
من جديد تعلو ألحان الأكورديون و تملأ الفضاء تمازجا مع ضحكات ليلى و الخريف و الأوراق البرتقالية و البُنية و الصفراء .
تنكشف الشمس من خلف الغيوم و تُنير الخريف بألوان جميلة. [/COLOR][/SIZE][/RIGHT][/QUOTE]