المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فنجان قهوة



طارق شفيق حقي
18/11/2007, 11:15 AM
فنجان قهوة



-1-






أخذت رائحة القهوة تعبق في أرجاء الغرفة ممتزجة مع شكل نباتات الزينة التي تسلقت على القصب الأصفر بعد أن رشت بالماء فأضاف إلى شكلها الجميل حيوية الماء حيث كانت القطرات تنقط من الأوراق تنقيطاً خلاباً.


دخلت أم حسان حاملة القهوة لضيفتها سوسن وتابعتا حديثهما الذي انقطع فترة إعداد القهوة,قالت سوسن: أيحدث هذا كثيراً لزوجك , هزت أم حسان رأسها بتؤدة وأجابت: نعم وأكثر من ذلك , يا لهذه العادة التي ضقت ذرعاً بها ,اسمعي هذه القصة التي حدثت معه حين كان يتابع أعماله في فرنسا فقد كان ذاهباً إلى مدينة ( تولوز) في القطار, وتعرفين يا سوسن القطارات هناك سريعة وفاخرة , كان قد حجز في مقصورة لاثنين , وحالما دخل المقصورة ,جلس مقابلاً لرجل كان يلبس معطفاً ,ويلف وجهه بوشاح, ويضع قبعة على رأسه ,ويحمل عصاً بيده مخفياً عينيه وراء نظارة سوداء فتح زوجي صحيفته وبدأ يتلذذ كعادته بقراءة إحدى القصص بالرغم من أن لغته ليس قوية جداً لكنه يتفاخر دائماً حين يرطن بكلمات فرنسية لا أعرف معناها , وبدأت عيناه تتابعان الكلمات إلى أن لفت انتباهه خبر عنون بخبر هام ,لقد فر صباح اليوم مجرم خطير عرف بحياة إجرامية طويلة ,وقد كان يقضي عقوبة الحبس مدى الحياة إثر قتله لثلاثة عمال ورميهم في جبلة الإسمنت, وهو رجل ضخم الجثة عريض الكتفين يخفي ملامحه بارتدائه معطفاً طويلاً وقبعة كبيرة....


ارتعدت أوصال أبو حسان وشدت أصابعه على الجريدة حين تذكر أوصاف شريكه في المقصورة ,فأنزل الجريدة قليلاً ورفعها سريعاً يا إلهي إنها نفس الأوصاف أيكون هو ؟ ...ما هذا المأزق الذي وقعت فيه , إنه ذو المعطف الأسود والقبعة السوداء, ولا بد أن يخفي أسلحة تحت هذا المعطف ولا يتوانى أن يغرقني في دمائي قبل أن أنبس ببت شفة ,فهو سفاح فار من عقوبة السجن مدى الحياة , أخذ وجه حسان يصفر ويحمر والعرق يقطر من أنفه , بينما عيناه تتابعان قراءة الخبر وقد اشتهر السفاح بأنه يقضي على ضحاياه بأساليب غاية في الإتقان فهو يصنع أسلحة خاصة به ... عضت أسنان أبو حسان على شفتيه وشدت أصابعه على الجريدة أكثر وتفكيره يتخبط من هذا المآزق الذي وقع فيه ... فألقى نظرة خاطفة .. ياله من سفاح ذكي إنه يخفض رأسه كي لا يشعرني بأي شيء ...ماذا سأفعل قد يأخذني رهينة وفي النهاية يقتلني ويرميني في النهر ,هكذا تكون النهاية في الأفلام الأجنبية... وهذه العصا التي يحملها لعلها من مبتكراته فلربما يضع فيها أداة حادة مشربة بالسم القاتل, أو مسدساً خاصاً يموه به الآخرين...ماذا أفعل...ما الذي جاء بي إلى هنا إنها بلاد خطرة ولا يأمن الواحد على نفسه حتى ولو كان في غرفة مؤصدة بألف قفل وقفل... حسناً سأتابع القراءة فلربما أنسي نفسي بها , رشفت أم حسان رشفة قهوة مغمضة عينيها بطريقة أرستقراطية وهي تضع رجلاً على رجل وتابعت حديثها بثقة.



-2-




وحين توقف القطار في محطة تولوز وقف الرجل الضخم وأخذ يضرب بالعصا أمامه يميناً ويساراً مستدلاً على طريقه بها ... أنزل أبو حسان الجريدة وجحظ بعينيه حين شاهد الرجل يستدل على الطريق بعصاه... وبعد أو وصل إلى الباب قفل راجعاً ,وجلس في مكانه مرة أخرى... لم يتمالك أبو حسان نفسه وشهق شهقة كبيرة أتبعها بسلسة من الضحكات المبتورة , أمسك نفسه بعدها وهو يضع يده على فمه من طرافة الموقف السخيف الذي وضع نفسه فيه جراء وساوس صغيرة لا أصل لها ,وقال في نفسه من أجل أعمى ... كم أنا غبي...نظر إلى الأعمى أمامه ,وحرك يده أمام وجهه ثم حرك يده الأخرى ,وهو يبتسم ابتسامة عارمة بعد ذلك الضغط النفسي الذي حل به , ثم جعل يده على شكل مسدس, وأخذ يؤشر إلى رأس الرجل ويبتسم ابتسامات كبيرة مفرغاً تلك الشحنات ,ويجعل يده الثانية على شكل مسدس يقربها من وجه الأعمى الذي لم يتحرك قيد أنملة, ويهز يده كأنه يطلق الرصاص ثم ينفخ في فوهة مسدسه.


-3-




وفجأة دخل ثلاثة من الشرطة الفرنسية وقبضوا على ذلك الأعمى الذي حاول التملص فلم يستطع ,وبعد أن جرده الشرطي الثالث من الأسلحة التي كانت تحت معطفه وأخذ العصا منه خلع النظارة عن وجهه وقال له : أتحسب نفسك تخدعنا بهذا الأسلوب أيها السفاح, وحالما خرج الشرطة من المقصورة متأبطين ذراعي السفاح نظر أبو حسان المصعوق إلى يده التي كانت على شكل مسدس وانقلب مغمياً عليه.
ضحكت سوسن وقد أنزلت فنجانها إثر بقائه بقرب شفتها دون أن ترشف منه شيئاً حيث كانت تترقب الكلمات من شفتي أم حسان بشغف واضح وتابعت أم حسان حديثها بعد أن حركت فنجان القهوة وقلبته على رأسه.



-4-




تخيلي يا سوسن لقد فاته أن ينزل في ( تولوز) ووصل إلى مدينة ( بوردو) بسبب خياله الذي قاده إلى هذه الأفكار حين كان يقرأ قصة قصيرة بعنوان السفاح...ماذا أفعل معه على هذه العادة يا سوسن لا أدري.
وبعد أن أنهت الصديقتان قراءة فنجان القهوة خرجت سوسن مودعة صديقتها العزيزة مستغربة كل الاستغراب من عادة أبو حسان وما إن وصلت إلى رأس الشارع حتى توقفت أمامها سيارة أجرة , نزل منها أبو حسان
ألقت عليه التحية وقالت: وما أخبار فرنسا والسفاحين يا أبا حسان؟



-5-




قطب أبو حسان حاجبيه وتمتم: فرنسا ... السفاحين ... ثم هز رأسه وقال: لن تترك زوجتي عادتها أبداً !!؟




حلب 17/8/1999
طارق شفيق حقي

ريمه عبد الإله الخاني
19/11/2007, 05:50 PM
فيها طعم التحدي والفرح
دمت مبدعا

بنت الشهباء
19/11/2007, 07:54 PM
ما أجمل فنجان القهوة مع أم حسان وصديقتها سوسن
يا أخي طارق !!...
لا أكتم عليك بأنني قرأت بشغف قصة هذا السفاح الذي تكلمت عنه سوسن , وكيف كان حال زوجها في فرنسا معه وهو يتبع خطواته وحركاته خوفا منه ...
وقد أعجبتني جدا خاتمة القصة وأنت تصور لنا حال الزوج مع صديقة زوجته أم حسان التي هي أيضا لم تتركه في حاله حينما سألته كيف حال السفاحين في فرنسا ...
وهذا يوحي إلينا أنك تريد من خلال قصتك الجميلة هذه أن الزوجة هي من عائلة أرستقراطية وتأبى إلا أنت تظهر هذا لصديقتها من خلال حديثها عن زوجها , وطريقة شربها لفنجان القهوة ....وأيضا أوحت لي قصتك بأنك تهدف إلى ثرثرة النسوان أثناء تواجدهن مع بعضهم البعض بأحاديث لا تسمن ولا تغني من جوع ...
وما أعتقد أنهن سواسية في هذا !!!....
أعجبني الحوار القصصي الشيق , وطريقة سرده , وحبكته في النهاية
وتمنى أن نقرأ لك الكثير يا أخي طارق
سلم الله يراعاك وبارك بك

طارق شفيق حقي
19/11/2007, 08:06 PM
فيها طعم التحدي والفرح
دمت مبدعا


أشكرك مرورك العبق

طارق شفيق حقي
19/11/2007, 08:09 PM
ما أجمل فنجان القهوة مع أم حسان وصديقتها سوسن

يا أخي طارق !!...
لا أكتم عليك بأنني قرأت بشغف قصة هذا السفاح الذي تكلمت عنه سوسن , وكيف كان حال زوجها في فرنسا معه وهو يتبع خطواته وحركاته خوفا منه ...
وقد أعجبتني جدا خاتمة القصة وأنت تصور لنا حال الزوج مع صديقة زوجته أم حسان التي هي أيضا لم تتركه في حاله حينما سألته كيف حال السفاحين في فرنسا ...
وهذا يوحي إلينا أنك تريد من خلال قصتك الجميلة هذه أن الزوجة هي من عائلة أرستقراطية وتأبى إلا أنت تظهر هذا لصديقتها من خلال حديثها عن زوجها , وطريقة شربها لفنجان القهوة ....وأيضا أوحت لي قصتك بأنك تهدف إلى ثرثرة النسوان أثناء تواجدهن مع بعضهم البعض بأحاديث لا تسمن ولا تغني من جوع ...
وما أعتقد أنهن سواسية في هذا !!!....
أعجبني الحوار القصصي الشيق , وطريقة سرده , وحبكته في النهاية
وتمنى أن نقرأ لك الكثير يا أخي طارق

سلم الله يراعاك وبارك بك



سلام الله عليك أختنا بنت الشهباء
هذه القصة كانت ضائعة مني ولقتيها منذ مدة مع مجموعة من القصص

أشعرني ردك بجميل تفاعلك مع القصة


لكن أرى أن نهاية القصة غير ما ذكرتي
راجعي النهاية

قطب أبو حسان حاجبيه وتمتم: فرنسا ... السفاحين ... ثم هز رأسه وقال: لن تترك زوجتي عادتها أبداً !!؟

نهي رجب محمد
26/11/2007, 04:52 AM
المفارقة غير اعتيادية مقدمة بوجهين:

-وجه توهمي توصل إليه أبو حسان من وصف الجريدة وانطباقها علي الجالس معه في المقصورة
-وجه يقيني عرفه عندما قبضت الشرطة علي السفاح وأخرجت سلاحه واكتشفت خدعة النظارات
كلا الوجهين يقودنا لهذه المفارقة الجيدة فننتقل بين الشك واليقين أكثر ونعيش تجربة انتظار الحقيفة واكتشافها مرات وهذه الطريقة تعطي مساحة أكبر للشخصية لتفرد حوارها النفسي بجلاء


لي تساؤل:
هلي قصد القاص الاهتمام ببناء الشخصيات ومتابعة سلوكها الخارجي والداخلي علي حساب تقليص دور شخصية المكان وتفاعله ليس كمجرد خلفية باهتة ولكن كعنصر مهم في البناء السردي
لماذا كانت الأماكن غربية بالاسم فقط مجرد أسماء واشارة إلي قراءته بلغة فرنسية ضعيفة -علي حسب تعبير زوجته المتعالي ؟
وتقبلوا الشكر
سهيلة

طارق شفيق حقي
16/12/2007, 05:36 PM
المفارقة غير اعتيادية مقدمة بوجهين:



-وجه توهمي توصل إليه أبو حسان من وصف الجريدة وانطباقها علي الجالس معه في المقصورة
-وجه يقيني عرفه عندما قبضت الشرطة علي السفاح وأخرجت سلاحه واكتشفت خدعة النظارات
كلا الوجهين يقودنا لهذه المفارقة الجيدة فننتقل بين الشك واليقين أكثر ونعيش تجربة انتظار الحقيفة واكتشافها مرات وهذه الطريقة تعطي مساحة أكبر للشخصية لتفرد حوارها النفسي بجلاء



لي تساؤل:
هلي قصد القاص الاهتمام ببناء الشخصيات ومتابعة سلوكها الخارجي والداخلي علي حساب تقليص دور شخصية المكان وتفاعله ليس كمجرد خلفية باهتة ولكن كعنصر مهم في البناء السردي
لماذا كانت الأماكن غربية بالاسم فقط مجرد أسماء واشارة إلي قراءته بلغة فرنسية ضعيفة -علي حسب تعبير زوجته المتعالي ؟
وتقبلوا الشكر

سهيلة



أشكرك كل الشكر أختي سهيلة

واعتذر لأني والله بالصدفة رأيت الرد هنا وأنا أقوم ببعض الصيانة


القصة كتبت في تاريخ 1999

وحالياً لا أتذكر غير أني كنت قد ولعت بهذه التقانة الجميلة

الفلاشات المتكررة
وهي بالفعل جميلة
وكنت قد أضعت هذه القصة
وقرأتها وأعجبت بها
ورأيت القدرة في العبث بأحداث بسيطة
وخلق قصة متنامية
ومن ثم نشرتها هنا

لكن أحد الأساتذة للأسف ثبطني وقتها بشكل غير مبرر

وبعدها توجهت لقبلة أخرى في النقد , ومن ثم الكتابة

القصة كما هي بين يديك ولك أن تقولي فيها ما شئت
حياك الله دائماً

محمد زين
25/12/2007, 10:37 PM
شكرا اخ طارق
تص جميل
ممتع

نهي رجب محمد
26/12/2007, 05:42 AM
]شكرا مرورك أستاذ طارق حقي حياك الله
نهي رجب محمد

نهي رجب محمد
26/12/2007, 05:44 AM
كل عام وكل أهل المربد بخير ومبارك للفائزين في المسابقة وتحيا جمهورية الأدب
نهي رجب محمد
(سهيلة)





0

ابو مريم
06/01/2008, 10:43 PM
فنجان قهوة



-1-






أخذت رائحة القهوة تعبق في أرجاء الغرفة ممتزجة مع شكل نباتات الزينة التي تسلقت على القصب الأصفر بعد أن رشت بالماء فأضاف إلى شكلها الجميل حيوية الماء حيث كانت القطرات تنقط من الأوراق تنقيطاً خلاباً.


دخلت أم حسان حاملة القهوة لضيفتها سوسن وتابعتا حديثهما الذي انقطع فترة إعداد القهوة,قالت سوسن: أيحدث هذا كثيراً لزوجك , هزت أم حسان رأسها بتؤدة وأجابت: نعم وأكثر من ذلك , يا لهذه العادة التي ضقت ذرعاً بها ,اسمعي هذه القصة التي حدثت معه حين كان يتابع أعماله في فرنسا فقد كان ذاهباً إلى مدينة ( تولوز) في القطار, وتعرفين يا سوسن القطارات هناك سريعة وفاخرة , كان قد حجز في مقصورة لاثنين , وحالما دخل المقصورة ,جلس مقابلاً لرجل كان يلبس معطفاً ,ويلف وجهه بوشاح, ويضع قبعة على رأسه ,ويحمل عصاً بيده مخفياً عينيه وراء نظارة سوداء فتح زوجي صحيفته وبدأ يتلذذ كعادته بقراءة إحدى القصص بالرغم من أن لغته ليس قوية جداً لكنه يتفاخر دائماً حين يرطن بكلمات فرنسية لا أعرف معناها , وبدأت عيناه تتابعان الكلمات إلى أن لفت انتباهه خبر عنون بخبر هام ,لقد فر صباح اليوم مجرم خطير عرف بحياة إجرامية طويلة ,وقد كان يقضي عقوبة الحبس مدى الحياة إثر قتله لثلاثة عمال ورميهم في جبلة الإسمنت, وهو رجل ضخم الجثة عريض الكتفين يخفي ملامحه بارتدائه معطفاً طويلاً وقبعة كبيرة....


ارتعدت أوصال أبو حسان وشدت أصابعه على الجريدة حين تذكر أوصاف شريكه في المقصورة ,فأنزل الجريدة قليلاً ورفعها سريعاً يا إلهي إنها نفس الأوصاف أيكون هو ؟ ...ما هذا المأزق الذي وقعت فيه , إنه ذو المعطف الأسود والقبعة السوداء, ولا بد أن يخفي أسلحة تحت هذا المعطف ولا يتوانى أن يغرقني في دمائي قبل أن أنبس ببت شفة ,فهو سفاح فار من عقوبة السجن مدى الحياة , أخذ وجه حسان يصفر ويحمر والعرق يقطر من أنفه , بينما عيناه تتابعان قراءة الخبر وقد اشتهر السفاح بأنه يقضي على ضحاياه بأساليب غاية في الإتقان فهو يصنع أسلحة خاصة به ... عضت أسنان أبو حسان على شفتيه وشدت أصابعه على الجريدة أكثر وتفكيره يتخبط من هذا المآزق الذي وقع فيه ... فألقى نظرة خاطفة .. ياله من سفاح ذكي إنه يخفض رأسه كي لا يشعرني بأي شيء ...ماذا سأفعل قد يأخذني رهينة وفي النهاية يقتلني ويرميني في النهر ,هكذا تكون النهاية في الأفلام الأجنبية... وهذه العصا التي يحملها لعلها من مبتكراته فلربما يضع فيها أداة حادة مشربة بالسم القاتل, أو مسدساً خاصاً يموه به الآخرين...ماذا أفعل...ما الذي جاء بي إلى هنا إنها بلاد خطرة ولا يأمن الواحد على نفسه حتى ولو كان في غرفة مؤصدة بألف قفل وقفل... حسناً سأتابع القراءة فلربما أنسي نفسي بها , رشفت أم حسان رشفة قهوة مغمضة عينيها بطريقة أرستقراطية وهي تضع رجلاً على رجل وتابعت حديثها بثقة.



-2-




وحين توقف القطار في محطة تولوز وقف الرجل الضخم وأخذ يضرب بالعصا أمامه يميناً ويساراً مستدلاً على طريقه بها ... أنزل أبو حسان الجريدة وجحظ بعينيه حين شاهد الرجل يستدل على الطريق بعصاه... وبعد أو وصل إلى الباب قفل راجعاً ,وجلس في مكانه مرة أخرى... لم يتمالك أبو حسان نفسه وشهق شهقة كبيرة أتبعها بسلسة من الضحكات المبتورة , أمسك نفسه بعدها وهو يضع يده على فمه من طرافة الموقف السخيف الذي وضع نفسه فيه جراء وساوس صغيرة لا أصل لها ,وقال في نفسه من أجل أعمى ... كم أنا غبي...نظر إلى الأعمى أمامه ,وحرك يده أمام وجهه ثم حرك يده الأخرى ,وهو يبتسم ابتسامة عارمة بعد ذلك الضغط النفسي الذي حل به , ثم جعل يده على شكل مسدس, وأخذ يؤشر إلى رأس الرجل ويبتسم ابتسامات كبيرة مفرغاً تلك الشحنات ,ويجعل يده الثانية على شكل مسدس يقربها من وجه الأعمى الذي لم يتحرك قيد أنملة, ويهز يده كأنه يطلق الرصاص ثم ينفخ في فوهة مسدسه.


-3-




وفجأة دخل ثلاثة من الشرطة الفرنسية وقبضوا على ذلك الأعمى الذي حاول التملص فلم يستطع ,وبعد أن جرده الشرطي الثالث من الأسلحة التي كانت تحت معطفه وأخذ العصا منه خلع النظارة عن وجهه وقال له : أتحسب نفسك تخدعنا بهذا الأسلوب أيها السفاح, وحالما خرج الشرطة من المقصورة متأبطين ذراعي السفاح نظر أبو حسان المصعوق إلى يده التي كانت على شكل مسدس وانقلب مغمياً عليه.
ضحكت سوسن وقد أنزلت فنجانها إثر بقائه بقرب شفتها دون أن ترشف منه شيئاً حيث كانت تترقب الكلمات من شفتي أم حسان بشغف واضح وتابعت أم حسان حديثها بعد أن حركت فنجان القهوة وقلبته على رأسه.



-4-




تخيلي يا سوسن لقد فاته أن ينزل في ( تولوز) ووصل إلى مدينة ( بوردو) بسبب خياله الذي قاده إلى هذه الأفكار حين كان يقرأ قصة قصيرة بعنوان السفاح...ماذا أفعل معه على هذه العادة يا سوسن لا أدري.
وبعد أن أنهت الصديقتان قراءة فنجان القهوة خرجت سوسن مودعة صديقتها العزيزة مستغربة كل الاستغراب من عادة أبو حسان وما إن وصلت إلى رأس الشارع حتى توقفت أمامها سيارة أجرة , نزل منها أبو حسان
ألقت عليه التحية وقالت: وما أخبار فرنسا والسفاحين يا أبا حسان؟



-5-




قطب أبو حسان حاجبيه وتمتم: فرنسا ... السفاحين ... ثم هز رأسه وقال: لن تترك زوجتي عادتها أبداً !!؟




حلب 17/8/1999
طارق شفيق حقي

قصة جميلة لها نكهتها تتناول الحكي وتبادل الحديث الممتع والشيق ، والذي يوقفك عن رشف
قهوتك من دون أن تشعر ....تقنيات قليل من يكتسبها ...
مسامرة تناولت مغامرة أبي حسان في فرنسا مع السفاحين ..وإن كان ذلك لا يعجب بطلنا....
عقلتنا أستاذ طارق بعقالك الحسي وبطريقتك المتميزة الغنية بالتصوير والتشويق والسلاسة..بوركت أخي وسنظل دائما ننتظر جديدك...
أبومريم....

نهي رجب محمد
09/01/2008, 03:39 AM
شكرا لتوضيحك معلومات عن تاريخ كتابة القصة كلما نجرب كل الأنماط ونحاول دمت مبدعا مزيد من التجدد
نهي رجب محمد
ريشة المطر