المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رباعيات حسين علي محمد



د. حسين علي محمد
31/12/2007, 03:56 PM
رباعيات حسين علي محمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- صبح :
قدْ مضى الليلُ ، وها قدْ جاءني
ذلكَ الصُّبحُ ندِيًّا في بهـــاهْ
يطـرقُ الأبوابَ ، لكنْ ساءني
أنني بعتُ سِــلاحي للطُّغـاهْ

2- انتظار:
انتظرْ شعري فقدْ تلقـاهُ قمْحـًا
أوْ نبيــذاً أوْ هُراءً في هـراءْ
قدْ تعبنا منْ ركوبِ الخيلِ صبحاً
وانتصــاراً في غُثاءِ الشعراءْ !

3- كلام:
ما الذي يبـقى إذا لمْ نتكلَّـمْ
أيُّ ليْـلٍ نحنُ نحياهُ هنــا ؟
ما الذي يبـقى إذا لمْ نتــألَّمْ
حينَ تذْوي في بوادينـا المنى ؟



4-جنون :
أيُّها الأحبابُ قولوا ، حَدِّثـوا
عنْ حيـاةٍ كلُّ ما فيها جنونْ
ها هُو الليْثُ تهاوى ، فسِّروا
كيفَ كانَ اللَّيْثُ يكبو ويخونْ ؟

5-سعير :
هذهِ الأرضُ سعـيرٌ في دِمانا
ولظاها في حنايانا حــرائقْ
قدْ كرهْنا العيْشَ فيها ونهـانا
أنَّنا منذُ وُلِــدْنا في الخنادِقْ

6-نظافة :
عنْدما أختارُ أنْ أحْيا نظيفــاً
فاخْتيارُ الموْتِ والسجْنِ سـواءْ
يا "عروسَ النيلِ" هلْ أحيا عفيفاً
واللصوصُ اليـومَ في أوْجِ الثَّراءْ

7-نكسة :
كانَ يوْماً ليسَ كالأيّــامِ ، إنِّي
قدْ خَشِيتُ الرِّيحَ ، والخوْفُ لجامْ
لا تلُمْني قدْ مَضَتْ في الفجْرِ سُفْني
ثُمَّ عـادتْ لي مع الظُّهْرِ حُطـامْ
8-قتل :
عندما أختــارُ أنْ أحْيا نظيفا
في فيافي الهوْلِ لنْ أبقى طويـلا
سوفَ أبقى عُنصــرِيا عربيا
أوْ سَـأهْوي في المفازاتِ قتيلا !

9-تاريخ :
اقرأوا التـاريخَ يا أبناءَ يعْرُبْ
واعرفوا آباءكمْ ، صاتوا العهودْ
واعرفوا أسلافَكمْ منْ عهْدِ يثرِبْ
تعرفوا يا سادتي غَدْرَ اليهــودْ

10-خيانة :
إنهمْ جاءوا وفي القلْبِ بقـايا
منْ خداعٍ وسعـيرٍ وخِيــانَهْ
إنَّهُمْ ساقوا العرايا والبغايــا
هـلْ أتى يا إخوتي عصرُ المهانهْ ؟

11-خنجر :
إنهمْ جاءوا إليْنا ضاحكيــنْ
وفْــدُهمْ جاءَ إليْنا في الظّلامْ
إنَّهمْ جاءوا إليْنا باسِمـــينْ
خنجـرٌ في الظَّهْرِ يغتالُ السَّلامْ
12-كنانة :
ارقُبـوا خَطْوَ العِدا أنَّى يسـيرْ
واحفظوا إخواننـا أرضَ الكِنانهْ
وجْهُ خوفو كاسفُ اللجظِ كسيرْ
منْ هـنا يا إخوتي خانَ الأمانهْ ؟

13-نداء :
يا صديقَ الرحلةِ النكراءِ عُدْ
منْ طريقٍ كلُّ ما فيهــا خَطِرْ
أنتَ لمْ تمْشِ بعيـداً لمْ تَزَلْ
ذلكَ الإنسانَ في دُنيــا البَشَرْ

14- تَحَدٍّ :
اطلبوا ألفاً من النوقِ الرّغِيدَهْ
اطرقوا باباً من النَّقْعِ المُثـارِ
احلموا دوْمــاً بأيّامٍ سعيدَهْ
فالعزيزُ اليوْمَ في ذُلِّ انكِسارْ

15-ضلال :
إنَّني قدْ عشتُ دهْراً يا صديـقي
بينَ أوراقي وأقــلامي وشِعْــري
كلُّ هذا الدَّهْرِ ، لمْ أعرفْ طريقي
كيفَ غابَ الرُّشدُ عنْ عقْلي وفكري ؟
16-وداع :
هلْ تُنادي ؟ لمْ يَفُتْ بعْـدُ الأوانْ
نحنُ ودَّعْنـا صبـانا والشَّــبابْ
والأماني ـ تحتَ أقْـدامِ العذابْ ـ
جمْــرَةٌ يقْظى .. أيُخْفيها التُّرابْ ؟

17-سأم :
قدْ سئمْنا الخَطْـوَ في أرْضِ الخطايا
قدْ سئمْــنا الحُبَّ في أرْضِ الذنوبْ
والصَّبايا في المواخيرِ عرايــــا
قدْ سئمْنا الليْلَ ، والــبدْرُ غريبْ !

18-اغتيال :
عندما أُطْلِقَ في الليْــلِ الرّصاصْ
لمْ يَمُتْ في داخلي ضوْءُ النَّهـــارْ
يحلُمُ المسْجونُ قهْراً بالخَـــلاصْ
أرقُبُ الإشــراقَ في ظِلِّ الحِصارْ !

19-حكمة :
كتَبَ اللـصُّ كتـاباً فيـهِ حِكْمَهْ
تطْلُعُ الشَّمْسُ ، وتجْتاحُ الغـياهبْ !
تحضُرُ الأفعى ، وفـوقَ الوجْهِ بسْمَهْ
يذْهبُ اللْيلُ .. فهلَ تبْقى الثَّعالبْ ؟
20-اثنان :
يا صديقاً عاشَ في الليْــلِ حياتي
في عَنَـاءٍ وشَقَـاءٍ .. ومَـــوَدَّهْ
أنتَ تشْقى في شِــعابِ الأُمْنِياتِ
وطريقُ الحبِّ لا تكفيــهِ "ورْدَهْ" !

21-تَعَبٌ :
يا جِيــاداً قدْ تَعِبْنا منْ صعـودٍ
وهبوطٍ ، ومديحٍ ، ونميـــمهْ
ومَـــــلأنا ألْفَ سِفْرٍ بوعودٍ
مزَّقَتْها في الضُّحى شمـسُ الهزيمهْ

22-حنق :
هـــذهِ الأوراقُ بعْضٌ منْ دَمي
والحروفُ الحُمْرُ منْ نارِ الغَضَبْ
تُشْعِلُ الألفاظَ غيْـــظاً في فمي
تحْرقُ الأحزانَ في وادي اللَّهَـبْ

23-حوار :
ـ ابتسِمْ ، ـ والليْلُ يجثو فوْقَنا ؟
ـ ابتسِمْ ـ والعُهْرُ يلْهو في المدينهْ ؟
كيفَ أحيـــا يا صديقي إنْ أنا
ودَّعتْ روحي معَ السُّخْطِ السكينَهْ ؟
24-هروب :
قالتِ المرأةُ : خُذني لحنــانِكْ
يا مُنى القلْبِ تعـالَ ، اللـيْلُ قاهِرْ
إنَّ دَهريَ خانَ خُـذني لأمانِكْ
الفتى ولّى ، وقالَ : العـزمُ خائرْ !

25-وديع :
يا وديعَ النَّـفسِ في دُنيا الذئابْ
أنت تحيــا في حيــاةٍ قاتِلهْ
فاسْتعِرْ ظفْـراً ومنقـاراً ونابْ
ثمَّ دُسْ بالنَّعْـلِ هذي القـافلهْ !

26-سراب :
إنَّهُ عُمْـــرٌ مضى مثْلَ سرابْ !
بينَ شعْري وغِنــائي ودموعي
هلْ سأمشي هائماً بيْنَ الصِّــحابْ
في رداءِ الشَّمْسِ لا أُظْهِرُ جوعي ؟

27-غريب :
لمْ تُحَرِّكْني دفوفُ الأرْضِ يوْما
أوْ غِناءُ المُطــرِبِ الموْهوبِ ليْلَهْ
قدْ قَضِيْتُ العمْرَ تسبيحاً وصَوْما
في ظـلامِ الليــلِ أشتاقْ الأهِلَّهْ !
28-تغريد :
أيُّها العصفُــورُ غَرِّدْ للـرَّبيعِ
وامْلأَ الدُّنيـــا بأنْغــامٍ عِذابِ
هلْ ستبْقى في دهاليزِ الصَّقِيــعِ
والـرجالُ السُّمْرُ تاهوا في الشِّعابِ ؟

29-النتيجة :
إنَّي عشْتُ بأرْضِ الغُربــاءِ
امْلأُ الليْــــلَ غناءً ، والنَّهارْ
لمْ أجِدْ بعدَ رحيلي والعنـاءْ
غيرَ خَطٍّ مائلٍ فــوقَ الجِدارْ !

30-ثنائية :
هذهِ الأصْــواتُ تُبْكينا مساءْ
ثُمَّ تشـدو عندما يأْتي الصَّباحْ !
إنَّني بيْنَ النُّدامى والغنَـــاءْ
أَمْلأُ الأقْـداحَ منْ تلكَ الجِراحْ !

31-سباق :
عمْــرُنا عامٌ وعامٌ .. ثُمَّ نذْهَـبْ
يــا ضَياعَ العُمْرِ للدُّودِ الصَّديقْ !
كيْفَ تدْعو لي صديقي ؟ ليْسَ مهْربْ
منْ سِبـاقِ الموت ! لا تخْشَ الطريقْ
32-الظل :
قـدْ بحثْتُ العُمْرَ عـنْ فضْلِ بريقْ
وركِبْتُ الصَّعْبَ يا منْ لسْتَ تعْلَمْ !
أيُّها الكسـلانُ قدْ جُزْْتَ الطَّريقْ
وأنا والظِّلُّ ـ كالأمواتِ ـ توْ أَمْ !

33-رياح :
هاهيَ الأيامُ مرَّتْ .. هلْ تعودْ ؟
تطْرُقُ الفرْحَــةُ بابي منْ جديدْ ؟
يا رياحَ البعْثِ تجتــاحُ ثمودْ ؟
إنني قدْ مِتُّ ، لمْ تُجْدِ الوعــودْ !

34-نهاية :
هــــذه نيرانُ قلبي تتصاعدْ
لمَ يمْضي في حنــايايَ الحريقْ ؟
إنَّها أشْلاءُ روحي تتبـــاعدْ
وأنا .. لسْـتُ أنا .. أيْنَ الطّريقْ ؟

35-فجر :
هــــاهو الليْلُ يُولِّي فتعالْ
نُطلِقُ البسْمةَ للفجْـرِ القــريبْ
قدْ قضيْنا العُمْــرَ غَمًّا ونكالْ
إنَّ ذا الفجْــرَ إلى القلْبِ حبيبْ !
36-بحث :
قـــدْ أهاجتْني دموعُ العاشقينْ
في عذابٍ لفـــــراقٍ أوْ لِقاءْ
قدْ قضيْتُ العمْـرَ بحثاً عنْ جبينْ
تُشرقُ الفرحةُ فيهِ والصَّفـــاءْ !

37-أصوات :
هذهِ الأصــواتُ تبْكي وتُغنِّي
في ظــلامِ الليْلِ كانتْ تُمْتَحَنْ
عندما ذُقْنا تبـــاريحَ التجنِّي
قدْ وَجَـدْنا في مغانينــا الفِتَنْ !

38-رحيل :
قدْ كرِهْتُ الشعرَ والعِشقَ وإني
راحـلٌ يا نفْسُ للأرضِ البعيدَهْ !
لنْ تراني هائماً أمضي أُغَـنِّي
فالأغـاني كلُّهـا أضْحَتْ بليدَهْ !

39-صمت :
لا تقُلْ نثْراً ولا شعراً كهــذا
لا تقُلْ شيئاً ففي الصمتِ النجاةْ
قدْ قضيْنا العُمرَ تغريداً فمــاذا
قــدْ جَنَيْنا غيْرَ تنكيلِ الطُّغاةْ ؟
40-صرخة :
عنْدما أهْـوي على الأرْضِ قتيلا
تُثْمِـرُ الأرضُ بقولاً وبيــارِقْ
لمْ يُفِدْني الشعرُ ، لمْ يُجْدِ فتيـلا
إنني متُّ ، على الأرضِ البنادِقْ !

41-نهر البلادة :
يا صديقاً باعَ في الدُّنيا رشادَهْ
بقروشٍ للمـلاعينِ الطُّغــاهْ
كيفَ أجتــازُ أنا نهْرَ البلادَهْ
وصديقي .. البومُ في الفجرِ نعاهْ !

ديرب نجم 26/10/1976
ـــــــــــــ
*نشرت ثلاث مرات:
1-الثقافة الأسبوعية، دمشق 1/1/1977م.
2-في كتيب عن أصوات معاصرة ـ أبريل 1982م.
3-في ديوان "حدائق الصوت"، دار الأرقم، الزقازيق 1993م.
ـــــــــــــــــــــــــ
كتبت عنها دراستان بقلم: أ.د. صابر عبد الدايم في كتابه:
"التجربة الإبداعية في ضوء النقد الحديث، ط1، مكتبة الخانجي، القاهرة 1989م.
.......................
كما كتب عنها الدكتور حلمي محمد القاعود مقالة في مجلة "الإذاعة والتليفزيون"، العدد (2500)، في 12/2/1982م.

د. حسين علي محمد
31/12/2007, 03:57 PM
قراءة في كتاب " المشهد الشعري في رباعيات د. حسين علي محمد"
للدكتور علي مطاوع

بقلم: أ.د. خليل أبو ذياب
...................................

كثيرة هي الكتب والدراسات التي تقع في يد القارئ مما تخرج به علينا المطابع ودور النشر في هذا العصر، بيد أن الدراسات التي يمكن أن تفرض على القارئ احترامها وتقديرها وتأملها وقراءتها بكثير من الإعجاب والإكبار فقليلة جدا ونادرة ، وربما لا تكاد تذكر في خضمّ هذا الزيف الرخيص ، وذلك الركام الهائل الذي يسوده ويستقطبه التهافت ..
ولعنا لا نجاوز الحق إذا ما قررنا بادئ ذي بدء ما تمتاز به هذه الدراسة التي بين أيدينا التي وضعها ناقد جاد حصيف ، وأديب لوذعي ، وقارئ فطن هو الأستاذ الدكتور علي مطاوع على قصيدة واحدة للشاعر الكبير الأستاذ الدكتور حسين علي محمد أطلق عليها اسم " الرباعيات " اتباعا ومشايعة لأشهر رباعيات في الأدب العالمي وهي "رباعيات الخيام" الفارسي بكل ما انطوت عليه من أفكار وتأملات، وإن اختلفتا في المنهج والأسلوب والفكر الذاتي والمنطق الواقعي الذي يحكم كلاّ منهما بطبيعة الحال .. وقد نشر شاعرنا المصري رباعياته ضمن أحد دواوينه الكثيرة وهو " حدائق الصوت " .. وقد حرص ناقدنا الألمعي على دراسة هذه القصيدة المفردة فجاءت في هذا الكتاب الذي تجاوزت صحائفه المائة والثلاثين صفحة من القطع الكبير وإن كان القارئ للكتاب يخلص إلى حقيقة ظاهرة هي حاجة القصيدة إلى أكثر من هذا الحجم وأوسع من تلك الدراسة على أهميتها واكتمالها واقتدارها العجيب على سبر أغوارها وروعة النتائج التي تمخضت عنها لا لشيء إلا لما تمتاز به القصيدة من غنى وثراء وعمق فكر وبعد نظر ونقد وتأمل في مختلف مجالات الحياة وأعماق الذات وقضايا الواقع وغير ذلك ..
هذا وقد جاءت الدراسة التي بين أيدينا في فصلين كبيرين ، أو قسمين : السيرة الذاتية أو قل الإبداعية للشاعر ، ثم الدراسة التحليلية للرباعيات .. وفي القسم الأول انطلق المؤلف يعرض أطرافا متناثرة وخيوطا متنوعة من سيرة أديبنا الكبير الدكتور حسين علي محمد منذ البدايات المبكرة التي تلمح إلى ما يتمتع به من عبقرية إبداعية متميزة في مجال الشعر أولا ومنذ أن أخذت تبرز في مظهر رائع عبر المسابقات التي كان يشارك فيها وتحصل فيها على كثير من الجوائز المتميزة التي تؤكد إبداعه في فن الشعر وتفوقه وتوهجه الشعري الذي صنعته أحاسيسه المرهفة وإخلاصه وعشقه للشعر ، بله الكثير من فنون الأدب ؛ " وقد ألهمته ربة الشعر نهجا مستقيما ، وصدقا فنيا ، حضورا إبداعيا ، وصياغة شعرية فنية متفردة عن أبناء جيله من الشعراء ؛ وقد كان ذلك نتاج موهبة خاصة تضافرت على صنعها محطات في حياته الخاصة، وأحداث متباينة " (ص21) .. وقد كان شاعرنا الكبير صادقا ومحايدا وهو يقوّم إبداعه الشعري إذ يقول : " إنني أرى أن شعري على امتداد رحلته يحاول أن يقترب في لغته من لغة الواقع المعيش بمفرداته اليومية ، كما تحاول معظم أشعاري أن تهتم ببناء الصورة الكلية المنتزعة من الشعور ، والمتكئة على الواقع المعيش ومفرداته " ! ( 28 )
كذلك تجلى إبداع شاعرنا الكبير في المسرح الشعري حيث وضع عددا من المسرحيات منها " الرجل الذي قال " ، و" الباحث عن النور"، و" ملك وثيران "، و" بيت الأشباح "،و" الزلزال " ، و" الفتى مهران " وغيرها .. أما في القصة ، فقد أبدع فيها كثيرا من القصص الني ضمنها مجموعاته العديدة ومنها " مجنون أحلام " ، و" أحلام البنت الحلوة " ، و" الدار بوضع اليد " وغيرها .. كذلك كانت لشاعرنا الكبير مشاركات كثيرة وجادة في مجال النقد الأدبي بما كان يمتاز به من منهج فريد وهو يرصد إبداع المجهولين وغير المشاهير من الأدباء انطلاقا من إيمانه بطاقاتهم الإبداعية وجدارتهم بالحصول على تقدير الدارسين والنقاد ، وتبوُّء مكاناتهم اللائقة بهم في عالم الإبداع الأدبي .. فضلا عن كثير من الدراسات الأدبية والأكاديمية في مجالات القصة والأدب الإسلامي وغيرها .. إلى جانب الكثير من مشاركاته الأدبية والثقافية والعلمية التي تؤكد أصالته وإبداعه والتي طرحها في كثير من تلك الدراسات ..
أما القسم الثاني من هذا الكتاب أو الدراسة التي وضعها ناقدنا الحصيف لرباعيات حسين علي محمد ، فقد جاءت في فصلين أعقبا نص الرباعيات : فصل للدراسة الموضوعية أو الفكرية ، وفصل للدراسة الفنية .. وفي فصل الدراسة الموضوعية للرباعيات حرص الناقد على تناول كافة الجوانب التي اشتملت عليها القصيدة ، حيث أخذ يجوس خلالها راصدا تحركاتها الفكرية وتحولاتها الرؤيوية وما وجد الشاعر من عناء بالغ في نظمها أو إبداعها .. ويكشف الناقد عن أبرز الدوافع التي وجهته لدراسة الرباعيات والمتمثلة بقلة اهتمام الدارسين بها مع كل ما تمتلئ به من طاقات إبداعية ورؤى فكرية مما يجعلها حقيقة بدراسات جادة كثيرة .. ويطرح الناقد بعض الدوافع التي كانت وراء دراسته لهذه الرباعيات التي جاءت خلاصة لخبرات الشاعر ومعايشته لحركة المجتمع ، فضلا عما تجسد فيها من صدق فني يخلق العلاقة الحميمة بين النص المبدَع والمتلقي الناتج عن علاقة المبدع بالواقع وعلاقة الواقع به " (65)
ويرى الناقد أن الرباعيات الإحدى والأربعين التي ضمنتها القصيدة ، وإن كانت تختلف فيما بينها عنوانا ومضمونا ، متداخلة مع بعضها بحميمية تبدو معها كقصيدة واحدة يجمعها صوت واحد هو صوت الشاعر ، وخطاب شعري واحد هو صوت الإنسان العربي في تجليات الانسحاق بكل ما تطرحه من مشاهد مأساوية عاشها ويعيشها الشعب المصري /العربي في هذه المرحلة من تاريخه .. كذلك يقرر الناقد أن هذه الرباعيات جاءت صورة واعية وصادقة لتطور الشاعر ونموّ رؤاه الشعرية .. كما يقرر أن دراسة الرباعيات ينبغي أن تنطلق من اعتبارها قصيدة واحدة بوصفها بنية مستمرة من التحولات التي تكتنف الذات المتكلمة وتتجاوزها إلى الآخر أو المخاطب .. وهذا ما دفع إلى بروز الإحساس الحاد بالانهزام الذي انتشر في كثير من صورها وأفكارها وتعبيراتها وعناوينها الكثيرة اللافتة .. وكل هذا دفع الناقد إلى التأكيد على أن الرباعيات تجسد موقف الشاعر من واقعه ، وتكشف عن رؤيته الذاتية التي تراوحت بين " الأنا / الذات / الشاعر" ، وبين " الآخر/الضمير الجماعي عبر الالتحام بالواقع المعيش بكل ما يستقطبه من مآس ونكبات لا يملك إزاءها إلا الحلم بالخلاص والحرية عبر موجة هائلة من التفاؤل :
ها هو الليل يولّي ، فتعـــالْ نطلقِ البسمة للفجر القـــريبْ
قد قضينا العمر غمّـاً ونَكالْ إن ذا الفجرَ إلى القلب حبيبْ
ويمضي الناقد مع شاعر الرباعيات يرصد ملامحها الفكرية التي تكشف عن مواقفه المتباينة مع الواقع ، كما وقف عند أطراف متناثرة من استخداماته الأسلوبية واللغوية وأبعادها الفنية والفكرية فضلا عن كثير من العبارات والألفاظ الدالة بعمق على ما ينوء به كاهل الشاعر من أعباء ومشاق وآلام !
بيد أن من أهم ما يمكن أن يلاحظه قارئ الكتاب ـ ربما ـ تركيز الشاعر على قضية السلام التي أطاحت بالسادات ؛ ذلك أن الناقد تبنّى موقفا مغايرا لموقف الشاعر إزاء هذه القضية الخطيرة والحاسمة .. ونحن هنا كقارئين ، لا يسعنا إلا احترام وتقدير ذينك الموقفين انطلاقا وإيمانا بحرية الرأي لا أكثر !
أما القسم أو الفصل الثاني من هذه الدراسة فتناول الإيقاع الموسيقي الذي أقام الشاعر رباعياته عليه ممهدا بدور الموسيقا في بناء الشعر سواء منها ما يتعلق بوزن الرمل الذي بنيت عليه الرباعيات ، وإن لم يعرض الناقد لما طرأ على تفعيلات العروض والضرب فيها من تغييرات بالحذف أو القصر أو التمام .. وكذلك ما يتعلق بالبنى الصوتية التي عُني الشاعر باستخدامها وتوظيفها فيها ، وكذلك التركيز على استخدام طائفة من المفردات التي تحقق تناغما صوتيا ظاهرا ورائعا .. كذلك وجدنا الناقد حريصا على تجلية ما تختزنه بعض الحروف التي استخدمها الشاعر رويّا في بعضها كالنون والميم مثلا .. مع أن الشاعر استخدم كثيرا من الحروف الأخرى التي لم يُعنَ بها الناقد الفاضل ليكشف عن أبعادها الموسيقية أو الفنية فضلا عن أبعادها الفكرية التي دفعت إلى فرضها على الشاعر..
ومهما يكن فقد أمتعنا الناقد المبدع د/ علي مطاوع بهذه الدراسة الرصينة التي أقامها على دراسة إحدى قصائد الشاعر الكبير الأستاذ الدكتور حسين علي محمد وهي " رباعياته " التي أودعها كثيرا من رؤاه الفكرية ونظراته العميقة في الواقع وآلامه وآماله العريضة في التغيير والخلاص .. وهي من بعد ومن قبل تعدّ بحق من أروع ما أبدع الشاعر ، بل إنها ترتفع به إلى مصاف فحول الشعراء المبدعين !
وفق الله شاعرنا الكبير وناقدنا الحصيف لإبداعات أخرى رائدة ؛؛
خليل أبو ذياب

د. حسين علي محمد
31/12/2007, 03:58 PM
قراءة في رباعيات حسين علي محمد

بقلم: د. حلمي محمد القاعود
..................................

الشاعر حسين علي محمد له تجربة طيبة في عالم الشعر، وقد أخرج أكثر من مجموعة شعرية معظمها بالجهد الشخصي الشاق، وقد أصدرت له هيئة الكتاب منذ فترة مجموعة باسم "شجرة الحلم" نالت إعجاب ناقد كبير، ممّا حدا به إلى الكتابة عنها في مقدمتها.
وتأتي "رباعياته" التي صدرت مؤخراً ضمن مطبوعات جماعة "أصوات" لتحمل روحاً شفافة تفيض بالعذوبة والأشواق، وتغزو عالماً زاخراً بالألم والأمل، وترتكز على قاعدة من الحلم الجميل بالغد الأفضل والأكرم.
إنها ـ أي المجموعة ـ مناغاة للواقع المرير برؤية صافية، وترصد السلبيات والإيجابيات بلغة الشعر، مع لمسات من الأسى تطفو على السطح بين الحين والحين.
والجديد في هذه "الرباعيات" أن الشاعر قد تخلّى عن الشعر المرسل أو شعر التفعيلة تماماً، وأثيت وجوده ـ ربما لأول مرة ـ في عالم الشعر المُقفّى ذي الشطرين، من خلال أداء راق يؤكِّد أن هذا الشعر يملك إمكانات مذهلة لو وجد الشاعر المُجيد الذي يستطيع امتلاك ناصيته.
قد تبدو بعض الألفاظ غريبة على أذن القارئ أو قاموس الشاعر، مثل "النبيذ" في الرباعية الثانية، أو "عنصريا" في الرباعية الثامنة، ولكن هذا لا يُقلل من هذه المجموعة التي تتألّق بمعانقة الإنسان والانحياز له.
يقول في الرباعية السادسة والثلاثين، والتي تُذكِّرنا بنغمات الشعر الفارسي:
قدْ أهاجتْني دموعُ العاشقينْ .:. في عذابٍ لفـــــراقٍ أوْ لِقاءْ
قدْ قضيْتُ العمْرَ بحثاً عنْ جبينْ .:. تُشرقُ الفرحةُ فيهِ والصَّفـــاءْ !
وفي الرباعية السابعة والعشرين يقول:
لمْ تُحَرِّكْني دفوفُ الأرْضِ يوْما .:.أوْ غِناءُ المُطــرِبِ الموْهوبِ ليْلَهْ
قدْ قَضِيْتُ العمْرَ تسبيحاً وصَوْما .:. في ظـلامِ الليــلِ أشتاقْ الأهِلَّهْ !
ومن خلال هاتين الرباعيتين يستطيع القارئ أن يُدرك مدى سيطرة الشاعر على ناصية الشعر
حلمي محمد القاعود
............................
*مجلة "الإذاعة والتليفزيون"، العدد (2500)، في 12/2/1982م.