المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهوية و الحلم....



محمد القصبي
27/11/2007, 08:10 PM
سافرت خلال عطلتها الربيعية و حيدة الى قريتها..انها الزيارة الثانية لها بعد وفاة امها.. لم تجد بدا من عيادة ابيها المريض..لقد انهكه المرض العضال .. اذ اجمع الاطباء انه لم يعد في جبتهم غير انتظار رحمة الله به ..افكار تمر عبر شاشة راسها كمر الصور عبر نافذة القطار..الرحلة ستستغرق ساعات ..لا بد لها ان تنام حتى تستقوى على قطع الطريق المنجورة في تعاريج الجبل تلتوي المساري و الشعاب الى حيث الكوخ الذي انعمت فيه بالبراءة البدوية تنشئة و اسلوبا في الحياة.. لم ينفعها المبدأ الاصيل حينما ارتمت بين احضان المدينة بثقافتها المعقدة المتضاربة ... سلطة الضعف و الحاجة .... تعب فكري بلغ منها مبلغ وطءا..
استرخت ..اطبقت جفنيها ...تنشد السلام الداخلي من اجل توازن نفسي ..اخيرا غفت الفتاة ..تعب كلها الحياة.. تعب كلها الحياة...
خلال غفوتها لم تشعر ان يدا خفية اندست الى حقيبتها اليدوية فنهبت ما بداخلها من نقود... كم هو لذيذ النوم على ازيز السكة ...و اصوات المسافرين تتناهى مما يزيد في قوة الخدر...
احلام وردية جيشت بمصير السفر ذكرياتها بامها و بالمقاطع الحياتية التي نقشت بينهما كمواقف لها مسحة الحلول لشخصيتين متكاملتين ...نطق اللاشعور...و فجر في عمقها لغة الكبث و الحرمان... فرأت فيما يراه النائم ان امها تناديها من فوق الجبل تمد اليها يديها محاولة جذبها اليها و الفتاة موغلة رجليها في وحل متحرك يبتلعها تتحسس نفسها تصرخ صراخا هيستيريا تنشد امها العون و المساعدة ...بعد فترة وجيزة اخذت النسور تتحلق فوق رؤوسها بينما الغربان قد حطت قربها تتدافع فيما بينها في اقتراب الى الفتاة..اخذت تغوص رويدا رويدا الى ان وصل الوحل عند مستوى انفها..عندئذ هبت مستيقظة مرعبة من حلمها المزعج ثم طفقت تتحسس ذراعيها..و حمدت الله على انها وحدها داخل المقصورة فانتبهت ان الشيخ الذي كان جالسا قبالتها قد نزل في محطة ربما سابقة ..لم تنتبه اليها بتاثير الكرى الذي اثقل جفنيها ثم اردفت القول مفتوحا على تساؤلات عن ذلك الشيخ المريب الغريب الذي قد يخبئ تحت اطماره حقيقة مؤلمة تجسد معاناة الانسان في ارذل العمر ...تجاهلت امره باسناد راسها على زجاج النافذة تريد استدعاء النوم مرة اخرى في هذه الاثناء انتبهت على دقات المراقب يطلب التذاكر للكشف عن صحتها مدت يدها الى حقيبتها فاصطدمت بالحقيقة التي مفادها كون الشيخ الهرم بسبحته و عمامته الشرقية انما هو لص خبيث ماكر ..لم تنبس ببنت شفة و راح المراقب يطالبها بالتذكرة ملحا... ساعتذاك و للمحافظة على ماء وجهها ناولته هاتفها النقال بعد ان جردت منه بطاقة المشاركة.. وحكت له قصة ضياع النقود و التذكرة معا فتسمرت عينا المراقب على هذا العرض المغري ... هاتف طراز جودته مميزة في السوق لنذرته و قلة الاقبال على شرائه لان مثل هذا النوع لا يقتنيه الا الخواص ممن يمتلكون القدرة على رفس النعمة جحودا بفعل الثراء الفاحش الذي يعنون حضاريتهم المادية.. امتنع المراقب عن المقايضة بل آثر كتابة شيء ما على تذكرة جددها مجانا فشكرته على حسن الصنيع مع وعده برد الدين باحسن منه .....في هذه اللحظة وصل القطار محطتها النهائية نزلت و قد انحدرت صوب اتجاهها المعلوم ..تحث الخطى سريعة ..وحيدة في قفر موحش ...لا انس لها غير الشمس الايلة كي تعلن سقوطها فيما وراء الافق... لا تزال تسري ..تلتوي مع المنحدرات ...و تشق الصعود في المنعرجات.. الى ان وصلت في كبد الليل كوخ ابيها الكل مستيقظ الاب لعله يحتظر.. اخوتها الصغار يتحلقون حوله ...زوجة ابيه في الغرفة المقابلة تسامر ابن عمها الذي لم تكف عيناه على سرقة النظرات اليها وهي تضم رأس ابيها الى صدرها..
تفرس الاب وجه بكرته و شرع بصوته الخافت المتقطع حشرجة يتضرع اليها بدمع مكفكف..اياك ..اياك اخوتك ايتها البارة.. لا ارض و لا رصيد ..لا ذكر ..و لا تقاعد قد اتركه لكم سندا تغالبون به فوارس الزمن غير هذه الدار التي رهنتها من اجل تغطية تكاليفالدواء و مصاريف العلاج طمعا في عمر جديد ..تتجدد معه الحياة الحياة لكن هيهات هيهات... ..
طمانته ابنته متمنية له الشفاء العاجل ..و رغم مرضه و كبره في السن كان يمني نفسه الشفاء لكي ينتقم لنفسه من الزوجة الشابة التي جرحت كرامته و اغرقت كاهله في مديونية سيتحمل عبئها خلفه الخاص من بعده ....عم سكون الغرفة.. في هذه اللحظة دخلت الزوجة الصغيرة عليهم مطالبة اياه موحية لابنته قصد الطلب..حيث ان البيت يخلو من زيت..دقيق.و...و.....غادرت المسكينة بعد استئذان ابيها الى غرفة جدتها العجوز التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر فما ان اطلت عليها حتى سألتها عن قطعة الشوكولاطة لكن الحفيدة كانت ذكية في تصريف طلبها رغم ملحاحيتها فطلبت منها ان تفسر لها الحلم الذي رأته خلال سفرها ساعتذاك انتفخت اوداج العجوز غضبا و صاحت حنقا...لم كنت تطعميننا من كد ثديك ....لم كنت تطعميننا من كد ثديك...لم ..لم....وقد غرقت في دمعها الذي يخنق اداة الاستفهام...لم......لم ...اطعمتي.....ننا.....من كد ثديك......




محمد القصبي
الكفاف/اخريبكة