المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النص الكامل لديوان «الحلم والأسوار» لحسين علي محمد



د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:29 AM
النص الكامل لديوان «الحلم والأسوار» لحسين علي محمد
.................................................. ....................................

صدرت من الكتاب طبعتان:
*الطبعة الأولى: المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 1984م.
*الطبعة الثانية عن سلسلة «أصوات مُعاصرة»، مطابع الفارس العربي، الزقازيق 1996م.
ــــــــــــــــــــــــ







بسم الله الرحمن الرحيم

الإهــداء

إلى ابنتي سامية

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:29 AM
*تضاريسُ الفقد*

أو خمسة مقاطع من ملحمة عنترة

1-طفولة:
كانت "عبلةُ" في غبشِ الصبحِ تُطاردُني
تتمنَّى لوْ تغلبُني
تحلُمُ
أن تبصرَ نخلاً يثمرُ في الأرضِ القفْرِ

كانت في الصَّمتِ الوادعِ
تسقيني سُهْدي
بغناءٍ حُلوٍ يتقطَّرُ فيهِ العطْرْ
كانتْ تلهثُ ..
كيْ تقرِصَ أطرافي
تتسلَّلُ كيْ تتفقَّدَ كهفي
وحوائطُها الفضِّيَّةُ تزدانُ نهاراً
بقلاعٍ وقِبابٍ
ومساءً
بالصورِ الزيتيَّةِ
للأحصنةِ المنطلقةِ
ـ بينً تلالٍ وسهولٍ ـ للنهْرْ

في الركنِ الأقصى
من داري المنزويةِ
في أطرافِ الغابةِ
منضدةٌ تعلوها أتربةُ …
وعليها عُشبُ الصَّبرْ

2-جملة معترضة:
دوَّت في الأُفقِ طبولُ الحربِ
و"عبلةُ" تغفو
في نومتِها الرَّعناءِ
(وتكشفُ عنْ ساقيْها ..
عنْ ثَغرٍ في الظَّلماءِ يُضيءُ)
تُنادي: بعدَ ثلاثينَ أتيتُ
وهذا التوتُ الأبيضُ في كفَّيَّ
رماحُكَ في قلبي
تُشرقُ في قلبي نافورةَ عشقٍ
تملأ ليلي بنجومٍ تتلألأُ في صحراءِ سمائي السوداءِ
تطارحُني الحبَّ،
تشاطرُني الحُلمَ
وعيناها الخضراوانِ كقِنديليْنِ
يُضيئانِ دهاليزَ الدَّربِ
(أكُنتُ أُدبِّجُ في الليلِ حُداءَ القافلةِ
وأحلُمُ يا "عبلةُ"؟)
تُشرقُ شمسُكِ
يرحلُ جيشُ دفاعِ الأعداءِ ..
وتسطعُ في أُفقي أقمارُ الشعرِ / بريقُ العُشبِ / أحاديثُ الليلِ / حنينُ النسوةِ / أوراقُ الحنَّاءِ / زلازلُ قلبي / أعنابُ اليمنِ / طيورُ النَّورسِ / تمْرُ الشامِ …
تضجُّ الذاكرةُ بأقدامِ العبرانياتِ، وأحلامِ الكنعانيَّاتِ، ومِلحُ المتوسِّطِ يُغرقُ سربَ فراشاتٍ .. عاشَ يُغنِّي ـ مثلَ عصافيرِ الجنةِ ـ للحبْ!

3-حديث مستطرد عن "عبلة":
طلعتْ "عبلةُ" من ثبَجِ البحرِ، كبدْرٍ غَسَّلَهُ البَرَدُ،
أنا يا "عبلةُ" من طرْحِ النهرِ،
وقريتُنا العاشقةُ بأطرافِ الدلتا تنتظرُكِ،
عشرةُ أميالٍ أقطعُها نحوكِ، وطريقي عبَّدَهُ خطوي فوقَ الصَّوَّانْ.
يا مُثمرةَ الوعدِ، تعاليْ لنفُكَّ قيودَ صبانا، نسكُنُ في حضنِ الريحِ، فصولُكِ تثمرُ باللوزِ وبالرُّمَّانْ.
تستيقظُ أفريقيا في أشعارِ الفيتوري، أسمعُ وقعَ خُطاها في الأرضِ المُبتلَّةِ، والعُشبِ، و"عبلةُ" تخرجُ وردتُها من شرنقةِ الحرمانْ.
قالت أمي:
-تلك من الغابةِ، ليستْ من قريتِنا
غانيةٌ تعبثُ في ساحتنا
اتركها وابعد عنها!
أمسكتُ صباحاً بتلابيبِكِ يا "عبلةُ"
وجهُكِ يغمرُني بفيوضِ الماءِ
وصوتُكِ يُشجيني
وحريقٌ يصهلُ في أعماقي
يصرُخُ في أضلاعي
يُغويني
بالقولِ الفتَّانْ
عيناها الخضراوانِ بحُلمِ الفجرِ يمورانْ
ـ أمُّك تبذرُ في الجرحِ الملحَ
وتستلقي في دائرةِ الوهمِ الأسيانْ
تخشى منْ عاصفةٍ أُخرى
أُمي تصرخُ:
-هذي وردةُ نارٍ، فابعد عنها بالحذَرِ الدَّاجنِ يا ولدي
وابعد عن فتنتِها
وليحفظْكَ الرحمنْ

4-أحزان الفارس:
أصبحْتَ أخيراً ـ يا فارسَها ـ في منصف الدهشةِ
ما عادتْ "عبلةُ" تأتيكَ ظهيرةَ أشواقِ الصيف
فتغضَّ الطرفِ كسيراً في خوفْ
عندَ تضاريسِ الفقْدِ تُغنِّي للريحِ الصَّرصرْ
وتسُدُّ البابَ كأنَّكَ لا تسمعُ،
يترقرقُ في كأس الظمآنِ الصبرُ
تُحدِّقُ في وجهِ الموتِ، فأُمُّك ترحلُ
(ستجيئُكَ في الحُلمِ .. فكيفَ ستنسى نظرتَها؟)
"عبلةُ" تنظرُ شوقاُ من خلفِ زجاجٍ يتداخلُ،
وتُجالسُ قطَّتَها
الغضبُ يُزمجرُ في وجهِ أبيكُ وأنتَ تُناورُ:
ـ ماذا ـ يا فالحُ ـ قالوا
في الصحفِ السوداءِ وأبواقِ العسكرْ؟
ـ سأُدافعُ عنْ وطني .. لا وطنَ العسكرْ
(تغضبُ أمي)
.. سأُجَنَّدُ وأُدافِعُ عن "عبلةُ"،
وأُجاهِدُ، وأُقاتِلُ .. حتى أُقتَلَ دونَ الفجرِ الأخضرْ

"عبلةُ" ما عادت تصنعُ من جمر الشوقِ رماحاً حمراً
تغرسُها في صدرِ العاشقِ، أوْ تتبخترْ
ـ "يفرجُها ربُّك"
.. ضقتُ بتوبيخِ الأمِّ مراراً ..
لنكوصي المتكرِّرْ

أقفُ على قارعةِ الحلمِ ..
أُحاولُ أنْ أُنشِدَ أُغنيتي الأولى !
(صمتٌ يملؤ أقطارَ الميدانِ، ويغتالُ الأحلامْ)
ـ ولماذا تتشاءمُ إنْ لمْ أنجحْ هذا العامْ؟
لا تقلقْ، سأُحاولُ هذا العامَ .. فإنْ لمْ أنجحْ فالعامَ القادمْ
زمَّ الشفتيْن، وغمغمَ في صوتٍ حازمْ:
ـ إنْ لم تنجحْ هذا العامَ قٌتِلنا بالسيفِ الصَّارِمْ!

5-زنابق للرحيل:
كانتْ ريحٌ في الأفْقِ تهُبُّ
وكان فضاءُ العالم يتفتَّحُ لزنابقِ عشقٍ تُولَدُ،
وقصيدةِ حبٍّ بيضاءَ ستسكنُ في ديوانِ الصمتِ الفاتنِ
كنتُ أخبُّ عل ظهرِ الفرسِ، ويلسعُني البردُ وأرمحُ،
أدفقُ في غاباتِ الجوْزِ، فترشحُ بالعطْرِ وباللهفةِ
.. تُدفئُني، فأُحادِثُ نفسي:
"عبلةُ" لمْ تجرؤ يوماً أن تسقيني ملحاً،
أوْ تستأْسِدُ
أو تتركُني كيْ يصرعَني يأسي
ظلَّتْ كالتفاحةِ ـ تقطرُ عطْراً
تقطرُ ضوءاً وبهاءً ـ
إذْ تجرعُ كأْسي

تحرقُها أنوارُ الصَّهْرِ .. تُحاصِرُ موسيقاها، معصمَها
ترتعشُ على حافَّةِ ليلٍ …
أُمطِرُ في الفجرِ ، وأترُكُ للعشبِ مسافاتٍ بيضاءَ
تُطرِّزُها "عبلةُ" بالعشقِ مليا،
وتُغني ـ كهديلِ حمامٍ
ينقرُ ذاكرتي في أوّلِ صحراءِ الرُّعبْ ـ
(هل يخلعُني في الليلِ القادِمِ جنرالاتُ الحربْ؟)

ديرب نجم 25/2/1984

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:30 AM
*محاورة وجه لا يغيب*
.................................

-1-
هذا عرْفُكِ .. مملكتي
أقتربُ من الهيكلِ، أنقشُ رسمكِ واسمكِ
أقفُ أُطالعُ خطوتًكِ البيضاءَ
وهذي الكرةُ الزرقاءُ أراها تتداخلُ في الصحراءِ
المتراميةِ / الكرةِ الحمراءِ
فأدخلُ في مملكةِ الأزلِ
وأتركُ تيجاني قدَّامَ البابِ
وأحملُ أحزاني،
أدخلُ مع أطرافِ اللوتسِ في جدلٍ أخضرَ
: كمْ أنبتَكَ النيلُ عفيًّا!
ها أنت تتيهُ على الأقرانِ
وتنعقدُ على أرؤسِ جمعِ الفقراءِ
إشارة حبٍّ خضراءَ، نُغني
للخيلِ النافرِ في مملكةِ الغضبِ نهاراً"
(نتجمّعُ تحت الليلِ لنهربَ
أو نتشرذمً في حوصلةِ الليلِ المدبِرِ).
ليسَ من البدعةِ أن أحملَ خاتمكِ وأهربَ
من ديجورِ الظلمةِ أخرجُ،
وذبابُ الخوفِ يطنُّ ويملؤ أدغالَ النفسِ خداعاً
(بجنونٍ أحببتُكِ
في هذا الزمنِ الفظ،
وأبعدتُ الوجهَ، وقلتُ:
أُسافرُ، تُفتحُ أبوابُ الهجرةِ قدامَ الجمعِ)
فيسري ظلِّي تحتَ الأسوارِ،
ويتمدَّدُ في الشوكِ المغروسِ بأعماقي نصلُ الحكمةِ،
أرتفعُ، أصيرُ هلالاً
وأُعانقُ مئذنةَ المسجدِ
قالتْ أمي: تحت سنابكِ خيلِ السوءِ يموتُ الأبناءُ
أراهم قططاً خرساءَ
تموتُ من الخوفِ
وترتحلُ فلولُ الأحبابِ
فأعرفُ أني أصبحتُ قرينَ السَّوْءِ
أواجهُ هذا الغضبَ الجامحَ،
أسلحةَ الفقرِ أراها مُشرعةً
ناطوراً كنتُ،
فتندفعُ كلابُ الحارةِ تقضِمُني
وأنا لاأقدرُ أنْ أدفعَ عنْ هذي المزروعاتِ
غُراباً أسحمَ
أحملُ وجهَكِ وأٌغامِرُ
لا أنتظرُ مجيءَ الصبحِ، وأسعى ..
نتخاصرُ في حبٍّ يُثمرُ

-2-
وقفَ الشجرُ اليابسُ ينتظرُ الغيثَ
ويرفعُ ألويةَ الشوقِ إلى الربِّ فروعاً عجفاءَ
يُصلِّي في ظمأِ المحروقِ: إلهي
كمْ أشتاقُ إلى ضمَّاتِكَ فامنحني بركاتِ الغيثِ
وينتفضُ الصَّخرُ،
وتصعدُ من جوفِ الصخرةِ ذرَّاتُ الغضبِ المُبصِرِ
يصهلُ خيلي:
محروقاً كنتُ أُناجيكَ
فهلْ تسقيني منْ مائكَ؟
أو تُؤويني في ظلِّكَ؟
أو تهتكُ سترَ الخوفِ فتصلُ النسماتٌ المُرتقبَةُ للجوفِ
يعودُ الصوتُ المخنوقُ يُحلِّقُ في الأُفقِ
فترحلُ أفراسُ النهرِ،
وتدفعُ باباً موروباً ..
يختلطُ الظِّلُّ، فيصهلُ فرسٌ أشقرُ
: يا أفراسَ النهرِ اشتاقتْ كلماتي للماءِ،
فعوديني بالماءِ
اغبرَّتْ أوراقي
أنتمْ يا صحبي مازلتم تلتقطونَ الأنفاسَ،
وأدلُفُ للجبِّ وأحملُ جُرحي
أغسلُهُ في ماءِ البئرِ، وأُخرِجُ دلْوي …
سوفَ يجيءُ الأطفالُ الخُضرُ، ويحبونَ على بابِكِ
تنتفِخُ الأثداءُ وتُعطي لبناً
دِفئاً
حبا وحناناً
(هذا عصفورُ الفجرِ على النافذةِ
وهذي الحسناءُ أراها
.. ينبعجُ البطنُ .. ويكبُرُ!)
القاهرة 29/11/1978

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:31 AM
*قصيدتان إلى محمد جبريل*
...............................................
1-نبوءة عراف مجنون
(في يوم مولدي التاسع والعشرين)

-1-
* قال العرَّافُ لزيْدٍ: تحملُ شمساً فوقَ الرَّأسِ وتُخرِجُ ذات صباحٍ من سرَّتِكَ النورَ، وتبسمُ، ساعتها سوف تُدحرِجُ في زَبَدِ "المتوسط" حُزنَ العُمْرْ.
"بُرجُ الثورِ" يدورُ، وأنت تُضاجعُ حزنَكَ، تدخلُ في رحلاتِ الكشفِ الباهرةِ، وأنت تُغنِّي، ترقصُ في وَهَجِ الشمسِ، وتصنعُ منْ شعرِكَ أفراساً تركبُها في المعمعةِ، وتُطلقُها من مدن الحلمِ، وتصعدُ طبقاً عنْ طبقٍ، تجتازُ الوهمَ، فأنت الحرفُ الصاعدُ من خاصرةِ الريحِ، وأنت الجمرةُ في ليلِ الثلجِ، وأنت الفرسُ الأشهبُ في عرسِ النشوةِ، أنت النجمُ الواعِدُ ببزوغِ الفجرْ
أنت النافخُ سرَّ الصحوةِ، هذا جسدُ البلدِ الميتِ يصحو مع دفقاتِ الريحِ، وهذا جسدُ العاشقُ ـ يا شيخي ـ .. يهفو للراياتِ الخضرْ
خذني خلفكَ، أنقذني منْ يمِّ الصحفِ السوداءِ، ودعني أركبْ قاربَكَ القزحيَّ، وأضحكُ لليمِّ .. أُدحرجُ حزني في قاعِ البحرْ

-2-
سمعوا ما قالَ العرَّافْ
ضحكوا والوجهُ الخائفُ يُلقي كرةَ الماءِ على الأعرافْ

-3-
*ألقَوْأ زيْداً فوقَ ترابِ مدينتِنا الصامتِ، أبصرتُ الخنجرَ في الظهرِ، وأبصرتُ الجسدَ الفارعَ مرميا في حاراتِ الخوفِ، وجيشُ ذبابٍ يلهو فوقَ الجسمِ، وعرّافُ مدينتنا يصرخُ:
في الليل رسمتُكَ،
في الأبواقِ نفختُكَ،
رغم الهذرِ الحانقِ يصعدُ نجمُكَ يا لؤلؤةَ العصرْ
*حدَّقتُ بعينيْكَ المبصرتينِ فأبصرتُ الأشجارَ تميلُ من الأثمارِ، وأبصرتُ النهرَ يفيضُ ويمنحُنا الخيْرَ، وأبصرتُ النسوةَ في زمنِ العقمِ يلِدْنَ رجالاً وبناتٍ ممشوقاتِ القدِّ نحيلاتِ الخصرْ
*و"بهيةُ" تصحبُ ياسينَ وتمضي، والقلبُ يُشعُّ بنورِ الحبِّ على الأحياءِ، وتصطخبُ الأشياءُ ويضربُ دفُّ الفرحةِ، تنطلقُ زغاريدُ النسوةِ في الدور المنخفضةِ، والأطفالُ أراهمْ ينسلُّونَ من الدُّورِ ويجرونَ .. يجيئونَ، يقولونَ حكاياتٍ عنْ نجمٍ يبزُغُ، يمنحُهم دفءَ الوعدِ ووهَجَ الشعرْ
-4-
*"زيدٌ" مات صباحاً، والعرّافُ الثلقبُ كان يُغنِّي قبل سويعاتٍ: "في الليلِ المظلمُ يصعدُ نجمُكَ في أعلى عليينْ !"
*.. ويدقُّ السورَ، ويُلقي للأفواهِ المشدوهةِ حباتِ الحنطةِ، وثمارَ البلحِ الأحمرِ، وحفاةُ الأرضِ يدقون الأرضَ، تدقُّ الأجراسُ، وتشتعلُ الأرضُ بنارِ الغضبِ وتسري في الأوردةِ دماءُ التكوينْ !

ديرب نجم 5/5/1979








2-الخيـــــــوط

(1)
كان ترامُ مدينتنا يمشي في الليلِ بطيئاً يتثاقلُ كالسيدةِ الحاملِ، وجباهُ الخلقِ تغوصُ ببحرِ العرقِ اللزجِ، وأجسادُ النسوةِ تلتصقُ، وتختلِطُ روائحُها: رائحةُ الإبِطِ، وكولونيا باريسَ، وعطرُ المرأةِ، وأنا ..
ألصقُ صدري في صدرِ امرأةٍ، فتُعنِّفني عينا رجلٍ ممصوصٍ، ويبسمل، ويحوقلُ، وعلى السلمِ رجلٌ يُرقصُ قرْدتَهُ، ويُغني ـ واللحنُ ذبيحٌ في الحلْقِ ـ
:"أتعرفُ من نحنُ ؟ لقد كنا في يومٍ ساداتِ العالمِ، كنا في يومٍ من فجرِ البشريةِ نعبرُ هذا البحرَ الأحمرَ، نبني الأهراماتِ ونحمي الأديانَ، نُقيمُ الصلواتِ، وكم أعطينا ! .. من أورثني هذا الفقرَ .. وهذا الذلَّ .. فسالَ دمي .. وبدون ثمنْ!"

"في طُرقاتِ الأحجارِ الصلدةِ أمشي
وتفيضُ الأرضُ جفافاً
جوعاً
قهراً
خوفاً
وتفيضُ الأرضُ وتمنحُ مغتصبيها
قمحاً
ونبيذاً
وجسوماً غضَّهْ
وعطوراً باريسيَّهْ
ونهوداً من مرمرْ
منْ يمسحُ عنِّي قهري؟
منْ يمنحني لحظةَ دفءٍ وسعادهْ؟
والدميةُ تلهو في صدري، وتُحدِّثني ..
عاشتْ عمراً بالطولِ وبالعرضِ،
وفاضتْ لحظاتي
قهراً
خوفاً
جُبناً
أبعدْتُ الوجْهَ (فهذا وجْهٌ منْ صلصالٍ
يختلطُ الشعرُ / الموجُ بصدرِ الرجلِ الأصلعِ
يبسمُ منتَشِياً، فتتمتِمُ
"وجدوني وقتَ بزوغِ الفجرْ
لما مزَّقَ ضوءُ القمرِ الشاحبِ أرديةَ الظُّلمهْ
في ذيلِ الشهرِ)، مفاجأةٌ تحتَ الحائطِ
(وجدوني حيا أتكلَّمُ،
وعروسٌ من صلصالٍ في حضنيَّ)
كنا نفترشُ الرملَ، ونضحكُ
والعينانِ تروغانْ
والوجهُ الأبيضُ مصبوغٌ بالحمرةِ
والنهدُ المكسورُ يُحاورُني
(من جعلَ الأرضَ الخصبةَ لا تُعطي غيرَ الأطفالِ الجوفْ؟)

(2)
وَمَضَ البرقُ الليلةَ
فابتلَعَ الضوْءُ تُرامَ مدينتِنا الأملسَ
وتعرَّى جسدي المنخورُ
وكانتْ ساقي المبتورةُ تتدحرجُ قُدَّامي
والنسوةُ يجرينَ ويهبطْنَ، ويبسمْنَ
وساقي مبتورهْ
أرفعُ رأسي للنورِ، وأضحكُ
أصنعُ منْ نغمي قُدْساً
(كيفَ سألحقُ بالفاتنةِ) وأرقُصُ
يتشرنقُ هذا الجمعُ
وقُدامي تمثالٌ آخرُ من صلصالٍ
ينحسرُ الثوبْ

حرسُ الجامعةِ الليلةَ
أخرجَ أسلحةً ما كانتْ تخرجُ
فتدفَّقَ نهدا "سلوى" باللبنِ
وشرِبَ الجمعُ
انكبَّ الشرطيُّ على النهدِ المتكلِّمِ
أخرسهُ بالسونكيِّ،
وظلَّ يُطاردُ "سلوى"
برصاصاتٍ في الجِيدِ
وسونْكيٍّ في الصَّدْرْ

(3)
اختفتِ الفرحةُ منْ وجهي
بعد ثَوانٍ منحوني ديناراتٍ نفطيَّهْ
عُدتُ أُغنِّي للشرطيِّ بصوتٍ يتسربلُ في الفرْحِ اللونيِّ،
ويملؤ هذي الحافلةَ المكتنزةَ باللحمِ البشريِّ

وكان رصاصٌ أرعنُ ..
يقتُلُ هذا الفرحَ المرسومَ على الأوجهِ
فتراني أصرخُ في صوتٍ يتلوَّنُ بالوطنيَّةِ:
كُفُّوا
حتى يستمتعَ كلٌّ منكمْ بِغنائي!!

ديرب نجم 9/5/1978

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:31 AM
*خمس قصائد من محمد الراوي*
...............................................

1-تهليلة الدخول إلى عالم الجد الأكبر:
أُبصرُها تمضي في الطُّرقِ الغضَّةِ
وتُعانقُ وهماً
ودُخانٌ في الآفاقِ يُزمجرُ
أبحثُ عن بارقةِ حنانٍ
هذا غُصنٌ أخضرٌ من غاباتِ الزيتونِ
وشاعرُنا المجنونُ يُخبِّئُ عاصِفَةً
في جيبِ المِعطفْ
*
أحببتُكَ يا شجرَ الغيثِ
وتحتَ فروعِكَ عشتُ أُصلِّي
أحلمُ أن تُمطرُني أشجارُكَ بالسلوى والمَنِّ
وأسألُ أيامي أن تُعطيَني قمرَ البهجةِ
لكنِّي أتقدَّمُ عبر دهاليزِ الحزنِ
ولا أُبصِرُ قُدَّامي غيرَ الأفراسِ المُلتاعةِ
تبكي
هل أحيا لأموتَ ؟
وهلْ أحيا لأعانقَ أشرعةَ غروبي ؟
إني أبحثُ عنْ بهجةِ أيامي القادمةِ
على كفيكِ .. خذيني)
فوق شفاهِ العاشقِ كلماتٌ خضرٌ أرقبها
قدْ تأتي بينَ اللحظةِ والأخرى
تُخرجُني من شرنقةِ الحزنِ فتيا ومهيباً
(لن أنساكِ، ولن تبعدَ خطواتي عن دربِكِ
لن يحدثَ أن تتحوّلَ أيامي ظلا
فخذيني للشمسِ الحارقةِ، وضُميني)

2-نقوش ضوئية في كراسة صفوان:
عيناي معلّقتانْ
الهدبُ الناريُّ يؤججني
نَمْ ..نَمْ
فالبَرُّ أمانْ
ما إن تُقبلْ
حتى أجد دموعي
(القطُّ يموءُ)
(الساعةُ دقَّتْ)
(تنْ .. تنْ)
ماذا في الأعماقِ يُزمجِرُ ؟
سكَّرُنا حنظلْ
ندخلُ في الجُبِّ
ونخشى عَسسَ الليلِ
تعاليْ، وانكمشي في داخلِ قلبي
ثدْيُكِ ملآنُ
انتفضي
يرغلُ في شفتيَّ الثديُ، تعاليْ
يهتزُّ سريري
والوحشةُ تُرهقُني
(من أنتِ أيا قطةَ ليلي ؟)
إن الحبَّ حرامُ في المدنِ القزحيَّةِ
عيناي معلقتانِ على نهديْكِ إضاءةَ حزنٍ
في الزمنِ الخارجِ من خارطةِ النردِ
انتفضي ..
كوني قمراٍ يُؤنسُ وحشةَ عمري
كوني دفقةَ حبٍّ تلتفُّ بأعراقِ القلبِ
وكوني دفئاً في الليلِ / الثلجِ
وكوني سُكَّرَ أيامي
*
يا أنتِ .. انتفضتْ أروقةُ الفجرِ
فمزَّقتِ الأوراقَ
تعالى في الليلِ صراخُكِ
صوتُكِ فظٌّ
فخِذاكِ الخشِنانِ ..
وتلكَ شٌعيراتٌ في الصدرِ ..
ومن قال بأني أحببتُكِ ؟
أصعدُ درجاتِ السلَّمِ
ينتفضُ القلبُ
أُقلِّبُ كوبَ الشايِ
أُدخِّنُ حلقاتِ العمرِ / النارجيلةَ
أين ؟ .. انتفضَ شبابي الغضُّ
وساقي المبتورةُ ترتجُّ
دمائي ترسمُ فوقَ الخطينِ خطوطاً سوداءَ
(انبعجي
بطنُكِ يكبرُ
تنتفِخُ الأثداءُ
ويولدُ شاعركِ الفحلُ على الفخذينِ
تعلَّمَ آياتِ العُهرِ من المهْدِ
تعاليْتِ عليَّ زماناً
فابتعدي يا تُفَّاحةَ شبَقٍ
لاكتْها الألسنُ في المدن الليليةِ
وابتعدي
لم ألمسْ أوتارَكِ في السَّحَرِ
ولمْ أعزفْ نغمةَ نزقٍ بينَ يديْكِ
فهلْ أجِدُكِ قدامي في الصَّلواتِ
كشيطانٍ أمردَ
هلْ أجدُكِ في طرقِ اللهِ تسدِّينَ البابَ
وهل تختارينَ "يهوذا" معبودَكِ ؟
يا منْ أنهككِ التجوالُ
تعاليْ نتطهرْ، نخلعْ ثوبَ الرِّدَّةِ
نمتزِجُ سويا في محرابٍ ..
لم تصنعْهُ الأيدي المتسخةُ في الليلِ
تعاليْ نشهدْ ميلادَ الشمسِ على عتباتِكْ
يُشرقْ فينا اللهُ
ونولدْ
3-سيناريو لسارة حينما خلعت الثوب:
سارةُ تهبطُ بطنَ الوادي
تفتحُ حضنيْها للشمسِ،
وتنزلُ،
تنفتحُ نوافذُ قريتِنا
تبحثُ عنْ هذي الدّاعرةِ / القدِّيسهْ
صلواتٌ تتصاعدُ في المحرابِ
وعينُ الجدِّ الأكبر "منصورٍ" تحلمُ
بالأرضِ الموعودةِ،
تتشقَّقُ تربتُها
يخرجُ من أفخاذِ الأرضِ صغارٌ
كالجنِّ اللاهثِ
يحبونَ على طُرُقاتِ القريةِ
يمشونَ وينطلقونَ إلى آفاقِ الشمسِ
(بأصواتٍ تتداخلُ)
ـ إنك ترحلُ
ـ أين ستذهبُ يا شيخي ؟
(خرجتْ من فتحاتِ الثوبِ الأبيضِ نارٌ)
ـ من أشعلَها ؟
ـ الشيخُ الآن يُناجي من يهواهُ
ـ وإني …
الشيخُ الفاني يصرخُ:
ـ سارةُ، فصَّلْتِ من الليلِ لباساً.
وانشقَّتْ أستارُ الأرضِ عن الجسد البلُّوريِّ
تمطَّتْ أشجارُ السَّنْطِ
وحدَّقْتُ فأبصرتُ الجسدَ الجنَّةَ
يتشرَّبُ آفاقَ الظلمةِ
ينخرُ فيهِ الدُّودُ
صرختُ: تعاليْ !
قالت: إني أهبطُ للنهرِ، وأغتسلُ الليلةَ
قلتُ: غداً رمضانُ، فهيا نحملْ مصباحَ الرغبةِ
قالت: هل نتكاشفُ ؟
قلتُ: تعاليْ
قالت: ماعادَ القلبُ يُحبُّ كما كانَ قديماً
قلتُ: سنسهرُ قدامَ الشاشةِ نُبصرُ فيلما
قالت: نتعرّى
قلتُ: فإني أحملُ فستاناً أبيضَ
قالت: الولدُ ببطني
يرفسُني صبحاً وعشيا
ويُحاورُني
قلتُ: وإني أعددتُ المهْدَ
فقالتْ: ذاكَ بعيدٌ، وعصاكَ عقيمٌ
لنْ تضرب بحري
قلتُ: تعاليْ
قالتْ: .. فاتركني كيْ أنزلَ للنهرِ، وأغتسلَ الليلهْ !

4-تهليلة ثانية ليوم العرس:
*ضمَّتني تحت جناحِ الليلِ، وعركتْ أذنيَّ، وقالت: كنْ فرسا يحملُني للبرِّ الآخرِ، ولتثمرْ أشجارُ الصوتِ اليابسِ فلا ورياحينا في قلبي.
*ضحكتْ، نثرتْ فوقَ الجسمِ العاري ضحكاتٍ، جذبتني، ردَّتني طفلاً قلقاً، فانشطرتْ كلُّ الأبياتِ المكسورةِ في دربي.
*ضحكتْ ثانيةً، هزَّتْ رجليْها، فانطلقَ المهرُ الأشهبُ يعبرُ هذا النهرَ، إلهي كمْ أخشى هذا الموجَ فلا تحرمْني منْ نصرِكَ في اليَمِّ، وأسألُكَ إلهي ألاّ تُغرقَني في الماءِ العذْبِ
*حينَ عبرتُ، وألقيتُ الجسدَ المشقوقَ على الأرضِ الخضراءِ، وصلَّيْتُ، وأنشدتُ ترانيمي العلويةَ، لم أُبصرْها فوق الأبوابِ الورديةِ وشماً ناريا (دفعتْني كلُّ فلولِ الليلِ، وألقتني في جُبِّ الخوفْ)
*طلَعَتْ من فكِّ الليلِ عروسٌ، غمرتني بسمتُها الفلكيةُ، جذبتني منْ طينِ الأرضِ، وضمَّتني
"سارة" ـ محبوباً كنت ـ أُسائلُها:
ـ من أنت ؟
فتهمسُ: "إني حدُّ السيفْ
*جسدي يعبقُ بالنرجسِ والزئبقِ
والشوقِ لخيلِكَ
سوفَ أظلُّ جواركَ"
ـ لن يفصلك جدارُ الليلِ عن العاشقِ
ـ أنت أنا
(سنبلةٌ خضراءُ أراها في ضلعي الأيسرِ، قلبي يتبرعمُ حبا، أبصرها تخرج من أسدافِ الظلمةِ تحملُني طفلاً أخضرَ في أثوابٍ بيضاءَ .. وتُلقيني فوق الأرضِ، وتُخرجُ من سُرَّتِها قمرَ الصيفْ).

5-سطور مشنوقة في كراسة سارة:
يدك الدافئةُ المورقةُ ربيعاً وحناناً، تُخرجُني منْ صمتي ، تصرخُ فيَّ، وتُؤلمُني (قلْ شيئاً وتكلَّمْ ، يُقصيني عنْ بابِكَ أَلَمٌ وحشيّْ ، وستهزمُني الحسرةُ)
هذا زمنُ الصمتِ، فهيا نرحل في صمت الكونِ ..
وندلفُ للبابِ المفتوحِ صباحاً وعشيا
نملؤ أكوابَ الحب، ونحسوها في حضرةِ من أحببْنا
(لِمَ أسرجْتَ المهرَ الأشهبَ ؟
لمَ قاتلْتَ الدنيا منْ أجلي ؟
من أجلِ العينينِ السوداوينِ ؟،
وينكصُ فرسكْ
لمَ أبعدتَ الأذنينِ عن الصوتِ الفرْدِ
ورحتَ تجوبُ الغربةَ بحثاً ..
عن قمرٍ يُشرقُ في ليلِ العمرْ ؟)

ظلامٌ وضبابٌ
إني لا أُبصِرُ شيئاً
لكني أتقدَّمُ
ـ عبر دهاليزِ الحزنِ ـ
وصوتُكِ يصرخُ في أعماقي:
ـ مُدَّ يديكَ، وخذني من قسوةِ أيامي
عانقْني ..
كنْ لي دفئاً، حبا.

ديرب نجم 8/1/1981

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:32 AM
*جنون الغُبار*
.....................

.. وتمتمَ، صارَ سحاباً من الورقِ المُستعارْ
وأسماهُ فيْضَ البحارْ
وأبصرَها في السماءِ تُناديهِ زوجاً
فقالَ: تعاليْتِ يا ابنةَ هذا الأريجِ
سليلةَ هذا النهارْ
تزوّجها في الصباحِ المُهادِنِ،
مرَّتْ عليهِ العواصفُ
والأقحوانُ المراودُ يُعطيهِ نبْضَ الحٍجارْ
يقصُّ عليهِ الحكايا، فيسمعُ
يهوي إلى دمدماتِ القَرارْ
يسامرُهُ الإنسُ والجنُّ (والحورُ هوْناً)
فضُمِّيه غبَّ جنونِ الغُبارْ
وناديهِ يا ابنةَ هذا الملالِ على الصَّدْرِ
عنقاءَ
أوْ زهرةً لانتظارْ

القاهرة 13/11/1983

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:33 AM
*قاهر الخوف*
.....................

(إلى مثال الكمالات الإنسانية محمد بن عبد الله  )

-1-
المطرُ على نافذتي،
أنتظرُكْ،
تلك تقاسيمُ الزمنِ الأجوفِ
أُبصِرُ سيفَكَ مسلولاً،
لا تُلقيهِ
وتمضي ليلًكً في وصْلٍ مع ربِّكَ
تبحثُ عنْ لحظةِ نورٍ
عن جرعةِ عشقٍ
تُمسِكُ بأعنَّةِ خيلِ الفجرِ
وتحلمُ بالنورِ
وتنشُرُ ثوبكَ فوق البابِ
لعلَّ الشمسَ اليقظى
تطردُ ليلاً يمتدُّ
المطرُ يرُخُّ
ومازالتْ في الآذانِ بقايا صوتِكَ
ودماغي فيهِ الجهلُ يُعشِّشُ
هذي الرأسُ ستقتلُني
وأظلُّ أُخادِعُ نفسي
أصرخُ كيْ أسمعَ صوتي
أعرفُ أني نافورةُ عشقٍ تُعطي الأيَّامَ رحيقاً
لكني جئتُ الليلةَ من أسفارِ الحكمةِ
وصناديقِ الموتْ
*
مازلنا نحلمُ أن تأتيَنا ذات صباحٍ
تحملُ بينَ يديْكَ الشمسَ الخضراءَ،
وتزرعُ في صحراءِ النفسِ القلقةِ نوراً
لا تُطفئهُ الأيامُ السوداءُ
صدقتَ ..
فجئتْ

-2-
في منتصفِ الليلِ أتيتْ،
تعالتْ شمسُكَ تسطعُ
وتُنيرُ الكونْ
وتساءلُ كُلٌّ منا في وَجَلٍ:
ما هذا ؟
إنا لم نُبصرْ قبل الليلةِ شمساً
تُشرقُ في منصفِ الليْل،
تعالَ، فإنا نعرفُ أنك فردٌ منا
تعرفُ ما يشغلُنا
ترفضٌ أن يبقى الخوفُ يُعربدُ في الدَّارِ،
وتعرفُ أنَّ الوقتَ يحينُ،
وتُشرقُ شمسُكَ في الأرجاءِ
وتملؤُ صحنَ البيتْ
*
قل لي: كيفَ عبرتَ الخطَّ الفاصلَ بينَ ظلالِ الأشياءِ،
وكيفَ تحطَّمتِ الجدرانُ الصماءُ،
أعدتَ الأرضَ تدورُ
ولكنْ: كيف تغيبُ الشمسُ
فمازلنا ننتظرُكَ في هذا الزمنِ الوغدِ
تعالَ وطهِّرنا من أدرانِ النفسِ اللوّامةِ
فالزادُ قليلٌ
والسفرُ طويلٌ
والشكُّ يُمزِّقنا في طُرُقِ الليلِ،
الناسُ نيامٌ
وعلاماتُ طريقي أُنكِرُها
(هل هذي أعراضُ الموتْ؟)

-3-
أصواتُ النسوةِ والأطفالِ وأشياخٍ طعنوا في السنِّ تُناديكَ …
فهذا الجهلُ الوحشيُّ يُحاصِرُنا
سنُزيلُ رُكامَ الأشياءِ المتغضِّنةِ العفِنَهْ
صوتُكَ من أعلى عليينَ يُنادي
هأنذا مقطوعٌ من تربتكمْ
وغريبٌ في ساحتِكُمْ
لكنِّي رغمَ الزمنِ الآبقِ
سأظلُّ أُنادي
حتى تطلعَ شمسُ اللهِ على الأرضِ الطيبةِ
ولنْ أخلعَ جذريَ من تُربتِكمْ

ديرب نجم 9/5/1977م

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:33 AM
*أين النشيد ؟*
....................

لهفَ نفسي عليَّ كيفَ تنـاءى
في الفضَـاءِ الرَّحيبِ نبضُ قصيدي
فتلاشيْتُ بالضَّياءِ وحيـــداً
وتَــواريْتُ دائمَ التَّسْهيـــدِ
هل يجـيءُ الربيعُ يوماً فأشدو
أين وجهـي؟ بلْ أينَ مني نشيدي؟
أين وجهـي؟ ملامحٌ منْ قنوطٍ
تتوَقَّى منْ بعضِ ظنِّي الجــديدِ
أين وجهي؟ وبعضُ ظنيِ شقاءٌ
في دياجي الأسى وسـودِ الوعودِ
أين أمضي؟ وفي الدروبِ تساوتْ
لغةُ العطْـرِ واغتصـابُ الورودِ
كيفَ غابَ العصفورُ عنْ روضِهِ الأرْ
حبِ إذْ غصَّتْ دروبُهُ بالسّـدودِ

ديرب نجم 16/2/1984

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:42 AM
*صفحتان من يوميات عبد الله بن أبي*
.................................................. ....

ا-الخروج من الحلبة:
* الليلُ الموغلُ في الأعماقِ يُلملمُ ثوباً فضفاضاً، ويصفِّقُ للأكوابِ المخمورةِ، إذْ تصطكُّ وتُفرَغُ في الجوفِ الظامئِ، تنتصِبُ الراياتُ الحمرُ على دورِ بغايا القومِ، ويصطرعُ السادةُ: "أعينُكمْ تلتهمُ المبغى، فلتعبث أيدينا في الشعرِ الذهبيِّ، وتُغرسُ في اللحمِ، لنرحلْ عبرَ الليلِ إلى مدنِ النشوةِ واللذةِ، نُبعدْ هذا الكابوسَ: الخوفَ من النارِ المشتعلةِ". في أعمدةِ الليلِ حكايا عن جنِّ الصحراءِ وهم يُلقون النباَ: سيعلو نخلُ الصحراءِ فتيا، وستشرقُ "يثربُ" شمساً تتربَّعُ في وسطِ نهارٍ لا يتأخَّرُ عن موعدِهِ، فانتظري أصفاها قلباً إذ يحرقُهُ الحبُّ، ويدفعُهُ طوفانُ الشفقةِ أن يأخذَكمْ في حضنيْهِ، وأن ينشر أجنحةُ تحميكمْ منْ شمسِ الخوفِ القائظةِ، وينصبُ في الصحراءِ الفردوسْ.
*"طلع البدرُ عليها !" .. فلتستقبلْ يثربُ ملكاً غيري ! "قالوا: خيرُ رجالِ الأرضِ"، فهذا رجلٌ شقَّ الحُجُبَ، وضَمَّ الغيْثَ إذِ الصدرُ النابضُ بالكلِمِ المُلْغِزِ، والغيْمُ سرابٌ يخدعُ في الصحراءِ، تعالتْ أصواتُ "الأوس" صراخاً: "ما دامت في الجسدِ بقيةُ رمقٍ سنحبُّكَ، نحتضنُ الكلماتِ الخضرِ ونحملُ سيفَكَ، وندافعُ عن كلماتكَ، ننشرُها شرقاً .. غرباً، في أرجاءِ الأرضِ سنرحلُ" .. والنوقُ الضامرةُ تُسافرُ راكضةً، والبلدُ الطيبُ (يا ويحي !!) يفتحُ كفيْهِ لضوءِ الشمسْ.
*هل مرَّ بخاطر زوجي أن الليل سيرحلُ، ونبوءةَ ولدي تتحقَّقُ ؟ هذي حباتُ النورِ تُداعبُ جفنيْهِ فيخطو نحو النبعِ، ويصهلُ في ذاكرةِ الأيامِ سؤالٌ مجنونٌ يتدفَّقُ من شفتيَّ: لماذا أُبصِـرُ في الساحةِ أقدامَ حُفاةِ الصحراءِ ـ عبيدِ القومِ ـ وقد رفعوا الرَّأسْ؟

2-آخر البكائيات:
*وحيداً تقاذفني الموجُ، والليلُ كانَ، وكنتُ أُغنِّي هزيمَ الرعودِ، وصوتَ الطيورِ، ويزأرُ فيَّ صهيلُ الرياحِ، انطلقنا معَ الليلِ، تعبقُ رائحةٌ: أين أنتِ، تعاليْ، فإني أعودُ مع الفجرِ نصفَ شعاعٍ على الأرضِ تنزفُ مني دمائي.
*وأنت تُغنَّين جسمُكِ يمنحني فيئه، وكفُّكِ … مالي أراكِ انتفضتِ؟ وبردٌ شديدٌ يرُجُّ ضلوعي .. أقولُ: تزمَّلتُ بالورقاتِ العِجافِ، تدثَّرْتُ بالخوفِ، يخذلُني الصَّحبُ، عشتُ جباناً أبيعُ الحروفَ، أمُدُّ يديَّ لسبطِ يهوذا اللعينِ، أُفتَّشُ في جمرةِ القلبِ عن بعضِ أعوادِ "خيبرَ" كيْ أتلظَّى بها في ليالي الشتاءِ
*عشقتُ بساتينكِ اللاهثاتِ من الجريِ خلفي، لماذا إذنْ أبعدتْني الخُطا إن طريقِكِ؟ إني أعودُ ليثربَ، للظلِّ والأُغنياتِ .. (تشرَّدَ عصفورُنا في زمانِ التراجُعِ والقهرِ والأغنياتِ البليدةِ) .. بيني وبينكِ عمرٌ من الحزنِ، لا تطرديني عن الصدرِ، إني أودُّ غناءً قديماً، وحنجرتي يتلبَّدُ فيها الكلامُ، لماذا نشرتَ على وجهِكَ الحلوِ ثوبَ البُكاءِ ؟
* أُغنِّي سكارى "قُريظةَ" .. هل يرجعون إلى الرشدِ ذات صباحٍ ؟، نسلُّ السيوفَ، ونطرُدُ ذاك الذي قدْ أتانا فمزَّقَنا في النهارِ، أتغضبُ مني الحبيبةُ حينَ تراني أغني لسبطِ "يهوذا" وأحفِرُ مقبرةَ النُّدماءْ؟

ديرب نجم 25/6/1981

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:43 AM
*الحلم والأسوار*
.........................

*قلبي يتمزَّقُ شلواً شِلواً بينَ الصامتِ والهائجِ، والإخوانُ البررةُ صمتوا وابتعدوا (هلْ يدفعُني الدنسُ الصاعدُ منْ قذرِ الهذرِ السفليِّ إلى الخاتمةِ يُبعثرُ أشلائي ؟) والقمرُ أراهُ غريباً في داري، لمْ يتفوَّهْ بالكلماتِ الطيبةِ، ولمْ يضحكْ في حضرتِنا .. (هل يبتعدُ الفقراءُ عن الساحةِ ؟ لِمَ هذا الجمعُ الصاخبُ ؟) سردابُ النارِ يُؤجِّجُ فيَّ الغيرةَ، والأصواتُ الليليةُ تهتفُ في صوْتٍ مذبوحٍ، ذبحتْهُ الغيرةُ في لغْوِ الكلمِ الفجرِ (غابتْ عنا الشمسُ .. إلى أينَ تُسافرُ ؟ قل لي والأيامُ تمرُّ، وأنت بعيداً عني تمضغُ أشعاركَ، والنهرُ يُسافرُ ويغيبُ، أحاورُهُ: "هل ترجعُ ثانيةً بالخصبِ ؟"، أراكَ تُشيحُ بوجهِكَ عني، وزهورُ ربيعي تذبُلُ واحدةُ بعدَ الأخرى، والرأسُ اشتعلتْ شيْباً، وتظلُّ العينانِ معلقتيْنِ تجوبانِ الآفاقَ وترتقبانْ
*هأنذا أُشعلُ من زيتِ دمي مصباحاً (مزّقَ سيفُ الكافرِ أوردتي) أصنعُ فجراً، أبحثُ عنْ قمرٍ يُشرقُ في دنياكمْ، ويُعيدُ إليها بعضَ رُواءٍ، أبحثُ عنْ مصباحٍ يهديكمْ في طرقٍ الليلِ، دمائي قد سُفِكتْ قهْراً في طرقِ الفجرِ، وهذي خطواتِ القتلةِ تتعثَّرُ في الأبهاءِ، وتُفزعُني أقداحُ دماءٍ قدْ شربوها في ليْلٍ لمْ يعقُبْهُ صباحٌ) يا أحمدُ، يا قمرَ الليلِ .. أيا محبوبي! أنٌقذني منْ ظلماتٍ تتكاثفُ حولي، أشعلْ فيَّ الحبَّ، وخلِّصني منْ موتٍ يغتالُ حياتي قهراً، أشعلْ فيَّ الرغبةَ في الإنشادِ .. وفي تغييرِ العالمِ، هات القرآنَ لأتلوهُ الليلةَ ياقمرَ الصيْفِ الفتّانْ !
*لنْ نقضِيَ هذا العُمرَ بكاءً وعويلاً، قل لي إنَّ الشمسً قريباً ستعودُ إليْنا، تطرقُ أبوابي، تأسو جرحاً يمتدُّ بعمقِ الصدرِ، تُهدهِدُ فينا الحلمَ الأخضرَ، ترفضُ فينا اليأْسَ، وتُسقِطُ منْ ذاكرةِ اليأْسِ بقايا الأحزانْ.
*صوتٌ كان يُغني، والكافرُ يذبحُني، والعينانِ كقنديلٍ أطفأَهُ السهَرُ، ضحكْتُ ولمْ أسمعْ شيئاً، وامتلأتْ طرقاتُكِ يا بغدادُ ـ الليلةَ ـ بالأثوابِ اللامعةِ القزحيَّةِ، صرخوا، فزعوا، شربوا الكأْسَ، تمطّى في داخلِهمْ عقربُ بغْضٍ يزْأَرُ: نقتُلُهُ، والشمسُ تُسافرُ، أجلسُ قلقاً، أتمطّى فزِعاً، أتعرّى حرماناً، تأكلُ رأْسي أسرابُ البومِ، وأحلُمُ بصديقي "يوسفَ" يخرجُ يُنقِذُني منْ بقراتٍ سبْعٍ يجتزْنَ جبالَ الوهْمِ، ويأْكلْنَ سمانَ البَقراتِ .. فقلْ لي: هلْ ترجعُ ثانيةً ؟ عيناي تسمّرتا في الليلِ، تدورانِ وترتقبانِ الآتي، ما هذي الظلمةُ ؟ قل لي يا أحمدُ: هلْ يُشرقُ ثانيةً فينا النورُ ؟ وهلْ حقا ما أسمعُ ؟ صرخاتُ الصمتِ ترجُّ ضلوعَ القلبِ، أراهُ يرفرفُ مكسوراً وذبيحاً (كمْ ظلَّ يُعاني تحتَ القضبانْ ؟).
*يا قمرَ الليلِ أيا محبوبي، أطلقْ فرسَ النشوةِ في دربي، حطِّمْ شبحَ الموتِ وأطلقْني منْ خندقِكَ، وأنقذني منْ جبلِ الحقدِ المُتربِّصِ في أعينِهمْ، إني في نهرِكَ أغتسلُ الليلةَ، أُلقي بالجهِ الحالمِ في نهر النشوةِ، أقرأُ "آياتِ التوبةِ"، والصوتُ الفاسقُ يُخرجُني منْ حضرتِكِ ويذبحُني قهراً، يُفزِعُني، منْ أخفى عنا القمرَ، وقَتَلَ الشمسَ، وسَكَبَ دموعَ اللوعةِ والأحزانْ ؟!
*تلكَ عمائمُ أشياخَ المنشقِّينَ أراها تتربَّعُ في خُيَلاءٍ فوقَ رؤوسٍ حُشِيَتْ بالقشِّ وبالأفكارِ السوداءِ، وبالرّغباتِ السريَّةِ، والقمرُ الليليُّ أراهُ يُحدِّثُني عمَّنْ وَضَعَ القيدَ بأيديهمْ، كبَّلَهمْ ذاتَ مساءٍ، والقمرُ يُسافِرُ، يُبعِدُني .. والليلُ يُطوِّقُ عنُقي، وخيولُ "أبي جهلٍ" تقتحمُ حصوني، وتُهاجِمُ، وتُكِرُّ .. فتُرديني تحتَ النقْعِ، فأبحثُ عنْ وجهي الضائعِ تحتَ سنابكِ خيْلِ الليلِ، يقولُ الصحبُ: غفلنا، لمْ نتأَمَّلْ، ماتتْ رغبتُنا في النُّورِ .. فعاثَ الشيطانْ !

ديرب نجم 9/5/1976

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:44 AM
*الشمس والبحيرة*
..............................

-1-
*ركدَتْ أمواهُ بحيراتِ الشوقِ، وأقبلَ حزنُ العمرِ على ظهرِ جوادِ الشَّهوةِ، بحثتْ أعينُنا عنْ أصحابِ الرحلةِ في طرقِ الليلِ، فقالوا: لن نرجعَ، فضحكنا .. هل يرحلُ عنا الليلُ، وهل تأتينا شمسُ صباحٍ ثانيةً، خرجت خطواتي من جدرانِ الليلِ، وكنتُ وحيداً كالشبحَ الهاربِ، كانت همساتي لا تذهبُ في الريحِ .. وقلبي مجروحٌ:
ما من لفظٍ إلا والكاتب حِبِّي يقرؤُهُ في قِرطاسٍ مفتوحٍ .. ضاعتْ أيّامي الماضيةُ ومات غدي في الفَزَعِ المُقلِقِ، ما منْ لفظٍ يصدرُ عنِّي إلا و"السيِّدُ" يوصي الحفَظَةَ بالتسجيلْ.
*كانَ صديقي في الأيامِ الخاليةَ الشوهاءِ، وكانَ يُداري ما يبدو منِّي منْ خطأٍ أو شيْنٍ .. مرّ العامُ وراءَ العامِ، وجاءَ صديقي مبتسماً، يشحذُ سكِّيناً يقتلُ فيَّ الهمسَ، ويبني مستقبلَهُ الأمجدَ فوقَ رُكامِ الجهلِ، وعارِ التخييلْ.

-2-
*الناسُ نيامٌ لا يجرؤُ أحَدٌ أنْ يرفَعَ عيناً يستطلِعُ وجهَ الشمسِ، وهذا الصقرُ الغائبُ عادَ يدُقُّ علينا بابَ البيتِ، ولكنْ .. من يفتحُ للطارقِ فيكمْ ؟ أنتم تستلقونَ على الظهرِ، وتلهونَ بقولِ الشعرِ، وهذا النبعُ الصَّافي في العينيْنِ يجِفْ
*والبسمةُ فوقَ الشفتيْنِ تفيضُ .. وهذا الرملُ الحارقُ يُشعِلُ في الأضلاعِ النارَ فأُبصِرُ خطواتي تتعثَّرُ في طُرقِ اللهفةِ، والموتُ يُبعثرُ خطواتي في الطُرُقِ الفظَّةِ، والقلبُ الواجفُ في جَدَلٍ مع خطواتِ الصحبَ المفزوعينَ، وأعبُرُ هذا الفاصلَ، أٌبصِرُ في وجهي حدَّ السيفْ!

-3-
*هأنذا في طرقِ الوحدةِ .. يذبحُني سكِّينُ الخوفِ، ويُطفئُ فيَّ البَسَماتْ
*هأنذا أبحثُ عنْ ظلِّي في أمسي الغابرِ، في اللحظاتِ المذعورةِ، في نبْضِ الآتْ!

-4-
*الظلُّ يُغنِّي رغماً عنِّي،
يرفعُ وجهاً للسيْفِ،
ويضربُ قَدَماً ثابتةً في الأرضِ،
ويصدحُ:
رأْسي مرفوعُ للريحْ !
*الظلُّ يُثرثِرُ للشمسِ، يُغازلُها، هل تسمعُ منْ خَرَ جَ يَصيحْ ؟

-5-
*وأنا مذبوحُ الصَّوتْ
*منْ يُنقِـذُني منْ هذي الطرقِ المفتوحـةِ
في أعلى قمةِ جبلِ الموتْ ؟!

ديرب نجم 15/5/1983

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:48 AM
*أنتِ أحلى*
.................

(إلى الشاعر محمد جواد الغبّان
وقد أهداني ديوانه "أنت أحلى")
من كلِّ حلوٍ جميــلٍ .:. رأيتُ شعركَ أحلى
منحتَــني من شـذاهُ .:. عطْراً وورْداً وفُـلا
وعِشْـتُ أنعُمُ فيــهِ .:. بأحرُفٍ ليس تبْـلى
وأنجُمٍ وحقــــولٍ .:. فيها تفيَّأْتُ ظِــلا
وعالمٍ منْ حبـــورٍ .:. يفيضُ عشقا ونُبْـلا
فيهِ سلامُ وبـــرْدٌ .:. لعاشقٍ رامَ نهْــلا
ألفاظُكَ الخضْـرُ طُهْرٌ .:. للّهِ كمْ أنتَ أعْــلى
وكلُّ شعرِكَ حلــوٌ .:. ودُرُّهُ "أنتِ أحـلى"

ديرب نجم 30/12/1982

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:48 AM
*في انتظارِ كلمة*
..........................

بكل الصدقِ قوليها
ولا تخشيْ ..
أجيبيني
بلفْظٍ ساحرٍ غـردٍ
يُقرُّبني ويُدنيني
من الجناتِ في يومٍ .. وينعشني .. ويحييني
إلام تفرق الإلفينِ بينَ الصَّدَّ واللينِ
وهذا حبك المـوَّارُ يهدرُ في شراييني
فأسعدُ يا مُعذبتي ..
وأبقى ليس بي وهنٌ
ولا الأفكارُ تُرديني
حبيبي عادَ بينَ يديَّ أُغنيةً .. تُناجيني

فقولي لفظـةً خضراءَ سـاحرةً
.. فترويني
القاهرة 13/2/1972

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:50 AM
*إغماءة(*)*
...................

(إلى الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور)

1-ما دار بين النبي وصديقه الأخير:
في هذا القرنِ العشرينْ
في هذا العصْرِ المجنونْ
تتعالى الصورُ الكربونيَّةُ فوقَ الأصْلْ
وأنا مدفونْ
قد زلَّتْ بالقدمِ النَّعْلْ
أحلمُ بالكلماتِ النارْ
تفتحُ شباكاً
يدخلُ منه الإعصارْ
تعلو سيقانُ الكلماتِ / الرفضِ .. وتعلو ..
حتى تطمسَ هذا اللغوَ الثرثارْ
أحلمُ بالقمرِ الأخضرْ
يطلعُ ثانيةً في الليلِ الممتدْ
وصديقي ـ توأمُ نفسي ـ يحتد:
الكلمةُ لم تصنعْ مستقبلَنا
لمْ تبنِ المجدْ

لكني أُلقي بالقفَّازِ / الكلمةِ
في وجهِ صديقي
وأنا أُسرِعُ أٌبعدُ عنهُ الخوفْ
ـ خُطْواتُك مع خطواتي في نفسِ طريقي
ـ تعني أنا متفقانْ ؟
ـ الفرقُ يسيرْ
لكنَّ صديقي يفهمُ أني أحرجتُهْ
فأراهُ قعيداً مهموماً
يبحثُ في قاموسِ الكلماتِ / النارْ
عن أدنى ثغرهْ
حتى يبدأَ منها التغييرْ
ويقودَ الثورةَ بالتدميرْ!

2- ما قاله النبي لصديقه وهو يحاول أن يثتيه عن عزمه بالرجوع والنكوص على الأعقاب:
أسفتُ، لأنك بعدَ الولادهْ
تعودُ إلى القبرِ تقتلُ نفسكْ
وتجهلُ أنا ..
أتينا إلى عالمٍ جاهلٍ ..
لنبعثَ فيهِ الحياهْ
وتجهلُ أنا عَبَرنا ..
جميعَ الموانعْ
وتجهلُ أنا أردْنا ..
حياةً لكلِّ البشرْ
وأنَّا ـ مقابلَ ذلكْ ـ
سنحظى بأجْرِ الشهادهْ

3-ما قاله الصديق للنبي المهزوم وهو يعلن عن تراجعه:
كلماتُكَ في الليلِ غطائي
كلماتك ـ في وهجِ الشمسِ، وتحت الأمطارِ ـ ردائي
لكنا ـ يا سيدنا المبعوث بفصل الكلمةِ والحرفْ
لم نُعْطَ السيفْ
لكنا ..
أعني أنكَ قدْ أُعطيتَ كلاماً برّاقا
قدْ يستهوي الإنسانْ
يحلمُ أنْ يملأَ دنيانا ..
حبا وأمانْ
يحلمُ أنْ يجعلَ غدنا أفضلْ
في سَلْمٍ واطمئنانْ
يحلمُ أنْ ينزعَ منْ بينِ الناسِ الحقدَ
ويزرعَ بينهمو الحبْ
لكنَّكَ لمْ تُعطَ السيْفْ
ولهذا ..
ـ أخشى ما أخشاه ـ
أن نُقتَلَ في شمسِ الصيفِ جهارا
فالكلمةُ لا تحمي الإنسانَ وبالاً وشنارا
ولهذا ..
يا سيدنا المبعوثَ بفصْلِ الكلمةِ والحرفْ
إما أنْ تحملَ سيْفاً
أوْ تتخلّى عنِّي
أوْ أتخلّى عنكْ
لكن .. احذرْ يا سيدنا المبعوثْ
أن تجعلَني للأصحابِ شعاراً
للصدِّيقِ المطعونِ بوخزِ الكلمهْ ‍
والكاسبِ بعدَ التعبِ وبعدَ الجهدِ المشكورِ العارا
أخشى أن ترجمني في الظهرِ كإبليسْ
أن تجعلَ مني أحدوثهْ
بعدَ مساعدتي الصادقةِ بما أملكُ من مالٍ ونفيسْ
أخشى أن تأتيَ في الصبحِ بنعشٍ يحملُني حيا
أو تأمر أصحابك أن يأتوا بالقشِّ وتحرقني
أخشى بعد السنواتِ العشرْ
.. ألا تفهمني ‍‍
فأنا ..
قدْ أخرجتُ السيفَ من الغُمدْ
ليدافعَ عني !

ديرب نجم 26/12/1975
....................
(*) من وحي مقطع من مسرحية "ليلى والمجنون" لصلاح عبد الصبور، ونشرت القصيدة في الطبعة الأولى والثانية بعنوان «مرثية نبي انفض أنصاره من حوله».

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:51 AM
*الجنون القديم*
.........................

(1)
إنني أستعيدُ الليالي
محمَّلةً بثمارِ الوعودِ الجميلةِ
لنْ تتأبَّى الحبيبةُ
تُشرقُ شمساً
تُرى هل يعودُ الجنونُ القديمُ
تصيرُ الحبيبةُ ورداً وناراً
وتختنقُ اللحظاتُ
وما بيننا يتلاشى؟
(2)
يقولُ حميدٌ سعيدْ:
"إن طيوراً من العشبِ بيني وبينكِ
تنقرُ بابي مع الفجرِ
حتى إذا أقبل الليلُ
جاءَتك واستوطنتْ
حلما لم ْ يُفارقْ شريرَكَ"

وقلتِ: الليالي ..
تموتُ على بابِنا
تموتُ الطحالبُ
في الزرقةِ الكابيهْ
(3)
إنني أستفيقُ من الوهمِ
ذاكرتي تستفيقُ
"الأغاني التي هرمتْ تستعيدُ طفولتَها
ويعودُ الجنونُ النبيلُ
فأرحلُ في مدنِ الأرضِ" .. بين الفيافي
(4)
تقولُ الزهورُ التي أدمنتْ حبَّنا
تُرى هلْ يدومُ الجنونُ القديمُ
تصيرُ الحبيبةُ ورداً
وما بيننا يتلاشى ..
وما ..

ديرب نجم 3/3/1984

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:51 AM
*العيــــــــــــــــد(*)*
...............................

(1)
لا تطلبْ مني أنْ أطْرَبَ وأُغَنِّي بجميلِ الشِّعْرْ
في هذا العيدْ
فالحزْنُ شَـــــديدْ
آلامي تقْهرُ جبلّ الصَّبْرْ
هلْ قُضِيَ الأَمْرْ؟!

(2)
يا كمْ خَدعونا بالقوْلِ البرَّاقِ، بكلِّ غُثاءْ
حتّى صِرْنا هَدفاً لسهامِ الأعْداءْ
خَدعونا بالصِّورِ الشَّوْهاءْ
فجريْنا خلْفَ الأوهامِ الخادعةِ السَّوداءْ
حتَّى ضجَّتْ منَّا الأهْواءْ!!

(3)
آهٍ منْ فِتَنٍ ينْسِجها الغَشَّاشونَ بلا رحْمهْ
هلْ نحْنُ الأبناءُ البرَرَةُ في هذي العتْمهْ؟
هلْ نحنُ «الأُمَّهْ»؟!
منْ يكشفُ عنّا هذي الغُمَّهْ؟
منْ يمتلكُ العزْمةَ والوثْبةَ والهِمَّةْ؟

(4)
لا تطْلبْ منِّي شرْحاً فاللَّيْلُ قصيرْ
والحزنُ وفيرْ
وأنا .. مكْلومُ القلْبِ حسيرْ
لا تطلبْ منِّي أن أشْدو في هذا العيدِ بدُرِّ القوْلِ ..
فقلْبي .. مفْطورٌ .. وكسيرْ!
ــــــــــــ
(*)عن الشاعر الهندي المسلم العلامة شبلي النعماني، ترجمها عن الأردية د. سمير عبد الحميد إبراهيم.

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:52 AM
*حوار مع الحجــــــــاج(*)*
......................................

(إلى الحجاجين العرب، وما أكثرهم في عصرنا)

كهمسةِ شوْقٍ أنا
كنْتُ ضيْفاً لعامٍ بأرضِ العربْ
وجدْتُ ابنَ يوسفَ دوني
صرخْتُ بكلِّ الغَضبْ:
ـ أأنتَ هنا
وكيْفَ خرجتَ من القبِرِ؟
يا للعجبْ!!
فيا كمْ أغَرْتَ على المؤمنينَ
وأتْعبْتَ أهْلكَ دونَ سبَبْ!
***
تذكَّرْتُ أنَّ العفاريتَ تخرجُ منْ قبْوِها عندَ حرْقِ البخورْ
لتخطفَ منْ طبقاتِ السَّماءِ النسورْ
تذكَّرْتُ فيكَ وفاءَ العدوِّ الجَسُورْ
تذكَّرْتُكَ الآنَ يا شيْخَنا القَبَليَّ الغَيورْ!
(أكنتَ تُحطِّمُ ميراثَ نورْ
وتلْهو بصدْقِ الشَّهيدْ
وتقْطعُ منْهُ الوريدْ وتُقبرُهُ في سرورْ؟!
***
وقلتُ لهُ:
سأصْدقُكَ القولَ:
أنتَ أذى الروح،
قسوةُ قلبٍ يلَذُّ بمصِّ الدِّماءْ!
على صفْحةِ الرَّمْلِ قامَ،
تمَشَّى
وجبهتُهُ للسَّماءْ
وقالْ:
أنا صفْحةٌ قدْ طواها الزَّمانْ
فدعْ عنْكَ قولَكَ هذا .. دعِ الهذيانْ
فكمْ قيلَ عني حكايا، بطولِ العصورْ
أنا لسْتُ وحْدي الذي تبتغيهِ
تصبُّ عليْهِ سوافي اللعانْ
...
كثيرونَ غيْري
يروحونَ ..
يأُتونَ في كلِّ حينٍ وآنْ
عرايا من المُلْكِ والعرْشِ والصَّوْلجانْ
ولكنَّهمْ في ملاعبِ أهْلِ السياسةِ
ـ في قوةِ الغَدْرِ ـ لا يُهزمونْ
أضاعوا البِلادْ
وشَقُّوا صدورَ العِبادْ
إمامهمو في المواخيرِ يلهو ويرْفُثْ
وقدِّ يسُهمْ بالمواعيدِ يحنثْ
رأيْتُ بلادَهمو عُرْضَةً للمخاطرْ
وميْدانَ نَهْبٍ لشاطِرْ
***
وبعْد قليلٍ، أشاحَ بوجْهٍ حزينٍ
وقالَ: وَداعاً،
(وكنّا قُبيْلَ المساءِ)
فقلتُ: بعادكً لا، لنْ يكونْ
ولنْ تطْمسَ الريحُ أطْرافَ هذا اللقاءْ
سأحْلمُ ألْقاكَ ثانيةً في الحَضَرْ
فعادَ وقالَ كداهيةٍ:
قدْ يُطيرُ كلامي صوابَ الحكيمْ
لديْكمْ كثيرونَ في كلِّ قُطْرٍ
تُطرَّزُ أثوابُهمْ بالدِّماءْ
أصابكمو فعْلُهمْ بالشَّقاءْ
وهُمْ يدَّعونَ الفَخارْ
ويجْأَرُ منْ ظلمهمْ كلُّ حيّْ
وهمْ سادرونَ بغَيٍّ شَقِيّْ
ولا يأْبهونْ
كأنهمو في سِتارْ
وأفعالُهمْ هزَّتِ العرْشَ ـ يا حسْرتا ـ
عرْشَ ربِّ السماءْ!
وتسْألُ منْ أيْنَ هذا الدَّمارْ
وهذا البَلاءْ؟!!
ــــــــــــ
(*)عن الشاعر الباكستاني شورش كشميري (1917-1975م)، ترجمها عن الأردية د. سمير عبد الحميد إبراهيم.

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:53 AM
*مشاهد ليلية*
.....................

1-نار بعيدة:
هذي نارٌ، في الأفقِ بعيدهْ
تحرقُ ذاكرتكَ،
والأحرفُ في البِيدِ شهيدَهْ
لا أنهارَ قريبهْ
ليس هنا ينبوعْ
فانْس الأوراقَ، الأقلامَ، الأطيارْ
وانسَ القمرَ، الريحَ، الأشجارْ
وانسَ ـ الليلةَ ـ أحلاماً لمْ تُبصرْها
واكتبْ للأوجاعْ
مرثيةَ ربيعٍ ضاعْ
حاذرْ أن تتحرَّكَ في كُثبانِ الرملْ
فالويلَ .. الويْلْ !

2-سهرة مع أبي ذر:
الشرطي: لم تكذبْ ظني
هذا أنتَ فقيرٌ رثُّ الثوبْ
تمشي وحدكَ في الدربْ
لا يحرسُكَ رجالُ الشرطهْ
أبو ذر: ماذا تبغي منا يا سيِّدْ ؟
تمتلكونَ ضياعاً، سياراتٍ فارهةً
تحتكرونَ السؤددْ
يحكمُكم أكثرُ من خمسينَ رئبساً أو ملكاً
يا أمةَ أحمدْ !
هذا يُدعى الظاهرْ !
ذلك يُدعى القاهرْ !
والثالثُ يُدعى المعتصمُ الأوحدْ
والرابعُ يدعى ـ في المرقصِ ـ راعي الأمهْ
الشرطي: (لنفسه) معَ منْ تتحاورُ؟
مع "جندب" ؟

"جندبُ" ماتْ
"جندبُ" مدفونٌ في الرَّبَذَةِ منذُ قرونْ
أبو ذر: لنقلْ أنَّ الميِّتَ قدْ عادْ
الشرطي: ليُحاسبَ أحفادَهْ
عمّا اقترفوهُ منْ أهوالْ
في حقِّ السلطةِ والمالْ ؟!
إبو ذر: اسكُتْ يا هذا
إنكَ آخرُ منْ يعقِلْ
مغزى عودةِ "جندب"
"ستار"

3-تحكي فاطمة:
تحكي فاطمةُ مساءً:
كمْ عشتُ فصولاً في خضرةِ هذا الأفقِ، وفي ثبَجِ الماءِ، ظللْتُ أُغنِّي، ظلّت راياتي عندَ تخومِ الدارِ تُرفرفُ، هيا انتفضي يا أشجارَ الظماِ اليابسةَ بعيْنيْنا، تحملُني كفُّكِ للأعشابِ الرمليةِ، تُشرِقُ في فميَ البسمةُ، أخطو، أحملُ أحزاني، شغلتني الأنوارُ، وتلكَ الأمصارُ، أُضِيءُ الليلَ الحالكَ، أهتفُ: يا أسماءَ اللهِ أضيئي الكونَ ـ الغارقَ في الظلمةِ ـ بالإسلامِ، أعيدي الناسَ إلى الفِطرةِ، ولتسقُطُ أطيارُ الرُّعبِ على نافذةِ الصَّمتْ !

4-الميلاد:
هو اللهُ يكبرُ في عمقِ ذاتي، فأجفلُ
أينَ خيولي التي تتكفَّلُ بالرحلةِ القادمهْ ؟

(في صدرِها يمورُ حبي القديمْ
وقلبُها الرحيمْ ..
يُناوشُ الغيابَ، والمدى .. يُباركُ الميلادَ من جديدْ)

5-الوعد:
هي تحلمُ بي،
.. تحلمُ بالميلادِ الأكبرِ، تهربُ من ظلِّ المأساةِ الأولى، تحلمُ بالعصفورِ الأخضرِ .. يأتي ويُزقزقُ بين يديها، يخرجُ من وردِ "الأنفالِ"، فتلفحُهُ ـ في القيظِ ـ رياحُ الفتحِ .. يُزاوجُ بينَ الوردةِ والنايِ، ولا يخشى من يتجمّعُ في رجسِ الأحزابِ، الليلةَ نتقاسمُ وردتَنا ونُهاجِرُ في رهْطِ الصديقينَ إلى مطلعِ نورِكَ يا أحمدْ.
ديرب نجم 14/5/1983

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:53 AM
*أنتمي لصمتي*
........................

-1-
قدْ ترتدُّ إلى الخلفَ غصونُ الماءِ .. بعينيْكِ عبيرُ الريحِ العانسِ، وخطاكِ الصفراءُ بريقٌ للموتِ الكاسحِ، قالتْ لي صحفُ الأمسِ: بعينيْكَ مدًى، لا أملَ ولا إشراقَ، تعاليْ يا فاطمُ منْ برزخِ صمتِكِ وقميصِ الطاعةِ، وذيولِ الوقتْ !
*كوني ذكرى لفؤادٍ ينتظرُكِ
ـ هل تبقى في الليلِ حزيناً ؟
في لحظةِ ضجرِكَ هذا الشاحبِ تطلعُ منْ زَبَدِ الموجِ قُرنْفُلةُ البهجةِ وتُنادمُ حزنَكَ، قلبُكَ يرسمُ جرحاً ينزِفُ، صمتُكَ يرسُمُ مرثيةَ الأيامِ السوداءِ، يُثاقَفُ صمتُكَ أحزانَ الشعرِ، فتُصبحُ أيامي منفى، يا ابنَ الآفاقَ العبقةِ بالشعرِ وثوراتٍ … كيفَ تهبُّ العاصفةُ فلا تخلعُ نعليْكَ وترتدُّ إلى لغةِ القلبِ، تُفتشُ في أوراقِ سفينتِكَ الخضراءِ .. فلا تبصرُ في الليلِ المُطبِقِ إلا صوتَ الصمتْ.
-2-
زادَ اشتياقَكَ للطيـــورِ وللسَّنـا
شعرٌ تُغرِّدُهُ على استحيـــــاءِ
لا اللفظُ يُعطيكَ الضيـاءَ، ولا مدى
فيهَ الســلامةُ منْ قذى الشـعراءِ
وحبيبـتي خلفَ الفيـــافي فكرةٌ
وأنا البعيــدٌ أرومٌها .. بغبــائي
وقصيـــدتي بينَ المنافي وردةٌ
ضيَّعتُها في الليْلِ .. في الأهْــواءِ
-3-
*قالت صحفُ الأمسِ: القردةً تعبثُ في البيتْ
*قالت ذلك صحفُ السبتِ الصفراءُ / الخضراءُ / الحمراءْ
*فلماذا عشتَ تُغنِّي الدببةَ عمراً، تنصبُ في صمتِكَ مشنقةً للمأجورِ الأولِ، وتٌغنِّيهِ جهاراً ؟ (هذا رأسي يتأرجحُ في لحظةِ صدقٍ فوق مشانقهِ، تلك سطوري تتوضَّأٌ طُهراً في تفعيلاتِ صهيلِ الماءْ)
*فتعاليْ يا فاطمُ .. كمْ طاردَكِ الذئبُ جهاراً، وأنا أتلو: "كم تركوا من جناتٍ وعيونٍ"، والسهلً الأخضرُ في الدلتا يشهدُ .. كمْ أنَّتْ جدرانُ البيتِ صهيلاُ وحُداءْ ‍
وملائكةُ الرحمنِ تحوطُ الجمعَ الصاعدَ، والفرسانُ الشهداءُ يخبونَ .. صلاةً وضياءْ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

ديرب نجم 11/2/1982

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:54 AM
*الحمى*
............

1-لوحة مائية:
الوسادةُ هائمةٌ بأنوثتكِ الطّاغيهْ
وأنتِ تنامينَ ـ بينَ فصولِ الحرائقِ ـ مشغولةً
بدمقسِ الصَّدارِ
ورُعبِ الغبارِ
الأرانبُ في العشبِ مفتونةٌ
باستدارةِ صدرِكِ
دقَّةَ خصرِكْ
يا وردتي الذّاهلهْ !

2-الوسادة:
هذي الوسادةُ تنفُثُ الحُمّى .. عزيفَ الجنِّ
يا بدْري المحنَّطَ في سماءِ الرعشةِ المخنوقةِ الخلجاتِ
حولَ البئرِ
أسرِجْ خيلَكَ الأولى
ودعْ تعويذةَ الحنطيِّ فوقَ البابِ
ـ أينَ ذهبتَ ؟
ـ يا أماهُ .. لي زمنٌ من الأشواقِ، أحلُمُ
ـ لا يُراودُني سوى النائي .. من الأحلامِ والشعرِ
ـ وأغسلُ في الندى أحلامَكَ العبقاتِ
ـ تلكَ وليمةُ النجماتِ
ـ يا أُماهُ لي فَرَسٌ أُروِّضُهُ
ليعلِكَ خيبتي الخمسينَ
ـ أينَ صلاحُكِ الفتاكُ ؟
ـ في حطينَ
ـ دعْ نايي الذي لم يعلك الخيباتِ
دعْ نايي الذي لمْ يعزفِ الألحانَ
يا قلبي الذي داهنْتَ
يا قلبي المدجَّن في خريفِ العمرِ
مرثيتي وأحجاري
على أشلاءِ قيثاري
تُنادي منْ ـ هناكَ ـ يُدجِّنُ الآفاقَ
والأهواءَ
والإخفاقَ
في تعويذةِ السَّحْرِ
ـ هذي السماءُ ..
وتلك حمى الرُّوحِ ؟
ـ أين صلاحُ ؟
ـ هذا صوتُ حمى الروحِ يصرخُ في مغانيكِ السحيقةِ
ـ ربما فاضتْ عيونُ الجرحِ
هذي غضبةُ الأسلافِ باديةٌ
على القسماتِ تحرثُ أرضَنا
ـ هل تُنبِتُ الأبناءَ للثأْرِ ؟

3-تفاحة:
تفاحةٌ ما انتهى في مدِّها وطَنٌ
تهاوتِ العيسُ والدنيا تُخاصمُها
وكنتِ مفتتحي والبدءُ يرسمُني
حرفاً على متنِهِ تُغتالُ خارطتي
والليلُ والسُّفْنُ، يا للموْجِ .. يا لَدمي
بحرٌ من الشوقِ في صحرا من العَدَمِ !

4-لغة أخرى:
لماذا تُمطرُ الأطباقُ بالرّجفهْ ؟
وتُحرَثُ أرضٌكِ السَّبِخَهْ
وتُمطِرُ في ليالي الهُونِ أحجارا
وتُشعِلُ حولَكَ النارا ؟

5-حديث النساء:
سمعتُ النساءَ يقُلن لها: أنبتي السَّرْوَ في تلَّةٍ في القِفارْ
وحنجرتي موحِشَهْ !
أنا من تغنَّى كثيراً
لأٌفْقِ الغبارْ
وقطْرِ الندى الأسودِ
ليس لي منزلٌ غيرَ هذي الحِجارْ
فكيفَ تجيئينَ في مطلعِ الفجْرِ ..
كيْ تهدمي لي غَدي
فأجرَعُ حزني على مشْهَدي …

حروفُكَ في هدأةِ الليلِ تخلعُ أثوابَها
قطعةً قطعةً
وتكشفُ عنْ حزنِها المستحيلْ
وحزني الهزيلُ ..
يُعانقُ أفقَ جنونِكِ، يختبئُ الضوءُ تحتَ الغبارْ
فصبرٌ جميلْ
وتنكسِرُ العاصفهْ
"صلاحُ" يُحنَّطُ في متحفِ الشمعِ عندَ الغروبْ
وأنتَ ستُسفرُ عنْ خيبةٍ لا تؤوبْ
ستبحثُ في هدأةِ الليلِ عنْ حرفِها
(ملْصَقٌ بالسكوتِ النبيلْ)
ستبحثُ في آخرِ الليلِ عنْ نهدِها
(قطَّعتْهُ الأكاذيبُ عندَ الأصيلْ)
ستحضُنُ زوجتَكَ المرمريَّةَ دهرا
(وتحكي السوالفَ ..
لا تسمعُ الآنَ صوتَ الرياضِ / النخيلْ)

ديرب نجم 17/11/1983

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:55 AM
*الخروج من حدائق العلائي*
..........................................

1-الصوت:
فرِحٌ بحبيبي
أصرخُ:
كيفَ أتيتَ لهذي الصحراءِ ؟
(وهل حقا ما أُبصِرُ ؟)
ألمسُ صوتَكَ
وأُعانِقُ في حزنِكَ
قافيةَ النونِ المكسورةِ
(وحبيبي لا يسألُ عني
هل يحيا في جدثٍ مطموسٍ ؟)
والزينبُ لا تسألُ
"زينبُ كاللهبِ ..
فأبعدْ شعرَكَ عنْ قافيةْ النارِ"
حنيني يصعدُ
أهبطُ للمنْحدرِ
أدُقُّ على أبوابِ الغيْثِ الراحلِ
والهاطلِ
تخرجُ لي
سيظلُّ حبيبي أخضرَ
سيظلُّ حبيبي أجملُ
يورقُ بالشعرِ وبالكرْمِ ..

حبيبي يصعدُ
لمْ تكنِ امرأةٌ أُخرى
بل كانتْ غوثاً وغياثاً
هذي الزينبْ !

في الشمسِ (سيُصبِحُ يأْسي كرَجاءٍ)
أغمُرُها برحيقِ القلبِ
(وترحلُ)
أحملُ صندوقاً خرباً فوقَ الظهرِ
(أتخشى أن تفقِدَ شيئاً
من بين حنايا الصدرِ ؟)
أُكلِّمُ نفسي
"كالبحرِ هو الحبُّ
وأنت كما أنت تخافُ البحرَ
وعيناكَ مغمَّضتانْ

2-الصدى:
"موحشٌ ذلك الظلامُ فيــالي
من تهاويلَ وحدتي وخيالي
قذَفَ الليلُ رعبَهُ في ضَميري
عن يميـني مخاوفٌ وشمالي"
تحلُمُ ..
وأنا أمشي خلفَ "الزينبْ"
أترنَّحُ
من وقعِ الموجةِ

رجلاي تسوخانِ ..
بأرضٍ سبِخَهْ!

العصايد 12/6/1974

د. حسين علي محمد
23/12/2007, 09:56 AM
*سيناريو الحفل الأخير*
..................................

وجهك يبسمُ لي
ويُشعُّ بضوءِ الحبِّ الأخضرِ
نفترقُ
وندخلُ تلكَ القاعةَ
أرتجفُ من البرْدِ
الضوءُ الساطعُ يأتي من كلِّ جهاتِ المسرحِ
أقفُ أمام الميكروفون:
سيوفُ فوقَ الرقبةِ
(أينَ المهربُ؟)
أصرُخُ
تهتزُّ الحلبةُ
يرتجفُ الناسُ
وينفصلُ الكفُّ عن المقبضِ
ورقابُ الصحبِ أراها
تجأرُ قدَّامي بالصوتِ الهادرِ:
قلْ، أتحفنا بالشعرِ
-أنا لا أقدرُ
هذا زمنُ البتْرِ
وقلبي فوقَ الكفِّ
وأهتفُ من أعماقي:
أظمأُ للحبِّ
فأينَ مياهُكِ يا نهْري؟
(أصلُ إليكِ وأنتظرُكِ شمساً)
قالوا: تهذي
قلتُ: سيوفٌ فوقَ الرقبةِ
قالوا: قاتلْ، ناضِلْ!
قلتُ: فإني أخشى من نهرس يأسنُ فيهِ الماءُ
فقالوا: تُبعث ثانيةً لوْ متَّ
فقلتُ: وإني مازلتُ أُعاني من موتي الأولِ ؟
قالوا: غَنِّ
(انطلقتْ أحزاني شلاّلاً
واختلطتْ كلماتي)
أهتفُ:
أيتها الريحُ الليليَّةُ
عودي
كيْ أدخلَ داركِ
قالوا: الظلمةُ كابيةٌ
قلتُ: فأينَ شموسٌ أعرفُها ؟
تقتلعُ جذوراً يبَّسها الخوفُ ؟
فقالوا: في جيبِ المعطفِ
ضحكوا: (صدري مفتوحُ للريحِ
ودِفْءُ الحضنِ يُحاورُني)
ـ ماذا يحملُ حضنُ حبيبتكَ الخضراءِ ؟
(صَمَتُّ)
أجابوا: باقة وردٍ، وحديثاً بكراً مختوماً
(أتلفتُ إذ أُبصرُكِ الليلةَ تأتينَ
وتلتفتُ الأعناقُ إليكِ
تضِجُّ القاعةُ بالتصفيقِ
وتأتينَ إليَّ
نغنِّي
نرقُصُ
ويُحوِّطُنا الناسُ !
وأُغمِضُ عينيَّ
فكمْ ذُبتُ حنيناً للصدرِ الطفلِ
وللصوتِ الفضَّهْ)
قلتُ: أقولُ القصًّهْ
والأصواتُ الفظَّةُ في القاعةِ (تهدِرُ): نحفظُها !
قلتُ: فإني أختمُها
(وابتسموا)
يا كمْ عانيْتُ ـ وحيداً ـ في طرقِ الصمتِ
غيابُكِ يذبحُني
والآنَ أتيْتِ
ابتهجتْ أيامي، لنْ أتركَكَ
فقدْ عانقَني صوتُكِ
(.. ولماذا ينفضُّ الجمعُ،
لماذا يبعدُ ظلُّكِ وأصيرُ وحيداً ؟

في عينيكِ القمرُ وحيدُ
وغريبٌ قلبي
في هذي المدنِ المكتظَّةِ باللحمِ البشريّْ !)

الزقازيق 19/10/1982

(انتهى الديوان بحمد الله)