يوسف الباز بلغيث
24/11/2007, 09:50 AM
أقصوصة :
خطـأ فـِي العُنوانْ... !
... بضعُ خطواتٍ من عتبة بابِ القسم..
أشارَ المتحاملُ على نفسه بيمناه متذمّرًا :
- " هو هناك مشغولٌ فيما أظنّ بكتابةِ الشعر..كعادته.. !"..
هكذا صرّح المديرُ للشاعر معلّقا على سخافةِ مَنْ أوصلَ له الشّكاية َ غيرةً و نكاية ً فيه.
آخرُ دعوةٍ وُجّهتْ لهُ ، كانتْ كضربةٍ قاضيةٍ لهذا المكابر المغرور ..ثمَّ كيفَ لا يقيّمه أحدٌ وهو ذو نفوذ و سطوة ..
في جلسةٍ مع المدير قبلَ أيّام ، أبدَى نيّتَه في أنْ يشتغلَ بالشّعر..فالقنواتُ و الجوائزُ و المسابقاتُ أصبحتْ على " القفا ".. ومَنْ سيُعلّق على إفرازاته المتناثرة ..هنا و هناك.. في غمرةِ كوْمَاتِ الرّماد .. !
...و جاءتْ لحظةُ الحسْم..المناسبةُ " يومُ العلم " ..الكلّ منتظرٌ – في غيابِ صاحبنا – الشاعرَ المتفتّقَ الجديدَ..
جاء متحلـِّيًا بزيٍّ لمْ يكنْ قياسَه .. وما كانَ كذلك..و بدأتْ الحفلة..
كانتْ مقدمة ُخطبتِهِ العصماءَ مؤخـّرةَ أسْوءِ تعبير ٍمبتذلٍ.. لأغبى تلميذٍ بالمدرسة..
و بدأ الجميعُ في التحمْحُم..تغيّرتِ الأساريرُ..كثـُرَ الصّفيرُ و الضّحكُ ..
رفع يده – وهي ممسكة بوردة حمراء جميلة ..كان قد قطفها حديثا من الرّوضة العمومية المجاورة – قاطعا الهرجَ.. بقوله : ".. عزمتُ على أنْ أشارككم الفرحة بقصيدةٍ ..عنوانها " خطأ في العنوان " ..كتبتها البارحة َ..
و بدأ اللكلكة ، و الجمعُ ينظر إلى بعضه.. مُتمَاوجًا بين الدّهشةِ و الاستهزاء ، حتى أفرغ ما في جعبته من أدخنة ، و ما إنْ نزل حتى تقدّم إليه أغبى تلميذٍ عنده - بدأتْ علاماتُ الفطنة عليه لحظتها - بسؤالِهِ البريء :
- " سيدي .. ! لماذا كان الناسُ يضحكون ..؟ هل قلتَ نكتة .. ! "..
الغبطة التي ملكته بادئ الأمر..صارتْ قوسَ قزح.. و ذهبتْ أدراجَ الرّياح ِ..
.. وقد تفطـّنتْ لهذا الموقف فراسة ُطفل ٍصغير ٍ..لفّ ماﭐنطبعَ في نفوس الآخرين تجاهَه ..وفي هذا اليوم الأغر.. !
تأسّف زمنا.. ثمّ ردّدَ متحسّرا في نفسه :
- " لِمَ أتحاملُ على أمْر ٍلا فضلَ لي عليه..و لا شرفَ لي فيه .. !؟ "
..كان مغفلا يحسبُ أنّ حبَّ الناس و الوقوفَ على رؤوس ِقلوبهمْ.. بالوقاحةِ أوْ باقتحام ِأذواقهمْ دونَ أيِّ أدبٍ..هو منتهى ما يجري من سخافةٍ..بينما فهمُ الإنسان لنفسه وﭐحترامه لها - و لو كان أبسط مخلوق ٍعلى وجه الأرض -هو منتهى الحبّ و الرّقيّ..ثمّ ﭐستدركَ الأمرَ..صعدَ المنصّة دونَ إذنِ المنشّط ..أخذ منه "الميكرفون" وبكلّ شجاعةٍ صرّح بما يلي :
- " في الحقيقةِ أردتُ أنْ أختبرَ ذوقـَكُمْ..و لكنّي فوجئتُ بقولةِ تلميذي..الغبيِّ الذكيِّ،الذي نزعَ القناعَ عن كلّ المحاولاتِ لأنْ ننتحلَ أدوارَ بعضنا البعض ، حتى نبدوَ أفضلَ..فالجميلُ أنْ نقلّد و نحاكيَ الجميلَ ، و الأجملَ منه أنْ نبقى على سجيّتنا ..و لا حرجَ في أن نبديَ إعجابنا بمَنْ هو أكفأ و أفضلُ منّا ..!
.. أنا آسفٌ جدا ..و أستسمح الجميع في أنْ أغادرَ الحفلة بشرفْ..! "
صمتَ الحضورُ لحظاتٍ..ثم انطلقتْ التصفيقاتِ مُعبّرةً عن حال الرّضى..ممّا كانَ سيكونُ مُراوغة ًفاشلة ًبائسة..
و تعلّم الأطفالُ حينها عِبَرًا و نصائحَ جمَّة ً ، إمتزجتْ بالأناشيد الرّقيقة و المسرحية الهادفة..و قرّرَ المفتّشُ أنْ يكونَ محورَ الندواتِ القادمةِ مثلَ هذه المواقف الجليلة التي تزيدُ أبناءَنا نضجًا و صلاحَا..
الجزائر : 22/11/2007
خطـأ فـِي العُنوانْ... !
... بضعُ خطواتٍ من عتبة بابِ القسم..
أشارَ المتحاملُ على نفسه بيمناه متذمّرًا :
- " هو هناك مشغولٌ فيما أظنّ بكتابةِ الشعر..كعادته.. !"..
هكذا صرّح المديرُ للشاعر معلّقا على سخافةِ مَنْ أوصلَ له الشّكاية َ غيرةً و نكاية ً فيه.
آخرُ دعوةٍ وُجّهتْ لهُ ، كانتْ كضربةٍ قاضيةٍ لهذا المكابر المغرور ..ثمَّ كيفَ لا يقيّمه أحدٌ وهو ذو نفوذ و سطوة ..
في جلسةٍ مع المدير قبلَ أيّام ، أبدَى نيّتَه في أنْ يشتغلَ بالشّعر..فالقنواتُ و الجوائزُ و المسابقاتُ أصبحتْ على " القفا ".. ومَنْ سيُعلّق على إفرازاته المتناثرة ..هنا و هناك.. في غمرةِ كوْمَاتِ الرّماد .. !
...و جاءتْ لحظةُ الحسْم..المناسبةُ " يومُ العلم " ..الكلّ منتظرٌ – في غيابِ صاحبنا – الشاعرَ المتفتّقَ الجديدَ..
جاء متحلـِّيًا بزيٍّ لمْ يكنْ قياسَه .. وما كانَ كذلك..و بدأتْ الحفلة..
كانتْ مقدمة ُخطبتِهِ العصماءَ مؤخـّرةَ أسْوءِ تعبير ٍمبتذلٍ.. لأغبى تلميذٍ بالمدرسة..
و بدأ الجميعُ في التحمْحُم..تغيّرتِ الأساريرُ..كثـُرَ الصّفيرُ و الضّحكُ ..
رفع يده – وهي ممسكة بوردة حمراء جميلة ..كان قد قطفها حديثا من الرّوضة العمومية المجاورة – قاطعا الهرجَ.. بقوله : ".. عزمتُ على أنْ أشارككم الفرحة بقصيدةٍ ..عنوانها " خطأ في العنوان " ..كتبتها البارحة َ..
و بدأ اللكلكة ، و الجمعُ ينظر إلى بعضه.. مُتمَاوجًا بين الدّهشةِ و الاستهزاء ، حتى أفرغ ما في جعبته من أدخنة ، و ما إنْ نزل حتى تقدّم إليه أغبى تلميذٍ عنده - بدأتْ علاماتُ الفطنة عليه لحظتها - بسؤالِهِ البريء :
- " سيدي .. ! لماذا كان الناسُ يضحكون ..؟ هل قلتَ نكتة .. ! "..
الغبطة التي ملكته بادئ الأمر..صارتْ قوسَ قزح.. و ذهبتْ أدراجَ الرّياح ِ..
.. وقد تفطـّنتْ لهذا الموقف فراسة ُطفل ٍصغير ٍ..لفّ ماﭐنطبعَ في نفوس الآخرين تجاهَه ..وفي هذا اليوم الأغر.. !
تأسّف زمنا.. ثمّ ردّدَ متحسّرا في نفسه :
- " لِمَ أتحاملُ على أمْر ٍلا فضلَ لي عليه..و لا شرفَ لي فيه .. !؟ "
..كان مغفلا يحسبُ أنّ حبَّ الناس و الوقوفَ على رؤوس ِقلوبهمْ.. بالوقاحةِ أوْ باقتحام ِأذواقهمْ دونَ أيِّ أدبٍ..هو منتهى ما يجري من سخافةٍ..بينما فهمُ الإنسان لنفسه وﭐحترامه لها - و لو كان أبسط مخلوق ٍعلى وجه الأرض -هو منتهى الحبّ و الرّقيّ..ثمّ ﭐستدركَ الأمرَ..صعدَ المنصّة دونَ إذنِ المنشّط ..أخذ منه "الميكرفون" وبكلّ شجاعةٍ صرّح بما يلي :
- " في الحقيقةِ أردتُ أنْ أختبرَ ذوقـَكُمْ..و لكنّي فوجئتُ بقولةِ تلميذي..الغبيِّ الذكيِّ،الذي نزعَ القناعَ عن كلّ المحاولاتِ لأنْ ننتحلَ أدوارَ بعضنا البعض ، حتى نبدوَ أفضلَ..فالجميلُ أنْ نقلّد و نحاكيَ الجميلَ ، و الأجملَ منه أنْ نبقى على سجيّتنا ..و لا حرجَ في أن نبديَ إعجابنا بمَنْ هو أكفأ و أفضلُ منّا ..!
.. أنا آسفٌ جدا ..و أستسمح الجميع في أنْ أغادرَ الحفلة بشرفْ..! "
صمتَ الحضورُ لحظاتٍ..ثم انطلقتْ التصفيقاتِ مُعبّرةً عن حال الرّضى..ممّا كانَ سيكونُ مُراوغة ًفاشلة ًبائسة..
و تعلّم الأطفالُ حينها عِبَرًا و نصائحَ جمَّة ً ، إمتزجتْ بالأناشيد الرّقيقة و المسرحية الهادفة..و قرّرَ المفتّشُ أنْ يكونَ محورَ الندواتِ القادمةِ مثلَ هذه المواقف الجليلة التي تزيدُ أبناءَنا نضجًا و صلاحَا..
الجزائر : 22/11/2007