المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحليل النفسي والأدب (2)



أسعد فخري
03/02/2008, 07:53 PM
التحليل النفسي والأدب
(مشهد النقد العربي )
(2)
: أسعد فخري



لا شك أن المعايير التجريبية التي اشتغل على استنتاجيتها ( سويف ) وتوهم / Phantasm / مفهومة ( الإطار ) كمرجع تعود إليه العملية الإبداعية برمتها قد أسهم بشكل من الأشكال إلى فتح الأبواب التي تحاكي وتحاكم في الآن ذاته وتؤسس لمفهومية مناهجية تشاكل / Homology / أغرض (اللاشعور الذاتي ) للفنان أو المبدع من الوجهة الإنسانية ذلك من جهة , ومن الأخرى فهي ستذهب أيضاً إلى إحكام إغلاق كل الأبواب المؤدية إلى طبقات اللاشعور باستثناء بوابة واحدة اختزلتها تجربة ( سويف ) النقدية ظنناً منه أن الإكتساب هو الشكل الأرقى لماهية السرد أو الإنفعال والذي سيؤدي حسب رأيه إلى اكتشاف ماهية مبعث الإبداع بمختلف أجناسه .
لذا فهو لم يخبئ جهداً في سياق بحوثه التنظيرية من تلميع وتسويق مفهومة احتلال ( النحن ) لخصوصية ( أ نا ) الفنان التي تمتاز بالفردية غير ملتفت إلى التراكم الهائل الذي يضج به اللاشعور في طبقاته الأولية والذي يشكل الدوافع الأولى لتخليق العملية الإبداعية .
أما تجربة ( عز الدين إسماعيل ) فهي في ظننا التجربة الأكثر عمقاً في تناول موضوعة منهج التحليل النفسي وعلاقته بالفن عموماً حيث أكد على مفاهيم جديدة ومختلفة كما جاء في كتابة المرسوم بـ ( التفسير النفسي للأدب )(10).
والذي احتوى على فصول عديدة من أهمها ما يتعلق بمسالة ( العصاب ) / Neurosis / وعلاقته بالفنان من جهة, ومن الأخرى تضمينه للكثير من المعطيات الاشكالية في فهم العملية الإبداعية وتوصيفه أيضاً لإجرائية / operations / الأسئلة الكلية لقواعد اللعبة ( البسكولوجية ) وماهية ثوابتها الأساسية في عمليات الجهاز النفسي / Appareille psychigue / ومتتالياته السـلوكية / Behaviourism / ناظراً إلى الكثير من المفاصل المؤسسة لعمـلية الإبداع ومرجعياته النفـسية كعملية تقوم علــــى ( رد الفعل الانعكاسي ) الذي يعيد للفنان العصابي / Neurotic / توازنه التكيفي عبر ســـــــلوكات لاواعية / The, unconscious / يتمظهر فيها التمثيل ( الكاريزمي ) لحالة الأنا الخارجة عن مألوف قوانين ( النحن) .
لكن قبل الدخول في عملية تفحص القيم والقوانين النفسية التي أ نتجها كتاب ( التفسير النفسي للأدب ) لا بد لنا من أن نميز بين متناقضتين في جملة الأسئلة الكبيرة التي طرحها (عز الدين إسماعيل ) والتي بقيت عائمة في إطار البحث عن أجوبة لها .
فهو يرى أن مشكلة الفنان وعلائقه بمفهومة ( العصاب ) كحالة سريرية / Clinical / ليست بالضرورة المعيار الأساسي في الدوافع الإبداعية وأنه ليس كما أكد ( ترلنج ) بأ نه ما دام الفنان عصابياً فان محتوى عمله عصابي كذلك )(11). بل ينظر إلى المسألة أي ( عز الدين إسماعيل ) على أنها اشكالية ولابد من الفصل بين سلوك الفنان ومنتجه مؤكداً على أنه ( حتى عندما يكون الفنان عصابياً لا يكون لعصابه أي دخل في قدرته على الإبداع الفني لأنه حين يبدع يكون في حالة من الصحة واليقظة النفسية الواعية بكل ما في الواقع من حقيقته )(12).
من هنا نجد حقيقة الاختلاف مع ( ترلنج ) بالرغم من أن التصورين اللذين أبداهما كل من(عز الدين إسماعيل وترلنج ) قابلين للحوار .


لكن المفارقة المدهشــــة التي ذهب اليها ( عز الدين إسـماعيل ) هـــــي تصوره التحـليلي/ Analysis/ لماهية العلاقة القائمة بين ( ديستوفوسـكي ) كمؤلف ، وشخصياته وفق الاشارية المرجـعية لنص رواية ( الأخوة ـ كرامازوف ) والتي تؤكد سطحية التحليل وضعف دقة التصّور في استنتاج البعد البسكولوجي حين الاشتغال على الإنجاز الذي ظل يعاني من الوهن وتباين المقاربة التنظيريةالانجازية
دون أن ينفك عن الخلط ما بين ( قسمة أ نوا ت المؤلف ) / Egocentvgue / مؤكداً على أنه ( قد صار من الواضح الآن بعد أن تعرفنا على المكونات النفسية لأفراد أسرة كارامازوف كيف أن هذه الشخصيات كانت تجسيماً درامياً لجوانب نفس ( ديستوفوسكي ) وكيف أنها تعبيراً عن خبرته ومدركاته وموقفه من قضايا الإنسان )(13).
واللافت هنا أن أغلب أعمال (ديستوفوسكي)هي مقروء من التوتر/Tension / والقلق وهي شخصيات تحليلية لمناظير العقد النفسية وإن تصورها وفق النمط الإنجازي الذي ذهب إليه (عز الدين إســــماعيل )
تصور يعاني من ضعف في الرؤية / Vision / الجوانية للنص ومن غياب للتأمل الذي يستند إلى معايير محددة أما المسألة التي اتضح من خلالها تعويم مفهومات التنظير وتقلبات الإنجاز وتغيراته هي رفض عزالدين إسماعيل لرؤية ترلنج في فهمه لعصابية الفنان وقبوله لها في الآن ذاته حين يقول : ( حتى حين يكون الفنان عصابياً )(14).
لكن الإشكالية الكبرى في مرجعية المعايير البسكولوجية عند ( عز الدين إسماعيل ) وعلاقة تلك المعايير بمنهج التحليل النفسي, تتمظهر بجلاء تام في فصل ( مشكلة الفنان ) من كتابه ( التفسير النفسي للأدب) ذلك التناول الصادم في استنتاجاته وخلاصاته / Sommaire / حين يقول : (من كل ما مضى يتضح لنا أننا نستطيع من خلال الدراسات النفسية والتحليل النفسي أن نعرف الشيء الكثير عن الفنان وإن
لم نتمكن من معرفة كل شيء ، وقد رأينا أنه يمتلك قدرة فائقة كانت تفسر قديماً في ضوء فكرة الإلهام ثم فسرت على أساس مرضي وكلا التفسيرين قد صار مرفوضاً في وقتنا الحاضر ، وهي تفسر حديثاً في أبحاث الذكاء والتوافق الاجتماعي)(15).
من هنا نجد أن الكثير من المعايير والقيم النقدية التي خلص إليها ( عز الدين إسماعيل ) قد عانت من تقلبات لافتة ، ففي الوقت الذي يعارض فيه كتابه ( التفسير النفسي للأدب ) عصابيـة الفنان حسـب (ترلنج )
فانه يوافقها ويشتغل إ نجازاً عليها. أما أن تتحول العملية برمتها إلى شكل من أشكال الذ كاء Intelligence/ / والتوافق الاجتماعي فهذا يدل بصورة جلية على تقلب وتبدل المعايير النقدية وانتقائيتها والغياب الواضح والصادم للمتتاليات المناهجية للتحليل النفسي عند ( عز الدين إسماعيل ) وكذلك هي نسف لمقومات ذلك المنهج وآليات مناجزته للنصوص الأدبية مؤكداً على أن ( القصة النفسية التي تكتفي بذاتها والتي لا تحتاج إلى تفسير لا يمكن أن تدخل الميدان الادبي ولا يمكن النظر إليها بوصفها عملاً فنياً )(16).


وبذا يغد و النظر إلى مشــكلة الفنان /adjecto Contradictioin / والخلافية القائمة على
عصابـيته / Neuroticism / أو غيابها مسألة اشكالية أرهقت نتائج الإنجاز على حساب التنظير الذي يستمد منه الناقد قيمة النص الإبداعي وأدوات الكشف عما وراءه أما تجنيس القصة أو العمل الإبداعي ذو السياقات النفسية أو طرده إلى خارج أجناس الفن فتلك مسألة لا بد أننتوقف قليلاً عند التناقض الذي وقع فيه ( عز الدين إسماعيل ) مجدداً وكما هي كل مرة ينزلق بسبب عدم تأمل انتقاله من معيار إلى آخر وغياب ثبات جهة التعامل مع النص الإبداعي .
ففي الوقت الذي يقرر فيه إخراج العمل الإبداعي ذو القيمة البسكولوجية من دائرة الأجناس الإبداعية يذهب شوطاً طويلاً في تحليل قصته (السراب) لنجيب محفوظ ويحدد القيمة التحليلــــــية
/ Analysis / لها قا ئلاً : ( ورغم ما هو معروف عن أنها قصة نفسية قبل أي شيء وأن التفسير النفسي لها يزيد عن فهمنا لها ويكشف لنا عما وراء ما تعرضه لنا من ظواهر )(17).

يتبع القسم الثالث....


( الهوامش والمراجع )
(10) ـ عز الدين إسماعيل ـ التفسير النفسي للأدب ـ ط1 ـ دار العودة ـ بيروت 1962 .
(11) ـ المصدر السابق ـ ص28
(12) ـ المصدر السا بق ـ ص32 .
( 13) ـ المصدر السابق ـ ص246 .
( 14) ـ المصدر السابق ـ ص28 .
( 15) ـ نفس المصدر ـ ص49 .
( 16) ـ نفس المصدر ـ ص251 .
(17) ـ نفس المصدر ـ ص252 .