المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الربوة المعتمة بقلم الحمري محمد



الحمري محمد
05/02/2008, 12:56 PM
الربوة المعتمة


"قبورنا معتمة على الرابية
والليل يتساقط في الوادي"
للراحل محمد الماغوط

أفقت مثقل الرأس...
كان نومي متقطعا,لم أقو على احتمال حرارة امتصت كل شئ ليعسر تنفسي وأغرق في عرق بلل ملابسي الداخلية...
غادرت ضيق الغرفة عبر ممر ضيق هو الأخر.اخترت المكان القصي من الشرفة التي لم تتسع لأكثر من ثلاث طاولات متقاربة و ست كراسي...كانت الشرفة الوحيدة بهذا النزل اليتيم بهذه التي لاهي بالمدينة ولا هي بالقرية...بيوت تكاد تشكل كتلة طينية واحدة ذات شبه مريع بتلك التي ,في صغرنا,شكلناها من وحل البرك...مع ما شكلنا من أكواب وأباريق وحتى بعض النوق النائخة دوما :مثلث عليه رأس صغير وذيل على الوجه المقابل...
جلست أرقب تلك الربوة التي نسجوا حولها ما نسجوا...لكن رؤوس النخل اللامعة مع كل نسيم عليل,كانت كما فرشات تنمق إطار لوحة زاهية,تشدني...
وصلني الشاي الذي طلبت,ووصل معه أيضا زوج بهيج ملأ الشرفة أريجا...
امرأة تفور نعومة وحيوية ,شعرها الأشقر الناعم يلمع كما سعف النخيل هناك على السفح,ضامرة ومكتنزة...لباسها الشفاف لم يحجب أشعة الشمس من اختراقه لتبدو عارية تماما...ظهرها بيضة حجل طرية...
دلفا بهدوء كالنوم...أو كراقصين على الجليد,مسكها من خصرها كمن يمسك شيئا رخوا ,إن هو احكم الإمساك أتلفه...
نسيت الربوة التي تتلفع بممر اصفر, يوصل إلى جدارعال, توسطته غرفة علاها عمود حديدي شد إلى الأرض بخيوط مائلة كثيرة ,منته بمصباح يزداد احمرارا كلما دعتنا الشمس للمغيب...
التفتا متداركين" هل سيحجبان عني المغيب إن هما قعدا قبالتي ؟" هذا ما فهمته على الأقل من التفاتتهما...رفعت يسراي التى كانت تمسك كتيبا احتجز سبابتى كعلامة كي لاتضيع الصفحة,الصفحة التي لن أقلبها على ما يبدو..." أن لا بأس تفضلا..." يمناي استلذت دفء الشاي,شاي الجنوب...
جلسا, حجبا عني الربوة قليلا,وضع كفه على رمانة كتفها العارية وضمها برفق...امتصا عصير البرتقال المزين بقطع ثلجية مكعبة و تبادلا امتصاص حرارة بعضهما بين الفينة والأخرى بجنون هادئ...
فجأة تكسر الصمت,قبل أن يظهروا,سبقتهم أصواتهم التي خللخت الهدوء...ظننت أن الشرفة ستضيق بهذا الوفد القادم,الصاخب...فوجئت لأن عددهم لم يتجاوز ثلاثة أفراد...
سحب أحدهم الكرسي الذي بجواري دون استئذان,أحدث احتكاكا تصطك له الأسنان...التفت السائحان بحذر ,رفع كفه عن كتفها واعتدلا قليلا في جلستهما...
...وغابت الشمس...
الحركة التي بدأت تدب,من والى رأس الربوة,كشفتها الأضواء التي تختفي بالسرعة التي تظهر بها,تذكرت وصفا سمعته من رجل هرم " بالليل يابنى تصحو الربوة وتشتغل كالنمل..."
الشيخ الذي أضاء نور الشرفة وجهه, بدت ملامحه صلبة أقرب إلى العداء...على يمينه جلس الشاب الذي جذب الكرسي بعنف,شديد السمرة,عليه أثر هذه البيوت الطينية العارية كالحزن.يتأبط ملفا تطل منه أوراق غير مرتبة وقد تآكلت أطرافها...
يتكلم بصوت مرتفع...أمامه جلس الرجل الثالث :أنيق المظهر,ذا سمرة خفيفة,هو الأخر ,كلما تدخل علا صوته...
الربوة مضاءة قمتها بشكل فاضح,بدت موحشة, تبعث على التوجس أكثر...لم تنقطع الحركة بل كادت تصير منتظمة...
سرى نسيم يغري بالسهر...غطت السائحة كتفيها وانسحبا بمثل الهدوء الذي ولجا به الشرفة...
صوت الشيخ خافت ودافئ :" بلغني أنه لم يبق سوى الخاتم الشريف..." وانسحب الرجال دون ضجيج...
بقيت وحدي أرقب الربوة المعتمة التي علمت فيما بعد أن رحمها منجم لاستخراج بقايا أرواح...

ماجدة2
07/02/2008, 11:47 AM
ليته ظلَّ وحيدا طيلة المغيب، كانت لذة الغروب ستُطوِّق كلّ كيانه
~ ~ ~
في الخلوة لذة

الحمري محمد
07/02/2008, 12:38 PM
لفاضلة ماجدةنفتقد مثل هذه المتعة لشساعة مساحة الالم...مودتي.

ماجدة2
07/02/2008, 01:03 PM
نعم ، الدنيا تسلبنا ما نحب و كثيرا ما يكون ذلك رغما عنا

لكن في القلب تبقى بعض الأحلام الجميلة مثل المتنفس
فالألم يدفعك لتحلم بمكان جميل لا ألم فيه

هذه سطور بسيطة لي كتبتها عن الخلوة:
أرجو أن تنال القليل من إعجابكم


سَاعة


للخُلوَةِ لذّة و أيُّ لذّة

قُلتُ لِفُضَيْلٍ جَرِّبِ اللذّة

قال لا أصْبرُ على بُعْدِ الأحِبّة

وَرْدٌ و عَمْرٌ و ليلى

قُلـتُ جَرِّبِ اللذّة سَاعة

قال لا أقوى على الخُلوَة سَاعة

أحْنُو لوَرْدٍ و عَمْرٍ و ليلى

قُلتُ

العصفورُ يُنادِيكَ لِسَاعة

و الشّجَرُ يُنادِيكَ لِسَاعة

و الجَدْوَلُ يُنادِيكَ لِسَاعة

و الجَبلُ يُنادِيكَ لِسَاعة

و الرَّمْلُ يُنادِيكَ لِسَاعة

و البَحْرُ يُنادِيكَ لِسَاعة

و الشّمسُ تُنادِيكَ لِسَاعة

و النجْمُ يُنادِيكَ لِسَاعة

و القمَرُ يُنادِيكَ لِسَاعة

و الليل يُنادِيكَ لِسَاعة

و الفَجْرُ يُنادِيكَ لِسَاعة

و الكتابُ يُنادِيكَ لِسَاعة

تتوقّفُ عقاربُ السَّاعة

و يَدُقُّ القلبُ سَاعة

و تزكو الروح سَاعة


أكرِمْ بِها مِن سَاعة

و الدنيا سَاعة


~ ~ ~

ما أصعب الألم الذي يسلب منا حتى الأحلام الجميلة

ماجدة2
07/02/2008, 01:47 PM
لو ظلَّ وحيدا، هل الغروب كان سيخفف عنه وقع منظر القبور ؟
أم يزيد منه؟


كيف هي نظرته للقبور؟
هل تعني له الحياة ؟ أم الموت؟
و ماذا عن الألم؟
هل يدفعه للحياة ؟ أم للموت؟

هل يدور في دوامة تضم هذا و ذاك؟
أظنها كذلك ،
نعم ندور في دوامة

هل يمكن قهر الألم بفلسفة ما ؟

الحمري محمد
08/02/2008, 10:09 PM
الفاضلة ماجدة
اولا لك منى كل الاعتذار عن التأخر في الرد ـ شغلتنى أمي المريضة ـ
لا اجاملك ,صدقينى ايتها الفاضلة ,تعليقاتك تحمل نفسا فلسفيا.
عمقا ورؤية ثاقبة وواضحة للاشياء وهذا ليس بالهين.
هوامشك تغني محاولاتى.
مودتى.
سأعود حتما لهذه التساؤلات العميقة.

ماجدة2
09/02/2008, 11:02 AM
الفاضلة ماجدة
اولا لك منى كل الاعتذار عن التأخر في الرد ـ شغلتنى أمي المريضة ـ
لا اجاملك ,صدقينى ايتها الفاضلة ,تعليقاتك تحمل نفسا فلسفيا.
عمقا ورؤية ثاقبة وواضحة للاشياء وهذا ليس بالهين.
هوامشك تغني محاولاتى.
مودتى.
سأعود حتما لهذه التساؤلات العميقة.

حفظ الله والدتك و رزقها الشفاء العاجل إن شاء الله
أستاذي الكريم ، مع كوني لستُ من أهل الإختصاص في الأدب
لكن أرى كتاباتك أكبر بكثير من أن نعتبرها مجرد مُحاولات
لا أرى فرقا بينك و بين الأدباء المتمكنين
و ليست مجاملة مني ، بل الحقيقة

( ما أكتبه أنا مثلا ...يعني...يمكن تعتبرها خربشات صغيرة ...في بحر الأدب)

شكرا
تمنياتي بالشفاء لأمِّك
دمتم بخير إن شاء الله
و عودة ميمونة متألقة دوما إن شاء الله
تحياتي أستاذي الكريم

ماجدة2
11/02/2008, 07:46 PM
الربوة المعتمة


"قبورنا معتمة على الرابية
والليل يتساقط في الوادي"
للراحل محمد الماغوط

أفقت مثقل الرأس...
كان نومي متقطعا,لم أقو على احتمال حرارة امتصت كل شئ ليعسر تنفسي وأغرق في عرق بلل ملابسي الداخلية...
غادرت ضيق الغرفة عبر ممر ضيق هو الأخر.اخترت المكان القصي من الشرفة التي لم تتسع لأكثر من ثلاث طاولات متقاربة و ست كراسي...كانت الشرفة الوحيدة بهذا النزل اليتيم بهذه التي لاهي بالمدينة ولا هي بالقرية...بيوت تكاد تشكل كتلة طينية واحدة ذات شبه مريع بتلك التي ,في صغرنا,شكلناها من وحل البرك...مع ما شكلنا من أكواب وأباريق وحتى بعض النوق النائخة دوما :مثلث عليه رأس صغير وذيل على الوجه المقابل...
جلست أرقب تلك الربوة التي نسجوا حولها ما نسجوا...لكن رؤوس النخل اللامعة مع كل نسيم عليل,كانت كما فرشات تنمق إطار لوحة زاهية,تشدني...
وصلني الشاي الذي طلبت,ووصل معه أيضا زوج بهيج ملأ الشرفة أريجا...
امرأة تفور نعومة وحيوية ,شعرها الأشقر الناعم يلمع كما سعف النخيل هناك على السفح,ضامرة ومكتنزة...لباسها الشفاف لم يحجب أشعة الشمس من اختراقه لتبدو عارية تماما...ظهرها بيضة حجل طرية...
دلفا بهدوء كالنوم...أو كراقصين على الجليد,مسكها من خصرها كمن يمسك شيئا رخوا ,إن هو احكم الإمساك أتلفه...
نسيت الربوة التي تتلفع بممر اصفر, يوصل إلى جدارعال, توسطته غرفة علاها عمود حديدي شد إلى الأرض بخيوط مائلة كثيرة ,منته بمصباح يزداد احمرارا كلما دعتنا الشمس للمغيب...
التفتا متداركين" هل سيحجبان عني المغيب إن هما قعدا قبالتي ؟" هذا ما فهمته على الأقل من التفاتتهما...رفعت يسراي التى كانت تمسك كتيبا احتجز سبابتى كعلامة كي لاتضيع الصفحة,الصفحة التي لن أقلبها على ما يبدو..." أن لا بأس تفضلا..." يمناي استلذت دفء الشاي,شاي الجنوب...
جلسا, حجبا عني الربوة قليلا,وضع كفه على رمانة كتفها العارية وضمها برفق...امتصا عصير البرتقال المزين بقطع ثلجية مكعبة و تبادلا امتصاص حرارة بعضهما بين الفينة والأخرى بجنون هادئ...
فجأة تكسر الصمت,قبل أن يظهروا,سبقتهم أصواتهم التي خللخت الهدوء...ظننت أن الشرفة ستضيق بهذا الوفد القادم,الصاخب...فوجئت لأن عددهم لم يتجاوز ثلاثة أفراد...
سحب أحدهم الكرسي الذي بجواري دون استئذان,أحدث احتكاكا تصطك له الأسنان...التفت السائحان بحذر ,رفع كفه عن كتفها واعتدلا قليلا في جلستهما...
...وغابت الشمس...
الحركة التي بدأت تدب,من والى رأس الربوة,كشفتها الأضواء التي تختفي بالسرعة التي تظهر بها,تذكرت وصفا سمعته من رجل هرم " بالليل يابنى تصحو الربوة وتشتغل كالنمل..."
الشيخ الذي أضاء نور الشرفة وجهه, بدت ملامحه صلبة أقرب إلى العداء...على يمينه جلس الشاب الذي جذب الكرسي بعنف,شديد السمرة,عليه أثر هذه البيوت الطينية العارية كالحزن.يتأبط ملفا تطل منه أوراق غير مرتبة وقد تآكلت أطرافها...
يتكلم بصوت مرتفع...أمامه جلس الرجل الثالث :أنيق المظهر,ذا سمرة خفيفة,هو الأخر ,كلما تدخل علا صوته...
الربوة مضاءة قمتها بشكل فاضح,بدت موحشة, تبعث على التوجس أكثر...لم تنقطع الحركة بل كادت تصير منتظمة...
سرى نسيم يغري بالسهر...غطت السائحة كتفيها وانسحبا بمثل الهدوء الذي ولجا به الشرفة...
صوت الشيخ خافت ودافئ :" بلغني أنه لم يبق سوى الخاتم الشريف..." وانسحب الرجال دون ضجيج...
بقيت وحدي أرقب الربوة المعتمة التي علمت فيما بعد أن رحمها منجم لاستخراج بقايا أرواح...




لا أدري لماذا تستوقفني القصة كلما أعدتُ قراءتها

العنوان يحمل معاني كثيرة

ثم كيف يتحدث عن الضيق و كأنه يصف ضيق القبر
"بيوت تكاد تكون كتلة طينية واحدة" ، هل يشبهها هي الأخرى بقبور ؟
يعني حتى الناس الأحياء يعيشون في بيوت متراصة كالقبور؟
نعم مساكنهم تشكل ربوة ، ربوة الأحياء

ثم الربوة المقابلة هي ربوة الأموات
حيث يوجد في الربوة جثث
لكن لماذا سُميت منجما ؟
هل تعتبر الجثث كالمعادن الثمينة عند الوُلاَّة
لكن لماذا يعملون بالليل ؟ هل النهار عَدوُّهم ؟
من صاحب المنجم ؟ هل هو الشيخ ذو الملامح الصلبة ؟.....

القصة تستحق أن نتوقف عندها مرارا....
و كأن فيها تشابكا بين حال الأحياء و الأموات
بين ليل الأحياء و عتمة الأموات

الحمري محمد
11/02/2008, 07:59 PM
ايتها الفاضلة
لامست الجرح بكثيرمن الدقة.
سأقربك أكثر من أحداث القصة.
الاحداث تعود الى سنة 1988. بالجنوب المغربي,وبالضبط بنقطة بين وارزازات وزاكورة.هي ملجأ الكثير من السياح للاستمتاع بحمامات الرمل و...و...وبالفعل هناك ربوة مشبوهة...وفي اطار المصالحة والانصاف والكشف عن مصير المختطفين والمعتقلين خلال سنوات اطلقوا عليها اسم "سنوات الجمر "واسم سنوات الرصاص" تم اكتشاف
معتقل سري مورست فيه شتى أصناف التعذيب...

ماجدة2
11/02/2008, 08:16 PM
ايتها الفاضلة
لامست الجرح بكثيرمن الدقة.
سأقربك أكثر من أحداث القصة.
الاحداث تعود الى سنة 1988. بالجنوب المغربي,وبالضبط بنقطة بين وارزازات وزاكورة.هي ملجأ الكثير من السياح للاستمتاع بحمامات الرمل و...و...وبالفعل هناك ربوة مشبوهة...وفي اطار المصالحة والانصاف والكشف عن مصير المختطفين والمعتقلين خلال سنوات اطلقوا عليها اسم "سنوات الجمر "واسم سنوات الرصاص" تم اكتشاف
معتقل سري مورست فيه شتى أصناف التعذيب...


أي شعور يتملكنا عندما تكتشف هكذا حقائق،
لن يكون رائعا بأي حال،
الجريمة لا تندثر آثارها و لو طال الزمن
تبقى الآثار........
و بطريقة ما تكتشف ،
لكن عندما تكتشف ندرك إلى أي مدى يمتد التعذيب عبر حياة الإنسان
الماضي ، الحاضر ، المستقبل
ما أطول عمر التعذيب ؟
و بئس العُمر ذاك

ماجدة2
11/02/2008, 08:29 PM
أحسستُ أنَّ وراء القصة سِرا عميقا
تستحق القراءة مِرارا

و الحقيقة وراء القصة مريرة جدا

لا أدري كيف يستطيع الإنسان قتل قلبه؟
أظنه أكبر جريمة يرتكبها في حق نفسه قبل غيره

من قتل قلبه .....حقا لن يتوانى عن قتل غيره

عام 1988 عنى الكثير حتى للجزائرين، كان نقطة تحول إلى وضع أشدّ إضطرابا
و من حينها و نحن في تذبذب أقوى من ذي قبل

ما أشد الإضطرابات في دول المغرب ، التاريخ يحكي ذلك منذ القدم
و الإنسان دوما هو الذي يدفع الثمن

على كل ، نسأل الله الثبات على الحق .....رغم المآسي

شكرا أستاذي الكريم
بارك الله فيما كتبته

كل تقديري و سلامي أبثه إليك
دمتم سالمين في أمان الله
دوما

ماجدة2
12/02/2008, 05:28 PM
http://img104.imageshack.us/img104/8404/sableza4.jpg


و يبقى جمال الأرض
يحضن الجراح
يغطيها إلى حين
و قد يكون الشفاء
بعد حين

ابو مريم
13/02/2008, 10:58 PM
الربوة المعتمة




"قبورنا معتمة على الرابية
والليل يتساقط في الوادي"
للراحل محمد الماغوط


أفقت مثقل الرأس...
كان نومي متقطعا,لم أقو على احتمال حرارة امتصت كل شئ ليعسر تنفسي وأغرق في عرق بلل ملابسي الداخلية...
غادرت ضيق الغرفة عبر ممر ضيق هو الأخر.اخترت المكان القصي من الشرفة التي لم تتسع لأكثر من ثلاث طاولات متقاربة و ست كراسي...كانت الشرفة الوحيدة بهذا النزل اليتيم بهذه التي لاهي بالمدينة ولا هي بالقرية...بيوت تكاد تشكل كتلة طينية واحدة ذات شبه مريع بتلك التي ,في صغرنا,شكلناها من وحل البرك...مع ما شكلنا من أكواب وأباريق وحتى بعض النوق النائخة دوما :مثلث عليه رأس صغير وذيل على الوجه المقابل...
جلست أرقب تلك الربوة التي نسجوا حولها ما نسجوا...لكن رؤوس النخل اللامعة مع كل نسيم عليل,كانت كما فرشات تنمق إطار لوحة زاهية,تشدني...
وصلني الشاي الذي طلبت,ووصل معه أيضا زوج بهيج ملأ الشرفة أريجا...
امرأة تفور نعومة وحيوية ,شعرها الأشقر الناعم يلمع كما سعف النخيل هناك على السفح,ضامرة ومكتنزة...لباسها الشفاف لم يحجب أشعة الشمس من اختراقه لتبدو عارية تماما...ظهرها بيضة حجل طرية...
دلفا بهدوء كالنوم...أو كراقصين على الجليد,مسكها من خصرها كمن يمسك شيئا رخوا ,إن هو احكم الإمساك أتلفه...
نسيت الربوة التي تتلفع بممر اصفر, يوصل إلى جدارعال, توسطته غرفة علاها عمود حديدي شد إلى الأرض بخيوط مائلة كثيرة ,منته بمصباح يزداد احمرارا كلما دعتنا الشمس للمغيب...
التفتا متداركين" هل سيحجبان عني المغيب إن هما قعدا قبالتي ؟" هذا ما فهمته على الأقل من التفاتتهما...رفعت يسراي التى كانت تمسك كتيبا احتجز سبابتى كعلامة كي لاتضيع الصفحة,الصفحة التي لن أقلبها على ما يبدو..." أن لا بأس تفضلا..." يمناي استلذت دفء الشاي,شاي الجنوب...
جلسا, حجبا عني الربوة قليلا,وضع كفه على رمانة كتفها العارية وضمها برفق...امتصا عصير البرتقال المزين بقطع ثلجية مكعبة و تبادلا امتصاص حرارة بعضهما بين الفينة والأخرى بجنون هادئ...
فجأة تكسر الصمت,قبل أن يظهروا,سبقتهم أصواتهم التي خللخت الهدوء...ظننت أن الشرفة ستضيق بهذا الوفد القادم,الصاخب...فوجئت لأن عددهم لم يتجاوز ثلاثة أفراد...
سحب أحدهم الكرسي الذي بجواري دون استئذان,أحدث احتكاكا تصطك له الأسنان...التفت السائحان بحذر ,رفع كفه عن كتفها واعتدلا قليلا في جلستهما...
...وغابت الشمس...
الحركة التي بدأت تدب,من والى رأس الربوة,كشفتها الأضواء التي تختفي بالسرعة التي تظهر بها,تذكرت وصفا سمعته من رجل هرم " بالليل يابنى تصحو الربوة وتشتغل كالنمل..."
الشيخ الذي أضاء نور الشرفة وجهه, بدت ملامحه صلبة أقرب إلى العداء...على يمينه جلس الشاب الذي جذب الكرسي بعنف,شديد السمرة,عليه أثر هذه البيوت الطينية العارية كالحزن.يتأبط ملفا تطل منه أوراق غير مرتبة وقد تآكلت أطرافها...
يتكلم بصوت مرتفع...أمامه جلس الرجل الثالث :أنيق المظهر,ذا سمرة خفيفة,هو الأخر ,كلما تدخل علا صوته...
الربوة مضاءة قمتها بشكل فاضح,بدت موحشة, تبعث على التوجس أكثر...لم تنقطع الحركة بل كادت تصير منتظمة...
سرى نسيم يغري بالسهر...غطت السائحة كتفيها وانسحبا بمثل الهدوء الذي ولجا به الشرفة...
صوت الشيخ خافت ودافئ :" بلغني أنه لم يبق سوى الخاتم الشريف..." وانسحب الرجال دون ضجيج...
بقيت وحدي أرقب الربوة المعتمة التي علمت فيما بعد أن رحمها منجم لاستخراج بقايا أرواح...


سرد موفق ،وحرارة مفرطة من أقصى الجنوب ،منطقة سياحية جميلة وقد كنت بارعا
في وصف الجمال وتصوير المشاهد...أشد على يدك وننتظر منك الأروع...
محبتي أخي..

الحمري محمد
14/02/2008, 05:43 PM
الاصيلة ماجدة
مقولة صوفية,لا زالت عالقة بذهنى:البعدتعرفه بالقرب, والقرب تعرفه بالوجود.
وجودك قرب نصوصي,مثل الكرامات...
أسأل الله أن يوفقك.
مودتى ايتها الاصيلة.

الحمري محمد
14/02/2008, 06:16 PM
العزيز أبو مريم
الجنوب الذى يغري بواحاته وحماماته الشمسية وثمار نخيله الشهية...
كان ايضا تزمامارت,أكدز...والبقية تأتي.
محبتي أخي.

ابو مريم
14/02/2008, 07:12 PM
العزيز أبو مريم
الجنوب الذى يغري بواحاته وحماماته الشمسية وثمار نخيله الشهية...
كان ايضا تزمامارت,أكدز...والبقية تأتي.
محبتي أخي.

ما علينا إلا الانتظار وكلنا مشتاقون للأجمل...
بوركت أخي محمد..

ماجدة2
14/02/2008, 07:45 PM
الاصيلة ماجدة
مقولة صوفية,لا زالت عالقة بذهنى:البعدتعرفه بالقرب, والقرب تعرفه بالوجود.
وجودك قرب نصوصي,مثل الكرامات...
أسأل الله أن يوفقك.
مودتى ايتها الاصيلة.




شكرا أستاذي الفاضل
و أنت أكثر أصالة
موفق دوما بإذن الله