المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقطع من روايتي.. أوزار أهل السامرة ..



maroinedes
07/02/2008, 11:09 PM
وكالعادة.. عندما يجيء الليل .. يبدأ انقباض القلب وتخبثه .. يستلقي على قفاه .. ويبدأ في قتال الروح بلا مكابح.. لكنه قاوم النوبة وتناول كتابا وبدأ يقرأ فيه .. وجده شبيها بنفسه .. قرأه بنهم وعشق ونفس مطمئنة ..
" ذاكرة الجسد " تأمل العنوان مليا وتنهد بحرارة .. كأنما أثار فيه الكتاب حنينا لذاكرة الروح ورغبة في استعادة الذكريات الجميلة من كتاب حياته الماضية.. ثم تأمل اسم صاحبة الكتاب ومرر عليه أصابعه في حنان بالغ.. وبدأ يحدثها بصوت مرتفع :
- سيكون هذا الليل لك .. يا أم الأدباء المساكين .. الأطفال الجدد على أرض الحروف والكلمات.. سأرفع هذا السواد لكل مل كتبت وما لم تكتبي.. وهل بقي شيء يكتب؟ .. نفذ البحر قبل أن تنفذ الكلمات.. يا لحماقتنا ونحن نغوص بأقلامنا اليابسة.. أجيبي يا أم الكلام.. لماذا لم تنصحي صغيرك بعدم الإبحار؟.. وهو الضعيف بلا زاد .. وأنت بما كتبت .. تدفعين به نحو التيار الجارف .. رميت بصندوق أحلامه في اليم .. ولم يكن قلبك فارغا كأم موسى.. أغريتنا بجسد الكلام الفاضح .. وتركتنا بين قتيل وجريح .. لولا أن تصفيني بسوء الأدب لقلت لا سلام معك ولا هم يحزنون.. ولو لم أكن بارا بوالدتي لعزمت القدوم إليك حاملا سبعين عتاب قبيح.. لكن رحمة الله خليقة بجعلي أقرئك سلام المتعب الذي غمطه سوء الحظ.. وهده القعود.. " فسلام ".. تحية من قلب رحيم .. منهك.. متصدع.. وبدل القدوم إليك خذيها سبعين رسالة حب وامتنان من بعيد لبعيد..
قد تضنيني معتوها .. سفيها أو ضعيفا يعاتب جسدك المدثر بجنون الذاكرة.. أنت لا تعرفيني.. ومن أين لك أن تسمعي بأقلام الأقزام وخربشاتهم.. أما أنا فأعرفك .. الابن الذي لم تلديه يعرفك من رائحتك على بعد ملايين السنين الضوئية.. يعرف بالضبط ماذا تفعلين الآن.. وكيف تجلسين .. ولماذا تبتسمين هذه اللحظة.. يعرف عيونك المريمية وهما ترنوان على جسد المسيح .. الواسعة كالمدن المخبأة بين الجسور.. غير أن علمي بلهيب قلمك يا ابنة الحروف الحارقة من شجعني على إهدائك هذا الليل خالصا لك من دون النساء. فإذا رأيت نور شهاب يضيء سماءك .. فاعلمي أنه ضوء حنيني لكل حواسك.. بفوضاها وسكونها . وتلك منة تمنها يد الله علي أن أسافر نحوك بضوء النجوم وأنوار السماء يا أمي.. اعذريني متى كان النور خافتا .. لأني في ساعة موت من اليأس والغضب وزفير العجز الحيرة ابتسمي للنجوم بنظرتك الحانية حتى أنام ولا أستيقظ.. لا تلومي ابنك على الأحلام السخيفة .. وهل يلام موصول بتيار الكتابة الجارف؟.. ولا يجد العون والنصير؟ .. إنما أشكو إليك بثي .. وسحاب حزني على مدينتنا الذاوية.. مدينة تصفع فيها شرطية المرور شاعرا أمام الغانيات .. يموت فيها الكاتب جوعا وكمدا .. مدينة تحول كتاباتنا إلى أكياس ورقية لبيع الفول السوداني.. ومسح زجاج النوافذ .. أنت اقدر على فهم الأبناء .. بؤساء يصيحون كالمجانين في ساحة الشهداء " أقلام للبيع.. أقلام للبيع.." .. ولكن من يحفل ببضاعة مزجاة؟؟
أحملك مسؤولية الغواية .. والدفع بنا لشارع اللغة الخطير.. رميت بنا يا أمي فلم يحتضنا احد.. لا الشعب ولا الحكومة .. لا الشجر ولا الحجر .. ولا المزابل حتى..
أين صدرك حتى أضع رأسي وأطفأ عنف سنيني؟ .. ضميني .. أنا بغريزة شاعر مهزوم .. أحس برحابة صدرك للحكاية.. اسمعيها من البداية.. " بكبدة ساخنة" وقلب أم حنون .. لتعي أن الطفل الباكي بين يديك.. أي حمل ينوء به .. وأي ألام تعظ عظامه ولحمه ..
ابنك لا يفلح في عمل شيء سوى معاركة الصفحة البيضاء بقلم قديم.. حاولت تعلم شيئا لكن اليد لا تحسن إلا الكتابة .. ثم الكتابة.. ثم الكتابة.. كمن يمنح ثروته لعابث..وقلت لما لا تأكل الخبز بهذا الكلام .. كالذي " يبيع الريح ويقبض الصحيح ".. أنظري لمبلغ اليأس حتى صرنا نرى في الكتابة حرفة.. كالاسكافي أو اللحام .. نأكل من عرق الجبين .. لكن الحرف ينبض من جبين أخرى .. جبين لا تنحني أمام قلة ذات اليد والفقر المدقع..
" كن صحفيا " .. هكذا بزغت الفكرة من غبش الأفكار .. ولكن لسذاجتي .. كنت اضن أن الأخذ والعطاء مع رؤساء التحرير أمر وارد في مدينة المناخ المضطرب .. والنظام المضطرب.. والشعب المضطرب.. فبدخولي مباني العديد من الجرائد .. تحول تصوري عن أشرس خلق الله أولئك .. إلى أنهم طينة تنتفخ من رهاب سلطوي .. ينزع احدهم إلى التأله والربوبية .. فيوحد الآخرون فيه الأسماء والصفات كلما دخل مكتبه أو خرج .. كأنما استعص على الواحد منهم أن يتعلم بساطة الحياة دون توصيفها بالعلو والدنو.. علوهم علينا كونهم يقبعون في مكتب مكيف.. يتغوطون على الرأي العام بشتى الترهات من مراحيض افتتاحياتهم المغلقة على كل الحقائق .. ودنونا عنهم ونحن نحرث الأرض بحثا عن خبر يقين ثم نتحين الفرصة للحديث معهم دقيقة زمن فنعجز. .
لا أنسى ذاك السبت الكئيب.. عندما هممت طرق باب جريدة من الجرائد.. وفي الضن ألا خيبة لمن يدق باب الصحافة.. لعل النزر القليل الذي نملكه من زاد الكتابة يمنحنا فسحة الاشتغال بالعمل الصحفي.. لكن خلف الأكمة ما خلفها..
كشر البواب في وجهي . وسألني في عنجهية.. –ربما كنت أتطفل على داره من حيث لا ادري-..
- ماذا تريد؟..
أجبته ببساطة:
- اسأل عن فلان بن فلان .. رئيس تحرير الجريدة..
فعاودني بالسؤال وقد ازدادت ملامح وجهه انقباضا:
- ومن أنت ؟
فأجبته أني أريده في موضوع خاص وأكون شاكرا لو يتكرم بإبلاغه أني " فلان" من مدينة " كذا "
- انتظر
نطقها بلهجة آمرة ومضى في رواق طويل ثم استدار على يمينه ليعود إلي سريعا..
- ليس هنا
قال في صلف..
انقلبت عجلا على عقبي لا ألوي على شيء.. سرعان ما اهتديت إلى وجوب العودة مساء..لكن عاد " عمك " البواب يكشر في وجهي :
- هو لا يعرفك.. فكيف تريدني أن أدخلك عليه..
قلت موضحا:
- اخبر رئيسك أني من بعيد .. فلو يتكرم بالحديث إلي نصف دقيقة.. لن يخسر شيئا..
لكن العبد المأمور عجل في رفض طلبي قائلا:
- الله غالب..
" الله غالب على أمره .. أدخلتني إلى فرعونك أم أبقيتني .. " قلت ذلك في سري .. وودت أن أضحك في وجهه.. هل أنا اطلب رئيس البلاد أم رئيس جريدة.. لكن لعنت إبليس ومشيت و دارت الأيام دون أن تهدا سوسة الصحافة في عقلي..
بذلت جهدا مضنيا في تنقيح ديوان شعر.. ودرت به على دور النشر دارا دار .. يريدون شعرا حداثيا على موضة الغموض والخبل .. رفضوا نشر " معلقاتي " كما قال عنها احدهم.. اسودت الدنيا في وجهي .. حتى رحت لأسبوعية نكرة وأنا أتعذب من التنازلات والحضيض الذي أؤول إليه .. أسبوعية رغم قلة الموارد والخبرة.. وعدني صاحبها بالعمل .. لكن بعد العدد الرابع توقفت عن الإصدار.. رفعوا الراية السوداء .. المسودة المدودة .. سواد أيامنا العرجاء مع صحافة النحس ودعوات الشر و الشنار يا أمي ..
أنا احكي لك مضحكات مبكيات وقعت لي ولغيري بسبب " نظام اللعبة " الذي غاب عنا ذاك الحين.. لا أخفيك سرا أني كتبت بأسماء مستعارة .. وبأسماء صحفيين كان حضهم أنهم يتمتعون بحق النشر .. رفعت هذا .. وخفضت ذاك .. لكن اللعبة لم تستهوني واعتذرت باكيا لضمير الأدب الناعق في صحراء لغتي..تبت من هذا العهر وصمت دهرا عن الكتابة ..
" انك لا تأكل من القلم علكة .. فأبقه على طهره " لكنه فاض على جيب قميص " الشيفون " .. بقعة زرقاء كبيرة على الجيب الأيسر .. فوق القلب .. كأنما يناجيه ويواسيه .. يعلم انه يستمد حبره من عضلة القلب.. فتباكيا على طريقتهما الأولى .. القلم يتوق للانطلاق .. والقلب يلجمه لجاما.
اتصلت بجريدة أخرى .. ووجدت رئيس تحريرها " ابن البلاد ". استقبلني بحرارة .. لكن بمجرد أن سمع بغيتي تبدلت لهجته وأنبأني انه يخاف على مكانه .. اعتذر بلباقة وقال لي رغم ذلك سأبذل جهدي كي تكون معي وذراعي الأيمن وفق الشروط.. لكن قضى الله أمرا كان مفعولا .. لم يأخذ بيميني ولا بشمالي .. بقيت لي جولة أخيرة للتسلية لا غير .. رحت إلى جريدة تصف نفسها بالكبيرة .. جالست رئيس التحرير هذه المرة.. قال " نحن نصدر الصحفيين للجرائد الأخرى .. عندنا فائض .. وإذا كنت يا بن الناس الطيبين قادما بدون وساطات فعد أدراجك .. والله لن تكون ولو كنت همنغواي" .. شكرته جزيل الشكر ورجعت لداري . عدت لسابق عهدي .. تحاورني كائنات غريبة.. أكتب .. أكتب لمجرد الكتابة .. انتظر أن تحصل معجزة.. أو ينزل مسيح الصحافة ليخلصنا من أدران الجرائد الجائرة .. ويهدم بعدله جدارها العازل..
عندما يتنفس الصبح يا ثورية العينين.. استيقظ قبل نوم.. أنا لا اعرف النوم.. مهبول بالسهر.. استقبل النهار وأنا ممتن لما تكتبين .. ارغب في رؤيتك .. ومعابثة نصوصك ومروياتك الحبلى بأمل العشاق وراحة المتعبين .. أتخيلني طفلا يتوق لسريرك العابر سبيل اللغة المزدحم.. طفل يليق به السواد لأنه ابن الليل.. وحده الليل من يسمح لنا بالتنفس دون رقابة من احد .. تنطلق فيه حواسنا بالفوضى.. وتبكي هذا الجسد. أنا احسد جسدك على ذاكرته المؤلمة وذكرياته الساخنة.. ليس كجسد لا يمتلك ذاكرة .. لا اعلم أي مارد يزاحمني إياه.. أي وحوش سلبتني ذاكرته.. أي كائنات تتكاثف في رأسه وظهره وقلبه ويديه..
معذرة – كرز الأمومة - على البلل الذي أحدثته دموعي على صدرك واكتمي أسراري في قرارات الجب كي لا يلتقطها شامت.. ولا تنبئي أحدا بلحظات ضعفي وهوان أمري.. وضياع قصيدتي .. لا ادري لما احبك .. ليس يحدوني الأمل في معرفتك مدى وثاق بنوتي بك.. بقدر ما يستفزني أمل البوح لك بالذي يختلج في ذوات الأقلام التي تولد في صمت.. وتموت في صمت .. وعندما تكتشفها الأجيال القادمة في موسم جني التمور..- آه يا محني - تخسر عليها دقيقة صمت .. في بلاد العراجين الصامتة .

ماجدة2
08/02/2008, 08:44 AM
طُوب الواقع
طوب...لا ليس طوبا ،الطوب ليِّن بعض الشيء
يرحمنا قليلا فَنحن مِن جِنسه
هي صخرة ، نعم صخرة ثقيلة ، لكن ليست صخرة من الأرض
لأن الصخور تتفجر و يخرج منها الماء

هي صخرة القلوب الميتة ، أظنها أقسى و أثقل صخرة في الوجود
و عندما تسقط على قلب ، ليس بميت، تقصمه و يكون أنينه بمثل موضوعك أخي الكريم

هل من امل ،
أنه في يوم من الايام ، كل هذا التهميش، هذه المآسي و الأزمات و الخيبات تتوقف،
متى تقهر القلوب الحية القلوب الميتة ؟

القلوب الحية....في آلامها تتعذب ...لأنها حية و لأنها حية ستعرف طعم الألم ، ألم الظلم
القلوب الميتة ...في ترفها تتلذذ ...لأنها ميتة و لأنها ميتة ...فإن القَدَر "سَيُسارع لها بالخيرات...." لكنها لن تشعر و لن تعرف الحياة أبدا لن تعرفها وسط عالم الترف و الظلم الذي باتت أسيرة قضبانه
لو خيروك بين (الموت و اللذة)
أو (الحياة و الألم)
ماذا كنتَ ستختار أيها القلب المتعب؟ و أنت تقرأ آية من الحقيقة:

"فـَذَرهُمْ في غـَمْرَتـِهم حتَّى حين54 أيَحْسَبونَ أنَّمَا نُمِدُّهُمْ بهِ مِن مالٍ و بنينَ55 نُسارعُ لَهُمْ في الخيْراتِ بَلْ لا يَشْعرون56 إنَّ الذين هُم من خَشْية ربِّهم مُشْفِقُون 57 والذين هُم بآيات رَبِّهم يُؤمِنُون58 و الذين هُم بِربِّهم لا يُشْركون 59 و الذين يُؤتون ما ءَاتَوا و قلوبهم وجِلة أنَّهم إلى ربِّهم راجعون60 أولائك يسارعون في الخيرات و هُم لها سابقون61 ولا نُكلفُ نفسا إلاَّ وُسَعَها و لدينا كتابٌ يَنطق بالحقِّ و هُم لا يُظلمون62 "
صدق الله العظيم
أنظر يا قلبُ إلى رحمة ربك في الآية الأخيرة.....
نسأل الله أن يُثبتنا لنكون من النوع الذي يُحب ،
و بِرحْمَته سبحانه و تعالى و بإذنه لن نأكل التُراب....

قد نَمرُّ بحالات قاسية ...لا بدّ منها ، ماذا سننتظر من دنيا الكَبَد؟
قد تُعطينا وردا ، لكن في أغلب الأحيان يكون سرابا يجرحنا بشوك حقيقي فيما بعد ،

نحنُ معشر الفقراء ، الضعفاء ، نحن من يَصُدنا مُجْرموا الدنيا و يدوسون على أجسادنا النحيلة، يحتقروننا و يهمشوننا
لكننا نحن الفقراء الضعفاء نفرُّ إلى القويِّ الغنِّي الذي لا ظلم عنده أبدا
لا يُهمش أحدا فينا أبدا ، بل يرحمنا بالنظرة ، بالرحمة ، بالعناية
لا شيء يضيع عنده و لا حتى دموعنا المنسكبة
يحملنا إلى كهفه ، في قلوبنا ، بل في كل الأرض ، ففي كهفه كل الرحمة و الحب و العناية

فقير نطق فقال
و يبقى أكل التراب أهون بكثير من أكل النار.......

maroinedes
08/02/2008, 01:27 PM
وقوفك سيدتي استسقى من الوتين ماءه .. تضوع المسك وانبلج عبير التوليب والخزامى .. لك تحياتي وشكري على حروفك البلسمية.. محترمك :بشيري طيب مروان - الجلفة - الجزائر

يوسف الباز بلغيث
09/02/2008, 08:50 PM
الرقيق " مروان " نسمة المربد الغريرة..
" أوزار أهل السامرة " تحتاج إلى عناية لغوية بقدر عنايتك بالفكرة ، تتقلب بين الرسالة الأدبية و القصة ..و هذا شيئ إبداعي نحتفي به..الرامز في الرواية القصة الرسالة له دلالاتٌ عميقة رغم سطحية اللفظ..و هنا أيضا مكمنُ الاجتهاد و الابداع..
" أوزار أهل السامرة " تستحق القراءة مرّاتٍ متعمقة سعيدة مثلك يا طويلَ العمر..

maroinedes
10/02/2008, 10:06 AM
أجدني مغمور بنسائم السعادة جراء مرورك العبق .. واطالب بازنا الاشم ان يحوم دوما حول نصوصنا بمثل هذه التحويمات السامية.. تحياتي