المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تكريم



البشير الأزمي
03/12/2007, 06:56 AM
نهضت اليوم، مبكراً، على غير عادتك، بل قل إنك قضيت ليلة بيضاء..لم تر فيها عيناك النوم..غازلك طوال الليل، كلما هممت باللحاق به، ابتعد عنك..ألقيت عن جسدك الغطاء، قدمت رجلك اليمنى تيمناً.. و أنت تستحضر نصيحة المرحوم الذي كان ينصحك بذلك معللاً أن تقديم الرجل اليمنى فأل محمود..استعنت بالعصا الممدودة إلى جانب السرير.. توضأت.. صليت صلاة الصبح..تناولت وجبة الفطور التي هيأتها لك زوجتك ورفيقك رحلتك قبل حين.
جلست في الغرفة المجاورة و عيناك ترقب عقارب الساعة وهي تلاحق بعضها البعض.. توكلت على الله و خرجت من المنزل، عبرت الزقاق، استقليت الحافلة التي تقلك كالعادة إلى مقر عملك.. صعدت السلم الضيق، و تصاعدَتْ مع كل درجة دقات قلبك المتعب، تحاشيت الاستعانة بمقبض السلم لكثرة الأوساخ المتراكمة عليه...أخرجت منديلاً من جيب سروالك، و مسحت يدك اليسرى، التي استعنت بها لصعود الدرج، من أثر الأدران التي بقيت عالقة بها، أعدت المنديل إلى جيب سروالك..عدلت ربطة العنق التي استعرتها للمناسبة و تقدمت من الباب. وجدته مفتوحاً على مصراعيه..لأول مرة تجده مفتوحاً، كنت بالأمس أول الوافدين..
استقبلوك استقبالاً حاراً يليق بالمناسبة؛ مناسبة تكريمك.. فاليوم آخر عهد لك بالعمل.. زُيِّنَت القاعة المخصصة للاجتماعات خصيصاً للمناسبة؛ للاحتفاء بك.. أو كما قُلْتَ في نفسك و لنفسك للتخلص منك..لم تعد الإدارة بحاجة لخدماتك، كنت رقماً أُسقط من جدول العمليات الحسابية لِيُعَوَّضَ قريباً برقم آخر.. عانقك الجميع..دعاك المدير العام لتجلس إلى جانبه، هو الذي نهرك من قبل عندما وجدك أمامه و أنت تهم بالدخول للمصعد، مشيراً أنه غير مسموح لأمثالك باستعماله، صعدت يومئذ السلم و أنت تبتلع مرارة الاحتقار.. أشادوا بأخلاقك و انضباطك و تضحياتك.. شدوا على يديك بحرارة، أحسست ببرودتها لأنك تعلم، في عمقك، أنها تحية نفاق اجتماعي.. اقتربت منك النسوان و الفتيات و قبلنك على خديك، سلمت لهن خديك و أنت تتذكر اشمئزازهن و ابتعادهن منك، كُنَّ كلما دخلت مكاتبهن، فَتَحْنَ النوافذ و استعنَّ بسبابتهن و إبهامهن في محاولة لوضع سد بين أنفهن و الرائحة التي ادعين أنها تصدر من جسمك .. طلب المدير العام من الجميع التفضل بالجلوس.. ظل هو واقفاُ منتظراَ أن يعم الصمت القاعة.. أخرج ورقة من جيب بدلته، وضع نظارات طبية على أرنبة أنفه، جال بنظره حول أرجاء القاعة كأستاذ يتفقد الحضور و الغياب في فصل دراسي لتلاميذ مشاغبين، و أطلق العنان للسانه في كلمة طويلة فهمت أنها تضمنت اسمك و كلاماً شعرياً لم تدرك معناه، و آية قرآنية تشيد بالتضحية في العمل و الفراق و الإخلاص و.. و.. و..وقف الجميع و صفقوا طويلاً و بحرارة، أحسست ببرودتها و أحسست في عمق و قرارة نفسك أنها محاولة نفاق شاخصة..
قدم لك المدير العام ، نيابة عن الجميع هدية تذكارية مصحف قرآن و ساعة جدارية.. غادر الجميع القاعة و تركوك مع جواز المرور إلى عالم النسيان.. سرت ارتعاشة في جسدك و ندت حبات عرق باردة من جبينك رسمت أخدوداً على صفحة خدك و التقت بدمعة..
خرجت إلى الشارع قصدت متجراً لبيع الهدايا عرضت عليه الساعة الجدارية، قبضت الثمن الهزيل الذي اقترحه عليك.. اشتريت به نصف كيلوغرام لحماً وخبزاً وبطيخةً.. و اتجهت صوب الأفواه التي تنظر في المنزل..


تطوان 02 /12/2007

ريمه عبد الإله الخاني
12/12/2007, 10:14 AM
قصه رائعه بكل المقاييس
تقديري لقلمك

نهي رجب محمد
14/12/2007, 06:50 PM
شكرا لهذا الراوي الفضولي المتحدث بضميرالغائب المتحكم تماما في السرد والعالم بكل شيء عن الشخصية داخلها وخارجها سر أزمتها معرفتهه حقيقة هذا الزيف الاجتماعي المقنع خلف تكريم مصطنع
الشخصية بالغة الثراء والرمزية والواقعية نراها في كل محال للتقاعد نفس الشعور بالتحول إلي رقم مهمل
شكرا لتللك الصور التي نحتت باللغة هذه المشاعر الغاضبة المكبوته داخل هذا الموظف الأب
كسرت المفارقة المتوقع بدلا من اعتزاز هذا الرجل بالهدية باعها واشتري بها مايلزم عائلته


شكر شكرا
نهي رحب محمد
(سهيلة)

فيصل محمد الزوايدي
18/12/2007, 02:35 PM
أخي البشير الازمي .. هذا هو ما يقع فعلا .. مجاملات و مشاعر زائفة .. المؤلم ادراك الموظف لتلك الحقيقة و هو ما تجلى خاصة في التخلي عن الهدية لانها بلا قيمة
دمت متالقا
مع الود