المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشاركات مسابقة المربد (( قسم القصة))



طارق شفيق حقي
07/11/2007, 02:56 AM
مسابقة المربد الأدبية الثانية
مشاركات قسم القصة
http://merbad.net/images/44329909.jpg
ملاحظة هامة:
على كل مشارك قبل أن يضع مشاركته هنا, الإطلاع على إعلان المسابقة (http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=7920)
اضغط هنا للاطلاع (http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=7920)
يحذف كل رد لا علاقة له بمشاركات القصة

فيصل محمد الزوايدي
08/11/2007, 04:09 PM
تحياتي .. هذه مشاركاتي في المسابقة :
القصة الأولى بعنوان : بيني و بينكَ

بيني و بينكَ ..

هذا الذي بيني و بينكَ فـي العمرِ لـحظَة..
هذا الذي بيني و بينكَ أغنيةٌ حزينةٌ بصمتٍ حزين..
و أنا بيني و بيني .. أجلسُ وحيدًا فـي زاويةِ غرفةٍ باردةٍ، أجلــسُ على مقعدٍ قاسية أطرافُه، و تفوحُ رائحةُ الـخَدَرِ ،و أنينٌ حادٌّ بينَ أُذنَـيَّ.. صريرُ خفَقَانِ القلبِ يــطغى على أصواتٍ باهتةٍ تنبعثُ من حيثُ لا أدري.. يسكنُ في النَّفسِ صوتٌ ســألَني يومًا : إلى أين ؟ و هَذي المرافئُ تتجاذَبُني .. و أنا وحيدٌ في زاويةِ الغرفةِ .. يقتربُ رجلٌ في أناقةٍ مبتَذَلَةٍ، ينظرُ إلَـيَّ بعينَينِ ثَقيلَتَيْ الأجفَانِ، و يسألُني بصوتِ حَجَرٍ مُتنَاثِرٍ : أنتَ السَّيد ..؟
أجبتُ مضطَرِبًـا: أنا هُوَ، لعلِّي أنا ..
لم يأبَه لاضطِرابي فأَشَارَ إلى مَمَرٍّ مُظلمٍ بعضَ الشَّيء : إنّهم يريدونَ رُؤيتَكَ .. أَزَّ في الرأسِ صوتٌ مُوجِعٌ و اضطربَت دقاتُ القـلبِ بتسارُعِها نحوَ ..آخرِ الـمَمَرِّ.. و تَزاحَـمت الهواجسُ ثقيلةً كالهزيمةِ .. هل وُلَدَ الصبيُّ المنتَظَرُ منذ السِّنين أم ماتَت الأمُّ ؟ كيف اقـترنا تلك اللحظةَ بداخِلي ؟ كيف اقتربَ الموتُ مِنَ الحياةِ ذلك الاقترابَ ؟ هربتُ بـهَواجِسي إلى الوجهِ الباهتِ أمامي ، هَمَمتُ بسُؤالِهِ : ولادةٌ أم موتٌ ؟ لكنَّ الـوجهَ الـباردَ الجاف الذي لا ينبئُ بشيءٍ رَدَّني عنِ السُّؤالِ .. مــلَّ الرجلُ صمتي فأردفَ بصـوتٍ يكـتمُ ثورةً : إنهم بانتظاركَ ، تَفضل من هُنا .. قَرعُ حِذائي على الأرضِ ينهالُ على رأسي و أنا أتبعُ الرجلَ .. تـحركَت أشباحٌ حَولـي و أحسستُ ببعضِ الصدماتِ و كلماتٌ تُقالُ ، لعلّها اعتذارٌ أو سخطٌ .. مَن يهتم ؟ أيُّ معنى لأيِّ قولٍ أمامَ الولادةِ أو الـموتِ ؟؟ باحتدادٍ حدَّثَــــنا الطبيبُ قبلَ أشــهرٍ و هـو يـحذِّرُنا مِن خَطَرِ الحَملِ .. تُرَى هل أرســلَ القدرُ يومَــها ذاكَ الطبيبَ ينذِرُنا بِـما نَخشاه الآن ؟ هل يـمكِنُ أن يغتالَ ذاك الصـــبيُّ أمَّهُ ؟ هل تنطلقُ حياتُه بـمَوتِها ؟ أم يـموتُ لتَحيا...؟
أحسـستُ أنَّ آخرَ المـمرِّ هو آخر الكَونِ .. و أنا لم أَعُد أعلمُ أَيْـني .. لا أدري كيفَ التــقطت عينَاي الكليلتانِ لافتةً تشيرُ إلى غرفَةِ الوِفَياتِ .. حائطٌ بـناه عاملٌ لا يُدرِكُ مــا يفعلُ .. يفصلُ به بينَ الحياةِ و الموتِ .. و أنا لا أزال أسيرُ ، كأنَّ الطريقَ لا تنتَهي و لكن فجأةً وصلنَا أمام بابٍ مُوارَبٍ قليلا .. أشارَ الرجلُ بلامُبالاةٍ إلى الغرفـةِ و قَالَ : إنهم هُنا .. و لكن هل يمكنُ ذلكَ حقًّا : أن يُوجِّـهَكَ رجلٌ لا تعرفُ حتّى اســــمَهُ و لا يهتم بـمعرِفَتِكَ .. أن يُوَجِّهَــك إلى .. حيثُ الـحياة أو الموت .. وقفتُ برهةً أخـشى الدخولَ .. أصَــختُ السمعَ .. ما الذي أصابَ حواسي لــحظَتَها ؟ يرتَفِعُ الوجــيبُ و أخشى من سُؤالٍ جَديدٍ .. سُرعانَ ما زَعزَعَني : هل تُقدِّمُ الممرضةُ إلـيَّ لـفافةً بيضاءَ و تقولُ بحُنُوٍّ مُصطَنَعٍ : أَبشِر إنَّه الصـبي الذي انتظَرتَه .. ها قد جَاءَ .. أم يُوجِّهُني الطبيبُ بنظراتٍ نحوَ لُفافَةٍ بيضاءَ أيضًا و يقولُ بتعاطفٍ لا أُدركُ صِدقَه مِن زَيفه : لقد حذَّرتُكم قبلَ أشهرٍ ، و لـم نستَطِع فِعلَ شيءٍ لها .. خشيتُ أن أدفعَ البابَ .. بابٌ صَنَعَهُ نَـجَّارٌ و هو يتابعُ بِبَصَرِهِ النَّهِمِ فتياتِ الحَيِّ .. صنَعَهُ يومـًا و لم يُدرِك أبدًا ما الذي يُـمكِنُ أن يُخفي وراءَهُ .. أسـمعُ هَمهَماتٍ مِن داخِلِ الغُرفَةِ .. تداخَلت مَعَ صَرخَاتٍ مِن داخِلي .. هل أقتحمُ الغرفةَ ؟ هل أهربُ ؟ إلـى أين ..؟
أنينُ النَّفسِ الـمُوجِعُ يُطبِقُ على أنفاسي فـأُحِسُّ ضيقًا هائلا .. الـخوفُ أحيانًا يدفَعُنا إلى نَفسِ الفِعلِ الذي نَقومُ به بدافعِ الشَّجاعةِ .. تَمتدُّ يدي نحوَ قبضةِ البابِ فِضيةِ اللَّونِ، يـخترقُ مَسمَـعي صريرٌ حادٌّ لن أنسَاه .. تتخلّى اليدُ عن تلكَ القبضةِ الـمبتعِدَةِ إلـى داخل الغرفةِ .. ينفَتِحُ البابُ كأنَّ غيري قامَ بِفتحِهِ .. لـم تَقَع عينَاي على أحدٍ .. فقـط ظهرت زاويةُ السَّريرِ الـحديديِّ و الـجزءُ السُّفلي مِن سُترةٍ طِبيةٍ بيضاءَ ..أحسـستُ حركاتٍ فـي الأجسادِ تلتفتُ تستطلع مَنِ القادمُ .. بِبَقيـةٍ مِن قُدرَةٍ و عزمٍ تقــدَّمتُ خُطوتَينِ داخلَ الغرفَةِ و تضخُّمٌ مـخيفٌ بصَدري كأنّـي سأنفجرُ .. توسطتُ الـمكانَ و نظرتُ أمامي : أذهَلَني كلُّ ذلكَ البياضُ .. بياضٌ شديدٌ ناصعٌ ، تـمامًا مثلَ السَّوادِ .

القصة الثانية بعنوان : الجدار الأحمر
الـجــدار الأحــمر ؟
ارتقى الديكُ صخرةً صغيرةً و أطلقَ صيحةً قصيرةً كـأنـه يؤدِّي واجبا ثقيلا ثـمّ همس لنـفسه قــائـلا : مــنذ أن نَقُصَت دجاجاتُ القريةِ أصبح العملُ مُـمِلا .. يـخرجُ شـيخٌ ببطءٍ من داره و يتخذُ سبيلا يـعرفُها جيدًا نـحو الجامعِ و الظلمةُ لا تزال تُلَملمُ بقايـاها بتثاقلٍ عائدةً إلـى خدرِها .. يقترب الشيخ من ساحةٍ حذوَ البُرجِ القَديـمِ ، برجٍ ترابـيِّ اللونِ قديـمٍ جـدًّا و لا يعرف أحدٌ تاريخَ بنائه و قد نال منه الإهمال منذ سنوات فتصدعت جـوانبه و تساقطت بعض حجارته و نبتـت عليه أعشابٌ ..و يلحـظُ شيخُنا وقوف جَارٍ له فـي الـمكان مبهوتًا فارتفعَ بِبَصَرِهِ إلـى حيث ينظرُ فـهَالَه ما رأى: كان جدارُ البُرجِ الـمواجِه للساحةِ أحـمرَ اللونِ .. نعم أحــمر اللون ..
في دقائـقَ قليلةٍ تـجمّعَ أهلُ القريةِ عند البُرجِ و الـجدارُ أمامهم شامخٌ بـحُمرتِهِ الـجديدةِ .. انفتح فمُ الشيخِ عن أسنانٍ صفراءَ قليلةٍ تباعَدت عندَ قولِهِ بغَيظٍ : "من الـخبيث الذي فعلَ هذا ؟ كيف استطاع أن يلطِّــخَ البرجَ و يعتـدي على تراثِ أجدادنا ؟. قال مديرُ الـمدرسةِ بعَصبيةٍ واضحةٍ : "لا يفعلُ هذا إلا الصِّبيانُ ، هـؤلاء الشياطين إنّـي أعرفهم .. لقد انتظروا انصرافَنا من صلاة العشاء البارحةَ و قاموا بـهذه الفعلةِ ".. أمَّن على قولِهِ بـعضُ الرِّجالِ لكنَّ إمامَ الـجامعِ حرّكَ رأسه يـمينًا و شـمالًا رافضًـا ذلك الرأي :" و كيفَ بلـغوا أقصى الـجِـدارِ وهو عالٍ جدًّا كما ترى ؟ و أيـن آثارُ الطِّلاءِ و رائِحـته ؟". ثـم التفت إلـى الـجمع رافعا يديه قائلا :" إنَّ هذه آية على قُدرةِ الله عزَّ و جلّ ، أرسلها إلينا ليُنَــبِّهَنا إلى وُجوبِ طاعتِه بعـد ما ظَهرَ من تَـجاهُرٍ بـمعصيته "..ارتفعت بينَ الـحاضـرينَ أصواتُ استغــفارٍ و استرحامٍ .. فـي آخرِ الـجمعِ وقفت فتاتانِ تستمعانِ إلـى ما يُقال حولـهما،و قالت إحـداهُما عابِثةً و كانت طويلةً أكثرَ من اللازم :" لِـمَ لا يكونُ اللونُ الأحـمرُ صرعةَ الـجدرانِ هذا الـموسم ؟ " أجابتـها صديقـتُها بـحركةٍ مِن رأسِـها فـقد كانت منـشغلةً بـحِوارِ عُيونٍ صامتٍ مع شـابٍ وسيمٍ على مقربة منها .. و غـير بعـيدٍ عنهـما و قَفَت بعضُ النساءِ يُثَرثِرنَ حولَ الـحدثِ و ارتفـع عـن إحداهـن قولـها :" لا يفعلُ هـذا إلا " سيدي سالـم "، لا شـكَّ أنَّـه غاضــبٌ بعد اكتشافِ جُـثَّةِ الرضيع قُربَ ضَريـحِهِ .."
انتبهَ الـجمعُ إلى صوتِ مـحرِّكِ دراجةٍ نـاريَّةٍ فقد كـان العمدةُ منصرفًـا بعد أن أخبَر من حوله بأن عليه إعلام السُّلطِ بالأمرِ خشيةَ أن يكونَ ما وقعَ جزءًا من مُــخطَّطٍ إرهابـيٍّ للاعتداءِ على أمـنِ الوطنِ و سَلامَتِـهِ ، و انطـلقت دراجَتُه بصوتِـها الـمُزعِجِ تاركةً سـحابةَ دخانٍ أسودَ سرعان ما تبدَّدَت ..
مع اشتدادِ حَرارةِ الشَّمسِ تــناقَصَ عددُ الواقفينَ أمام الـجدارِ فقد غــادَرت الفتاتان و كانت إحداهُـما تنظرُ إلى الـجدارِ نظرةَ امتنانٍ في حينِ كان فَـتًى وسيمٌ يسجِّلُ رقمَ هاتفٍ .. انصرفَت كذلك النسوةُ و ذهبت إحداهُنَّ إلى دكانٍ مـجاورٍ لتشتري شـمعتينِ تقدمُهُما إلى مـقامِ" سيدي سالـم" و خبزةٍ تُـفرِّقُها بين صغار الـحي .. و بقي شبّان يتحدَّثون بـجدِّيةٍ بالغةٍ و عبَّر أحدهم عن خطورة هذا التَّحوُّلِ و رَبَطه بثقبِ الأوزونِ و الاحتباسِ الـحراري ، أما الآخر فقال إنَّه لا بُدَّ مــن دراسةٍ أركيولوجيةٍ للبرجِ لإدراكِ سرِّ هذا التحولِ أمَّا الثالثُ فحاولَ بـحماس إقناعـهما بأن تَغيُّرَ لونِ الـجدارِ إنـما هو مؤامرةٌ صهيونيةٌ لتشويهِ الـهويةِ و طَمسِ معالـمِها..
عند الـظهيرةِ فرغ الـمكانُ من النـاسِ إلا صبِيَّيْنِ كان أحدهـما يشدُّ قطعَ خيوطٍ قصيرةٍ إلــى بعضِها فيصنعُ بـها خيطًا طويلًا يضعُهُ لـجامًا فـي فَمِ صديقِهِ و ينصرفان ضَاحِكَيْنِ ..
عندئذ ارتفعَ صوتٌ جذلانُ عن الـجدارِ يقولُ : لقد نَـجحت حيلَتي ، لقد جلبتُ انتباهَهم إلـيَّ ، غدًا سأُغَيِّرُ لونـي إلى الأُرجُوانِـيِّ ..

القصة الثالثة بعنوان : بعوض في المدينة
بـعوضٌ فــي الــمدينةِ
مثقلا بالـوَهَنِ و الصمتِ وَقَـــف "العُبَــــيْدي" بإعيــاءٍ أمــامَ مرآته ، ككل يــومٍ يعــاينُ آثــارَ مرضٍ جَــديدٍ و ذُبولٍ يَشتَـدُّ ، يسـأل واقفًا أمـــامَه :" مــتى ينتهي كل هذا ؟" لـم يـُـجِــبْهُ بـل واصَـلَ معايـــنةَ شحوبٍ يـــزدادُ زحفًا عــلى وجـــهٍ هزيلٍ .. اقترب من النافذة الصغيرة الوحيدة فـي غرفته مطاردًا لشعاعِ شـمــــسٍ بسيط يدخل بـمشقـــــــة إليها فانــتبهَ إلـى عبوة مبيدِ الـحشراتِ فتـــذكَّر أنه استوفاها البارحةَ فـي مـعركةٍ فاشلةٍ مع البعوض .. انكسرت جَبــهاتُه أمامَ زحفٍ لا قِبَلَ له بـــه .. آثرَ بعدها طلبَ الصلح مقابل التنازل عن دَمِهِ ، و اعتبــرَ نفسَــه منتصِرًا .. ذراعـــــاه و رقبته شهوده ، بعــوضٌ حقيرٌ لكنه امتصَّ دِمــــاءَه .. كل ليلةً يــتنــــادى إلــى وليمةٍ عـلى جسده ، و كل ليلة تنكسرُ مقاومــــتُه أمام جحافله ، أحيانا تـحــدِّثُ "العُبَـــــــيْدي" نفسُه أنـه قد اســتأثَرَ بِبَـعوضِ البـلادِ و أن الباقين لابــد قد أرَّقهم غيابُه عنـــهم و خشِـــيَ أن يُشتَكَى فـــي الـمحاكم ، يصــبح امتصاصُ البعوضِ لدمِكَ كالإدمان لا تستطـيع عنه صبرًا .. تـماما مثلما يصـبح استنشاقُ الـــهواءِ النقيِّ هو الــذي يرهِــقُ رِئــــاتِنا .. تنـاهى إلــى مَسمَعِهِ طنـينٌ يعرِفه جيدًا .. عجـبًـا ألـم يكفِهِ ما نـال مِـنِّـي البارحةَ ؟.. هكذا سأل نفسه مــتوَجِّعًا .. كانت تُـحلِّق بـمــــفردِها لا تكاد تَــبــينُ ، تســــاءَلَ جادًّا : أي فــائدةٍ فــــي خلقِ البعوضِ؟ و مـا فـائـــدةُ جهـــازِها البَصري و الـهضمي و.. التــناسُلي ..؟ ثـــم سرعانَ مــا تراجع مستغفِرًا ..
اقتربت البــعوضةُ كثيرًا و ارتفعَ طنـــــينُها حتى أصبــحَ أشبهَ بهديرِ طائرةٍ ، هشَّ بيدَيْهِ حـتى دونَ أن يُـحدِّدَ مكانَها لكنه أَحسَّ بوخزةٍ حادةٍ فـي قَفاه فأسرعَت يدُه إلى هنالكَ فـي حينِ ارتفعَ صوتُـهُ باللعنةِ .. وخزةٌ أخرى فـي ذراعِِـــه و هذه ثالثــةٌ فـي رجـــلِهِ .. تسارعَت كفَّــــاه تَتــبِعان البعوضةَ على كامِلِ جَسدِه .. استبدَّ بِــهِ الألـمُ و نظرَ إلــــى نفسِه في الـمرآة فرأى جثــةً ..
لـمح وراءَه البعــوضةَ و قد انتفـــخت قليلا فتملكَهُ الـخوفُ ..ربـــــاه كيفَ صار حجمُها كبيرًا ؟ و لكـــنَّ مصيـــبةَ" العُبَـيْــدي" لـم تَـكُن إلا فــي بدايــــتِها فقــد كانـــت البعوضةُ كلــما امتصت قليلا من دمِه ازداد تضــخُّمُ حجـــــمِها .. حــتى أصبَحَت بِـحـجمِ قطٍ لـم يَعُد قادرًا على مدِّ يَدَيْهِ حـتى لـحمايةِ وجهِهِ .. تثـاقَلَت حركاتُه.. وقعــت البعــــــوضةُ الـمُثقَلَةُ على كَتِفَيه و واصلت إيذاءه، أخذَ يتـرنَّحُ فلم يعد يستــطيعُ تـحمُّلَ كل ذلــــك الألـمِ ، حــــاولَ الانتفــاضَ و الاهتزازَ حتَّى يتـخلَّصَ من الثِّقَلِ فإذا بـها تزدادُ تشبثًا به .. أراد أن يصيحَ مستنجِدًا و لكن لـم تصدر عنه سوى همهماتٍ خاويةٍ ، أراد َ التراجُعَ بـحــدَّةٍ على الـــجِدارِ ليهرُسَـها لكنَّ الـخبيثةَ تـحولت إلـى الأمام و جثمت على صدرِه فأصـبحَ يتـــنفَّسُ بعُــسرٍ شديدٍ ، وبدأت همهماتُه تـخــفُتُ تدريـــجيًّا و البعوضةُ اللعينةُ لا تـزالُ تتـــضخَّمُ و تزحفُ على جسدِهِ و أحسَّ بقوائِمِها تُطبِقُ ضاغطةً على رقبتِهِ بـحقدٍٍ غريبٍ ، ثمَّ أوقعت أجنحـتَها على فــمِهِ فلم يعُد قـادراً حتى على الصُّراخِ و على عينَــيهِ فمــنعَته مــن الرؤيةِ و على أذنَيْهِ فلم يَعُد يسمَع .. ثم وَقَــعَ عــلى الأرض و لـم يَصدُر عـنه صوتٌ ..
فــي تلك الليلةِ غادَرَ البعوضُ مكامِنَه بـحثًــا عن ولائمَ كـــعادتِهِ .. طال بـــحثُه فــي الأزقةِ و الدورِ و حتى القصورِ و لكن دونَ جدوى .. كان البعوضُ الـمتضخِّمُ قد استنفذَ مــا فـي الأنـحاءِ من بشرٍ ..

محمد سنجر
08/11/2007, 04:42 PM
القصة الأولى ( قاطعوا المنتجات العربية و الإسلامية )
قاطعوا المنتجات العربية و الإسلامية
( بالكاد استبين حروفه الخارجة من فمه النازف بلكنته الأوربية
بالكاد حاولت أزاحة جفوني التي أثقلها الورم نتيجة لكماته المتلاحقة
وجدته يحاول الضحك إثر هذه العبارة الجارحة )
( سمعت ضحكاته المكتومة التي تتوارى خلف تأوهاته المتلاحقة )
( حاولت إغلاق أذني )
( لكن هيهات فيدي مشلولة لا أقدر على تمالك نفسي لأحركها
خانتني جميع أعضائي نتيجة الاجهاد )
( تعالت ضحكاته )
( أحاول أن أشغل تفكيري بعيدا عما يقول
ضاعت محاولاتي أدراج الرياح )
-أين منتجاتكم كي نقاطعها كما فعلتم
منتجات؟
هأ هأ هأ هاااااااااء
سنقاطع أيضا سيارتكم و طائراتكم و جميع أسلحتكم هأ هأ
سنقاطع ألبان جمالكم و عنزاتكم هأ هأ هيء
لن نشرب بعد اليوم مشرباتكم الغازية و لا عصائركم و لا مياهكم المعدنية هأ هأ هااااء
لن نأكل برجركم و لا لحومكم و لا أجبانكم هيء هيء هيء
( أحاول اغلاق أذني دون فائدة)
- لن نشتري كومبيتراتكم تلفازاتكم فيديوهاتكم هيء هيء هيء
سنقاطع نحن أيضا كل ما تصدرون لنا
هيء هيء هيء هاااااااااااي
( أحاول النهوض لاستكمال ما بدأت لكن من أين لي بالحراك؟)
( حاولت لملمة الحروف )
- صدقني إذا لم تغلق فاك هذا ، فلتتحمل عاقبة سخريتك ،
هل فهمت ما أقول ؟
- تعال إذن و سألقنك درسا لن تنساه أيها العربي القذر،
عربي ؟ ها ؟
أنتم أيها العرب لا وزن لكم ، لا قيمة لكم ،
قل لي ما هي فائدتكم في هذا العالم ؟
بترول ؟ هذا هو كل ما لديكم ؟
هذا ما تصدرون ؟
حتى هذا
نحن الذين نستخرجه لكم و نقوم بتكريره لكم
حتى هذا
لولانا لظل في باطن أرضكم
لا تدرون عنه شيئا
لا لا لا
لقد ظلمتكم
آه
ظلمتكم
فعندكم ما تصدرونه لنا غير البترول
هأ هأ هأ
تصدرون لنا آلاف السائحين كل يوم
نعم ، أراهم
أعرفهم من دون البشر
تجدهم مصفوفون كالذباب
أمام البارات ؟ أمام بيوت ال (.........) ، أليس كذلك أيها العربي ؟ هأ هأ هأ
- صدقني إذا لم تغلق فاك هذا
( بالكاد استجمعت ما تبقى لي من قوة ، زحفت ناحيته
رفعت يدي لأسقطها على وجهه)
-آه ، أيها العربي ،
تضربني ؟ ها ؟
تلومني لأنني رسمت هذه الرسوم ؟
لا تلوموني
و لكن لوموا أنفسكم
من أين لي أن أعرف عن نبيكم ؟ من أين لي أن أعرف ارتباطكم به لهذه الدرجة
قالوا لي مسابقة
و الفائز بها من يصور نبي العرب الإرهابيين الهمج
تكالبنا أنا و كل الرسامين
و من أين لي أن أعرف عنه ؟
لم أقرأ عنه يوما ، لم أسمع عنه إلا أنه كان رجلا وحد القبائل
و قام بهزيمة الروم و الفرس
لم يصلني منكم ،أي شيء عنه
فأنتم المقصرون
من أين لنا أن نعلم بعقيدتكم
عندما سألت عنه صديق لي مسلم
تعرف ماذا قال لي
قال عنه أنه أمركم قائلا : ( بلغوا عني و لو آية )

- أليس كذلك ؟ ألم يأمركم بتعريف العالم أجمع به ؟
ألم يأمركم بأن تبلغوا عنه حتى و لو كانت آية واحدة ؟
من منكم بلغ عنه شيئا ؟
من منكم نقل لنا عنه أي شيء ؟ أي شيء ؟
صدقني أنتم الملومين
أنتم تعرفون عن شاكيرا ،مايكل جاكسون ، شاجي ،
رونالدينو، بيكهام ، سلفستر، أرنولد،
تعرفون عنهم كل شيء ، كل شيء
صدقني منكم من يعرف عنهم ماذا يأكلون
منكم من يعلم جيدا عن شاكيرا أي الألوان تحب
تعلمون فورمة شعر بيكهام ، بل كم تكلفت عليه تلك الفورمة
تعلمون ماذا يأكل سلفستر
ماهو الشراب المفضل لأرنولد
تعلمون حتى مقاس حذاء جاكسون
تعلمون عنهم كل شيء، كل شيء

بينما نحن لا نعرف عن نبيكم شيئا ؟
هل هذا هو حبكم لنبيكم الذي تقاطعوننا من أجله ؟
و ليكن بمعلومك أنه أمركم بالتبليغ عنه
هذا هو الفرق بيننا و بينكم
هل ترى ؟
نحن أين وصلنا بحثالتنا ؟
تراهم في كل دار من دياركم ، ابحث تحت سريرك ،
أليس في غرفة نومك صورة لشاكيرا ؟
- أية شاكيرا أيها الحقير؟ أية شاكيرا ؟
- غرفة ابنك ؟
- لا يوجد بها إلا صورة رونالدو فقط
- أهاااااااااااااا ، ألم أقل لك ؟
ابنتك؟
( وضعت وجهي أرضا عندما تذكرت صورة المدعو ( شاجي ) ،
لكنني أخذني الكبر ، اضررت للكذب )
- لا يوجد
أقول لك لا توجد إلا صورة رونالدو و سأمزقها بمجرد وصولي
- أقول لكم لا تلوموني و لكن لوموا أنفسكم
( ظللت جالسا بزاوية المصعد لا أقو على الحراك
تلعثمت الكلمات فوق لساني
شل تفكيري هذا الملعون بكلماته
أكثر من لكماته و ركلاته
سمعت صراخا خارج المصعد الذي أعطبته لأنال من هذا الخنزير
لا أعلم من أين أتت لي هذه الفرصة الثمينة
عندما رأيته للوهلة الأولى لم أصدق أنه هو
لكنني عندما بادرته بالسؤال بالإنجليزية - متحققا من شخصيته -
جاوبني بكبرياء ( يس )
لم يكن يعلم بالغليان الذي تأجج بصدري عندما رأيته
عندها لم أتمالك هذه الرغبة الجامحة التي سرت بجسدي
بادرت بإعطاب المصعد
تلتها لكمات و ركلات تساندها جميع أنواع السباب
لكن الخنزير لم تزهله المفاجأة بل أجابني بمثل ركلاتي و لكماتي
لم أتبين من بين سبابه إلا كلمة ( عرب ) (همج ) ( إرهابي ) ( مسلم )
توالت بعدها الضربات أخذا و ردا حتى خارت قوانا )
فجأة انفتح الباب
( كلما حاولت تذكر ما حدث بعدها تخونني الذكرى)



القصة الثانية ( بين هذا و ذاك )

وقفت مستندا إلى أحد أعمدة الإنارة
إحدى حبات اللؤلؤ التي تزين صدر هذه المدينة الغارقة في برودة الليل
نشرت فوق الرصيف بعض لوحاتي التي رسمتها بألواني المائية خلال الأيام الماضية
أنتظر بعض المارة
لعل إحداها تنال رضاه فيدفع لي بالمقابل ما أقتات به لأيام
أحاول ببعض رشفات الشاي الدافئ مطاردة برودة ليل الغربة التي بدأت تتسرب إلى أطرافي
مر من أمامي أحد المارة
لكنه ما لبث أن عاد و كأن شيئا ما قد لفت انتباهه
تسمر أمامي
رمقني بنظراته الحادة
تفحصني من شعر رأسي إلى أخمص قدمي
بادرني قائلا بالعربية
: سنجووووووووور ؟
( حاولت سريعا إزاحة ضباب الغربة البهيم الذي تكالب على ذاكرتي منذ زمن
أركض أتوغل خلال سنوات عمري
أبحث عن هذا الوجه الذي تسمر أمام عيني
أركض و أركض
و إذا بطائر الذكرى يأخذني على جناحيه عاليا
يحلق بي فوق خضرة حقول براءة الطفولة
يحط بي هناك
أرانا نركض بين السنابل
نسابق أسراب الطيور المهاجرة
نتسلق أشجار الصفصاف التي مالت على ضفة النهر
تلامس بشعرها صفحة الماء العذب
نقفز إلى الماء
نتسابق غوصا لنلتقط حصوات القاع الباردة
حتى إذا ما استسلمت أجسادنا لقاعدة أرخميدس
نطفو إلى صفحة الماء
نعبر عن انتصارنا بالقفز عاليا
أيقظني صوته الأجش بغتة
أخذني عنوة من بين دفء أغطية الماضي
جذبني عنوة إلى برودة ليل الغربة
: هه ، تذكرتني ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
: من ؟ ثكلتك أمك ؟
( هكذا كنا نطلق عليه أيام الطفولة )
( تعانقنا ننفض عن كاهلنا سنوات من الفراق )
: يااااااااااه
معقول ؟؟؟؟ حتى هنا أجدك ؟؟؟؟؟
( تأخذنا الأيام
تلفنا بين دواماتها المتلاحقة
لا ندرى كم من الوقت مر و نحن معا
أيام و أيام تمر
تنقلب إلى شهور و شهور
لم نفترق إلا خلال سويعات البحث عن لقمة العيش الكريم
تقاسمنا غرفته ، تقاسمنا الأمال و الأحلام
نقضي الليل من مغيب الشمس إلى مغيب القمر نتعاطى الذكريات
في إحدى أمسياتنا بينما أخذني ضياء البدر
سألني هامسا )
: أمازلت ترى فيه وجه خالتي ( أم عصام ) رحمها الله ؟
( ترقرق البدر بين مقلتي )
: كلما رأيته أراها تشرق علي بابتسامتها المعهودة
يرحمك الله يا ست الحبايب
: ألا تحب لقائها ؟
: عندما يأذن الله
: ألا تحب الشهادة ؟
: من لا تحدثه نفسه بالشهادة في رأيي .....
( بادرني )
: فرصة عمرك التي لا تعوض
: ماذا تقصد بالله عليك ؟
: تنضم إلينا
: إليكم ؟ من أنتم ؟؟
: قبل كل شيء لابد أن تقسم بالله العظيم على أن ما يدور بيننا الآن لا تحدث به أحد حتى نفسك
: لقد أقلقتني ، ماذا دهاك ؟؟؟
: اقسم أولا
: أقسم بالله العظيم
: نحن خلية نائمة
: نائمة كيف ؟؟؟ هكذا أم هكذا ؟؟ هاهاهاها
: ( لم يبرح الجد وجهه للحظة بل ازدادت نظراته حدة )
: لا وقت للمزاح الآن ، معنا أم علينا ؟
: مع من و على من ؟؟؟؟
: مع الشهداء بإذن الله تعالى
فلقد قدر لي منذ وقت أن أنضم إلى خلية نائمة
نتلقى أوامرنا عبر الإنترنت و جاءت اللحظة التي ننتظرها منذ سنوات
فعن قريب سنقوم بضربتنا المزلزلة
: انتظر انتظر
كيف ستدخلون إلى فلسطين بهذه البساطة ؟؟
هل تدبرتم أمركم جيدا ؟؟
: أي فلسطين أيها الأبله ؟؟
لقد صدرت إلينا الأوامر بجمع بعمل بعض التحريات عن بعض محطات القطارات و الحافلات
: أية محطات و اية قطارات ؟؟
خرب الله بيوتكم ؟
هل ستقومون بضربتكم هنا بين هؤلاء المدنيين الآمنين ؟؟؟؟؟
هؤلاء الذين نعيش بين ظهرانيهم آمنين مطمئنين
هؤلاء الذين لم نر منهم إلا كل المودة و الاحترام لآدميتنا
: كلهم كفار قاتلهم الله أنى يؤفكون
: لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
ألا يمكن أن يقتل هناك مسلمون ممن يعيشون هنا ؟؟؟؟؟؟؟
: سيعدون من الشهداء بإذن الله
: أي شهداء بالله عليكم ؟
أي شهداء من أعطاكم هذا الحق في أن تروعوا الآمنين أيا كان دينهم أو مذهبهم
آلله أمركم بهذا ؟؟؟؟
حتى لو افترضنا جدلا أنهم كفار كما تزعم
ليس لكم عليهم من سبيل طالما لم يقاتلوننا أو يعادوننا جهارا
ألم تقرأ القرآن الكريم و تتدبر ما فيه ؟
: و من أنت أيها الحقير حتى تدعي معرفتك بكلام الله و أوامره و نواهيه ؟
من نصبك شيخا كي تفتني فيما يجب على فعله أو تنهاني ؟؟
: لا كهنوت في الإسلام أيها الشيخ المبجل
و إلا بالله عليك فسر لي قول رب العزة سبحانه و تعالى في سورة الممتحنة
(لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الذِينَ لَمْ يُقاتِلوكُمْ فِي الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ)
تبروهم و تقسطوا إليهم
ضع تحتها ألف خط و خط
و قوله جل شأنه في سورة البقرة
(وقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الذِينَ يُقاتلونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إنّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ)
الذين يقاتلونكم ، الذين يقاتلونكم
: ماذا تفهم أنت في أسباب النزول أيها الجاهل ؟؟؟
ما أدراك أنت عن الناسخ و المنسوخ ؟؟؟؟
: لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
حسبي الله و نعم الوكيل حسبنا الله و نعم الوكيل
( انتفضت ألملم حاجياتي
هممت بالخروج )
: سلاماااااااااا
( كبل عنقي بقبضته حتى رفرفت بين يديه كالذبيح )
: لا تحاول أن تحدث حتى نفسك بما دار بيننا الآن و إلا
( أشار بيديه بالذبح
حاولت الإفلات من قبضته و قد كدت أن أختنق
نظر إلي نظرة لم أر مثلها بحياتي
فتح الباب
تفل بوجهي )
: ثكلتك أمك يا إبن .......
( أفلتني من قبضته بدفعة قوية
طرحني متدحرجا فوق دركات السلم الحجري )



القصة الثالثة ( بارقة سراب )

برفق حاولت فتح الباب الأبيض
حاولت التسلل إلى داخل الغرفة
أكاد أسير على أطراف أصابعي مخافة إيقاظه
رقص قلبي طربا على صوت غطيطه
أخيرا سينعم بشيء من الراحة
نظرت إليه ، بالكاد أستبين وجهه على ضوء المصباح الشاحب
الأبيض يكفن الأشياء من حوله
حاولت حبس الدموع ، كبت التأوهات بصدري
وجدتني ارتج حزنا على ما صار إليه
تمر أمام عيني خيالات الطفولة
أول أيام الدراسة
تشاجر مع أولاد القرية دفاعا عني
يومها أدخلني دارهم خلسة ليخيط لي ثيابي الممزقة
لم يتركني يومها خوفا من بطشهم
رافقني إلى محطة القطار
أتذكر يوم قفز بزيه المدرسي من فوق الجسر لينقذني من الغرق
اختبأنا لساعات بين حقول الذرة انتظارا لجفاف الملابس
أتذكر يوم انتخابات اتحاد الطلاب
كانت النتيجة الفوز بنسبة 99,9 %
لم يكن هناك من المرشحين سواي
طرحني الضحك أرضا عندما أخبرني بحبسه للمنافسين بدارهم
و رغم اختلاف دراستنا الجامعية استمرت علاقتنا
لم أنس أبدا هذا المعطف الأبيض الذي أهداني إياه يوم صرت طبيبا
كل هذه الذكريات مرت أمامي في ثوان
فجأة ارتجت أركان الغرفة لصرخته المدوية )
: آ آ آ آ آ آ آ آ آ آ ه
( جحظت عيناه ذهولا
حلق بمقلتيه في أركان الغرفة
و عندما التقت عينانا
تسللت التوسلات إلى عينيه
حاول جاهدا الحديث من خلف كمامة التنفس الاصطناعي
و عندما رفعتها عن وجهه
تسللت إلى مسامعي همساته )
: أرجوك يا علي ، أرجوك
( حاولت تهدئته )
: اهدأ يا يوسف، اهدأ ، لا ترهق نفسك بالكلام ، الكلام خطر على حياتك
( ترقرقت الدموع في عينيه )
: أرجوك يا علي ، أتوسل إليك
: لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
( انتفض جسده الهزيل من شدة الألم ، صرخ صرخة مدويه )
: آ آ آ آ آ آ آ آ آ آ آ آ آ آ ه
( تبعتها آهـــــات و آهـــــــــات و آهـــــــــــــ ـــــــــات
انتفض جسده كالذبيح ، أخذ يسعل و يسعل
حاولت الهروب من نظرات التوسل التي فاضت من عينيه
لاحقني صوته المتحشرج )
: أرجوك ،
( جذب يدي يقبلها ، أحسست سخونة دموعه على كفي
سحبت يدي عنوة )
: استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم
: علي ، أرجوك ، لم أطلب منك شيئا يوما ما ، لكنني الآن أطلبها منك ، أعلم أنك لن تردني ، أرجوك ، لن يعلم بهذا الأمر سوانا
: و رب العالمين يا يوسف ؟
: لو تعلم مدى الألم الذي أعانيه ؟ صدقني ما ستفعله لوجه رب العالمين
: حرام عليك يا يوسف ، افهمني هذا قتل ، قتل
: إنما هي الرحمة التي أمر بها الرحمن الرحيم ، أتذكر ؟ ألم تكن دائما ما تقول لي ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ؟
: كفاك يا يوسف ، بالله عليك كفى ، حرام عليك ما تفعله بي
: حرام عليك أنت أن تتركني في هذه المعاناة
: اصبر ، و لنجرب المخدر مرة أخرى
( صرخ بوجهي )
: لا حاجة لي بمخدرك هذا
أنت تعلم دوائي الوحيد لإنهاء هذه الآلام
: لا أستطيع يا أخي، لا أستطيع
( حاولت الوقوف للخروج فارا بنفسي من توسلاته المضنية
تشبث بملابسي )
: علـــــــــــــ ـــــــــــي
( حاولت التخلص من قبضته ، أحاول فك مخالبه التي كبلتني إصبعا إصبع
لا أدري من أين أتي بكل هذه القوة ، عندما ظننت أنني تحررت من قبضته قال صارخا )
: لن أتركك ترحل و تتركني وحدي مع الألم ، نعم لن ترحل
( وبينما وقفت ملتفتا بجسدي محاولا الإفلات ، لاحقني بيده الأخرى
صم أذني صوت ارتطام جسده الهزيل بالأرض
مختلطا بصوت تحطم زجاجات الدواء ، بصوت تمزق معطفي الأبيض
صرخ صرخة مدوية )
: آآآآآآآآآآآآآآآ آآآآآآآآآآه
( اختلط بكائه بهذيانه ، انهالت قبلاته الهستيرية على قدمي )
: أرجوك خلصني من عذابي يا علي ، أرجوك ، أتوسل إليك
( صرخت في وجهه )
: و الله العظيم حراااااااااااام ، حرام عليك يا شيخ ، حرااااااااااااا ااااام
ألا تتعب من توسلاتك هذه ؟
( أخذ صدره ينتفض ، طفلا ينتحب
وجدتني أنزل إلى جواره ، احتضنته ، أربت على ظهره )
: لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، لا حول و لا قوة إلا بالله
( اختلط بكائي ببكائه )
: اعذرني يا يوسف ، أرجوك سامحني
( حملته بين يدي ، رفعته إلى سريره ، وضعته برفق
نظرة أمل أطلت من خلال عينيه ، فجأة ، ارتفع بصره لأعلى
و كأنه يحدث شخصا ما )
: خلاص ؟
( ارتسمت على وجهه ابتسامة رضا )
: يا رحمن يا رحيم
( أغمض عينيه مسترخيا
تواصل صفير جهاز النبض )
: إنا لله و إنا إليه راجعون ، إنا لله و إنا إليه راجعون
( تتراءى بعيني صورته صحيحا معافى منذ شهور
جاءني يطلب مني إيجاد حل لمشكلة عدم الإنجاب
و عندما فشلت محاولاتنا
لم ينقطع الأمل لديه للحظة ، أخذ يجتهد باحثا عن حل
كان وقتها سليما معافى
حاصره بائعو الوهم ، حذرته أكثر من مرة )
: يوسف ، لا يغرنك ما يقوله هؤلاء المرتزقة
من يتاجرون بأحلام البشر
( سد أذنيه أمام كلماتي
إعلاناتهم المسمومة ملأت الفضاء دون رقابة أو رادع

: الأعشاب السحرية لمرضى السكر ـ اتصل قبل نفاد الكمية

أعشاب تعيد إليك شبابك خلال ساعات ـ لا تتردد في الاتصال

أعشاب سحرية للإنجاب خلال أيام معدودة ـ اتصل الآن

لماذا تعالج مرضا واحدا ، طالما تستطيع معالجة اثنين ؟

أعشاب و لا أروع لعلاج السرطان و الإيدز دفعة واحدة

ركض هو وآلاف الباحثين عن بارقة أمل
يلهثون خلف السراب
استغل شياطين الإنس طيبة و صدق قلوبهم
حسبي الله و نعم الوكيـل
حسبي الله و نعم الوكيـــــــل
حسبي الله و نعم الوكيــــــــــ ـــــــــل

محمد عبده العباسي
08/11/2007, 11:53 PM
" القصة الأولي "
أسماك ملونة
جلدت الشمـــــس شوارع المدينة ، راحت تفح فحيح أفعى ، سكن الناس بيوتهم مرافئ يتقون بها من صولة الجحيم ، يتلهفون علي نسمة عابرة تخفف هذا السعير.
كان جدي عائـــداً من الميناء بعد إقلاع مركبه إلي عرض البحر ..
أنتظر رجوعه بفارغ الصبر، حتماً سيأتي لي بمزيد من الحلوى التي أحبها ..
أرقبه من خصـاص النافذة ، يمشي علي مهل ، أكاد أشير له أو أناديه لكن سدي ، أمـــــــــراض الشيخوخة تحول دون أن يراني أو يسمع ..
منذ وعيت علي الدنيا وهو يعيش معنـــــا بعد رحيل جدتي قبيل ميــلادي ، يعيش كالنسمة ، لا مطالب له ، يذهب في الصباح إلي الميناء ويعود بعد العصر ماشياً علي قدميه :
ــ المسافة بعيدة يا جدي ..
ــ لكنني تعودت عليها ..
ــ وأنت شيخ مسن ..
قهقه وفرد ساعده الذي ضمر قليلاً :
ــ أنا أقوي من أبيك ، وضرب علي صدره بقبضته فكاد أن يسعل ..
لم أره البتة يخرج من معطفه الرمادي الذي تغير لونه إلا ساعة النوم ، ولا يستغني عن عصا يتكئ عليها ، ولم يتبدل في خنصره الخاتم الفضي ذا اللون الفيروزي ..
ــ خاتم زواجك ؟ .. سألته .
ــ لا .. لكنه هدية من جدتك ..
رجوته أن يتوسط بيني وبين أمي :
ــ دعها تسمح لي باللعب عند باب البيت ..
ــ سأفعل ..
حين يأزف وقت صـلاة العصر، وتختبئ الشمس قرب الأصيل ، تلبي صديقاتي دعوتي للعب ، اقترحت إحداهن أن نرسم علي الأرض لوحـات مثل التي ترسمها معلمة الرسم ..
قطع من الطباشير بين الأنامل الصغيرة تسابقت تطبع علي الأسفلت رســوماً جميلة ،حوض من أسماك ملونة رحت أرسمها ، صـديقاتي اندهشن ، خلتُ الأسماك تسبح في الماء ، تأكل من العشب المتناثر ..
غصت في أعماق الماء ، حلمت بأنني سمكة ، أسبح في نعومة ، أدور في رقة ، أرقص في براعة ، أجوب البحار والمحيطات ..
ــ آه ...
صرخت ، إذ بي أري جدي يدوس بقدميــه علي الرسم دون أن يقصـــد ، كان عائداً مـن صلاته ، نسي نظارته الطبية ..
ــ ماذا حدث ؟
بكيت وأنا بين أحضانه ، عرف الأمر ، كرر من اعتذاره ، وعدني :
ــ في الغد ، سأعود إليك ومعي الأسماك الكثيرة ..
أشرت بيدي :
ــ الكبيرة يا جدي ، الكبيرة ..
*****
في اليــــوم التالي عدت للرسم ، ملأت أرض الشارع بسمك كبير رسمته ، رحـــــت أعده ، ماء البحر ازداد عمقاً وزرقة ، الأسماك تكثر وتكثر، ثمة فرحة طاغية انتابتني وأنا أري لون الماء يتألق في لون زرقــة خاتم جدي ..
ــ آه ، لابد أنه آت ، بعد قليل ..
فجأة زاد صخب البــحر ، علا صوت هديره ، تبللت ملابسي ، فرت صديقاتي مثل صيصان مذعورة..
كانت ثمة سيارة عابـرة يقودها سائق أرعن ، أمي كادت أن تتدلى من الشرفة لخوفها علّي، صرخت ونادت باسمي ..
السيارة ولت هاربة ، وانســـاب ماء الحديقة المجاورة التي داهمتها السيارة ، امتلأ الشـارع بالماء ، راحت الأسماك التي نجت تبحث عن مـــلاذ ، تصرخ ، بينما التي ماتت تضرجت أرض الشارع بدمائها ..

ساعتها فقط ، جــــاء الخبر بأن جدي مات بعد أن صدمته سيارة بالرغم من أنه لم ينس نظارته الطبية ، وكان يحمل سمكاً كثيراً..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" القصة الثانية "
صباح أبيض ..
هذا الصباح حملت سنارتي و" عدة" الصيد والطعم اللازم ، الشمس لم تخرج من مكمنها بعد ، ثمة برودة في الصباح رغم فصل الصيف ، المدينة في سبيلها للإستيقاظ بعد ساعات من وسن لم يدم طويلاً ، تثاؤبة ما اعترتني أزحت بها كسلاً بغيضاً ، بحثت عن سيارة أجرة تقلني حتي ميناء الصيد ..
الطريق خالية ، هدأة الصباح الباكر لم يعكر صفوها إلا سيارات مارقة يقودها صبية صغار سرقوا المفاتيح من أبائهم ..
شق الهدوء صوت غناء ردئ توقفت علي أثره سيارة ، منحت السائق تحية وابتسامة ارتسمت في المرآة أمامه ، ردها بشبه وجوم وجفون منتفخة ، أشعل سيجارة فألهب حماسي لأقلده ، قال بلسان ثقيل :
ـ رحلة صيد ..
ـ نعم .
ـ الغاوي ينقط بطاقيته علي رأي الصبوحة ..
نفثت دخاناً خفيفاً ومددت يدي بنقود تفحصها جيداً :
ـ صباحك أبيض ..
الصباح بالفعل أبيض ، حجر سعيد يمتد مثل سيف دُك في فم البحر ، مراكب الصيد ترحل تباعاً لتلقي شباكها بعيداً ، ثمة ضجيج من الميناء يأتي تحمله الريح الخفيفة ، الهواء مشبع بيود البحر والنوارس تمارس هوايتها في إلتقاط الرزق من بين الأمواج ..
مكاني الذي اعتدت الجلوس فيه للصيد هو نتوء صخري حفرته الطبيعة ، تجويف مثل حضن دافئ ..
ثمة رجل يحتله الآن ، تنحنحت كي أنبهه لوجودي ، لم يبال ، ألقيت عليه التحية لم يأبه ، أعدتها لم يرد :
ـ يبدو أنه أصم ..
قلت لنفسي وأنا أشعل سيجارة كي يصله دخانها ، تغافل ثم أطلق صيحة مدوية :
ـ الله أكبر ..
ورفع سنارته لأعلي وهو يضم سمكة كبيرة إلي صدره ثم واراها بين حاجياته ، عاد ليلقي السنارة ثانية ، سحبها فخرجت بلا صيد ، نظر لي كمن يلومني :
ـ مكاني ...
قلت وأنا أشير بسبابتي ، ضحك مقهقهاً في سخرية:
ـ ليغرب الصبي عن وجهي الآن ، وإلا.....
وددت لو أحمل صخرة أحطم بها رأسه المفلطحة وأنتهي منه بعد أشعلت سخريته الدم في عروقي :
ـ يبدو أن الصباح لن يكون جميلاً ..
قالها وهو يتأهب لأن ينقض علي ليفتك بي بعد أن ألقي بسنارته بعيداً ، وشمر عن ساعدين نحيلين وهرش في شعره المجعد الكثيف ، قلت له :
ـ هذا مكاني منذ زمن بعيد ..
أمسك بتلابيبي بشكل زري ، قال في سخرية ورائحة من الدخان العفنة تخرج من فمه :
ـ أرني وثيقة ملكيته ..
دفعته بقوة فكاد أن يترنح ، تدخل جندي الدرك في الوقت المناسب ، وهدده :
ـ من العيب أن تفعل ذلك مع رجل محترم ، من الآن فصاعداً عليك الحصول علي تصريح بالصيد ..
عاد ضعيفاً يتمسح في الجندي مثل حمل وديع:
ـ سافعل ، الآن أنا في حاجة لإطعام عيالي ..
نبهه الشرطي :
ـ يجب أن تحترم نفسك أيضاً ، هل سمعت؟
ـ ولكن ..
قاطعه :
ـ ولا كلمة ..
لم يمنحني البحر سمكة واحدة بينما انهمك الرجل في صيده الوفير ، علت الشمس زاحفة نحو السماء ..
غادر الرجل المكان بعد أن هربت الأسماك إلي قاع البحر فقد سخن سطح الماء ، كانت جموع الصيادين تغني عائدة في كورال واحد:
ـ طلعت يا محلا نورها ...
والرجل يردد معهم ثم أشار لي :
ـ هذا مكانك قد خلا الآن ..
ثم أطلق ضحكة مدوية راحت تطارد النوارس فملأت الفراغ الشاسع بين البحر والسماء ..
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" القصة الثالثة "
هذا القادم ..

سيقطع المسافة من " نيوجيرسي" محل إقامته حتي " نيويورك " وبعدها يستقل الطائرة ليحط برحاله في مصر ، معه زوجته الأمريكية " ماندي " التي تشبه مواطنتها الممثلة القديمة " بيتي ديفيز " هكذ يشبهها أبي ، معهما ولدين أنجبهما في الغربة ماجد وسميح ..
بالطبع لن يذهب أبي لاستقباله في المطار كما لم يحدث من قبل ، ماالحال إذن وقد بلغ أبي من الكبر عتياً ؟.
أعمامي وعماتي شمروا عن سواعدهم وتأهبوا لمراسم استقبال وصفت بالتاريخية :
ـ لقد مرت عليه أكثر من عشر سنوات في بلاد الغربة ..
قالت عمتي روحية وهي تمني نفسها بمزيد من الهدايا ، ثم أردفت :
ـ ابنتي تستعد للزواج ، لابد أنه سيهديها بعض الأشياء ..
عارضها زوجها الأستاذ خلدون بسبب إصرارها علي السفر لإستقبال أخيها ، ثم سمح لها بعد أن استرضته فردد مثلاً غريباً لم اسمعه من قبل ..
جدتي " وهب " راقبت الموقف جيداً وقلبها ثابت في موضعه غير آبهة بشئ مما يحدث حولها وراحت تمط شفتها السفلي :
ـ يا ما جاب الغراب .....
أسكتتها عمتي وهي تضرب علي صدرها خشية أن يسمعها أحد :
ـ لأجل خاطري ..
* * *
بعد السلام والتحية سأل عن أبي ، رد عمي سالم :
ـ لديه بعض الأشغال ، ينهي إجراءات الإحالة للمعاش.
صفر بفمه :
ــ بالطبع سيشتري فيللا بالساحل الشمالي أو يرمم البيت القديم في القرية ليقضي فيه مرحلة الإستجمام كما هو يحلم .
قلت :
ـ عدة آلاف من الجنيهات هي قيمة المعاش ، بالكاد تصل إلي عدد أصابع اليدين ..
ـ كم قلت ؟ وكم يبلغ هذا المبلغ مقابل الدولار ؟
قلت عن أبي مدافعاً في غيظ :
ـ سل عن اليورو ولا تسل عن الدولار ..
كانت السيارة تنهب الطريق نهباً وعمي القادم من بلاد العم سام يحث السائق بمزيد من السرعة تارة ، وتارة أخري لا يكف عن طرح أسئلة فتأتيه الإجابات بالمجان دون أن بذل أي جهد ، قلت في نفسي:
ـ كل شئ الآن أصبح بالمجان ..
سألني عمي :
ـ ماذا تقول؟
لم أجب بالطبع ، وعاد يسأل :
ـ كنت أظن أن واحداً من أخوتي قد فتح الله عليه وأصبح من مليونيرات المنطقة الحرة في المدينة .
قالت عمتي روحية التي لم تكف عن الثرثرة ونصبت من نفسها متحدثاً رسمياً بالنيابة عن الأسرة جميعاًَ :
ـ كيف ذلك ؟ الغلاء استشري ولم تعد أسعار زمان سوي ذكريات باهتة..
تمتم عمي بكلمات هامسة مع زوجته التي لم تكف عن التدخين ، ثم نظر من نافذة السيارة مشيراً إلي الإعلانات الضخمة المنتشرة علي جانبي الطريق بالقرب من مدخل المدينة :
ـ مدينة بكل هذا الحجم من الثراء وأهلها يشكون من الغلاء ؟
قالت عمتي وقد انهارت أحلامها وخارت قوي خيلها المتسابقة في برية بلا نهاية :
ـ هل تتصور ؟ هكذا هو الأمر ..
لم يأبه القادم بل انشغل مع عجوزه الشمطاء يداعبها ويتبادلان الدخان معاً دون مراعاة لشاب مثلي يدخن السجائر خلسة ..
* * *
سنوات عشر أو أكثر تفصلني قبل سفر هذا العم الذي انقطعت كل صلاته بنا ، دارت في رحي نفسي أسئلة تتري تحاصرني عن مغزي عودته الآن :
ـ ما هي أخبار البيت الريفي ؟
قطع حبل أفكاري ، ردت عمتي بتلك الثرثرة المعروفة :
ـ نود جميعاً في بيعه ..
ـ ولماذا ؟
ـ لا أحد يستفيد منه ، بنيان بات خرباً فالكل هجره ، صار موئلاً للحشرات وللهوام ..
ـ هل ثمة مشتر ؟
ـ نبحث ..
* * *
لم أكن قد بلغت سن الشباب حين سافر ، قال لي مودعاً :
ـ حالما تنتهي من دراستك ، لك مقعد في طائرة اليوم التالي ..
انتهيت من دراستي وحياة الجندية ، وظللت في انتظار الوظيفة ، والحلم الكامن بعيداً خلف المحيط يتراءي لي مثل شهاب حتي طال الوقت ، وامتدت المسافات وانطوت الأحلام بعيداً ولم يف العم بوعده ..
* * *
حسدني أعمامي وعماتي علي تلك الحظوة التي أتمتع فيها بصحبة عمي ،صرنا نجول معاً في شوارع يستعيد فيها ذكرياته ورفاق دربه ، يحكي عن " الخائنات " لقلبه ، ينظر بعين ناقدة لكل شئ وتلك العشوائيات التي لم تزل مطلة عند أطراف المدينة كأنه أحد مسئولي البلدية ، صاح في وجهه واحد :
ـ هل أنت المحافظ الجديد أم رئيس الحي ؟
لم يرد ، قال بعد حين :
ـ رجل غوغائي غير متحضر ..
حمدت الله علي أن الأمر مر بسلام دون أن يقع مالا يحمد عقباه ، ثم قال :
ـ لقد صارت أصوات الناس عالية وزادت الضوضاء ؟
أبناء شارعنا نظروا لي بإعجاب وبإحترام جم ، حيوا ضيفي ووجوههم تعلوها البشاشة ويرتسم عليها البشر:
ـ عمي الذي يعيش في أمريكا ..
كنت أقدمه بالطبع لمن خاضوا في سيرتي بأن " اليانكي " سيشري لي لبن العصفور ، خافوا من كبري عليهم :
ـ سيصعر خده ويتعالي ..
داعبتهم في لطف :
ـ اسمي جمال ، هل نسيتم ..
رحب بنا قدورة الجزار ووسع لنا مقعداً بجواره :
ـ أهلاً يا باشا ..
صفق لصبيه بأن يحضر علي الفور مشروباً بارداً ..
ثم أردف مخاطباً عمي :
ـ أظن أننا التقينا من قبل ..
قال عمي :
ـ ربما .. لكنني لا أذكر متي !!
الشك ساور الجزار فهمس في أذني بينما وضع عمي ساقاً فوق أخري غير عابئ بالحديث :
ـ أليس هذا عمك القادم من أمريكا حقيقة ؟
هززت رأسي مؤكداً ، ولم يمد عمي يده ليمس زجاجة المشروب البارد ، بدا متعالياً ،ثم نظر في ساعتة يده وهب علي الفور كمن لدغه عقرب :
ـ لقد تأخرنا ..
قال قدورة :
ـ بالفعل ..

* * * *
يقول أبي :
ـ كان الوطن يمر بمحنة قاسية ، حرب يونيه ، أخبر خطيبته ليلي بالسفر ، خيرها بينه وبين البقاء ، قالت :
ـ الوطن ..
وقتها تبرعت بدبلتها للمجهود الحربي ، وسافر هو إلي أمريكا بعد أن درس العلوم الطبيعية بجامعة القاهرة :
ـ ساعدته قدر المستطاع بحكم أني كبير العائلة ، راح ولم يعد ، الكل ظن أنه مات ، جدتك وهب كانت تؤكد أنه مازال حياً يرزق :
ـ قلبي دليلي ..
عدت لأسأل أبي :
ـ وماذا بعد ؟
قال والحزن يكتنفه :
ـ قبل فترة وصلتني رسالة منه يعتذر عن انقطاع أخباره وتأخر رسائله متعللاً بكثرة مشاغله ..
ضحك وهو يذكرني :
ـ هل تذكر يوم أن نشرت "الهلال " قصة لك ، فكأنه حقق نصراً مؤزراً وقف مفاخراً بين أعضاء الجالية المصرية :
ـ هذا الشبل من ذاك الأسد ..
وأشار في زهو :
ـ هذا ابن أخي الذي اكتشفت موهبته قبل سفري.
وكتب في ذيل رسالته :
ـ سوف أهديه حاسوباً عند حضوري ..
* * *
منح أبي رجل البريد الشاب ابتسامة ، فدعا له الشاب بأن تحوي الرسالة شيكاً بالعملة الصعبة :
ـ كم كان المبلغ ؟
قلت دون أن أشعر ،لحقت بي أمي مؤكدة :
ـ شئ يدعو للعجب ، تسابق أعمامك جميعاً كل منهم يسأل عن حصته في المبلغ المرسل ، أدلي كل منهم بخبرته في أسعار صرف الدولار، جددت عمتك رغبتها في استكمال حاجيات ابنتها التي لم تتزوج حتي الآن ، وحاجتها لدفع مصروفات الجامعة لإبنها ..
قدم أبي لهم الرسالة فجعلوا يركضون بعيونهم كالخيول الجامحة فوق سطورها حتي تقطعت أنفاسهم دون الوصول :
ـ يا للخسارة ، ماالعمل إذن ؟
رد أبي :
ـ لا شئ ، لا شئ ، لسنا في زمن المعجزات .
ـ هل تكتب له ؟
ـ أنا لا أكتب منذ زمن ..
ـ سنكتب نحن ..
ـ اكتبوا ، فما أسهل الكتابة ..
* * * *
قالت زوجته وهي تضع ساقاً فوق أخري بمواجهة أبي قبل أن تمنحها أمي منديلاً كبيراً تواري به ساقيها :
ـ لقد زادت بدانتك كثيراً يا أم جمال ، يبدو أنك طاهية ممتازة ..
شكرتها أمي بقدر ما بذلت من جهد في البحث عن كلمات بالإنجليزية مازالت تذكرها وسألتها عن ماجد وسميح :
ـ انهما في رحلة مدرسية إلي عاصمة النور وسيعودان بعد أيام ..
ـ نحن في شوق كبير لهما ..
ربتت زوجة عمي علي كتفي :
ـ متي تتزوج " مستر " جمال ؟
قلت :
ـ في القريب ..
كان عمي صامتاً طوال الجلسة يحملق في اهتمام بالغ في وجه الرئيس الأمريكي بوش وهو يلقي خطاب الإتحاد عبر قناة " الحرة " التي بحث عنها ، قال هو يودع أبي :
ـ هل ثمة مساعدة يمكنني تقديمها من أجل عيني الولد جمال ؟ ـ شكراً..
ـ هل ستزورنا في الفندق الذي نقطنه ، أظنك تعرفه جيداً ؟
ـ بالطبع ..
سحب أبي يده من وسط قطعة ثلج غلفت يد عمي ، رد :
ـ بالطبع ، سيذكرني جمال بالموعد ، وغمز لي بطرف عينه ..
لم أذكر أبي بالموعد ، ولا أبي تذكر ، أبي نسي وأنا نسيت ، و.......
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب : محمد عبده العباسي
بورسعيد ـ مصر

د- صلاح الدين محمدابوالرب
09/11/2007, 07:42 AM
ارجو قبول هذه المشاركة في مسابقة القصة القصيرة
القصة الاولى((( الكتكوت المجنون ))))



الكتكــوت الاحمر


إشترى لأطفاله مجموعة من الكتاكيت الملونة التي تباع في الأسواق وتستهوي الأطفال كثيراً... فيشتريها الكبارللصغار لكن في الحقيقة ،هم من يتسلى فعليا .. لذلك فليس من العيب أن ينظر بين فترة وأخرى في الكرتونة الكبيرة التي وضع الكتاكيت بها ويراقب حركاتها .. ويطعمها أو ينظفها، فيحملها بين فترة وأخرى، مع أنه يحرم ذلك على أطفاله وأطفال إخوته الذين تجمعوا حول الكرتونة وهم يراقبون مجتمع الكتاكيت.

صرخ أحد الأطفال ينادي والده لقد وجد كتكوتاً ميتاً .. جاء يبحث الوضع وقرر أن الإزدحام في الكتاكيت قتل هذا المسكين لأنه أضعفهم وأخذه والقى به بعيداً... في اليوم التالي صرخ الطفل فهناك كتكوت آخر مات .. وزادت الحالة ففي كل يوم هناك كتكوت يموت ، مع انه ينظف تحتها ويباعد ما بينها ويطعمها .. لقد لاحظ أن حجم الكتكوت الأحمر أكبر من بقية أقرانه، مع أنهم كانو بحجم واحد عندما أحضرهم للمنزل ووضعهم بالكرتونة ... وزادت الظاهرة يموت كتكوت .. ويكبر حجم الكتكوت الأحمر ..
راقب الرجل مجتمع الكرتونة بدقة وبشكل يومي، فوجد الكتكوت الاحمر يتزعم محموعة الكتاكيت .. له موقع مميز عند الأكل وعند الراحة .. وأحياناً يهاجم غيره من الكتاكيت، فينقر من لا يعجبه في ظهره ويأكل منه ما استطاع ثم يتركه يموت .. وهكذا حتى أصبح نقر الكتاكيت هواية بل متعة ..وعندما يأخذ زاوية من الكرتونة وينفش ريشه تبدأ بقية الكتاكيت بالإنتشار والهرب من وجهه ولا يبقى أمامه سوى أضعفها الذي يتشنج من الخوف والرعب ثم يأتي اليه يزهو بنفسه وينقره في ظهره ويأكل ما تيسر له ثم يتركه ليموت ..

لم يكن الكتكوت الأحمر يعود الى أي كتكوت قد قتله سابقاً... بل إنه يبحث عن كتكوت جديد، أنه يستمتع بالقتل وبطعم دم الكتكوت الذي يموت .. ويزداد حجم الكتكوت الأحمر ويتضخم .. أما الأخرى فأصيبت بالهزال ، فهي لا تقبل على الطعام ولاشراب .. فقط تأخذ زاوية من الكرتونة خوفاً من هذا الجبار الذي نما في وسطها دون أن تشعر .. و جاء دور آخر كتكوت .. هجم عليه الكتكوت الأحمر بقوة ووحشية وجنون ونهش لحمه وقتله ثم بدأ يصيح من حوله .. فرحا منتصراً...
أزاح الرجل جثمان آخر كتكوت ..وبقي الكتكوت الاحمر قويا جبارا لكن وحيدا، وبدأ صراخه يختلف ، فهو لا يجد حوله أي كتكوت يصرخ عليه ولا يجد من حوله من يخيفه حتى الطعام لا يوجد من ينافسه عليه .. فمهما فعل لا يجد أمامه سوى بعض حبيبات يلتهمها .. ثم يعود لينام في زاوية الكرتونة مع ذكريات الإنتصار .. وفي ذات صباح وجدوه ميتاً في تلك الزاوية وآثار النقر على جسده.

***********************************************

القصة الثانية((( يوم جميل )))




يــوم جميــل



أزاح الستارة ... وفتح الشباك ... فتسلل نسيم الصباح الجميل ... سحب منه قدراً وحبسه في صدره ..... وبدأ يقلب النسمات في أنفه، وينقلها بهدوء المستمتع الى صدره ... يشم عبق الربيع ... يميز بين انواع الروائح التى يشمها .. ليسرح مع كل نوع منفرداً ... فهذا ناعم برىء يصلح لبنت العشرين .. وذلك عطر قوى حاد، عنوان النشاط ...وهذا عطرهادىء ، يسرق الانسان من سكوته ، و هو عنوان الانوثة... ان هذه التشكيلة من الروائح الجميلة تختلط في جوفه ،تثير جميع الأحاسيس الكامنة والساكتة، فتعجنها في صيحة واحدة من الإستمتاع.

ويرشف من فنجان القهوة رشفة، تتسلل مسرعة من فمه الى جوفه، فيشعر بها في رأسه... قوة ، ونشاطا ،ً وإقبالاً على يومه .. إنه حقاً يوم جميل...

كيف لا وهو يشعر بالملمس الناعم من النسيم يداعب خده الى رقبته، فيرفع رأسه نشواناً بجمال الحياة التي وهبها له الله... يحمده على يومه الجديد الذى رزقه اياه...

ضحك بابتسامة المطمئن ، من أولئك الذين لايحبون الا أن تسير الدنيا على هواهم ، مع اعطائهم الصلاحية المطلقة بان يغيروا مايريدون من واقعهم وعلى هواهم...

كيف لا يرضى هؤلاء بنعيم الله ،كيف لا يستمتعوا بجزيئات الحياة ،انها نعمه ، والأهم من ذلك نعمة الشعور بهذه النعمة .
انتهى وقت التامل وبدأ وقت العمل ....مد يده يتلمس الأوراق التي وضعها على الطاولة والمكتوبة بطريقة (بريل) لفاقدي البصر... أخذها وفتح عصاه البيضاء يتلمس طريقه باحثاً عن وظيفة يعمل بها.


************************************

القصة الثالثة((( موجة عظيمة ))))


موجة عظيمة




نظر الى الموجة العالية التي كان ينتظرها منذ بداية الشتاء، هاهي تقترب وتزداد قوة ، وقف اما مها بتحد وهو يتذكر ابنه الشاب الذي اخذته غدرا .. ويزداد الغل والرغبة بالانتقام، وهو يسمع هدير الموج، وهو يرتطم بالشاطىء .. ينذر بقدوم الموجة...وزوجته العجوز، تبكي،، تصرخ،، تتوسل له ان يرجع

تقدم ببطء .. والموجة تزداد قوة... تتقدم الي الشاطىء مزمجرة لاتنوي على خير.... واقتربت لحظة اللقاء فهجمت عليه من الامام ومن الاعلى.... وقبل ان تطبق عليه..... اخرج من تحت ابطه..... سكينا... ورفعها وهويبتسم صارخا
خذي هذه انتقاما لابني
وطواه الموج مع السكين




الدكتور صلاح الدين محمد ابو الرب***************

حسن برطال
09/11/2007, 11:56 PM
المجموعة الأولى للمشاركة




حارس بعينين





الكلب ينبح .. الحارس يلتفت هنا و هناك .. يبحث عن مكان الحادث .. و امرأة على الشرفة

تقص جوانب ( وردة ) بمقص .. الكلب ينبح في وجهها .. و الحارس يسألها :





ــ هل مر ( مجرم ) من هنا ..؟؟ ../



في( سنابل ) مائة جلدة






رضيتِ السنبلة ب ( منجل ) معقوف بدل آلة ( حصاد ) .. فدرسها حافر ( بغل ) و ( حمار ) ../






قوس قزح






المسكن فاخر بمدخله الراقي .. بطلائه اللامع ..وزجاجه البراق .. ولما ظهر الوجه على الشرفة



لم أر ( سواد ) العيون .. الخد ( الوردي ) .. و الشفة ( الحمراء ) فقلتُ في نفسي :

ــ لا ثقة في كل هذه الألوان التي تهجر هذا الوجه و تُلَون الحجر ../







ملف ( وورد )






طلبتْ من المسؤول عن ( السيبير ) تشغيل الجهاز لأنها لا تحسن استعمال ( الأزرار )..



ثم ربط لها الإتصال بعشيقها على بريده الإليكتروني ، فهي لا تفقه في لغة ( الأزرار )..

ضبط لها الصورة و الصوت .. دربها على مغازلة ( الأزرار )..
جلستْ .. فكتِ المعطف ثم خلعته .. فكتِ القميص ثم فَتَحَتْه على مستوى الصدر ..
فكتْ و فتحتْ ما يمكن فتحه من الملابس .. و لما تأخرتْ في طلب خدماته ، ابتسم صاحب
( السيبير ) و قال لها :
ـ أظن أنكِ قد تمكنتِ من استعمال ( الأزرار ) ..؟؟ .../







مطعم على ( الأنتر- بَيْت )






كانت على موقع ( الحلويات ) .. على قائمة ( المقادير ) ..


* 500 غ من ..............
* 50 غ من ...............
* كوب من ................
* ملعقتين من ............
و فجأة وصل إلى أنفها :
* عبير من .. ( شاي منعنع و سمن بلدي ) فقالت :
- الله على موقع ..
و بينما هي تدونه على مذكرتها .. كانتِ الأم تضع قربها كوب شاي و فطائر لذيذة .../






حقيبة سفر من نوع ( HP )






كان يتابع عرض الأزياء .. و الملابس ( الداخلية / الخارجية ) على شاشة( حاسوبه ) المحمول
العجوز التي كانت تجلس بجانبه داخل المقصورة اخترقت ( موقعه ) قائلة :
ـ سيدي .. حقيبتكَ تحمل كل هذه الملابس الجميلة و سروالك متسخ .. حاول أن تغيره ..
و بينما هو ينظر إلى البقعة( الزيتية ) قرب أزرار بنطلونه ، كانت العجوز تستعد للمغادرة
و بيدها ( حاسوبها / حقيبتها ) التي تحمل أغراض سفرها تاركة إياه صحبة ( صُوَره)
الأنيقة و ( واقعه ) المتسخ .../



المجموعة الثانية



الحمل ( الاستسلام و قبول الهزيمة)

حاول عن طريق البر…عن طريقالبحر و عن طريق الجو و في كل مرة يفشل… لقد كذبوا عليه حينما قالوا بان كل الطرقتؤدي إلى ( روما)

الثور (السذاجة و الغباوة)
رفض المشي في الوراء…خلف الزمن…و لما جرى في اتجاه المقدمة وجد نفسهقبل التاريخ…
الجوزاء ( ثنائية الخير/ الشر)
لمالاحظت الخادمة نقصا واضحا في كمية الفواكه الموضوعة داخل الثلاجة .. احتفظت بالباقيفي بطنها خوفا من السرقة..
السرطان ( الهشاشة وا لتسوس)
ترك افقه…و نظر في المنظار ليرى الأفق البعيد…
الأسد ( التسلط و الاستبداد)
عاد الشاعر من المهجر ..فأجبرته شرطة الحدود على جمركة حمولاته من الكلمات…
العذراء ( الوجه اللعوب)





حينما فكر في الزواج…قيل له عليكبالعذراء….وجد العذراء لكنه لم يجد ما كان يتمناه…فتركها



المجموعة الثالثة

الميزان ( الحقيقة المطلقة)








شارك فيمسابقة الموز..و طريقة أكله ..فانهزم أمام " قرد "



العقرب ( الغدر و الخيانة)



حينما تأسف عن مسكنها في قلبه الضيق..قالت لا تحزن إنهاإقامة مؤقتة لا اقل ولا أكثر..



القوس ( الجريمة )



وضعت على وجهها "مسحوقا"..و لما نظرت في المرآة رأت "شعبا"




الجدي ( جذور )



تبرع بجميع أموالهلفائدة حساب الجمعية الخيرية..و هكذا حملوه بعد وفاته إلى القبر على حساب " الجمعيةالخيرية "



الدلو ( ميتافيزيقا و أسرار)



استيقظتباكرا..جمعت الافرشة..رتبت غرفة النوم..و لما فتحت النوافذ أصبحت العلاقة الزوجيةفي " مهب الريح "



الحوت ( الوجه الزئبقي)



ضربه فيالظهر لم يعترف..و لما ضربه في البطن تكلم و قال كل شيء..






حسن برطال









سيرة ذاتية

**********


حسن برطال من مواليد سنة 1958 بالبيضاء / المغرب .. متزوج .. حاصل على شهاذة الباكالوريا شعبة العلوم التجريبية

سنة 1980 ..

* ( 1980 / 1981 ) السنة الأولى شعبة( الكيمياء / الفيزياء ) كلية العلوم جامعة محمد الخامس ( الرباط )



* ( 1981 / 1982 ) السنة الأولى ( مهندس كهربائي ) بالمعهد العالي للمهندسين ( شارلوروا ) بلجيكا



* ( 1982 إلى 1984 ) المركز التربوي الجهوي (مركز تكوين الأساتذة ) / نيابة الحي الحسني عين الشق ..

تخصص الرياضيات .. يعمل حاليا بالثانوية التأهيلية محمد السادس ( أناسي ) التابعة لوزارة التربية

الوطنية و تكوين الأطر ..



* ( 1981 ) المشاركة في حلقتين من البرنامج الثقافي التلفزيوني ( مواهب ) من إعداد ( نقيب الفنانين )

بالمغرب الأستاذ عبد النبي الجيراري..



* ( 1991 ) المهرجان الوطني لمسرح الطفل المدرسي [ مسرحية ( في حقيبتي حجارة – القضية الفلسطينية - )

من تأليف حسن برطال و تقديم مدرسة الإمام علي



* ( 1992 ) المهرجان الوطني لمسرح الطفل المدرسي ( مسرحية أبي دولامة ) تأليف حسن برطال و تقديم

مدرسة الإمام علي



* ( 1994 ) المهرجان الوطني لمسرح الطفل بمدينة مكناس ( مسرحية اللوحة و السبورة ) تأليف حسن برطال

إخراج المسرحي محمد الشيوي و تقديم جمعية أشبال البرنوصي ..



* نائب رئيس سابق لجمعية الوفاق للمسرح و الثقافة



* ( 10 / 11/ 12 ) يوليوز 1991 ( المشاركة في الماتقى الوطني الأول للمبدعين الشباب بمدينة الخميسات

من نتظيم جمعية ميثاق الشباب تحت إشراف عمالة الإقليم بتعاون مع المجلس البلدي للمدينة .



* عدة منشورات ( ورقيا و رقميا ) / ( عربيا و محليا ) في ميدان القصة / القصة القصيرة جدا / الشعر

حوارات / دراسات نقدية ...



* ملتقيات وطنية و ندوات آخرها الملتقى الوطني الأول للقصة القصيرة جدا ضمن فعاليات الصالون الأدبي

( الدار البيضاء ) و المشاركة في مائدة مستديرة بالمعرض الدولي للكتاب و النشر من تنظيم وزارة

الثقافة فبراير 2007



المــؤلـــفــــــات

**********

* ( أبــــــــراج ) مجموعة قصص قصيرة جدا ضمن منشورات وزارة الثقافة سنة 2006



* ( حروف أبجدية ) مجموعة قصص قصيرة جدا في طريقها إلى النشر

بشير صابري
10/11/2007, 06:41 PM
http://usafssret.homestead.com/files/tears.jpg






كان ياسر طفل التاسعة في الصف الرابع .وكنت أعطيهم حصتين في

الأسبوع .. كان نحيل الجسم .أراه دوماً شارد الذهن .. يغالبه النعاس

كثيراً .. كان شديد الإهمال في دراسته .بل في لباسه وشعره.. دفاتره

كانت هي الأخرى تشتكي الإهمال والتمزق !! حاولت مراراً أن يعتني

بنفسه ودراسته فلم أفلح كثيراً لم يجد معه ترغيب أو ترهيب !! ولا

لوم أو تأنيب !! ذات يوم حضرت إلى المدرسة في الساعة

السادسةقبل طابور الصباح بساعة كاملة تقريباً كان يوماً شديد

البرودة .. فوجئت بمنظر لن أنســـــاه دخلت المدرسة فرأيت في زاوية

من ساحتها طفلين صغيرين قد انزويا على بعضهما .. نظرت من بعيد

فإذ بهما يلبسان ملابس بيضاء لا تقي جسديهما النحيلة شدة

البردأسرعت إليهما دون تردد وإذ بي ألمح ياسر يحتضن أخاه

الأصغر ( أيمن )الطالب في الصف الأول الابتدائي .ويجمع كفيه الصغيرين

المتجمدين وينفخ فيهما بفمه ويفركهما بيديه

منظر لا يمكن أن أصفه وشعور لا يمكن أن أترجمه دمعت عيناي من

هذا المنظر المؤثر

ناديته : ياسر ما الذي جاء بكما في هذا الوقت

؟ ولماذا لم تلبسا لباساً يقيكما من البرد !! فازداد ياسر التصاقاً بأخيه

ووارى عني عينيه البريئتين وهما تخفيان عني الكثير من المعاناة والألم

التي فضحتها دمعة لم أكن أتصورها ! ضممت الصغير إليّ فأبكاني

برودة وجنتيه وتيبس يديه أمسكت بالصغيرين فأخذتهما معي إلى

غرفة المكتبةأدخلتهما وخلعت الجاكيت الذي ألبسه وألبسته

الصغير أعدت على ياسر السؤال : ياسر ما الذي جاء بك إلى

المدرسة في هذا الوقت المبكر ومن الذي أحضركما !؟

قال ببراءته : لا

أدري السائق هو الذي أحضرنا !! قلت : ووالدك قال : والدي مسافر

إلى المنطقة الشرقيةوالسائق هو الذي اعتاد على إحضارنا حتى بوجود

أبي

قلت : وأمــــك !! أمك يا ياسر .. كيف أخرجتكما بهذه الملابس

الصيفية في هذا الوقت !؟ لم يجب ياسر وكأنني طعنته بسكين بدأ

ينظر إلى الأرض

ويقول:

أ... أم... أمي... أميـ... ثم استرسل بالبكى !! قال أيمن ( الصغير ) :

ماما عند أخوالي !!!!!!

قلت : ولماذا تركتكم .. ومنذ متى !؟

قال أيمن :

من زمان .. من زمان !!

قلت : ياسر . هل صحيح ما يقول أيمن !؟

قال : نعم من زمان أمي عند أخوالي .. أبوي طلقها . وضربها .. وراحت

وتركتنا .. وبدأ يبكي ويبكي !!

هدأتهما .. وأنا أشعر بمرارة المعاناة

وبدأت أنا الآخر بالبكى ولكن حاولت أن أتمالك نفسي وأن أكظم ما

استطعت ولكي لايفقدان الثقة بأمهما قلت ولكن أمكما تحبكما .. أليس كذلك !؟

قال ياسر : إيه .. إيه .. إيه .. وأنا أحبها وأحبها وأحبها .. بس

أبوي !! وزوجته !!

ثم استرسل في البكاء !!

قلت له : ما بكما ألا ترى أمك يا ياسر !؟

قال : لا .. لا .. أنا من زمان ما شفتها .. أنا يا أستاذ ودي أشوفها لو

مرة تكفى ياأستاذ !!

قلت : ألا يسمح لك والدك بذهابك لها !؟

قال : كان يسمح بس من يوم تزوج ما عاد سمح لي !!!
قلت له : يا ياسر .

زوجت أبوك مثل أمك .. وهي تحبكم !!

قاطعني ياسر : لا .. لا . يا أستاذ أمي أحلى .. هذي تضربنا .. ودايم

تسب أمي عندنا !!
قلت له : ومن يتابعكما في الدراسة !؟

قال : ما فيه أحد يتابعنا ..

وزوجة أبوي تقول له إنها تدرسنا !!
قلت : ومن يجهز ملابسكما وطعامكما ؟

قال : الخادمة ..

وبعض الأيام أنا !! لأن زوجة أبوي تمنعها وتخليها تغسل البيت !!

وأنا اللي أجهز ملابسي وملابس أيمن مثل اليوم !

اغرورقت عيناي بالدموع فلم أعد استطيع كظمه.. !

حاولت رفع معنوياته .

فقلت : لكنك رجل ويعتمد عليك !

قال : أنا ما أبي منها شيء !
قلت : ولماذا لم تلبسا لبس شتوي في هذا اليوم ؟ قال : هي منعتني !! قالت : خذ هذي الملابس وروحوا الآن للمدرسة ..

وأخرجتني من الغرفة وأقفلتها !

قدم المعلمون والطلاب للمدرسة .

قلت لياسر بعد أن أدركت عمق المعاناة والمأساة

التي يعيشها مع أخيه : لا تخرجا للطابور

وسأعود إليكما بعد قليل

خرجت من عندهما ..

وأنا أشعر بألم يعتصر قلبي ..

ويقطع فؤادي !

ما ذنب الصغيرين !؟

ما الذي اقترفاه ؟

حتى يكونا ضحية خلاف أسري .. وطلاق .. وفراق !!

أين الرحمة !؟

أين الضمير !؟

أين الدين !؟

بل أين الإنسانية !؟

قررت أن تكون قضية ياسر وأيمن .. هي قضيتي !!

جمعت المعلومات عنهما .

وعن أسرة أمهما ..

وعرفت أنها تسكن في الرياض !!

سألت المرشد الطلابي بالمدرسة عن والد ياسر وهل يراجعه !؟

أفادني أنه طالما كتب له واستدعاه .. فلم يجب !!

وأضاف : الغريب أن والدهما يحمل درجة الماجستير ..

قال عن ياسر : كان ياسر قمة في النظافة والاهتمام .

وفجأة تغيرت حالته من منتصف الصف الثالث !!

عرفت فيما بعد أنه منذ وقع الطلاق !!

حاولت الاتصال بوالده .. فلم أفلح ..

فهو كثير الأسفار والترحال ..

بعد جهد .. حصلت على هاتف أمه !!

استدعيت ياسر يوما إلى غرفتي

وقلت له : ياسر لتعتبرني عمك أو والدك ..

ولنحاول أن نصلح الأمور مع والدك ..

ولتبدأ في الاهتمام بنفسك !!

نظر إليَّ ولم يجب وكأنه يستفسر عن المطلوب !

قلت له : حتماً والدك يحبك ..

ويريد لك الخير .. ولا بد أن يشعر بأنك تحبه ..

ويلمس اهتمامك بنفسك وبأخيك وتحسنك في الدراسة أحد

الأسباب !!

هزَّ رأسه موافقاً !!

قلت له : لنبدأ باهتمامك بواجباتك ..

اجتهد في ذلك !!
قال : أنا ودي أحل واجباتي .

بس زوجة أبوي تخليني ما أحل !!

قلت : أبداً هذا غير معقول .. أنت تبالغ

قال : لايأستاذ أنا ما أكذب هي دايم تخليني

اشتغل في البيت وأنظف الحوش , , , !!

صدقوني ..

كأني أقرأ قصة في كتاب !!

أو أتابع مسلسلة كتبت أحداثها من نسج الخيال !!

قلت : حاول أن لا تذهب للبيت إلا وقد قمت بحل

ما تستطيع من واجباتك !!

رأيته .. خائفاً متردداً .. وإن كان لديه استعداد !!

قلت له ( محفزاً ) : ياسر لو تحسنت قليلاً سأعطيك مكافأة !!

هي أغلى مكافأة تتمناها !!

نظر إليَّ .. وكأنه يسأل عن ماهيتها !!

قلت : سأجعلك تكلم أمك بالهاتف من المدرسة !!

ما كنت أتصور أن يُحْدِثَ هذا الوعد ردة فعل كبيرة !!

لكنني فوجئت به يقوم ويقبل عليَّ مسرعاً .

ويقبض على يدي اليمنى ويقبلها

وهو يقول :

تكف .. تكف .. يا أستاذ أنا ولهان على أمي !! بس لا يدري أبوي !!

قلت له : ستكلمها بإذن الله شريطة أن تعدني أن تجتهد ..

قال : أعدك !!

بدأ ياسر .. يهتم بنفسه وواجباته .

وساعدني في ذلك بقية المعلمين

فكانوا يجعلونه يحل واجباته في حصص الفراغ .

أو في حصة التربية الفنية ويساعدونه على ذلك !!

كان ذكياً سريع الحفظ .. فتحسن مستواه في أسبوع واحد !!!

( صدقوني نعم تغير في أسبوع واحد ) !!

استأذنت المدير يوماً أن نهاتف أم ياسر ..

فوافق ..

اتصلت في الساعة العاشرة صباحاً .

فردت امرأة كبيرة السن ..

قلت لها : أم ياسر موجودة !!
قالت : ومن يريدها ؟
قلت : معلم ياسر !!
قالت : أنا جدته . يا ولدي وش أخباره ..

حسبي الله على اللي كان السبب ..

حسبي الله على اللي حرمها منه !!
هدأتها قليلاً .. فعرفت منها بعض قصة معاناة ابنتها ( أم ياسر ) !!
قالت : لحظة أناديها ( تبي تطير من الفرح ) !!
جاءت أم ياسر المكلومة ..

مسرعة ..

حدثتني وهي تبكي !!

قالت : أستاذ ..

وش أخبار ياسر طمني الله يطمنك بالجنة !!
قلت : ياسر بخير .. وعافية ..

وهو مشتاق لك !!
قالت : وأنا .. فلم أعد أسمع إلا بكاءها .. ونشيجها !!

قالت وهي تحاول كتم العبرات : أستاذ ( طلبتك )

ودي أسمع صوته وصوت أيمن ..

أنا من خمسة أشهر ما سمعت أصواتهم !!
لم أتمالك نفسي فدمعت عيناي !!

يا لله .. أين الرحمة ؟ أين حق الأم !؟

قلت : أبشري ستكلمينه وباستمرار ..

لكن بودي أن تساعدينني في محاولة الرفع من مستواه ..

شجعيه على الاجتهاد .. لنحاول تغييره ..

لنبعث بذلك رسالة إلى والده !!!

قالت : والده !! ( الله يسامحه ) ..

كنت له نعم الزوجة .

ولكن ما أقول إلا : الله يسامحه !!

ثم قالت : المهم .

ودي أكلمهم واسمع أصواتهم !!

قلت : حالاً .. لكن كما وعدتني ..

لا تتحدثين في مشاكله مع زوجة أبيه أو أبيه !!

قالت : أبشر !

دعوت ياسر وأيمن إلى غرفة المدير وأغلقت الباب ..

قلت : ياسر .. هذي أمك تريد أن تكلمك !!

لم ينبت ببنت شفه .

أسرع إليَّ وأخذ السماعة من يدي

وقال : أمي .. أمي .. أمي ..
تحول الحديث إلى بكاء !!


تركته .. يفرغ ألماً ملأ فؤاده ..

وشوقاً سكن قلبه !!

حدثها .. خمسة عشر دقيقة !!

أما أيمن ...

فكان حديثها معه قصة أخرى ..

كان بكاء وصراخ من الطرفين !!

ثم أخذتُ السماعة منهما .

وكأنني أقطع طرفاً من جسمي ..

فقالت لي : سأدعو لك ليلاً ونهاراً ..

لكن لا تحرمني من ياسر وأخيه !! ولا يعلم بذلك والدهما !!

قلت : لن تحرمي من محادثتهم بعد اليوم !! وودعتها !

قلت لياسر بعد أن وضعت سماعة الهاتف : انصرف وهذه المكالمة

مكافأة لك على اهتمامك الفترة الماضية ..

وسأكررها لك إن اجتهدت أكثر !!

عاد الصغير .. فقبَّل يدي ..

وخرج وقد افترَّ عن ثغره الصغير ابتسامة فرح ورضى !!

قال : أوعدك يا أستاذ أن اجتهد وأجتهد !!

مضت الأيام وياسر من حسن إلى أحسن ..

يتغلب على مشاكله شيئاً فشيئا .. رأيت فيه رجلاً يعتمد عليه !!

في نهاية الفصل لأول ظهرت النتائج

فإذا بياسر الذي اعتاد أن يكون ترتيبه

بعد العشرين في فصل عدد طلابه ( 26 ) طالباً يحصل على الترتيب

( السابع ) !!

دعوته . إليَّ وقد أحضرت له ولأخيه هدية قيمة ..

وقلت له : نتيجتك هذه هي رسالة إلى والدك ..

ثم سلمته الهدية وشهادة تقدير على تحسنه ..

وأرفقت بها رسالة مغلقة بعثتها لأبيه

كتبتها كما لم أكتب رسالة من قبل ..

كانت من عدة صفحات !!

بعثتها .

ولم أعلم ما سيكون أثرها .. وقبولها !!

خالفني البعض ممن استشرتهم وأيد البعض !!

خشينا أن يشعر بالتدخل في خصوصياته !!

ولكن الأمانة والمعاناة التي شعرت بها دعت إلى كل ما سبق !!

ذهب ياسر .. يوم الأثنين بالشهادة والرسالة والهدية

بعد أن أكدت عليه أن يضعها بيد والدة !!

في صبيحة يوم الثلاثاء ..

قدمت للمدرسة الساعة السابعة صباحاً ..

وإذ بياسر قد لبس أجمل الملابس يمسك بيده رجلاً حسن الهيئة

والهندام !!

أسرع إليَّ ياسر .

وسلمت عليه ..

وجذبني حتى يقبل رأسي !!
وقال : أستاذ .. هذا أبوي .. هذا أبوي !!

ليتكم رأيتم الفرحة في عيون الصغير ..

ليتكم رأيتم الاعتزاز بوالده ..

ليتكم معي لشعرتم بسعادة لا تدانيها سعادة !!

أقبل الرجل فسلم عليّ ..

وفاجأني برغبته تقبيل رأسي فأبيت فأقسم أن يفعل !!

أردت الحديث معه

فقال : أخي .. لا تزد جراحي جراح ..

يكفيني ما سمعته من ياسر وأيمن عن معاناتهما مع ابنة عمي

( زوجتي ) !!

نعم أنا الجاني والمجني عليه !!

أنا الظالم والمظلوم !!

فقط أعدك أن تتغير أحوال ياسر وأيمن وأن أعوضهما عما مضى !!

بالفعل تغيرت أحوال ياسر وأيمن ..

فأصبحا من المتفوقين .. وأصبحت زيارتهما لأمهما بشكل مستمر !!

قال الأب : ليتك تعتبر ياسر ابناً لك
قلت له : كم يشرفني أن يكون ياسر ولدي !!

لحسن ملواني
11/11/2007, 10:29 AM
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يشرفني أن أشارك في المسابقة الادبية =القصة القصيرة جدا =
أخوكم لحسن ملواني-مجاز في الادب العربي -له مشاركات في منابر إعلامية مختلفة شعرا ونثرا وفكرا...
وهذه مشاركتي:
الأغنية الخاصّة
لحسن ملواني

وحده المدرك لأنين حيوانات ببطنه ...للتمويه فقط دنا من بائعي المشويات ...هذا المكان يعده حديقة بأشجار من دخان تخفف من روع الباطن الشاكي...
يسكنه رجاء خاص ...يحدق في الأَرضية ساعات لعل لحيمة أو شحيمة تنفلت من الأسلاك...عيناه في الارض، لذلك لم يعد يرى الواجهات ولا اللافتات ... عيناه في أرضية وأحذية بعضها مثير وبعضها مقززوبعضها ناعم كمنتعلته... الأحذية تذهب ، تؤوب، تتوقف ... تستأنف الحركة، والحيواتات التي لا يسمعها سواه تئن في عمقه كصغار كلاب أوقطط في العراء...
أحذية من نوع خاص تقترب من حذائه المتخشب ...
على كتفيه حطت أيد خبيرة في المسك...لم يتحدث ... لم يتساءل ...يتحدثون ، ويصغي لأغنية حزينة أسفل صدره الضيق ...يتحدثون وعينه في أرضية بأحذية لماعة تثير مزيدا من الخوف ...
حين أراد الكلام خانه التعبير فتحدث عن موضوع أغنيته الرفيقة ... وحين اشبعوه ضربا صارت أغنيته أغنيتين لا يصغي إليهما سواه ...
وحين أطلقوه انساب نحو حديقة الدخان برجاء خاص وعمقه يدندن بأغنيته الخاصة.


الحقوق والعقوف



طرق الباب ،وانتظر ، نظر في الساعة، وتراجع يترقب طـَلّة من النافذة، نظر في الساعة ،تقدم وضغط على الزر دقيقة إلا قليلا وانتظر... كان يترقب شكلا وملمحا مفاجئا ... وضع أذنه على ثقب المفتاح وسمع حركة .... تراجع قليلا وفتح الباب ..
إنه الوجه ذاته بغضونه وعينينه الشبه المنطفئتين وفم يا ما تلفظ بالحقوق ونهى عن العقوق... داخل السيارة البيضاء ذات القبعة الحمراء ، كان يحدق في بذلته الرمادية بشكلها المخيف ... كان مطأطأ الرأس على غير عادته ينظر في يديه المجتمعتين قسرا...
خارج السيارة أغلق عليه الباب كي يتحدث عن الحقوق والعقوق وحين يأبى يتعدد الصراخ وصاحب البذلة خارج القاعة يفكر باستغراب عن الحقوق والعقوق ... يفكر في والدة ذليلة أربعين عاما ونصف.



سُقوط النجوم

حَديثها ذو الرنَّة الخاصة مستميل ... حين تحدثت تمكنت من تاج مرصع بالنجوم ... رأينا التاج منتصبا فوق رأسها ...لمعان النجوم يزيدُ قشيبَها ولونَها بَهاء فوق بهاء... من حقّها الآن أن تتباهى ... فحَسَب القول المفصّل، والنّعت المبجل ،والذكر المستحسن لم تعد نجمة فحَسْب ، صارت نجوما نحتاج الاهتداء بها، أو السّمَر تحت أنوارها والتباهي بها أمام النجمات في المهرجانات...
حدثتنا يوم الأحد ... ومضى الأحد...
في يوم الاثنين رأيناها حذو عمود الكهرباء فسقطت نجمتان من تاجها توّا... انصرفت ساهية بلا نجمتين.
في يوم الأربعاء ،كنا في السوق ... وكانت جلستها غريبة ،وحين انصرفت سقطت من تاجها نجمتان ...
صرنا أعلم منها بما يجري فوق تاجها ...
في يوم الجمعة ونحن في الحديقة رأيناها برأس عار من التاج والشعر والمنديل ، وحين اقتربَتْ مِنّا اتخَذتْ أعيُنَنا المستغْرِبَة مرايا لهامتها الشائهة ...
في يوم الأحد غادرت المدينة نحو أخرى...كانت مستعدة لبناء التّاج من جديد...


قصة قصيرة المناديل الراقصة

المناديل معلقة تؤدي رقصتها التراجيدية على إيقاع نسيم عديم النكهة...مناديل تحمل نواح ألف قصيدة للتأوه والرثاء...
المناديل بين العتمة والنور الضئيل ،تثير خرائط غاسق من الأشجان ...حين حدقت فيها رحلت رحلة بأبعاد لا تنتهي ...
ها هي لا تتحكم في شفتيها التي تتطاير منها كلمات بمدلولات مقرفة...
المنديل الأصفر نافذة إلى بحر من دموع ...آه... كانت آنذاك حاملا في شهرها السابع...
المنديل الرمادي يثير مزيدا من الضجر ليستبد بها حنق ما لا تتذكر أوصاف ظروفه...
المنديل الأحمر أصوات وصرخات ومعارك لم تنته إلا بتدخل متعقلين يعرفان معنى أن تكون إنسانا ... والمسبب .
المنديل الداكن يسافر بها في متاهات أخرى ...
اليوم حدقت في مناديلها الراقصة للريح ، وبعد تفكير عميق تنهدت ثم قالت ،ليتني أحد هذه المناديل ،أرقص ولايهمني التأويل وسؤال السبب .

نشوة متأخرة



حيـــن هــَــمّ على الصّـــرخة الأخـيرة وجــد ريـقه كالتّراب وحَلْـقه كالصخر فضاق به المكان وضمه ضمة القبرفي يوم قائظ ...الضيق يحيط به ...يملأ أبعاده الزمكانية والنفسية فيشعر بالعجز عن السؤال ...والعجز عن البحث عن الأجوبة أو الاستماع إليها لو وجدها...العجز يعقله إلا من التفكير في الضيق ...الضيق ...الضيق...الضيق...يقر أخيرا أنه إلى الموت لا محالة ...يمتلك فكرة واحدة وتحمل إليه ضيقا مضاعفا:الموت...ما أقسى أن تموت وأنت تجهل مصيرك الأخير...انضافت إليه فكرة ثانية :العزم على الخير إن انزاح عنه هذا الضيق أوجزء منه على الأقل ...أراد أن يتنهد فعاد إليه الشعور بذلك الثقل الذي يشعره بالموت ويفقده الأمل في الحياة...
ها هو الآن يشعر بفسحة الأرض والسماء ...يحرك أطرافه حين يريد...الله أكبر ما أجمل الحياة ..وما أجمل أن تعود إلى الإحساس بالتعدد والاختلاف...ما أجمل النسيان ...فمجرد التفكير في الضيق ...ذلك الضيق تستعيد وطأته فيقطنك وتقطنه لبعض الوقت..
حين غاص بين ضفتي كتاب كبير الحجم رأى ما رأى ...مسح برنامجا وسطر آخر ...ها هو يضاحك السماء بقمرها ونجومها ليلا، وبشمسها نهارا...
في مساء ذلك اليوم أحضر بخورا وعطورا وأطعمة ...زغردي يا امرأة...زغردي ...عطري هذا الكتاب...بشري قلبك اليائس بولادة تفتح أمامك دربا تحفه الورود وتشيد به نسوة الحي.. قومي يا صغيرتي المعذبة جنبي مدة ...احتضني الكتاب واطمئني .



نهـــاية اللــــعبة "قصة قصيرة جدا"

وكل صباح ،وبعد كل رجعة ،وقبل الخلود إلى النوم بعد الجر والدفع ليوم كامل،وقبل التحية أحيانا ينجذب إلى بطنها ، يضع أذنه على قمته ،ويطلق ثلاث كلمات يستعيد بها تفاؤله...إنه يخاطب مجهولا يستحسنه بكل صدق وثقة...
كانت تراقب فعلته اليومية،بوجه مرتاح يزيده من نشوة الوجود المرتقب...
ذات صباح سمعنا صراخه يخترق الجدران ...قال من بين ما قال أنه إلى الموت أقرب بلا منازع...طمأناه بالعدول عن تشاؤمه...أضفنا كلاما ...أعاد النظر في اعتقاده وقناعته المفاجأة ثم نام ،أوهكذا اعتقدنا...
كانت وراء باب الغرفة ، وحين غادرنا، غمرت البشاشة وجهها ...بالقرب منه كانت بكل بهجة تفك ما كانت تعلي به سنم بطنها مدة سبعة أشهر...قالت بصوت مسموع :يا بشراي لقد انتهت اللعبة ...
استفاق الرجل من نومه،من موته، فردد جملة معلمته بصوت مسموع ممتزج بحنق : لقد انتهت اللعبة.

بنور عائشة
12/11/2007, 04:30 PM
القصة المقترحة للمشاركة :

قصة 1:
ـــــــــ الموؤودة تسأل ... فمن يجيب؟ ــــــــــــ




بقلم / بنــور عائشة


رمقتــه بنظرة من بعيد،، سهام عينيها المشعـتين ببريـق جنوني أقعدته مكانه وعلى بعد المسافــة التي بينهما لم يصدق نفسه أنه هو من تنظر إليــه..
التفت يمينا وشمالا فلم يجد سوى عجوزا تحمل قفـة مغطاة بوشاح صوفي مرقـط كأفعـى ملتفة حول عنقها، وإلى جانبها سيارة الدكاني "سي لخضر".
رفع بصره ونظر إليها مرة أخرى.. لم يبتسم ولم يحرك ساكنا.. أعادت النظر إليه وبعيونها ألهبت كيانه واشتعل قلبه دفئا وبقي جاثـما في مكانه.. لم ترمش جفناه ولم يحس بحركية المارة أمامه، ولا بالحافلة المتوقفة بجانبه.. كل ما أحس به أنه تصبب عرقاً.
صعدت..أخذت المقعد الخلفي المقابل له ونظرت إليه.. نفـس النظرات ونفس العيون النارية ونفس الرعشة التي انتابته.. دون حراك لجسمها الملفوف في تنورة شدت على خصرها، وقد تدلى على نهديها شال عسلي، لون الحـذاء والحقيبة وقطعة منـه ربطت بها الظفيرة التي أدارتها وراء ظهرها.
أغلق باب الحافلة وبقي "هشام" جاحظ العينين،، متسمراً في مكانه،، استدارت رقبته وراحـت عيناه تلاحقانها في الحافلة التي تبتعد عن المحطة وتأخذ روحه المعلقة بين جـوانحه.. أفاق على صوت عمه المبحوح الذي تنتابه رشحات ربو حادة يسمع لصفير صـدره من أعماق الجـب..
ـ هشام.. هشام.. مالك يا ولدي.. وجهك شاحب؟
حمــرة الارتباك غيرت دماء لونه بعد رحيل صاحبة النظرات المشعـة وأسئلــة كثيرة بقيــت نائمة في خلده، توقدها جمرات متوهجة تلسعه حرقة السؤال والغياب، وراح مع عمه يساعده على اجتياز طريق المحطــة..
في اليوم الموالي عاد الشاب الوسيم يترصد حركة المارين ويفتش عنها بين الوجوه باحثاً متلهفاً لرؤيتها مرة ثانية،، عاد ذاك الوجه الوسيم الذي سلـــب روحه وشرد فكـره وغيَّـر حياتـه،، لأول مرة في حياته يتلـذذ حلاوة ريقـه ويبتلعه، يتفرس بأصـابعه تفاصيل وجهــه من عينين وحاجبين وفم وأنف وشعر أسود كثيف...
مـر يومه كأيامه الماضية ولهفته تتضاءل ويزداد حيرة ويسكنه هاجس السؤال من تكون؟ لماذا لم تأت اليوم؟
نظراتها الملتهبة مازالـت تمارس عليـه طقوس النار والوحش، واعتاد على زيارة المكان محدقـاً في الوجوه والأعين…
في يوم بارد شتائيته غسلت المدينة وغيومه انقشعت بشعاع شمس دافئة، لمحها من جديد.. هرع نحوها وكأنه يعرفها منذ طفولته..
ـ أين كنت.. بحثـت عنك في عيون الناس من حولي، وفي نفسي المضطربـة و..
وقفت"غادة" تنظر إليه مذهولة وحائرة في ما يتفوه به من كلام جميل،، صوته ورَّثهــــا الشك في نفسها وهو يلوح بمناديل الحب في مراكبها المنسية، في فضاء بواباتها الحزينة،، صوته أرعشها وأساريرها تتعرى أمامه وتسقط أوشحة الحزن الساكن بها،، يعانق وجنتيها وهج الصمت المطبق على أنفاسها منـذ أن عرفت حقيقتها.. لا تحمل اسماً لشخصها؟
لقــد جيء بها إلى هذه الدنيــا في لحظة ضعف فجرت حريق الصدور واشتعال القلب وجرح الروح..عاشقان يتسامران ويسهران ويحترسان بالجنون الليلي، وتضيع روحي بينهما فأكون ضحية رجولة تتسلى برغبات الحنين والهروب؟
هــذا الإرث أتعبني …
خفت من ظلـي الذي يرافقنـي، أشـك في الوجوه التي ألمحها وابتعد هاربة من اسمي.. من أكون؟
حلمي أسواره من حديد، دربي يعيدني إلى يوم مولدي فيمنحني لغـة التائهين ( لقيطة ).
أعلنت أحزاني.. مرآتي ضبابية.. يحملني إثم الخطيئة لأسيء الظن بك.. أنا يا أنت..
أنا لا أعــرف من أنا.. فغيومي عاقـرة وضمئي شلالات عذابات تسكنني.. لا أستطيع ترويض فرس هائج وقد اشتهى قبلة فتعانقت أجسادهما وتحركت أصابعهما، وتركاني في عـالم يتهاوى على رأسي،، يهرب مني جسدي،، أضيع..
هزها من ذراعها قائلا:
ـ ما بـك شاردة الذهـن.. تبحرين يائسة وكأنك وحيدة في...
قاطعته قائلة:
ـ ماذا تريد مني؟
وهي تكتم صرختها وخوفها وقد ارتوت من حزنها ومن حضورها الغائب.
قال هشام:
ـ أعترف لك.. أنني منذ الوهلة التي رأيتك فيها احترق توهجي إليك وكأني عثرت على أحلامي الهاربة مني فيك؟
تبسمت ثم انزوت وأسندت ظهرها إلى الحائط كأنها ترمي بثقل همومها عليه وترمم بقايا فرحها خلسـة..
يعود إليها وعيها محاولـة إخباره بالحقيقة المرة التي تعذبـها ومن مشاعر الظلام التي وأدتها وتخشى رفضه حياؤها(لقيطة).
ترددت وتلعثمت لتطل بكلمات هاربة منها في فضاء البوح حينما أجهض عمرها ونام في أحشاء الخوف والعار والفضيحة.
قالت:
ـ ليس ثمة ما أخافه الآن..
قال:
ـ ما بك.. لماذا أنت مترددة..
نظـرت إليه مسافرة وقد لفتهـا رائحـة تجربة لا تعرفها.. أنا يا… لا أعرف اسماً لعائلتي.. تبنتني عائلة بسيطة، وليس لي أب أو أم.. فأنا ابنـة الخطيئة؟
تحت عبء الفرح الذي يرفرف بداخله أصابته الحسرة وانقلبت ابتساماته إلى وجه العتمة وارتعش متأوها واعتراه شحوب للصدمة..

عبثاً لم تحاول أن تدثــره فرشقـات السيوف ذبحتها قبله والوجع ثـوب لبسته مكرهــة، لم يخبرها الحظ أن جبينها تندى برائحة أجســاد عفنــة سافـرت تبحث عـن رعشة حياء بين العيون الملتهبــة..
أعاد النظر نحوها مشدوها وكيانه مقيد بالهزيمة وبخيبة الأمل يلتحفها مهمومـــاً، ورسم لقــدره المبهـــم أصابع متشابكة وعيوناً دامعة وشفاهاً جريحة وقلوباً دامية…
قائــلا:
ـ لن أفـــرط فيك، وعلى أبواب مدينتي أعلــن أننـا نمتحن الفضيلة ونسقط الرذيلة ونسافر مع أحلام أطفالنـا البريئـة.




ــ القصة الثانية :



دموع الشبح الأزرق



بقلم / بنور عائشــة
الإهداء إلى الطفولة المعذبة التي كانت ضحية حرب المجانين...

تفتـح النافذة .. تجلس على مكتبها الصغير تنتعش بنسمات باردة تلفها في رداء من الكآبة .. ترفع قلمها وتكتـب :
" الأعناق مشرئبــة ..الجسور معلقة على القمم .. تضمحل دروب الجبال الشامخة في نظري.. كيف هاجت أمواج الأزرق على كاهلي وعتقت سيمفونية أبو الحناء في الماء .. لا إن أبديت التحديق في جثمان الشيخ الفزع يقتلني واصطدم بواقع الجبروت الطاغي .. طفانية هذا الوجود المعتم .. ضبابية الظلام الحالك .. نيران ملتهبة .. قصف الأعاصير وشواظ السعير ، غدت الأمور بشكل وخزات الإبر توشك أن توقع من هو يدري ولا يدري إلى ضياع الأشرعة وسط أمواج اليَّم .. أ أنا هجوت الزمان أم الزمان هجاني و صرت للدرب مساقة في غضب المسافات البعيدة .. ظفرت بلقمة ظننتها للخداع توصلني .. ولفني وشاح الظلام بأطيار الغربان تنذر وتوعد أنني للهاوية سأنزل ....
مكثت السمراء ذات العينين البنيتين بجدائل شعرها المسترسل على نهديها تتجرع اللعاب المر في حلقها ووحشة المكان تطوقها بعتمة عنيدة وأصوات مجلجلة تثقل سمعها ،فتراءت لها صورة الشبح برداء أزرق يخرج ويدخل من جسدها وبزفير الموت المخبأ خلف الروح المرتعشة .
لقد اعتادت على زيارته كل مساء.. عندما تسكن نفسها وتستجدي برائحة التربة وأنين والديهـا المخضبة بالدماء القانية..يرقص في عرس المنفى وعويل الأجراس ويزين الأكفان البيضاء..تهذي بكلمات اللعنة ورعشات القلق والفزع توترها وعمر آخر أضاعته الدهشة ..!!
تتذكر لحن الجبال الشامخة في كبرياء وعلو ،وشمس الأصيل المصفرة ترسل آخر خيوطها على أركان الحجرة الوردية ..ويلات الأطفال المحروقين والألبسة المزركشة والبنادق المصوبة نحوهم جاثمة على مخيلتها ،مما زاد خوفها على وليدها "طارق" محاولة إبعاده عن الحرب والدمار.
حينما يمضي كل شيء تأخذها الرتابة إلى الاغتراب ..تبتسم في إكليل من الأشواك لتشق الصخور وتفتش فيها عن صومعة الخلود ..شاردة بأفكارها وأوراقها ليفتح الباب على مصراعيه ببكاء "طارق" ويرتمي في حضنها سائلا :
ـ أين بــابا ؟ هل مات فعلا ؟
كان في سؤاله جميلا كعيون الأموات ؟
اندلقت بقايا القهوة على الأرض التي نسيتها من شدة الفزع عندما تراءى لها الشبح وكان صوت ابنها "طارق" يعيد إليها السكينة ،واختفى تاركا لها هواء مذبوحا وأنين مقابر نائمة كأهل الكهف؟!
ـ تهمس إليه بحنان شديد من قال لك يا " طارق" بابا بخير والوطن بخير ،ما دام هناك مثل بابا .. كن رجلا ولا تبكي فالبكاء للمرأة .. لا تخف بابا لم يمت ..
ـ بل ابك فالبكاء راحة للنفس يا صغيري.. بكاء على الأرض والعرض ..ابك ..
جرس الباب يقرع ..الطارق "هيثم" ابن خالتها .. يحمل سلة من الكتب القيِّمة التي بحثت عنها السمراء لتكمل رسالة الدكتوراه ..
تحضر فنجانين من القهوة وكوب من الحليب وقليل من العسل لصغيرها " طارق " محدقة بعناية لسلة الكتب وعناوينها المختلفة .. يشعل " هيثم" سيجارته وينفث دخانها في الفضاء مشكلا دوائر كبيرة ثم تصغر وتصغر وتتلاشى وتبقى رائحته الزفرة تملأ المكان ..
ـ أتدري يا "هيثم" إنني متعبة وطارق كل مرة يسألني عن أبيه ولا أجد ما أقوله له ؟
ـ قولي له الحقيقة إنه ليس بصغير ، أنتِ من ينظر له كذلك ؟
ـ أي إحساس عندك ؟
ـ الإحساس ليس معرفة بسيطة ،ولكن من فقد الإحساس فقد القدرة على التعلم ؟
ـ إذن تريدني بإخباره الحقيقة أن أقتل فيه الإحساس والتعلم في آن واحد!!
ـ الحقيقة لاغير ؟
ـ أية حقيقة ..إنه طفل .. الحقيقة عن والده المسجون ظلما تحت يد الصهيونية؟
وعهد الله وعهد الأيوبي لن يهدأ لي بال حتى أفجرها في قلوبهم ..
قتلوا نبتتي في البيداء معشر التتار وأحرقوا ضفائر الأجداد أمام مرأى الصبي المتشبث بها ليلة البلاء .. بنوا جلدتي جلسوا ينظرون بعين الحكام .. مطأطئي الرؤوس .. خائفين على سجائر المالبورو أن تنقطع عنهم أو ماركات الألبسة من هناك .. أو .. أو ...
ونحن عندنا كل الخيرات وللأسف الشديد قراراتنا دائما مجحفة ولا نعرف كيفية التسيير المحكم ..المقابر حبلى بالموتى والأرض سطحت للعذاب الأكبر فبشرهم بعذاب أليم في يوم موعود وشاهد ومشهود.
الخوف والرعب سكن قلوب الأمهات والأبناء واللوائح و القرارات و المواد تنتظر يوما التطبيق حتى ينتهي أمر المدينة الغارقة في دمائها بسكاكين الجلسة السرية وصدى طائراتها يقلق مسمعي ويهز كياني بالانتحار.
يدنو نحوها " هيثم" يربت على كتفها .. هدئي من روعك واتركي الأمور على حالها .. هيا كفكفي دموعك واخرجي من قوقعتك هذه ..
ـ إن الذي يمتلك القوة يمتلك الحق في أرضنا وحقنا مغتصب .. مغتصب ..
القاعة مكتظة بالطلبة والأساتذة .. السكون يخيم على المكان يخلط أرواق السمراء المتقدمة لعرض رسالتها أمام الحضور لتسجل انتصارا على الفشل والتشرد والألم ..
وقفت السمراء وكلها ثقة وعزم لطرح إشكالية الحرب وتأثيراتها على نفسية الطفل من بعيد أو قريب وصور العنف والدمار لجمال المدن و .. و.. و.. و
دقات قلبها تزداد بشدة .. تترقب .. عيناها البارزتان في تحديق لمن حولها .. تسألهم عن نجاحها ونيلها الدكتوراه ليغيب سؤالها مع الفرحة الكبيرة التي غابت عنها منذ غياب زوجها فـؤاد ...
تكافح السمراء من أجل تعليم الأجيال وتسليط الرؤى على جميع قضايا الأمة والوقوف إلى جانب ابنها طارق حتى يكمل دراسته في الطب لمعالجة جرحى الحرب وكان أملها منذ الصغر...
أيها الوطن الجرح الذي أعلنت الحب عليه ،يا صديقا كان يغتالني كلما اشتقت إليه ..
يوم أعلنت الحب كان ميلاد حرب على الصبر والهناء ..يومها اشتكت عظامي من نخاعها ..سكاكين المدينة والجوار تقطعني ..تشرحني وترمي بجسدي على خنجر قلب البشاعة التي يتربع عليها ملاك هذه الأرض وغريبهم أنهم ليسوا بملاكيــن .......




ـــ القصــــة الثالثــة:
قصــة : رصاصة غدر قاتلــة

بقلم / بنـور عائشة

نحيـــب وعويــل وبكـاء تقشعر له الأبدان وتشمئز له النفوس وتروَّع له الصبيــة الصغار.. سُمع على مشارف العمارة المجاورة بحي السعــادة ..
كل الأعناق مشرئبة لمعرفة ماذا جرى؟
تلوك الألسن الخبر إنه عند عمي "علي" البوليسي ..تكثر الإشاعة وتكبر لتخترق أزقة المدينة الصغيرة.
حوالي الساعة الواحدة ليلا ... الصمت يخيم على الحوش الكبير حيث تتوسطه حديقة صغيرة اختلفت ألوانها وتنوعت أشجارها بحبات الرمان والكرز والليمون وتدلت عناقيد العنب الأسود التي تتسارع العصافير لامتصاص مائه وتسقط حباته على مساحات النعناع الأخضر والمعدنوس .
وفي الجهة المقابلة صالة كبيرة فرشت مساحتها بزرابي حمراء ورميت على جنباتها وسائـــد صوفية موشومة بأشكال وألوان زاهية وعند مدخل الغرفة علقت جدارية قديمة تحمل فسيفساؤها تفاصيل أثرية لم يعرف لحكايتها زمــان أو مكان وقد اعتاد " عمي علي" وقفة طويلة أمامها يحاول فك رموزها .. يعشقها أكثر من نفسه ويحرص على تنظيفها وتلميعها بنفسه .
يتأهــب كل صبــح إلى مغادرة بيته بعد النظر للمـرآة الذهبية المعلقة على جدار الدّرج عند النزول والصعود.
في الجهــة اليسرى لوحة زيتية لامـرأة واقفة على حافة البحر تلفها شمس الغروب وهي تسكن إلى نهاية البحر ،ونسمات بحرية تعبث بشعرها الداكن السواد.. اختزلت كل همومها في وقفة أبدية؟
تنهد من عمق أعماقه وقبل ابنته الصغيرة "ليلى" وقد همست في أذنه حتى لا تسمعها أمهــا:
" بابا نحبك قد السماء والأرض ما فوقهما وما تحتهما وما بينهما " ضحك وهو يعبث بشعرها وعيناه قد اغرورقت بالدموع فهمت زوجته سر قلقه واضطرابه قائلة :
(( قــل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ))
ـ أميــن .....
دلــف الباب وراءه وتركهـا ترصد حركة عقارب الساعة وتعيـد الشريط المؤلم بتهديد الجماعة وقتل " علي" إن لم يتوقف عن العمل في الشرطة وأسموه بالطاغوت .
في ليلة عاصفة داهمت المجموعة الدموية المكان وقد علمت بمواعيد خروجه ودخوله ..
وهــو عائد يحمل سلة الخبز وعلبتين من الحليب داهمه رجلان بمحاذاة الطريق الضيق ودست في بطنه رصاصتين لم يسمع لهما صوت إلا والرجل يقع من طوله على الأرض ويشد على سلة الخبز بقوة الألم والموت وقد لاذا بالفرار في سيارة كانت تنتظرهما على بعد أمتار وصوت ابنته الصغيرة يتردد في مسمعه من بعيد :
" بابا نحبك قد السماء والأرض ،وما فوقهما وما تحتهما وما بينهما "
ولفـــظ آخر نفس عنده وشخـر شخرة كبش ذبح في ليلة العيد عند القتلــة ..
نحيــب وعويـل وبكاء تقشعر له الأبدان ... "بابا نحبك قد السماء والأرض وما فوقهما وما تحتهما وما بينهما ....بابا نحبك قد السماء ..."

حسين العفنان
12/11/2007, 10:53 PM
سدد الله خطاكم أيها الكرام

القصة المشاركة :

اليومُ الضّاحكُ!

بقلم / حسين بن رشود العفنان
***
أسفرتْ في محاجرِها دمعةٌ خرساءُ ، أغلقتِ البابَ خلفَها بقوةٍ ، علمتْ أنّها هوتْ في بئرٍ لا قرارةَ لها..

كم كانتْ تحلمُ ..!

كم كانتْ تُخادع نَفْسها...!!

لم يأتِ ذلكَ اليومُ الضَّاحكُ ، الذي تحلمُ بتباشيرِهِ صباحَ مساءَ..!

صبرُها وتحملُها في المَدرسةِ ، أينَ تولَّى؟!

ألم تكنْ منارةً للجَميعِ؟!

ألمْ تنصحْ صديقتَها (عبيرَ) بالعَودةِ إلى (ابنِ عمِها) الذي تعيشُ مَعَه السَّاعةَ حياةً حالمةً ، (حَامدٍ) الذي طافَ بها أرْجَاءَ العَالمِ ، وغدًا سينقلُها إلى دَارةٍ فسيحةٍ ، لها فِيها مِن كلِّ السَّعاداتِ..!

فتماطرتْ دمعاتُها وحملتْ حقيبتَها مُتمتمةً:

(وَأنا...وَأنا مَازلتُ حَبيسةَ شُقتِه وَأخْلاقِه الضَّيقتينِ)!!

فأضاءَ جَوالُها برسالةٍ مزقتْ حَديثَ نَفْسِها:

(حبيبتي سارةُ ، الطَّعامُ سيبردُ ، فأنا لا أطيقُ الجلوسَ منفردًا)!!



القصة الثانية

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
الحَمدُ للهِ وَالصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى رَسولِ اللهِ
دعواتٌ مَطلولةٌ باليُتمِ
http://hamzani.com/gallery/images/arts/e059.jpg


بقلم : حُسين العفنان



أنصتُ لدَعوَاتِها الـمَطلولةِ باليُتمِ ، وَالطّرقاتُ أخذتْ تَبتَلعُ السُّياحَ وَالمُصطافِينَ ، حَتى عَرباتُ الذُّرةِ وَالمثلجاتِ دَفنَ الصَّمتُ ضَجِيجها ، لم يَمكثْ سِوى مِصباحٍ يَنفثُ ضَوءَه بِتثاقلٍ ، وَأنّةِ رِيحٍ تُقلّبُ قُصاصةً بَاليةً..!
كَانتْ تدعو اللهَ ـ عزَّ وجلَّ ـ ونظراتُها تَترددُ في الهَواءِ:
(اللَّهُمَّ احْفظهُ ، اللَّهُمَّ جَنبهُ عَواقِبَ السُّوءِ..!)
عَجبًا !! أينَ ذَهبَ ؟!
كانَ قَبلَ قَليلٍ يُضاحِكُهَا،ويَسألُهَا مَاذا تَشتَهي مِنَ المأكُولاتِ البَحرِيةِ..!!
وَكانتْ هِي مُشرِقَةً تَروي له مِن شَرخِ شَبَابِها ذِكرَياتٍ حَالمةً..!!
التفتُ إلى زَوجِي وَالحَسرةُ تَشعُ مِنْ مَحَاجِري:
ــ أصبحَ المَكانُ مُوحشًا ، اللهمَ أعدْ إليّها ابْنَهَا...!
فَصَرخَ فِي وَجهي فَائِرًا :
ــ مُنذ وُصولِنا إلى الشَّاطِئ وتلكَ العَجوزُ ،في السَّمعِ والبَصرِ ، ما هذا الفُضول...؟!!
لمْ أَلتفتْ لصُراخِه! فَقد أَخذتِ العَجوزُ تَتجهُ نَحونَا ، تَجمدَ النَفَسُ في صَدري ، وتسارعَتْ نبضاتُ قَلبي ،وَقفتْ قُبالتَنَا وَقالتْ بِصوتٍ مُرتعشٍ وَهي تُناولنِي مطويةً صغيرةً :
ــ السَّلامُ عَليكم : بُنيتي ، أنَا لا أعْرفُ القِراءةَ..!
فرددتُ بارتباكٍ :
ــ وَ عليكمُ السَّلامُ ..أبشري...أبشري.. يَا خَالةُ ..!!
ونشرتُها فإذا هِي تقولُ:
((إذا وجدتُم هَذهِ العَجوزَ المُؤذيةَ فاذهبُوا بِهَا إلى دَارِ المُسنينَ !!))



القصة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أضاءَ وجهُ الأستاذِ (سالم) مدرسِ اللغةِ العربيةِ، حينَ هاتفَه المديرُ وطلبَه إلى مكتبِه، فأوقفَ درسَه وخرجَ من فصله وهو يقول لنفسِه في ثقةٍ :

من حقكَ أنْ تتباهى!!منْ في مرتبتك؟!
أنتَ تُدعى بلا واسطةٍ وتُخصصُ لكَ المكالماتُ، وغيركَ ترسلُ إليهِ قصاصةٌ معَ صغارِ الطلبة، لا عجبَ فأنتَ الوحيدُ الذي لم تتأخرْ مذْ فجرِ الفصلِ الدراسيِّ، ولم تحتجبْ ساعةً عن حصةٍ من حصصِه ، ولم تكنْ تتسربُ من الفصلِ لتتلذذَ بشربةِ قهوة أو شاي، والبطولةُ الرياضيةُ والمسابقةُ الثقافيةُ كانتا من تدبيري، أجهدتُ فيهما نفسي ،توقعتُ أن يذكر اسمي ويشكر! لم أشأ ـ والله ـ أنْ أُحدثَ تنغيصًا، كفايتي أنّه كان حفلا بهيجا ، وأنّ اسمَ المدرسةِ ظهرَ وتصدرَ.

وضعافُ الطلابِ أصبحوا يفرقونَ بين الاسمِ والفعلِ، ويعربونَ جُملا تقفُ عندها عقولُ بعضِ الكبار، حتى المسائلُ المشكلةُ في الإملاءِ بدأتْ تغيبُ عن أقلامِهم، وكم امتلأ وجهُ المشرفِ غرابةً! من وضوحِ قراءةِ الطلابِ وسرعتِها، ودقةِ خطوطِهم وجمالها، حتى أنّه استحلفَ أحدهم هل ساعدَه أحدٌ في الحلّ؟! فهو لم يصدقْ أنّ هذهِ خطوطُ طالبٍ في الخامسِ!

وكم كدتِ أطيرُ من المسرةِ حينَ رفعَ (نايف) ـ الذي أتعبَ المدرسينَ وأشقاهم ـ كتابَ الدّكتور حسين علي محمد (مذكرات فيل مغرور) ونحنُ وقوفٌ في الصباحِ ليخبرني أنّه ابتاعَه وقرأه كلَّه!
و(خالد) ـ وابتسمَ حينَ ذكرَ خالدًا ـ كم سحرني بخلقِه وحرصه، فقدْ فاجأني أنّه حفظَ أبياتَ ابنِ مالكٍ التي أستشهدُ بها في حصصِ القواعدِ!!

ياااه أصبحَ قلبي مرعًى لهذهِ المدرسةِ،أحببتُ أهلها..جدها..هزلها..صخبها..كلَّ شيء فيها ، لذا لم أرفضِ الإذاعةَ بل جددتُ فيها وأبدعتُ، حتى أصبحتْ أفكارها تُثار بينَ المدرسينَ والطلاب، وكم أخرجتُ منها خطباءَ بارعينَ، حصدوا جوائزَ جليلةً في مسابقةِ الإلقاءِ.

ربما سيعطيني مستندًا بكلّ مستحقاتي!!فقد أنفقتُ آلافَ الريالاتِ على المكتبةِ، وافقتُ حين طلبَ مني المديرُ أن أهتمَ بها، ماذا أفعل ؟! آلمني حالها،وهالني أمرها ،كأنّ قواعدَها رُفعتْ في قلبِ النفود ، تلالٌ من الأتربة ، وجبالٌ من القَذَر ، وكتبٌ بعضها فوقَ بعض ، فنفضتُ رهجَها وقذرها، وانتقيتُ لها عناوينَ جديدةً مسليةً ، وابتعتُ لها حاسوبًا صنفتُ كتبَها عليهِ ، ونسقتُ للفصولِ ساعاتِ الزيارةِ والاستعارةِ.

وساعةُ التكريم...؟!ربما سيخبرني بها! هل ستكونُ مقصورةً على المدرسةِ أم ستعممُ على جميعِ المدارسِ؟ ربما تكونُ عامةً ويحضرها الإعلامُ ، وينتشرُ اسمي بين جدرانِ الوزارةِ ، ويعرفني المسؤولونَ ، وأُصبحُ من أعلامِ المربينَ، نعم...نعم فقلبُ المديرُ لا ينبضُ إلا بحبي!

فوقفَ في منتصفِ السُّلم ثائرًا: لا..!!لا..!!
احذر أن تستخفَّكَ هذه المظاهرُ! فتسفل همتُك ويضعف عقلك! جدد نيتك، أ تريدُ أن يكونَ عملكَ هباءً منثورًا؟!

***

كانَ الأستاذُ (سالم) ـ وهو يشاهدُ هذه النجاحاتِ ـ كالشيخِ الهِم الذي يرى شبابه المنصرمَ، في وجه ابنه الفتيِّ ،فيزيدُه ذلكَ صلابةً وقوةً.

استمرَ في طريقه والآمالُ تُنعشُ كبدَه وقد امتلأتْ نفسُه ثقةً وأملا ومسرة وأخذَ يضاحكُ كلَّ وجه يقابله، حتى وقفَ على عتبةِ المديرِ، وطرقَ بابَه مبتسمًا...

لكنْ تلونتْ ابتسامتُه وتتشتتْ سعادتُه!!

فقدْ رأى جو الإدارةِ متقتمًا، ووجهَ المديرِ كالحًا، وزادتِ الطحينَ ماءً رؤيتُه للطالبِ المدللِ (فيصل) ووالدِه عابسينِ مقطبينِ، وقالَ لنفسِه وهو يصافحُهما:اللهم اجعله صباحًا بهيجًا!!
فلما جلسَ قُبالتهما، التفتَ إليه المديرُ قائلا:هذا أبو(فيصل) يقول: أنّ ابنه لم ينمِ الليلةَ السالفةَ، فنفسُه ضاقتْ ، وصحتُه تهاوتْ!
ففزعَ(سالم)!وكانَ أبًا ودودًا لطلابِه :

ـ لا أراهُ اللهُ مكروهًا ـ واللهِ ـ لمْ أكنْ أعـ...!!

فقطعَه والدُ (فيصل) فائرًا: أنتَ سببُ ألمِه وضرِّه!

صُدمَ الأستاذ (سالم) وشخصَ بصرِه وارتدتْ ذاكرتُه مباشرةً إلى أحداثِ الأمسِ يقلبها : لم آتهم إلا الحصةَ الرابعةَ وشرحتُ لهم (إعرابَ المفعولِ بهِ) ولمْ أراجعْ لهم ، ولم أطلبْ منهم الكشفَ عن الواجبِ، ولم أتأكدْ من حفظِهم...لم أحتكَ بهم...لم أحتك بهم..!!

ـ ثم قالَ بألمٍ : مني أنا؟!

فانتصبَ والدُ (فيصل) والغضبُ يملأ وجهَه : ابني يقولُ : أنكَ لا تعرفُ اسمَه!!

ـ..........!!

ـ تعجبتُ ـ واللهِ ـ وقلتُ: متى سيعرفُ هذا المدرسُ أسماءَ طلابِه والاختباراتُ قد قربتُ ساعتُها ؟!
لمَ قلتَ له : يا (هييه) انتبه للدرس؟!هذا التصرفُ الارتجاليُّ أحرجَه أمامَ زملائِه ، أرجوكَ ولدي اسمه (فيصل) ، وأتمنى ألا تتكرر (هييه) في قادمِ الأيامِ!

***

فبعثرتْ هذهِ الكلماتُ وقارَ الأستاذِ (سالم) واستشاطَ غضبًا، وارتعدت أطرافه، واحتقنتْ أوداجه، والتفتَ بعينينِ محمرتينِ إلى المديرِ، كأنه يستجديه أنْ ينطقَ...أنْ يدفعَ هذا السخفَ... لكنّه تشاغلَ بأزرارِ جوالهِ وانسلَ من الحادثةِ..!!
فهمَّ أنْ يصرخَ في هذا الأب الجاهلِ، أنْ يطبعَ على وجهِه القبيحِ صفعةً، لكنّه كظمَ غيظَه، وطوى ألمَه، حتى لا يُطلَّ دمُه، وتُهانَ كرامتُه، ويُجعلَ أحاديثَ للصحف ،فحملَ نفسَه بنفسِه وخرجَ...!!



حسين العفنان ـ حائل الطيبة

محمداحمدشمروخ
17/11/2007, 04:22 PM
الصياد


دون شص او شبكة ذهب الي الصيد مع ابناء القرية اتجهوا ليلاً للنهر الليلة جزر والماء ترك الشاطئ للطين وذيل القط خلعوا عنهم ملابسهم كما ولدتهم امهاتهم . الشتاء يدغدغ العضم . اول غوص للقدم بالماء الراكد قرب الشاطئ صدمة ثلج . لكن اغراء الصيد , السمك المدفون بالطين من برد الشتاء . لولا الصيد ما اكلوه . توزعوا في ظلام النهر منهم من التزام بالشاطئ ومنهم من غاص متجهاً للعمق حيث الماء الدافئ الهارب للشمال . الا هو تأخر عنهم يغطس ببطئ بظلمة الماء وحشائش النهر الحادة تلتف حول جسده ويضيق تنفسه يهرب للسطح . يملئ رئتيه بالهواء البارد . يغطس يضع يده يقلب الطين تصطدم يده ببطلي في اخر لحظة يتملص من يده مخلفاً . حسرة . بيده بقايا شوك يضرب الماء فهو لايعرف كم سمكة اصطاد واولاهم يعرفون حصيلته من الصيد بعد دقائق انتفض الجسم من شدة البرد سال اللعاب المخاط . خرجوا بسرعة البرق من برد الموت جمعوا الحطب والشوك ارتدوا ملابسهم اشعلوا النار وضعوا ايديهم بالجمر نظروا حولهم الحصيلة من السمك صفر . من ينزل مرة اخري ليعانق البرد . نزلوا جميعاً تاخر هو لم يغطس ماشياً بالماء يفكر في صديقه الثري . البطانيه . المدفئة كوب الحليب الساخن المخلوط بالقرفة والجنزبيل . السمك .. . . . . السمك كيف سيحصل عليه يفكر بالام باخواته المنتظرين بالبيت يغوص تنزلق يداه بحفرة يلامس كتلة لحم ذكر بياض وما اجمل البياض الخائف الذي انكمش بالحفرة بانتظار اليد الصائدة وبسرعة البرد الدفء يطوق ذكر البياض . يفرح تحت الماء يصعد ملوحاً بصيده ذي اللحم الاصفر اللذيذ . يضحك بهستريا يرتعش رغم الظلام ينظر للصيد يقبله قبلة النصر . خرج مسرعاً ناحية الشاطئ ارتدا ملابسه نظرا بلهفة للصيد . النار تتوهج تلوح وجوههم بالون الاحمر . يضحكون علي خيبة املهم رجوعهم دون صيد هو حاضننا صيده عائداً للبيت . دون شص او شبكة فرحت الام الاخوة قطعوا البصل الطماطم الصيد الفقر لم يصبروا حتي الصباح . القش اضاء ظلمة رماد الفرن . قطط الشارع دب فيه النشاط بعد شم الرائحة وتركها للدفء الجيران كلهم حزن لفوز المتأخر استسلموا للنوم تخرج الام الطواجن والاخوة يمسكون بأيديهم الخبز في انتظار أن يبرد السمك .......... بعد البرد منظر الديدان وهي تطفو بالطواجن ألجم صوت الام .


الطوافة قصة قصيرة

السيارات السوداء سدت مدخل القرية . نزل منها المسئولون اخرجوا الأوراق حسبوا المسافات المحجوبة . من المدينة لمكان الافتتاح أكوام القمامة . الزراعات المسرطنة . أهل القرية المصابون بالأمراض . المباني القديمة . العمل بقمة النشاط الأحجار البيضاء للمداخل . الأشجار الكبيرة جاءت لتزين الطريق . كشافات الإضاءة صعدت الأعمدة . اقترب موعد المجئ . أيام ويأتينا السيد . القرية احتلت من المخبرين والعسكر يطوفون القرية بحثاً عن معارض . لص مواشي . تاجر طيور .أصحاب القرية خائفون يثرثرون بأخر الحقول المكان المفتتح أيستحق هذه الأعمال . عيدنا القومي حصروا المباني الجديدة نصيب قريتنا المدرسة الممنوحة بشروط
رفعوا أكوام القمامة . حرثوا الزراعات المسرطنة . قبضوا علي أصحاب القرية المصابون بالأمراض .وضعوا داخل الأسوار العالية . زرعوا الأشجار . بذروا الحبوب النظيفة . جاءوا بسكان ملابسهم نظيفة . يتكلمون لغة اهل البندر . وردهم مسئول ( الكومبارس ) .
الطريق من المدينة طويل لن يكفيهم فراشة المحافظة ليحجبوا ما فعلته الايام بالقري .جاء كبير الموظفين باصابعه الطويلة . ليغير النظام حرثوا فدان القصب فرشوا الارض بالأحجار . طبقات الإسفلت وضعت بالليل . ليصنعوا لطوافة السيد المطار . أصحاب القرية واضعين اذانهم علي الاسوار لم يتحملوا صوت الطوافة بصباح الافتتاح . تكلم السيد نظر أمامه ليري الوجوه البيضاء .المشوبة بالحمرة . ابتسم السيد وأفاض وقارن بين الفلاح في عهده . لم يكمل جملة إلا وتحركت عين كبير الموظفين بالتصفيق والتهليل من موظفي المحليات القادمون بالأتوبيسات . بحياة السيد . النظام . والروح والدم بالمقص الحاد قص الشريط . دوت أصوات ( الكاميرات ) . هتافات . ضجيج الطوافة ركب السيد لوح للحضور انطلق من ارض المطار . المسئولين خرجوا مسرعين . موظفوا المحليات عادوا مشياً . سكان القرية إفراج . من يومها يسترقون السمع ينظرون للسماء حتى إذا لاحت طوافة
لاذوا بالفرار


مقص قديم

نفس المقص الاسود ردىء الصنع
يتعاقب على رؤوس أجيال لم يتغير واليد اللاهثة
المسرعه المفتقده لكل فن تخليص الرؤوس من الشعر هم الأهم.
من يجلس على الكرسى الخشبى المتهالك ليرى الوجه بالمرآة التى لم تنظف من يوم جاءت لتستقر على الحائط من ربع قرن وبقايا الشعر تملآ المكان.
لتنهض ببعض جروح خلف الأذن لتنال عقاب المجىء عند ذلك الحلاق
الأولاد عرفوا طريق المدينة وصالونات وكوافير الرجال تركو الدكان يسكنه شيوخ فقراء القرية بقايا الشعر والمرآة القديمه . والمقص
قدم تهالك وصاحبه بالسن ازدادت المنافسة دخلت البلدة موضة صالونات الرجال دكان الحلاق لم يتغير من ربع قرن هم نفس الزبائن نفس الحكايا والراديو العتيق على الحائط يحكى عن عبد الناصر والقومية العربية عجبا لهذا الراديو لم يعرف يوما مونت كارلو ولا سوا .
صوت العرب لم يتحرك من عليها المؤشر حتى بوُح الصوت سألت نفسى ما ضررة دكان الحلاق وسط هذا الكم من التحديث .
لم تتأخر الإجابه مات صاحب المقص وهو الغريب عن بلدتنا لم نحاول الذهاب للتعزية فيه حتى لانتهم بأننا نحلق رؤوسا عنده واكتفينا بذكريات الطفولة وأول مرة داعب رؤوسنا المقص كل ما تبقا شيوخ طالت لحيتهم وشعورهم لا يعرفون الصالونات الجديدة ولا الجلوس بالساعات ليرو ( الكريه والماسك ) والقنوات الفضائية التى تعرض أغانى البوب وشباب تعلو أصواتهم وأفعالهم لتطول كل من يجلس بجوارهم احسست بمأساة الشيوخ فقراء القريه صوت العرب مسرعة خطواتى لصاحب البيت . استأجرت دكان الحلاق
فتحت الباب والراديو ليصل الصوت الى كل البلد

مروان قدري عثمان مكانسي
17/11/2007, 08:44 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
إن كان من الممكن إحالتكم إلى قصص سبق لي نشرها في المربد فهاكم هي :
1ـ حكم الخالق
2ـبين قطارين
3ـالتابعي والشعر


حكم الخالق
جرياً على عادته اعتاد السلطان ( إبراهيم ) أن يخفي معالمه ويغيِّر من هيئته ، ويتجوَّل في الأسواق بعد صلاة الفجر ، قبل أن ترسل الشمس أشعتها الدافئة ، ليقف على أحوال رعيته بنفسه ، دون أن يعرفه أحد ، ويرى بعين بصره وبصيرته هموم الناس فيسعى في إزالتها ، وليدرك متاعب الحياة ومصاعبها فيحاول تذليلها .
وفي أحد الأيام وقف على باب دكان صغيرة في إحدى الحواري ، كانت لرجل حائك يحوك على قطعتين من الخشب ويترنم بأبيات من الشعر :
ربي أنت الرازقْ للعاصي و الآبقْ
تعطي من ترضاه ذهباً في صنادقْ
وأنا عبدٌ أشكو فقراً ، لا يفارقْ
إنْ تمنحني مالاً أشكرْ شكرَ الصادقْ
أو تتركني صِفراً أرضَ حكم الخالقْ
دخل السلطان دكان الحائك بعدما سمع كلماته وقد اخترقت نياط قلبه ، فوجدها صغيرة جداً لا يكاد المرء فيها يستطيع بسط ذراعيه .
ـ السلام عليكم ورحمة الله .
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . هل تريد بساطاً أقوم لك بحياكته ؟
ـ لا ، وإنما أريد التعرف عليك والحديث إليك .
ـ ومنْ أنا يا رجل حتى تتعرف علي وتتحدَّث إلي ؟ أنا عبدٌ من عباد الله طواه النسيان
وعضَّته الأيام ، وقلاه الغنى ، و آخاه الحرمان .
ـ سمعتك تشدو بأبيات شعرية ، فهل هي من قرضك ؟
ـ إنما هي كلمات مبعثرة تجري على لساني كلما ضاقت بي الدنيا .
ـ هل تسمح لي أن أساعدك ؟
ـ كيف ؟
ـ ( وأدخل السلطان يده في جيبه وأخرج كيساً من الدراهم ) خذ هذا المال واستعن
به على الأيام .
ـ معاذ الله أن أمدَّ يدي إلى مخلوق مثلي ، إنما أشكو أمري إلى الخالق وحده ، شكراً
لك ، خذ مالك وانصرف .
ـ يا رجل خذ هذا المال طوِّرْ فيه عملك ، وارقَ بحالك ، فأنا أخوك .
ـ أخي ؟ أين رجال السلطان ينقلون إليه حال العباد ؟ أم أنهم في ملذاتهم غارقون ؟
ـ ما رأيك لو عرفت أني أنا السلطان ؟
ـ وتسخر مني ؟ سامحك الله .
وبعد كثير من الكلام اضطر السلطان أن يكشف له أمره ، فبهت الحائك ، وأخذته الدهشة كلَّ مأخذ ، وانكبَّ على يد السلطان يريد تقبيلها ..ثم أخذ الدراهم ودعا للسلطان بطول البقاء .
غادر السلطان دكان الحائك وقد اعترته نشوة إيمانية حيث استطاع انتشال رجل من مخالب الفقر ، وحمد الله تعالى على ذلك .
لكن الحائك بدأت محنته ، كيف يدخل بالمال على زوجته ؟ وهل لها أن تصدقه ؟ وإنْ صدَّقته هل تستطيع ضبط أعصابها ؟ وإنْ ضبطتها هل تستطيع لجم لسانها وإبقاء الأمر طيَّ الكتمان حتى لا يشعر الجيران بالأمر ؟
فكَّر كثيراً ، ثم قاده تفكيره إلى أن يخفي المال في جرة قديمة في قبو المنزل ريثما يؤلف لها رواية مقنعة . وهذا ما فعله ، وكان كل يوم يدخل القبو ويطمئن على الجرة وما فيها إلى أن حدثت الكارثة .
رجع إلى بيته فلم يجد الجرة ، صرخ بأعلى صوته كالمجنون : يا امرأة أين الجرة التي كانت هنا ؟
ـ عفوك يا صابر ، كنت أنظف القبو فتعثرتْ رجلي ووقعت عل الجرة فانكسرت ، فألقيت بها خارجاً ، انظر إلى رأسي كيف تحطم .
خرج كالشهاب الثاقب خارج المنزل يبحث عن جرته لكنه عاد بخفي حنين .
استسلم لقضاء الله وقدره ، ورضي بقسمته سبحانه ، وقال في نفسه : (( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ))
وبعد بضعة أشهر أراد السلطان أن يرى آثار نعمة الله على صابر ، كيف تحسَّنت حاله و تبدَّلت معيشته ؟ فانطلق إلى دكانه ، ولما بلغها ترامى إلى أذنيه صوته وهو يشدو بالأبيات التي سمعها سابقاً . فتملكته الحيرة الممزوجة بالغضب .دخل عليه قائلاً
ـ السلام عليكم ورحمة الله .
ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . أهلاً بك سيدي السلطان ( ثم أطرق خجلا )
ـ ما بك يا رجل ؟ أراك على حالتك التي تركتك عليها قبل مدة .
ـ أتصدقني إنْ حدثتك يا سيدي ؟ ( قالها ودموعه تسبق حروفه المتقطعة )
ـ نعم أصدقك ، فالمسلم لا يكذب أبداً .
وقصَّ عليه الأمر بدقائقه وثوانيه .
قال السلطان : هاك كيس من الدراهم آخر ، ولكن حذار من أن تضعه في جرة هذه المرة ، بل سارع في تنمية نفسك وعملك وتجارتك . ثم انصرف .
قال العم صابر : هذه المرة سأضعه في جيب معطفي الوحيد الذي ألبسه في الشتاء ، فهو في الخزانة قابع ، ونحن في فصل الصيف ، وحتى يحين الشتاء أكون قد تصرَّفت وأخرجته واستثمرته .
ولكنه لم يهنأ به أيضاً ، رجع إلى داره وعلى عادته فتح الخزانة فلم يجد المعطف ، نادى زوجته وسألها عنه فأجابته : لقد طرق بابنا هذا الصباح رجل متسول عار من الملابس فأشفقت عليه وأعطيته المعطف ، وقلت في نفسي : لعل الله يرزقك معطفاً جديداً ـ إذا ما داهمنا الشتاء ـ خيرا من معطفك القديم .
ويعود صابر إلى شعره وآهاته بنفس راضية بحكم الله ، ويأتيه السلطان ثالثة فيجده على ما تركه عليه ، ولما عرف منه الأمر قال له : إذا كان فجر الغد فائتني القصر ، ولا تتأخر فإني أريدك في أمر يجب قضاؤه قبل أن يفتح التجار متاجرهم .
لم ينم صابر هذه الليلة ، وأمسى يسبح بخياله في عالم الآمال والأحلام ، ترى ماذا يريد منه السلطان ؟ بل ماذا يخبئ له من مفاجآت ؟ فالسلطان حسن السيرة سخي اليد كثير العطاء ..
ولأول مرة يدخل صابر قصر السلطان ، فيجده بانتظاره ، ثم ينطلق به مع حاشيته إلى أحد أسواق المدينة المسقوفة ، وعند مدخل السوق يقف السلطان في موكبه ، ثم يومئ لأحد مرافقيه فيتقدم نحو صابر ويعطيه كرة من حديد ثم يتراجع .
ـ ماذا أفعل يا سيدي بكرة الحديد هذه ؟
ـ هذا السوق يا صابر هو من أملاك الدولة ، اقذف الكرة إلى أقصى ما تستطيع ، وعند استقرارها سيكون ريع المحال التجارية عن يمين السوق ويساره لك أنت .
اختلطت على صابر مشاعر الفرح والدهشة والذهول ، ولوَّح بالكرة ثم ألقى بها بكل ما أوتي من قوة .
ارتطمت الكرة بالسقف ثم هوت على رأس صابر فقتلته .

لا تسلني عن الألم الذي اعتصر فؤاد السلطان ، فلقد أحسَّ بضيق في صدره جعله يعتزل الناس ، وكان يلوم نفسه ويؤنبها على ما اقترفت ، ويستغفر ربه ويقرُّ بضعفه ، ثم أمر لأسرة صابر بمنزل جديد و مرتب شهري ، وبينما هو في ضيقه وكربه إذ غفا غفوة فجاءه في المنام عبد صالح يخفف عنه ، وقال له : أيها السلطان الصالح : لم الحزن ؟ أفقره ربه فأردتَ أن تغنيه . أماته فهل لك أن تحييه ؟؟ ثم تلا عليه من سورة فاطر : (( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ))




بين قطارين
آه كم تمنيت ركوب القطار يوم أن كنت حدثاً ! أمتطي صهوته مجاوراً نافذة إحدى غرفه ، ليمخر بي عباب الفضاء الرحب ، مخترقاً الأدغال والجبال ، فأرسل نظراتي هنا وهناك ، ويداعب النسيم وجناتي ويعبث بخصال شعري المرسل على جبهتي فأكون ساعتها قد ملكت الدنيا بين قبضتي اليافعتين .
لكن أمنيتي تلك لم تتحقق إلا بعدما ودَّعت سنوات الطفولة والشباب ، فجاءتني صاغرة بعدما رغبت عنها ، ونسيت هواها ، وملت عن الشغف بها ، بل عُرضتْ أمامي بسخاء منقطع النظير ، حيث وجدت نفسي بين قطارين اثنين لا قطار واحد . كيف كانت الحكاية ؟ إليكها من البداية :
في يوم من أيام الشهر الفضيل الذي أُنزل فيه القرآن الكريم ، وددت السفر إلى مكة المكرمة لأداء العمرة ، فعمرة في رمضان تعدل حجة ـ كما جاء في الأثر ـ فاتفقت مع صاحبيَّ : نذير وأحمد أن ننطلق من المدينة المنورة مساء الخميس بعد صلاة التراويح بسيارة الأول ، وآثرنا الإدلاج ليلاً لشدة قيظ النهار ...
لكن الصاحبين تخلفا عن الموعد دون سبب يُذكر ولم يعتذرا مني ولم يُرسلا لي أحدًا ينتشلني من ورطة الانتظار وأنا في لباس الإحرام وقد عقدت النية وعزمت على السفر .
ماذا كنتَ تفعل لو كنتَ مكاني وأنت لا تملك سيارة خاصة ؟ لا شك أنك ستتوجه إلى مجمَّع الحافلات وتقفز في أول حافلة تواجهك لتحملك إلى وِجهتك . وهذا ما فعلته تماماً . انطلقت إلى ساحة الحافلات فرأيت ما أدهشني وأفزعني ...
لقد رأيت الساحة خالية من كل وسائل النقل إلا من قطارين كبيرين ، أجل قطاران ممتدان، غرفهما مشرعة الأبواب ، والمعتمرون يتقاطرون عليهما من كل الجهات ويصعدون مهللين مكبرين ويأخذون أماكنهم مستبشرين فرحين ..
شيء واحد أزعجني من هذين القطارين ، وهو كيف يرسلان أبواقهما المزعجة ونحن في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ وكلما اقتربت من القطارين خطوة ازدادت وتيرة الصوت صارخة حتى أصمَّتْ أذني .
قررت في نفسي أن أنصح السائق بإقفال صوت المنبه احتراماً للمكان عندما أصل إليه .. بَيْدَ أنَّ أمراً جللاً وقع لم يكن بالحسبان ..
وجدت نفسي بين القطارين وقد همَّا بالانطلاق وقد تملَّكتني الحيرة في أيِّهما أركب ؟ وكلما اقتربت من قاطرة أُوصد الباب في وجهي ، فأتحول إلى القطار الآخر ،فيحدث لي ما حدث في الأول ، حتى طفت على الحجرات كلها في القطارين دون أن أحظى بالركوب في أحدهما ، وقد انطلقا أمامي وخُيِّل إليَّ أنهما يشمتان بي ، وأمام صخبهما الهادر وحرماني من الركوب بأحدهما تسرَّبتْ من عينيَّ فيوض الدمع وحوقلت واسترجعت و ...
أفقت من رقدتي لأجد نفسي في استراحة على طريق العودة من مكة ، وقد أعيانا السهر والجهد بعد أداء العمرة والبقاء في أحضان الحرم المكي حتى صلاة الفجر ـ نحن الثلاثة ـ فلجأنا إليها نبتغي قسطاً من الراحة ، بعدما قطعنا ما يقرب من نصف الطريق .
لم يكن صخب القطارين سوى شخير الصاحبين الذي قضَّ مضجعي وأيقظني من نومي، فقد كنت لسوء حظي أنام بينهما ... أيقظتهما من نومهما لأنقذ نفسي من عزفهما المزدوج ولنتابع السير إلى طيبة الطيبة وأنا أحكي لهما رؤياي قال لي أحدهما : ليت المسؤولين على النقل في المملكة تبلغهم رؤياك فيعملون على إنشاء قطارات بين الحرمين الشريفين .
**********


التابعي والشعر
عروة بن أُذينة تابعي معروف بالزهد والعزوف عن حطام الدنيا ، وله بيتان مشهوران في ذلك : ولقد علمْتُ وما الإشراف مِنْ خُلُقي
أنَّ الذي هو رزقي ، سوف يأتيـني
أسعى له فيعنِّيني تطلُّبُــــــهُ
وإنْ قعدْتُ ، أتاني ، لا يعنِّينـــي
وكان في صغره صاحباً ودوداً لهشام بن عبد الملك ، ولما آلت الخلافة للأخير ، قالت الزوجة لزوجها عروة : هلاَّ دلفت إلى دمشق وأصبت لنا من خير صاحبك أمير المؤمنين ؟ أمْ أنَّ حالة الشظف والقحط التي نعيشها تعجبك ؟ قال لها : يا امرأة ، كيف تطلبين مني ذلك ، وأهل الأمصار والبادية تتغنى بشعري ( مشيراً إلى البيتين السابقين )
قالت : وهل نطعم شعراً ، ونُكسا شعراً ؟ ولما رأتْ منه إصراره ، قالت : أمامك خياران لا ثالث لهما : إما أن تذهب إلى الخليفة وتشرح له حالك ، وإما أن تُلحقني ببيت والدي .
وأمام سيول الإلحاح الجارفة ، قال : إذا كانت القافلة متوجهة إلى دمشق صحبتها إن شاء الله .
ولما وصل التابعي الشاعر إلى دمشق واستأذن على الخليفة ، خرج إليه سليمان مرحباً به أشد ترحيب ، وقال له : أهلاً بمن حفظت له العرب : (ولقد علمت ... ) فأسرَّها في نفسه ، وقال : لا شكَّ أنَّ الخليفة يعرِّض بي ويقطع عليَّ الطريق .
ثم إن الخليفة انشغل ببعض أمور الحكم فخرج من القاعة على أن يعود إلى ضيفه بعد إتمام المهمة ، فاغتنم الشاعر الفرصة وعاد إلى المدينة من حيث أتى .
وفي المدينة قصَّ عروة على زوجه ما جرى معه ، فغضبت من بلاهته وفرط حساسيته ، وأقسمت ألا تجالسه وتعاشره حتى تتحسَّن حاله .
وفي دمشق شعر الخليفة أنه لم يقم بحقِّ ضيفه ، بل وربما جرحه دون أن يقصد ، فأمر بتجهيز الرواحل المترعة بالسمن والدقيق وخيرات الشام ، وأرسلها مع البريد إلى المدينة المنورة لتصل إلى صاحبه ،ومعها رقعة كتب فيها : لقد أهملنا عن غير قصدٍ حق قِراك ، فأرسلناه إليك .
ولما وصلت القافلة إلى المدينة ، قال الشاعر لزوجته الغاضبة : هل رأيت صدق شعري ؟

ماجدة2
20/11/2007, 10:52 PM
سلام الله عليكم
مشاركة العضو ماجدة2 في مسابقة المربد الأدبية الثانية، قسم القصة
الاسم الصريح : أمجاد مفتاح لكني لا أحبذ ذكر اللقب علنا لو ذلك ممكن
القصة المقترحة للمشاركة : هي القصة الأولى
القصة الاولى:


رحلة قبل النوم

آويت إلى فراشي ، كعادتي في كل ليلة بعد يوم لم يكن مختلفا عن باقي الأيام ، حافل بالأعمال اليومية الرتيبة. يطل البدر عبر نافذتي ليطرد عني النعاس. يتناهى إلى مسمعي صوت والدتي في الغرفة المجاورة و هي تحدث والدي. صوتها يعيد ذاكرتي إلى الوراء، إلى كل حياتي الماضية، إلى أيام الطفولة البريئة، إلى اللحظات السعيدة و الأليمة التي مرت بأسرتي الصغيرة.... مع ذلك ، لم أعرف سوى تلك السعادة ....لم أعرف سوى ذاك الألم. ً " وَ مَا الحَْيَوةُ الدّنْيَا إِلا مَتَعُ الْغُرُورِ" ...كثيرا ما يردد والدي هذه الآية الكريمة ثم يقول لي : لو تدرين يا بنية أن ألم الدنيا ليس ألما و لا سعادتها سعادة. ـ مع ذلك ألمها مؤلم يا أبي أليس كذلك ؟ ـ صبر جميل يا بنيتي ...صبر جميل . أسترجعُ مرارا هذه الكلمات لوالدي....ترى ماذا سيحِلُ بقلبي لو فارق الأحبة ؟ و ماذا عني لو كنتُ أولَ الراحلين ؟ ....كم هي صعبة هذه الحياة الدنيا و لو كانت متاع الغرور....تُرى هل سأصمد فيها ؟... هل سأصبر صبرا جميلا إلى آخر لحظة؟....إلى آخر زفرة أودع معها حياتي في هذا العالم....حياتي التي لم أعرف غيرها.....ما المصير بعد ذلك؟..........هل إلى حيث السعادة الأبدية ؟ أم إلى حيث الشقاء الأبدي؟ ....أتخيل شيئا من معالِمِ الشقاء . لا أرى صورة واضحة بل ومضات ، فقط ومضات ...لسعير و صوت الحسيس .....و بقاء أبدي....يا لهول المشهد!! لا أقوى على المتابعة ، صاعقة الخوف تضرب قلبي و تسري بكل جسدي و تُجمِدُ ذاك الخيال. رباه لست أقوى على تخيل شيء من العذاب ....كيف سيكون حالي حيث العذاب؟؟؟؟.....تلتفُ الهواجس بي و تُرَدِد : كيف سيكون حالك حيث العذاب؟؟؟؟ لا أقوى على الإجابة، أحاول الفرار بخيالي بعيدا.......إلى حيث الجنة، تلُفُنِي الهواجس من جديد: و من أدراكِ أنكِ من أهلها؟ ....تخنقني العَبَرات ، أذرِفُها كالسيول على وسادتي التي تحفظ كل أسراري. بكيت طويلا بكاءا صامتا يوجِعُ القلب حتى لم أعُدْ أقوى عليه. تَمَلكَنِي التعب و تثاقل جفناي فأطبقتُ عيناي عَلَّنِي أنام. لكنني لم أنم، ظلمة الجفون تَمْثُلُ أمامي ، ثم ماذا بعد ذلك ؟ هل كان ضربا من خيالي ما رأيتُ ؟.....رأيتُ وميضا يَشِّعُ في الظلمة ، ثم وجها بملامح باهتة، لم أعرفه، ثم عينا تنفتِحُ و تُرْسِلُ نورا، ....ثم أشعة و كأنها للشمس.....ارتسمت بها كلمة "الله" ، ارتسمت بعِدَةِ خطوط عربية ، كم كانت جميلة بكل تلك الخطوط....إنها تبعث فِيَّ الأمان، تُشْعِرُنِي بطمأنينة و أُنْسٍ و سكينة تسري في كل جسدي و تَلُفُنِي ..... و تَلُفُنِي .... و تَلُفُنِي.... و تَلُفُنِي، كم أشْعُرُ بذلك و بِكُلِ الدفء. رحل الخوف بعيدا ...ما عُدْتُ أذْكُرُه....تتبادر كلمات إلى خَلَدِي : ما أرْحَمَكَ يا ربي ! . لم أذكر بعد ذلك شيئا ، لا بد أنه النعاس أخذني. أفَقْتُ على صوت المؤذن يوقظني لصلاة الفجر، إنه يوم جديد لكنه ليس رتيبا ...سعادة داخلية تغمر قلبي.



القصة الثانية:


نصف جسد

يحِلُ الخريف فيُحَبِبُ إليَّ العودة إلى البيت سيرًا على الأقدام. ألتَقِي به من حين لآخر في طريق العودة . يَنْقَطِعُ حبل أفكاري، و كذلك شرودي ، كلما رأيته ، و شَرْخٌ يُمَزِقُ قلبي تألما لحاله. "نصْفُ جسد" يَرْتَكِزُ على يديه و يتنقل بسرعة مخافة أن تصدمه سيارة أو يُعَرْقِلَ سَيْرَ المارَّة. أتتبَعُهُ بنظراتي لكنه سرعان ما يختفي بين المارَّة. أتابع بقية طريقي و الانكسار يملأ قلبي: يا لغفلتي و جحودي.....إنه يظهر في كل مرةٍ أسْتَسْلِمُ فيها للبؤس و التعاسة، يذكرني كيف أني في كل مرة أحْرِمُ نفسي من رؤية النعمة و تذوق النعمة و شكر النعمة. أي هموم هذه التي تَسْلُبُنِي و تُعْمِينِي ؟ و نِعَمُ ربي تغمرني، نعمة البصر و السمع و الجسد و الصحة...و....فلتَرْحَلِ الهموم بعيدا بعيدا......بعيدا.
وصلت إلى البيت و انقضى اليوم. مرت بضع أسابيع لم أره، افتقدته بعض الشيء، قلِقْتُ قليلا، ثم مر الوقت و خَفَّ القلق و انغَمَسْتُ في دوامة الحياة.
في يوم من الأيام، قادتني الخطوات إلى أحد المراكز التجارية، حديثة المنشأ، فَرُحْتُ أتجَوَلُ في أرجائها، إشباعا لفضولي ، وبينما أنا كذلك إذا بي ألْمَحُهُ من جديد. لم يكن على مسافة بعيدة، و لكن ماذا يفعل هناك؟ ...تقدَمْتُ بِضْعَ خطوات لأرى لكنني لم أزد بعدها خطوة تالية، تَصَلَّبْتُ في مكاني لِمَا رأيتُ....كان ينظف أرضية المتجر بنشاط و حيوية عجيبين، غَيْرَ آبهٍ بالزبائن الذين يتحركون يمينا و يسارا ، ذهابا و إيابا. منهم من يتأثر بالمشهد فيحاول تجنب المساحة التي ينظفها، منهم من يعطيه بعض النقود و منهم من يمر كالثور لا يلاحظ شيئا. دون تفكير وجدت نفسي أقترب منه و أعطِيهِ نقودا. شكرني بحرارة. سِرْتُ بضع خطوات إلى الأمام لكنني سرعان ما عُدْتُ إليه، سألته: هل يمكنني التقرُّبُ منكَ و محادثتك ؟ أجابني و الدهشة ترتسم على محياه: يمكنك ذلك يا سيدي .ـ أين يمكنني أن أجِدَكَ؟ ـ ستجدني إن شاء الله مساء كل يوم أربعاء في المتنزه العمومي حيث بِرْكَةُ البطِّ.
كانت تلك البداية لصداقة بيننا دامت 10 سنوات ، ثم كان بعدها الفراق الذي لا لقاء بعده في الدنيا. لكن روحَهُ ظلَّتْ تزورُنِي في منامي، من حين لآخر ، و تحدثني عن الجنة.

القصة الثالثة:


قطعة ليست كباقي القطع

أخيرا أقِيمَ معرضُ الأواني الفخارية الذي طالما انتظرتُهُ. و ما زاد من حماستي لزيارته أنه نُظِّمَ في المكان الذي تُصْنَعُ فيه القطع، و هذا ما يعني أني سأتمكن أيضا من رؤية الأفران و المواد الخامة و الأيادي المبدعة في هذه الصناعة. مع طلوع شمس ذلك اليوم، الجميل، حَمَلتُ آلة التصوير الرقمية ، خاصتي، و توجهتُ صوبا إلى المكان، جمع غفير يدِبُّ في الأرجاء. دَخَلْتُُ عبر المدخل الرئيسي لأجِدَ نفسي في رواق واسع و طويل، اِصْطَفَّتْ على جانبيه عدة غرف، و كانت الغرفة الرئيسية حيث المعروضات تتوسط نهاية الرواق.
اِرْتَأَيْتُ أن أبدأ بأول غرفة على يميني. فيها عُرِضَتْ مجموعة من المواد : قطع من صلصال صلب أحمر و رمادي، حجارة متألقة، باردة الملمس، صفراء ، بيضاء و بنية. عجائن طين رطبة و مواد أخرى لم أعرفها. وَدَدْتُ أن أسأل مشرف الغرفة عن ماهيتها لكنه كان منشغلا بالحديث إلى مجموعة من السياح، و كم يطول الحديث مع السياح! . اكتفيتُ بالتقاط بعض الصور ثم توجهتُ إلى غرفة ثانية. قابلني باب ضخم، لا بد أنه للفرن، لم يكن مغلقا تماما ، من خلال الفتحة تمكنتُ من رؤية بعض الأواني بداخله، تأملت جدرانه الداخلية ، كان مشتعلا و ساخنا . فاجأني صوت أحد الزوار مازحا: ماذا لو تدخلين بداخله و ألتقط لكِ صورة !! ، أجبته: يا لروعة الفكرة!...و هربتُ من المكان . واصلتُ تنقلي بين بقية الغرف، أخذتُ صورا للحرفيين و هم يصنعون أشكالا مختلفة: مزهريات ، صحون، أوعية....تُزَيَنُ بعد ذلك بزخارف في غاية الدقة و الجمال ثم تحفظ في غرف خاصة.
توجهتُ أخيرا إلى الغرفة الرئيسية ، كانت واسعة و ضَمَّتْ أجمل التحف : نماذج من الخزف الأبيض الناصع ذي النقوش الزرقاء الجميلة، أخرى من البورسلان تكاد تكون شفافة و أواني فخارية مختلفة الألوان و الزخارف طُلِيَتْ بطبقات زجاجية أكسبتها بريقا رائعا.
بينما كنتُ أتنقلُ بين تلك التحف، لمَحْتُ في إحدى زوايا الغرفة قطعة لم تكن تشبه أيا من النماذج المعروضة. بَدَتْ لي عادية جدا في البداية، و في غاية البساطة. تساءلتُ : تبدو عادية ، كيف عُرِضَتْ هنا؟ . اقتربتُ و حملتها. كانت بشكل إناء سميك من الفخار، كبير بعض الشيء، تُرِكَ بلونه الأحمر الطبيعي. تدويرُهُ لم يكن مثاليا، و كأنه شُكِّلَ باليد فقط دون الاستعانة بآلة التدوير. على جوانبه رُسِمَتْ تشكيلة تشبه رسما تجريديا تعبيريا، ضَمَّتْ خطوطا و مربعات و أوراق لشجر القيقب، وُضِعَــت بطريقة عشوائية حَضَرَ فيها اللون الأصفر و الأحمر و البني و الأسود. الألوان لم تكن بطلاء خارجي بل بَدَتْ مُنْدَمِجَة مع مادة الإناء.
شَعَرْتُ بِأُلْفَةٍ مع هذا الإناء ، و كأنه يحكي قصة. رَفَعْتُ بصري أبحث عن المشرف ، لم يكن بعيدا. حَالَ نظري إليه شَعَرْتُ بأنه كان يرقبني طيلة تفحصي للإناء، زاد فضولي، سألته: هل صُنعَ هنا؟ لا يشبه غيره! ـ كلا يا سيدتي ، هذا الإناء من المجموعة التي يصنعها والدي بنفسه، و هو شيخ كبير، و من حين لآخر، يُحِبُ أن نعرضَ شيئا منها هنا. ـ شَكْلُهُ يوحي بأنه مصنوع باليد ـ هو كذلك ـ و ماذا عن الألوان ؟ تبدو مُْدمَجَة؟ ـ يستعمل حجارة خاصة، يأتي بها من الوادي ، يكسِرُها و يدُقُهَا جيدا حتى تصبح مسحوقا بِلَوْنِ الحجارة المستخدمة، يضيف لها مادة دهنية طبيعية فيحصلَ على الطلاء الذي يستعمله في الرسم. عند الانتهاء ، يُدْخِلُ الإناء في الفرن مدة كافية حتى يجف الطلاء، يدهنه من جديد بدهن شفاف ، يعيد إدخاله في الفرن لِيَحْصُلَ في الأخير على هذه النتيجة أين تبدو الألوان مدمجة.
تأمَلْتُ القطعة من جديد: تحفة والدك مميزة ، فهي تحمل أكثر من قيمة شكلية جمالية، طريقة صنعها، الألوان و الرسومات ، البساطة، كل ذلك يُشْعِرُكَ بأنها شيء قديم يحكي مراحل وجوده في هذا العالم ، و يحيي في النفس إحساسا عميقا ، ربما حنينا إلى الماضي.... .أجابني بشيء من الدهشة و الانكسار : قليلٌ من يلحَظون ذلك ، بل لا أحد يلْحَظُ ذلك مطلقا، إنهم ينبهرون بالجمال الظاهر الأخَّاذ لهذه التحف التي تملأ المكان، و لا أحد ينتبه لهذا الإناء، يكاد يكون غير مرئي أو معدوما ، و قد يعتبر طفرة غريبة إذا ما انتبه إليه أحدهم. استرسل بعض الشيء في حديثه: البساطة و المعاني العميقة أمْسَتْ مفاهيم غريبة اليوم، لا أحد يَفقَهُهَا.
تأثرْتُ بكلماته ، سألته: سيدي هلا أرشدتني إلى والدك ؟ أرغب أن يصنع لي قطعة كهذه. تحرَّجَ قليلا: سيدتي أشكر هذا الاهتمام و التفاعل منك لكنني لا أجْبِرُكِ على اقتناء مثل هذه القطعة، خذي حريتك في اختيار أجمل ما تحبين . ـ أحببتُ هذه القطعة و لا أريد غيرها ـ لمس الصدق و الجدية في إجابتي ، ناولني عنوان والده.
نسيتُ أمر المعرضِ و المعروضات!
وجدتُ نفسي أخرج من المكان بسرعة ، متوجهة إلى ضاحية ريفية ، حيث الجبل و الوادي و أشجار القيقب، حيث يمكنني أن أجد ذلك الشيخ.

عبده حقي
21/11/2007, 09:13 PM
الإسم : عبده حقي
البلد : المغرب
المشاركة في مسابقة المربد في جنس القصة القصيرة

القصة الأولي



كأس نزارقباني

نص قصصي
عبده حـــقي
قاص من المغرب
إهدئي واستقري في سرك الدفين .. أنت لي .. ولن أترك يدا ثانية إلاّ يدي ترفعك إلى شفاه الحقيقة .
أو.. قفي في قرارة الصمت ، مثل لقلاق نيسان على ساق واحدة ورغم هذا فهولايتعب من ملاحقة الآفاق .. دائما على ساق واحدة ومع ذلك أيضا لايفكرفي الرحيل عن قمة جبل التأملات .
ذكراك ..أجل مافتئت أذكريدها ممدودة كالطعنة المشتهاة .. كفنن زهرالجلنار.. وأنت بين أناملها
ملآنة بنكتارالعشق القباني لمّا كان فصل العطش البيدائي يهدرفي باطني كقطارالفحم الحجري .
ناديتك عبرنافذة المكتبة العتيقة أن هاتها فكل جسدي تفاصيل ظمئ راسخ كصخرة جاثمة على أنفاسي الحرىّ .
قلبت ناظري في كل الأمداء فلم أجدك .. تسمعت لخطاك .. كانت تأتيني خفيضة من خلف المكتبة
العتيقة ، وبعد لحظة هللت علي بقامتك الغنجية ومددت إلي كأس الشاعر.. كأسنا القديمة ذات الساق
الواحدة ؛ وتحدثنا تحت إفريزالمكتبة عن أشيائنا الصغرى وقضايانا الكبرى .. قضايا العشق العربي
المنقوع في دماء الإحتلالات .. وقلنا لما يكون قدركأسنا أن تحرس عشقنا على ساق واحدة … وفكرنا
كثيرا ونقبنا في ذخائرمكتبتنا العتيقة وكل كتب التراث الإغريقي عن إسم هذا (الديزاينري) العبقري
الذي أغرق عشقنا العربي في قعرهذه الكأس العرجاء ومات !! ثم عدنا من حيث بدأنا حديثنا المسائي
عن السيدة بلقيس التي اغتالتها أشعارزوجها نزارقباني في بيروت نهارا وأمام عدسات الصحفيين .
لم أجرؤيوما على البوح بسرها السحيق .. الدفين .. كانت ملآنة أم فارغة .. غافية أم يقظانة منتصبة
على ساقها بين دواوين نزارقباني ، فأنا لاأرشف منها غيرما أعبّه من سرها اللذيذ..القديم …
حدث ذلك سنة 1988 ، كنت في ألمانيا دسستها في حافظتي مثل قنديل أخضر.. إستقليت قطار(الغزالة)
الذي رسم على جؤجؤه غزالة سريالية ، بقرن واحد يشبه خنجرصنعاء أومراكش أو مسقط وأنصاف
قوائم ولونها هوأقرب إلى لون أتانة مقالع الرمل منه إلى لون غزلان المروج .
ملحوظة : أخبرني الجابي أن هذا الرسم هومن شغل فنان إحدى ورشات المطالة ومن المؤكد أن
هذا الفنان مثله مثل الكثيرمن الفنانين العرب لايفرقون بين لمسة الفرشاة وضربة المكنسة !)
في القطارذاك وعلى طول الجدارالعازل بين ( بون ) و( برلين ) أخرجت كأسي ذات الساق الواحدة ..
أفرغت من التيرموسة جرعة معتقة من قهوة (الأرابيكا) الأصيلة وطفقت أرشف وأتلمض بانتشاء
مصرفا ناظري عن عيون الرقباء الزرقاء حتى أنني لم أعبء بطلقات نظراتهم على ظهري والغزالة
السريالية تخترق بنا الغابات والمسارح الخضراء التي لاحدود لها .
وأمس الثلاثاء 3 أكتوبر2006 كنت كما هي العادة في وحدتي اللذيذة وعلى الساعة التاسعة هنا بتوقيت
لندن طرحت القلم جانبا وقلت في نفسي مالداعي لكتابة هذه القصة الرديئة بعد سنوات على مصرع
بلقيس تحت وابل من كلاشنيكوف قصائد زوجها نزارقباني ؟ شغلت التلفازعلى دراما أخرى من برنامج
الإتجاه المعاكس وبينما كان فيصل القاسم يسعل ويستعطف ضيفيه العربيين المتعاكسين لالتزام الهدوء : (بس لحظة من فضلك دكتور!! ) ثم يديروجهه للجهة اليسرى ( بس لحظة من فضلك دكتور!! )
ألفيت قميصي مرقطا ببقع دم حلاقتي الأخيرة وبقع غازوال على الياقة وكان طنين وجلبة ما تصطخبان
في الجهة الشرقية من رأسي ، أقفلت التلفازوأشفقت على الدكتورفيصل القاسم وتخيلته بعد 500 سنة حاكما للولايات المتحدة العربية التي لن يبقى فيها من الجغرافية العربية سوى خطوط الطول والعرض .
ومن نافذتي ألفيت الشارع فارغا وتساءلت عن سرإختفاء الناس الجماعي وتذكرت أن إتجاها معاكسا
آخرتدوررحاه ذلك المساء بين فريقي (برشلونة) و( ريال مادريد) حول من سيفوزبكأس الملك .. أما أنا فقد عدت إلى كأس نزار قباني ، وجدتها واقفة بانتظاري على ساق واحدة بين أوراق مسودات قصصي الرديئة والفاشلة …

إنتهت

القصة الثانية



أراجيـــــف الوســـــادة (http://www.doroob.com/?p=20041)



[/URL] [URL="http://www.doroob.com/?author=902"]عبده حقي (http://www.doroob.com/?feed=rss2&author=902)


14 أغسطس 2007


قد يكون هذا الوقت الذي يغمرني بدفاقه الشفيف ..الازلي وأنا اسهو بين رقصة القلب وتطواف الشمس اللانهائي.. قد يكون هذا الوقت اعظم لعبة لا تليق بالمراهنة لروح وجسد يساوعها ويكدس حقيبة العمر بجمرالدقائق.
ها انا أضبط الساعة مرة آخرى على فجر زائف ، ثم في لحظة ما من الغلس أمد يدا جذلانة بالسبات لاخرس الرنات المقرفة التي تواطأ الزمن معها في حياكة معزوفة الديك الرابض في رحى الساعة الصينية …
أقطع مرغماغواية جسد مسافر في حكاية حلم بابلي لا أفتقد فتنته إلا بعد أن اشرع رتاج النافذة كي انبش في رفوف الوهم الغابر وارتب صور عالمه الأسطوري المنقوع في الدويات…
أدشن الآن فجرا آخر.. افتح عيني على علبة مهدئات .. وأتلو ما تيسر من آي التفسير في نفسي لعلي افكك أراجيف الليل وذخائرها المشوبة بأصباغ الوهم…
أجدني اللحظة مثخنا بالالوان والاشكال الهولامية وأشياء أخرى منسية لازمتني مدى رحيلي الليلي.
لحظة استذكار وإمعان فيما كان ظلي قد دونه من مداخر الروح على كراس الحلم وكان يرشني بطلعات نساء مدججات بالرواء تتمسحن كالقطط المدللة بصدري وتجعلنني مختالا كالهدهد بين معابر الحدائق وتقلن لي : “عم مساءا أيها الحالم
ألهذا فقدت طعم المعنى في انوجادي النهاري حين انفضحت أمامي لعبة الاغماضات .
فجأة وجدت الحدقتين مفتوحتين .. على حافة المهاد كانت سيدتي تخلل دؤابتي بمرشة الورد. قالت : ” باسم الله عليك … أفق ، أفق ، فأنات هذيانك تمتد وترا من رباب منشدخ وجسدك يهتز كما لو أنك في غمار ارتجاج.”
خاتلتني يدها في اوج الكابوس.. انتشلتني من بنج غريب .. كنت مرتبقا في شراك خيوط عنكبوت خرافي ، كلما انعتق عضو من اطرافي ، اشتبكت الاعضاء الاخرى بخيوطه.
وكان نداء امراءة يأتيني من غرفة ما.. ادراجها مشوبة بذبال خافت يرشح من قنديل سقف عتيق.. يتردد النداء وأنا في غمرة الشراك العنكبوتي ارد على النداء بالرعاش المتواتر.. وامرأة ثانية من ضفة الليل الأخرى .. امرأة تستعير وجه امي، رأيتها تستفل الادراج وتتعثر في تلابيب فستانها المشجر بعراجين التمر.. ثم تمد لي مهدا من يدين كبيرتين.
( هي لم تكن غير سيدتي التي تلاطفني على جنب المهاد وتضمخ ذؤابتي بماء الصحو…)
همست لها أن دعيني استرد انفاسي واسترجع جسدي المفقود وارتب ايقاع القلب على عزفه المألوف.
كنت ممددا في باحة ممهورة بطلاوة الاضرحة .. تحت مسقط نورالقنديل العتيق ، جسدي خامد وشيء ما بهيأة الدنق يطبق على اتلام الصدر… لم أتخلص منه إلا عندما نزلت المرأة التي تستعير وجه أمي لتهش عليه بشربيلها.
لم يبق من ذلك التواطؤ الملغز غير خفقان حثيث وتعاويد هربتها الذاكرة من أغوارالوسن.
وقفت ، قصدت المغسلة .. لطمت وجهي بحفنة ما ، فألفيت الاراجيف تتطاير كالخفافيش الهلوعة وتحوم في قيامة حول رأسي.. فتحت الكوة فخرجت جميعها، وفي حقيقة الامر لم يخرج شيئ ولم يكن هناك عنكبوت خرافي وأنا لم أبرح مهادي حتى والسيدة التي كانت على حافة السرير ما تزال تراقبني بحنو وافر وتؤنبني على تسفاري السندبادي في براري الليل وحيدا .
هكذا.. بلا جسد .. وجدتني اعبر مدنا لم تحلم بها خارطة.. اعثر فيها على بعض من بعضي.. أشياء حقنتها بدم المعاكفة.( ما بالها تلاحقني في ارخبيلات الحلم وتوثر فوضى مدن وأحبة بلا أسماء…؟ أ لهذه الدرجة يصير بمقدور الوسائد أن تدس كل هذا العالم المتماوج تحت رأسي … يكفيها أن أسدل الاحداق وأقطع شريان الاضواء كي يندعي العالم مصفدا تحت نهار الحقيقة لتشاغب اهازيجه المخبولة بنوبات الركض…
يجوز لنا إذن أن ننسج في الرحيل الوسني أجمل الفداحات .. أن نعبث بنواميس الكون ونسخر من قيافة الماء للماء ونمسخ لون اللون باستيهامات الهزيع .
ما تزال الرؤى تزدحم في الرأس.. والعنكبوت أما زال خلف الوسادة ؟
قلت سأسرد اراجيفي فلربما منحتني السيدة التي تستعير وجه أمي ملاذا يريحني من ثقل الدنق.
كان بصيص يوم آخر يخترق خصاص الباب والعالم الذي غادرنا بالامس يضع حقائبه جانبا .. يدعك عينيه وينبؤني عن حكايا رائقة تشرع ذراعيها لظلي الحائم حول نجمة الحلم المتخضبة بلون الالتباس.
لست ادري كيف تخصبت رؤى الاراجبف الليلية في رحم النهار، و كيف اجترت العين عالمها في غفلة مني.
يقينا انني كنت انحت على جدار الحلم مطافات اخرى سوف تتسع مثل الدوائر المائية وتغريني بالايغال في غرائب الاحلام.
لعبة جميلة إذن .. استغراق شهي بطعم الانخطاف الى المسارح المنداحة حيث أمشي ولا أمشي ثم اعود مثل فارس اسطوري محملا بزوادات البلور والياقوت واللازورد البراق أومتفصدا بعرق الخسارات.
حين زارتني أمي، حكيت لها عن العنكبوت الليلي … اسندت رأسي على كتفها الوارف.. شملتني بأمان رهيف وبددت عن ناظري غلالة التوجس بلمسة التأويل المبسام.


إنتهت

القصة الثالثة




مدارج البيت العتيق


عبده حقي
من المغرب




ألفاهم قد رتبوا في ليل غيابه اوراق رحيلها… أما هي فقد باتت هناك في منسكها تغسل يديها من مكابدات العمر… متدثرة في استارتها البيضاء المنسوجة بأنامل ملائكة مخفورة..
كانت تحصي ما تبقى من لحظات العمر.
هنا كان يتلمظ رغيف فطام متأخر.. يمزج كأس خطوها الفادح بالدمع الفائر. وعلى جناح الطهر كانت ترمقه وتعلن له بالصمت عن زمن آت سوف يستودعه فيه الإنتظار إلى شرفة الترقب…
كان التردد يستبد به وبها .. يوزعه بين الرغبة في الصد وبين رحيلها الطارئ الى مطافات الخلق المكين،.
على مقربة من السلالم كانت الحقائب تتربص بها وحذاؤها للخطو الكبير يغريها بالرحيل…
الوصايا تتشابك على الشفاه الواجمة.. بريق نظراتها يبلله بدمع التوسلات.. فجأة وجد نفسه متواطئا وحذرا في آن.. تصاريف الدهرهناك .. ذرف ما يكفي على كتفها الوراف.. كان يعبر الى جانبها الشارع الليلي المقفر.. وكانت هي تقتلع آخر الخطوات بتوجس بالغ…
كانت تحدثه وقسمات وجهها كأنه يوشك على البكاء . فجأة صارت الاسارير أخاديد لدمع مداهم.. حين ودعها في الناقلة كان مرة ينقرعلى زجاج الاغاثة ومرة يومئ لها بما يعتصر القلب من رعب خطوها الكبير.
رأى من حوله أطياف متلفعة في دثارالبدء… ساحة محفوفة بأشجار التين والزيتون .. نظرات للدهشة.. واللغط يعلو كلما دنا موعد العناق الاخير.
كان النداء بالاسماء اعلانا ليتمهم المؤجل.
همس له جارقديم ( لاتكثرت بالفراق ، ففي تلك الاكناف للسكينة خيمة بحجم السماء)
كانت أرواح الذين رحلوا مترجلين او على صهوات الفتوحات تتقد في ذاكرتها وتفتح دفتيها على تاريخ مغسول بدم القداسة…
رنا الى الشارع الممتد أمامه في صمت رهيب.. أعمدة النيون عقد متألق على هامة الفجر.. وجدها تعبر هذا الارتداد التاريخي وهو يلوح لها بمديله عبر نافذة الإغاثة ويلاحق كالمخبول طيفها بالنظرة الواجلة.. حين صحا من دوخته الفاها قد مرقت مثل نيزك في أمداء السماء.
في لحظة ما .. خفتت الجلبة.. الفجيعة التي نمجد فيها زمن الفراق.. وصارت بعدها كل المرئيات تهفو الى التمثل بطيفها والبوح بأسمائه المتعددة.
عاد وحيدا يقطع البيداء في ليل الغياب.. وينحث تماثيل لرجال شيدوا جسرا للبيت العتيق.. كان يحيى غربتين: غربته هنا وغربتها هنالك… كيف عن لجسدها الواهن أن يركب هذا الجناح الواثق ويتركه لاستيهامات الارتياب على شرفة الإنتظار…؟
يذكرأنها كانت تنتفض بالهجران خلسة في فجر الاعياد وحين كانوا يستفيقون بعدها يلفون فراشها مقصوص الجناح فيدرعون الدروب ويسائلون ابواب الجارات عنها ثم يعودون وقد أيقنوا أنها قد اقتصت من سياط السقف بمكيدة الهروب…
كانت صورتها تؤاصره.. عمقها الازرق.. بريق نظارتها.. إهاب وجهها الذي تملى فيه معنى الكينونة…
ها هم الليلة جميعهم ينسجون حول طيفها حكايا رائقة ، يرفعون السماعة و يتوسلونها أن تغمرهم بصوتها الرؤوم.
قد مضى شهر ونصف.. ما أقسى أن يمرالعمر إلا شهرا ونصف.. جربوا فيه كل أنواع اليتم ورأوا كل تجليات الفقدان.
ليلة عودتها ، بات مسهدا كان يحصي بالنبض دقائق اللقاء.. فجأة رن الهاتف وأنبأه صوت ما عن موعد هبوط الطائرة . صعد الى السطح ليترقب سريانها .. فرأى الازل.. كل الازل المهيب.. الاسطوري والغامض .. عتمة تطبق على حفافي المدينة.. كان في القلب شئ ما.. مثل لهاث دافئ عبق بأرواح النزول من ملكوت مدارج البيت العتيق… احس أن كل الازل قد نهض من رقاده وتهيأ له أنهم يرتعون خلفها في دروب السماء بأجنحة ملائكة صغيرة .. نورانيات وشفيفات.. يفتشون عن طيفها بين نثار الكواكب والنجوم..
صاروا يترنون بامعان.. هو وحده يداه مشتبكتين خلف ظهره .. يقطع السطح جيئة وذهابا، كأنه أكتشف للتوهذا العالم الملغز بعيني صبي ممسوس بالدهشة الآولى.
فجأة لمح مقصورة مضيئة تخترق الديجور وكاد يهتف للعالم أي أنها نازلة عبر درب الانبياء…
هذا إذا فجر آخر يزحف مسكونا بالأسرار…
انشق صدر السماء عن شعاع أبى إلا أن يترنم معه بالشدو ويرجع بالغناء نشيده الصباحي.
شرعت الاطياف المتعبة تهل عليهم من البوابة العريضة .. فجأة لمحها وشعر برغبة العمر الوحيدة في البكاء.. كانت رافلة في نصاعة المدارج السماوية .. تجر خلفها تعب الوهن والرحيل .. قال في نفسه : ياه ما لوجهها قد صار قمحي الاهاب.. لعله لون البدء الذي ينشده صلصال الخلق .
ضمها الى صدره ..ضمها كثيرا كثيرا و كانت نظراتها هائمة في المرابع الخضراء.. وبيمينها سبحتها المرصعة بخرزات “الفيرونج” وهما يقولان “سبحان الله”..سبحان الله..سبحان الله ..

إنتهت

وأرشح قصة كأس نزار قباني
وأتمنى التوفيق للجميع

محمد الهادي
23/11/2007, 08:22 PM
محمد الغرافي أحييكم هذه مشاركتي في القصة القصيرة


القصة الاولى :الحلزون والدخان


البرد. ارتخاء يسري في جسدي كالعقم. ينتكس رأسي إلى الأمام. ألملم جسدي المتهالك بذراعي الضعيفتين. أرتعش. أمرر يدي على شعري، على وجهي، أتحسس جسدي. أحاول أن أعي نفسي، لكن كل شيء يمر بقتامة. ترف عيناي، لكن لا شيء واضح. ثقل رأسي يرجئني إلى العمق، ودوران متهدج يخضني. يتزايد إيقاع تنفسي، فتتزايد إرجاءة الرأس إلى الأمام، وتهوي عيناي إلى العمق الراسخ، الغالي في.
يجهش كل شيء في إلى التحطم، والتهدل، والانسحاق. لكن ما ثقل رأسي، وعيي، ما بال تجمد جسدي، تقلص العروق، وتخثر الدم يحيلني على النهاية الأبدية المرتقبة في؟ أعرف نهايتي مثلما أعرف ولادتي الغامضة-الساحرة، وهي تتفتق بين شفتي أمي. أبتسم كلما استعدت طقوس ذلك اليوم الذي لم أشهده. كلما تذكرت الفرح الساقط من ملامح أمي، وهي تستعيد الآلام والمعاناة، والفرح.
يعنيني أن أظل بلا حراك على هذه الحالة. أتحسس جسدي، أحرك يدي لعل الدم يتحرك، لعل الجسد ينفتح، لعل الرأس يتخفف، لعل عروقي تتمدد. يعنيني أن أعي انسحاقي، يعنيني أن أفتح حوارات محكومة بالعفوية والمعاناة، أن أخطط، أن أبدأ من جديد، أن أفكر في الأصدقاء. الحبيبة أعدمتها على قبر هارون. لم يعد لدي صديق. أشك في كل شيء. لم يعد أحد يهمني. يجب أن أعتزل كل شيء. أن أغترب في كل شيء. لكن الذي أجهش بالبكاء وهو يضمني إلى صدره، يخلل شعري بأصابعه، يبحث عني، يشتري لي"الحشيش" بنفسه. يطلب مني أن أعيش بشكل عادي : أن أتابع الدراسة، أن أدخن في المنزل. ليس عيبا"أن نبتلى". فالحياة لن تتوقف. يعيش تمزقي، لكن يحاول أن يخفف عني. أن يرجئني إلى الصوت الأول الذي خرج مني. لكن كل شيء أصبحت أفر منه : من البيت، من الجامعة، من الشارع. أعود متأخرا. لا أجتمع مع أهلي حول المائدة. أفر، أعتزل كلما استطعت ذلك. تكفيني نفسي، يكفيني ما أعانيه. وذلك الداخل المضطرب باستمرار كيف أحرك الدم فيه؟ كيف أتحول؟ لقد مسخت، فهل يعود الزمن وأتحول؟ أتحرر من كل هذه الترسبات؟
لم أعد صالحا لشيء. لم أعد أعرف كيف أتواصل مع الآخرين. كيف أنفتح؟ كيف
أحارب الجفاف في؟ كيف أحول العقم الذي اجتاحني؟ كيف أطرد هذا البرد والارتعاش؟ متى أتخلى عن عادة تحسس حسدي؟ متى أتحرر من ذراعي الجامدتين اللذين يمتدان دائما لإسناد جسدي من التحطم؟ وهذا الحوار المنفتح متى يتوقف؟ دائما يمتد صوتي في الداخل، دائما أتحدث، دائما أفتح حوارات مع نفسي، عقلي مشغول دائما بمناقشة نفسي. لكن تبقى الجملة الخالدة التي أختم بها مذكراتي اليومية متوهجة في "إيه ويبقى الحال على ما هو عليه حتى إشعار آخر"
لست أدري كيف ترسبت هذه الجملة في ذاكرتي، لست أدري أين قرأتها، لكنها تلخص حالتي اليومية. أكتب أشياء، أقرر أشياء، وأفكر في أشياء. لكن لا أفعل سوى الاستمرار في الحشيش، وفتح كتب القانون، والرحيل بعيدا في الأشياء الرمادية. مشغول بالخطط، والمشاريع، والإدراكات. لكن لا أجد سوى الابتعاد الدخاني كحل معقول لدي. حتى الدروس الخصوصية لا ألتجئ إليها إلا عندما تتأزم الأمور، وأتعب من استجداء الآخرين.
أخي امتداد لي، وأنا امتداد له. يكبرني. استطاع أن يؤمن احتياجاته من الحشيش والخمر، كما استطاع أن يعمل. معلم ملحد-متطرف، محتاج. يعيش حياته وفق قناعاته. كاتب فرع جمعية حقوق الإنسان. يدافع عن الإنسان ويظلم الإنسان الراقد فيه. أتعجب كيف حافظ على توازنه ولم ينسحق في أول هزيمة وارتجاجه أمام تحطم المقدس. يحدث أهالي الدوار الذي يعمل فيه دون أن يصلي معهم. يناقشهم أمور دينهم ودنياهم. لكنه ينسحب فور إقامة الصلاة، بدعوى أن البول يسبقه.
عندما أتصالح مع نفسي، ويشتغل الدخان بين يدي، يغادرني البرد والارتعاش. يحلولي أن أتصوره وهو يخاطب الصغار. هو الذي كان يطمح إلى مخاطبة الإنسان. هو الذي كان يتهيأ ليصبح نبياـ ليؤسس نبوة-طريقة-ولاية-عالما جديدا. يعتزل في زاوية ليقصده المريدون. وما تنازله ليخاطب أهالي الدوار في أمور يكرهها إلا من قبيل هذه الروح وهذا الحلم الغائر في الذات المتكسرة .
سبق زمنه، أو هكذا خيل لي. وجدته متماسكا، محطما، مرهقا-منهزما. بطل تراجيدي-فوضوي منهزم في عمق الأشياء، في قرارة الإجتياح. وجدته غريبا عني. تقرح بالفكر والهم والانتماء والانهزام. تعمد باغتيال الأشياء غير المتوقع. انهار قبل أن يعي نفسه، قبل أن يحدد علاقته بالأشياء، ويحدد علاقته بنفسه، بالانهزام-التقرح، والمراهنة على التحول الترتيبي للزمن والتاريخ والحلم والواقع.
رهاناتك انفلتت بشكل غير محسوب. هل تركتها تنفلت أم تابعتها بحرقة و وسوسات؟ هل وعيت نفسك أم كنت تحاول أن تعيها من خلال إعادتها وأنت تخاطب الأهالي ولو بغير قناعاتك؟ أنت شهادة على الكائن وما كان ينبغي أن يكون. وعي متأخر بالتاريخ والأشياء. بداية معقولة، ونهاية غير متوقعة. انفصال ما بين الحلم والزمن. شرخ بين الذاكرة والحدث. حلم تحطم بقسوة وارتداد عفوي إلى الفوضوية والتراجيديا الأسطورية الفجائعية. هل أنت بداية مرحلة أم نهاية تاريخ؟ توقع مشروط أم خيانة متجددة؟ لماذا تقرحت مبكرا وسط هالات الحلم المقدس بأن تكون؟ لماذا تعلن سخطك وتمردك على الأشياء التي تحكمك من الداخل؟ لماذا سايرت سيرورة الأشياء القدرية؟ لماذا لم تعلن الوعي؟ لماذا لم تقل بأنك كنت موجودا قبل أن توجد؟ لماذا فضلت العدمية وتقرح الفكر والوحدة؟ لماذا لم تحاول الوعي ببساطة؟ لماذا اختصرت نفسك بهذا الشكل واختزلت الوجود؟ لماذا تحطمت مبكرا لتعلن فساد تركيبتك، هشاشة روحك-غرابة تكوينك؟ تعذبت كثيرا في الوعي بك، والوجود والفكر والمطلق والله والإنسان ومقولة التحول. لكن ما هو إحساسك بهذه الأشياء، لماذا لم تكن سيرورة وسوسيولوجية فاقدة لكل الوعي والاختزال، والارتعاش، والداخل المنشق عن ذاته؟ هل اقتنعت برهاناتك الممكنة، وغير الممكنة، المعقولة، وغير المعقولة، لماذا تصوغ أشياء لا أفهمها وتظل خاصة جدا؟ عشقك، علاقتك بالمرأة الوحيدة، المتغربة في تاريخك المثقل عشقا وغواية. وعيك الخاص بهذه المرأة يجعلك إنسانا خاضًّا جدا. هل هي شهادة أخرى على انهزامهك؟ لماذا لم تتزوجها؟ ولماذا تستمر معك كل هذا الوقت. حملت منك، لكنك أرغمتها على الإجهاض حاولت أن تهاجر، لكنك مزقت جواز سفرها.
أتذكر أيها الغارق في الإنسان. في الوقت الذي تسيء فيه لهذا الإنسان، من المسؤول عن اختلاط الأشياء وانكسارها في زمنك؟ من يملأ الفراغ المستنبت في ذاكرتك-جسدك؟ أتذكر أيها النبي المنبوذ حين كنا نتجول، هائمين بدون إيقاع مقصود، لأجد نفسي فجأة في حي عشقك القديم. لتجد نفسك وجها لوجه مع الإنسان الوحيد الذي رحمك في هذا الزمن. مع الجسد الذي يتلقاك كلما انهزمت وتحطمت ببهاء منقطع النظير. تغسلك من المدينة حين تفقد التوازن والقدرة على ترتيب الأشياء وفق القناعات الخاصة، أو وفق انهياراتك المتجددة. ذلك الجسد الذي التأمك طويلا. تحطمه بالضرب والشتم والركل. أيها الطفل الضعيف دائما، تحولت فجأة أمامي إلى رجل. أنت الذي يرهقك دم الدجاج، تفتح في الجسد الذي قدسته طويلا نزيفا مرعا. يهوي الجسد ليرتطم بجسدك المرتعش. هل تقدسها؟ لماذا إذن تدنسها بهذا الشكل؟ تقدس الآثار التي تتركها على جسدها. تتحسسها بخشونة وارتعاش. تغوص في البقع الداكنة، في المناطق الحمراء المعتمة. تسحرك الصيغة الجديدة التي يتخذها الجسد الموج، وأنت تبتهل بأن يتوقف الزمن عند هذا الحد، أو يتحول، يختصر الزمن في هذه اللحظة فقط.
"تهفو إلى جفاف الجسد، ويرهقك الجفاف في الخارج"
دائما تأخذك إرهاقاتك بعيدا. مرتبك ينتهي بين الخمر والتبغ والحشيش، والطلبة المعطلين في جمعية المعطلين. تحاول أن توفق بين الإرهاقات والقناعات. لكن لماذا تصوع جفاف الجسد بهذا الشكل وتهفو إليه؟ تحس ببوادر الحمل. تذهب بها إلى الدكتور ليجدها ما زالت عذراء. تعود بها لتحقق الجفاف الكلي للجسد. تفقدها الذي كانت تحتمي به. لتذهب بها بعد أسبوع واحد لإجراء عملية الإجهاض.
أحاول أن أتخيل آلام فض الشرف، وآلام الإجهاض. والدم مازال متخثرا.
- "كان باغي الطبيب يخسرها هو"
وبذلك يفقدك صيغة تحديد الجفاف.
أحاول أن أتخيل العالم الخاص بامرأة بهذا الشكل، بهذا الجسد، بهذا الجفاف الذي يأسرك. امرأة أظنها تمشي فقط. لا تلتفت أبدا. لا تفكر أبدا. ربما تقرأ، وربما تكتب، ولكنها لا تقنع باسترجاع الذي يحدث. امرأة تستشرف الجفاف المقدس. أحاول أن أعي قناعات امرأة. أحاول أن أتصور كيف تستسلم بين يديك، كيف تتلقاك، كيف تتحمل جفافك، كيف تصوغك من جديد، كيف تتحول إلى فضاء يتسع لخربشاتك المحمومة، كيف تطيق خدشك المحموم، كيف تتحمل مكوثك الطويل وأنت تتأمل الجفاف الطالع من جسدها، خشوعك وأنت تتحسس البقع الداكنة الحمراء. كيف تستعيد انهياراتك في حضرتها؟ وإيقاعك الغريب :
"ياك المسخوطة كنكول لدين مك………"
كيف تتلقاه؟
أحيانا حين أطيل التأمل في الناس والحياة، أستبعد هذا النمط من العلاقات، هذه الصيغة من الإنسان، هذا الشكل من الحميمية والخدش والإرهاق. يبدو لي كل شيء عادي. لا شيء يثير القلق والجفاف. لا شيء يبعث على الخوف، والإرتعاب، والاهتزاز من فرط الحمى الشهوة التي تسيطر علي حين يصعب علي بلع الريق عند امتقاع الجفاف فيك، حين تجدني أستجدي "كازا".
- أعطيه ماركيز"
- لا…لا أعطيهلي خمسة دكازا".
تحس بجفاف قاس يعروك. يبدأ البرد يسري في. أتحسس جسدي المتهالك. أنفخ في يدي. في عمقي غير البرد. ليس في داخلي غير البرودة. أرتجف وأنا أمسك "خمسة دكازا".
وجهان التأما وافترقا. تاريخ جاف يجمعها. واقع بارد وقاس يقتلنا دوما، يدفعنا نحو الجفاف. متى يتوقف الجفاف في الخارج؟ متى تبدأ الرطوبة؟ متى يذوب الجليد المترامي في داخلي، داخلنا، ونقتل الأشياء بشكل أفضل؟ لم أفكر أبدا في الموت. نمقت الحياة ونظل مشدودين إليها. تثيرنا رغم قساوتها وبرودتها. وهذا الموت في الداخل ماذا أسميه؟ والجفاف الممتد دوما فيك ماذا أسميه؟ انسحاق وراء انسحاق، جفاف في الدخل والخارج.


إجا / طاطا


في 29-09-99



القصة الثانية



العـنـكـبوت


وصل يوم زفاف كلثومة بأعروس محمد وصل مثل بيت العنكبوت، مثل ماء العين القديم تحفه خضرة المروج الفاقعة. تشير عليه النساء، تستفزه سناجب الطريق، حجر الطريق، نساء الطريق، عناكب الوهم المريرة في القلب والذاكرة. لم يخلع عنه الماء. لم يخلع رنين العنكبوت الفضي عن ظهره، لم يخلع زرقة الهواء الرطب. وصل يحمل عناكب أخرى للسناجب، ملحا للعين، صناديق وافرة لعصافير القلب. لم يحاول فك الحبال التي تشده إلى الهواء والتي تبقيه حيا. لماذا يصر على البقاء. لكن لماذا تهاجر كل العصافير محنا ولم تقل لأمكنة السنونو وعدا واحدا بالكلام. كانت تقص أجنحة لها من أجنحة الغمام البري. كانت تزف وجهي حصار جميلا للعصافير. المكان لم يعد يودع أحجاره العصية. كل شيء بعيد عن السنونو. كل الغمام بعيد عن البر وكل البحر قريب من الحجر. كان رديئا مثل مناخ طاطا، مثل نكهة الأشياء المتبقية في عينيك قبل النوم، قبل قبلة الجماع. عيناك مفككة مثل أوصال الرحم، متماسكة مثل البصل البلدي. سأقدس معك زكام الشتاء، فصول المساء. لم أحاول أبدا ربط حاجبيك إلى العنكبوت. لم أحمل عطشك معي في الطريق ولم أحمل رنينا باهتا لفرو السناجب عند الظهيرة وهي تقفز تحت الحجر من صخر لصخر ومن جذع قصير لجذع أقصر. لاشيء يتسامى هنا سوى الشمس والجبال وصفرة العنكبوت. كيف يصل الملح إلى الفم وتصل النجوم إلى الأسماء ويصل السر والسحر إلى النساء هنا. كيف يتجاوز القمر بنية الجبال ويصل نوارا، شواظا من جمال غابر يذكر بتسامي النفس الأول إلى الذات الأولى. كيف وصل مثل الحجر الرضيب؟ لا يرفع عينيه إلى البيوت. سينسى فيما بعد شكل الطريق ولون السماء التي كانت فوقه وهو يغطي وجهه بقبعة بنية يقترب من شكل قبعات رعاة البقر. سيتعلم منهم كيف تتعامل مع الخلاء أو مع الصحراء أو مع الأطلس سينسى فيما بعد حجم العنكبوت، بيض السناجب، ملح الأصدقاء ويراود المكان عن بيت وحيد. يراود الزمان عن يوم وحيد، يراود الحجوم عن مساحة حاجبيها. يراود الأشواك عن مرود النساء. سينسى فيما بعد كيف وصل إلى هنا بدون حكايا، وكيف بكى بدون فقاقيع العيون. كيف انتحب مثل الفقر البعيد عن المكان كيف انتحب مثل أولياء الله في مجمع الصالحين، كيف راود وصيته عن نفسها، كيف قتل العنكبوت في زاوية البيت الأخيرة. كيف ينفض أغطيته كل ليلة قبل النوم. كيف يطرح العناكب دوما للشمس. كيف يحرق الثعابين بحنق العنكبوت في السقف.
كان قد وصل مثل العناكب المهاجرة لسقف آخر في الفضاء. وضع حقائبه وأخرج حجما صغيرا لصورة امرأة وطمس ظهره في الجدار. استدار. طمس وجهه في الجدار. انتحب قليلا ثم استدار. يصر على فراغ الفضاء. لم يشرع يديه. لم يتحسس وجهه، كان الفضاء كبيرا مثل عناكب الصحراء وقويا مثل حبال بيت العناكب الأمازيغية. كان الفضاء عدما مثل الهجرة إلى الحجم، كان بدون عصافير تحف الصدم والمكان، تحف الحجم النيئ، تحف وجهه قبل الليل. وصل مثل الفضاء أيضا لم تحيه النار ولم تأو إليه الجبال. لم يستدر صوبه شكل ولم يفزع منه النخيل والهوام السائبة. لم يشر عليه الضب عاد يبحث عن الأطفال والماء. عاد إلى البيوت الواطئة التي تظهر أمام عينه وتختفي ليسأل كيف يكنس العناكب بيت الحبال الطويلة. كيف يزيل الضباب، الزجاج النيئ، المزن الرطيب. لم يجد طفلا ينتحي الجدران. كانت النساء تفر مثل حصان الجزر القديمة، تدخل أقبية مثل الضباء، لم تلتق عينانا، لم يكن لها حجم. لم يشرع لها حجما آخر مثل الجدار.
عاد مثل الضب إلى جحره. جلس بعيدا عن البيت، فتح فمه للهواء وفكر في ركوب حصان النساء ليفر من جزرهم كلها. البيوت مقفلة، النوافذ مرتطمة لا سقوف ولا كوة صغيرة. لا مكان يطل من المكان. لا أحد يطل على الشريد. لا أحد يطل على الغريب. لا أحد يمد الوريد إلى الوريد في خلاء الأحجام والنفس. هنا تذكر نفسه وهو يجري ببيضة في اليد الصغيرة نحو المسجد. لا يستطيع تجاوز عتبة البيت فيبدأ بالصراخ. لا يتوقف صراخه لحظة قصيرة حتى يخرج الفقيه. يمد إليه بالبيضة ويعود بسرعة وفرح كبير إلى حضن أمه. يكمل المشهد الآن من ذكرياته ويتصور الفقيه واقفا يبتسم. لم يلتفت إليه أبدا في كل مرة ترسله أمه بالبيض.
الآن لم تعد الطفولة تغريه بالانزياح عن رونق الصفصاف في الذهب الخليع، لم تعد ملمحا للجمال. غمس كل الأشياء في انزياح قصير وعاد يراقب ما احتمل الجمال من وله قيد القسمات الواجفة باستمرار في المساء غب النبيذ الآخر في النبيذ. وحده من يضع شاهدا على طفولته ويترك للقلب انزياحا آخر للطفولة. قد يكون أعمى الآن لكنه أبهى يحبل بتغريبة ينشرها فوق الجمال الواجف، فوق النبيذ، فوق الأسماء، قرب العناكب الصفراء. قد يكون أعمى لكنه وحيدا رأى أن عينه اليمنى لا تبصر، وأن عينه اليسرى خضراء تعد البياض قريحة أخرى لأحلام العين. وحيدا رأى أن الهديل يقترب من العين في المساء وأفرج عن بصيرة صغيرة بين العينين. أطلق البصر للألوان، الظل للطير حين تعدو قبل الهديل، قبل تغريد الدوالي في الأطلس الفقير، قبل نثر الأشياء في لغته الموجوعة دوما. الأطلس لا يمنح ماء مالحا، لا يوزع نورسا خفيفا في الفضاء، ولا يصعد ريحا للشراع. وحده نورس يتابع خفض الموت، تناسخ الأقاصي، رقة الريح قرب فمه الخفيف تهيئ الخلايا في التناسخ. يتألم الآن، يشرع الفضاء تناسخا للتناسخ يشرد عاليا، منخفظا. يلتبس عليه الارتياد.
"حين أقتنع بك أتحطم على الممكن والمستحيل. أتنفس بطريقة غريبة، أتنفس كل شيء دفعة واحدة. ما يفتنني فيك هو الشبق المتجدد والشهوة المفتوحة. تستعرين فوقي، تترهلين، تلهثين وراء ما يقلق العقل وأنا تنكرت للعقل قبلك. كنت تقنعيني بالارتماء عليك حد الغفو. يهدهدني ترهل جسدك. لا أريد فهم خصوصية عدم التماسك فيك اختزنتيني طويلا في برودة وقساوة الليل والوحدة والفراغ والمطر حين يرتبط بالا معنى. عبرنا الشارع الطويل في ليونة الليل وانسيابية الظلام والمطر (…) من يختزنني الآن في هذا الخلاء الموحش. سأجد صعوبة كبيرة في خلق عزلة كاملة معك. تعرفين أن القضاء ضئيل وبيني وبينك تاريخ ونبيذ وحجر وبصر وذاكرة ".


بدأ الأطفال يجتمعون. لم تتحدد صورهم في ذهنه بعد. أطياف وراء ظلال، ظلال وراء أطياف، أطياف وراء شواظ في القلب. لقد عَبَرَ وجلس على الوجه الآخر لمدينة الشمس والضباب الأحمر عَبَرَ. كانت المرايا شمالية، الظلال فارغة. العدم يلقي ثقل الجنوح والنهب. إلى أين وصل – عبَرَ؟ كان يقول دائما "أعيدوني صوب عبور لا يفضي إلى عبور متى انتشى عابر وغازل العناصر". كانت النفس تشده للنفس قبل الريح في المرايا. قبل الشمال في القلب والخلود. قبل اليباب في الظلال والشواظ في الأطياف. حين عبر إليها انتشى بالنفس كأنه العابر الذي لا يعبره عبور. حين عبر إليها ركب سلالم الفناء وحقن نفسه باستيهام الريح قبل البحر. جنوح يديه صوب أعضائه الخفيفة حين تنتحب فاتحة وصية للمدار. هذا النحيب ليس قريبا وليس بعيدا. كان الأطفال يجاورون الظلال المتعددة، وكانت عناصره تستجير بالظلال. كان يجمع فاتحة الأولين حين شردوا، عبروا وعادوا ولم يعودوا. الأطياف مازالت تتعدد والقلب مازال يستجير بالظلال. "هل غادرت الجنائز قرنفلة تنتظر حلم شاعر انتحب ولم يحلم أبدا بما تقوله الطيور حين تفتح صغارها فم العالم كوة لِحَبٍّ صغير. لم يفكر أبدا بما قالته النجوم للفصول المفتوحة على سراويل الأطفال تويجة. لاشيء بارد يسترعي ثنية في القلب".



إجا / طاطا



2001


القصة الثالثة

ولــيــمــة
تقسيم أول :
يدنو المساء. أحسه : وليمة لحزن محقق. عشب أهدر على جسد النساء. حزن تفرقع من قدمين تثقلان في اتجاه الدوار.
أغادر المدرسة. ألتفت شرقا. أسرح نفسي في السماء. وليمة لن تحبل أبدا. يحزنني أن الزمن لن يحبل بي ثانية. يأسرني الطريق المؤدي للدوار. جسد يلد الأجساد. وجوعي لن تطفئه وليمة قابعة بين التواءات الطريق.
تراني امرأة تقف وراء الباب. تختفي كما اختفت أروع وجوهي. تتركني أكابد. لن أكابد غير الافتقاد، وأنت صورة من افتقادي، ألمي وفرحي. نسيني الوطن ونسيت الوجوه. احتفلت بنفسي فقط. أتألم حين تغيب عني الوجوه وشكل الفئران الأولى وزمن العمر الأخير ولا أحزن. ما أريده : أن يظل معي صوت الفئران للأبد. ما أحبه أن أظل أحلم بالفئران للأبد.
لن يحزنني اختفاؤك. أنت مشهد من قلب لن يطفو على الزمن والعمر والكف والجسد. سأذكرك وليمة حزينة لأصقاع قاتلة في الفئران. سأذكرك عمرا تفجر وسال. الحزن والقمر والعمر والحزن والعمر. لماذا خرجت وعدت؟ لن أنظر إليك أبدا. لن ترين عيني وحزن القمر. وقلبي ارتجاج، بوح، وطن، واد جف قبل جفاف العمر، والوطن. وقلبي زمن.
هل جربت عشق الفئران وأسطورة الجسد؟ زوجك يكدح، وأنت تذعنين لمساء معلم يدنو. ليس له غير هذا الزمن. جففي عمرك مني. لا تقبلي طفلك بتلك الطريقة. لا تحتمي بالأصوات أمامي. فالمساء يدنو، والمعلم يمر. يكتشف أجسادا التوت على جدران بنية وصفراء. وجوها تعلن أن الحزن والفقر والجسد قديم. الفقر والحزن والفقر والوجوه. حزنكم قديم وزمنكن غادر، وقلبكن يعر علي حزنه وضياعه.
أمر فتخفق كل الوجوه. وقلبي تركته يحزن قبلكن، وقلبي تركته يهجر البحر وكل شيء قابل لأن يتحول إلى ماء. لن أخفق. أحبكن. لأن الحزن والقمر قديم فيكن. أحبكن. لأنكن لن تعشقن أبدا القمر حين يطلع بين كتفي. وأنا أحبل بالحزن حتى يطلع القمر بين جبلين. لن أنظر إليكن أبدا حتى تحبلن بالقمر. حتى تحبلن بي.
يقودني العمر إليكن. أحتمي بمساء يمر فأرا. أحتمي بأجساد تخلف لغة ولوعة. لن يصدأ عمري أبدا وصوركن تنز في العمر. ترتبطن بالعشب. أعرفكن من قديم. وجوه كالحة كعمري. أجساد جافة كعيني. ككتفي. متوحدة كالعمر الذي توحد وهاجر خارج أصقاع الوجه. من يحدني وأنا بينكن؟ من يوقف الفئران في؟ ومنكن يأتي البحر. صور، وجوه،زمن، وليمة لقلب أذعن للقمر. أهفو إليك وأنت تقبلين ابنك بصوت له شهوة الفقر. أكتشفك : لك تاريخ حزين كتاريخي، أبيض كالقمر، غادر كالعمر، عزيز كالطفل. أحبك، لن أحتمي بك. لن نخلف لغة ولوعة. لن يصدأ البحر. لن يحزن زوجك : ضعيف ورقيق. لن أذعن إليك. ترتمين بسخط أمامي.
يدنو المساء أحس بنشوة عارمة في رؤيتك. لست موجودة. ينفتح الباب البني، جميل كجبهة البحر، أبيض كعيني حين يدنو المساء. وليمة تخلف ارتجاجا، بوحا، قلبا، حزنا.
يقودني العمر إليكن. وأبدأ بوحا من نوع خاص.
سأرى الليلة قمرا بين جبلين. وحيدا إلا من صوت قبلة على خد طفل. حزينا إلا من أصقاعك. بعيدا إلا من صوت تقلبك على الأرض. أمر في الليل. تخرجين. معي طفل. أكيد صدمت. خلفت حزنا سيتوحد مع حزني. ونمضي الليلة نراقب قمرا بين جبلين.
جسدك أغنية تتردد، تأتي مع غبش العشب. جسدك ذاكرة تميمة ضد القمر. جسدك واد يجف قبل هجرة الفئران إلى مدن استوائية ظلت عالقة بالقلب المترنح.
لم نخلف سوى عمر يكابد صوت قبلة على خد طفل.
تقسيم ثان :
جلست. ماتت على جسر آخر عناق موجع جعلها تكتشف البدايات الأولى لأنوثتها الدافئة باللامحدود والمدهش. لم تكن تعلم أنها تختصر فتوحات الجسد. لم تكن تعلم أنها تؤسس لانهيار من نوع خاص في اتجاه الأماكن التي تحبل بالقمر طويلا. لم تكن تعلم أنها تسير نحو المتألق بجبن عن طريق محفوف بضوء الأفكار الكافية لخيانة وطن. مرجعية مشبعة بالخيانة وانتهاك مفارق الأنثى فيها.
كانت تختصر الزمن الطويل في جلسة تحبل بقمر وعري وانفصام، فوق قمة جبل صغير. بني هو لون الأشياء القاتلة فيها. أزرق هو النصف السفلي للمرأة. أسود هو رأس المرأة. وبني هو القمر والعري والقمر. وطفلك أبيض كعمر نساء لم يكتشفن المناطق الاستوائية في جسد أزواجهن. لم يسألنهم عن معنى القمر في ذاكرة الجسد. عن معنى الصوت حين يعلق القمر تحت النصف السفلي للنساء. كيف أنظر إليك؟ أقول لك بيني وبين القمر والجبل : أحبك. لا يهم أن تسمعيني. ستبكين قريبا مني فيما بعد وتقولين بأنك تحبلين"بأحبك" كلما مررت. كنت تتعرين قليلا. كيف تذعنين والقمر قاتل كل الأشياء التي تحتمي بالمفارق. وأنا أحبل بالحزن حتى أراك. وأنا بني وصامت حتى أسمع صوت قبلة على خد طفل. يغريني بتقبيله. لكني لن أفعل.
شفتاي وطن زنجي انحدر من ذاكرة استوائية. وجهي طفل بدائي يهفو لرنين القمر. هل القمر يمنح صوتا زنجيا له رنين؟ لم أبحث عنك أبدا. لم أغفر لنفسي هذا. ظللت تقبعين بتشنج. وعمري يغادر دون فأر. وعمري يعرف كيف يخون النساء. وعمري أول ما منحت النساء، وآخر ما ترنحت به النساء. وبين أول عمر وآخر عمر كان صوت قبلة على خد طفل يحيلني على عمر فوق قمة جبل بني، وأمامك طفل تخلف عن المدن الاستوائية، والقمر والعمر الأبيض.
علمتني كيف أشتاق لصوت قبلة. علمتني كيف أرتجف قبل أن تتعرين ببهاء أزرق. علمتني كيف أهاجر عمرا جنائزيا فوق مدن أمازيغية ولا ألتفت نحوك. تقبعين بتشنج. تتعرين بقسوة. لا أريد أن أعرف إن كان تمة عري قبلك. ستبكين قريبا مني وتقولين بأن عمري بدأ منك. لا أريد أن أعرف إن كان تمة عمر قبلك. إن كان تمة بحر فيك. إن كنت رأيت القمر قبلي، قبل أن أعلمك كيف تحبلين بالقمر. والعمر الليلكي يبدأ منك.
ضباب فيك. والعمر الأمازيغي لا يعرف الضباب الزئبقي ضباب فيك. لم ابحث عن الضباب. أعرفك الآن. صامتة غطاك العري. لا يغريني عريك كثيرا. سأعرف كيف أعبدك دون أن أهاجر بك إلى مدن أمازيغية نامت على ساعدي. سأعرف كيف أتعبك دون أن تنامين بقربي، وتشتاقين لعري فوق قمة جبل. تصغين إلى فتوحات القمر. قلبي يترنح حتى تتمددين، وعيناك تستقل بالقمر، وطقس الاتجاه الأزرق فيك.
عمرك مدراج وطن موعود في الكتب الأمازيغية وجهك اتجاه استوائي. يتركك. سحقتني استوائيتك المرنة قبليني بعنف دون صوت محجري. علمتك مخملية القمر. دائما كنت أتبع القمر. كان يقودني إليك. كان يعرف أنك فوق قمة جبل. تحتك نصف أزرق، طريق أبيض. تصغين لارتجاج الأقمار الأمازيغية. مررت تحتك. لم أرفع نحوك عيني. تبعتني كل المدن المحتملة. ظللت قابعة. يحركك القمر نحوي. إليك يقودني الدفء الضيق، عبر مسارب عنقك الثقيل : أول ما لفحت الشمس. مزمور بدائي قديم.
مهووس بك حد القمر. حد الوجه التقريبي عندك. حد أول لمسة ارتعدت لها. حد أول عمر جعلك تؤمنين بالجسد وضرورة الفرح المقصي عن العنق.
خذي عمري وليمة لعناق لن يحبل بالوجع والمرئي. طفلان يبحثان عن قمر مكسر على عتبة الحشرات الميتة. خذي جسدي نارا معتقتة من دفء الوطن الخالد في جباه المعتوهين. كنت معتوها قبل أن أكتشف لا مرئية المعتوه. كنت معتوها قبلك.
قبليني بعنف دون ارتجاج. قبليني بوطن دون بوح الفتوحات.


إجا / طاطا


في :

زهرة مبارك
26/11/2007, 02:30 PM
امن انت بفكرتك اولا امن بها الى حد الاعتقاد الحار فانا لا اؤمن ابدا بفكرة تنبع من قلب بارد لا من فكر مشع
اوقع معكم على ميثاق المربد

ارجوا منكم ايصال مشاركتي الى الجهة المعنية بالمسابقة تعذر علي ارسالها عن طريف البريد الالكتروني الموجه من قبلكم


طلب مشاركة



يطيب لي انا زهراء مبارك من دولة الجزائر أن أشارك في مسابقة القصة التي أعلن عنها موقعكم * المربد * بقصة مذكرات رجل تافه .



وتبعا لشروط المسابقة أرفقها بقصتين واحدة حائزة على جائزة دولية من فرنسا للقصة بعنوان لذة وإعصار جسد وثانية طويلة بعنوان حكاية قلب



وهذه مقتطفات من سيرتي الذاتية

زهرة مبارك كاتبة صحفية من الجزائر خريجة معهد الأعلام الألي لتسيير بجامعة ابن خلدون بولاية تيارت بالجزائر.
وطالبة سنة ثالثة قانون أعمال.
ومراسلة صحفية منذ حوالي 10 سنوات .
تكوين صحفي مع منظمات دولية عاملة في حقل الأعلام .كفريدم هاوس الأمريكية وفريديرش ألبارت الألمانية .
منشطة ثقافية في القطاع الخاص العامل في السمعي البصري
موظفة بإحدى فروع شركة سوناطراك
شاعرة مبتدئة وقاصة لها مخطوط بعنوان مذكرات رجل تافه يحوي مجموعة من القصص ( سيد الجواري، إلى حضرة المحترم جسدي ،من هنا مر المستشار ، حكاية قلب هذه الأخيرة عبارة عن قصة طويلة ستنشر في كتاب بنوغرافيا القصة النسوية بالجزائر في إطار فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة لعربية
جائزة دولية في القصة القصيرة عن قصة لذة وإعصار جسد
حائزة على العديد من الشهادات التقديرية والشرفية لمشاركتها في العديد من البرامج والملتقيات الثقافية بالجزائر

مذكرات رجل تافه
ها



***********
**********
******
حذفت القصة لمخالفة ميثاق المربد
قبل أن تكون مخالف لمسابقة المربد الأدبية
طارق شفيق حقي

الحمري محمد
28/11/2007, 11:46 AM
هذه بعض المحاولا ت التى اتمنى ان ترقى الى ما هو مطلوب.
كل المحبة.
القصة القصيرة الاولى.

المشجب

على المشجب الخشبي,وضع طربوشه,معطفه فسرواله لكي يتجنب عناء كيه ثانية.تمدد ليريح قدميه وظهره من وقوف النهار...ونفسه من اهاناته المتكررة...نظر الى المشجب بتوجس....
تحرك ببطء,فتح الباب ... وأحكم اغلاقه خلفه..هرول وسط الزحام.
نجا من نزق دراجة حادت منكبه.
دلف من الباب المحروس للبناية.لم يوقفه الحارس لأن الشارة لاتزال تزين الجانب الأيسر من المعطف.اندس مع آخرين في مصعد خاص...
فتح الباب دون أن يطرقه,لم يغلقه...
خلف المكتب رجل بدين يرفع قدمين نزع عنهما الحذاء والجوارب...
اندهش.كيف لبوابه أن يقتحم عليه خلوته دون استئذان؟
ولان الباب ظل مواربا,سمع دوي صفعة...
فتفككت أوصال المشجب الخشبي...
على الخد الأيمن أثر اعتداء عميق...
دلت الشارة عليه...اقتيد من على سريره ـ حيث أراح ظهره ولم يرح نفسه من اهانات الصباح ـ بتهمة تحريض الأموات ....

القصة القصيرة الثانية

حكاية شجرة (http://rm1963.maktoobblog.com/612062/%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%8A%D8%A9_%D8%B4%D8%AC%D8%B1% D8%A9)

كان علي أن أنحنى قليلا,رغم قصر قامتى,لألج بهو المسجد العتيق...
استقبلتنى كعادتها,منذ سنين خلت,نضارة..صلابة...ورائحة فريدة...
شجرة التين هذه,خلسة ونحن نمحى الواحنا تحت ظلها,كنا نقطف ما تدلى منها ـ غالبا ما تكون تمارا لم تنضج بعد ـ لتتشقق شفاهنا بعد يوم واحد كدليل على تلبسنا.فكان العقاب ...لا خروج لمحو الالواح
كل قطرة ماء سقطت,في بهو المسجد العتيق,كانت تسقي شجرة التين تلك.ماء الواح...ماء مطر...ماء وضوء...ماء...
شجرة التين هاته لم يمل الفقيه من تشبيه رؤوس الشياطين بفروعها الضخمة...وحدثنا أكثر من مرة,خصوصا كلما حل مريد جديد,عن سر تلك الاقمشة التى تعلو أغصانها...حدث أن تسلقها طفل في سنكم ...علق بها منذ ذلك الزمن... تحول الى طائر ابيض يحرس الشجرة ليلا...
اقتربت من صبي يصارع لاخفاء حرف القاف من على لوحته ـ كانت الكلمة اقرأ ـ
استهوتنى رائحة الصلصال ولزوجته...ربت على رأسه الصغير...سألته ـ فقط لكي أعرف هل لا يزال هناك وجود لخرافة الفقيه ـ لمن هذه البقايا من الاقمشة؟
رفع عينين يشع منهما الذكاء وأجاب
ليخيفنا بها نحن العصافير...وابتسم


القصة الثالثة
الدورية (http://rm1963.maktoobblog.com/616448/%C7%E1%CF%E6%D1%ED%C9)

كان الحاكم الفرنسي يجبر أهل الدواوير التى تحاديها خطوط الهاتف على حراستها ليلا.
وكلما جن الليل, رأيت أشخاصا أسندوا ظهورهم لأعمدة الهاتف,لدرجة صارت معها الأعمدة تحمل أسماء حراسها.وكانت الأوامر...بين كل عمودين محروسين, عمودان دون حراسة.لسببين اثنين
الأول,ليبتعد الحراس عن بعضهم حتى لا يلهيهم الحديث عن الحراسة
والثاني,ليضمن الحاكم تغطية كاملة على طول الخط الهاتفي.
فضلت العمود العاشر لقربه من المدرسة التى ستكون وجهتى مع ساعات الصبح الأولى ...
ولكي أكون قريبا من رجل فى عقده الرابع, من القرية المجاورة,كان يعفينى من حراسة العمود ـ اعترافا منه بجميل والدى عليه أن علمه القرآن ـ وكان لا يوقظني الا عندما تقترب دورية الحاكم الفرنسي الذي لا يتردد فى اصدار حكمه والذى صار معروفا ...شهرا حبسا لمن ضبط نائما...لينفذ الحكم صباح اليوم بمكتب الحاكم الفرنسي بزيه العسكري, واستحمامه الصباحي,ورائحته الافرنجية...
في احدى دورياته, كنت نسيت ما يشبه المحفظة معلقة على عمود الهاتف الذى أحرسه,لكي لايتسلل النمل لقطعة الخبز الأسود وقنينة الشاي القطرانية اللون.
سألني الحاكم بلكنة وجدت صعوبة في فهمها
اش هذا؟{يعنى ما هذا؟ّ
وأشار الى محفظتي المعلقة.
أجبت لتوي وبثقة طفل أراد أن يظهر,في أول فرصة أتيحت له,براعة اتقانه للغة الحاكم الفرنسي...
Mon cartable Monsieur
فكانت آخر ليلة أحرس فيها عمودي العاشر...

الصديق بودوارة
01/12/2007, 05:07 PM
القصة الأولى



حبة أسبرين


(( نُكب البرامكة ، يقول التاريخ ، نكبهم الرشيد فشتت شملهم ، صاروا أثراً بعد عين . ))

تجولت الذكرى برأسي ، تخيلتُ مشاهد الذبح الحلال والسياف المجتهد بفصل الرؤوس عن أجسادها ، وتختلط الأجساد برؤوس غيرها ، هذا الرأس ليس لهذا الجسد ، أين اذاً جسده ؟ ، وذلك الدم يجري بينهما جسدٌ ميت ورأس مقطوع .

ـ ونُكبتُ أنا ، ( كان يحدث نفسه كالممسوس ) ، نُكبتُ أنا ، ليس الرشيد هذه المرة من نكبني ، لكنها هى ،
هي يا مستور .

خاطبني للمرة الأولى .

عاد لهذيانه ، وعدت أنا لبعض شأني ، كنت أضمد جرحاً لا دماء له ، أغلق بحبة الاسبرين ثغرةً في رأسي لكن الصداع يرفض هذه الحيلة المستهلكة وينصب الألم عرسه الصاخب ، هناك ، وسط جمجمتي تماماً ، تحرث سنابك خيله الظافرات ساحة جبهتي ويظل يوجعني بايقاعات طبوله المدوية .

(( و نكب المسلمون ذلك اليوم ، كانت هند تأكل كبد حمزة ، تمضع اللحم ولذة الشبع تداعب مذاقها ، كانت كبد حمزة شهية الطعم ذلك اليوم ، وكانت المرارة في افواهنا الى اليوم ))

عاد للهذيان :
ـ ونُكبتُ أنا يا مستور ، لم تأكل كبدي هند ، لكنني صرت الآن عدماً ، أُكلتُ تماماً ، ولا أتهم هنداً بشئ ، هي التي فعلت .

لم أعد أطيق مجرد الإنصات إليه ، كان الصداع يحفر بالألم تجاعيداً لا أراها لكني أحس بها ، يزداد النبض ، يتدفق الدم في الأوردة الضيقة فتئن منه ، انتفض مع سياط الألم .. أتوجع .. أكتم آهة وأعجز بعد ذلك عن الكتمان ، ويظل الوجع يسكن رأسي بلا أمل في الرحيل .

(( كانت سيوف الرشيد تقطع أوصالهم .. أولئك البرامكة .. وفي توقيت واحد أُرسلت فرق الموت الى البيوت تحص كل من ينتسب اليهم .. كانت دماؤهم تلطخ أبواب بيوتهم ))

ـ اسمعني جيداً .. سأعترف لك يا مستور .. انتظرتها لشهرين .. قمران كاملان .. مشرقان كألف شمس عبرا سمائي .. أحدهما همس لي بمودة بيضاء كوجهه :
ـ انها مقبلة اليك .. الآن .

عاد للكلام معي :
ـ وأقبلت يا مستور .. رأيتها .. كان النسيم يلهو بظفائرها كعادته .. سعيتُ اليها .. من عادة النهار أن يسعى الى شمسه .. بدونها لا يصير نهاراً لذلك يسعى اليها .. أنا ايضاً فعلت لكنها اختفت .. واختفيت أنا أصبحنا ظلالاً لا شكل لها .. تبتعد كلما ارادت الاقتراب .. كنت على ضفة الغدير يا مستور والعطش يقتلني لكني عدت منهكاً يقتلني العطش .
كان بودي أن أواسيه ببعض الكلام الطيب .. أن أمسح القليل من احزانه بالقليل من الود لكني عجزت واستعصى على فمي الحديث فقد كان الصداع يتوغل بجحافله داخل العين اليمنى ومنها يرسل جنوده الأشداء الى اليسرى فاعجز عن مجرد التركيز .. كانت الأشياء تبدو لي رمادية ومائعة مالسراب .. وكنت اسند رأسي بيدي .. أضغط بوهن واتقلب في كل اتجاه .. لابد أن يسكن الألم عند هذا الوضع او ذاك الآخر المهم ان يمد لي يده بهدنة مؤقتة .. ارسلت له الرسل .. طلبت الصلح .. توسلت .. لا املك غير هذا الرأس فلا تعبث معي ايها الألم .. لي هذه الجبهة فابعد سنابك خيلك عنها .. دعني أنصت إلى الرجل يشكو ما الم به .. دعنى احيا هذا العمر القصير .. ودعني الآن .. كن على الأقل أقل حدة .. ايها الصداع .. اتحدث معك فاسمعني .

(( .. ويقولون ان الرشيد لما رأى سطوة الفرس على العرب قرر أن ينكب البرامكة فغضب على وزيره " جعفر البرمكي " .. ومن أحد جسور بغداد استوحى الفكرة .. فشق جسـد الرجل وعلقه نصفاً على كل جانب ))
شئ كالصداع النصفي .. نصف هنا وآخر هناك .. وجد الرشيد علاجاً للصداع وعجزت أنا . فيما كان صديقي المنكوب كالبرامكة يواصل سرد حكايته من وراء طوفان الألم الذي يضرب رأسي بحقد لا افهمه :
ـ نكبتني يا مستور .. أشرقت على كالشمس لكنها غربت قبل أن أملأ عيني من نورها .. اختفت يا مستور وعاد لي البرد وذلك الانتظار القديم .. مستور .. ( خاطبني باهتمام هذه المرة ) عاد لك الصداع ؟ ما رأيك بحبة اسبرين ؟

الصديق بودوارة
01/12/2007, 05:09 PM
القصة الثانية



السحابة العاشرة



(1)

هناك .. في اقصى الأفق .. حيث يوجد البعيد وتعصب السماء رأسها بتسع سحابات ناصعة كالثلج بينما تراقب العاشرة ما يجري .
الواقع ان لا شئ يجري .. هذه ليست مفاجأة فذلك الأفق الممتد بلا نهاية لا يضمر شيئاً .. لا ينوي الخير ولا الشر .. انه مجرد افق يعصب رأسه بتسع سحابات بينما تراقب العاشرة ما يجري .



(2)

هناك .. مرة أخرى هناك .. اشتقت لوجه حبيبتى و فنجان قهوة .. ربما كانت خطيئتي انى بدأت بالقهوة .. على قعر الفنجان تشكل وجه الفقيه :
ـ حبيبتك ؟ .. كيف ؟
سألني والشك يسيل من جوانب فمه كاللعاب :
ـ هل في الموضوع حلال أم حرام ؟
عاد للشك :
ـ في الموضوع عاطفة ؟ حنين الى االبعيد عن متناول اليد القريب من متناول القلب ؟

خرج الوجه من الفنجان بعض الشئ .. صار اكثر وضوحاً :
ـ رجس من عمل الشيطان ؟
صاح في وجهي ، غافلته وشربته مع القهوة .. صار الفنجان جزيرة من سائل حاد المرارة وصرت سندباداً ضائعاً بلا حتى حطام سفينة ومن بعيد ظل وجه حبيبتى يسكن قعر الفناجين خائفاً من وجوه غائمة الملامح تتشكل على سطح قهوة سوداء .



(3)

قررت أن اصبح بطلاً ..
اخبروني ان عبور الصحراء بطولة وان عبور البحر بطولة.. وان رفع الاثقال بطولة ..وان الصمت هو اكبر البطولات.
قررت ان اصمت ( بطولة كبرى بثمن قليل ) قلت لنفسي :

ـ في الصحراء سيقتلني العطش وفي البحر سأموت غرقاً .. وسأعجز بالتأكيد عن رفع الأثقال .
قلت لنفسي .. وهكذا كان .
اشتريت منزلاً جدرانه كاتمة للصوت وحديقته لا تغني فيها الطيور .. وتزوجت قطعة من هدوء مميت وأنجبت اطفالاً بلا السنة .. اخترت حياة مليئة بالصور بالمشاهد .. لكنها بلا صوت .

كنت احب الطرب لكني صرت استمع الى مطربين يحركون شفاههم ويلوحون بايديهم دون أن يتفوهوا بكلمة واحدة .
هكذا صرت بطلاً .. لكني مت .. توفاني الله .. فقد قتلني الحنين الى الكلام .



(4)

" الجامد " عفريت طيب .. لم يؤذ بشراً طيلة حياته المديدة ، لم يسكن قارورة من زجاج ازرق ، ولم يدركه النوم داخل ابريق لزيت الطعام ، ولم يتشكل يوماً في صورة وحش كاسر او حتى ارنب وديع .



" الجامد " عفريت حسن السمعة يسكن بيته الخاص به .. المخصص للعفاريت امثاله .. لكن الرجل ( اقصد العفريت ) وقع فى الحب ، عشق فاتنة ، الواقع انه صبر طويلاً قبل ان ينهار على هذه الصورة :

ـ فاتنة بشرية رائعة الجمال وانا مجرد عفريت بشع وان كنت حسن السمعة بعض الشئ .
قال لنفسه ثم اتخد القرار الصعب ..
ارسل اقاربه الى اهل محبوبته كما يفعل الرجال الطيبون..لم يسكن جسدها او يتسبب لها بالكوارث :

ـ ابنى عفريت مثابر .يمتلك مستقبلا زاهرا وسبع سحابات بيضاء وقطيع من الغيوم المتخمة بالمطر و.يستطيع ان يوفر لها سكنا لائقا .. صحيح انه لا يحب اباريق الشاى لكنه مستعد للتضحيه من اجلها .

تكلم والده الشيخ بلهجة رزينة اثارت اعجاب الحضور.
وافقت البنت..وافق اهلها وبارك أقاربها الزواج المثير للجدل.

تزوجت " فاتنة " عفريتها الطيب..
مر زمن طويل على هدا الحدث.. صارت فاتنة اليوم زوجة راشدة تسكن غيمة منذرة بالمطر وترعى قطيعا مباركا من السحب البيضاْء..فيما يدمن زوجها الطيب النوم تحت اجنحة الطيور العابرة مزهوا بزوجته الحسناء وسمعته الطيبة.

الصديق بودوارة
01/12/2007, 05:11 PM
القصة الثالثة

قلب العفريت


ـ هكذا هو القلب ، أربع حجرات متجاورة ، يخرج منها الدم ليدخلها من جديد ، كتلة حمراء بحجم قبضة اليد ، ينقبض وينبسط طوال عمره ليزيد في أعماركم .
أيها البشري التافه ، كيف تحمّل قلبك ما لا يُطاق ، كيف تملأ حجراته الأربع بثقل تنؤ به الجبال ؟
كان المارد الأزرق اللون الذي انطلق لتوه من تلك الزجاجة يهدد ويتوعد ويرفع صوته الجهوري المرعب في وجه الصياد الهزيل البنية ، الرث الثياب ، الذي انكمش بتأثير الخوف فيما كانت أعضاؤه ترتجف كورقة في مهب الريح :
ـ لم اجترح المعجزات ، اعذرني أيها العفريت المبجل ، لم اقصد ايقاضك من غفوتك ، كنت اتوسل من هذا البحر الزاخر سمكة وحيدة اقتل بها جوعي فلما التقيتك طمعت بالمزيد .
جلس العفريت الضخم على رمال الشاطئ ، وأرغم صياده البائس على الجلوس ، فبدا الأمر وكأن جبلاً من الجرانيت الأسود يستضيف ذبابة خجول .
ـ ولكنك لم تطلب ما يُستحق أن يُطلب من جني مقتدر مثلي ، عفريت في مثل كفاءتي كان يجب أن لا يوقظ من سباته إلا لأمر خطير ، أما أن تقض مضجعي لتطلب مني أن أزوجك ابنة عمك لمجرد أنك تحبها فهذا هو الهراء بعينه .
لملم الصياد أطراف شجاعته واستعاد أمجاد بشريته التليدة ليتذكر أخيراً أنه حفيد النبي سليمان ، ذلك البشري الذي دانت له رقاب الجن لسنين لا يعلم عددها الا الله ، وبمهجة يمزقها الخوف واجه العفريت المتمرد قائلاً :
ـ أنا من حررك من الأسر ، وأنا من يأمرك بطاعتي ، هكذا أخبرتنا الحكايات وقالت لنا الأساطير ، غيري كان سيطلب منك جبلاً من ذهب أو قصراً مترعاً بالجواري ، أنا لا أريد عرش بلقيس ، ولا بلقيس ذاتها ، تكفيني ابنة عمي التي اعشقها ، ايها العفريت العاجز ، عن أي كفاءة تتحدث ما دامت قدراتك متدنية الى هذا الحد ؟
ابتسم الجني لأول مرة فاندلع من فمه البشع لهب أزرق خفيف ، فسرت في المكان موجة من الدفء رغم الريح الشمالية الباردة والغيوم الملبدة بالسواد المنذرة بالمطر :
ـ شئ واحد لا افهمه ، كيف يمتلئ قلبك بالحب ، بينما يخلو كيسك من المال ، لعل هذا هو سبب فقرك ، قديماً قال حكماء الجن ان المال والحب لا يجتمعان في قلب واحد ولو كان بأربع حجرات ، اسمع ايها البائس ، الآن ادركت سرك العظيم ، لن تكون فقيراً بعد اليوم ولن تضطر الى استجداء مجرد سمكة من هذا البحر المالح ، عاينت الداء ووجدت الدواء ، مثلك لا يسعده جبل من ذهب ولا قصر مترع بالجواري ، سأمنحك قلباًً لم يحلم به بنو البشر ، سيكون لك قلب جني لا يعرف العشق ولا يدخله الدم أو يخرج منه ، عاينت الداء ووجدت الداء .
رددت الأمواج المضطربة رجع الصدى فانطلق صوت العفريت الصاخب جارفاً في طريقه الرمال الناعمة الرمال الناعمة ، فيما كان الصياد المنهك يعود ادراجه حاملاً شبكته العتيقة وقد التهب صدره بوهج ساخن بعث في أوصاله دفئاً لا حدود له رغم الرياح الشمالية الباردة ورغم الغيوم السوداء الملبدة بالسواد المنذرة بالمطر .