المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحليل النفسـي والأدب (1)



أسعد فخري
03/02/2008, 07:48 PM
التحليل النفسي والأدب

(مشهد النقد العربي )
(1)
: أسعد فخري

مقدمة أولية :
ما من شك أن مطلع الستينيات من القرن العشرين قد شكل أولى تطلعات المشهد النقدي العربي والذي ما انفك يجرب الكثير من المناهج النقدية الوافدة ، على الإنتاج الإبداعي العربي بمختلف مشاربه واتجاهاته .
وبالرغم من السيطرة الواضحة لمنهج الواقعية الاشتراكية النقدي على أغلب البحوث والدراسات آنذاك إلا أن ثمة مناهج نقدية أخرى تمكنت من تشكيل بنى وتصورات ، لها رؤيتها الخاصة وفق مفهومات نقدية بعيدة كل البعد عن الاعتقاد العقائدي والأيدلوجي والقومي . ناظرة إلى مناهجية مختلفة تذهب إلى تأكيد انسانية الفن والأدب قبل أي شيء آخر .
ومن أهم تلك المدارس والمناهج التي عنيت بتأكيد ذلك الحضور في المشهد النقدي كان منهج التحليل النفسي / Psycho – Analysis / للأدب والفن ، والذي جاءت بواكير اشتغاله متواضعة وخفيضة مؤثرة التنظير دون الانجاز ، استناداً إلى ( المدرسة الفرويدية ) ومرجعية معجمها الكلاسيكي غير آبهة للفتوحات التي أحدثها تلامذة فرويد فيما بعد , وذلك ما أ شاع انزياحاً هاماً وخلـخلة فـــي آليات Mechanism/ / وطرق التفكير والتحليل لديها , والذي شكّل في أبعاده المتباينة انعطافة لها أهميتها البالغة في الشـكل النقدي الذي مكّن النظرة الأحاد ية إلى النصوص كذاكرة سيرية للمؤلف دون التفكر Intellection/ / فيما وراء النص وصيرورة / Temporalism / تخليقه حيث بدا المشهد النقدي صورة ميكانيكية معادلها البحث عن المؤلف سيرياً داخل نصوصه أو البحث عن سيرة النص وأهدافه داخل مؤلفه.
لا شك أن موضوعة التحليل النفسي / Psycho – analysis / وشغلها على الأدب والفن عموماً قد أفرز أسماء هامة لها مكانتها الأدبية والريادية ومن أهمها :
( عباس محمود العقاد ويوسف مراد ثم عز الدين اسماعيل ومصطفى سويف وجورج طرابيشي . . . وآخرين )(1) .
أماالمسألة الأهم في ثبت تلك الأسماء فقد كان (العقاد) الذي لم يتوان عن التصريح برأيه قائلاً ( إن مدرسة التحليل النفسي هي أقرب المدارس إلى الرأي الذي ندين به في نقد الأدب ونقد التراجم ، ونقد الدعوات الفكرية جمعاء)(2). مؤكداً إيمانه القاطع , ودون اخفاء تحمّسه الزائد في أ نه ( إذا لم يكن من بد من تفضيل إحدى مدارس النقد على سائر مدارسه الجامعة ، فمدرسة النقد البسيكلولوجي أو النفساني أحقها جميعاً بالتفضيل في رأي وفي ذوقي لأنها المدرسة التي نستغني بها عن غيرها ولا نفقد شيئاً من جوهر الفن أو الفنان المنقود )(3).
لكن بالرغم من السبق الذي حققه العقاد في تأكيد نجاعة الاشتغال على منهج التحليل النفسي إلا أنه ظل أميناً على رابطة العلاقة الميكانيكية بين المبدع وانتاجه ، ناظراً إليه من زاوية الانعكاس الذاتي أو ما يدعى ( باللاشعور الشــخصي ) وكأن المبدع منتج لسياق سيرته الذاتية وفق سنن وضعها العقاد معتمداً على ثنائية ( الوعي واللاوعي ) كأدوات كاشفة عن الرابط الخفي بين الفنان وإنتاجه مؤثراً التمسك بالكشوفات الأولية للمدرسة الفرويدية دون تفكير,وذلك من خلال تطبيقاته التحليلنفسيةعلى ( ابن الرومي وأبي نواس )(4). مستلهماً مأثرة ( التحليل النفسي والفن )(5) التي أبدى من خلالها ( فرويد ) كشوفات اللاوعي الذاتي وعلائق السلوكات النفسية التي تنظّم المنتج بالمنتج الإبداعي .
أما التجارب والبحوث النقدية التي أخذت بمنهج التحليل النفسي من جملة الأسماء التي ذكرنا سابقاً فقد كانت تجربتي ( عز الدين إسماعيل ومصطفى سويف ) من العلامات الهامة والبارزة التي أتت بعد ريادة العقاد لهذا المنهج دون أن ننسى تجربة لافتة أ يضاً للباحث محـمد النويهي فـي كتـابه( نفسـية أبي نوا س )(6).
لقد جاء الكتاب بمفاهيم ورؤى أكثر تطوراً من نظرة العقاد ( لأبي نواس ) حيث اشتملت على تحليل أكثر علمية ومحاكمة للنص الشعري بذاته لكنها لم تستطع أيضاً كما ( العقاد ) الإنفلات في مغالاتها بتعريب المعجم الفرويدي وملامسة لا تذكر لمنهج التعويض / Restitution / عند ( ادلر(*)) وذلك من خلال التعرض لنص شعري بعينه .
لكن ما يتعلق بتجّربتي الباحثين ( عز الدين إسماعيل ومصطفى سويف ) فإننا ننظر إليهما كتجربتين فيهما الرصانة والفهم الموضوعي لأبعاد منهج التحليل النفسي وعلاقته بالأدب ، فقد أ سّسا بعداً علمياً جديداً وإضافة لافته على المشهد النقدي العربي، حيث طغى على بحوثهما الجانب التجريبي / Experimental / في الانجاز مقارنة مع السياق التنظيري الذي ذهبا فيه شوطاً كبيراً مما يؤكد رغبتهما في التأسيس لمنهج يؤكد العلاقة الحميمية بين التحليل النفسي والإبداع وفق معايير ومناظير مختلفة كل الاختلاف عما سبقهما آخذين بعين الاعتبا ربعضاً من التحولات التي أجراها تلامذة (فرويد)(**) على بنية المنهج النفسي الكلاسيكي والعوامل الخلافية التي أدت إلى تطويره .
لننظر في البداية إلى الملامح العامة لتجربة مصطفى سويف دون الدخول في المتاهة التجريبية التي أثارها كتابة ( الاسس النفسية للا بداع الفني )(7), والذي رسم من خلاله اتجاهاته المناهجية والمعايير التي تقيم وزناً مؤثّراً للعوامل الخارجية عبر تحديد الإطار المرجعي لقيمة الفنان ومنتوجه فهو يؤكد دون أدنى شك على أن ( مجموع العوامل التي تؤثر في اتجاهها وفي شدتها ، سواء أكانت هذه العوامل مشعوراً بها أم غير مشعور )(8).
وكأن ( سويف ) يقرر هنا نسف الجانب اللاشعوري / Unconscious / في العملية الإبداعية والإبقاء على سياق الحياة الاجتماعية ( كإطار ) وخبرة شعورية لازمة للفنان دون غيرها من العمليات الخافوية / Unconscious / الأخرى والتي لها دور هام في الإجراء الإبداعي وحركيته ، وكأن الفنان حسب ( سويف ) مجرد عالم مركب ومنظم من الخبرات الخارجية المكتسبة ( وأن مهمة الإطار كعامل نوعي في عبقرية الفنان أو الشاعر لا تتضح إلا بأن تضع هذا الإطار في بناء شخصية تعاني توتراً دائماً من ضغط الحاجة إلى النحن )(9).
وبذا يصبح ( النحن ) هدفاً بحد ذاته أمام ( أ نا ) الفنان ليتحول بعد ئذ إلى وسـيط يعكس خبرة ( أناه ) المُنظِّمة لعوالم ( النحن ) والخالية تماماً كما رآها ( سويف ) من الإحساس بآليات ( الأنا ) كذات تجاه الخبرة المكتسبة للإطار كونه المرجع الظاهري للعملية الإبداعية .

يتبع القسم الثاني...



(الهوامش والمراجع)


(1) ـ عباس محمود العقاد :
ـ المذاهب الأدبية والاجتماعية ـ المكتبة العصرية ـ بيروت ط 1 ـ 1965 .
ـ ابن الرومي ـ دار الكاتب اللبناني ـ ط1 1980 .
ـ أبو نواس ـ المكتبة الصرية ـ بيروت ط1 ـ 1971.
يوسف مراد :
ـ مبادئ علم النفس ـ ط5 ـ دار المعارف ـ مصر 1965 .
عز الدين إسماعيل :
ـ التفسير النفسي للأدب ـ دار العودة ـ ط1 ـ بيروت 1962 .
محمد النويهي :
ـ نفسية أبي نواس ـ دار الفكر ـ ط2 1970 .
محمد خلف الله :
ـ من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده ـ معهد البحوث والدراسات ـ ط2ـ 1970 .
مصطفى سويف :
ـ الأسس النفسية في دراسة الأدب ونقده / دار المعارف ـ 1967 .
ـ دراسات نفسية في الفن / دار مطبوعات القاهرة ـ1983 ط1 .
مصري عبد الحميد ضورة :
ـ الأسس النفسية للإبداع الفني في الرواية ـ الهيئة المصرية 1979 .
ـ الخلق الفني ـ دار المعارف ط1 ـ1977 .
يوسف ميخائيل أسعد :
ـ سيكولوجيا الإبداع في الفن والأدب ـ الهيئة المصرية ط1ـ 1986 .
ـ سيكولوجيا الإلهام ـ دار غريب ـ ط1 ـ القاهرة 1983 .
حسن ثائر :
ـ البحث النفسي في إبداع الشعر ـ وزارة الثقافة والإعلام ـ بغداد ط1 ـ1986 .
صفوح فرج :
ـ الابداع والمرض العقلي ـ دار المعارف ـ ط1 ـ 1983

جورج طرابيشي :
ـ الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية ـ دار الطليعة ـ بيروت ط1 ـ 1973 .
ـ لعبة الحلم والواقع ـ ط1 ـ دار الطليعة 1972 .
ـ الأدب من الداخل ـ ط2 ـ دار الطليعة ـ بيروت ـ 1978 .
ـ رمزية المرأة في الرواية العربية ـ الطليعة ط1 ـ 1981
ـ شرق وغرب ـ رجولة وأ نوثة ـ ط1ـ الطليعة 1977 .
ـ الرجولة وأيدلوجية الرجولة في الرواية العربية ـ ط1 ـ 1983 .
ـ عقدة أوديب في الرواية العربية ـ ط1 ـ الطليعة ـ 1982 .
ـ المثقفون العرب والتراث ـ التحليل النفسي لعصاب جماعي ـ دار الريس ـ ط 1 ـ 1991
(2) ـ العقاد ـ ص12 دراسات في المذاهب الأدبية الاجتماعية ـ المكتبة العصرية ـ
بيروت ط1 ـ 1965 .
(3) ـ العقاد ، النقد السيكولوجي ـ جريدة الأخبار المصرية / 5 ـ 4 / 1961 .
(4) ـ العقاد ـ ابن الرومي ـ دار الكاتب اللبناني 1980 .
ـ أبي نواس ـ المكتبة العصرية ـ بيروت ط1 .
(5) ـ فرويد ـ التحليل النفسي والفن ـ دار الطليعة ـ بيروت ـ ط2 ـ 1979 .
(6) ـ نفسية أبي نواس ـ دار الفكر ـ بيروت ط2 ـ 1970 .
(7) ـ الأسس النفسية للإبداع الفني / دار المعارف 1967 ط1 .
(8) ـ المصدر السابق ـ ص117 .
(9) ـ المصدر السابق ـ ص183 .

(*) ـ الفرد إدلر ـ (1870 ـ 1937 ) .
كان من الؤسسين لجمعية الأربعاء التي كانت تعقد في منزل (فرويد ) عام 1902
وهو أول رئيس لجمعية التحليل النفسي بعد فرويد ـ 1910 ـ اختلف مع فرويد حول
مسأ لة الفرد التي تحركه الغرائز , مؤكداً على نظريته القائلة (أن الفرد تحركه الحوافز
الاجتماعية , والاهتمام الاجتماعي فطري لديه .
فصل عام 1911 من جمعية التحليل النفسي وأسس جمعية التحليل النفسي الحر رداً
على فصل فرويد له , ويعود له السبق في ايجاد مصطلح } التعويض { في نظرية علم
النفس والتحليل النفسي .
(**) ـ سيموند فرويد : 1856 ـ1939
ولد فرويد بمورا فيا وأقام في فيينا ما يقارب الثما نين عام ,و مات في لندن
تخصص في الا ظطرابا ت العصبية بعد أن درس الطب , أخذ عن شاركو التنويم المغنا طيسي
وجرب طريقة بروير , لكنه استقر على طريقته الخا صة المسماة (التداعي الحرفي علاج
الأمراض النفسية) . ترجمت أغلب أعماله الى العربية .

طارق شفيق حقي
03/02/2008, 11:12 PM
حياك الله أخي الكريم
وأهلاً بك في المربد
سلسلة من المقالات المفيدة جداً
والتي تسد فجوات في النقد الأدبي لا يسدها إلا علم النفس

حين العودة من السفر يكون لنا وقفة متأنية

حياك الله

د.ألق الماضي
05/02/2008, 06:32 PM
حياك الله أستاذ أسعد في المربد...
موضوع ذو قيمة في تتبع منهج من مناهج الدراسة الأدبية...
منهج له محبيه ومعتنقيه ومناصريه...
وهو على الرغم من أهميته إلا أنه لايكفي وحده لدراسة النصوص واستنطاقها ...
كما أنه لا بد من الاعتدال في استخدامه والموضوعية ومراعاة الأسس الأخرى ؛ لكي لا نتعسف ونلوي عنق النص أو نتهم الأديب موضع الدراسة والتحليل بتهم قد لا توجد به وإن وجدت فإنها ليست بالصورة التي قد تفهم ...
كل الشكر لك ...
ولي عودة إن شاء الله لماتبقى من السلسلة...

أسعد فخري
05/02/2008, 10:14 PM
د ألق الما ضي
تحية مودة واحترام
شكراً من القلب على اهتما مكم وأتمنى عليكم ان تكرمتم (بالصبر) حتى الانتهاء من قراءة الملف بالكامل
مع رغبتي الشديدة أن يشار الى نقا ط الاختلاف التي ترون أننا من خلالها قد ( لوينا عنق الحقيقة ) .
مودتي لكم من جديد
أسعد فخري

د.ألق الماضي
09/02/2008, 09:16 PM
د ألق الما ضي
تحية مودة واحترام
شكراً من القلب على اهتما مكم وأتمنى عليكم ان تكرمتم (بالصبر) حتى الانتهاء من قراءة الملف بالكامل
مع رغبتي الشديدة أن يشار الى نقا ط الاختلاف التي ترون أننا من خلالها قد ( لوينا عنق الحقيقة ) .
مودتي لكم من جديد
أسعد فخري

حياك الله مرة أخرى...
وكما وعدت سأقرأ الملف كاملا حين يتيسر لي ذلك إن شاء الله...
أما بالنسبة للي عنق النص أنا لا أعني ما ورد هنا بقدر ما أعني أن هناك نفر من الباحثين بتعسفون في تطبيق المناهج - وليس النفسي فقط - بما يضر النص ولا ينفعه...
تحيتي وتقديري...