المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرحيل



فيصل محمد الزوايدي
28/10/2007, 08:01 PM
الرحـيــلُ ..

يا الصابرونَ على الـهمِّ ، ضاقَت عِندَ العُمر أُمنِياتـي ، و ذَاقَت نَفسي وَجَعَ الفَجائِعِ ..
من جَنوبٍ كان الرحيلُ يومًا .. باردًا يومًا .. لكن لهيبًا ما يلفحُ وَجهـي ، و شتاتٌ مُبعثَرٌ مِني تعبثُ بِهِ رياحٌ شتى ، تقفُ أُمي عند عتبةِ البابِ و بيدها إناءُ ماءٍ لِتَصبه ورائي حتـى أعودَ إليها ، و فـي عَيْنَيْها بريقُ ماءٍ آخر .. لَـم تَقُل شيئًا لكن تـمتمات تصدرُ مُبهمةً عن شَفَتَيْها ، خـمنت أنـها أدعيةٌ بالـحفظِ و العودةِ .. أخي الصغير واقـفٌ حذوها بقميصهِ الـمتهدلِ و إصبعه تعبثُ بِأنفِهِ ، ينظرُ بغرابةٍ إلينا ، فهو لا يَـعلم بعدُ معنـى الرحيلِ .. مِنَ النافذةِ الـخشبية الزرقاء تُطل أختي و هـي تُلقي بيـن الـحين و الآخر بنظراتٍ جزعةٍ إلى داخلِ الغرفة ، هنالك أبـي على فراشٍ سقيمًا ، مرضٌ داهـمَه فلازَمَهُ فأقعَدَهُ .. تـحسَّنت حالُــه قبلَ يومين فأخبرتُه بـموعدِ الرحيل ، لَـم يقُل شيئًا لكني أحسستُ في صمتهِ الرهيبِ توسلا بالبقاءِ .. و مِن عَينَيْهِ اللتين تـهدَّلت عليهما الأجفان صَرَخَ استجداءٌ مزلزلٌُ بعَدَمِ الرحيلِ .. و لكن أنّى لـي ذلكَ و لَـم أبلُغ فرصة َ السـفرِ هَذِهِ إلا بعناءٍ قد لا أستطيعُه ثانيةً.. كذلك الـحصولُ على تأشيرةِ سفرٍ إلـى البلاد التي أقصدُ ليس متيسرًا دومًـا .. و يـتَعَثَّرُ تدفق الـدم عَبرَ الشرايين فأدركُ أن اِنـخِسافَ الأرضِ بـمَن عليها ليس دائمًـا أشدَّ الـمَصائِبِ ..
ارتفع صوتُ مُـحَرِّكِ السيارةِ الـمتوقفةِ أمامَ البـيت ، فقد ضغطَ السائقُ على دَواسةِ البنزين لِيَستَحِثَّني ، بابُ العربةِ مفتوحٌ يطلُبُني إلـى حياةٍ جديدةٍ .. حياة رسـمَتها أحلامٌ و أوهامٌ .. هنالك بعيدًا خلفَ سفرٍ طويلٍ إلـى أرضِ الوُجوهِ الشقراء و الـمالِ الوفير و الـمباهجِ .. ينفتحُ بـهدوءٍ بابُ منزلٍ مُـجاورٍ تـخرجُ مِنه فتاةٌ اتفقَت عائلتان يومًا على تزويـجي مِنها فهي ابنةُ خالـي .. لـم تَكُن الفتاةُ قبيحةً حتى أرفضَها زوجـةً بل على النقيض مِن ذلك كانت من ذوات الـحُسنِ خاصةً مَعَ ابتسامةٍ ساذجةٍ تُذكِّـرنـي كثيرًا بابتسامةِ أبيها الطيبِ .. لكني كُنتُ أرفُضُ ذلكَ الارتباطَ الذي يَشُدُّنـي إلى حياةِ البُؤس هنـا، تـمسَحُ أمي أنفَها بِطَرَفِ ردائِها و أَلـحَظُ غــيابَ أختي عن النافذةِ . يُصبِحُ التقاطُ الـهواءِ إلى صدري عمليةً أكثرَ صعوبةً ، تذَكَّرتُ كلامَ أبـي الكثير عن كَونـي رجلَ الدارِ بعدَه فكنت أُجيبُه بأن أدعوَ له بطولِ العُمرِ فيُجيبُنـي : يَطولُ العُمرُ أو يَقصُر فلابد للإنسانِ أن يُقبَـر .. تداخَلَت الصورُ أمامي مِن صبـيٍّ أسـمرَ يَلهو عند مَشارِف الصحراء إلـى شُقرِ الوجوهِ فـي بِلادٍ ثلجيةٍ و اختلطت الألوانُ فـي مزيجٍ غريبٍ ، أفقـدُ كلامًا كثيرًا كان مِنَ الـمُمكِنِ قولـه فـي هذا الـمقامِ ، فلا أجِـد مـا أقول فأصمتُ، لـم يَكُن للحظةِ و لا للزمنِ غـير معنى واحدٍ مُـختَلفٍ لا يعرِفُهُ الساعاتِِيّون .. و أخشى انفجارًا بداخلي فأُلقي حَقيبَتي الصغيرة على الـمقعدِ الـخَلفي و أهُـمُّ بإلقاءِ نفسي داخلَ السيارةِ و لَكن..
يسقُطُ إناءُ مـاءِ على الأرض فقد كان ولدي الصغيرُ قد أوقع قدحًـا من يَدَيْهِ .. تـمامًا مثلما سَقَطَ إناءُ الـماءِ من يَدَيْ أمي يومَها عندما ارتفَعَ صوتُ أختي مِن النافذةِ الخشبيةِ الـزرقاء بصيحةٍ مـجروحَةٍ تُعلِنُ وقوعَ الفادحةِ ..
تنحنـي زوجتي تُلَمْلِمُ شظايا القَدَحِ و تبتَسِمُ بطيبةٍ ساذجةٍ تُذَكِّرُنـي بـخالـي الطيب.

فيــــصل الزوايـــــــدي

نوف
28/10/2007, 09:28 PM
سمة الاختزال موجودة في القصة القصيرة
ولي وقفة معها

مرحبًا بك أخًا فعالًا في المربد

تحياتي

فيصل محمد الزوايدي
29/10/2007, 07:24 AM
أخت نوف أسعدني هذا المرور الانيق و هذا الاطراء .. سابقى في انتظار عودتك الى النص بلهفة ..
دمت في خير
مع المودة

فيصل محمد الزوايدي
19/11/2007, 08:08 PM
اخت نوف .. مازلت استعذب كلماتك الراقية و دعمك الباذخ و لكني مازلت ايضا انتظر وعدك بالعودة
مع المودة

نهي رجب محمد
23/11/2007, 07:45 PM
قص مجيد ومتقن يتخير لحظة الرحيل مفتتحا لإفضاء هم جمعي حمله هذا المغترب، هم الأهل كل المبررات كانت تدعوه للبقاء لكن الفرصة مثالية للسفر
ولكنه الأخ الأكبر والعائل وهنا تنعقد الأزمة ويدير الراوي المتحدث بضمير الأنا الأحداث مستخدما العودة للوراء طريقا للبوح الداخلي ثم تكون العودة للحاضر مفاجئة ونحس أنه مازال متعلقا باهله فقد تزوج ابنت عمه شكرا
الماء هنا يلعب دور الكلمة المفتاحية للتذكر والختامية للخروج للحاضر
شكرا سهيلة

فيصل محمد الزوايدي
24/11/2007, 09:41 AM
قص مجيد ومتقن يتخير لحظة الرحيل مفتتحا لإفضاء هم جمعي حمله هذا المغترب، هم الأهل كل المبررات كانت تدعوه للبقاء لكن الفرصة مثالية للسفر
ولكنه الأخ الأكبر والعائل وهنا تنعقد الأزمة ويدير الراوي المتحدث بضمير الأنا الأحداث مستخدما العودة للوراء طريقا للبوح الداخلي ثم تكون العودة للحاضر مفاجئة ونحس أنه مازال متعلقا باهله فقد تزوج ابنت عمه شكرا
الماء هنا يلعب دور الكلمة المفتاحية للتذكر والختامية للخروج للحاضر
شكرا سهيلة

أخت سهيلة الشكر لك انت لهذه القراءة الباذخة لنصي .. أسعدني تفاعلك مع القصة و شخصياتها و تحليلها و تأوليها و انتباهك الى بنائها القائم على المفاجأة في النهاية ..
انا مكمتن لهذا الاطراء و الدعم
دمت في خير
مع المودة

زاهية
24/11/2007, 10:13 AM
الجذر يحن لأرضه ولو امتد إلى أرض أخرى فكيف به وهو مازال في موقفه لم يبتعد عن مسقط رأسه وأمامه كل هذه العواطف التي تدعوه للبقاء ؟ليس كل إنسان يستطيع أن يكون مثل هذا البطل الأصيل الذي فضل البقاء على ترك جذوره تعبث بها ريح الشوق والحاجة لساعدٍ رفيق ..مبدع أنت أخي المكرم فيصل ويعجبني أسلوبك جدا ولغتك القوية ماشاء الله لاقوة إلا بالله.
أختك
بنت البحر

نهي رجب محمد
25/11/2007, 06:56 PM
شكرا أخي القاص دمت مبدعا ومزيد من التجدد والاستمرار
سهيلة

فيصل محمد الزوايدي
25/11/2007, 07:54 PM
الجذر يحن لأرضه ولو امتد إلى أرض أخرى فكيف به وهو مازال في موقفه لم يبتعد عن مسقط رأسه وأمامه كل هذه العواطف التي تدعوه للبقاء ؟ليس كل إنسان يستطيع أن يكون مثل هذا البطل الأصيل الذي فضل البقاء على ترك جذوره تعبث بها ريح الشوق والحاجة لساعدٍ رفيق ..مبدع أنت أخي المكرم فيصل ويعجبني أسلوبك جدا ولغتك القوية ماشاء الله لاقوة إلا بالله.
أختك
بنت البحر
أخت زاهية بنت البحر أسعدتني كثيرا هذه القراءة الباذخة للنص و كذلك الاطراء عليه .. اسعدته و صاحبه كثيرا .. نعم هو صراع بين عواطف تتصارع كالعواصف بداخله و يكون الحسم للقدر .. أنا ممتن لهذا الدعم كثيرا أخت زاهية
دمت في خير
مع المودة

فيصل محمد الزوايدي
25/11/2007, 07:56 PM
شكرا أخي القاص دمت مبدعا ومزيد من التجدد والاستمرار
سهيلة

أخت سهيلة الشكر لك انت لهذا التفاعل و المرور الانيق
دمت في خير
مع المودة

نهي رجب محمد
30/11/2007, 05:48 PM
مبارك الفوز لقصتك الرحيل مناصفة مع قصتي الأريكة
سهيلة

فيصل محمد الزوايدي
04/12/2007, 10:24 PM
مبارك الفوز لقصتك الرحيل مناصفة مع قصتي الأريكة
سهيلة
بارك الله فيك اخت سهيلة للخبر المفرح و المعذرة للتاخر في الرد
دمت في خير
مع المودة