المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قرطاج



hasaleem
11/11/2007, 03:48 PM
قرطاج

بقلم
حسين أحمد سليم آل الحاج يونس
Hasaleem

لبنان, مدينة الشمس, بعلبك, قرية النبي رشادي البقاعية.

أليسار فينيقيا أميرة مدينة صور اللبنانية, سليلة عرب الخليج القدامى, الذين أقاموا مدينة صور العمانية, العرب الأوائل الذين جعلوا من البحرين جنة النخيل فيما مضى...

أليسار, الأميرة ديدون أو دبدة الغاضبة على شقيقها الملك الحاكم... الملكة الهائمة بين أمواج البحار, هربا من قهر بيقماليون شقيقها ملك فينيقيا, الذي إستفرد الحكم خلاف وصية أبيه متان الملك, وإنتبز أليسار بعيدا, نزولا عند رفض الشعب مشاركتها شقيقها في الحكم, لتتزوج أسرباس كاهن ملقرت, الذي كان يلي الملك في مركزه... فقتل بيجماليون إسرباس طمعا في ثروته الكبيرة الطائلة, وغضبت أليسار على شقيقها لجريمته النكراء, وأخفت مشاعرها مصممة على الفرار من وجهه, ودبرت مع مريديها مؤامرة الهرب, معربة لأخيها رغبتها في الإقامة عنده... وهربت أليسار ومن معها, وأموال إسرباس لتلقى في اليم وتبتلعها الأمواج في الأعماق, معظمة صلاة تقيمها أليسار تكفيرا عن موت زوجها الكاهن...

لحق أليسار كثير من الأعيان, وكهنة هرقل, وكاهن جوبيتير في قبرص, وأمرت أليسار بخطفت ثمانية عذارى موقوفات نذرا لفينوس, لتصبحن زوجات مؤسسي قرت حدشت المدينة الجديدة قرطاج, والتي دفعتهم إليها الأقدار, يعبدون فيها ملقرت ملك المدينة...

أليسار, ديدون, ديدون, ديدون, تناديك قرت حدشت, الأسطورة الحلم مدينة قرطاج في شمالي أفريقيا, التي إندثرت بعد الإحتلال, وظلت النيران مشتعلة فيها سبعة عشر يوما, فهلك قسم كبير من أهلها, وبيع الباقون عبيدا, ودمرت المدينة وجعلت في مستوى الأرض...

أليسار, ديدون, ديدون, ديدون, تناديك روح هاني بعل, سعد الله في عليائها, ماذا فعلت أليسار؟! وماذ فعل مجلس شورى قرطاج؟!

واح البطولة, رمز الشرف, وفاء بالعهد, وحفاظ على العهد, وتكفير عن الذنب, ورفض للإستسلام, فعل لعبة الإنتحار...

وترتفع اليد بقوة العناد, تقرر تذييل الحياة نهاية العمر, تسدل الستارة على آخر فصل من فصول مسرحية الحب, بعدما غلبتها تجاربها ومرارتها, تستسلم النفس الأمارة بكل الأشياء, ترمي كل دفاعاتها, وتسكت كل أسلحتها الإنسانية, رافضة الوقوف لمواجهة الصعاب, حياة أطفئت في لحظة ما, فقد تعبت النفس العنفوانية من الإستمرار في ظل المأساة, وتعبت الروح الشفيفة من مظالم النفس, وإنهار الجسد في لحظة ضعف, وإختصرت الرؤى في طياتها طريق العذاب, فكان الإنتحار فعل إخلاص ووفاء, تجسد بفعل أليسار ملكة قرطاج...

عشتروت لم تحتمل فجيعة قتل أدونيس في جبال لبنان من وحوش القفار, فعزمت الأمر على فعل الإنتحار, وفاءا للحبيب الأسطورة...

كليوبترا لم تتقبل إجتياح الرومان لبلادها, ولم تتقبل الكبوة على الرفعة, فقتلت نفسها حفاظا على كرامتها أمام العدوان...

أهالي مدينة صور في جنوب لبنان, لم يرضخوا للإسكندر المقدوني, ولم يسلمو مفاتيح المدينة لجنوده, فأحرقوا أنفسهم رفعة وعنفوانا كي لا يستسلموا ...

أليسار ملكة قرطاج, تختصر كل المسافات, وتجمع كل الأسباب, أبنة متينوس ملك صور, تركت مدينتها طوعا على رأس فريق من جنودها الأوفياء, بعدما قتل شقيقها زوجها وحبيبها, خاضت مغامرات البحار, حتى وصلت إلى قرطاجة, وإمتلكت قطعة من الأرض هناك, وأسست مدينة قرطاج, فكانت أكثر المدن الأفريقية إزدهارا وقوة, تجاريا وثقافيا, وباتت الملكة عليها...

التقت أليسار أنياس في قرطاج، وهو المحارب الإغريقي الذي هرب من مدينة طروادة المدمرة لتتحطم سفينته ويجد نفسه على سواحل قرطاج. الملكة أليسار , ديدون أو ديدة وقعت في هوى أنياس وأعجبتها شخصيته وشمائله. على ذمة ملحمة الإلياذة لفيرجيل إن ديدة كانت شخصية محترمة جداً. وفي سبعة أعوام فقط، بعد هروبها من صور، استطاع الفينيقيون أن يبنوا إمبراطورية قوية تحت زعامتها. وكان رعاياها شديدي التعلق بها ويمجدونها. وأصبحت محبوبة أكثر حينما آوت أنياس ورجاله بعد هروبهم من طروادة. لكن بعد أن أتى ميركوري رسول جوبيتر، كما تقول الملحمة، إلى أنياس ليذكره بأن رسالته ليست البقاء في قرطاج مع حبه الجديد وإنما أن يمضي إلى إيطاليا ليؤسس روما، تغيرت شخصية ديدو نحو الأسوأ. وحينما رحل أنياس أصبحت تريد الانتقام وأمرت ببناء تنور لتحرق فيه كل ما تركه وراءه من متاع. وعند هذا التنور خطرت لديدو رؤيتها بأن قائداً قرطاجياً هو حانيبعل سينتقم لها في المستقبل. وبعدها طعنت نفسها لتقضي على حياتها.


وأغرم بها ملك مكسيتانيا المجاورة, طماعا بغناها, ولما وجدت أن تكرار رفضها له سيعرض مواطني مدينتها للخطر, على ذمة التاريخ, يروى أن أليسار, جمعت أكواما من الحطبلتقدم عليها الضحايا تكفيرا لخيانتها ذكرى زوجها, وفي نهايتها قدمت الذبيحة وصعدت على الحطببعد أن أضرمت فيها النار واضعة حدا لحياتها... وأخرى تروي , أنها صعدت إلى أعلى المقبرة التي كانت بنتها لنفسها, إستلت خنجرا من خصرها وطعنت نفسها أمام الجميع, كي تثبت أن الشرف والوفاء, وعدم الإستسلام لمشيئة العدو هي من شيم القائد الناجح, الذي يبقى بطلا في قلب أتباعه والتاريخ... وظلت أليسار تعبد وتكرم في قرطاج ما دامت المدينة لا تقهر...

كتبت فجر يوم الأحد الواقع فيه 11 /11 2007 للميلاد في أجواء قرية النبي رشادي البقاعية.

أحمد سالم
30/11/2007, 05:27 PM
رائعة تضاف لك من سلسلة روائعك
دمت ودام نزفك وتالقك
كل الود لك
أحمد