المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم الحداثة عند تيودور أدورنو



طارق شفيق حقي
22/06/2005, 11:34 PM
قرات مقالة فاحببت أن أنقلها

مفهوم الحداثة عند تيودور أدورنو - الحداثة مرة أخري.. التنافر بدل الهارموني - عدنان المبارك
في علم الأدب الألماني تبدأ الحداثة ببودلير، ورائد تحليلها النظري كان فردريك شليغل. إلا أن أفكار شليغل كانت قد ارتبطت بالتعارض الثنائي آنذاك أي بين الكلاسيكية وما سمّي بـ(المودرن الرومانسي) مما يصعّب، بلا شك، مسألة اعتبار فكر شليغل بالحداثي. اضافة الي ذلك فالرومانسية هي عصر مضي، والفن الذي بادر به بودلير لم يصل، كما يبدو للكثيرين، نهاية إمكانياته بعد. وفي الواقع كان بودلير يأخذ في تأملاته وتمحيصاته النظرية بذلك المفهوم الذي كان شاتوبريان أول من أخذ به في عام 1849 وكان قد أسماه، بالفعل، (لا مودرنيت). وفق بودلير يكون ما يمّيز الحداثة هو الوقتية والاستمرارية في حين أن ضد الفرضية يكون هنا كل ما هو خالد.. ولابد من الإشارة الي أن هذه المواجهة الثنائية هي محض صدي، لكنه قوي، لجدلية الرومانسية: الزمن ضد الخلود. ووجد تيودور أدورنو (1903 ــ 1969) في بودلير (البشارة) للحداثة. وفي الحقيقة كان قد اقتفي هنا أثر فالتر بنيامين الذي أراد إظهار أي شيء يعتمد الأهمية الفائقة لبودلير الذي اعتبره (أول من تعرّف، بصورة صحيحة، علي قوة الخلق التي أصابت الإنسان بالاغتراب الذاتي). كذلك وجد أدورنو حداثة بودلير في خلقه تلك الصور للجحيم، فـ(العتبة النوعية للحداثة في الفن تتميز بأن حياة الأعمال الفنية أخذت تتغذي علي الموت). بعبارة أخري وجد أدورنو أن ميسم الدمار قد وسم هذه الحداثة. كذلك يحذو أدورنو حذو بنيامين الذي ربط الحداثة بالموت لكن البطولي، فعلي الحداثة أن تقف تحت شعار الإنتحار الذي لايعني الإنخذال بل الهوي البطولي.. ومعلوم أن الإنتحار كان يعني البطولة في زمن بودلير.
الحداثة ومجتمع منتجي السلع
من تنظيرات بنيامين الأخري عثوره في الرومانسية علي نزعات(التخلي والتضحية) في حين أن الحداثة هي (عاطفة تصميم)، ولكنه في أعماله الأخيرة تقبل بنيامين الحضارة الحديثة التي تخلق (طبيعتها) الخاصة ووسائلها التعبيرية التي وجد من خواصها القدرة علي تكرار الإنتاج(أي عملية التكاثر في الطبيعة). كذلك نلقي شبيها بهذا الحكم لدي أدورنو الذي يجد صلة لاتنفصم بين الحداثة ومجتمع منتجي السلع. بعبارة أخري يري أن ولادة الحداثة قد إرتبطت ببداية عملية تحوّل السلع الي فتيشات. ويحصل، برأيه، هذا الشيء لأن الحداثة هي سلعة في أكثر من بعد واحد. وليس من المستبعد أن أدورنو أراد القول إن الأعمال الفنية ليست هي سلع تخضع في النهاية لقانون السوق بل إن العمل الفني يسعي بطبيعته الي أن يفصم الصلة بالمجتمع المنتج للسلع ولكنه من جهة اخري يحمل لامحالة أثرا من آثار هذا المجتمع بالرغم من دخوله معه في حالة مواجهة وتحد. إلا أن هذه الحداثة ليست بسلعة تماما ولسبب بسيط: إنها لا ترّغب أحدا في شرائها، فهي تنشط عامدة لكي تحرم نفسها من الجاذبية التي بدونها تكسد كل سلعة.. ويري أدورنو أن الفن الحديث (بالطبع يقصد بالفن شتي أنواع الخلق وليس التشكيل وحده كما هو شائع في كتاباتنا) يتشبّه بكل ما هو راهن وساخن وإغترابي أيضا. إنه لايخاطب من خلال رفض كل ما هوأخرس بل بفضل هذه المحاكاة (ميميسيس)، ومن هنا عدم تسامحه أزاء كل أنواع البراءة.. بهذه الصورة يقف هذا الفن ضد مبدأ التبادل السلعي من جهة، ومن جهة أخري ضد القيمة العملية (النفعية) حين يرفض توفير المتعة للمتلقي. إلا أن هذه كلها إستقراءات ليست بالدقيقة، فلكل فن جانبه السلعي وخضوعه لمبدأ التبادل السوقي.
أما الصفة الأخري للحداثة فهي متطلبات الجدة. كذلك لا ينتبه أدورنو، هنا، الي رابطة أخري بين الفن والسلعة. فالجدة في الإنتاج من أجل السوق مطلوبة لأكبر درجة، بالرغم من أن السلعة القديمة لاتختلف كثيراعن الجديدة في غالب الأحيان. أكيد أن الفنان مرغم علي الأخذ بمنجزات عصره في شتي الميادين وبضمنها الموضة.. وهنا لايختلف أدورنو مع الباقين إلا بالتفسير. يكتب مثلا في مؤلفه المعروف (أحوال التنافر. الموسيقي في عالم مدار) بأن (من يستمع الي بيتهوفن ولا يلاحظ تحرر البوروجوازية والسعي الي تركيب حالة التفرد، والي مندلسون ولا يجد عنده الخصخصة المخذولة للفاعل البورجوازي الذي كان لغاية وقت غير بعيد منتصرا لدي فاغنر أي جبروت الأمبريالية والإحساس بالكارثة التي تهدد الطبقة التي لا تري أمامها أي شيء عدا القدرية المحدودة للتوسع، ومن لايشعر بهذا كله ليس هو فقط أخصّائيا متحجر الفكر يتعرف علي الواقع الذي إلتحمت فيه الموسيقي العظيمة وتجاوبت معه، بل هو من يبقي أصّما أزاء معني هذا كله ومن يختصر الموسيقي الي لعب أشكال صوتية فارغة). ونقرأ أيضا: (بين الموسيقي والمجتمع تتوسط عمليات تقنية تكسب ملموسيتها فيها العقلانية الآخذة بالتقدم. ومن قوي الإنتاج الإجتماعية تأخذ الموسيقي محفزاتها التي هي ليست في الحقيقة محفزاتها الخاصة ولكنها علي اتفاق معها). وقارئ أدورنو لايعثر في أيّ من كتاباته علي التحديد الدقيق لمفهوم قوي الإنتاج الإجتماعية.. وكل ما نستطيع قوله هنا إن أدورنو يلاحظ التأثير (وهو بالطبع غير مباشر) الذي تلقيه العمليات الإجتماعية علي العمل الفني. وكما ذكرنا تبدأ الحداثة، لدي ادورنو، ببو وبودلير أي في عصر الرأسمالية النامية وتستمر لغاية اليوم أي أنه يفسر كامل هذه الحقبة كحقبة إشتداد الإغتراب الإجتماعي والإستعباد المتزايد للجموع.

إقتراب من ماركس وابتعاد أيضا..
إن الحاجة الي الجدة أو الحداثة يربطها أدورنو بمفهوم القوي المنتجة. والعمل الفني قد يكون حديثا إذا إنتهل من كل ما هو جديد. ويفسر أدورنو دينامية الجدة بفقدان التقاليد(التراث) وإنعدام الوعي بها وليس تحت ضغط الإعتبارات الفنية ــ التقنية. ففي المجتمع (النموذج التطبيقي للحضارة التقنية المعاصرة) الذي هو في جوهره غير مرتبط بالتقاليد تكون التقاليد الأستيتيكية موضع الشك مسبقا. ومرجعية الجديد هي مرجعية مالايمكن تجنبه تأريخيا. وما يقصده أدورنو بهذه المرجعية هو التشكيك المبدأي بقيم التقاليد. فهي ليست اليوم حجة ولامحكا لحقيقية أي فعل من أفعال الفن أوغيرها. وبهذه الصورة تتحدد مهمة الطليعة، أيّ طليعة، وهي إزاحة عوارض الطريق، جميع العوارض. وفي الواقع لاتنحصر المشكلة هنا في أن التقاليد لاتقتصرعلي رفض أيّ جدة بل في كونها تخنق الماضي أيضا. فهي تختصر ما نشأ آنذاك الي وجود موميائي دائم. كذلك يقول أدرنو إن هذه التقليدية تنسي بأن جميع أعمال الفن كانت ذات جدة يوما ما وفي أحيان عديدة كانت تقف في موقع مواجهة التقاليد. وقد يكون ممكنا أن نلخص موقف أدورنو من التقاليد بهذه الجملة: إن الإرتباط بالتقاليد يتم عبر موقف سلبي واع تجاهها.
يجد أدورنو شان الكثيرين من مفكري مدرسة فرانكفورت الذين إختاروا، ومن بين ما إختاروا، أفكار ماركس نفسه منطلقا لهم أن علي الفن الإلتصاق بالقضايا التي تنهك الحضارة المعاصرة و(إلا تحوّل الفن الي نوع من البربرية). بالطبع يتكلم أدورنو طويلا عن كيفية الإلتصاق التي لاتستثني النزوع التجريبي في الفن.إلا أنه يؤكد علي الطابع المميّز للتجربة في الفن والتي هي مغايرة لما يجري في العلم مثلا. وهنا يعارض ادورنو افكار بريخت القائل بأن العلماء والفنانين علي حد سواء يتحملون المسؤولية عن عواقب تجاربهم وإكتشافاتهم ونظرياتهم. فأدورنو لا يحمّل نيتشه ولا الموسيقي الطلائعي شينبيرغ ولا الفيزيائي أوبينهايمر وغيرهم من الكبار بأنهم عملوا علي (لا أنسنة) الحضارة المعاصرة.
يجد أدورنو أنه من غير الممكن ممارسة التجريب بدون إستخدام فكرة (التشييد)، وهي بالطبع فكرة إيجابية.. فشرط التجربة هو التنظيم الواعي للمنطلقات إضافة الي عامل الفضول فيما يخص النتائج المحتملة للتجربة. ويقول إن هذا التنظيم هو تشييد، والمقصودهو التجربة التي لاتعرف نتائجها. ويكتب أن مفهوم التشييد والذي هو أحد المفاهيم الأساسية للحداثة قد فرض دائما أولوية أعمال الخلق البناءة علي التخيّل الذاتوي. والتشييد يتطلب، وفق ادورنو، حلولا ليس بقدرة المخيلة أن تمسكها بالصورة المباشرة وبكل حدّتها ووضوحها لا بالعين ولا الأذن. وبهذه الصورة تنشأ نوعية جديدة، فالفنان أدرك بأن التكنولوجيا التي حرّرها قد حرمته من السلطة أيضا وهذه الحالة، أي اللاسلطة، أصبحت برنامجا له.. ويقول أدورنو إن الموسيقي الحديثة والفنون التشكيلية والأدب تجد نفسها عند حافة ما يمكن تسميته فنا، وبعد أن جعلت من الصدفة أو الحادثة أحد العناصر الأساسية لهياكلها. وهوأ مر واضح بأن ما يحصل ليس هوعاقبة النزوع صوب اللافن وكما يوحي أدورنو، بل عاقبة البحث عن وظيفة جديدة في مجتمع اليوم. فهذه الفنون فقدت مواقعها القديمة ولمصلحة أخري (سلطوية) مثل الإذاعة والفلم والتلفزيون وما يسمي بالفنون الصناعية.

التنافر بدل الهارموني
يجد أدورنو أن من العلامات البارزة للحداثة هو مبدأ التنافر أو التعارض (النشاز) الذي يمنح، كما يقول، العمل الفني من الداخل ما تسميه السوسيولوجيا السوقية بالإغتراب الإجتماعي. فالهارموني لدي ادورنو محض وهم بل تزييف للواقع الجوهري. وهذا الهارموني قد افلس منذ زمن بودلير الذي عبد الظلمات ، فهذه، كما يعلن، تجذب وكضد الفرضية للواجهة الخادعة والحسيّة، واجهة الثقافة، و(النشاز) يثير متعة أكبر من تلك التي يثيرها الهارموني، وهو أيضا(يسمح بتسوية الحساب مع الهيدونية). وفي الواقع يسحب أدورنو، وهو ليس مخطئا بالطبع، أفكاره ومفاهيمه المكرسة للموسيقي الحديثة علي كامل الظاهرة الفنية. كذلك كان هو القائل بأن مسعي الفن الحديث هو فصم التبعية عن السلطة الشمولية والقهر. فهذا الفن هو النقيض لذلك العالم الذي (يحدث فيه بصورة أبدية الشيء نفسه)..و الميزة الأخري التي عثر أدورنو عليها في الفن الحديث هي تخليه عن مظاهر التطور الكاذبة. ففي الحداثة هناك مسعي أساسي: الفن الذي لا يعير وزنا للفصل بين الثبات والدينامية. ويضرب مثلا علي ذلك بأدب بيكيت الذي رأي مهمته هي في التحرك في فضاء صغير لكنه غير منته.. في نقطة لا أبعاد لها. وبهذه الصورة يحمل الفن الحديث في جوفه بذرة التناقض في هذا الموقع أيضا: الدينامية تتوجه في النهاية صوب الثبات.. ومن كل هذا ينتج أيضا عدم توقع أين تنتهي الحداثة وفق مفهوم أدورنو. أكيد أن الكلام عن نهاية الحداثة سيكون ممكنا إذا هبط الأمل بحلول نهاية عالم السلع والإغتراب والعبث واللامعقول. وفي الواقع تبلغ نظرية أدورنو ذروتها في مفهومه عن العبث الذي وجده الشكل الفني الوحيد القادر بالأسلوب المناسب علي التعبير عن تشتت العالم وتفسّخه. ومعلوم أن أدورنو كان القائل بأنه بعد الصدمة التي أعدّها هتلر للعالم والتي تمثلت بمعسكرات الموت وغيرها من (رقصات الموت) يصعب البحث عن معني في التأريخ.
وهكذا يجد أدورنو أن الفن غير قادر علي تجنب المواجهة مع أزمة المعني الذي كف عن أن يكون كلمة فارغة منذ أن أخذت تخيّم علي العالم أخطارمميتة كالحرب الذرية وغيرها. واليوم لامفر من الأخذ بنهج العبث، فالهوية المعقولةالوحيدة للأعمال الفنية هي (عدم إنسياقها لمفهوم المعني) ولكن هذا لايعني أن علي الفن أن يقدّم هذه الأزمة كما لو أن اللامعني أصبح معني إيجابيا جديدا( وشبّهت هذه الحالة بدعوة سكنة الجحيم بأن يشعروا كما لو أنهم في بيتهم..). ومسرح العبث، مثلا، لا تقتصر مهمته علي الجهر بأن أي معني ليس قائما بل(تكمن روعة مسرحيات بيكيت في أنها حين تقدّم اللامعني تتوقف في منطقة (الشبيه بالمعني)). بعبارة أخرة وجد أدورنو المعني في اللامعني.. والمظهر الكاذب للمعني يخلق ما يسمي بالتنظيم الغائي(التيليوجي: كل شيء في الطبيعة يتحرك صوب غاية. أرسطو) للمعاني التي يحويها العمل الفني. والأمثلة هنا توّفرها أعمال كافكا وبيكيت. فأبطالهما يجهدون لتحقيق هدفهم وإضفاء المعني علي أفعالهم الا أن النتيجة هي اللاشيء الذي ينعته أدورنو ب(الإيجابي) ولأن هذا العدم قد سلخ عنه تماما المضمون.. وفي كتابه المعروف (ديالكتيك التنوير) يري أن عبثية الوضع حيث يتفاقم قهر النظام، وهو موّجه ضد الناس في كل خطوة تحرّرهم من قهر الطبيعة، تشي بعقل مثل هذا المجتمع الرشيد كشيء بائد. وفي مقالته من عام 1961 عن مسرحية بيكيت (النهاية) يجد أن هذه المسرحية هي صيغة من الصيغ الممكنة لمجري التأريخ ونهايته. ففي المسرحية إختفت الطبيعة، كمناويء تقليدي للتأريخ، تماما. ولم يبق هناك من شيء سوي أفعال الإنسان ونتائجها. ولدي بيكيت يفقد الوجود بعده الميتافيزيقي ويصبح نماءا حيوانيا حرم من كل معني، وتقلص الي شيء ما هو تجريدي أفرغ من كل نوعية. وإذا كانت هناك نوعية أنثولوجية غير محددة فهي قد سيقت الي حالة العبث، وكما يقول أدورنو: تعود الأنثولوجيا الي البيت كأصل باثولوجي لحياة مزيفة. وبهذه الصورة تكون (الفكرة الهادية) عند ادورنو هي لزوم مواجهة عالم زائف بسلاح العبث. وهذه المواجهة تحدث، بالطبع، في ميدان الفن أيضا.الا أن أدورنو في أعماله الاخيرة كان يميل الي إعتبارالعبث صفة جوهرية لكل فن.

الفلسفة هي فهم اللامفهوم وليس الإيضاح
ما يثير الإهتمام لدي هذا المفكر الألماني نظرته المتميزة لمهام الفلسفة أيضا. ففي مقالة له يكتب: إن مهمة الفلسفة ليست بالضبط إيضاح ما هو غير مفهوم بل فهم اللامفهوم. وهذا يعود الي الطبيعة الدائمة للشيء نفسه، ولهذا السبب لاغيره بمكنة فلسفة الفن أن لا تتخذ موقف الدحض لذلك الشيء. والسؤال عن المفهوم يكتسب حدّة بالغة فيما يخص النتاج الفني الراهن. إن هذه المرتبة تدعو الي أن يكون في العمل الفني شيء قابل للفهم موضوعيا، وإذا لم نرد أن نجعل من الفهم مسألة داخلية للجهة الفاعلة فنحن نحكم عليها بالنسبية. ولكن إذا كان علي العمل الفني أن يعبّر عن المغلق علي الفهم، فهو يشتت في داخله ما هو مفهوم. حينها تتعرض للإنكسار كامل مراتبية الفهم التقليدية ومن ثم يأخذ مكانها التأمل المكرس لطبيعة الفن الغامضة. ولكن مايسمي بأدب اللامعقول (وفي هذا المفهوم الجمعي تحشر المضامين التي تتباين أصنافها لدرجة أن النفع الوحيد من مثل هذا المفهوم يكون عدم فهم ذلك التفاهم الذي حصل سريعا للغاية) يشهد علي أن مفاهيما مثل الفهم والمعني والمحتوي الفكري هي غير متساوية في الأهمية. إن غياب المعني يصبح مقصد العمل الفني، وفي الأخير ليس هذا المقصد حازما بصورة متساوية دائما. مثلا في (وحيد القرن) لأيونسكو يحصل، بالرغم من التحولات التي تنقض التفكير السليم أي تحوّل الناس الي وحيدي القرن، التأكيد الواضح لحد كاف علي شيء من المحتمل أنه قد سمّي قديما بالفكرة : مقاومة الثغاء في القطيع أي المقاومة أمام الوعي النمطي والتي يقدرعلي إبدائها وليس الأفراد المتكيفون بصورة ناجعة مع الـ(أنا) العاملة بل بالأحري الآخرون الذين لا يلحقون تماما بالعقلانية ذات الحضور الشامل والصائبة. إن مسعي العبث الراديكالي ينتج بالتأكيد من الحاجة الي صوغ اللامعني الميتافيزيقي في لغة الفن المتخلية عن المعني، رغم موقف سارتر الذي تعبّر لديه تلك التجربة الميتافيزيقية عن نفسها في عمل تأليفي بالغ المباشرة والذاتوية. كذلك يري أدورنو أن المضمون الميتافيزيقي السلبي عند بيكيت يؤثر علي صوغ المادة الأدبية. ولكن هذا لا يعني بأن علي الناتج أن يكون غير مفهوم. والخالق يبرهن علي نفوره من إيضاح الرموز المزعومة، في البقاء مخلصا للتقليد الذي سبق أن نبذه في مكان آخر.. وبين المضمون الميتافيزيقي السلبي للعمل الفني ومضمونه الفني تنشأ علاقة معينة ليست هي، رغم كل شيء ،علاقة التطابق. وبهذه الصورة تتحقق نبؤة أدورنو، لكن ليس تماما، بأنه في عصر وسائل الإيصال الجماعي إنصّل عن الفن (سحره) وإنمحت خصائصه التي كانت قد حددت، تقليديا، جوهره. وكسلعة ومادة للإستهلاك الجماعي فقد الفن صفاته المميزة وبذلك تجرّد عن إبهاميته ولغزيته القديمة..
إنه اليوم لايملك إلا إحالة واحدة فقط: الإحالة الي نفسه. لقد نبذ التجاوزية بل فقد (أستاذيته). وأدورنو، مثل الكثيرين من مفكري زمننا، كان يصعب عليه تجاهل الخيار الجديد الذي إنتصب أمام الفن: إما الدخول في متاهة اللا فن وإما المضي أبعد فأبعد في متاهة ثانية، متاهة الإنغلاقية وإستثناء تلك العلاقة ذات التأريخ الطويل: العلاقة مع المتلقي..

جريدة (الزمان) العدد 1402 التاريخ 2003 - 1 - 10

ابو العربي
23/06/2005, 10:17 AM
السلام عليكم ياطارق
بدايه انا لم افهم شيئا :oops: للاسف الشديد و لكن مجهود طيب يستحق الشكر ابو العربي
و السلام عليكم و رحمه الله و بركاته

طارق شفيق حقي
23/06/2005, 08:59 PM
السلام عليكم ياطارق
بدايه انا لم افهم شيئا :oops: للاسف الشديد و لكن مجهود طيب يستحق الشكر ابو العربي
و السلام عليكم و رحمه الله و بركاته

مثل هذه المقالات ولو كانت تحمل مصطلحات للمختصين لكنها تحمل حشوا كثيرا خاصة انها تنحو منحى المترجمات

لكن عليك أن تاخذ ما يفيدك منها ربما تسفيد من كل هذه المقالة سطر أو اثنين يكفيك مؤنة البحث

تحياتي